مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

المطلب الثاني

في الصوم المندوب

وهو أيضا أقسام كثيرة :

منها : ما لا يختصّ بسبب مخصوص ولا بوقت معيّن كصيام أيّام السنة عدا ما استثني ، فإنّ استحبابه ممّا لا خلاف فيه ، كما صرّح به غير واحد (١) ، وصوم كلّ يوم شاء عدا المستثنيات.

ففي مرسلة الفقيه : « من صام لله يوما في شدّة الحرّ ، فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشّرونه ، حتى إذا أفطر قال الله تعالى : ما أطيب ريحك وروحك ، ملائكتي اشهدوا أنّي قد غفرت له » (٢).

وفي رواية الكناني : « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبّل ، ودعاؤه مستجاب » (٣).

وفي الحديث القدسي : « الصوم لي ، وأنا اجازي به » (٤).

وفي رواية عمرو بن جميع : « الصوم جنّة من النار » (٥) ، إلى غير ذلك.

__________________

(١) كما في الحدائق ١٣ : ٣٤٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٤٥ ـ ٢٠٥ ، الوسائل ١٠ : ٤٠٩ أبواب الصوم المندوب ب ٣ ح ١.

(٣) ثواب الأعمال : ٥١ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٠٣ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ٢٤ ، بإسناده عن الحسين بن أحمد عن أبيه.

(٤) الفقيه ٢ : ٤٤ ـ ١٩٨ ، التهذيب ٤ : ١٥٢ ـ ٤٢٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٠٠ أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ١٥ و ١٦.

(٥) التهذيب ٤ : ١٩١ ـ ٥٤٤ ، الوسائل ١٠ : ٤٠٠ أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ١٣.

٤٨١

ولو لم يكن في الصوم إلاّ الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس البهيميّة إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانيّة لكفي به فضلا ومنقبة وشرفا.

ومنها : ما يختصّ بسبب مخصوص‌ ، وأفراده غير محصورة ، مذكورة في كتب الأدعية والآداب.

ومنها : ما يختص بوقت معيّن ، وذلك في مواضع :

منها ـ وهو أوكدها ـ : صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر : أول خميس منه ، وأول أربعاء من العشر الثاني ، وآخر خميس من العشر الأخير ، فإنّه قد كثر الحثّ عليه في السنّة المقدّسة ، وورد أنّه يعادل صوم الدهر.

ففي صحيحة حمّاد : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض على صوم ثلاثة أيّام في الشهر ، وقال : يعدلنّ صوم الدهر ، ويذهبن بوحر الصدر » ، قال حمّاد : فقلت : أي الأيّام هي؟ قال : « أول خميس في الشهر ، وأول أربعاء بعد العشر منه ، وآخر خميس فيه » الحديث (١).

وفي صحيحة معاوية بن عمّار : « كان في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : يا علي أوصيك في نفسك بخصال احفظها عنّي ، ثمَّ قال : اللهم أعنه » ـ إلى أنّ قال : « والسادسة : الأخذ بسنّتي في صلاتي وصومي » إلى أن قال : « وأمّا الصيام فثلاثة أيّام في الشهر : الخميس في أوله ، والأربعاء في وسطه ، والخميس في آخره » (٢).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٩ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٤٩ ـ ٢١٠ ، التهذيب ٤ : ٣٠٢ ـ ٩١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٣٦ ـ ٤٤٤ ، المقنعة : ٣٦٩ ، المحاسن : ٣٠١ ـ ٨ ، الوسائل ١٠ : ٤١٥ أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ١ ، والوحر : الوسوسة ، وقيل : وحر الصدر ـ بالتحريك ـ : غشه ، وقيل : الحقد والغيظ ، وقيل : العداوة ، وقيل : أشدّ الغضب ـ مجمع البحرين ٣ : ٥١٠.

(٢) الكافي ٨ : ٧٩ ـ ٣٣ ، الوسائل ١٥ : ١٨١ أبواب جهاد النفس ب ٤ ح ٢ ، ورواها في الفقيه ٤ : ١٣٩ ـ ٤٨٣.

٤٨٢

وفي موثّقة زرارة : أنّه جميع ما جرت به السنّة (١) ، إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة (٢).

وما ذكر في تعيين الأيّام الثلاثة هو المشهور رواية وفتوى.

وعن الشيخ : التخيير بين أربعاء بين خميسين ، وخميس بين أربعاءين (٣).

وعن الإسكافي : شهر بالأول وشهر بالثاني (٤).

وعن العماني : تخصيص الأربعاء بالأخير من العشر الأوسط (٥).

وعن الحلبي : فأطلق في خميس العشر الأول ، وأربعاء الثاني وخميس الثالث (٦).

والعمل على المشهور ، لموافقته لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة من بعده ، كما نطقت به الروايات.

فروع‌

أ : من ترك هذا الصوم يستحبّ له قضاؤه. كما صرّح به غير واحد (٧) ، ودلّت عليه الأخبار ، ففي رواية عبد الله بن سنان : « لا يقضي شي‌ء‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٩٣ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٥١ ـ ٢٢٠ ، ثواب الأعمال : ٨١ ـ ٨ ، الوسائل ١٠ : ١٨ أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ٦.

(٢) انظر الوسائل ١٠ : ٤١٥ أبواب الصوم المندوب ب ٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٠٣.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٢٣٨.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢٣٨.

(٦) الكافي في الفقه : ١٨٩.

(٧) انظر الشرائع ١ : ٢٠٧ ، والمسالك ١ : ٨٠ ، والكفاية : ٤٩ ، والحدائق ١٣ : ٣٥١.

٤٨٣

من صوم التطوّع إلاّ الثلاثة الأيّام التي كان يصومها من كل شهر » (١) ، وغير ذلك.

وفي ثبوت القضاء فيما ترك للسفر أو المرض وسقوطه روايتان (٢) ، مقتضى تعارضهما الرجوع إلى عمومات قضائه (٣) ، فيستحبّ القضاء وعليه الفتوى.

ب : صرّح جملة من الأصحاب بجواز تأخير هذا الصوم من الصيف إلى الشتاء ، إمّا مطلقا أو مع المشقّة (٤) ، ودلت عليه النصوص المستفيضة المقيّدة بالمشقّة والمطلقة (٥) ، والظاهر أنّ المراد تأخيره بقضاء ما فات من الصيف في الشتاء ، فإنّه الظاهر من التأخير ، لا ترك الصيف والاقتصار على الشتاء.

ج : إن عجز عن هذا الصوم أو اشتدّ عليه تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو بدرهم‌ ، للنصوص المستفيضة (٦).

ومنها : صوم أيّام البيض من كلّ شهر بالإجماع‌ ، كما عن الغنية والمختلف والمنتهى والتذكرة (٧) ، له ، وللأخبار العديدة (٨).

__________________

(١) الكافي : ٤ : ١٤٢ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٣٣ ـ ٦٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠٠ ـ ٣٢٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢١ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٠ ـ ٣ و ٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢١ ح ٣ و ٤.

(٣) كما في الوسائل ١٠ : ٢٢٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢١.

(٤) كما في الشرائع ١ : ٢٠٧ ، والمنتهى ٢ : ٦٠٩ ، والمدارك ٦ : ٢٦١ والكفاية : ٤٩ ، والذخيرة : ٥١٨ ، والحدائق ١٣ : ٣٥٣ ، والرياض ١ : ٣٢٥ ، وغنائم الأيام : ٤٩٢.

(٥) انظر الوسائل ١٠ : ٤٣٠ أبواب الصوم المندوب ب ٩.

(٦) الوسائل ١٠ : ٤٣٣ أبواب الصوم المندوب ب ١١.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، المختلف : ٢٣٨ ، المنتهى ٢ : ٦٠٩ ، التذكرة ١ : ٢٧٨.

(٨) الوسائل ١٠ : ٤٣٦ أبواب الصوم المندوب ب ١٢.

٤٨٤

وتلك الأيّام : الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، كما في رواية الصدوق (١) ، وهو المشهور.

وعن العماني : أنّها الثلاثة المتقدّمة (٢). ولا وجه له.

ومنها : صوم يوم الغدير ، وهو عيد الله الأكبر ، وهو الثامن عشر من ذي الحجّة.

ومنها : صوم يوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو السابع عشر من ربيع الأول ، على الأشهر رواية وفتوى.

خلافا للكليني ، فجعله الثاني عشر (٣) ، وحكي الميل إليه عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد (٤).

ومنها : صوم يوم مبعثه‌ ، وهو اليوم السابع والعشرون من شهر رجب.

ومنها : صوم يوم دحو الأرض ، وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة ، وهو يوم دحيت الأرض ، أي بسطت من تحت الكعبة.

ومنها : صوم يوم الخامس عشر من رجب.

ومنها : صوم أول ذي الحجّة.

ومنها : صوم يوم التروية.

ومنها : صوم يوم المباهلة ، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة.

وفي المسالك : قيل : إنّه الخامس والعشرون (٥). وقائله غير معروف.

__________________

(١) علل في الشرائع : ٣٧٩ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٤٣٦ أبواب الصوم المندوب ب ١٢ ح ١.

(٢) حكاه عن العماني في المختلف : ٢٣٨.

(٣) الكافي ١ : ٤٣٩.

(٤) نسبه إليه سبطه صاحب المدارك ٦ : ٢٦٤.

(٥) المسالك ١ : ٨٠.

٤٨٥

كلّ ذلك لفتوى الأصحاب وروايات الأطياب.

ومنها : صوم يوم عرفة ، فقال جماعة باستحبابه بخصوصه (١) ، للمستفيضة ، كموثّقة محمّد : عن صوم يوم عرفة ، قال : « من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء ، فإنّه يوم دعاء ومسألة فصمه ، وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه » (٢).

ورواية الجعفري : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : « كان أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف » (٣).

ورواية البصري : « صوم يوم عرفة يعدل السنة » وقال : « لم يصمه الحسن وصامه الحسين عليهما‌السلام » (٤).

ومرسلة الفقيه : « صوم يوم التروية كفّارة سنة ، ويوم عرفة كفّارة سنتين » (٥).

ورواية يعقوب بن شعيب : عن صوم يوم عرفة ، قال : « إن شئت صمت وإن شئت لم تصم ، وذكر أنّ رجلا أتى الحسن والحسين عليهما‌السلام ، فوجد أحدهما صائما والآخر مفطرا ، فسألهما فقالا : إن صمت فحسن ، وإن لم تصم فجائز » (٦).

__________________

(١) انظر المبسوط ١ : ٢٣٨ ، والنافع : ٧١ ، والتذكرة ١ : ٢٧٨ ، والمسالك ١ : ٨٠ ، والرياض ١ : ٣٢٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩٩ ـ ٩٠٤ ، الاستبصار ٢ : ١٣٤ ـ ٤٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٥ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٩٨ ـ ٩٠١ ، الاستبصار ٢ : ١٣٣ ـ ٤٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٥ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٩٨ ـ ٩٠٠ ، الاستبصار ٢ : ١٣٣ ـ ٤٣٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٥ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ٥.

(٥) الفقيه ٢ : ٥٢ ـ ٢٣١ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ١١.

(٦) الفقيه ٢ : ٥٢ ـ ٢٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٦ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ٨.

٤٨٦

والمروي في ثواب الأعمال : « إنّ صوم تاسع ذي الحجّة كفّارة تسعين سنة » (١).

وبإزاء تلك الأخبار أخبار أخر مانعة أو دالّة على عدم الرجحان ، كصحيحة محمّد : عن صوم يوم عرفة ، فقال : « ما أصومه اليوم ، وهو يوم دعاء ومسألة » (٢).

وموثّقة محمّد بن قيس : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان » (٣).

ورواية سدير : عن صوم يوم عرفة ، فقلت : جعلت فداك ، إنّهم يزعمون أنّه يعدل صوم سنة ، قال : « كان أبي عليه‌السلام لا يصومه » ، قلت : ولم ذلك؟ قال : « إنّ يوم عرفة يوم دعاء ومسألة ، وأتخوف أن يضعفني من الدعاء ، وأكره أن أصومه ، وأتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى ، فليس بيوم صوم » (٤).

ورواية زرارة : « لا تصم يوم عاشوراء ، ولا يوم عرفة بمكّة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا في بعض الأمصار » (٥).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٢ ـ ٢٣٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٦ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ١٠ ، ولم نجده في ثواب الأعمال.

(٢) الكافي ٤ : ١٤٥ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٤ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٩٨ ـ ٩٠٢ ، الاستبصار ٢ : ١٣٣ ـ ٤٣٤ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٦ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٥٣ ـ ٢٣٥ ، التهذيب ٤ : ٢٩٩ ـ ٩٠٣ ، الاستبصار ٢ : ١٣٣ ـ ٤٣٥ ، علل الشرائع : ٣٨٥ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٥ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ٦ ، بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٤ : ١٤٦ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٣٠٠ ـ ٩٠٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣٤ ـ ٤٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٢ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٦.

٤٨٧

ولأجل تلك الأخبار ذهب غير واحد من متأخّري المتأخّرين إلى عدم استحبابه بخصوصه ومساواته لسائر الأيّام (١). وهو كذلك ، إذ ليس في الأخبار المرغّبة ما يدلّ على خصوصيّة له أصلا زائدة عن استحباب أصل الصوم ، سوى ما دلّ على أنّه يعدل صوم سنة ، وأنّه كفّارة سنتين أو تسعين.

وهو معارض بالنهي في رواية زرارة ، وترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له وكذا الإمام ، كما في صحيحة محمّد ورواية سدير ، وقوله : « ليس بيوم صوم » والتخيير في رواية يعقوب بن شعيب ، وظهور رواية سدير في أنّه ليس يعدل سنة ، وأنّ ذلك قول العامّة.

وبذلك تترجّح الروايات الدالّة على عدم الاستحباب ، فيرجع إلى ما كان من الاستحباب الأصلي الثابت في سائر الأيّام ، وبه يجمع بين الطائفتين من الأخبار ، فالمرغبة تحمل على الاستحباب الأصلي لأصل الصوم ، ومقابلتها على نفي الخصوصيّة ورجحان الترك لو أوجب توهّمها ، كما صرّح ، به في رواية سالم : « دخل رجل يوم عرفة إلى الحسن عليه‌السلام وهو يتغدّى ، والحسين عليه‌السلام صائم ، ثمَّ جاء بعد ما قبض الحسن عليه‌السلام ، فدخل على الحسين عليه‌السلام يوم عرفة وهو يتغدّى ، وعلي بن الحسين عليه‌السلام صائم ، فقال له الرجل : إنّي دخلت على الحسن عليه‌السلام وهو يتغدّى وأنت صائم ، ثمَّ دخلت عليك وأنت مفطر وعلي بن الحسين عليه‌السلام صائم؟! فقال : إنّ الحسن عليه‌السلام كان إماما فأفطر لئلاّ يتّخذ صومه سنّة ويتأسى به الناس ، فلمّا أن قبض كنت أنا الإمام ، فأردت أن لا يتخذ صومي سنّة فيتأسى الناس به » (٢).

__________________

(١) كما في مشارق الشموس : ٤٥٢ ، والحدائق ١٣ : ٣٦٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٥٣ ـ ٢٣٤ ، علل الشرائع : ٣٨٦ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ١٣.

٤٨٨

فإنّ هذه الرواية صريحة في نفي الخصوصيّة ، وأصدق شاهد على الجمع المذكور.

ومنه يظهر أنّ الحق : عدم ثبوت خصوصيّة لصوم يوم عرفة ، بل هو كسائر الأيّام ، ويستحبّ صومه نحو استحبابها ، إلاّ مع خوف الضعف عن الدعاء أو التباس أول الشهر فينزل عن سائر الأيّام أيضا ويكره صومه ، للتصريح بذلك في بعض الروايات المتقدّمة.

ومنها : صوم يوم عاشوراء ، فإنّه قال باستحبابه جمع من الأصحاب على وجه الحزن والمصيبة (١) ، بل قيل : لا خلاف فيه أجده (٢). وعن ظاهر الغنية : الإجماع عليه (٣).

أمّا أصل الاستحباب فللمستفيضة من الأخبار ، كرواية أبي همام : « صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم عاشوراء » (٤).

ورواية مسعدة : « صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنّه يكفّر ذنوب سنة » (٥).

ورواية القدّاح : « صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة » (٦).

ورواية النواء : « لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي ، فأمر نوح من‌

__________________

(١) كما في المبسوط ١ : ٢٨٢ ، والنافع : ٧١ ، والقواعد ١ : ٦٨.

(٢) كما في الرياض ١ : ٣٢٦.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٩٩ ـ ٩٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٣٤ ـ ٤٣٨ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٩٩ ـ ٩٠٥ ، الاستبصار ٢ : ١٣٤ ـ ٤٣٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٣٠٠ ـ ٩٠٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٤ ـ ٤٣٩ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٣.

٤٨٩

معه من الجنّ والإنس أن يصوموا ذلك اليوم » وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « أتدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وحواء عليهما‌السلام » الحديث (١).

وأمّا التقييد بكونه حزنا فللجمع بين ما مرّ وبين الأخبار النافية له جدّا ، كرواية زرارة السابقة (٢) ، ورواية نجيّة : عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال : « صوم متروك بنزول شهر رمضان ، والمتروك بدعة » قال : فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام من بعد أبيه عن ذلك ، فأجابني بمثل جواب أبيه ، ثمَّ قال : « أما أنّه صوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنّة ، إلاّ سنّة آل زياد لعنهم الله بقتل الحسين بن علي عليهما‌السلام » (٣).

ورواية جعفر بن عيسى : عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه؟ فقال : « عن صوم ابن مرجانة لعنه الله تسألني؟! ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه‌السلام ، هو يوم يتشاءم به آل محمّد صلوات الله عليهم ويتشاءم به أهل الإسلام ، واليوم الذي يتشاءم به أهل الإسلام لا يصام ، ولا يتبرّك به ، ويوم الاثنين يوم نحس » إلى أن قال : « فمن صامهما أو تبرّك بهما لقي الله تعالى ممسوخ القلب ، وكان يحشره مع الذين سنّوا صومهما وتبرّكوا بهما » (٤).

ورواية النرسي : عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال : « من صامه كان حظّه‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٠٠ ـ ٩٠٨ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٥.

(٢) في ص : ٤٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٤٦ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٠١ ـ ٩١٠ ، الاستبصار ٢ : ١٣٤ ـ ٤٤١ ، الوسائل ١٠ : ٤٦١ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٤٦ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠١ ـ ٩١١ ، الاستبصار ٢ : ١٣٥ ـ ٤٤٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٠ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٣.

٤٩٠

من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة وآل زياد » قلت : وما كان حظّهم من ذلك اليوم؟ فقال : « النار ، أعاذنا الله من النار ، ومن عمل يقرّب من النار » (١).

ورواية عبد الملك : عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم؟ فقال : « تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين عليه‌السلام » إلى أن قال : « وأمّا يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه‌السلام » إلى أن قال : « فصوم يكون في ذلك اليوم؟! كلاّ وربّ البيت الحرام ، ما هو يوم صوم ، وما هو إلاّ يوم حزن ومصيبة » إلى أن قال : « فمن صامه ، أو تبرّك به حشره الله تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطا عليه » الحديث (٢).

وصحيحة زرارة ومحمّد : عن صوم يوم عاشوراء ، فقال : « كان صومه قبل شهر رمضان ، فلما أنزل الله شهر رمضان ترك » (٣).

والمروي في المصباح : سألته عنه ، فقال : « صمه من غير تبييت وأفطره من غير تسميت ، ولا تجعله يوم صوم كملا ، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء » الحديث (٤).

وفي مجالس الصدوق : قلت : فصوم عاشوراء ، قال : « ذلك يوم قتل فيه الحسين عليه‌السلام ، فإن كنت شامتا فصم » ثمَّ قال : آل أبي زياد نذروا نذرا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤٧ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٠١ ـ ٩١٢ ، الاستبصار ٢ : ١٣٥ ـ ٤٤٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٦١ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٤٧ ـ ٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٩ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٥١ ـ ٢٢٤ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٩ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ١.

(٤) مصباح المتجهد : ٧٢٤ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٧.

وفيهما : بعد صلاة العصر.

وتسميت العاطس : أن تقول له : يرحمك الله ـ الصحاح ١ : ٢٥٤.

٤٩١

إن قتل الحسين عليه‌السلام أن يتّخذوا ذلك اليوم عيدا لهم ، فيصومون شكرا ويفرحون ، فصارت في آل أبي سفيان سنّة إلى اليوم ، فلذلك يصومونه » إلى أن قال : « إن الصوم لا يكون للمصيبة ، ولا يكون إلاّ شكرا للسلامة. وإنّ الحسين عليه‌السلام أصيب يوم عاشوراء ، فإن كنت فيمن أصيب به فلا تصم ، وإن كنت ممّن سرّه سلامة بني أميّة فصم شكرا لله » (١).

ولا يخفي أنّه لا دلالة في شي‌ء من أخبار الطرفين على التقييد المذكور ، ولا شاهد على ذلك الجمع من وجه ، بل في الرواية الأخيرة : إنّ الصوم لا يكون للحزن والمصيبة. فجعله وجها للجمع خروج عن الطريقة ، بل لا وجه له ، بل مقتضي الطريقة طرح الأخبار الأولى بالكلية ، لمرجوحيّتها بموافقة أخبث طوائف العامّة موافقة قطعيّة ، والأخبار بها مصرّحة (٢) ولذلك جعل في الوافي الأولى تركه (٣).

وقال بعض مشايخنا فيه بالحرمة (٤) ، وهو في غاية الجودة ، بمعنى حرمته لأجل الخصوصيّة وإن لم يحرم من جهة مطلق الصوم.

ولا يضرّ ضعف إسناد بعض تلك الأخبار بعد وجودها في الكتب المعتبرة ، مع أنّ فيها الصحيحة.

ولا يرد ما قيل من أنّها مخالفة للشهرة ، بل لم يقل به أحد من الطائفة ، ومع ذلك مع أخبار استحباب مطلق الصوم معارضة (٥) لأنّ جميع‌

__________________

(١) لم نجدها في أمالي الصدوق ، وهي موجودة في أمالي الشيخ : ٦٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٢ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٧.

(٢) كما في الوسائل ١٠ : ٤٥٩ أبواب الصوم المندوب ب ٢١.

(٣) الوافي ١١ : ٧٦.

(٤) كما في الحدائق ١٣ : ٣٧٥ و ٣٧٦.

(٥) انظر الرياض ١ : ٣٢٦.

٤٩٢

ذلك إنّما يرد لو قلنا بالتحريم بالمرّة لا بقصد الخصوصية ولأجل أنّه السنّة ، وأمّا معه فلا نسلّم المخالفة للشهرة ، ولا تعارضها أخبار مطلق الصوم.

فالحقّ : حرمة صومه من هذه الجهة ، فإنّه بدعة عند آل محمّد متروكة ، ولو صامه من حيث رجحان مطلق الصوم لم يكن بدعة وإن ثبتت له المرجوحيّة الإضافيّة.

والأولى العمل برواية المصباح المتقدّمة.

وأمّا ما في رواية النواء ـ من ذكر بعض فضائل يوم عاشوراء ـ فيعارضه ما في رواية أخرى في مجالس الصدوق في تكذيب تلك الرواية (١).

ومنها : صوم يوم الجمعة من كلّ شهر ، للمروي في العيون ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا اعطى ثواب صيام عشرة أيّام غيرها لا تشاكل أيّام الدنيا » (٢).

وقد يستدلّ ببعض أخبار أخر ، كما دلّ على رؤيته عليه‌السلام صائما قائلا : « إنّه يوم خفض ودعة » (٣) أو على الترغيب على عمل الخير فيه ، معلّلا بتضاعف الحسنات فيه (٤) ، وغير ذلك (٥).

وشي‌ء منها لا يدلّ على المطلوب ـ الذي هو صوم يوم الجمعة ـ من حيث إنّه صومه وإن دلّ على حسنه من حيث العبادة أو تضاعف الخيرات ،

__________________

(١) راجع ص : ٤٩١ و ٤٩٣.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٣٥ ـ ٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٤١٢ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٦ ـ ٩٥٩ ، الوسائل ١٠ : ٤١٢ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٥.

(٤) انظر الخصال ٢ : ٣٩٢ ـ ٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٤١٢ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٤.

(٥) كما في الوسائل ١٠ : ٤١١ أبواب الصوم المندوب ب ٥.

٤٩٣

فالمستند ما ذكرناه مضافا إلى فتوى الأصحاب.

وأمّا مكاتبة الصيقل : رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي ، فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ أو كيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب عليه‌السلام : « قد وضع الله الصيام في هذه الأيّام كلّها ، ويصوم يوما بدل يوم إن شاء الله تعالى » (١).

فلا تعارض ما مرّ ، لاختلاف النسخ ، وعدم ذكر يوم الجمعة في البعض ، مع أنّه على فرض ذكره أيضا متروك غير معمول به ، إذ يجب الوفاء بنذره يوم الجمعة أو يشار إلى غير الجمعة من تلك الأيّام.

ويظهر من بعض الروايات كراهة إفراده بالصوم ، كالمروي في صحيفة الرضا عليه‌السلام : « لا تفردوا الجمعة بصوم » (٢) ، ورواية أخرى في التهذيب (٣).

ولا يضرّ كون الرواية ضعيفة ، للتسامح في أدلة الكراهة.

أقول : الكراهة هنا بمعنى : أقلّية الثواب ، ولم يثبت التسامح في ذلك المعنى ، فإنّ الروايتين تتعارضان مع الإطلاق المتقدّم ـ المثبت للثواب ولو مع الإفراد ـ وهما تنفيانه ، ولا دليل على قبول الروايات الضعيفة في ذلك التقييد.

ومنها : صوم شهر رجب وشهر شعبان بعضا أو كلاّ ، وهو ممّا‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٤ ـ ٦٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠١ ـ ٣٢٨ ، الوسائل ١٠ : ١٩٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٢.

(٢) لم نجده في صحيفة الرضا عليه‌السلام ووجدناه في عيون الأخبار ٢ : ٧٣ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ١٠ : ٤١٢ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٥ ـ ٩٥٨ ، الوسائل ١٠ : ٤١٣ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٦.

٤٩٤

لا خلاف فيه بين الأصحاب كما صرّح به غير واحد أيضا (١) ، واستفاضت به الروايات بل تواترت (٢). وما ورد في شعبان على خلافه (٣) مطروح أو مؤوّل.

ومنها : صيام ستّة أيّام متوالية بعد عيد الفطر بغير فصل ، ذكره جمع من الأصحاب (٤) ، لرواية عامية فيها : « إنّ صومها يعدل صوم الدهر » (٥).

ولم يستحبّها الشيخ في المصباح ، ونقل عن بعض الأصحاب كراهتها (٦) ، وهو الظاهر من بعض آخر (٧) ، وهو الأظهر.

لصحيحة البجلي : عن اليومين اللذين بعد الفطر ، أيصامان أم لا؟ فقال : « أكره لك أن تصومهما » (٨).

ورواية زياد : « لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيّام ، ولا بعد الفطر ثلاثة أيّام » (٩).

وموثقة حريز : « إذا أفطرت رمضان فلا تصومنّ بعد الفطر تطوّعا إلاّ بعد ثلاثة يمضين » (١٠).

__________________

(١) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، والمنتهى ٢ : ٦١٢ ، والرياض ١ : ٣٢٧.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤٧١ و ٤٨٥ أبواب الصوم المندوب ب ٢٦ و ٢٨.

(٣) الوسائل ١٠ : ٤٨٧ و ٤٩١ أبواب الصوم المندوب ب ٢٨ ح ٦ و ١٧.

(٤) كما في المنتهى ٢ : ٦١٤ ، والتذكرة ١ : ٢٧٩ ، والروضة ٢ : ١٣٥.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٢٢ ، وسنن الترمذي ٢ : ١٢٩ ـ ٧٥٦ ، بتفاوت يسير.

(٦) انظر النهاية : ١٦٩ ، ومصباح المتهجد : ٦١٠.

(٧) انظر الحدائق ١٣ : ٣٨٧.

(٨) الكافي ٤ : ١٤٨ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٥١٩ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ٣ ح ٢.

(٩) الكافي ٤ : ١٤٨ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٣٠ ـ ١٠٣١ ، الوسائل ١٠ : ٥١٩ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ٣ ح ١.

(١٠) التهذيب ٤ : ٢٩٨ ـ ٨٩٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ ـ ٤٣١ ، الوسائل ١٠ : ٥١٩ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ٣ ح ١.

٤٩٥

ولا شكّ أنّ هذه الروايات تترجّح على الرواية العامية ، والمسامحة في أدلّة السنن إنّما تكون إذا لم يعارضها ما هو راجح عليها.

ومنها : صوم يوم النيروز ، للمروي في مصباح المتهجّد (١).

ومنها : صوم يوم الخميس ، للشهرة بين الأصحاب (٢).

ومنها : صوم أول يوم من المحرم ، للمستفيضة من الروايات (٣).

ومنها : صوم تسعة أيّام من أول ذي الحجّة.

للمروي مرسلا في المصباح (٤) ، وأنّه يكتب له صوم الدهر (٥) ويعارضه ما مرّ في صوم يوم عرفة (٦) ، فلا بدّ إمّا من حمل ما دلّ على عدم استحباب صوم عرفة على ما إذا لم يكن من تتمّة التسع ، أو يخصّص يوم عرفة من بين التسع ، وهذا هو الأظهر.

وكذلك الكلام فيما ورد في استحباب صوم شهر المحرّم كله بالنسبة إلى صوم يوم عاشوراء.

وقد ذكر بعض الأصحاب جملة أخرى من الأيّام أيضا ممّا يستحبّ صومها (٧) ، ولم نتعرّض لها ، لعدم وجود نصّ بخصوصه فيها.

وتلحق بهذا المقام مسائل :

المسألة الاولى : لا يجب الصوم النافلة بالشروع‌ ، بل يجوز الإفطار‌

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٧٩٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٤ ح ١.

(٢) كما في المنتهى ٢ : ٦١٤ ، والتذكرة ١ : ٢٧٩ ، والذخيرة : ٥٢٠.

(٣) الوسائل ١٠ : ٤٦٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٥.

(٤) مصباح المتهجّد : ٦١٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٣ أبواب الصوم المندوب ب ١٨ ح ٢.

(٥) الفقيه ٢ : ٥٢ ـ ٢٣٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٣ أبواب الصوم المندوب ب ١٨ ح ٣.

(٦) راجع ص : ٤٨٧.

(٧) انظر المقنعة : ٣٦٨ ، والمنتهى ٢ : ٦١٤.

٤٩٦

فيه إلى الغروب ، بلا خلاف يوجد ـ إلاّ في صوم الاعتكاف على قول كما سيأتي ـ بل بالإجماع كما في كلام جماعة ، منهم المدارك (١) ، للأصل ، والأخبار : كصحيحة جميل ، وفيها : « وإن كان تطوّعا فإنّه إلى الليل بالخيار » (٢).

ورواية إسحاق بن عمّار : « الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه وبين أن تزول الشمس ، وفي التطوّع ما بينه وبين أن تغيب الشمس » (٣).

ورواية سماعة : « فأمّا النافلة ، فله أن يفطر أيّ ساعة شاء إلى غروب الشمس » (٤).

ورواية ابن سنان : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى شئت » (٥).

نعم ، يكره نقضه بعد الزوال عندنا ، كما عن الخلاف (٦) ، لرواية مسعدة : « الصائم تطوّعا بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم » (٧).

__________________

(١) المدارك ٦ : ٢٧٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٨٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٢ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ١٠ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٨٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١٢٢ ـ ٣٩٥ ، الوسائل ١٠ : ١٨ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ١٠.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ـ ٤٣٣ ، التهذيب ٤ : ١٨٧ ـ ٥٢٧ ، الوسائل ١٠ : ١٧ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٨.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٧٨ ـ ٨٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٨٩ ، الوسائل ١٠ : ١٨ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٩.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٢٠.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٨١ ـ ٨٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٢٢ ـ ٣٩٧ ، الوسائل ١٠ : ١٩ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ١١.

٤٩٧

ورواية معمّر : النوافل ليس لي أن أفطر فيها بعد الظهر؟ قال : « نعم » (١).

وإنّما حملنا على الكراهة مع ظهورها في الوجوب بقرينة ما سبق ، مع أنّ بقاءهما على ظاهريهما يوجب طرحهما بالشذوذ ، مضافا إلى أنّه مع التعارض ـ وقطع النظر عن ترجيح أحاديث الجواز بالأصحّيّة والأشهريّة والأصرحيّة ـ يرجع إلى الأصل.

هذا مع ما في الأخيرة من خفاء الدلالة ، لجواز أن يكون « نعم » بمعنى : لك أن تفطر ، وأيضا : ليس لك أن تفطر ، ليس صريحا في الحرمة ، لاحتمال نفي الإباحة بالمعنى الخاصّ.

ويستثنى من الكراهة من يدعى الى طعام ، فلا يكره له قطعه مطلقا ، بل يكره المضيّ عليه ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

المسألة الثانية : لا يجوز لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوّع بشي‌ء من الصيام ، بلا خلاف ـ إلاّ من السيّد في المسائل الرسّية (٢) ـ لصحيحة الحلبي : عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة ، أيتطوّع؟ قال : « لا ، حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان » (٣) ، وقريبة منها رواية الكناني (٤).

وصحيحة زرارة ، وفيها : « أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟! إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٦ ـ ٤٧٣ ، الوسائل ١٠ : ١٧ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٥.

(٢) المسائل الرسيّة ( رسائل السيّد المرتضى ٢ ) : ٣٦٦.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٦ ـ ٨٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٨ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٧٦ ـ ٨٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٨ ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ١٣٣ ـ ٥١٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ ـ ١٠٣١ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٨ ح ١.

٤٩٨

وقال في المقنع : وأعلم أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل وعليه شي‌ء من الفرض ، كذا وجدته في الأحاديث (١).

وفي الفقيه : وردت الأخبار والآثار عن الأئمّة : أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام وعليه شي‌ء من الفرض (٢).

وقصور دلالة بعض ما ذكر على الوجوب ينجبر بصراحة البعض الآخر ، كما أنّ ضعف البعض الآخر بالشهرة ينجبر.

وهل يجوز لمن في ذمّته واجب آخر غير القضاء التطوّع ، أم لا؟

الأول للسيّد (٣) وظاهر الكليني والصدوق والمدارك (٤) ، واختاره بعض مشايخنا (٥) ، للأصل الخالي عن المعارض.

وحكي عن ظاهر الأكثر : الثاني (٦) ، ويدلّ عليه ما في المقنع والفقيه (٧) ، وهما بمنزلة خبران مرسلان مجبوران بحكاية الشهرة ، بل بالشهرة المعلومة ، فهو الأظهر.

ونسبة الأول الى الصدوق غير معلومة ، بل ظاهره : الثاني.

المسألة الثالثة : إذا دعي الصائم تطوّعا إلى الإفطار يستحبّ له الإفطار ، بلا خلاف كما قيل (٨) ، بل بالاتّفاق كما في المعتبر (٩) ، للمستفيضة :

__________________

(١) المقنع : ٦٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٨٧ ـ ٣٩٢ و ٣٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٨ ح ٣.

(٣) حكاه عن السيّد في المختلف : ٢٣٨.

(٤) الكليني في الكافي ٤ : ١٢٣ ، الصدوق في المقنع : ٦٤ ، المدارك ٦ : ٢١٠.

(٥) انظر كشف الغطاء : ٣٢٤.

(٦) كما في الذخيرة : ٥٣٠ ، والحدائق ١٣ : ٣١٩.

(٧) المقنع : ٦٤ ، الفقيه ٢ : ٨٧.

(٨) في الحدائق ١٣ : ٢٠٦.

(٩) المعتبر ٢ : ٧١٢.

٤٩٩

كرواية إسحاق : « إفطارك لأخيك المؤمن أفضل من صيامك تطوّعا » (١) ، والدلالة إنّما هي إذا فسّر قوله : « لأخيك » أي لأجل أخيك.

والرقّي : « لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفا ، أو تسعين ضعفا » (٢).

ونجم بن حطيم : « من نوى الصوم ثمَّ دخل على أخيه ، فسأله أن يفطر ، عنده فليفطر ، وليدخل عليه السرور ، فإنّه يحسب له بذلك اليوم عشرة أيّام » (٣).

والخثعمي : عن الرجل ينوي الصوم ، فيلقاه أخوه الذي هو على أمره فيسأله أن يفطر ، أيفطر؟ قال : « إن كان الصوم تطوّعا أجزأه وحسب له » (٤).

والأفضل له عدم الإعلام بالصوم بلا خلاف ، لصحيحة جميل : « من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ، فلم يعلمه بصومه فيمنّ عليه ، كتب الله له صوم سنة » (٥).

وروايته : « أيّما رجل مؤمن دخل على أخيه وهو صائم ، فسأله الأكل فلم يخبره بصيامه فيمنّ عليه بإفطاره ، كتب الله تعالى له بذلك اليوم صيام‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥٠ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ١٥٢ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٥١ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٥١ ـ ٢٢١ ، العلل ٢ : ٣٨٧ ـ ٢ ، المحاسن : ٤١١ ـ ١٤٥ ، ثواب الأعمال : ٨٢ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ١٥٣ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٦.

(٣) الكافي ٤ : ١٥٠ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ١٥١ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ـ ٤٣٤ ، الوسائل ١٠ : ١٥٢ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ١٥٠ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٥١ ـ ٢٢٢ ، العلل : ٣٨٧ ـ ٣ ، المحاسن : ٤١٢ ـ ١٥٣ ، ثواب الأعمال : ٨٢ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ١٥٢ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٤.

٥٠٠