مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

ولا يضرّ ضعف طريق القضيّة ، فإنّها مشهورة ، وبالشهرة المتنيّة مجبورة. ولا يضرّ كون المورد الحجّ وزمانه المسئول عنه ، لأنّ العبرة بعموم العلّة.

المسألة الثانية عشرة : من فعل ما تجب به الكفّارة ، ثمَّ سقط فرض الصوم عنه ـ بسفر أو حيض أو شبهه ـ لا تسقط الكفّارة عنه على الأظهر الموافق للأكثر ، كما في المدارك والحدائق (١) ، وادّعى في الخلاف عليه إجماع الفرقة (٢) ، لأنّه أفسد صوما واجبا عليه ظاهرا من رمضان ، فاستقرّت عليه الكفّارة ، ولدخوله تحت إطلاق أخبار وجوب الكفّارة.

وتقييده ـ بغير من يسقط عنه الفرض ـ غير معلوم.

وتوهم عدم صدق الإفطار عليه ، لأنّه موقوف على الصوم ، الموقوف على الأمر المنتفي هنا واقعا ، لأنّ التكليف موقوف بعدم علم الآمر بانتفاء الشرط.

مدفوع بأنّ الإفطار يتحقّق ـ حال فعله ـ بوجوب الصوم ظاهرا ، مع أنّ من الأخبار ما لا يتضمّن لفظ الإفطار ، بل مثل قوله : نكح ، أو مسّ امرأته ، أو بقي جنبا ، أو كذب على الله ، أو نحوها ، خرج من لا يجب عليه ظاهرا حال الفعل بالدليل ، فيبقى الباقي.

خلافا لبعضهم ، فقال بالسقوط (٣) ، وحكي عن الفاضل في جملة من كتبه (٤) ، لأنّ هذا اليوم غير واجب صومه عليه عند الله ، لأنّ المكلّف‌

__________________

(١) المدارك ٦ : ١١٤ ، الحدائق ١٣ : ٢٣١.

(٢) الخلاف ٢ : ٢١٩.

(٣) حكاه المحقق في الشرائع : ١ : ١٩٤.

(٤) المنتهى ٢ : ٥٨٤.

٥٤١

ـ بالكسر ـ إذا علم فوات شرط الفعل يمتنع التكليف عليه وانكشف لنا أيضا ، فلا تجب به الكفّارة ، كما لو انكشف أنّه من شوّال بالبيّنة.

ويضعف بأنّ عدم وجوب الصوم في الواقع ـ لانتفاء الشرط ـ لا ينافي وجوب الكفّارة مع الوجوب ظاهرا ـ بل مع عدم الوجوب أيضا ـ حتى يوجب تقييد الإطلاقات به.

والقياس على ظهور أنّه من شوّال باطل ، إذ لا يصدق عليه أنّه أفطر نهارا في شهر رمضان.

* * *

٥٤٢

المقصد الرابع

في الاعتكاف‌

وهو في الأصل : الإقامة ، أو الاحتباس ، أو اللبث الطويل.

وفي الشرع أو عرفه : الإقامة في مسجد مخصوص مدّة مخصوصة بشرائط مخصوصة.

وشرعيّته ثابتة بالكتاب والسنّة والإجماع ، بل بإجماع فقهاء الإسلام ، كما في المنتهى (١).

قال الله سبحانه ( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (٢).

وقال عزّ شأنه ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) (٣).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٢٨.

(٢) البقرة : ١٢٥.

(٣) البقرة : ١٨٧.

٥٤٣

وفي صحيحة الحلبي : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد ، وضربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر وطوى فراشه » ، فقال بعضهم : واعتزل النساء ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أمّا اعتزال النساء فلا » (١).

وأراد عليه‌السلام بنفي الاعتزال إثبات مخالطتهنّ ومجاذبتهنّ دون الجماع ، لتحريمه على المعتكف ، وفي طيّ الفراش إشارة إلى ذلك.

ويتأكّد استحبابه في شهر رمضان ، ففي رواية السكوني : « اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين وعمرتين » (٢).

خصوصا في العشر الأواخر منه ، تأسّيا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ففي رواية أبي العبّاس : « اعتكف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شهر رمضان في العشر الاولى ، ثمَّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ، ثمَّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ، ثمَّ لم يزل يعتكف في العشر الأواخر » (٣).

وفي صحيحة الحلبي : « كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا أن كان من قابل اعتكف عشرين ، عشرا لعامه ، وعشرا قضاء لما فاته » (٤).

ثمَّ الكلام إمّا في شروطه أو أحكامه ، فهاهنا فصلان :

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٥ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ ـ ٨٦٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ ـ ٤٢٦ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ ـ ٥١٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٣ كتاب الاعتكاف ب ١ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٣١ ، المقنع : ٦٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٤ كتاب الاعتكاف ب ١ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٥ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ ـ ٥٣٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٤ كتاب الاعتكاف ب ١ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٥ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ ـ ٥١٨ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٣ كتاب الاعتكاف ب ١ ح ٢.

٥٤٤

الفصل الأول

في شروطه‌

وهي خمسة :

الأول : النيّة ، بالإجماع كما في سائر العبادات ، وقد مرّ بسط الكلام فيها سابقا.

الثاني : الصوم ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ في الناصريات والخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة وغيرها (١).

وفي صحيحة محمّد (٢) وموثّقته (٣) وموثّقة عبيد (٤) ورواية أبي العبّاس : « لا اعتكاف إلاّ بصوم » (٥).

وفي صحيحة الحلبي : « لا اعتكاف إلاّ بصوم في المسجد الجامع » (٦).

وإطلاق هذه الأخبار وغيرها يقتضي الاكتفاء بالصيام كيف اتّفق ـ بمعنى : أنّه لا يشترط في صومه أن يكون لأجل الاعتكاف ـ وهو إجماعيّ أيضا ، وفي المعتبر : أنّ عليه فتوى الأصحاب (٧).

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٧ ، الخلاف ٢ : ٢٢٨ ، المعتبر ٢ : ٧٢٦ ، المنتهى ٢ : ٦٢٩ ، التذكرة ١ : ٢٨٥ ، وانظر رياض المسائل ١ : ٣٣٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٦ كتاب الاعتكاف ب ٢ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٨ ـ ٨٧٤ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٧ كتاب الاعتكاف ب ٢ ح ٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٨ ـ ٨٧٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٧ كتاب الاعتكاف ب ٢ ح ١٠.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ ـ ٨٧٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٦ كتاب الاعتكاف ب ٢ ح ٥.

(٦) الفقيه ٢ : ١١٩ ـ ٥١٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٨ كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ١.

(٧) المعتبر ٢ : ٧٢٦.

٥٤٥

وتدلّ عليه أيضا النصوص المرغّبة لإيقاعه في شهر رمضان ، على ما مرّ في الصوم من أنّه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره.

ثمَّ لازم ذلك الشرط عدم صحّة الاعتكاف في زمان لا يصحّ الصوم فيه ، كالعيدين ، ولا ممّن لا يصحّ صومه ، كالحائض والنفساء والمريض المتضرّر به والمسافر.

وفي صحّته من الصبيّ المميّز وجهان ، الظاهر : الصحّة ، وكيف كان لا ينبغي الريب في صحّته منه تمرينا ، أي صحّته من حيث التمرين.

الثالث : الزمان ، وهو ثلاثة أيّام فصاعدا ، لا أقلّ منها ، بالإجماع المحقّق ، والمصرّح به في المعتبر والتذكرة وغيرهما (١) ؛ وهو الدليل عليه مع الأخبار.

ففي صحيحة أبي بصير : « لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام » (٢) ، ومثله في رواية عمر بن يزيد (٣).

وفي رواية داود بن سرحان : « الاعتكاف ثلاثة أيّام ـ يعني : السنّة ـ إن شاء الله تعالى » (٤) ، إلى غير ذلك.

ولا خلاف في دخول ليلتي اليوم الثاني والثالث في الاعتكاف ؛ للإجماع المحقّق ، وحكاه في المعتبر والمنتهى أيضا (٥) ، ونفى عنه الخلاف‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٢٨ ، التذكرة ١ : ٢٨٤ ، وانظر رياض المسائل ١ : ٣٣٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٥ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ ـ ٤١٨ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٤ كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٨ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ ـ ٤١٩ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٤ كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٨ ـ ٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٤ كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٢٨ ، المنتهى ٢ : ٦٣٠.

٥٤٦

في المسالك (١).

وتدلّ عليه الأخبار المتضمّنة لوجوب الكفّارة لو جامع في الليل ، ولو خرجت المرأة قبل مضيّ ثلاثة أيّام أو تمامها (٢) ، كما يأتي. ولا شكّ أنّ عدم الخروج قبل إتمام الثلاثة أيّام لا يكون إلاّ مع إدخال الليل أيضا ، بل نقول : إنّ المتبادر من قوله : « لا يكون الاعتكاف إلاّ ثلاثة أيّام » الثلاثة المتتابعة ، ولا يحصل التتابع إلاّ بإدخال الليل أيضا.

وظاهر الخلاف والمبسوط عدم دخول الليلتين (٣) ، وإن أمكن إرجاعهما إلى ما عليه الأصحاب بتكلّف ـ كما فعله بعضهم (٤) ـ فإن تمَّ ، وإلاّ فهو بالشذوذ ومخالفة ما ذكرنا من الأدلّة متروك.

وفي دخول ليلتي اليوم الأول والرابع خلاف ، والحقّ : العدم ، وفاقا للمشهور ، للأصل الخالي عن المعارض بالمرّة.

خلافا في الليلة الأولى للمحكيّ في المسالك عن الفاضل وجماعة (٥) ، وأنكره بعض الأجلّة (٦) ، وقال : ولم أر في كلام الفاضل صريحا في ذلك ، بل قال : ولم أر ـ من غير صاحب المسالك ـ إشارة إلى هذا الخلاف ، إلاّ من المحقّق الثاني في حاشية الشرائع ، حيث جعل القول‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٨٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٤٦ كتاب الاعتكاف ب ٦.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٣٩ ، المبسوط ١ : ٢٨٩.

(٤) كالمحقق القمي في غنائم الأيام : ٥٢٠ حيث قال بعد نقل كلام الشيخ : وربما يوجه بأن مراده أن الليالي لا تدخل في الاعتكاف بسبب النذر إلاّ مع شرط التتابع وإن وجب إدخالهما فيه من حيث إن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيّام بينهما ليلتان ، وهو توجيه حسن.

(٥) المسالك ١ : ٨٢.

(٦) كالمحقق القمي في غنائم الأيّام : ٥٢١.

٥٤٧

المشهور الأصحّ.

وللمنقول قولا في الليلة الرابعة (١).

ولا دليل على شي‌ء من القولين.

وعلى ما ذكرنا ابتداء القدر الأقلّ من الاعتكاف : طلوع الفجر من اليوم الأول ، وانتهاؤه : غرب الشمس من اليوم الثالث. ولو أدخل شيئا من الطرفين كان أولى ، بل قد يجب من باب المقدّمة فينوي الاعتكاف قبل الفجر ويقطعه بعد الغروب.

ويجب كون الأيّام الثلاثة تامّة ، فلا يجزئ يومان ونصف من سابقتهما ونصف من الرابع ـ أي الملفّق ـ لعدم صدق اليوم على الملفّق.

ثمَّ إنّه يتفرّع عليه : أنّه لو شرع في الاعتكاف ما لا يمكنه إتمام الثلاثة ـ كيومين قبل العيد ـ بطل الاعتكاف.

الرابع : المكان ، ولا بدّ أن يكون في المسجد إجماعا قطعيّا فتوى ونصّا ، وتدلّ عليه الأخبار المتواترة :

كالمرويّ في المعتبر عن جامع البزنطي بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام : « لا اعتكاف إلاّ بصوم ، وفي مسجد المصر الذي أنت فيه » (٢).

وصحيحة أبي ولاّد الواردة في المرأة المعتكفة بإذن زوجها التي ذهبت إلى زوجها فواقعها ، قال : « إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيّام ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر » (٣).

__________________

(١) نقله في المدارك ٦ : ٣١٧.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٣٣ ، المنتهى ٢ : ٦٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٤١ كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ١١.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ ـ ٤٢٢ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٨ كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ٦.

٥٤٨

والحذّاء : « المعتكف لا يشمّ الطيب ، ولا يتلذّذ بالريحان ، ولا يماري ، ولا يشتري ، ولا يبيع » قال : « ومن اعتكف ثلاثة أيّام فهو في اليوم الرابع بالخيار ، إن شاء زاد ثلاثة أيّام أخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاث فلا يخرج من المسجد حتى يتمّ ثلاثة أيّام أخر » (١).

وابن سنان : « ليس على المعتكف أن يخرج من المسجد إلاّ إلى الجمعة أو جنازة أو غائط » (٢).

وموثّقته ، وفيها : « ولا يخرج المعتكف من المسجد إلاّ في حاجة » (٣).

وصحيحة داود : إنّي أريد أن أعتكف فما ذا أقول؟ وما ذا أفرض على نفسي؟ فقال : « لا تخرج من المسجد إلاّ لحاجة لا بدّ منها ، ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك » (٤) ، إلى غير ذلك.

مقتضى الأصل وإطلاق هذه الأخبار وإن كان جوازه في مطلق المسجد ـ كما هو محتمل كلام العماني (٥) ـ ولكن انعقد الإجماع وصرّحت الأخبار بالتقييد والتعيين.

نعم ، وقع الخلاف في المعيّن :

فعن المقنع والفقيه والشيخ والسيّدين والديلمي والقاضي والحلّي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٧ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ ـ ٨٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ ـ ٤٢٠ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٤ كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٨ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٥٥٠ كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٦ وفيه : ليس للمعتكف ..

(٣) التهذيب ٤ : ٢٩٣ ـ ٨٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ ـ ٤١٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٥٠ كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٨ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ ـ ٨٧٠ ، الوسائل ١٠ : ٥٥٠ كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٣.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢٥١.

٥٤٩

والحلبي وابن حمزة والقواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى والتنقيح وغيرهم (١) بل الأكثر ـ كما صرح به جماعة (٢) ـ بل بالإجماع ـ كما عن الانتصار والخلاف والغنية والسرائر والتبيان ومجمع البيان (٣) ـ : أنّه أحد المساجد الخمسة : مسجد الحرام ، ومسجد الرسول ، ومسجد الكوفة ، والبصرة ، والمدائن ـ كالأول ـ أو أحد الأربعة التي هي غير الرابع ـ كالثاني (٤) ـ أو غير الخامس ، كالبواقي.

وضابطهم : الاختصاص بما صلّى فيه النبيّ أو أحد الأئمّة عليهم‌السلام الجمعة. وعن المفيد والمعتبر والشرائع والنافع والشهيدين (٥) وجماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (٦) ومحتمل العماني (٧) وظاهر الكافي (٨) : أنّه المسجد الأعظم ، أو المسجد الجامع ، أو مسجد الجماعة ، باختلافهم في‌

__________________

(١) المقنع : ٦٦ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ ـ ٥١٩ ، الشيخ في المبسوط ١ : ٢٨٩ ، السيد المرتضى في الانتصار : ٧٢ ، والسيد ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢ ، الديلمي في المراسم : ٩٩ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٠٤ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٢١ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٣ ، القواعد ١ : ٧٠ ، الإرشاد ١ : ٣٠٥ ، التحرير ١ : ٨٧ ، المنتهى ٢ : ٦٣٢ ، التنقيح ١ : ٤٠٢ ، وانظر الحدائق ١٣ : ٤٦٣.

(٢) كما في المنتهى ٢ : ٦٣٢ ، والتنقيح ١ : ٤٠١ ، والدروس ١ : ٢٩٨.

(٣) الانتصار : ٧٢ ، الخلاف ٢ : ٢٢٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، السرائر ١ : ٤٢١ ، التبيان ٢ : ١٣٥ ، مجمع البيان ١ : ٢٨١.

(٤) الموجود في الفقيه ٢ : ١٢٠ ـ ٤ و ٥ : الاعتكاف في المساجد الخمسة المذكورة ، إلاّ أنّه حكى في المختلف : ٢٥١ عن علي بن بابويه أنّه قال : لا يجوز الاعتكاف إلاّ في مسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومسجد الكوفة ومسجد المدائن.

(٥) المفيد في المقنعة : ٣٦٣ ، المعتبر ٢ : ٧٣٢ ، الشرائع ١ : ٢١٦ ، النافع : ٧٣ ، الشهيد الأول في اللمعة ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٥٠.

(٦) كالسبزواري في الذخيرة : ٥٣٩ ، وصاحب كشف الغطاء : ٣٣٥.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ٢٥١.

(٨) الكافي ٤ : ١٧٦.

٥٥٠

التعبير ، ونسبه في المعتبر إلى أعيان فضلاء الأصحاب (١).

حجّة الأولين : الإجماعات المنقولة.

وقاعدة توقيفيّة العبادة ، فيقتصر فيها على القدر المتيقّن.

وصحيحة عمر بن يزيد : « لا اعتكاف إلاّ في مسجد جماعة صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة ، ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة » (٢).

وفي الفقيه بعدها : وقد روي في مسجد المدائن (٣) ، بحمل إمام العدل على إمام الأصل.

والرضوي : « وصوم الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومسجد الكوفة ومسجد المدائن ، ولا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد الأربعة ، والعلّة في ذلك أنّه لا يعتكف إلاّ بمسجد جمع فيه إمام » الخبر (٤).

ودليل النافين : الروايات المستفيضة ، كالصحيحة المتقدّمة بتعميم الإمام.

وصحيحة داود : « لا أرى الاعتكاف إلاّ في مسجد الحرام أو مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مسجد جامع » الحديث (٥) ، ونحوها موثّقة الكناني (٦).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٣٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ ـ ٥١٩ ، التهذيب ٤ : ٢٩٠ ـ ٨٨٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٦ ـ ٤٠٩ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٠ كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ٨.

(٣) الفقيه ٢ : ١٢٠ ـ ٥٢٠ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٠ أبواب الاعتكاف ب ٣ ح ٩.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٣ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٥٦٢ أبواب الاعتكاف ب ٣ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩٠ ـ ٨٨٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢٦ ـ ٤١١ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ ـ ٥٢١ ، الوسائل ١٠ : ٥٤١ كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ١٠.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٩١ ـ ٨٨٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٩ كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ٥.

٥٥١

ورواية عليّ بن عمران الرازي : « المعتكف يعتكف في المسجد الجامع » (١).

وصحيحة الحلبي : « لا يصلح الاعتكاف إلاّ في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مسجد الكوفة أو مسجد الجماعة » (٢).

ورواية يحيى بن العلاء الرازي : « لا يكون الاعتكاف إلاّ في مسجد جماعة » (٣).

وموثّقة ابن سنان : « لا يصلح العكوف في غيرها » أي غير مكّة « إلاّ أن يكون مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو في مسجد من مساجد الجماعة » (٤).

ولا يخفى أنّه يرد على دليل الأولين : منع حجّيّة الإجماع المنقول.

وعدم اقتضاء توقيفيّة العبادة للاقتصار على المتيقّن ، بل يعمل فيها بالأصل ، مع حصول المتيقّن هنا بالأخبار المذكورة.

وعدم دلالة الصحيحة ، لأنّها في أكثر النسخ : « لا يعتكف » موضع : « لا اعتكاف » ولا يكون صريحا في نفي الجواز ، لإرادة نفي الاستحباب.

مضافا إلى أنّ الإمام مع ذكر الصلاة جماعة إمّا ظاهرة في مطلق إمام الجماعة أو مجملة.

ولا يتوهّم أنّ مع الإجمال تخرج المطلقات عن الحجيّة في موضع‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩٠ ـ ٨٨٠ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٩ كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٠ كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٩٠ ـ ٨٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٧ ـ ٤١٤ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٩ كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٩٣ ـ ٨٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ ـ ٤١٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٩ كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ٣.

٥٥٢

الإجمال ، إذ هو إنّما هو في التخصيص بالمنفصل ، وأمّا بالمتّصل ـ كما في هذه الصحيحة ـ فلا ، فيبقى قوله : « مسجد جماعة » حجّة فيما لم يعلم خروجه عنه.

وضعف الرضوي.

سلّمنا الدلالة والحجّيّة ، ولكنهما معارضتان مع الروايات الكثيرة (١) ، وهي أرجح من جهة الموافقة لإطلاق الكتاب العزيز (٢) ، وهي من المرجّحات المنصوصة.

لا يقال : هما أخصّان مطلقا ، فيجب التخصيص بهما.

لأنّه يوجب خروج الأكثر ، وهو غير جائز ، مع أنّ في بعض الأخبار ذكر مسجد الجماعة بعد ذكر مسجد الرسول والكوفة والمسجد الحرام (٣) ، فيكون المراد من مسجد الجماعة غيرها البتّة.

وأمّا ترجيحهما بمخالفة العامّة فإنّما يفيد لو كانتا مخالفتين لقول جميعهم أو أكثرهم ، وهو غير ثابت.

وأمّا تضعيف الروايات بالشذوذ فمع فتوى مثل : المفيد والمحقّق واحتمال فتوى الكليني والعماني وشهادة مثل المحقّق : بأنّه مذهب أعيان فضلاء الأصحاب ، الكاشف عن ذهاب جمع من الأعاظم إليه ، فدعوى الشذوذ فاسدة.

ثمَّ لو قطع النظر عن الترجيح فالمرجع أيضا إلى أصالة عدم اشتراط الزائد عمّا ثبت اشتراطه ، فإذن الترجيح للقول الثاني وعليه الفتوى.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٣٨ كتاب الاعتكاف ب ٣.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٣٨ كتاب الاعتكاف ب ٣.

٥٥٣

بقي الكلام في بيان المسجد الذي يعتكف فيه على هذا القول ، فهل هو المسجد الجامع ، كما في ثلاثة أخبار من الأخبار المتقدّمة ، وعبارة جمع من الأصحاب (١)؟

أو الجماعة ، كما في أربعة من الأخبار ، وكلام جمع آخر (٢)؟

أو المسجد الأعظم ، كما في كلام المفيد؟

لا وجه للأخير ، لعدم وروده في رواية ، إلاّ أن يفسّر به المسجد الجامع ـ كما فسّره الشهيد الثاني به في حاشية النافع ، وصاحب ديوان الأدب ـ وهو الغالب في الأمصار أيضا ، أي يتّحد الجامع والأعظم ، وحينئذ فيرجع إلى الأول.

فبقي الكلام في تعيين أحد الأولين وبيان المراد منهما ، فنقول : يمكن أن يكون المراد بهما واحدا ، وهو إمّا ما تصلّى فيه الجماعة مطلقا ، سواء كانت جمعة أو جماعة عامّة البلد ـ من غير تخصيص بقبيلة أو محلّة ـ أو جماعة مطلقا. واحتمال إرادته من مسجد جماعة بل ظهوره منه ظاهر وفسّر المسجد الجامع به أيضا الشهيد الثاني في المسالك (٣).

أو ما تصلّى فيه صلاة الجمعة. واحتمال إرادته من مسجد الجامع ظاهر ، بل فسّره به السنجري في المهذّب والفيّومي في المصباح المنير والنووي في التحرير والشهيد الثاني في الروضة (٤) ، وفسّر مسجد الجماعة به نادر أيضا.

__________________

(١) كالمحقق في الشرائع ١ : ٢١٦ ، والشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٥٠ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٣٩.

(٢) نقله عن العماني في المختلف : ٢٥١.

(٣) المسالك ١ : ٨٣.

(٤) المصباح المنير ١ : ١١٠ ، الروضة ٢ : ١٥٠.

٥٥٤

أو ما يجمع أهل البلد ، ولا يختصّ بمحلّة أو قبيله ، بل صلّى فيه عامّة أهل البلد الجماعة فيه بمقتضى البناء لا بمحض اتّفاق مرّة أو أكثر.

أو يكون المراد بالجامع أحد الأخيرين ، وبالجماعة الأول.

ولا يخفى أنّ إرادة ما تصلّى فيه صلاة الجمعة منهما أو أحدهما ليست مستندة إلى قاعدة لفظيّة ، فالمتعيّن إمّا الأول أو الأخير ، ومقتضى قواعدنا الأصوليّة : الأول ، وطريق الاحتياط والأخذ بالمتيقّن : الثاني.

الخامس : استدامة اللبث في المسجد ما دام معتكفا ، فلو خرج منه ولو قليلا بغير الأسباب المبيحة له بطل اعتكافه بالإجماع كما في المعتبر والتذكرة والمنتهى (١).

للأخبار المستفيضة ، كصحيحة أبي ولاّد المتقدّمة ، والأربعة المتعقّبة لها.

وفي صحيحة داود : « ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلاّ لحاجة لا بدّ منها ، ثمَّ لا يجلس حتى يرجع ، والمرأة مثل ذلك » (٢).

ومثلها صحيحة الحلبي إلى قوله : « حتى يرجع » ثمَّ قال : « ولا يخرج في شي‌ء إلاّ لجنازة أو يعود مريضا ، ولا يجلس حتى يرجع ، واعتكاف المرأة مثل ذلك » (٣) إلى غير ذلك.

وأكثر تلك الأخبار وإن كانت قاصرة عن إفادة الحرمة ، إلاّ أنّ الإجماع على الحرمة ـ أي الشرطيّة ـ مضافا إلى ظهور بعضها فيها ـ كما في قوله : فما ذا أفرض على نفسي (٤) ـ يعيّن إرادتها من الجميع.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٣٣ ، التذكرة ١ : ٢٨٤ ، المنتهى ٢ : ٦٣٣.

(٢) المتقدّمة في ص : ٥٤٩.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٨ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ١٢٢ ـ ٥٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ ـ ٨٧١ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٩ كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٢.

(٤) المتقدّم في ص ٥٤٩.

٥٥٥

وقد يستند إليها في الإبطال أيضا ، إذ الحرمة الشرعيّة منتفية ، فلا بدّ من الشرطيّة الراجعة إلى الإبطال بالارتكاب.

وفيه نظر ، لمنع انتفاء الشرعيّة ، ولا بعد في حرمة شي‌ء في فعل مستحبّ ما دام فيه.

والأولى في الإبطال أيضا الاستناد إلى الإجماع ، وإلى المعنى الحقيقي للاعتكاف ، فإنّه الحبس واللبث المضادّان للخروج.

فروع :

أ : ممّا ذكر ـ من منافاة الخروج لمعنى الاعتكاف ـ تظهر قوّة القول بعدم جواز إخراج البعض أيضا إذا كان منافيا للبث الشخص ، كأن يخرج ومدّ رجليه إلى المسجد أو أدخل يديه فيه. وأمّا لو أخرج رأسه فقط أو رجليه كذلك فالظاهر عدم صدق الخروج.

ولو أنيط إلى الإجماع أو الأخبار اتّجه القول بجواز إخراج البعض مطلقا ، بل لا يبعد جواز إخراج البعض مع الإناطة إلى معنى العكوف أيضا ، إذ هذا القدر من الإخراج لا ينافي العكوف العرفي ، بل اللغوي أيضا ، حيث إنّ العكوف في موضع في ثلاثة أيّام مثلا يصدق لغة بخروج هذا القدر من البدن قطعا.

ب : هل يتحقّق الخروج بالصعود إلى سطح المسجد من داخله ، أم لا؟

فيه وجهان ، الأول للدروس (١) ، والثاني للمنتهى (٢). والأحوط :

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٩٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٣٥.

٥٥٦

الأول ، لعدم معلوميّة صدق المسجد عليه. ويمكن القول بالجواز ، لعدم صدق الخروج عن المسجد.

ج : هل يبطل بالخروج مكرها ، أم لا؟

ظاهر الشرائع والقواعد والإرشاد : نعم مطلقا (١).

وظاهر المبسوط والمعتبر : لا ، كذلك (٢).

وعن المختلف والتحرير والتذكرة والشهيد الثاني : التفصيل بطول الزمان وعدمه (٣) ، لعدم صدق الخروج المنهيّ عنه ، وعدم الإجماع ، وعدم منافاة الكون في الخارج يسيرا لماهيّة الاعتكاف.

والأخير محلّ نظر ، لجواز صحّة السلب مع مطلق الكون في الخارج.

إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ ذلك وإن كان منافيا لغة ، إلاّ أنّه لا ينافيها شرعا ، لتصريح الأخبار بعدم المنافاة لحاجة لا بدّ منها (٤) ، وأيّ حاجة أشدّ من دفع ضرر المكره؟! وهو وإن اختصّ بما إذا كان الإكراه بالتخويف ونحوه ، إلاّ أنّه يتعدّى إلى المكره بالاضطرار ورفع الاختيار بالأولويّة أو الإجماع المركّب.

د : هل الخروج سهوا ونسيانا مبطل ، أم لا؟

أطلق (٥) الشيخ والفاضلان والشهيد الأول (٦).

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢١٧ ، القواعد ١ : ٧٠ ، الإرشاد ١ : ٣٠٦.

(٢) المبسوط ١ : ٢٩٤ ، المعتبر ٢ : ٧٣٦.

(٣) المختلف : ٢٥٤ ، التحرير ١ : ٨٧ ، التذكرة ١ : ٢٩٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨٤.

(٤) الوسائل ١٠ : ٥٤٩ كتاب الاعتكاف ب ٧.

(٥) يعني : جوزوا.

(٦) الشيخ في المبسوط ١ : ٢٩٤ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٧٣٦ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٢٩٢ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٥١.

٥٥٧

وقيل بالفرق بين طول الزمان وعدمه (١).

دليل الأول : نفي الإثم ، ولزوم العسر لولاه.

ودليل الثاني : الخروج عن المسمّى مع الطول لا بدونه.

والكلّ منظور فيه ، لعدم الملازمة بين انتفاء الإثم والصحّة. وعدم لزوم العسر ، إذ لا وجوب في الاعتكاف ، غايته البطلان ، ولو صحّ للزم مثله في بطلان الصلاة بالسهو في الأركان.

ومنع بقاء المسمّى بدون طول الزمان ، فالبطلان مطلقا أقوى.

هـ : يجوز الخروج لضرورة وحاجة من نفسه لا بدّ منها ولا يمكن فعلها في المسجد ، إجماعا فتوى ونصّا كما مرّ ، ولطاعة من الله ولو كان قضاء حاجة الأخ المؤمن ، للتصريح ببعض الطاعات في الأخبار المتقدّمة (٢) ، ودلالته على البواقي بالفحوى أو الإجماع المركّب.

والتعليل المذكور في رواية ميمون بن مهران : كنت جالسا عند الحسن بن عليّ عليهما‌السلام فأتاه رجل فقال له : يا بن رسول الله ، إنّ فلانا له عليّ مال ويريد أن يحبسني ، فقال : « والله ما عندي مال فأقضي عنك » ، قال : فكلّمه ، قال : فلبس عليه‌السلام نعله ، فقلت له : يا بن رسول الله ، أنسيت اعتكافك؟ فقال : « لم أنس ، ولكن سمعت أبي عليه‌السلام يحدّث عن جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبد الله تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله » (٣).

ومنها يظهر الدليل على استثناء حاجة الغير أيضا. ومنها أو من‌

__________________

(١) انظر المسالك ١ : ٨٤.

(٢) المتقدّمة في ص ٥٤٨ ، ٥٤٩.

(٣) الفقيه ٢ : ١٢٣ ـ ٥٢٨ ، الوسائل ١٠ : ٥٥٠ كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٤.

٥٥٨

الطاعة : تشييع الأخ ونحوه.

و : لو كان لمكان الحاجة طريق أقرب من الآخر ، قالوا : يجب سلوك الأقرب ، وكذا يسلك مسلك الاقتصار على قدر الضرورة ، لأنّ الضرورة تقدّر بقدرها ، ولعدم كون الزائد حاجة وضرورة (١).

وهو حسن ، إلاّ أنّه لا يلزم ذلك إلاّ مع إيجابه الخروج عن الاشتغال بالحاجة عرفا ، فلا يجب سلوك الطريق الذي أقرب بذراع وذراعين ونحوهما ممّا لا يخرج به عمّا ذكر عرفا.

ز : الخارج ـ حيث يجوز ـ لا يجوز له الجلوس تحت الظلّ بلا ضرورة فيه إجماعا ، له ، ولصحيحة داود المستفسر فيها عمّا أفرض على نفسي (٢).

وأمّا الجلوس المطلق فلا دليل على حرمته ، والروايتان (٣) المتضمّنتان له قاصرتان عن إفادة الحرمة ، ولذا خصّ جماعة المحرّم بالمقيّد ، منهم : الشيخ في المبسوط والمفيد والديلمي والمعتبر (٤) ، ونقل عن أكثر المتأخّرين (٥).

وتختصّ الحرمة بالجلوس ، فلا يحرم المشي تحت الظلال ، وفاقا‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٣٤ ، المسالك ١ : ٨٤.

(٢) تقدّمت في ص ٥٤٩.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ٢ و ١٧٨ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ ـ ٥٢١ و ١٢٢ ـ ٥٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ ـ ٨٧١ و ٢٩٠ ـ ٨٨٤ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٩ كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ١ ، ٢.

(٤) المبسوط ١ : ٢٩٣ ، والمفيد في المقنعة : ٣٦٣ ، والديلمي في المراسم : ٩٩ ، المعتبر ٢ : ٧٣٥.

(٥) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٥٢ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٤١ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٤٧٢.

٥٥٩

للشيخين في المقنعة والمبسوط والديلمي وابن زهرة والمختلف والروضة والحدائق وغيرها (١) ، للأصل.

خلافا لجماعة ، منهم : الشيخ في أكثر كتبه والسيّد والحلبي والحلّي والشرائع والنافع والفاضل في بعض كتبه (٢) ، ولا مستند لهم إلاّ حكاية الإجماع عن الانتصار ، وهي غير صالحة للاستناد.

ح : لا يجوز للخارج ـ حيث يجوز ـ في غير مكّة الصلاة في غير

مسجد اعتكافه ، بلا خلاف فيه كما قيل (٣) ، لصحيحتي منصور (٤) وابن سنان (٥) ، إلاّ مع الضرورة ، كضيق الوقت ، فمعه يصلّيها حيث أمكن ، وإلاّ صلاة الجمعة مع وجوبها إذا صلّيت في غير مسجده ، كما صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة (٦).

وأمّا في مكّة فيصلّي إذا خرج لضرورة حيث شاء بلا خلاف ، كما نصّ به في الصحيحين.

__________________

(١) المقنعة : ٣٦٣ ، المبسوط ١ : ٢٩٣ ، الديلمي في المراسم : ٩٩ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) ٥٧٣ ، المختلف : ٢٥٥ ، الروضة ٢ : ١٥٢ ، الحدائق ١٣ : ٤٧٢ ، وانظر الذخيرة : ٥٤١ والرياض ١ : ٣٣٤.

(٢) الشيخ في النهاية : ١٧٢ والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٢ والاقتصاد : ٢٩٦ ، والسيّد في الانتصار : ٧٤ ، والحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٧ قال : ولا يجلس تحت السقف مختارا ، والحلي في السرائر ١ : ٤٢٥ ، الشرائع ١ : ٢١٧ ، المختصر النافع : ٧٣ ، والفاضل في القواعد ١ : ٧١ والإرشاد ١ : ٣٠٦.

(٣) كما في الرياض ١ : ٣٣٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٣ ، التهذيب ٤ : ٢٩٣ ـ ٨٩٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ ـ ٤١٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٥١ كتاب الاعتكاف ب ٨ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩٢ ـ ٨٩٠ ، الاستبصار ٢ : ١٢٧ ـ ٤١٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٥١ كتاب الاعتكاف ب ٨ ح ١.

(٦) في ص ٥٤٨ ، ٥٤٩.

٥٦٠