مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

يحذرون » (١).

هذا ، ثمَّ إنّه لا خلاف في تعلّق الفدية وجوبا على الثاني ـ أي من يقدر على الصيام مع المشقّة ـ بل عليه الإجماع في كلمات جماعة (٢) ، للآية ، بضميمة الأخبار المفسّرة لها.

ولا يعارضها ما في تفسير عليّ ـ من الرواية المفسّرة للآية بالمريض الذي أخّر القضاء إلى مضيّ رمضان آخر (٣) ـ لضعفه الخالي عن الجابر. وأمّا سائر الأخبار المتضمّنة للفدية (٤) فهي على الوجوب غير دالّة.

وأمّا غير القادر ، ففي وجوب الفدية عليه وعدمه خلاف ، فعن الصدوقين والقديمين (٥) والشيخ في النهاية والمبسوط والاقتصاد والقاضي (٦) والجامع والشرائع والنافع والإرشاد والقواعد والمنتهى والتلخيص والتبصرة والدروس واللمعة والمهذّب لابن فهد (٧) وغيرها (٨) : الأول ، لإطلاق أكثر الأخبار المتقدّمة.

وعن المفيد والسيّد والديلمي والحلّي والحلبي وابن زهرة والمختلف‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٧ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ـ ٧٠٣ ، الوسائل ١٠ : ٢١٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٦ ح ٢.

(٢) كما في المختلف : ٢٤٥ ، والذخيرة : ٥٣٥ ، والرياض ١ : ٣٣٠.

(٣) تفسير القمي ١ : ٦٦.

(٤) الوسائل ١٠ : ٢٠٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥.

(٥) حكاه عن العماني والإسكافي ووالد الصدوق في المختلف : ٢٤٤ ، الصدوق في المقنع : ٦١.

(٦) النهاية : ١٥٩ ، المبسوط ١ : ٢٨٥ ، الاقتصاد : ٢٩٤ ، القاضي في المهذب ١ : ١٩٦.

(٧) الجامع : ١٦٤ ، الشرائع ١ : ٢١١ ، النافع : ٧٢ ، الإرشاد ١ : ٣٠٤ ، القواعد ١ : ٦٧ ، المنتهى ٢ : ٦١٨ ، التبصرة : ٥٧ ، الدروس ١ : ٢٩١ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٢٧ ، المهذب البارع ٢ : ٨٦.

(٨) كالمدارك ٦ : ٢٩٣.

٣٨١

والروضة والمسالك والمحقّق الثاني : الثاني (١) ، وعن المنتهى والتذكرة : أنّه مذهب الأكثر (٢) ، وعن الانتصار : الإجماع عليه ، وعن الغنية : نفي الخلاف فيه.

للأصل.

وتبادر صورة المشقّة خاصّة من الروايات المتقدّمة ، سيّما من رواية الهاشمي والمتقدّمتين عليها ، لأنّه الظاهر من الضعف ونفي الحرج.

ولرواية الكرخي السابقة ، المنجبر ضعفها ـ لو كان ـ بما مرّ.

مع أنّ الآية أيضا مخصوصة ـ بضميمة [ المفسّرات ] (٣) ـ بذي المشقّة ، لإيجابها الفدية على الذين يطيقونه ، وفسّرتهم الأخبار بالشيخ الكبير وذي العطاش ، فيصير المعنى : وعلى الشيخ الكبير الذي يطيقه.

وقوله في صحيحة محمّد : « فإن لم يقدرا فلا شي‌ء عليهما » (٤).

ويمكن دفع الأصل بالإطلاقات.

والتبادر : بالمنع ، فإنّ الضعف والحرج يشملان عدم القدرة أيضا ، مع أنّ إحدى روايتي العيّاشي مخصوصة بغير المستطيع.

والرواية : بعدم اختصاصها بغير القادر ، بل نسبتها إليه وإلى القادر على السواء.

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٣٥١ ، السيّد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٦ ، الديلمي في المراسم : ٩٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٠٠ ، الحلبي في الكافي : ١٨٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، المختلف : ٢٤٤ ، الروضة ٢ : ١٢٨ ، المسالك ١ : ٨١ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٨٠.

(٢) المنتهى ٢ : ٦١٨ ، التذكرة ١ : ٢١٨.

(٣) في النسخ : المعتبرات ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) المتقدمة في ص : ٣٧٩.

٣٨٢

واختصاص الآية بأنّ معناها : الشيخ الكبير الذي كان يطيقه أولا لا حال الكبر ، كما صرّح به في الموثّقة ، بل يظهر منها أنّ المراد : الذي أصابه الكبر أو العطاش ولا يطيقه.

وصحيحة محمّد : بأنّ دلالتها إنّما تتمّ إذا كان المعنى : فإن لم يقدرا على الصوم ، والظاهر أنّ المراد : فإن لم يقدرا على الفدية.

ثمَّ أقول : إنّ التحقيق : أنّه لا دلالة لغير الأخبار المفسّرة للآية على وجوب الفدية ، لورودها بالجمل الخبريّة. وضعف روايتي العيّاشي من المفسّرات أيضا مانع عن إثبات الوجوب بهما. وصحيحة محمّد أيضا منها مجملة ، لاحتمال أن يكون المراد : الشيخ الذي يطيقه والذي كان يطيقه.

فلم تبق إلاّ الموثّقة ، وهي إن لم تكن ظاهرة في غير القادر فتعمّه والقادر ـ وتعارضها رواية الكرخي الظاهرة في عدم الوجوب ، الشاملة لهما أيضا ، فلا يكون دليل تامّ على الوجوب من الأخبار ، بل من الآية أيضا ، لعروض الإجمال لها من جهة الأخبار المفسّرة ـ إلاّ أنّها تشمل القادر ، و [ تدل ] (١) على وجوب الفدية عليه على التقديرين ، وبها ثبت الوجوب عليه قطعا ، مضافة إلى الإجماع ، ويبقى غير القادر تحت الأصل الخالي عن المعارض.

فالحقّ : هو القول الثاني.

فروع :

أ : تستحبّ الفدية لغير القادر أيضا‌ ، حذرا عن شبهة الخلاف ، واتّباعا لبعض الإطلاقات المتقدّمة.

بل يستحبّ أن يصوم عنه بعض ذوي قرابته بالتفصيل المأثور ، فإن‌

__________________

(١) ما بين المعقوفتين أضفناه لاستقامة المعنى.

٣٨٣

لم تكن له قرابة يتصدّق ، كما في رواية أبي بصير : الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم ، فقال : « يصوم عنه بعض ولده » ، قلت : فإن لم يكن له ولد؟ قال : « فأدنى قرابته » ، قلت : فإن لم تكن له قرابة؟ قال : « يتصدّق بمدّ في كلّ يوم ، فإن لم يكن عنده شي‌ء فليس عليه » (١).

ب : الفدية الواجبة والمستحبّة : مدّ‌ ، بلا خلاف يعرف ، لأكثر الأخبار المتقدّمة.

وما ورد في بعضها من المدّين فحملوه على الاستحباب (٢) ، وهو كذلك ، بل لا يثبت ممّا تضمّنه أكثر من الاستحباب.

وحمل في التهذيب ما تضمن المدّين على تفاوت مراتب القدرة (٣). ولا شاهد له.

ج : هل يجب عليهما القضاء بعد الاقتدار لو حصل؟

المشهور : نعم (٤) ، للإطلاقات.

وعن والد الصدوق : لا (٥) ، ويظهر من بعض آخر القول به من غيره أيضا ، حيث قال : وقيل : لا ، وحكي عن والد الصدوق أيضا (٦). انتهى.

واختاره غير واحد من مشايخنا (٧) ، وهو ظاهر النافع والمدارك (٨).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٩ ـ ٦٩٩ ، الاستبصار ٢ : ١٠٤ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٢١٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١١.

(٢) كما في الاستبصار ٢ : ١٠٤ ، والمعتبر ٢ : ٧١٧ ، والمنتهى ٢ : ٦١٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٩.

(٤) كما في الرياض ١ : ٣٣٠.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٢٤٥.

(٦) الرياض ١ : ٣٣٠.

(٧) كصاحب الحدائق ١٣ : ٤٢٤ ، والرياض ١ : ٣٣٠.

(٨) النافع : ٧٢ ، المدارك ٦ : ٢٩٦.

٣٨٤

وهو الأقوى ، لصحيحة محمّد والرضوي المتقدّمين (١) ، ورواية داود بن فرقد : فيمن ترك الصيام ، فقال : « إن كان من مرض فإذا برئ فليقضه ، وإن كان من كبر أو عطش فبدل كلّ يوم مدّ » (٢).

ولو قيل : بأنّها مبنيّة على الغالب من عدم الاقتدار ، لأنهما لا يزالان في نقصان.

قلنا : فكذلك إطلاقات القضاء بالنسبة إلى المورد.

المسألة الثانية : ذو العطاشـ وهو من به داء لا يروى ولا يتمكّن به من ترك شرب الماء طول النهار أصلا ، أو إلاّ مع مشقّة شديدة ـ يفطر إجماعا محققا ، ومحكيّا في المنتهى والتذكرة والتحرير (٣) ، وغيرها (٤) ، وللكتاب (٥) ، والسنّة المستفيضة عموما (٦) ـ لكونه مرضا ـ وخصوصا ، ككثير من الأخبار المتقدّمة.

ويجب عليه القضاء إن برئ من مرضه قبل رمضان الآتي ، بلا خلاف كما عن ظاهر المختلف (٧) ، وصريح الحلّي (٨) ، لأنّه مريض يشمله عموم ما دلّ على وجوبه عليه.

ومال بعض متأخّري المتأخّرين إلى السقوط (٩) ، لإطلاق بعض الأخبار المتقدّمة النافية للقضاء ، الذي هو أخصّ مطلقا من العمومات.

__________________

(١) في ص : ٣٦٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٩ ـ ٧٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٣٢ أبواب الصوم المندوب ب ١٠ ح ١.

(٣) المنتهى ٢ : ٦١٨ ، التذكرة ١ : ٢٨١ ، التحرير ١ : ٨٥.

(٤) كالمعتبر ٢ : ٧١٨.

(٥) البقرة : ١٨٣.

(٦) كما في الوسائل ١٠ : ٢٠٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥.

(٧) المختلف : ٢٤٥.

(٨) السرائر ١ : ٤٠٠.

(٩) كصاحب الحدائق ١٣ : ٤٢٥.

٣٨٥

ويجاب عنه : بمنع كون التعارض بالعموم والخصوص مطلقا ، لأنّ خصوصيّته إنّما هي بالنسبة إلى حصول المرض ، وأمّا بالنسبة إلى الانقطاع والاستمرار عامّ ، كما أنّ العمومات بالنسبة إلى الانقطاع خاصّ ، وبالإضافة إلى المرض عامّ ، فيمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر ، ولكن ترجّح العمومات بموافقة الكتاب ، والقطعيّة ، والاشتهار ، بل عدم ظهور الخلاف.

وهل يجب عليه تصدّق المدّ ، أم لا؟

الظاهر : الوجوب مطلقا ، وفاقا للشيخ (١) ، وجماعة (٢) ، لموثّقة ابن بكير (٣) ، ورواية داود بن فرقد ، مضافا في صورة الاستمرار إلى ما دلّ على وجوبه على كلّ مريض استمرّ به المرض من رمضان إلى رمضان آخر.

ومنهم من فصّل بين الاستمرار فأوجبه ، وعدمه فنفاه ، للأصل ، وتنزيل بعض أخباره على صورة الاستمرار بالنسبة إلى القضاء.

وضعفه ظاهر جدّا ، لأنّ تنزيل البعض لا يوجب تنزيل غيره أيضا.

وهنا تفصيل آخر لا فائدة مهمّة في ذكره.

فرع : لو غلبه العطش لا لمرض‌ ، فإن كان بحيث ينفي القدرة على الصيام ـ أو يوجب خوف الهلاك ـ يفطر ويقضي ، لرواية يونس المتقدّمة (٤) ، وموثّقة الساباطي : في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه ، قال : « يشرب بقدر ما يمسك رمقه ، ولا يشرب حتى‌

__________________

(١) في المبسوط ١ : ٢٨٥ ، والنهاية : ١٥٩.

(٢) كما في المعتبر ٢ : ٧١٨.

(٣) المتقدمة في ص : ٣٧٩.

(٤) في ص : ٣٨٠ ، إلاّ أنّها عن يونس عن المفضل بن عمر.

٣٨٦

يروى » (١).

ولو انتفى الوصفان لا يجوز الإفطار ولو تضمّن المشقّة الشديدة ، لأنّ بناء الصوم على تحمّل الجوع والعطش ، وصرّحت بفضلهما الأخبار (٢) ، فهي خاصّة بالنسبة إلى عمومات العسر والحرج.

المسألة الثالثة : الحامل المقرّب ـ وهي التي قرب زمان وضعها ـ والمرضعة القليلة اللبن ، يجوز لهما الإفطار إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما بالإجماع ، للضرورة المبيحة لكلّ محظور إجماعا بل ضرورة ، ولخصوص الرضوي المتقدّم.

وصحيحة محمّد : « الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان ، لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أنّ تتصدق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه ، تقضيانه بعد » (٣).

والمرويّ في مستطرفات السرائر : امرأة ترضع ولدها وغير ولدها في شهر رمضان ، فيشتدّ عليها الصوم وهي ترضع حتى غشي عليها ، ولا تقدر على الصيام ، أترضع وتفطر وتقضي صيامها إذا أمكنها ، أو تدع الرضاع وتصوم ، فإن كانت ممّن لا يمكنها اتّخاذ من ترضع ولدها فكيف تصنع؟ فكتب : « إن كانت ممّن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمّت‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٧ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٨٤ ـ ٣٧٦ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ـ ٧٠٢ ، الوسائل ١٠ : ٢١٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٦ ح ١.

(٢) انظر البحار ٩٣ : ٢٤٦.

(٣) الكافي ٤ : ١١٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٨٤ ـ ٣٧٨ ، التهذيب ٤ : ٢٣٩ ـ ٧٠١ ، الوسائل ١٠ : ٢١٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٧ ح ١.

٣٨٧

صيامها ، وإن كان ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها متى ما أمكنها » (١).

ويجب عليهما التصدق لكلّ يوم بمدّ ، وفاقا لجماعة (٢) ، بل الأكثر ، للرضوي ، والصحيحة.

خلافا لجمع ، ففصلوا بين الخوف على الولد والنفس ، فأوجبوه على الأول دون الثاني (٣). ولا وجه له ، وعدم ذكره في رواية السرائر لا يدلّ على العدم.

ويجب عليهما القضاء أيضا على الأقوى الأشهر ، بل عليه الإجماع عن الخلاف (٤) ، ونفى جماعة الخلاف عمّن عدا الديلمي أو والد الصدوق (٥) ، للصحيح ، والمرويّ في السرائر.

ودليل المخالف : الرضوي ، وعدم ذكره في الصحيح : إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها وأدركها الحبل ولم تقو على الصوم ، قال : « فلتتصدّق مكان كلّ يوم بمدّ على مسكين » (٦).

والأول : ضعيف غير منجبر. والثاني : غير دالّ.

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ٦٧ ـ ١١ ، الوسائل ١٠ : ٢١٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٧ ح ٣. والظئر : قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها ـ المصباح المنير : ٣٨٨.

(٢) كما في الخلاف ٢ : ١٩٦ ، والمعتبر ٢ : ٧١٩ ، وتبصرة المتعلمين : ٥٧.

(٣) انظر المنتهى ٢ : ٦١٩ ، وإيضاح الفوائد ١ : ٥٣٥ ، والمسالك ١ : ٨٢.

(٤) الخلاف : ٢ : ١٩٦.

(٥) انظر المنتهى ٢ : ٦١٩ ، والتنقيح الرائع ١ : ٣٩٦.

(٦) الكافي ٤ : ١٣٧ ـ ١١ ، الفقيه ٢ : ٩٥ ـ ٤٢٤ ، الوسائل ١٠ : ٢١٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٧ ح ٢.

٣٨٨

فرع : مقتضى إطلاق الأخبار وفتوى الأكثر بل صريح جماعة (١) : عدم الفرق في المرضع بين الامّ وغيرها ، ولا بين المتبرّعة والمستأجرة إذا لم يقم غيرها مقامها ، أمّا لو قام ـ بحيث لا يتضمّن الضرر على الظئر ـ فالأظهر عدم جواز الإفطار ، لانتفاء الضرورة ، ولرواية السرائر المتقدّمة ، فإنّ فيها : « إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمّت صيامها ، وإن كان ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وأتمّت صيامها متى ما أمكنها ».

المسألة الرابعة : من يسوغ له الإفطار يكره له التملّي من الطعام والشراب‌ ، سواء كان مريضا أو مسافرا أو حائضا أو شيخا ، لفتوى الأكثر بذلك (٢) ، وهي كافية في مقام التسامح.

وتدلّ عليه في المسافر صحيحة ابن سنان : « إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلاّ القوت ، وما أشرب كلّ الريّ » (٣).

وكذا يكره الجماع أيضا كما مر في طيّ أحكام المسافر (٤).

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ٨٢ ، والمدارك ٦ : ٣٠٠ ، والحدائق ١٣ : ٤٣١ ، والكفاية : ٥٤.

(٢) الإرشاد ١ : ٣٠٤ ، والمفاتيح ١ : ٢٥٩ ، والذخيرة : ٥٣٦ ، والكفاية : ٥٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٣ ـ ٤١٦ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ـ ٧٠٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٥ ، وهي في الكافي ٤ : ١٣٤ ـ ٥.

(٤) راجع ص : ٣٧٢.

٣٨٩
٣٩٠

المقصد الثاني

في أقسام الصوم‌

وهو واجب ، ومندوب ، ومكروه ، وحرام.

فهاهنا مطالب‌ :

٣٩١
٣٩٢

المطلب الأوّل

في الواجب

وهو بحكم الاستقراء سبعة : صوم شهر رمضان ، وقضاء الصوم الواجب المعيّن ، وصوم الإجارة ، وصوم النذر وما في معناه ، وصوم دم المتعة ، وصوم الكفّارة ، وصوم الاعتكاف.

وتظهر أحكام صوم الإجارة ممّا ذكر من أحكام استئجار الصلاة ، فلا حكم له هنا مخصوص يذكر ، وتأتي الأربعة الباقية في كتب النذر والحجّ والكفّارات والاعتكاف ، فيبقى ها هنا فصلان :

الفصل الأوّل

في صوم شهر رمضان

وهو واجب ، بالكتاب (١) ، والسنّة (٢) ، وإجماع المسلمين ، بل الضرورة من الدين على جامع الشرائط المتقدّمة إذا دخل شهر رمضان.

ويعلم بأمور أربعة :

الأول : رؤية الهلال‌ ، فمن رآه وجب عليه صومه ما لم يشكّ ، سواء انفرد برؤيته أو شاركه غيره ، عدلا كان أو غير عدل ، شهد عند الحاكم أو لم يشهد ، قبلت شهادته أو ردّت ، بإجماعنا المحقّق ، والمصرّح به في كلام‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٣ و ١٨٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٣٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١.

٣٩٣

جماعة (١) ، وبالكتاب (٢) ، وأخبارنا المستفيضة (٣).

الثاني : مضيّ ثلاثين يوما من شعبان‌ ، بإجماع المسلمين ، بل قيل : إنّه من ضروريات الدين (٤) ، وفي بعض الأخبار تصريح به (٥).

الثالث : الشياع المفيد للعلم‌ ، ولا خلاف في اعتباره في رؤية الهلال ، كما عن المعتبر والتذكرة والمنتهى (٦) وغيرها (٧) ، بل هو إجماع محقّق ، فهو الدليل عليه.

بل ربّما يظهر الحكم فيه من جملة من الأخبار ، كرواية سماعة : « إذا اجتمع أهل المصر على صيامه فاقضه إذا كان أهل المصر خمسمائة إنسان » (٨).

ورواية الأزدي : أكون في الجبل في القرية فيها خمسمائة من الناس ، فقال : « إذا كان كذلك فصم بصيامهم وأفطر بفطرهم » (٩).

ورواية أبي الجارود : « صم حين يصوم الناس ، وأفطر حين يفطر الناس » (١٠).

والأخرى : « الفطر يوم فطر الناس ، والأضحى يوم أضحى الناس » (١١).

__________________

(١) كما في التذكرة ١ : ٢٦٨ ، والذخيرة : ٥٣٠.

(٢) البقرة : ١٨٥.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٥٣ و ٢٦٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣ و ٤.

(٤) قال به صاحب المدارك ٦ : ١٦٥.

(٥) الوسائل ١٠ : ٢٥٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

(٦) المعتبر ٢ : ٦٨٦ ، التذكرة ١ : ٢٧١ ، المنتهى ٢ : ٥٩٠.

(٧) كالذخيرة : ٥٣٠.

(٨) الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٣٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٩٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٢ ح ٦.

(٩) التهذيب ٤ : ١٦٣ ـ ٤٦١ ، الوسائل ١٠ : ٢٩٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٢ ح ٣.

(١٠) التهذيب ٤ : ١٦٤ ـ ٤٦٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٩٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٢ ح ٤.

(١١) التهذيب ٤ : ٣١٧ ـ ٩٦٦ ، الوسائل ١٠ : ١٣٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥٧ ح ٧.

٣٩٤

وظاهرهما : أنّه يصام متى شاعت الرؤية بين الناس واشتهرت بحيث صاموا وأفطروا ، من غير نظر إلى أن يكون فيهم عدل أم لا ، وإن احتمل أن يكون المراد : الأمر بمراعاة التقيّة في الصوم والإفطار.

وهل يثبت الهلال بالشياع المفيد للظنّ أيضا ، أم لا؟

حكي عن الفاضل : الأول ، معلّلا بأنّ الظنّ الحاصل بشهادة الشاهدين حاصل مع الشياع (١) ، وحكي عن الشهيد الثاني أيضا (٢).

وحكي عنه أيضا في موضع من المسالك : اعتبار زيادة الظنّ الحاصل منه على ما يحصل منه بقول العدلين ، لتحقّق الأولويّة المعتبرة في مفهوم الموافقة (٣).

وردّ : بأنّ ذلك يتوقّف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معلّلا بإفادتهما الظنّ ليتعدّى إلى ما يحصل به ذلك وتتحقّق به الأولويّة المذكورة ، وليس في النصّ ما يدلّ على هذا التعليل ، وإنّما هو مستنبط فلا عبرة به ، مع أنّ اللازم من اعتباره الاكتفاء بالظنّ الحاصل بالقرائن إذا ساوى الظنّ الحاصل بشهادة العدلين أو كان أقوى ، وهو باطل إجماعا.

والحقّ : الثاني ، وعدم كفاية الظنّ ، كما عن المحقّق في كتاب شهادات الشرائع والفاضل في المنتهى وصاحب المدارك (٤) ، وجماعة من متأخّري المتأخّرين (٥) ، للأصل ، وعدم دليل على حجّية هذا الظنّ ، واستفاضة الأخبار بأنّه ليس الهلال بالرأي ولا الظنّ ، وإنّ اليقين لا يدخل‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٧١.

(٢) حكاه عنه في المدارك : ٣٣٥ وهو في المسالك ١ : ٧٦.

(٣) المسالك ٢ : ٤١٠.

(٤) الشرائع ٤ : ١٣٣ ، المنتهى ٢ : ٥٩٠ ، المدارك ٦ : ١٦٦.

(٥) كصاحبي الحدائق ١٣ : ٢٤٥ ، والرياض ١ : ٣١٨.

٣٩٥

فيه الشكّ ، صم للرؤية وأفطر للرؤية (١).

وحيث كان المعتبر ما أفاد العلم فلا ينحصر المخبرون في عدد.

ولا فرق بين خبر المسلم والكافر والصغير والكبير والأنثى والذكر ، كما هو الحكم في الخبر المتواتر.

الرابع : شهادة العدلين ، يثبت بها الهلال مطلقا ، صحوا كان أو غيما ، كانا من خارج البلد أو داخله ، عند المفيد والإسكافي والسيّد والحلّي والفاضلين والشهيدين (٢) ، وغيرهما من المتأخّرين (٣) ، بل عليه الأكثر كما صرّح به جماعة (٤).

للأخبار المستفيضة ، كصحيحة الحلبي : « لا أجيز في رؤية الهلال إلاّ شهادة رجلين عدلين » (٥).

ومرسلة الفقيه : « لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ، ولا تجوز إلاّ شهادة رجلين عدلين » (٦) ، ونحوها صحيحة حمّاد (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٥٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

(٢) المفيد في المقنعة : ٢٩٧ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٣٤ ، السيّد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٤ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٨٠ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٦٨٦ ، العلاّمة في التذكرة ١ : ٢٧٠ ، الشهيد في اللمعة والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٠٩.

(٣) كفخر المحققين في الإيضاح ١ : ٢٤٩ ، وصاحب المدارك ٦ : ١٦٧.

(٤) انظر المعتبر ٢ : ٦٨٦ ، والمدارك ٦ : ١٦٧ ، والذخيرة : ٥٣١ ، ومشارق الشموس : ٤٦٤ ، وغنائم الأيام : ٤٤٧.

(٥) الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٣٨ ، التهذيب ٤ : ١٨٠ ـ ٤٩٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٨.

(٦) الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٤٠ الوسائل ١٠ : ٢٨٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٧.

(٧) الكافي ٤ : ٧٧ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٣.

٣٩٦

وصحيحة شعيب : « لا أجيز في الطلاق ولا في الهلال إلاّ رجلين » (١).

وصحيحة منصور : « صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته ، فإن شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه » (٢).

وصحيحة الشحّام ، وفيها : « إلاّ أن تشهد لك بيّنة عدول ، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم » (٣).

ورواية صبّار (٤) : عن الرجل يصوم تسعة وعشرين يوما يفطر للرؤية ويصوم للرؤية أيقضي يوما؟ فقال : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : لا ، إلاّ أن يجي‌ء شاهدان عدلان فيشهدان أنّهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوما » (٥) ، إلى غير ذلك.

وعن الصدوق والشيخ والحلبي والقاضي وابن حمزة وابن زهرة : الاقتصار في الثبوت بالعدلين إذا كانت في السماء علّة (٦) كبعض ما ذكر ، وكانا من خارج البلد كبعض آخر ، إذا كانا منه كبعضهم أيضا.

وقيل بالثبوت بهما مع سدّ باب إمكان العلم (٧). وقيل : مع انتفاء‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١٦ ـ ٩٦٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٩.

(٢) التهذيب ٤ : ١٥٧ ـ ٤٣٦ ، الاستبصار ٢ : ٦٣ ـ ٢٠٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٤ ، وهو في المقنعة : ٢٩٧.

(٣) التهذيب ٤ : ١٥٥ ـ ٤٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٦٢ ـ ٢٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٦٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ٤.

(٤) في النسخ : صياد ، وهو تصحيف.

(٥) التهذيب ٤ : ١٦٥ ـ ٤٦٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٦٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ٢١. وفيه عن صابر ، بدل صبّار ، وفي هامش المخطوط منه : في نسخة : صبّار.

(٦) الصدوق في المقنع : ٥٨ ، الشيخ في المبسوط ١ : ٢٦٧ ، الحلبي في الكافي : ١٨١ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٨٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٤١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٠.

(٧) كما في الحدائق ١٣ : ٢٥٥.

٣٩٧

ما يوجب التهمة (١). ويمكن إرجاعهما إلى القول السابق عليهما.

ودليل هذه الأقوال : صحيحة الخزّاز ، وفيها : « لا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر » (٢).

ورواية حبيب الخزاعي : « لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة ، وإنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علّة ، فأخبرا أنّهما رأياه ، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية » (٣).

أقول : لا يخفى أنّه لا منافاة بين غير الأخيرتين من روايات القول الأول وبين روايتي القول الثاني ، إذ غاية ما تفيده الأخبار المذكورة : قبول العدلين في الجملة ، ولا تصريح فيها بالقبول في حال الصحو.

بخلاف الروايتين ، فإنّ فيهما تصريحا بالعدم فيه ، ومقتضى قاعدة الجمع المتّفق عليها تقييدها بهما ، بل هو القاعدة لو كانت الروايات دالّة على القبول مطلقا أيضا ، حملا للمطلق على المقيّد والعامّ على الخاصّ.

ومنه يظهر لزوم تقييد الأخيرتين من روايات القول الأول أيضا.

والقول : بأنّه لا تصريح في الروايتين بعدم القبول مع الصحو مطلقا ، بل مع تعارض الشهادات وإنكار من عدا العدلين لما شهدا به ، وهو عين التهمة ، وعدم القبول حينئذ مجمع عليه بالضرورة ، إذ من شرائط العمل‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٣١٩.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٠ ـ ٤٥١ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١٠ ، وبدل : لا يجزئ ، في النسخ : لا يجوز ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ١٥٩ ـ ٤٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٧٤ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٩٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١٣.

٣٩٨

بالبيّنة ارتفاع التهمة (١).

مردود بأنّه لا تعرّض في رواية الحبيب لاستهلال الغير وتعارض الشهادات أصلا ، وكذا في مورد الاستدلال من صحيحة الخزّاز.

نعم ، يتضمّن صدرها : أنّه ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد : رأيته ، ويقول الآخرون : لم نره ، وذلك ليس من باب تعارض الشهادات وإنكار ما شهد به العدلان أصلا.

نعم ، مجرّد اختصاص الرؤية بالعدلين من بين أهل مصر وعدم وجود مانع موجب للتهمة أبدا.

وعلى هذا ، فمقتضى ما ذكره من الإجماع على عدم قبول العدلين مع التهمة : عدم قبولهما في موضع النزاع ـ الذي هو الصحو مطلقا ـ وهو عين القول الثاني.

ولا يظهر محلّ اختلاف بينهما ، إلاّ إذا كان ثلاثة أو أربعة في برّ وشهد عدلان منهم بالرؤية ، أو لم يتفحّص في المصر أحد ، كما إذا كانت ليلة الثلاثين ولم يجوّز أهل المصر رؤية الهلال ، فلم يستهلّوا ، ورآه اثنان ، أو لم يعلم حال غير العدلين أنّه هل يشهد أم لا ، كما إذا شهد العدلان عند من في بيته ولم يخرج منه بعد ، فإنّه ليس العدلان حينئذ محلّ التهمة ، ومقتضى القول الأول ودليله : قبولها ، دون الثاني.

إلاّ أن يقال : إنّ ظاهر الروايتين أنّ موردهما المصر ، وفيما إذا علم أنّه استهلّ أهل المصر ولم يشهد غير العدلين ، كما يستفاد من صدر الصحيحة ، بل من اشتراط وجود العلّة في السماء.

وظهر من ذلك أنّ القول الفصل أن يقال : إنّ مقتضى العمومات قبول‌

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٣١٩.

٣٩٩

العدلين مطلقا ، خرج منه ما إذا كان صحوا وتفحّص أهل مصر ـ أي مجتمع الناس الكثيرين ـ ولم يره غير العدلين منهم ، إمّا لأجل التهمة ، أو لإمكان تحصيل العلم ، أو لعلّة أخرى ، أو كان في السماء علّة عامّة وشهد شاهدان من البلد مع تفحّص الباقين ، بالروايتين ، وبقي الباقي.

وترشد إلى عدم القبول في محلّ النزاع ـ وهو الصحو أو العلّة وكون الشاهدين من البلد وكونهما محلّ التهمة ـ المستفيضة من الروايات ، المصرّحة بأنّ الرؤية الموجبة للصوم والفطر ليست أن تقوم جماعة فتنظر ويراه واحد ولم يره الباقي ، كصحيحة محمّد (١) ، وروايتي حمّاد (٢) وأبي العبّاس (٣) ، وغيرها (٤).

وأمّا ما أجيب به عن الروايتين من أنّ اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم ، فهو مخالف لما عليه عمل المسلمين كافّة ، فيكون ساقطا ، مع أنّه لا يفيد اليقين ، بل قوّة الظنّ ، وهي تحصل بشهادة العدلين (٥).

فمردود بأنّ من المحتمل أن يكون وروده فيهما مورد التمثيل لما يحصل به اليقين ، وأنّ اعتباره من جهته لا لخصوصيّة فيه ، وكذا في كلام من ذكره ، فلا مخالفة ، ولو لم يقبل ذلك فيكون في كلام من ذكر محمولا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٧٧ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٧٦ ـ ٣٣٤ ، التهذيب ٤ : ١٥٦ ـ ٤٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٦٣ ـ ٢٠٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٥٦ ـ ٤٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١١.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٣٦ ، التهذيب ٤ : ١٥٦ ـ ٤٣١ ، الاستبصار ٢ : ٦٣ ـ ٢٠١ ، الوسائل ١٠ : ٢٩٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١٢.

(٤) انظر الوسائل ١٠ : ٢٨٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١.

(٥) انظر المعتبر ٢ : ٦٨٨.

٤٠٠