مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

ومرسلة ابن بكير ، وفيها : « فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ، ثمَّ صحّ بعد ذلك فلم يقضه ، ثمَّ مرض فمات ، فعلى وليّه أن يقضي عنه ، لأنّه قد صحّ فلم يقض ووجب عليه » (١) ، وحكي عن الخلاف والنهاية والنافع والتحرير والمنتهى والمختلف وظاهر السرائر والتبصرة (٢) ، وادّعيت عليه الشهرة بل الإجماع (٣) ، ونسب ما يدلّ على خلافه من الروايات إلى الشذوذ (٤).

ويدلّ عليه أيضا الأصل السالم عن المعارض بالمرّة ، لاختصاص عمومات (٥) القضاء عن الميّت بما إذا وجب عليه ، وقصور ما استدلّ به للقول الأول عن إفادة الوجوب رأسا ، وعموم غير صحيحة أبي حمزة بالنسبة إلى المتمكّن من القضاء وغيره ، فيخصّ بالأول للخبر المعلّل ، غاية الأمر تعارضهما والرجوع إلى الأصل.

أقول : هذا كان حسنا لو قلنا باستحباب القضاء ، وبعد نفيه فلا يفيد الجواب بنفي الدلالة على الوجوب ، وتبقى الصحيحة دالّة عليه ، وهي أخصّ مطلقا من عموم العلّة ، فيجب التخصيص بها لو لا شذوذها المدّعى ، ولكنّه غير ثابت عندي ، فالأظهر هو القول الأول.

ج : هل انتفاء القضاء مخصوص بما إذا مات في المرض الذي أفطر

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ـ ٧٣٩ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ ـ ٣٦٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٣.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٠٧ ، النهاية : ١٥٧ ، النافع : ٧٠ ، التحرير ١ : ٨٤ ، المنتهى ٢ : ٦٠٥ ، المختلف : ٢٤٣ ، السرائر ١ : ٣٩٥ ، التبصرة : ٥٧.

(٣) كما في الخلاف ٢ : ٢٠٨ ، والحدائق ١٣ : ٣٣١.

(٤) انظر الرياض ١ : ٣٢٣.

(٥) الوسائل ١٠ : ٣٢٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣.

٤٤١

فيه والدم كذلك؟

أو يعمّ كلّ صورة لم يتمكّن من القضاء؟ كما صرّح به في الروضة (١) ، فلو طمثت أول رمضان وطهرت ، ثمَّ طمثت أول شوّال وماتت في هذا الطمث ، لم يقض عنها أيضا ، وكذا لو مرض أول رمضان وبرئ ثمَّ مات في أول شوّال.

مقتضى العموم الحاصل من ترك الاستفصال في صحيحة محمّد الثانية وصحيحة أبي حمزة والعلّة المنصوصة في صحيحة أبي بصير : الثاني.

ومقتضى عموم قوله : « ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثمَّ يموت » في الصحيحة الاولى وقوله : « وإن صحّ ثمَّ مات » في صحيحة أبي مريم : الأول.

والظاهر ترجيح التعميم ، لأخصية العلّة المنصوصة عن العموم المذكور في الصحيحين الثانيين ، فيخصّصان بها ، مضافا إلى أنّه على فرض التساوي أيضا يرجع إلى الأصل ، وهو مع التعميم.

المسألة الثالثة : لو استمرّ المرض الذي أفطر معه في رمضان إلى رمضان آخر ، سقط قضاء ما في الأول ، وتجب الصدقة لكلّ يوم على الأظهر الأشهر ، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر (٢) ، للمستفيضة من الصحاح وغيرها ، كصحاح زرارة ومحمّد وابن سنان :

الاولى : في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ، يخرج عنه وهو مريض ، ولا يصحّ حتى يدركه شهر رمضان آخر ، قال : « يتصدّق عن الأول ويصوم الثاني ، فإن كان صحّ فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان‌

__________________

(١) الروضة ٢ : ١٢٣.

(٢) انظر الشرائع ١ : ٢٠٣ والكفاية : ٥١ ، والرياض ١ : ٣٢٢.

٤٤٢

آخر صامها جميعا وتصدّق عن الأول » (١) ، دلّت بالتفصيلين النافيين للاشتراك على نفي الصوم للأول.

والثانية : عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر ، فقال : « إن كان قد برئ ثمَّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه ، وتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين ، وعليه قضاؤه ، وإن كان لم يزل مريضا حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه ، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم مدّا على مسكين ، وليس عليه قضاء » (٢).

والثالثة : « من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر ثمَّ أدرك رمضان آخر وهو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم ، فأمّا أنا فإنّي صمت وتصدّقت » (٣).

ورواية أبي بصير : « إذا مرض الرجل في رمضان إلى رمضان ، ثمَّ صحّ ، فإنّما عليه لكلّ يوم أفطر فيه طعام ، وهو مدّ لكلّ مسكين » إلى أن قال : « وإن صحّ فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام ، فإن تهاون به وقد صحّ فعليه الصدقة والصيام جميعا ، لكلّ يوم مدّ إذا فرغ من ذلك الرمضان » (٤).

والمرويّين في قرب الإسناد ، أحدهما : عن رجل مرض في شهر‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٩ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٩٥ ـ ٤٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ ـ ٧٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١١١ ـ ٣٦٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ١١٩ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ ـ ٧٤٣ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ ـ ٣٦١ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥٢ ـ ٨٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١١٢ ـ ٣٦٧ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٥١ ـ ٧٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١١١ ـ ٣٦٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٦.

٤٤٣

رمضان فلم يزل مريضا حتى أدركه شهر رمضان آخر فبرئ فيه ، كيف يصنع؟ قال : « يصوم الذي يبرأ فيه ، ويتصدق عن الأول كلّ يوم بمدّ من طعام » ، وبمضمونه الآخر أيضا (١).

وفي تفسير العيّاشي : عن رجل مرض من رمضان إلى رمضان ولم يصح بينهما ولم يطلق الصوم ، قال : « تصدّق مكان كلّ يوم أفطر على مسكين بمدّ من طعام » إلى أن قال : « فإن استطاع أن يصوم الرمضان الذي استقبل ، وإلاّ فليتربّص ، إلى رمضان قابل فليقضه ، فإن لم يصح حتى رمضان من قابل فليتصدّق كما تصدّق مكان كلّ يوم أفطر مدّا ، فإن صحّ فيما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء رمضان الآخر فإن عليه الصوم والصدقة جميعا » (٢).

والرضوي : « وإذا مرض الرجل وفات صوم شهر رمضان كلّه ، ولم يصمه إلى أنّ يدخل عليه شهر رمضان من قابل ، فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل عليه ، ويتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدّ من طعام ، إلاّ أن يكون قد صحّ فيما بين الرمضانين ، فإذا كان كذلك ولم يصم فعليه أن يتصدّق عن الأول لكلّ يوم بمدّ من طعام ، ويصوم الثاني ، فإذا صام الثاني قضى الأول بعده ، فإن فاته شهران رمضانان حتى دخل عليه الشهر الثالث وهو مريض فعليه أن يصوم الذي دخله ، ويتصدّق عن الأول لكلّ يوم بمدّ من طعام ، ويقضى الثاني » (٣).

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٣٢ ـ ٩١٠ و ٩١١ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٨ و ٣٣٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٩ و ١٠.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٧٩ ـ ١٧٨ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ١١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١١ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٤٥٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٧ ح ١.

٤٤٤

والمروي في العلل (١) والعيون (٢) : « إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق عن مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر ، وجب عليه الفداء للأول وسقط القضاء ، فإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء » الحديث.

وبالتصريح بوجوب الصدقة في الأخيرة يجبر ضعف دلالة بعض الأخبار المتقدّمة على الوجوب لمكان الجملة الخبريّة ، مضافا إلى ورود الأمر في الصحيحة الثالثة ، وقوله : « عليه » في رواية أبي بصير.

خلافا للمحكي عن العماني والصدوق والخلاف والحلّي وابن زهرة والحلبي والمنتهى والتحرير (٣) ، فأوجبوا القضاء دون الكفّارة.

أمّا الثاني فللأصل.

وأمّا الأول فلإطلاق قوله ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٤).

والأخبار الموجبة للقضاء على المريض بقول مطلق (٥).

ورواية الكناني : عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة ، ثمَّ أدركه شهر رمضان قابل ، فقال : « إن كان صحّ فيما بين ذلك ، ثمَّ لم يقضه حتى أدركه شهر رمضان قابل ، فإنّ عليه أن يصوم وأن يطعم لكلّ يوم مسكينا ، فإن كان مريضا فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلاّ الصيام إن صحّ ، فإن تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكلّ يوم‌

__________________

(١) العلل : ٢٧١ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٨.

(٢) العيون ٢ : ١١٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٨.

(٣) حكاه عن العماني في المختلف : ٢٣٩ ، الصدوق في المقنع : ٦٤ ، الخلاف ١ : ٣٩٥ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٩٥ و ٣٩٦ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، الحلبي في الكافي : ١٨٤ ، المنتهى ٢ : ٦٠٣ ، التحرير ١ : ٨٣.

(٤) البقرة : ١٨٤.

(٥) الوسائل ١٠ : ٣٣٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥.

٤٤٥

مدّا » (١).

وموثّقة سماعة : عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك ولم يصمه ، فقال : « يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام ، وليصم هذا الذي أدرك ، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ، فإنّي كنت مريضا فمرّ علي ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ، ثمَّ أدركت رمضانا فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّ من طعام ، ثمَّ عافاني الله وصمتهن » (٢).

ويجاب عن الأصل : باندفاعه بما مرّ ، كتقييد المطلقات وتخصيص العمومات (٣) به.

وعن الرواية : بعدم الدلالة ، لأنّ ظاهر قوله : « فإن كان مريضا » إلى آخره ، وإن كان ذلك ، إلاّ أنّ ظاهر قوله « فإن تتابع المرض عليه » إلى آخره ، خلافه ، ولذا حمل الأول على ما إذا صحّ فيما بين ذلك وأراد القضاء ثمَّ مرض ، والثاني على استمرار المرض ، وعلى هذا يكون مثبتا لخلاف مطلوبهم. ولو لم يقبل ذلك فلا أقلّ من الإجمال المسقط للاستدلال.

وعن الموثّقة : بعدم الدلالة أيضا ، لأنّ صدرها لا يفيد استمرار المرض ، وذيلها وإن أفاده ولكنّه لا يدلّ على وجوب القضاء ، بل على أنّ الإمام فعل كذا ، فلعلّه لاستحبابه كما يأتي.

وأمّا الجواب عنهما بعد تسليم الدلالة : برجحان معارضهما بالأكثريّة ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٠ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٥١ ـ ٧٤٥ ، الاستبصار ٢ : ١١١ ـ ٣٦٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٥٢ ـ ٨٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١١٢ ـ ٣٦٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٥.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٣٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥.

٤٤٦

والاشتمال على العلّة ، ومخالفة العامّة ، أو بشذوذهما المخرج لهما عن الحجّية ، أو بضعف سنديهما مع إضمار الموثّقة ، كالجواب عن الإطلاقين بمنع شمولهما لزمان مؤخّر عن السنة ، لكونها المتبادر منه ، مع أنّ الإطلاق الثاني وارد لبيان حكم آخر غير الوقت ، فيمكن المناقشة في شموله من هذه الوجوه أيضا.

فغير سديد ، لأنّ المرجّحين الأولين للترجيح غير صالحين عند أهل التحقيق. والثالث معارض بموافقة المخالف لإطلاق الكتاب ، الذي هو كالمخالفة للعامّة في المنصوصيّة. والشذوذ ممنوع جدّا ، وكيف يتحقّق الشذوذ مع الموافقة لمن ذكر من القدماء الفحول؟! وضعف السند والإضمار غير ضائر عندنا كما ذكرنا مرارا. ومنع التبادر الذي ذكر. وعدم ورود الإطلاق الثاني إلاّ لبيان وجوب القضاء على من أفطر ، ولا شكّ أنّه مطلق بالنسبة إلى من صحّ أو مرضه استمرّ.

ثمَّ بما ذكرنا ـ من عدم ثبوت الوجوب من فعل الإمام ـ يظهر ضعف التمسّك بالموثّقة ونحوها للقول بالاحتياط ـ بالجمع بين القضاء والكفّارة ـ كما عن الإسكافي (١).

ومنه يظهر ضعف أصل القول أيضا إن كان مراد القائل وجوب الاحتياط ، وإن كان استحبابه فهو صحيح ، للخروج عن شبهة الخلاف ، ومتابعة للإمام ، كما هو مدلول الموثّقة ، وصحيحة ابن سنان : « من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر ، ثمَّ أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم ، فأما أنا فإنّي صمت وتصدّقت » (٢).

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٢٤٠.

(٢) راجع ص : ٤٤٣.

٤٤٧

فروع :

أ : ما مرّ إنّما هو إذا فات الصوم بالمرض ، وكان المانع بين الرمضانين أيضا المرض بأن استمرّ المرض.

وهل الحكم كذلك لو فات بالمرض ولم يتمكّن من القضاء لعذر آخر ـ أي أستمرّ العذر الآخر ـ أو عكس ، أو فات بعذر آخر واستمرّ هذا العذر ، أم لا؟

حكى في الدروس عن العماني والخلاف : الأول (١) ، واختاره صاحب الحدائق من مشايخنا (٢).

وعن المعتبر والمنتهى التوقّف (٣).

ومن المتأخّرين من حكم بالأول في الصورة الثانية خاصّة ، ولم يتعرّض للباقيتين (٤).

ومنهم من استشكل فيها ، أو تردّد ، مع عدم التعرّض للأخيرتين أو الأخيرة (٥).

والأظهر هو الأول في جميع الصور ، لرواية العيون والعلل وصحيحة ابن سنان ، وهما وإن لم يشملا الصورة الاولى ولكن الظاهر لحوقها بالإجماع المركّب.

وهل السفر المسقط استمراره للقضاء ما كان واجبا أو ضروريّا ، أو‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٨٨.

(٢) الحدائق ١٣ : ٣٠٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٠٠ ، المنتهى ٢ : ٦٠٣.

(٤) انظر المسالك ١ : ٧٨.

(٥) انظر الذخيرة : ٥٢٧ ، والمفاتيح ١ : ١٨٩.

٤٤٨

أعمّ منهما ومن غيرهما؟

ظاهر الروايتين : الثاني ، وهو الأظهر.

وصرّح بعض متأخّري المتأخّرين في شرحه على الدروس بالأول (١) ، وهو الأحوط.

ب : لو ارتفع العذر بين الرمضانين بقدر يتمكّن من قضاء بعض ما فاته دون البعض ، وقضى ما يمكن منه أو لم يقض ، فهل يسقط قضاء ما لم يتمكّن من قضائه أم لا؟

مقتضى الأصل : لا ، لاختصاص الأخبار بالاستمرار. ويحتمل السقوط ، لكونه مسبّبا عن عدم التمكّن وهو هنا حاصل.

والأول أوجه.

ج : الأظهر الأشهر أنّ الصدقة الواجبة لكلّ يوم مدّ من طعام ، للأخبار المتقدّمة.

وعن نهاية الشيخ واقتصاده والقاضي وابن حمزة : أنّها مدّان (٢).

وفي الجمل والمبسوط : أنّها مدّان وأقلّه مدّ (٣) ، وهو محتمل لقول النهاية ، وللترتيب في الفضل. وكيف كان ليس له مستند واضح.

وقال في الحدائق (٤) : ولعلّ مستنده قوله عليه‌السلام في موثقة سماعة : « فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّين من طعام » الحديث. انتهى.

ولا يخفى ما فيه ، أمّا أولا : فلأنّ فعله عليه‌السلام لا يدلّ على الوجوب‌

__________________

(١) مشارق الشموس : ٤٧٦.

(٢) النهاية : ١٥٨ ، الاقتصاد : ٢٩٤ ، القاضي في شرح جمل العلم والعمل : ١٩١ ، ابن حمزة في الوسيلة ١ : ١٥٠.

(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٠ ، المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٤) الحدائق ١٣ : ٣٠٧ ، والموثقة قد تقدمت في ص : ٤٤٦.

٤٤٩

كقضائه.

وأمّا ثانيا : فإنّه يمكن أن يكون المدّان للتأخير في رمضانين ، حيث إنّه تتابع المرض ثلاث رمضانات ، واحد منها شهر الإفطار والباقيان أيّام التأخير ، فلا يجب المدّان لمضيّ رمضان واحد.

وأمّا ثالثا : فلأنّ الموجود في النسخ الصحيحة من الموثّقة إنّما هو « بمدّ ».

وقيل : لعلّ دليله صحيحة محمّد : « الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام » (١) ، حيث إنّه لا فرق بين العطاش وغيره من الأمراض (٢).

وفيه : منع عدم التفرقة أولا. ومنع حكم الأصل ثانيا ، لتعارض الأخبار فيه كما يأتي.

د : صرّح في الدروس والروضة بأنّ محلّ هذه الفدية مستحقّ الزكاة (٣).

أقول : إن أريد بذلك عدم الصرف في غير المستحقّ من مصارف الزكاة ـ كالرباط والقنطرة ونحوها ـ فهو كذلك ، للتصريح في الأخبار المتقدّمة بأنّها للمسكين.

وإن أريد صرفها إلى مستحقّها مطلقا ـ حتى يشمل العاملين والمؤلّفة ( وَفِي الرِّقابِ ) ـ فهو غير سديد ، لما عرفت من تخصيص الأخبار بالمسكين.

مضافا إلى أنّه إن أراد من مستحقّ الزكاة غير الهاشميّين ـ إذا كانت الصدقة من غيرهم ـ فلا دليل عليه أيضا ، إلا على القول بحرمة مطلق‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٦ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١.

(٢) قاله في المختلف : ٢٤٦.

(٣) الدروس ١ : ٢٨٧ ، الروضة ٢ : ١٢١.

٤٥٠

الصدقة الواجبة على بني هاشم ، وقد ذكرنا اختصاص الحرمة بالزكاة الواجبة.

هـ : لو استمرّ المرض إلى الرمضان الثالث فلا خلاف في عدم قضاء الأول ، لما مرّ.

ولا إشكال في عدم تعدّد الصدقة كلّ يوم منه ، للأصل ، وعن الخلاف : الإجماع عليه (١).

وهل يقضي الثاني ، أو يتصدّق عنه؟

المحكي عن الإسكافي والشيخ وغيرهما : الثاني (٢) ، لعموم ما مرّ من الأخبار ، وخصوص المروي في تفسير العيّاشي المتقدّم (٣).

وعن ظاهر الصدوق في المقنع والفقيه ووالده في الرسالة : إنّ الثاني يقضى بعد الثالث وإن استمرّ المرض (٤).

ولا يخفى أنّ عبارة الكتب الثلاثة غير صريحة في ذلك ، فإنّ فيها : فإن فاته شهر رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه فعليه أن يصوم الذي دخل ، ويتصدّق عن الأول لكلّ يوم بمدّ من طعام ويقضي الثاني. وهذا الكلام كما يحتمل استمرار المرض فيه من الأول إلى الثالث يحتمل برؤه بين الثاني والثالث.

المسألة الرابعة : لو ارتفع العذر بين الرمضانين ، وتمكّن من القضاء ولم يقض حتى دخل الثاني ، وجب قضاء الأول ، إجماعا مطلقا ، فتوى ونصّا ، كما مرّ كثير من نصوصه.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٠٩.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٤٠ ، الشيخ في المبسوط ١ : ٢٨٦ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٨٨.

(٣) في ص : ٤٤٤.

(٤) المقنع : ٦٤ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ، حكاه عن والده في المختلف : ٢٤٠.

٤٥١

ووجوب الكفّارة وعدمه مبنيّ على التهاون في القضاء وعدمه ، فإن كان في عزمه القضاء قبل الثاني وأخّره اعتمادا على سعة الوقت ، فلمّا ضاق عرض له مانع منه ، فلا كفّارة عليه ، ولو ترك القضاء تهاونا مطلقا أو عند ضيق الوقت وجبت الكفّارة على الحقّ المشهور فيهما كما قيل (١) ، لرواية أبي بصير المتقدّمة (٢) ، بل صحيحة محمّد (٣) ورواية العيّاشي ، حيث إنّ التواني بمعنى التكاسل المستلزم للتهاون ، ورواية الكناني السالفة على الحمل الذي مرّ (٤).

والمرويّ في العلل والعيون ، وفيه : « فإذا أفاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء للتضييع ، والصوم لاستطاعته » (٥).

ورواية الوشّاء ، وفيها : « وإن كان قد برئ فيما بينهما ولم يقض ما فاته وفي نيّته القضاء يصوم الحاضر ويقضي الأول ، وإن تركه متهاونا به لزمه القضاء والكفّارة عن الأول » (٦).

خلافا للمحكيّ عن الحلّي ، فلم يوجب الكفّارة مطلقا ، بل قال : لم يذكرها سوى الشيخين ومن قلّد كتبهما ، أو تعلّق بأخبار الآحاد (٧).

__________________

(١) في الحدائق ١٣ : ٣١٠.

(٢) في ص : ٤٤٣.

(٣) المتقدّمة في ص : ٤٤٣.

(٤) راجع ص : ٤٤٥.

(٥) علل الشرائع : ٢٧٢ ـ ٩ ، العيون ٢ : ١١٦ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٨.

(٦) الظاهر أنّها ليست من رواية الوشّاء ، وإنّما هي من كلام شيخ الطائفة ، فراجع التهذيب ٤ : ٢٤٩ ـ ٧٤٢ ، ولذا لم يروها في الكافي ٤ : ١٢٤ ـ ٦ ، وهو مصدر رواية التهذيب ، وكذا في الوسائل ١٠ : ٣٣٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٤ ح ١.

(٧) السرائر ١ : ٣٩٧.

٤٥٢

للأصل ، ومرسلة سعد : عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثمَّ يصحّ بعد ذلك ، فيؤخّر القضاء سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، ما عليه في ذلك؟ قال : « أحبّ له تعجيل الصيام ، فإن كان أخّره فليس عليه شي‌ء » (١).

والأصل مدفوع ، والمرسلة مخصوصة بما ذكر ، مضافا إلى صحيحة زرارة والرضوي المتقدّمتين وغيرهما (٢).

وللمحكيّ عن الصدوقين والعماني والمعتبر والشهيدين والمدارك والذخيرة والحدائق (٣) ، وقيل : هو محتمل كلام المفيد وابن زهرة والجامع ، فأوجبوا الكفّارة مطلقا.

لإطلاق صحيحة زرارة المتقدّمة ومحمّد ، بحمل التواني على الترك ، سيّما مع مقابلته مع استمرار المرض ، وظهورها في الحصر بين القسمين ، ولا يكون ذلك إلا مع تعميم التواني مطلقا.

ورواية أبي بصير (٤) بحمل قوله : « عليه أن يقضي الصيام » أي ما بين الرمضانين ، وحمل التهاون على ترك ذلك وتأخيره.

ورواية العيّاشي (٥) بالتقريب المذكور ، والرضوي (٦) ، وإطلاق صدر‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥٢ ـ ٧٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١١١ ـ ٣٦٥ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٧.

(٢) انظر ص : ٤٤٢ و ٤٤٤.

(٣) حكاه عن والد الصدوق في الدروس ١ : ٢٨٧ ، الصدوق في الفقيه ٢ : ٩٦ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٢٣٩ ، المعتبر ٢ : ٦٩٨ ، الشهيد الأول في اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٢١ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٨ ، المدارك ٦ : ٢١٨ ، الذخيرة : ٥٢٧ ، الحدائق ١٣ : ٣١٠.

(٤) المتقدّمة في ص : ٤٤٣.

(٥) المتقدمة في ص : ٤٤٤.

(٦) المتقدّمة في ص : ٤٤٤.

٤٥٣

رواية الكناني (١).

والجواب عن الصحيحة الأولى بوجوب حمل المطلق على المقيّد ، مضافا إلى قصور دلالتها على الوجوب.

وهو الجواب عن الثانية ، مضافا إلى أن معنى التواني : التكاسل ، الغير الحاصل عرفا مع العزم على القضاء في السعة وطرو المانع ، ومنع دلالتها على الحصر ، ولعلّ ترك القسم الآخر لندرته ، ولو سلّم عدم دلالة التواني على التكاسل فلا أقلّ من احتماله المسقط للاستدلال لهذا القول.

وهو الجواب عن الثالثة ، مضافا إلى ضعف الرواية الخالي عن الجابر في المقام.

وهو الجواب عن الرابعة ، مضافا إلى ما مرّ من وجوب حمل المطلق على المقيّد.

الذي هو الجواب عن الخامسة ، مضافا إلى عدم الريب في كونه مجملا ، وللمعنى الذي ذكرنا محتملا.

وبالجملة : لا شكّ في فهم العرف من التهاون والتواني ـ بل اللغة ـ معنى زائدا على مطلق الترك ، فلا وجه للإطلاق ، سيّما مع البيان في رواية الوشّاء ، وضعفها بسهل ـ مع وجودها في الكتاب المعتبر ، وانجباره لو كان بدعوى الشهرة المستفيضة ـ سهل ، مع أنّ سهلا كثير الرواية عنهم ، وقالوا : اعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنّا (٢). فالمسألة واضحة بحمد الله.

__________________

(١) المتقدّمة في ص : ٤٤٥.

(٢) الكافي ١ : ٥٠ ـ ١٣ ، الوسائل ٢٧ : ١٣٧ أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٣ ، وفي المصادر : الناس ، بدل : الرجال.

٤٥٤

فروع :

أ : الكفّارة هنا كما مر في المستمرّ قدرا ومحلاّ وحكما.

ب : المراد بالتهاون : عدم العزم على الفعل‌ ، سواء عزم على العدم أم لا ، كما هو المفهوم عرفا ، والمدلول عليه في رواية الوشّاء ، ومقتضى الأصل : الاقتصار في تخصيص مطلقات الكفّارة بالمتيقّن ، الذي هو العزم على الفعل.

ج : قال في الحدائق ـ بعد بيان أنّ المستفاد من الأخبار أنّ وقت القضاء ما بين الرمضانين ـ : وعلى هذا فلو تمكّن من القضاء وأخلّ به ، ثمَّ عرض له سفر لا يتمكن معه من القضاء في ذلك الوقت المعيّن ، فإن كان سفرا مباحا أو مستحبّا ، فلا إشكال في وجوب تقديم القضاء عليه وعدم مشروعيّة السفر ، وإن كان واجبا ـ كالحج الواجب ونحوه ـ فإشكال ينشأ من تعارض الواجبين ولا سيّما حجّة الإسلام ، وترجيح أحدهما على الآخر يحتاج إلى دليل ، وإن كان مقتضى قواعد الأصحاب تقديم ما سبق سبب وجوبه ، كما صرّحوا به في جملة من المواضع (١). انتهى.

أقول : ما ذكره من التوقيت يظهر من المعتبر أيضا ، حيث استدلّ على نفي القضاء مع استمرار العذر باستيعابه وقتي الأداء والقضاء (٢).

ومنعه بعض الأجلّة ، قال ـ بعد ذكره ـ : وفيه منع كون ما بين الرمضانين وقتا وإن وجبت المبادرة. انتهى.

أقول : ما ذكره من منع التوقيت في محلّه ، إذ لا دليل عليه أصلا ،

__________________

(١) الحدائق ١٣ : ٣٠٦‌

(٢) المعتبر ٢ : ٦٩٩.

٤٥٥

ووجوب الكفّارة بترك القضاء في هذا الوقت لا يدلّ على أنّه وقته كما يأتي.

وأمّا ما ذكره من وجوب المبادرة فظاهره ـ في موضع آخر ـ شهرته أيضا ، بل إجماعيّته ، حيث صرّح بكون عدم وجوب تعجيل القضاء في البين متروكا ، ولكن إثباته في غاية الإشكال ، إذ لا موجب له سوى الكفّارة ، وإيجابها له ممنوع ، لم لا يجوز أن يكون جبرا لما فاته من الصوم في أيّام رمضان ، التي هي من الشرف بمكان ، وعدم جبره بالتعجيل؟! وأمّا قوله في رواية أبي بصير السابقة : « فإنّما عليه أن يقضي الصيام » (١) إنّما كان يفيد لو قلنا أنّ المعنى : عليه أن يقضيه بين الرمضانين كما قيل (٢) ، وهو غير معلوم ، فتبقى أصالة عدم الوجوب فارغة من الدافع ، بل مرسلة سعد المتقدّمة (٣) ظاهرة في نفيه ، فهو الأظهر إلاّ أن يثبت الإجماع عليه.

المسألة الخامسة : لو مات شخص وعليه قضاء صيام يجب على وليّه قضاؤه على الأصحّ‌ ، وفاقا للصدوقين والشيخين والسيّد والإسكافي والقاضي والحلّي وابن حمزة (٤) ، بل هو المشهور كما صرّح به جماعة (٥) ، بل على المعروف في مذهب الأصحاب كما في الكفاية (٦) ، بل بلا خلاف‌

__________________

(١) راجع ص : ٤٤٣.

(٢) في الحدائق ١٣ : ٣١٤.

(٣) في ص : ٤٥٣.

(٤) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٤١ ، الصدوق في المقنع : ٦٣ ، المفيد في المقنعة : ٣٥٣ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٢٨٦ ، وحكاه عن السيّد والإسكافي في المختلف : ٢٤١ ، القاضي في المهذب ١ : ١٩٦ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٠٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٠.

(٥) انظر الحدائق ١٣ : ٣١٩.

(٦) الكفاية : ٥١.

٤٥٦

ظاهرا إلاّ من العماني كما قيل (١) ، بل بالإجماع كما عن الخلاف والسرائر والمنتهى والتذكرة (٢).

لمرسلة ابن بكير ، وفيها : « فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ، ثمَّ صحّ بعد ذلك فلم يقضه ، ثمَّ مرض فمات فعلى وليّه أن يقضي عنه ، لأنّه قد صحّ فلم يقض ووجب عليه » (٣).

والرضوي : « وإذا مات الرجل وعليه من صوم شهر رمضان فعلى وليّه أن يقضي عنه ، وكذا إذا فاته في السفر » (٤) ، وضعفهما ـ لو كان ـ بما ذكر ينجبر.

وتدلّ عليه أيضا صحيحة البختري ومرسلة حمّاد :

الاولى : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : « يقضي عنه أولى الناس بميراثه » ، قلت : إن كان أولى الناس به امرأة؟ قال : « لا ، إلاّ الرجال » (٥).

والثانية : عن الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان ، من يقضي عنه؟ قال : « أولى الناس به » قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال : « لا ، الاّ الرجال » (٦).

وهما وغيرهما من بعض الأخبار (٧) ـ التي وردت في المقام ـ وإن كانت غير صريحة في الوجوب ، إلاّ أنّها تصير صريحة بقرينة الخبرين‌

__________________

(١) في الرياض ١ : ٣٢٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٠٩ ، السرائر ١ : ٤٠٩ ، المنتهى ٢ : ٦٠٤ ، التذكرة ١ : ٢٧٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ـ ٧٣٩ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ ـ ٣٦٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢١ ح ١٣.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١١ ، المستدرك ٧ : ٤٤٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

(٦) الكافي ٤ : ١٢٤ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٤٦ ـ ٧٣١ ، الاستبصار ٢ : ١٠٨ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٣١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٦.

(٧) انظر الوسائل ١٠ : ٣٢٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣.

٤٥٧

المتقدّمين ، حيث صرّحا بما يفيد الوجوب.

وتدل عليه أخبار أخر مطلقة بالنسبة إلى الولي (١) ، ولكن يجب حملها عليه حملا للمطلق على المقيّد.

خلافا للمحكيّ عن العماني ، فأوجب عليه الصدقة عنه (٢) ، مدّعيا تواتر الأخبار وشذوذ القول بالقضاء ، لرواية أبي مريم المرويّة في التهذيبين : « وإن صحّ ثمَّ مرض ثمَّ مات ، وكان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ ، وإن لم يكن له مال تصدّق عنه وليّه » (٣).

وتضعف باختلاف النسخ ، فإنّها مرويّة في الفقيه والكافي ـ اللذين هما أتقن من الأولين ـ بطريق موثّق هكذا : « وإن لم يكن له مال صام عنه وليّه » (٤) ، ومثل ذلك [ لا تعارض ] (٥) به الأخبار المتكثّرة المشتهرة.

سلّمنا ، ولكن إثبات رجحان الصدقة لا ينافي وجوب غيرها أيضا.

سلّمنا التعارض ، والترجيح للأول بمخالفته لما عليه جمهور العامّة كما صرّح به جماعة (٦) ، ومعاضدته بالشهرة القويّة والإجماعات المحكيّة. (٧)

وللمحكيّ عن الانتصار ، فأوجب الصدقة إن خلّف مالا وإلاّ فعلى‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٠ : ٣٢٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٣ و ٧ و ٨ و ١٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٤١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٤٨ ـ ٧٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٠٩ ـ ٣٥٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٣١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٩٨ ـ ٤٣٩ ، الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٣١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٧.

(٥) في النسخ : لا يعرض ، والظاهر ما أثبتناه.

(٦) منهم السبزواري في الذخيرة : ٥٢٨ ، وصاحبي الحدائق ١٣ : ٣٢١ ، والرياض ١ : ٣٢٣.

(٧) راجع رقم ٥ من ص ٤٥٧.

٤٥٨

وليّه القضاء (١) ، للموثقة المذكورة على النسختين الأخيرتين.

وهو كان حسنا من جهة أخصّية الموثّقة عمّا مرّ لو لا اختلاف النسخ ، مع أنّها لا تنافي ما مرّ إلاّ مع الدلالة على نفي الصوم مع وجود المال ، ولا دلالة لها على ذلك إلاّ أن يكون التفصيل قاطعا للشركة ، وهو يتحقّق بانتفاء الصدقة في صورة فقدان المال وإن وجب الصوم في الصورتين.

وقد يردّ أيضا بعدم حجّية الرواية ، لشذوذ هذا القول ، كما صرّح به الحلّي ، قال : ولم يذهب إلى ما قاله السيّد غيره (٢).

وفيه : أنّه معارض بما قاله في المعتبر ردّا عليه ، قال : وليس ما قاله صوابا مع وجود الرواية الصريحة وفتوى الفضلاء من الأصحاب ، ودعوى علم الهدى إجماع الإماميّة على ما ذكره ، فلا أقلّ من أن يكون قولا ظاهرا بينهم (٣).

وللمحكيّ عن المبسوط والاقتصاد والجمل ، فخيّر بين الصدقة والقضاء (٤).

للجمع بين رواية أبي مريم وما مرّ.

ولصحيحة ابن بزيع : رجل مات وعليه صوم ، يصام عنه أو يتصدّق؟

قال : « يتصدّق عنه فإنّه أفضل » (٥).

ويضعف الأول : بأنّ الجمع فرع التعارض ثمَّ التكافؤ ، وقد عرفت انتفاءهما.

__________________

(١) الانتصار : ٧١.

(٢) السرائر ١ : ٤٠٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٠٢ ، الانتصار : ٧١.

(٤) المبسوط ١ : ٢٨٦ ، الاقتصاد : ٢٩٤ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٠.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٣٦ ـ ١١١٩.

٤٥٩

والثاني ـ بعد الإغماض عن شذوذه ، بل مخالفته الإجماع ، لعدم القول بأفضليّة التصدّق ـ : أنّه أعمّ مطلقا ممّا مرّ من جهة الصوم ، فيخصّص بغير صوم شهر رمضان أو الواجب ، فيحمل على صيام السنة ، كما ورد في صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر.

فروع :

أ : هل الصوم الواجب على ولي الميّت هو صوم شهر رمضان ، أم يعمّ كلّ واجب؟

صرّح المفيد والشيخ في المبسوط بالثاني (١) ، ونقله في المنتهى عن الشيخ ، ونسبه إلى ظاهر النصوص مشعرا بالميل إليه (٢) ، وفي التذكرة اقتصر على النسبة مؤذنا بالتوقّف (٣).

وظاهر العماني وابني بابويه : الأول (٤) ، حيث خصّوه بالذكر.

والأجود التخصيص ، للأصل ، واختصاص جميع أخبار المسألة ـ سوى صحيحة البختري المتقدّمة ورواية الوشّاء الآتية ـ بصوم رمضان.

والقول ـ بأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، كما في الحدائق (٥) ـ من غرائب الأقوال ، إذ لا عموم في لفظ الجواب في شي‌ء منها.

وأمّا الصحيحة وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنّه لا دلالة فيها على الوجوب ، وإرادة مطلق الرجحان عنها ممكنة ، ولا قرينة موجبة لحملها على الوجوب.

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٣٥٣ ، المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٠٤.

(٣) التذكرة ١ : ٢٧٦.

(٤) حكاه عن العماني وابن بابويه في المختلف : ٢٤١ و ٢٤٢ ، الصدوق في المقنع : ٦٣.

(٥) الحدائق ١٣ : ٣٣٣.

٤٦٠