مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

واختار في المنتهى والتذكرة والتحرير والمدارك : العدم (١) ، لما مرّ من إطلاق النصّ. وهو الأظهر ، لذلك ، وعدم اعتبار الشكّ في التبادر ، بل المعتبر العلم بعدم التبادر ، وهو ممنوع.

ولو اشترك جماعة في الاستخراج ، قالوا : يعتبر بلوغ نصيب كلّ واحد النصاب (٢).

ويظهر من بعض الأجلّة وصاحب الحدائق (٣) الميل إلى العدم ، بل يكفي بلوغ نصيب المجموع. وهو قوي ، للإطلاق ، خرج منه غير صورة الاشتراك بالإجماع والضرورة ، فيبقى الباقي.

المسألة الثانية : يشترط في وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة : وضع مئونة التحصيل التي يحتاج إليها في التوصّل إلى هذه الأمور ، من حفظ الغنيمة ونقلها ، واجرة حفر المعدن وإخراجه وإصلاحه وآلاته ، وآلات الغوص أو أرشها ، واجرة الغوص وغير ذلك ، ومئونة التجارة من الكراية ، واجرة الدلاّل والمنزل ، ومئونة السفر والعشور ونحوها ، وكذا مئونة الزراعة والصناعة (٤) ممّا يحتاج إليها حتى آلات الصناعة (٥) ، لعدم صدق الفائدة على ما يقابلها ، وللأخبار المستفيضة :

كصحيحة البزنطي : الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟ فكتب : « بعد المؤنة » (٦).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٥٠ ، التذكرة ١ : ٢٥٣ ، التحرير ١ : ٧٣ ، المدارك ٥ : ٣٦٧.

(٢) كما في الكفاية : ٤٢.

(٣) الحدائق ١٢ : ٣٤٤.

(٤) في « ق » : الصياغة.

(٥) في « ق » : الصياغة.

(٦) الكافي ١ : ٥٤٥ ـ ١٣ ، الوسائل ٩ : ٥٠٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٢ ح ١‌

٦١

وتوقيع الهمداني : « الخمس بعد المؤنة » (١).

ورواية الأشعري : عن الخمس ، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل أو كثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه : « الخمس بعد المؤنة » (٢) ، إلى غير ذلك ممّا يأتي.

والمؤنة وإن كانت مجملة محتملة لمؤنة المعاش ، إلاّ أنّ عدم حجّية العامّ المخصّص بالمجمل المنفصل في موضع الإجمال يثبت وضع مئونة التحصيل والتوصّل.

ولا يوجب التصريح بمؤنة الرجل في بعض الأخبار (٣) ابتداء أو بعد السؤال عمّا اختلف فيه ـ كما يأتي ـ تقييد تلك الأخبار أيضا ، لأنّه لا يدلّ على أنّها المراد خاصّة بالمؤنة في مطلقاتها ، ولا على أنّه ليس بعد مئونة العمل ، بل يدلّ على كونه بعد هذه المؤنة.

وأمّا مئونة المعاش فهي غير موضوعة عن غير القسم الخامس إجماعا.

ولا يحتسب رأس مال التجارة ولا ثمن الضيعة من تلك المؤنة ، لصدق الفائدة على النماء من دون وضعهما ، ولعدم صدق المؤنة عليهما ، بل الظاهر أنّ المؤنة في ذلك المقام ما يحتاج إليه العمل ممّا لا يبقى عينه أو عوضه ، فالمؤنة في آلات الحفر والغوص والحرث والثور وآلات الصناعة (٤) ممّا تبقى أعيانها ما طرأها لأجل العمل من نقص القيمة لا من الجميع ، إلاّ أن يكون شي‌ء منها داخلا في مئونة الرجل أيضا ـ كما هو المحتمل في‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢ ـ ٨٠ ، الوسائل ٩ : ٥٠٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٢ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٣ ـ ٣٥٢ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ ـ ١٨١ ، الوسائل ٩ : ٤٩٩ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ٤٩٩ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨.

(٤) في « س » و « ق » : الصياغة.

٦٢

آلات الصناعة (١) ـ فيوضع عن القسم الخامس.

ثمَّ الحقّ : أنّ اعتبار النصاب فيما يعتبر فيه قبل هذه المؤنة ، وفاقا للمدارك (٢) ، فيجب فيه الخمس إذا بلغ النصاب ، غايته وضع المؤنة ، لإطلاق قوله : « ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس » وقوله : « حتى يبلغ عشرين دينارا » أو : « إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس » ، وتخصيص ما يقابل المؤنة بمخصّص لا ينافيه.

خلافا لصريح البيان والدروس (٣) ، والمحكيّ عن ظاهر الأكثر (٤) ، فبعدها يعتبر. وما ذكرناه يردّه.

المسألة الثالثة : يشترط في وجوب الخمس في القسم الخامس ـ وبعبارة أخرى : في غير الغنائم والمعادن والكنز والغوص من الفوائد المكتسبة من حيث هي ـ كونه فاضلا عن مئونة السنة ، إجماعا محقّقا ، ومحكيّا عن صريح السرائر والمعتبر وظاهر المنتهى والتذكرة والذخيرة والمدارك (٥) ، وفي الحدائق نفى الخلاف عنه ظاهرا (٦).

لما ذكر ، وللأصل ، والمستفيضة ، كصحيحة البزنطي وتوقيع الهمداني المتقدّمين في الغنائم (٧) ، وروايات النيشابوري (٨) والأشعري (٩) وابن‌

__________________

(١) في « ق » : الصياغة.

(٢) المدارك ٥ : ٣٩٢.

(٣) البيان : ٣٤٤ ، الدروس ١ : ٢٦٠.

(٤) انظر الروضة ٢ : ٧١.

(٥) السرائر ١ : ٤٨٩ ، المعتبر ٢ : ٦٢٧ ، المنتهى ١ : ٥٥٠ ، التذكرة ١ : ٢٥٣ ، الذخيرة : ٤٨٣ ، المدارك ٥ : ٣٨٥.

(٦) الحدائق ١٢ : ٣٤٧.

(٧) راجع ص : ٦١ و ٦٢.

(٨) التهذيب ٤ : ١٦ ـ ٣٩ ، الاستبصار ٢ : ١٧ ـ ٤٨ ، الوسائل ٩ : ٥٠٠ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٢.

(٩) المتقدّمة في ص : ٦٢.

٦٣

مهزيار (١) السابقة.

ورواية الهمداني ، وفيها : واختلفوا من قبلنا في ذلك ، فقالوا : يجب على الضياع الخمس بعد المؤنة ، مئونة الضيعة وخراجها ، لا مئونة الرجل وعياله ، فكتب عليه‌السلام : « بعد مئونته ومئونة عياله وخراج السلطان » (٢).

والمرويّ في تفسير العيّاشي : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عمّا يجب في الضياع ، فكتب : « الخمس بعد المؤنة » فقال : فناظرت أصحابنا ، فقالوا : المؤنة بعد ما يأخذ السلطان وبعد مئونة الرجل ، فكتبت إليه : إنّك كتبت (٣) إليّ : أنّ الخمس بعد المؤنة ، وإنّ أصحابنا اختلفوا في المؤنة ، فكتب : « الخمس بعد ما يأخذ السلطان وبعد مئونة الرجل وعياله » (٤).

والمؤنة في بعض تلك الأخبار وإن لم تكن معيّنة ، إلاّ أنّ في بعض آخر صرّح بـ : « مئونة الرجل وعياله » أو : « مئونته » أو : « مئونتهم » وضعفه ـ إن كان ـ بالعمل يجبر.

مضافا إلى ما مرّ من أنّ إجمال المؤنة كاف في إخراج جميع المؤن ممّا ليس على عدم إخراجه دليل ، لعدم بقاء عمومات الخمس وإطلاقاتها على الحجّية حينئذ ، لتخصيصها بالمجمل المنفصل.

لا يقال : التخصيص في رواية النيشابوري [ بالمتّصل ] (٥) حيث يدلّ‌

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٥٢.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٧ ـ ٢٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٣ ـ ٣٥٤ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ ـ ١٨٣ ، الوسائل ٩ : ٥٠٠ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٤.

(٣) في المصدر : قلت.

(٤) تفسير العياشي ٢ : ٦٣ ـ ٦١ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٢٨٥ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٧ ح ١.

(٥) في النسخ : بالمنفصل ، والصحيح ما أثبتناه.

٦٤

مرجع الضمير المجرور في قوله : « منه » بما يفضل عن مئونته ، والمخصّص بالمتّصل المجمل عندك حجّة في غير ما علم خروجه وإن خصّص بمثله من المنفصل.

لأنّا نقول : هذا إنّما يصحّ لو كان : « ممّا يفضل » بدلا عن الضمير ، ولكنّه يمكن أن يكون متعلّقا بالخمس ، أي لي خمس ما يفضل عن مئونته من ستّين كرّا ، فلا تخصيص في المرجع أصلا.

ومنه يظهر وجه تقييد المؤنة بمؤنة السنة ، كما صرّح به كثير من الأصحاب ، وعن السرائر والمنتهى والتذكرة : الإجماع عليه (١) ، لعدم إخراج مئونة الزائد عن السنة إجماعا ، فيبقى الباقي تحت الإجمال المذكور ، مع أنّ المؤنة مطلقة مضافة ، فتفيد العموم ، خرج منها الزائد عن السنة فيبقى الباقي.

وأيضا المتبادر من المؤنة ـ كما صرّح به جماعة (٢) ـ مئونة السنة ، سيّما من مئونة أرباب الضياع (٣) والتجار ، لعدم انضباط نسبة أرباحهم إلى مئونة كلّ يوم.

فروع :

أ : المؤنة التي يشترط الفضل عنها هي مئونة الرجل نفسه وعياله الواجبي النفقة إجماعا ، وغيرهم ممّن أدخله في عياله عرفا على ما عمّمه جماعة (٤) ، لعموم العيال في الأخبار ، والإجمال المتقدّم ذكره. والضيف‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٨٩ ، المنتهى ١ : ٥٤٨ ، التذكرة ١ : ٢٥٣.

(٢) منهم صاحب الحدائق ١٢ : ٣٥٣ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٩٦.

(٣) في « س » : الصنائع.

(٤) كصاحب الذخيرة : ٤٨٣.

٦٥

أيضا مطلقا ـ كما عن الجامع والدروس وفي الروضة (١) ـ أو في الجملة ، كما عن الشاميّات لابن فهد والمقداديّات للفاضل. والأولى درج مئونة الضيف في مئونة الرجل.

ب : المفهوم لغة وعرفا من مئونة الشخص : ما دعته إليه من المخارج الماليّة ضرورة أو حاجة بحسب اللائق بحاله عادة.

وبعبارة أخرى : ما يلزمه صرفه لزوما عقليّا أو عاديّا أو شرعيّا من أنواع المصارف ، وبحسب الاقتصاد اللائق بحاله من كيفيّاتها.

وبثالثة : ما يضطرّ إليه عقلا أو يلزمه شرعا أو لا يليق له تركه عادة وعرفا من الأنواع ، وبحسب اللائق بحاله عادة في الكيفيّات.

وبرابعة (٢) : المال المحتاج إليه في رفع الحوائج والضرورات.

هذا معناها الاسمي ، وأمّا المصدري فهو : صرف المال المذكور.

وإنّما قلنا : إنّ المؤنة ذلك ، للتبادر وعدم صحّة السلب فيما ذكر ، وعدم التبادر وصحّة السلب في غيره ، كما يظهر لك فيما نذكره.

ومن هذا يظهر وجه ما صرّح جماعة (٣) ـ بل الأكثر على ما صرّح به بعض الأجلّة ـ من تقييد المؤنة بكونها على وجه الاقتصاد بحسب اللائق بحاله عادة دون الإسراف ، فإنّه ليس من المؤنة ، لصحّة السلب.

ويؤيّده ما في موثّقة سماعة الواردة فيمن يحلّ له أخذ الزكاة : « فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه ولعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم في غير‌

__________________

(١) الجامع للشرائع : ١٤٨ ، الدروس ١ : ٢٥٨ ، الروضة ٢ : ٧٦.

(٢) في « ق » و « ح » : يرادفه.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ١٩٨ ، والديلمي في المراسم : ١٣٩ ، والحلي في السرائر ١ : ٤٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٤٣.

٦٦

إسراف فقد حلّت له الزكاة » (١).

( يمكن الاستدلال بها ) (٢) بضميمة ما صرّح به بعض الأصحاب (٣) ـ بل انعقد عليه الإجماع ـ من أنّ المعتبر في حلّ الزكاة قصر المؤنة ، بل يظهر منها أيضا صدق المؤنة على ما ذكرنا ، لصدق الحاجة في كلّ ما ذكر.

ويظهر منه أيضا أنّ ما كان لغوا ـ كسفر لا حاجة إليه ، أو دار زائدة أو تزويج الزائدة على امرأة مع عدم الحاجة ـ وما كان معصية ـ كمؤنة الملاهي ، وتصوير البيت بذات روح ، وسفر المعصية ، ومعونة الظالم ، ونحوها ـ ليس من المؤنة ، لما ذكر من صحّة السلب.

وكذا تظهر صحّة استشكال بعض الأجلّة في احتساب الصلة والهديّة اللائقان بحاله ، وقال : إنّه لا دليل على احتسابه.

وكذا ترديده في مئونة الحجّ المندوب وسائر سفر الطاعة المندوبة.

وهما في موقعهما ، بل الظاهر عدم كونها من المؤنة ، وهو كذلك ، فلا يحتسب إلاّ مع دعاء الضرورة العاديّة إليهما.

وصحّة تقييد ابن فهد في الشاميّات الضيافة بالاعتياد أو الضرورة ، بل في كفاية الاعتياد أيضا نظر ، إلاّ أن يكون بحيث يذمّ بتركها عادة ، فلا يحسب مطلق الضيافة ولا الصدقة ولا الصلة ولا الهديّة ولا الأسفار المندوبة ، ولا سائر الأمور المندوبة من غير ضرورة أو حاجة ولو بقدر اقتصادها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ١٧ ـ ٥٧ ، التهذيب ٤ : ٤٨ ـ ١٢٧ ، الوسائل ٩ : ٢٣٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٩ ح ١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « س ».

(٣) كصاحب الذخيرة : ٤٥٣.

٦٧

وطرف الإفراط في ذلك : ما ذكره المحقّق الخوانساري في رسالته من احتساب مئونة المستحبّات من غير اعتبار الاقتصاد فيها.

ويظهر أيضا احتساب مئونة الأمور الواجبة شرعا ـ كالحجّ الواجب والنذر والكفّارة وما يضطرّ إليه من مأخوذ الظالم قهرا أو مصانعة ـ لصدق المؤنة على الكلّ ، وصرّح بالأخير في رواية العيّاشي المتقدّمة (١).

ثمَّ المراد باللائق بحاله عادة : أنّه لم يعدّ زائدا له عرفا ولا يلام به ، لا ما يعدّ خلافه ناقصا ويلام بتركه ، لوضوح صدق المؤنة وعدم صحّة السلب مع عدم عدّه زائدا.

وهذا هو سرّ تقييدنا نوع المؤنة بالاضطرار أو اللزوم ، وكيفيّتها باللياقة ، فإنّ من أنواع المخارج ما لا يعدّ زائدا ولكن يصحّ سلب المؤنة عنها ، كبناء المسجد وسفر الطاعة وضيافة الإخوان والهديّة والبذل.

ولكن ما يلزم نوعه لا يشترط في كيفيّته اللزوم أيضا ، بل يكفي عدم عدّها زائدة ، فإنّه لا يشترط في صدق المؤنة على الكسوة مثلا الاقتصار على كيفيّة يذمّ على ما دونها ، بل يصدق مع كونها بحيث لا تعدّ زائدة عرفا.

وقد يختلف حال الكيفيّة في صورة الانضمام مع النوع والتجدّد بعده ، كشراء الدار المجصّصة أولا والتجصيص بعد الشراء ، واللاّزم متابعة العرف.

ج : واعلم أنّه يشترط في الحاجة أو اللزوم لزومه في ذلك العام‌ ، فلا يكفي تحقّق الحاجة أو اللزوم في عام آخر ، فمن كانت له دار مستأجرة في‌

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ : ٦٣ ـ ٦١ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٢٥٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٧ ح ١.

٦٨

عام ربح واشترى دارا لأعوام أخر لا تحتسب له قيمة الدار من ربح ذلك العام كما لا يحتسب له ثمن طعام العام الآتي ، لأنّ المعتبر مئونة هذه السنة ، ولا يحتاج إلى دار فيها.

نعم ، لو احتاج إلى شي‌ء مرة وكانت نسبته إلى جميع الأحوال متساوية يحسب له من كلّ عام صرفه ، كمؤنة التزويج له ولولده.

د : من مئونة الرجل : ما يصرف في الأكل والشرب والكسوة‌ ، وما به تجمّله اللازم له عرفا ، وما يحتاج إليه من أثاث البيت وقيمة المسكن أو أجرته ، وكذا الخادم ومئونة عمارة الدار وثمن الدابّة أو أجرته ، والحقوق اللازمة عليه من النذر والكفارات والدين والصداق ومئونة الحجّ الواجب والتزويج لنفسه أو ولده ، ونحو ذلك.

ومنهم من قيّد الدين بصورة الحاجة إليه.

ومنهم من قيّد المتأخّر عن الاكتساب الواقع في عامه بالحاجة ، دون المتقدّم ، فأطلقه ولو كان لا لغرض صحيح.

والكلّ لأجل اختلاف الفهم في الصدق في مصداق المؤنة ، والعرف يعاضد الأخير جدّا ، ومثله المنذور أيضا.

هـ : هل يعتبر في صدق المؤنة على ما ذكرنا تحقّق الإنفاق والصرف أيضا ، حتى أنّه لو قتّر على نفسه مع الحاجة لم يحسب له ، أو لا يعتبر فيحسب؟

صرّح في الدروس والبيان والروضة والمدارك بالثاني (١) ، بل الظاهر أنّه مذهب الأكثر.

وهو الأظهر ، إذ لو وضع القدر المتعارف أولا بقصد الإنفاق لم يكن‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٥٨ ، البيان : ٣٤٨ ، الروضة ٢ : ٧٦ ، المدارك ٥ : ٣٨٥.

٦٩

فيه خمس ، فتعلّقه به بعد ترك الإنفاق يحتاج إلى دليل.

وأيضا الظاهر صدق المؤنة على ما ذكرنا بدون قيد الإنفاق ، ولا أقلّ من احتماله الموجب للإجمال ، الموجب لعدم وجوب الخمس فيه كما مرّ.

ولذا يحلّ للفقير أخذ قدر الاقتصاد ولو كان من قصده التقتير ، ويجوز إعطاؤه بهذا القدر ولو علم تقتيره.

وأمّا عدم جواز إعطاء ما قتّر بعد تقتيره فلأجل انتفاء حاجته حينئذ ، وتوقّف حلّية الزكاة على الحاجة في الحال أو المستقبل.

بخلاف الوضع للخمس ، فإنّه لم يتوقّف إلاّ على صدق المؤنة المتوقّف على الحاجة في الجملة.

ومنه يظهر وجه ما ذكره بعضهم ـ منهم المحقّق الخوانساري (١) ـ من وضع مئونة الحجّ إذا وجب في عام وقصر فيه ، وكذا إن وجب قبله وقصر وتلف ماله السابق على ذلك العام ولم يكن ما يحجّ به غير ربح العام.

ولو كان له ربح سابق يحسب منه لا من ربح ذلك العام ، وكذا الدين اللازم أداؤه ، بل وكذا كلّ مئونة واجبة قصر فيها ، كأداء المنذور والكفّارات ونحوها.

و : لو قلّت المؤنة في أثناء حول لذهاب بعض عياله أو ضيافته في مدّة أو نحوها‌ ، لم يحسب له ، لظهور الكاشف في أنّ مئونة هذه السنة ما صرفه خاصّة.

ز : لو بقيت عين من أعيان مئونته حتى تمَّ الحول ـ كأن يشتري دابّة أو عبدا أو دارا أو أثاث الدار أو لباسا أو نحوها ـ فهل يجب الخمس فيها بعد تمام الحول ، أو لا؟

__________________

(١) احتمله في الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية : ٣١٤.

٧٠

الظاهر : لا ، كما صرّح به بعض فضلاء معاصرينا أيضا ، إذ لم يكن الخمس فيها واجبا ، فيستصحب.

فإن قيل : صدق الفائدة المكتسبة عليها ، ووجوب الخمس فيما زاد عن مئونة السنة منها ، يزيل الاستصحاب.

قلنا أولا : إنّا لا نسلّم عدم كونها عن مئونة السنة ، فإنّها مئونة السنة عرفا ، ولا يشترط في صدق المؤنة تلف العين.

وثانيا : إنّ المصرّح به في الأخبار (١) وضع المؤنة ، والتقييد بالسنة الواحدة إنّما كانت للإجماع أو التبادر ، وكلاهما في المقام غير معلوم.

نعم ، لو زالت الحاجة عن هذه الأعيان في سنة يمكن القول بوجوب الخمس فيها ، فتأمّل.

هذا فيما لا يكون التموّن به بتلف عينه بل بمنفعته.

وأمّا ما كانت عينه تالفة بالتموّن ـ كالحنطة والشعير والشحم ونحوها ـ فلو زاد عن السنة من غير تقتير يجب خمسه ، لظهور أنّ المؤنة كانت أقلّ ممّا وضعه أولا.

ح : ليس من المؤنة ثمن الضياع والعقار والمواشي‌ ، للانتفاع بمنافعها ولو لمؤنة السنة. ولا رأس مال تجارته ، لعدم التبادر ، وصحّة السلب ، ولعدم الاضطرار ولا اللزوم. والحاجة إلى رقباتها في ذلك العام للمؤنة فيه ، إذ ظاهر أنّ ثمنها يكون فاضلا عن مئونة ذلك العام ، فالاحتياج إليها لو كان لكان لأعوام أخر.

نعم ، لو فرض شراؤها من مئونة ذلك العام ـ بأن يضيّق على نفسه فيه أو أنفق من مال لا خمس فيه ـ يحسب له على الأول ، ويبنى على ما يأتي‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٩ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨.

٧١

في مسألة اجتماع مالين له يجب في أحدهما الخمس دون الآخر [ على الثاني ] (١).

ط : لو كان له مال آخر لا يجب فيه خمس‌ ، فإن كان مما يتّجر به من الأموال ، أو يشتغل منه من الصناع ، أو نحو ذلك ، ممّا يحتاج إليه في الاستفادة أو الصناعة ، وبالجملة ما ليس من شأنه أن يصرف في المؤن عادة ، فلا توضع منه المؤنة وتوضع من الربح إجماعا ، له ، ولأنّه المتبادر الظاهر من الأخبار (٢).

وإن كان من غير ذلك ممّا من شأنه المؤنة منه عادة ، ففي أخذ المؤنة منه خاصّة ، أو من الكسب كذلك ، أو منهما بالنسبة ، أوجه.

صرّح جماعة من المتأخّرين بأنّ الأحوط : الأول ، والأعدل : الثالث ، والأظهر : الثاني (٣). بل في كلام المحقّق الشيخ عليّ والشهيد الثاني في شرح الإرشاد : أنّه الظاهر من الأخبار.

وعن بعضهم : التفرقة بالقصد واعتباره ، فإن قصد إخراج المؤنة من الربح أخذت منه ، وإن قصد من الآخر فكذلك ، وإن لم يقصد أو قصد ثمَّ نسي فمنهما بالنسبة.

وذكر بعضهم تفصيلا آخر (٤).

والظاهر ـ كما ذكروه ـ هو الثاني ، إمّا لظهور ذلك من الأخبار ، أو لإجمالها ، حيث إنّ قولهم : بعد المؤنة أو ما يفضل عن المؤنة ، يحتمل‌

__________________

(١) أثبتناه لاقتضاء الكلام له.

(٢) المتقدمة في ص ٦١ ـ ٦٤.

(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٧ ، والروضة ٢ : ٧٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٤٣.

(٤) كما في غنائم الأيام : ٣٧٠.

٧٢

معنيين ، أحدهما : بعد قدر المؤنة من ذلك المال والفاضل منها منه ، أو مطلقا (١) ، فيحصل الإجمال في عمومات الخمس ، فلا خمس في قدر المؤنة من ذلك المال. وأمر الاحتياط كما ذكروه.

ي : لو حصل ربح وخسران معا وتلف بعض ماله أيضا‌ ، فإن كانا في عامين لا يجبر الخسران أو التلف بالربح ، لعدم دخوله في المؤنة وانتفاء دليل آخر عليه.

وإن كانا في عام ، فإمّا يكونان في تجارة واحدة ، أو في تجارتين في مال واحد ، أو في مالين.

فإن كان الأول ـ كأن يشتري أمتعة بمائة ، ثمَّ باع نصفها بستّين ونصفها بأربعين ـ يجبر الخسران بالربح ، سواء كان بيع الجميع دفعة واحدة ـ وهذا يكون إذا اختلف جنس الأمتعة ـ أو دفعات ، لعدم صدق حصول الفائدة والربح عرفا.

وإن كان الثاني ـ كأن يشتري أمتعة بمائة وباعها بمائة وخمسين ، ثمَّ اشترى من هذه المائة والخمسين متاعا ثمَّ باعه بمائة ـ فالظاهر توزيع الخسران على الربح ورأس المال إن تقدّم الربح على الخسران ، إذ لم يكن دفع الخمس عليه واجبا ، وكانت له أنحاء التصرّفات في الربح ، فتلف بعضه ، ولعدم تعيّن ما وقع عليه الخسران يوزّع على الجميع.

ولو اتّجر ثانيا ببعض ذلك المال دون جميعه ـ كأن يشتري من مائة منه متاعا ووقع الخسران ـ فإن عيّن الباقي بالقصد أنّه من الربح أو رأس المال فله حكمه ، وإن لم يعيّنه أو قصد الإشاعة ، فيوزّع الخسران أيضا بما‌

__________________

(١) يعني : وثانيهما بعد قدر المؤنة من المال مطلقا ، سواء كان ذلك المال وغيره ، والفاضل من المؤنة منه كذلك.

٧٣

يقتضيه العمل.

وإن تقدّم الخسران لم يجبر بالربح المتأخّر.

وإن كان الثالث ـ كأن يشتري أمتعة بمائة واخرى بمائة أيضا ، وباع الأولى بمائة وخمسين والثانية بخمسين ـ فلا يجبر الخسران أصلا.

وليعلم أنّ وحدة التجارة إنّما تتحقّق باشتراء الجميع دفعة ولو تعدّد البيع ، أو البيع دفعة ولو تعدّد الشراء.

المسألة الرابعة : هل يشترط في وجوب الخمس في الأموال : البلوغ والعقل والحريّة ، أم لا؟

صرّح في الشرائع والإرشاد والقواعد بعدم اشتراطها في خمس المعادن والكنز والغوص (١).

وفي التحرير بعدمه في الأول (٢).

وفي الدروس بعدمه في الأولين (٣).

وفي المنتهى والتذكرة بعدمه في الثاني ، مدّعيا في المنتهى أنّه قول أهل العلم كافّة (٤).

وفي الأول بعدم اشتراط الحرّية على القول بملك العبد.

وفي البيان والمسالك بعدمه في الثاني (٥).

وقال بعض المعاصرين : ويظهر منهم أنّ تعلّق الخمس بما أخرجه الصبيّ إجماعي.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٨١ ، الإرشاد ١ : ٢٩٣ ، القواعد ١ : ٦١.

(٢) التحرير ١ : ٧٣.

(٣) الدروس ١ : ٢٦٠.

(٤) المنتهى ١ : ٥٤٧ ، التذكرة ١ : ٢٥٢.

(٥) البيان : ٣٤٤ ، المسالك ١ : ٦٧.

٧٤

قيل : يلوح من ذلك عدم اشتراطها في غير الثلاثة (١).

أقول : يمكن أن يكون التصريح في الثلاثة لأجل بيان عدم اشتراط تملّك المعدن والخارج من الغوص والكنز بالحريّة والبلوغ ، حيث إنّه محل الخفاء ، بل بعض هؤلاء عنون التملّك ، وعلى هذا كاد أن يكون الأمر بالعكس ، فلاح منه عدم الاشتراط في غير الثلاثة ممّا يملك قطعا. بل ظاهر تصريح الجميع ـ باشتراط الكمال بالحريّة والبلوغ والعقل في الزكاة ، وإطلاقهم جميعا ثبوت الخمس من غير ذكر الشرط ـ عدم الاشتراط. وعلى هذا فربّما كان ذلك إجماعا.

وفي المدارك : عدم اشتراط الحرّية في تعلّق الخمس بغير الثلاثة ، وكون اشتراط التكليف متّجها.

واستدلّ في المدارك لعدم الاشتراط في الثلاثة بعموم الأخبار المتضمّنة لوجوب الخمس في هذه الأنواع ، نحو صحيحة الحلبي : عن المعادن كم فيها؟ قال : « الخمس » (٢) (٣).

ولا يخفى أنّه لو تمَّ ذلك لجرى بعينه في المكاسب أيضا ، لعموم موثّقة سماعة المتقدّمة : عن الخمس ، فقال : « في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير » (٤).

والصحيح : « ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة » (٥).

__________________

(١) كما في مجمع الفائدة ٤ : ٣٢٣.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٦ ـ ١٩ ، الفقيه ٢ : ٢١ ـ ٧٣ ، التهذيب ٤ : ١٢١ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ٩ : ٤٩٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٢.

(٣) المدارك ٥ : ٣٨٩.

(٤) أصول الكافي ١ : ٥٤٥ ـ ١١ ، الوسائل ٩ : ٥٠٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٦.

(٥) الفقيه ٢ : ٢١ ـ ٧٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٤ ـ ٣٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٥٦ ـ ١٨٤ ، الوسائل ٩ : ٤٨٥ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ١.

الوسائل ٩ : ٤٨٥ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ١.

٧٥

وقوله عليه‌السلام : « الخمس من خمسة » (١).

وأمّا أحاديث رفع القلم عن الصبي ، فإن أوجبت نفي الخمس لأوجبته في الجميع ، ولكن لا تنافيه ، إذ المأمور بالإخراج الولي.

نعم ، في صحيحة زرارة ومحمّد : « ليس على مال اليتيم في العين والمال الصامت شي‌ء ، فأمّا الغلاّت فعليها الصدقة واجبة » (٢).

وفي صحيحة ابن سنان : « ليس في مال المملوك شي‌ء ولو كان ألف ألف ، ولو أنّه احتاج لم يعط من الزكاة شي‌ء » (٣).

وذكر الأصحاب الصحيحين في باب الزكاة لا يوجب تخصيص الشي‌ء بها ، ولعلّه لجزأيهما الأخيرين.

واختصاص الاولى ببعض الأول لا يضرّ ، للإجماع المركّب ، وتعارضهما مع العمومات المذكورة بالعموم من وجه ، وإذ لا مرجّح فيرجع إلى الأصل ، ولا يرجّح الكتاب الثبوت ، لكونه خطاب المشافهة ، فلعلّ المشافهين كانوا مكلّفين أحرارا ، بل هو كذلك ، لقوله عزّ شأنه ( وَاعْلَمُوا ) (٤).

فالظاهر عدم ثبوت الخمس في مال اليتيم والعبد مطلقا ، إلاّ أن يثبت الإجماع كلّيا أو في بعض الأنواع ، كما هو المظنون ، سيّما في الثلاثة.

ثمَّ عدم الثبوت في المال المختلط أظهر ، لثبوته بالخطاب التكليفي‌

__________________

(١) راجع الوسائل ٩ : ٤٨٥ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤١ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٩ ـ ٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٣١ ـ ٩٠ ، الوسائل ٩ : ٨٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ١ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٩١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ١.

(٤) الأنفال : ٤٣.

٧٦

المختص بالكمّل ، وكذلك الأرض التي اشتراها الذمي.

ثمَّ على عدم الثبوت ، فهل يثبت في أمواله الحاصلة حال الصغر الباقية إلى حال البلوغ؟

الظاهر : لا ، للاستصحاب. والأحوط له أنّه يخمّس أمواله الباقية.

المسألة الخامسة : لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في غير الأرباح ، إجماعا محقّقا ، ومحكيّا (١) ، بل عن المنتهى : أنّه قول أهل العلم كافّة (٢) ، له ، وللعمومات كتابا وسنّة ، وأصالة عدم تقييدها بما بعد السنة.

وهل وجوبه فيه بعد حصوله فوريّ مضيّق أم لا؟

صريح السرائر والروضة : الأول (٣) ، بل في الأول انعقاد الإجماع عليه.

وظاهر بعض الأجلّة : العدم ، للأصل ، وعدم الدليل.

ويمكن الاستدلال للتضيّق بأنّ الخمس لتعلّقه بالعين يكون مال أربابه ، ولا يجوز التصرّف في مال الغير ولا حبسه ولا تأخير إيصاله إليهم إلاّ بعد العلم برضاهم ، ولا سبيل إلى العلم بذلك أصلا ، بل الغالب العلم بعدم الرضا.

وفي اعتباره في الأرباح وعدمه قولان ، فظاهر كلام الحلّي : الأوّل ، بل ادّعى الإجماع عليه وأوّل ما ظاهره غيره من العبارات (٤). والتأمّل في دلالة عبارته عليه ليس في موقعه ، كما لا يخفى على الناظر فيه.

__________________

(١) كما في المدارك ٥ : ٣٩٠ ، والرياض ١ : ٢٩٦.

(٢) المنتهى ١ : ٥٤٧.

(٣) السرائر ١ : ٤٨٩ ، الروضة ٢ : ٧٨.

(٤) السرائر ١ : ٤٨٩.

٧٧

والمشهور بين الأصحاب : الثاني (١) ، إلاّ أنّ الوجوب موسّع عندهم إلى طول السنة.

دليل الأول : الإجماع ، وأنّ وجوب الخمس بعد مئونة السنة ، وهي غير معلومة بل ولا مظنونة ، لأنّ حدوث الحوادث المحتاجة إلى المؤنة ـ كخراب عمارة وحصول أمراض أو غرامة أو ورود أضياف أو موت أو نحوها ـ ممكن ، والأصل براءة الذمّة وعدم الوجوب.

ودليل الثاني على الوجوب : العمومات (٢) والإطلاقات ، وعلى التوسعة : الإجماع ، واحتياط المؤنة.

أقول : التحقيق أنّ ثبوت حقّ أرباب الخمس في الفاضل عن مئونة السنة أمر واقعي غير محتاج إلى علم ربّ المال به حينئذ ، ولا دليل على تقييد العمومات به ، بل تكفي معلوميّته عند الله سبحانه ، لأنّ تعلّق حقّهم به أمر وضعي غير محتاج إلى علم المكلّف.

نعم ، وجوب إخراجه عليه يتوقّف على علمه بالقدر الفاضل ، وهو أمر لا سبيل إليه إلاّ بعد مضي السنة. وعلى هذا ، فلو أخرجه قبل الحول ، وظهر بعده أنّه كان مطابقا للواقع ، يكون مشروعا ومجزئا عنه ، ولو أخّره إلى الحول كان جائزا له ولم يكن عاصيا.

فإن أراد الأول بعدم الوجوب قبل الحول : عدم مشروعيّته وإجزائه لو أخرجه قبله وظهر كونه فاضلا ـ كما صرّح به بعضهم (٣) ـ فهو غير صحيح ، لحصول الكشف بتعلّق حقّ الغير به ووصوله إلى أهله ، فلا وجه لعدم‌

__________________

(١) منهم العلاّمة في المنتهى ١ : ٥٥٠ ، والسبزواري في الكفاية : ٤٤.

(٢) المتقدمة في ص ٧٥ و ٧٦.

(٣) انظر المدارك ٥ : ٣٩١.

٧٨

الإجزاء ، وقصد القربة اللازمة بعد تجويز تعلّق الحقّ ممكن ، سيّما مع ظن الفضلة.

وإن أراد عدم تعلّق وجوب الإخراج على المكلّف ، فهو كذلك.

وإن أراد الثاني بالوجوب الموسّع : أنّه تعلّق به التكليف وإن جاز له التأخير ـ كصلاة الظهر في أول الوقت ـ فهو باطل قطعا ، لأنّ شرط وجوب الخمس ( الزيادة ) (١) عن المؤنة ، وهي غير معلومة ، وانتفاء العلم بالشرط يوجب انتفاء العلم بالمشروط ، والمفروض أنّ الخمس في الفاضل عن مئونة السنة ، وهو لا يعلمها ، فكيف يحكم بوجوب إخراجه؟! وإن أرادوا : أنّه وإن لم يجب عليه الإخراج حينئذ ولكن لو أخرجه وانكشف بعده تعلق الخمس به كان مجزئا ، فهو صحيح.

وممّا ذكرنا يظهر أيضا ضعف ما استدلّ به في المختلف لتعلّق الوجوب أولا : من أنّه لولاه لجاز للمكتسب إتلافه قبل الحول ولا يجب عليه شي‌ء ، وليس كذلك قطعا (٢).

ووجه الضعف : أنّ بعد تمام الحول وظهور الحال يعلم أنّ ما أتلفه كان مال أرباب الخمس وإن لم يجب عليه إخراجه حينئذ ، فتجب عليه الغرامة ، كمن أتلف مال غيره باعتقاد أنّه ماله ثمَّ ظهر حاله.

فروع :

أ : في ابتداء الحول من الشروع في التكسّب‌ ، أو ظهور الربح ، أو حصوله ، وجوه ، بل أقوال.

__________________

(١) في « ح » و « س » : العلم بالزيادة.

(٢) المختلف : ٢٠٤.

٧٩

أظهرها : الأخير ، لإطلاقات وضع المؤنة ، ولم يعلم خروج الأكثر من السنة التي مبدؤها حصول الربح منه.

وتظهر الفائدة في مئونة الزمان المتخلّل بين النهايات دون المبادئ ، إذ مئونة ما تخلّل بين المبادئ إن كان من مال آخر فلا يوضع من الربح قطعا ، وإن كان من الدين فيوضع كذلك.

ب : لو حصلت أرباح متعدّدة في أثناء الحول تدريجا‌ ، فقيل : يعتبر لكلّ خارج حول بانفراده ، وتوضع المؤنة في المدّة المشتركة بين الربحين عليهما ، ويختصّ الثاني بمؤنة بقيّة حوله وهكذا (١).

وقال بعض الأصحاب : إنّ الربح المتجدّد في أثناء الحول المبتدئ من الربح الأول يضمّ بعضه إلى بعض وتستثنى المؤنة من المجموع ، ويخمّس الباقي بعد تمام الحول الأول ، فيكون حول الجميع واحدا. وإليه ذهب في الدروس (٢) والمحقّق الشيخ عليّ في حواشي الشرائع ، واستحسنه في المدارك والذخيرة (٣) ، وجعله بعض الأجلّة أولى.

وهو كذلك ، بل هو الأقوى ، لإيجاب الأول العسر والحرج المنفيّين ، بل هو خلاف سيرة الناس وإجماع العلماء طرّا ، لإيجابه ضبط حول كلّ ربح وعدم خلطه مع غيره ، وهو ممّا لم يفعله أحد ، سيّما أرباب الصناعات وكثير من التجارات ، مع أنّ المتبادر المتعارف الشائع من وضع المؤنة : هو المعنى الأول. هذا ، مع أنّه الموافق للاحتياط أيضا.

ج : لو مات المكتسب في أثناء الحول بعد ظهور الربح وقبل التموّن به كلاّ أو بعضا‌ ، يخمّس ما بقي منه ، لظهور أنّه لا مئونة له غير ما تموّن.

__________________

(١) المسالك ١ : ٦٨ ، والروضة ٢ : ٧٨.

(٢) الدروس ١ : ٢٥٩.

(٣) المدارك ٥ : ٣٩١ ، الذخيرة : ٤٨٤.

٨٠