مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

وحكى في التذكرة عن بعض علمائنا قولا بأنّ حكم البلاد كلّها واحد (١) ، وإلى هذا القول ذهب في المنتهى في أول كلامه (٢).

أقول : تحقيق المقام في ذلك المرام : أنّه ممّا لا ريب فيه أنّه يمكن أن يرى الهلال في بعض البلاد ولا يرى في بعض آخر مع الفحص ، واختلاف البلدين في الرؤية إمّا يكون للاختلاف في الأوضاع الهوائيّة أو الأرضيّة ـ كالغيم والصحو وصفاء الهواء وكدرته وغلظة الأبخرة ورقّتها وتسطيح الأرض وتضريسها ونحو ذلك ـ أو للاختلاف في الأوضاع السماويّة ، وذلك إمّا يكون لأجل الاختلاف في عرض البلد أو طوله.

أمّا اختلاف الرؤية لأجل الاختلاف في العرض فيمكن من وجهين : أحدهما : أنّ كلّ بلد يكون عرضه أكثر فتكون دائرة مدار حركة النيّرين فيه في الأغلب أبعد من الاستواء ، ويكون اضطجاعها إلى الأفق أكثر ، ولأجله يكون الهلال عند الغروب إلى الأفق أقرب ، ولذلك يكون قربه إلى الأغبرة المجتمعة في حوال الأفق أكثر ، فتكون رؤيته أصعب ، ولكن ذلك لا يختلف إلاّ باختلاف كثير في العرض.

وثانيهما : من الوجه الذي سيظهر ممّا يذكر.

وأمّا الاختلاف لأجل الاختلاف في الطول فهو لأجل أنّ كلّ بلد طوله أكثر وعن جزائر الخالدات ـ التي هي مبدأ الطول على الأشهر ـ أبعد يغرب النيّران فيه قبل غروبهما في البلد الذي طوله أقلّ.

وعلى هذا ، فلو كان زمان التفاوت بين المغربين معتدّا به يتحرّك فيه القمر بحركته الخاصّة قدرا معتدا به ويبعد عن الشمس ، فيمكن أن يكون‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٦٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٩٢.

٤٢١

القمر وقت غروب الشمس في البلد الأكثر طولا بحيث لا يمكن رؤيته ، لعدم خروجه عن الشعاع ، ويبعد عن الشمس فيما بين المغربين بحيث يمكن رؤيته في البلد الأقل طولا.

مثلا : إذا كان طول البلد مائة وعشرين درجة وطول بلد آخر خمس وأربعين درجة ، فيكون التفاوت بين الطولين خمس وسبعين درجة ، وإذا غربت الشمس في الأول لا بدّ أن يسير الخمس والسبعين درجة بالحركة المعدليّة حتى تغرب في البلد الثاني ، ويقطع الخمس والسبعين درجة في خمس ساعات ، وفي هذه الخمس يقطع القمر بحركته درجتين ، وقد يقطع درجتين ونصف ، بل قد يقطع ثلاث درجات تقريبا.

وعلى هذا ، فربّما يكون القمر وقت المغرب في البلد الأول تحت الشعاع ، ويخرج عنه في البلد الثاني ، أو يكون في الأول قريبا من الشمس فلا يرى لأجله ، وفي الثاني يرى لبعده عنها ، ولمثل ذلك يمكن أن يصير الاختلاف في العرض أيضا سببا لاختلاف الرؤية في البلدين ، لأنّه أيضا قد يوجب الاختلاف في وقت الغروب وإن لم يختلفا في الطول ، فإنّه لو كان العرض الشمالي لبلد أربعين درجة يكون نهاره الأطول خمس عشرة ساعة تقريبا ، ويكون في ذلك اليوم ـ الذي يكون الشمس في أول السرطان ـ النهار الأقصر للبلد الذي عرضه الجنوبي كذلك ، ويكون يومه تسع ساعات تقريبا ، ويكون التفاوت بين اليومين ستّ ساعات ، ثلاث منها لتفاوت المغرب ، ويقطع القمر في هذه الثلاث درجة ونصفا تقريبا ، وقد يقطع درجتين ، وتختلف رؤيته بهذا القدر من البعد عن الشمس.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه قد دلّت الأخبار على أنّه إذا ثبتت الرؤية في‌

٤٢٢

بلد يثبت حكمها للبلد الآخر أيضا بقول مطلق (١) ، ومقتضاها اتّحاد حكم البلدين في الرؤية ، وذلك ـ فيما إذا كان السبب في عدم الرؤية في البلد الآخر الموانع الخارجيّة الهوائيّة أو الأرضيّة بحيث علم أنّه لو لا المانع لرؤي في ذلك البلد أيضا ـ إجماعي ، وذلك يكون في البلدين المتقاربين ، إذ نقطع بعدم حصول الاختلاف الموجب لاختلاف الرؤية بسبب الأوضاع السماويّة في البلاد المتقاربة. وكذا إذا كان الاختلاف في الرؤية لأجل الاختلاف في العرض بالوجه الأول ، لأنّه أيضا راجع إلى وجود المانع الخارجي.

وإن كان السبب في عدم الرؤية الاختلاف في الطول أو العرض بالوجه الثاني ففيه الخلاف ، إذ لا يعلم من الرؤية في أحد البلدين وجود الهلال في الآخر أيضا ـ أي خروجه عن الشعاع وقت المغرب ـ فلا تكفي الرؤية في أحدهما عن الرؤية في الآخر.

وقد يتعارض الاختلاف العرضي مع الطولي ، كما إذا كان نهار بلد أقصر من الآخر ، ولكن كان طول الأول أقلّ بحيث يتّحد وقتا مغربهما أو يتقاربان (٢) ، ويكون ظهور تفاوت النهارين في الشرق ، بل قد يتأخّر المغرب في الأقصر نهارا.

وممّا ذكر يعلم أنّ محلّ الخلاف إنّما هو في البلدين اللذين يختلفان في الطول تفاوتا فاحشا ، أي بقدر يسير القمر في زمن التفاوت بحركته الخاصّة درجة أو نصف درجة ، ونصف الدرجة يحصل في خمس عشرة درجة تقريبا من الاختلاف الطولي.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٩٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٢.

(٢) في « س » : يتقارنان ، وفي « ح » : يتفاوتان.

٤٢٣

أو يختلفان في العرض تفاوتا فاحشا ، بحيث يكون تفاوت مغربيهما بقدر يسير القمر فيه بحركته الخاصّة الدرجة أو نصفها ، وهو أيضا يكون إذا اختلف نهار البلدين بقدر ثلاث ساعات أو ساعتين لا أقلّ ، ليكون تفاوتهما المغربي نصف ذلك ، حتى يسير القمر سيرا معتدّا به فيه.

وقد يتعارض الاختلافان الطولي والعرضي ، والخبير بعلم هيئة الأفلاك يقدر على استنباط جميع الشقوق ، واستنباط أنّ الرؤية في أي من البلدين ـ المختلفين طولا أو عرضا بالقدر المذكور ـ توجب ثبوتها في الآخر ، ولا عكس.

فالخلاف يكون في الرؤية في بغداد لبلدة قشمير ، لتقارب عرضهما ، وأقلّيّة طول بغداد بخمس وعشرين درجة تقريبا.

وفي الرؤية بمصر لبغداد ، إذ مع التفاوت العرضي قليلا يكون طول مصر أقلّ بسبع عشرة درجة. وكذا الطوس ، لزيادة طوله بثلاثين درجة تقريبا.

وفي الرؤية في صنعاء يمن لبغداد ومدائن ، إذ مع تقارب الطول يختلفان عرضا بتسع عشرة درجة تقريبا.

وفي أصفهان لبلدة لهاور ، لاختلافهما في الطول باثنين وثلاثين درجة تقريبا. بل في بغداد لطوس ، لتفاوت طوليهما اثنتي عشرة درجة تقريبا.

ثمَّ الحقّ ـ الذي لا محيص عنه عند الخبير ـ : كفاية الرؤية في أحد البلدين للبلد الآخر مطلقا ، سواء كان البلدان متقاربين أو متباعدين كثيرا ، لأنّ اختلاف حكمهما موقوف على العلم بأمرين لا يحصل العلم بهما البتّة :

أحدهما : أن يعلم أنّ مبنى الصوم والفطر على وجود الهلال في البلد بخصوصه ، ولا يكفي وجوده في بلد آخر وإن حكم الشارع بالقضاء بعد‌

٤٢٤

ثبوت الرؤية في بلد آخر لدلالته على وجوده في هذا البلد أيضا ، وهذا ممّا لا سبيل إليه ، لم لا يجوز أن يكفي وجوده في بلد لسائر البلدان أيضا مطلقا؟! وثانيهما : أن يعلم أنّ البلدين مختلفان في الرؤية البتّة ، أي يكون الهلال في أحدهما دون الآخر ، وذلك أيضا غير معلوم ، إذ لا يحصل من الاختلاف الطولي أو العرضي إلاّ جواز الرؤية ووجود الهلال في أحدهما دون الآخر ، وأمّا كونه كذلك البتّة فلا ، إذ لعلّه خرج القمر عن تحت الشعاع قبل مغربيهما وإن كان في أحدهما أبعد من الشعاع من الآخر.

والعلم بحال القمر ـ وأنّه في ذلك الشهر بحيث لا يخرج عن تحت الشعاع في هذا البلد عند مغربه ويخرج في البلد الآخر ـ غير ممكن الحصول وإن أمكن الظنّ به ، لابتنائه على العلم بقدر طول البلدين وعرضهما ، وقدر بعد القمر عن الشمس في كلّ من المغربين ، ووقت خروجه عن تحت الشعاع فيهما ، والقدر الموجب (١) من البعد عن الشعاع.

ولا سبيل إلى معرفة شي‌ء من ذلك إلاّ بقول هيوي واحد أو متعدّد راجع إلى قول راصد أو راصدين يمكن خطأ الجميع غالبا.

وبدون حصول العلم بهذين الأمرين لا وجه لرفع اليد عن إطلاق الأخبار أو عمومها.

فإن قيل : المطلقات إنّما تنصرف إلى الأفراد الشائعة ، وثبوت هلال أحد البلدين المتباعدين كثيرا في الآخر نادر جدّا.

قلنا : لا أعرف وجها لندرته ، وإنّما هي تكون لو انحصر الأمر في الثبوت في الشهر الواحد ، ولكنّه يفيد بعد الشهرين وأكثر أيضا. وثبوت‌

__________________

(١) في « ح » زيادة : للرؤية ..

٤٢٥

الرؤية بمصر في ببغداد أو بغداد لطوس أو للشام في أصفهان ونحو ذلك بعد شهرين أو أكثر ليس بنادر ، لتردّد القوافل العظيمة فيها كثيرا.

المسألة الثالثة : إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية على الأقرب ، وفاقا للناصريّات ، مدّعيا عليه إجماع الفرقة المحقّة ونفي الخلاف فيه بين الصحابة ، بل ظاهره إجماعهم عليه (١) ، وهو المحكيّ عن المقنع والفقيه (٢) ، وإليه ذهب جملة من متأخّري المتأخّرين ، كصاحب الذخيرة والمحدّث الكاشاني (٣) ، وغيرهما (٤) ، وهو مختار المختلف (٥) ، ولكن في الصوم خاصّة.

للنصوص المستفيضة ، كحسنة حمّاد بإبراهيم : « إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية ، وإذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة » (٦).

وموثّقة عبيد وابن بكير : « إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال ، وإذا رؤي بعد الزوال فهو من شهر رمضان » (٧).

ورواية العبيدي ـ على نسخ التهذيب ـ : ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال وربّما رأيناه بعد الزوال ، فترى أن‌

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦‌

(٢) المقنع : ٥٩ ، الفقيه ٢ : ٧٩.

(٣) الذخيرة : ٥٣٣ ، الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٥٧ ، وانظر الوافي ١١ : ١٤٨.

(٤) نسبه في الحدائق ١٣ : ٢٨٤ إلى ظاهر الشيخ حسن في المنتقى ٢ : ٤٨٢ ، ونقله عن خاله في مشارق الشموس : ٤٦٦.

(٥) المختلف : ٢٣٥.

(٦) الكافي ٤ : ٧٨ ـ ١٠ ، التهذيب ٤ : ١٧٦ ـ ٤٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ ـ ٢٢٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٦.

(٧) التهذيب ٤ : ١٧٦ ـ ٤٨٩ ، الاستبصار ٢ : ٧٤ ـ ٢٢٦ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٥.

٤٢٦

نفطر قبل الزوال إذا رأيناه ، وكيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام : « تتمّ إلى الليل ، فإنّه إن كان تامّا رؤي قبل الزوال » (١).

والمرويّ في الناصريات عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنّه قال : « إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية » (٢).

وموثّقة إسحاق في هلال رمضان : « وإذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل » (٣).

ومفهوم الشرط في صحيحة محمّد بن قيس في هلال شوّال : « وإن لم تروا الهلال إلاّ من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل » (٤).

خلافا للمحكيّ مستفيضا عن الأكثر ، بل عن الغنية : الإجماع عليه (٥) ، وعن الخلاف : إجماع الصحابة عليه (٦) ، للأصل ، والاستصحاب.

ولإطلاق ما دلّ على أنّ الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، حيث إنّ المتبادر من الرؤية : الرؤية الليلة دون النهارية ، مع أنّه على فرض الإطلاق وتسليمه لا يصدق ذلك أول النهار قبل الرؤية ، فالصوم فيه أو الإفطار يكون لا للرؤية.

ورواية المدائني : « من رأى هلال شوّال بنهار في رمضان فليتمّ صومه » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧٧ ـ ٤٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ ـ ٢٢١ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٤.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦.

(٣) التهذيب ٤ : ١٧٨ ـ ٤٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ ـ ٢٢٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ ـ ٤٤٠ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ ـ ٢٠٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ١.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٠.

(٦) الخلاف ٢ : ١٧٢.

(٧) التهذيب ٤ : ١٧٨ ـ ٤٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ ـ ٢٢٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٢.

٤٢٧

ومنطوق صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة.

ورواية العبيدي ـ على نسخة الاستبصار ـ فإنّها فيها كذلك : وربّما غمّ علينا الهلال في شهر رمضان (١).

وأجابوا (٢) عن الأخبار المتقدّمة تارة بالشذوذ.

واخرى بالمخالفة لظواهر القرآن والأخبار المتواترة ، ومعارضة المرويّ في الناصريّات للمرويّ في الخلاف (٣) ، فإنّ فيه روى خلافه بعينه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ومعارضة الإجماع المنقول للأول لمثله للثاني ، مع مرجوحيّة الأول بظهور المخالف جدّا.

أقول : أمّا الشذوذ فغير مسلّم بعد ذهاب مثل الصدوق والسيّد ودعواه الإجماع الكاشف عن فتوى جماعة ـ لا أقلّ ـ به ، وتفصيل المختلف ، وتردّد جماعة كثيرة ، كالمحقّق في المعتبر والنافع والأردبيلي والمدارك (٤) ، وذهاب جمع من المتأخّرين إلى خلافه (٥) ، غاية الأمر مخالفة الشهرة في الجملة ، وهي غير الشذوذ المخرج عن الحجّية.

وبالجملة : دعوى الشذوذ ـ مع ادّعاء الإجماع من مثل السيّد ، ولو كان له معارض ـ من الغرائب.

وأمّا المخالفة لظواهر القرآن ـ إلى آخره ـ فلا وجه لها ، قال في الوافي : وليت شعري ما موضع دلالة خلاف مقتضي الخبرين في القرآن‌

__________________

(١) الاستبصار ٢ : ٧٣ ـ ٢٢١ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٤.

(٢) كالشيخ في التهذيب ٤ : ١٧٧ ، والاستبصار ٢ : ٧٤ ، والقمّي في غنائم الأيام : ٤٥١ ، والخوانساري في مشارق الشموس : ٤٦٨.

(٣) الخلاف ٢ : ١٧٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٨٩ ، النافع : ٦٩ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ٥ : ٣٠٢ ، المدارك ٦ : ١٨١.

(٥) راجع ص : ٤٢٦ رقم : ٤.

٤٢٨

والأخبار المتواترة؟! وليس في القرآن والأخبار إلاّ أنّ الاعتبار في تحقّق دخول الشهر إنّما هو بالرؤية أو مضيّ ثلاثين ، وأمّا أنّ الرؤية المعتبرة فيه متى تتحقّق وكيف تتحقّق فإنما يتبيّن بمثل هذه الأخبار ليس إلاّ (١). انتهى هذا ، مع ما في أدلّة ذلك القول من الوهن.

أمّا الأصل والاستصحاب ، فلاندفاعهما بما مرّ.

وأمّا الإطلاقات ، فلمنع تبادر الرؤية الليليّة بحيث يوجب الحمل عليها ، بل يعمّ الرؤيتين ، ولذلك استدلّ به جماعة للقول الأول ، والقائلون به لا يقولون أنّ أول النهار ينوي الصوم أو الفطر.

وأمّا رواية المدائني ، فلكونها أعمّ مطلقا ممّا مرّ ، فيجب التخصيص بما بعد الزوال.

وهو الجواب عن المنطوق ، مع أنّه صرّح بعضهم : بأنّ إيراد لفظة « من » في قوله : « من وسط النهار » وذكر الآخر قرينتان على ذلك الاختصاص (٢).

وأمّا رواية العبيدي ، فلا حجّية فيها بعد اختلاف النسخ ولو سلّم رجحان ما لهذه النسخة ، لأنّه ليس بحيث يعيّنها البتة.

هذا كلّه ، مع أنّه على فرض تساوي أدلّة الطرفين يجب ترجيح الأول ، لمخالفته العامّة ، كما صرّح به جماعة (٣) ، وهي من المرجّحات المنصوصة.

ودعوى مخالفة الثاني أيضا لنادر منهم ـ حيث إنّ في الناصريّات حكى الأول عن عمر وابن عمر وأنس ـ مردودة بأن في الخلاف حكى الثاني عنهما بعينه ، فلا تعلم مخالفة ولا موافقة ، ويبقى الأول مخالفا لما‌

__________________

(١) الوافي ١١ : ١٥٠.

(٢) انظر الوافي ١١ : ١٢٢.

(٣) منهم العلاّمة في المنتهى ٢ : ٥٩٢ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٢٩٠ ، والخوانساري في مشارق الشموس : ٤٦٨.

٤٢٩

عليه جمهور العامّة ، فيجب الأخذ به كما ورد عن الأئمّة (١).

وأمّا التفصيل المختار في المختلف فلم أعثر على دليل له ، سوى الاحتياط في الصوم ، الذي هو ليس بحجّة.

المسألة الرابعة : من كان بحيث لا يعلم الأهلّة ، تحرّى لصيام شهر يغلب على ظنّه أنّه هو شهر رمضان ، فيجب عليه صومه ، فإن استمر الاشتباه ولم تظهر له الشهور قط أجزأه ، وكذا إن صادفه أو كان بعده ، ولو كان قبله استأنف الصوم من رمضان أداء وقضاء ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عليه الإجماع عن المنتهى والتذكرة (٢).

وتدلّ على تلك الأحكام صحيحة عبد الرحمن ورواية المقنعة ، الأولى : رجل أسرته الروم ، ولم يصم شهر رمضان ، ولم يدر أيّ شهر هو ، قال : « يصوم شهرا يتوخّاه ويحسب ، فإن كان الشهر الذي صام قبل شهر رمضان لم يجزه ، وإن كان بعد رمضان أجزأه » (٣) ، وقريبة منها الثانية (٤).

ولو لم يظنّ شهرا ، قيل : يتخيّر في كلّ سنة شهرا مراعيا للمطابقة بين الشهرين (٥). ولا دليل عليه ، ويحتمل السقوط أيضا وإن كان الأول أحوط.

وقيل : يلحق بما ظنّه أو اختاره حكم الشهر في وجوب الكفّارة بإفساد يوم منه ، ووجوب إكمال ثلاثين لو لم ير الهلال ، والعيد بعده (٦). وفي بعضها نظر ، والأصل ينفيه.

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٩٣ ، التذكرة ١ : ٢٧٢.

(٣) الكافي ٤ : ١٨٠ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٧٨ ـ ٣٤٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ ـ ٩٣٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٧ ح ١.

(٤) المقنعة : ٣٧٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٧ ح ٢.

(٥) كما في المسالك ١ : ٧٧ ، والروضة البهية ٢ : ١١٤ ، والرياض ١ : ٣٢١.

(٦) كما في الروضة البهية ٢ : ١١٤.

٤٣٠

الفصل الثاني

في صوم القضاء

وفيه مقدمة ومسائل :

المقدّمة : لا قضاء إلاّ في الصوم المؤقّت‌ ، وهو صوم شهر رمضان والنذر المعيّن.

أمّا عدم القضاء في غير المؤقّت فظاهر ، إذ لا قضاء إلاّ فيما فات وقته.

وأمّا وجوبه في النذر فسيأتي في كتاب النذر ، وتجي‌ء الإشارة إليه في آخر الفصل أيضا.

وأمّا في شهر رمضان فتفصيله : من ترك صوم شهر رمضان فإمّا يتركه مع عدم قابليّته للأمر والنهي ، أو مع القابليّة ، والثاني إمّا يتركه مع وجوبه عليه ـ أي بلا عذر ـ أو مع العذر الموجب للإفطار.

أمّا الأول : فهو الصغير ، والمجنون ، والغافل عن الوقت لنسيان أو اشتباه في الهلال ، والمغمى عليه.

ولا قضاء على الأولين إجماعا ، بل ضرورة ، وهو الدليل عليه.

دون نحو حديث رفع القلم ، لأنّه يفيد لحال الصغارة والجنون ، فلا ينافي ثبوت القضاء بعد ارتفاعهما.

ولا ما قيل من تبعيّة القضاء للأداء في جانب النفي وإن لم يتبعه في جانب الإثبات ، فلا يشمله عموم ما دلّ على وجوب القضاء أو إطلاقه ، فإنّه‌

٤٣١

لا قضاء حيث لا أداء (١).

لمنع التبعيّة ، لوجوب قضاء الصلاة والصوم على النائم ، وفاقد الطهور على قول ، وقضاء الصوم على الناسي [ للصوم ] (٢) ، أو الغافل ، أو من لم يثبت عليه الهلال ثمَّ ثبت ، ونحو ذلك. والاستدراك الذي يفهم من القضاء عرفا لا ينحصر في الوجوب ، لإمكان استدراك الثواب أيضا.

ويجب القضاء في الثالث إجماعا أيضا ، له ، وللإطلاقات ، ولخصوص مثل رواية صبّار ، وفيها ـ بعد السؤال عمّن يصوم تسعة وعشرين يوما هل يقضي يوما؟ فقال : ـ « لا ، إلاّ أن يجي‌ء شاهدان عدلان فيشهدا أنّهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوما » (٣) ، والأحاديث بما يفيد ذلك متعدّدة جدّا (٤).

وأمّا الرابع ، فقد وقع فيه الخلاف ، والحقّ المشهور : عدم وجوب القضاء عليه ، للأصل ، وصحيحة ابن مهزيار (٥) ، ومكاتبة أيّوب الصحيحة : عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب : « لا يقضي الصلاة ولا يقضي الصوم » (٦) ، وغير ذلك من الأخبار المتقدّمة بعضها في بحث

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٣٢١.

(٢) في النسخ : للنوم ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦٥ ـ ٤٦٨ ، وفي الوسائل ١٠ : ٢٦٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ٢١ : عن صابر ، بدل : صبّار.

(٤) انظر الوسائل ١٠ : ٢٦١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٤٣ ـ ٧١٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٤ ح ٢.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣٧ ـ ١٠٤١ ، التهذيب ٤ : ٢٤٣ ـ ٧١١ ، الاستبصار ١ : ٤٥٨ ـ ١٧٧٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٤ ح ١.

(٧) انظر الوسائل ٨ : ٢٥٨ و ٢٦٤ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ و ٤.

٤٣٢

خلافا للمحكيّ عن الشيخين والسيّد والقاضي ، فقالوا بالقضاء مع عدم تبييت النيّة (١).

لأخبار قضاء الصلاة مع عدم القول بالفرق.

ولكونه مريضا ، والقضاء واجب عليه كتابا وسنّة.

وما دلّ بعمومه على أنّ المغمي عليه يقضي ما فاته ، كصحاح محمّد وحفص ومنصور ، المتقدّمة في البحث المذكور.

ويردّ الأول : بالمعارضة بالمثل ، بل الراجح بوجوه شتّى كما مرّت.

والثاني : بمنع الصغرى أولا ، وكلّية الكبرى على فرض التسليم.

والثالث : بعدم الدلالة على الوجوب أولا ، ولزوم التخصيص بصلاة أدرك وقتها أو صوم لم ينوه في النهار أيضا بأن يغمى في جزء من يوم لم يقصد صومه على فرض الدلالة ، لأخصية ما قدّمناه.

وأمّا الثاني : فالأصل فيه وجوب القضاء ، للإطلاقات الغير العديدة ، نحو قوله : عن رجل كذب في شهر رمضان ، فقال : « قد أفطر وعليه قضاؤه » (٢).

وقوله : عن رجل عبث بالماء يتمضمض من عطش فدخل حلقه ، قال : « عليه قضاؤه » (٣).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٣٥٢ ، والطوسي في المبسوط ١ : ٢٨٥ ، والنهاية : ١٦٥ ، والسيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٧ ، والقاضي في المهذّب ١ : ١٩٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٣ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٦٩ ـ ٢٩٠ ، التهذيب ٤ : ٣٢٢ ـ ٩٩١ ، الوسائل ١٠ : ٧١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٤.

٤٣٣

وقوله : « من أتى أهله في رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة » إلى أن قال : « وقضاء ذلك اليوم » (١) ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة من الموارد الجزئيّة.

ويستثنى من الأصل : الكافر الأصلي ، بالإجماع القطعي ، والمستفيضة من الأخبار ، المتقدّم بعضها في بحث من يصحّ منه الصوم.

والمرتدّ مطلقا ـ ملّيّا كان أو فطريّا ـ يقضى ما فاته ، بلا خلاف فيه كما في الذخيرة (٢) وغيره (٣) ، للعمومات ، والإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، سوى إطلاق ما يظنّ بأنّ الكافر لا يقضي ما فاته ، وهو ظاهر في الأصلي ، بل هو المتبادر منه ، بل في شمول الكافر لغة ـ أو في العرف المتقدّم ـ له نظر.

وأمّا المخالفون من المسلمين هم لا يستثنون ، بل يجب عليهم قضاء ما تركوه من الصيام ، أو أخلّوا بشرائطه على مذهبهم ، وفي الحدائق : الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين أصحابنا (٤) ، للإطلاقات المشار إليها ، واختصاص ما دلّ على سقوط القضاء عنهم بما أتوا به.

وأمّا ما أتوا به فلا يجب عليهم قضاؤه بلا خلاف أيضا ، وتدلّ عليه الأخبار المتقدّمة إليها الإشارة في كتاب الصلاة ، منها : صحيحة الفضلاء : في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحروريّة والعثمانية والقدريّة ، ثمَّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زكاة أو‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٨ ـ ٦٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ ـ ٣١٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ٢.

(٢) الذخيرة : ٥٢٦.

(٣) كالرياض ١ : ٣٢٢.

(٤) الحدائق ١٣ : ٢٩٥.

٤٣٤

حجّ؟ أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : « ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة » الحديث (١).

وأمّا الثالث ـ وأفراده : الحائض ، والنفساء ، والمريض ، والمسافر ـ فوجوب القضاء على الجميع إجماعي ، بل ضروري ، مدلول عليه ـ بل منصوص به ـ في الأخبار الغير العديدة الواردة في جزئيّات موارد أحكام كلّ منها بحيث لا يحتاج إلى الذكر ، وسيأتي بعضها إن شاء الله سبحانه.

المسألة الاولى : من نسي غسل الجنابة في شهر رمضان حتى مرّ عليه الشهر كلّه أو أيّام منه ، ففي قضاء صوم أيام أصبح فيها جنبا أقوال :

الأول : وجوبه مطلقا ، إليه ذهب الإسكافي والشيخ في النهاية والمبسوط والصدوق على الظاهر والجامع والمعتبر (٢) ، وأكثر المتأخّرين (٣) ، بل ـ كما قيل ـ عامّتهم (٤) ، ونسبه الشهيد وغيره إلى الأكثر (٥).

للمعتبرة من النصوص ، كصحيحة الحلبي : عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان ، قال : « عليه أن يقضي الصلاة والصيام » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٥ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٣ ، العلل : ٣٧٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢١٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ٢.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٣٣ ، النهاية : ١٦٥ ، المبسوط ١ : ٢٨٨ ، الصدوق في الفقيه ٢ : ٧٥ ، الجامع للشرائع : ١٥٦ ، المعتبر ٢ : ٧٠٥.

(٣) كما في المنتهى ٢ : ٦٠٦ ، والمختلف : ٢٣٣ ، واللمعة ( الروضة ٢ ) : ١١٦ ، ومجمع الفائدة ٥ : ١٢٧.

(٤) كما في الرياض ١ : ٣٢٥.

(٥) الشهيد في غاية المراد ١ : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، وصاحب المدارك ٦ : ٢٣٥ ، والخوانساري في مشارق الشموس : ٣٨٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٣١١ ـ ٩٣٨ ، الوسائل ٢ : ٢٥٧ أبواب الجنابة ب ٣٩ ح ١.

٤٣٥

ورواية إبراهيم بن ميمون القريبة منها (١) ، ورواية أخرى له : عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثمَّ ينسى أن يغتسل حتى يمضي بذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان ، قال : « عليه قضاء الصلاة والصوم » (٢).

وقد يستدلّ بوجوه أخر ضعيفة أيضا ، لابتنائها على اشتراط الطهارة في الصوم مطلقا (٣) ، والخصم لا يسلّمه.

والثاني ـ وهو الأصحّ ـ : وجوبه إن لم يغتسل أصلا فيقضي جميع أيّام الجنابة ، وعدم وجوبه بعد غسل ولو كان غسل الجمعة.

للخبر المروي في الفقيه : « من أجنب في أول رمضان ثمَّ نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان إنّ عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه ، إلاّ أن يكون قد اغتسل للجمعة ، فإنّه يقضي صلاته وصومه إلى ذلك اليوم ولا يقضي ما بعد ذلك » (٤).

وعدم معلوميّة مستنده عندنا غير ضائر ، وبه يقيّد إطلاق الأخبار المتقدّمة إن حمل الغسل فيها على غسل الجنابة ، وإلاّ ـ كما هو الأولى ـ فلا تعارض له أصلا ، بل على المختار ـ من التداخل القهري في الأغسال مطلقا ـ لا حاجة إلى هذا الخبر أيضا ، لتحقّق غسل الجنابة ، بل لا يكون هذا قولا مغايرا للأول.

والثالث : عدم وجوبه ، اختاره الحلّي ـ قائلا بأنّه لم يقل أحد من محقّقي أصحابنا بوجوب القضاء (٥) ـ والمحقّق في الشرائع والنافع (٦).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٣٢ ـ ١٠٤٣ ، الوسائل ١٠ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٧ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٦ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٤ ـ ٣٢٠ ، الوسائل ١٠ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٧ ح ١.

(٣) انظر المختلف : ٢٣٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٤ ـ ٣٢١ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣٠ ح ٢.

(٥) السرائر ١ : ٤٠٧.

(٦) الشرائع ١ : ٢٠٤ ، النافع : ٧٠.

٤٣٦

للأصل. وعموم : « رفع عن أمّتي » (١) ، حيث إنّ القضاء أيضا مؤاخذة.

والأخبار المتقدّمة من الصحاح وغيرها المتضمّنة لـ : أنّ الجنب إذا أصبح في النومة الاولى فلا قضاء عليه ، فإنّها أعمّ من أن يكون ناسيا قبل النوم أو عامدا ، مع أنّ نفي القضاء مع العمد يوجب نفيه مع النسيان بالطريق الأولى ، وظاهر أنّ النوم لا يوجب انتفاء القضاء ، بل بانتفائه عن الناسي النائم ينتفي عن سائر أفراد المطلوب بالإجماع المركّب.

والجواب عن الأوّل : باندفاعه بما مرّ.

وعن الثاني : بتخصيصه به ، مع منع كون القضاء مؤاخذة.

وعن الثالث : باختصاص الأخبار المتقدّمة بغير الناسي ، وإجراء حكمه في الناسي قياس باطل مع الفارق ، لوجود العزم على الغسل في غير الناسي دونه ، بل صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة ، فنقول بوجوب القضاء على الناسي وإن نام بالنومة الاولى إلى الفجر.

وتقييد أخبار القضاء ـ بما إذا عرض النسيان في الليلة الاولى وانتبه قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكرا ، أو بما إذا أصبح في النومة الثانية ـ لا شاهد عليه.

ويمكن الجمع أيضا بحمل أخبار القضاء على مضيّ أيّام وأخبار النفي عن النائم في اليوم الواحد والتفرقة بين اليوم الواحد والأيّام ، بل هذا ليس جمعا حقيقة ، بل منطوق الروايات ذلك ، إلاّ أنّ الظاهر عدم قائل بذلك التفصيل.

__________________

(١) كما في الوسائل ٨ : ٢٤٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٠ ح ٢.

٤٣٧

فرع : في تعدّي الحكم إلى غسل الحيض والنفاس بعد انقطاع الدم ، وإلى سائر أفراد الصيام الواجبة التي لها قضاء ـ كالنذر المعيّن ـ أو بدل ، كمطلق القضاء والكفّارة ، وجهان.

والأصل يقتضي العدم في الموضعين ، لأصالة عدم اشتراط صحّة مطلق الصوم بهذه الأغسال مطلقا وإن سلّمنا الاشتراط مع التعمّد ، وأمر الاحتياط واضح.

المسألة الثانية : من فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس ومات قبل البرء أو الطهر ، لم يجب القضاء عنه إجماعا نصّا وفتوى. وفي المنتهى : إنّه قول العلماء كافّة (١) ، للأصل ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها.

كصحيحة محمّد : عن رجل أدركه شهر رمضان وهو مريض فتوفّي قبل أن يبرأ ، قال : « ليس عليه شي‌ء ، ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثمَّ يموت قبل أن يقضي » (٢).

والأخرى : عن الحائض تفطر في شهر رمضان أيّام حيضها فإذا أفطرت ماتت ، قال : « ليس عليها شي‌ء » (٣).

ومنصور : عن المريض في شهر رمضان فلا يصحّ حتى يموت ، قال : « لا يقضى عنه » ، والحائض تموت في شهر رمضان ، قال : « لا يقضى عنها » (٤).

وأبي مريم : « إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثمَّ لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه قضاء ، وإن صحّ ثمَّ مات وكان له مال تصدّق عنه‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٠٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٤٨ ـ ٧٣٨ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ ـ ٣٥٩ ، الوسائل ١٠ : ٣٢٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٩٣ ـ ١٢١٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٧ ـ ٧٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٠٨ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٩.

٤٣٨

مكان كلّ يوم بمدّ ، فإن لم يكن له مال صام عنه وليه » (١).

وأبي حمزة : عن امرأة مرضت أو طمثت أو سافرت ، فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يقضى عنها؟ قال : « أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم » (٢).

وموثّقة سماعة : عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام ، فمات في شهر رمضان أو في شوّال ، قال : « لا صيام عليه ولا قضاء عنه » ، قلت : فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان ولم تقدر على الصوم ، فماتت في شهر رمضان أو في شوّال؟ فقال : « لا يقضى عنها » (٣) ، إلى غير ذلك.

فروع :

أ : هل يستحبّ القضاء عنهما؟

نصّ الشيخ والحلّي وابن حمزة والفاضلان على استحبابه (٤) ، وأسنده في المنتهى إلى أصحابنا (٥).

وظاهر جماعة من متأخّري المتأخّرين العدم (٦) ، استنادا إلى نفي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٨ ـ ٤٣٩ ، التهذيب ٤ : ٢٤٨ ـ ٧٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠٩ ـ ٣٥٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٣١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٧ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٧ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٩٤ ـ ٤٢٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٤٧ ـ ٧٣٣ ، الاستبصار ٢ : ١٠٨ ـ ٣٥٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٠.

(٤) الشيخ في المبسوط ١ : ٢٨٦ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٩٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٠ المحقق في المعتبر ٢ : ٧٠٠ ، العلاّمة في التذكرة ١ : ٢٧٦.

(٥) المنتهى ٢ : ٦٠٣.

(٦) كما في الذخيرة : ٥٢٦ ، والحدائق ١٣ : ٣٠١ ، والرياض ١ : ٣٢٣.

٤٣٩

القضاء عنه في الأخبار المتقدّمة.

وفيه : أنّ المنفيّ يمكن أن يكون وجوب القضاء لا مشروعيّته.

نعم ، ظاهر قوله في الموثقة : « ولا قضاء عنه » نفي حقيقته الموجب في الأكثر لنفي المشروعية. وحمله على نفي الواجب تجوّز لا دليل عليه.

وأظهر منها دلالة صحيحة أبي بصير : عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شهر شوّال ، وأوصتني أن أقضي عنها ، قال : « هل برئت من مرضها؟ » قلت : لا ، ماتت فيه ، قال : « لا تقض عنها ، فإنّ الله لم يجعله عليها » ، قلت : فإنا أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك ، قال : « كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟! فإن شئت تصوم لنفسك فصم » (١).

فإذن الأظهر : عدم استحبابه أيضا ، والمسامحة في أدلّة السنن إنّما تكون إذا لم يكن دليل على النفي.

ب : انتفاء القضاء هل يختصّ بالمريض وذات الدم وأمّا المسافر فيجب القضاء عنه ولو مات في هذا السفر؟ كما صرّح به في صحيحة أبي حمزة ، ورواية منصور : في الرجل يسافر برمضان فيموت ، قال : « يقضى عنه » (٢) ، وقريبة منها رواية أخرى (٣) ، وحكي عن التهذيب والفقيه والمقنع والجامع (٤) ، واختاره في المدارك (٥).

أو يعمّ؟ كما هو مقتضى عموم التعليل المذكور في صحيحة أبي بصير ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٧ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٤٨ ـ ٧٣٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٩ ـ ٣٥٨ ، العلل : ٣٨٢ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ـ ٧٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ـ ٧٤١ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ، الفقيه ٢ : ٩٨ ، المقنع : ٦٣ ، الجامع للشرائع : ١٦٣.

(٥) المدارك ٦ : ٢٢٣.

٤٤٠