مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

النهار لحظة أبطل صومه. وعن الشيخ : أنّه حكم بالصحّة مع سبق النيّة (١). قال في المدارك : ولا يخلو من قرب (٢). ويأتي تحقيقه في المغمى عليه.

ب : لا يصحّ صوم المغمى عليه على الحقّ المشهور‌ ، كما صرّح به جماعة (٣) ، لرواية ابن سنان : « كلّما غلب الله عليه فليس على صاحبه شي‌ء » (٤) ، فلا صوم عليه ، ولأنّ الصحّة فرع الأمر ، الذي هو فرع العقل ضرورة وإجماعا ونصّا.

والنقض بالنائم مردود بالفرق ، فإنّ له العقل دون المغمى عليه ، ولو سلّم فكون حكم شي‌ء خلاف الأصل بالدليل لا يوجب التعدّي إلى غيره ، لا بمعنى أنّ النائم مكلّف حال النوم على خلاف الأصل ، بل بمعنى صحّة صوم من بعض يومه في النوم وكفاية سائر الأجزاء مع سبق النيّة ، بل كفاية مطلق سبق النيّة ولو نام في تمام الأجزاء.

ثمَّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين ما إذا سبقت منه النيّة أو لا ، طرأه الإغماء في جميع النهار أو بعضه ، في أوله أو أثنائه أو آخره ، لما ذكر بعينه.

خلافا للمحكيّ عن المقنعة والمبسوط والخلاف والسيّد والديلمي والقاضي ، فحكموا بصحّة صومه مع سبق النيّة (٥) ، ولا دليل يعتدّ به لهم سوى القياس على النائم ، وفساده ظاهر ، أو جعل سبق النيّة موجبا لبقاء‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٨٥.

(٢) المدارك ٦ : ١٣٨.

(٣) انظر الذخيرة : ٥٢٥ ، والحدائق ١٣ : ١٦٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٥ ـ ٧٢٦ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٤ ح ٣.

(٥) المقنعة : ٣٥٢ ، المبسوط ١ : ٢٨٥ ، الخلاف ٢ : ١٩٨ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٧ ، والديلمي في المراسم : ٩٨ ، القاضي في المهذب ١ : ١٩٦.

٣٤١

النيّة الحكميّة مع الإغماء ، ويضعف بأنّ النيّة الحكميّة إنّما تفيد مع وجود التكليف.

وقيل : الحقّ أنّ الصوم إن كان عبارة عن مجرّد الإمساك عن الأمور المخصوصة مع النيّة وجب حكمنا بصحّة صوم المغمى عليه إذا سبقت منه النيّة.

وإن اعتبر مع ذلك وقوع جميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب ـ بحيث يكون كل جزء من أجزائه موصوفا بذلك ـ تعيّن القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الإغماء ، ويلزم منه فساد الكلّ ، إذ الصوم لا يتبعّض ، إلاّ أنّ ذلك منفي بالأصل ، ومنقوض بالنائم (١).

وفيه : إنّا نختار الأول ، ولا تلزم منه صحّة صوم المغمى عليه.

أمّا أولا : فلعدم تحقّق الإمساك منه حال الإغماء ، لأنّه فرع الشعور ، ومطلق عدم تحقّق الأمور المخصوصة ليس إمساكا ولا صوما.

وأمّا ثانيا : فلعدم تحقّق النيّة حال الإمساك ، لا الفعليّة منها ولا الحكميّة.

وأمّا ثالثا : فلأنّ الصوم هو إمساك المكلّف عمّا ذكر ، والمغمى عليه ليس مكلّفا.

ج : السكران كالمغمى عليه حتى في عدم الوجوب وإن كان السكر بفعله ، لما مرّ من قبح تكليف غير العاقل.

د : لا خلاف في صحّة صوم النائم إذا سبقت منه النيّة وإن استمرّ نومه جميع النهار ، وعليه الإجماع مستفيضا ، وتدلّ عليه ـ بعد الإجماع ، وتحقّق الإمساك مع النيّة ـ المتواترة من الأخبار ، المتضمّنة لنحو : « إنّ الله يطعم‌

__________________

(١) المدارك ٦ : ١٤٠.

٣٤٢

الصائم ويسقيه في منامه » (١) و : « إنّ نوم الصائم عبادة » (٢) : و : « إنّ الصائم في عبادة وإن كان نائما في فراشه » (٣).

والمراد بصومه : كونه بحيث ينعقد قلبه وجوارحه عليه قبل النوم وبعده ، بحيث لو سئل عنه في الحالين يجيب بأنّي صائم ، وهذه نيّته الحكميّة كالساهي.

والمراد بصحّته : كونه مأمورا بذلك العقد المتقدّم والمتأخّر ، لا أنّه مكلّف به حال النوم ، ولم يثبت اشتراط النيّة أزيد من ذلك ، فإنّ هذه نيّته الحكميّة.

ولا ينتقض بالمغمى عليه ، لا لأنّه لا عقل له حال الإغماء ، فلا تكليف حينئذ ، فلا أمر فلا صوم ، لعدم تبعّضه ، بخلاف النوم ، فإنّ عقله باق وإن كانت حواسّه الظاهريّة مغطّاة ، إذ لم يثبت لنا فرق بين عقل النائم والمغمى عليه ، بحيث يصلح أحدهما للتكليف معه دون الآخر.

بل للنصوص والإجماع ، فإنّ مقتضى الأصل وقاعدة عدم تكليف غير الشاعر حين عدم الشعور وعدم تبعّض الصوم : بطلان صومهما معا.

إلاّ أنّ الدليل أخرج النائم ، بمعنى : أنّ الدليل جعل صومه عقد القلب والجوارح في طرفي النوم من النهار ، فهو صوم النائم ، وجعل صوما من جانب الشارع ، فمن كان كذلك فهو صائم ولا قضاء عليه إجماعا.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٥ ـ ١٤ ، ثواب الأعمال : ٥١ ، الوسائل ١٠ : ١٣٦ أبواب آداب الصائم ب ٢ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٦٤ ـ ١٢ ، ثواب الأعمال : ٥١ ، المقنعة : ٣٠٤ ، الوسائل ١٠ : ١٣٦ أبواب آداب الصائم ب ٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٦٤ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ١٩٠ ـ ٥٣٨ ، المقنعة : ٣٠٤ ، ثواب الأعمال : ٥١ ، الوسائل ١٠ : ١٢٧ أبواب آداب الصائم ب ٢ ح ٣.

٣٤٣

بخلاف المغمى عليه ونحوه ، لفقد الدليل المخرج عن الأصل.

الثالث : الإسلام.

بالإجماع ، فلا يصحّ من الكافر بأنواعه ، لعدم تأتّي قصد القربة وامتثال الأمر به منه ، لإنكاره له ، مع أنّه شرط في الصحّة إجماعا.

نعم ، يجب عليه عندنا ، بناء على أنّه مكلّف بالفروع ، كما حقّقناه في محلّه.

وممّا يدلّ على عدم الصحّة منه المروي في العلل : « إنّما يتقبّل الله من العبادات العمل بالفرائض التي افترضها الله على حدودها مع معرفة من دعا إليه » قال : « وإن صلّى وزكّى وحجّ واعتمر وفعل ذلك كلّه بغير معرفة من افترض الله عليه طاعته ، فلم يفعل شيئا من ذلك ، لم يصلّ ولم يصم ولم يزكّ ولم يحجّ ولم يعتمر ولم يغتسل من الجنابة ولم يتطهّر ولم يحرّم لله حراما ولم يحلّ له حلالا ، وليس له صلاة وإن ركع وإن سجد ، ولا له زكاة ولا حجّ ، وإنّما ذلك كلّه بمعرفة رجل أمر الله تعالى على خلقه بطاعته وأمر بالأخذ عنه ، فمن عرفه وأخذ عنه أطاع الله » (١).

ولا فرق في ذلك بين الكفر في تمام اليوم أو بعضه ، فلا يصحّ ممّن أسلم في أثناء النهار في ذلك النهار ، كما صرّح به في صحيحة العيص : عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيّام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال : « ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه ، إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر » (٢).

__________________

(١) العلل : ٢٥٠ ـ ٧ بتفاوت يسير ، الوسائل ١ : ١٢٤ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩ ح ١٨.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٥ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٨٠ ـ ٣٥٧ ، التهذيب ٤ : ٢٤٥ ـ ٧٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧ ـ ٣٤٩ ، الوسائل ١٠ : ٣٢٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٢ ح ١.

٣٤٤

خلافا للمحكيّ عن المبسوط والمعتبر ، فأوجبا صوم يوم أسلم قبل زواله (١) ، لإطلاق الأمر بالصوم وبقاء وقت النيّة. والصحيحة المذكورة تردّه.

ولا يجب على الكافر قضاء ما فاته حال الكفر أيضا ، للمعتبرة من الأخبار ، كالصحيحة المتقدّمة ، وصحيحة الحلبي (٢) ، ورواية مسعدة (٣) ، ومرسلة الفقيه (٤). وأمّا موثّقة الحلبي الآمرة بالقضاء (٥) فمحمولة على الاستحباب.

الرابع : الخلوّ عن الحيض والنفاس.

بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ مستفيضا (٦) ، واستفاضت عليه الروايات ، بل تواترت أيضا (٧) ، فلا يصحّ الصوم منهما ولو رأت الدم في أول جزء من النهار أو آخره ، كما نطقت به الأخبار واتّفقت عليه كلمات الأصحاب. ورواية أبي بصير (٨) ـ الظاهرة في الاعتداد بالصوم لو رأت الدم بعد الزوال ـ متروكة ، وإلى الوهم منسوبة.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٨٦ ، المعتبر ٢ : ٧١١.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٥ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤٥ ـ ٧٢٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧ ـ ٣٤٨ ، الوسائل ١٠ : ٣٢٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٥ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٤٦ ـ ٧٢٩ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٢٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٢ ح ٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٨٠ ـ ٣٥٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٢٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٢ ح ٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٤٦ ـ ٧٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧ ـ ٣٥١ ، الوسائل ١٠ : ٣٢٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٢ ح ٥.

(٦) انظر المعتبر ٢ : ٦٨٣ ، والمنتهى ٢ : ٥٨٥ ، والرياض ١ : ٣٢١.

(٧) الوسائل ٢ : ٣٤٦ أبواب الحيض ب ٤١ و ٣٩٤ أبواب النفاس ب ٦.

(٨) التهذيب ١ : ٣٩٣ ـ ١٢١٦ ، الاستبصار ١ : ١٤٦ ـ ٥٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٨ ح ٤.

٣٤٥

الخامس : الخلوّ عن السفر.

فلا يصحّ صوم واجب مطلقا ـ منذورا كان أو غيره ـ ولا مندوب في السفر ، إلاّ ما استثني منهما ، فهاهنا ثلاثة مقامات :

المقام الأول : عدم صحّة صوم واجب غير ما استثني.

ولا ريب فيه ، بل هو إجماعيّ مدلول عليه بالأخبار المتواترة.

وهي بين ما يدلّ على الحكم في مطلق الصوم ، كصحيحتي صفوان والحلبي :

الأولى : عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم ، فقال : « ليس من البرّ الصيام في السفر » (١) ، فإنّ الجواب عامّ وإن كان المورد خاصّا.

والثانية : رجل صام في السفر ، فقال : « إن كان بلغه أنّ رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه » (٢).

وموثّقة زرارة : « لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره » (٣).

ورواية محمّد بن حكيم : « لو أنّ رجلا مات صائما في السفر ما صلّيت عليه » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٧ ـ ٦٣٢ ، الوسائل ١٠ : ١٧٧ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١ ح ١٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٩٣ ـ ٤١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ ـ ٦٤٣ ، الوسائل ١٠ : ١٧٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ـ ٦٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ ـ ٣٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٠١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١١ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٨ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٩١ ـ ٤٠٥ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ ـ ٦٢٩ ، الوسائل ١٠ : ١٧٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ح ٩.

٣٤٦

ومرسلة الفقيه : « ليس من البرّ الصيام في السفر » (١).

وموثّقة سماعة : عن الصيام في السفر ، فقال : « لا صيام في السفر ، قد صام أناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمّاهم العصاة ، فلا صيام في السفر إلاّ الثلاثة الأيّام التي قال الله تعالى في الحجّ » (٢).

وموثّقة عمّار : عن الرجل يقول : لله عليّ أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل ، فعرض له أمر لا بدّ له من أن يسافر ، أيصوم وهو مسافر؟

قال : « إذا سافر فليفطر ، فإنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية » (٣) إلى غير ذلك.

وبين ما يدلّ عليه في صيام شهر رمضان ، وهي كثيرة جدّا.

وما يدلّ عليه في قضائه ، كصحيحة عليّ : عن رجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان وهو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟ قال : « لا ، حتى يجمع على مقام عشرة أيّام » (٤).

وما يدلّ عليه في النذر ، كخبر كرّام : إنّي جعلت على نفسي [ أن أصوم ] حتى يقوم القائم ، فقال : « صم ، ولا تصم في السفر » الحديث (٥).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤١١ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٠ : ١٧٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ح ١١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٠ ـ ٦٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ١١ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢٨ ـ ١٠٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٩٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٨.

(٤) الكافي ٤ : ١٣٣ ـ ٢ ، مسائل علي بن جعفر : ٢٦٢ ـ ٦٣٣ ، قرب الإسناد : ٢٣١ ـ ٩٠٣ ، الوسائل ١٠ : ١٩٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ٨ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ١٤١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٣٣ ـ ٦٨٣ ، الاستبصار ٢ : ١٠٠ ـ ٣٢٥ ، الوسائل ١٠ : ١٩٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٩ ، وما بين المعقوفتين أضفناه من المصادر.

٣٤٧

ورواية مسعدة : في الرجل يجعل على نفسه أيّاما معدودة مسمّاة في كلّ شهر ، ثمَّ يسافر فتمرّ به الشهور ، أنّه « لا يصوم في السفر ولا يقضيها إذا شهد » (١).

وموثّقة زرارة : إنّ أمّي جعلت على نفسها لله عليها نذرا ـ إلى أن قال ـ : « لا تصوم في السفر ، وقد وضع الله عنها حقّه في السفر » (٢).

ورواية ابن جندب : عن رجل جعل على نفسه صوم يوم يصومه فحضرته نيّة في زيارة أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يخرج ولا يصوم في الطريق ، فإذا رجع قضى ذلك » (٣).

ورواية الصيقل : رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي ، فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم ، أو قضاؤه ، أو كيف يصنع؟ فكتب عليه‌السلام : « قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلّها » (٤).

وما يدلّ عليه في صوم الظهار ، كموثّقتي محمّد (٥) وزرارة (٦) ، إلى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤٢ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٢٩ ـ ١٠٢٨ ، الوسائل ١٠ : ١٩٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ١٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٤٣ ـ ١٠ ، وفي التهذيب ٤ : ٢٣٤ ـ ٦٨٧ ، والاستبصار ٢ : ١٠١ ـ ٣٢٩ ، بتفاوت يسير ، الوسائل ١٠ : ١٩٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٣.

(٣) الكافي ٧ : ٤٥٧ ـ ١٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣٣ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ١٠ : ١٩٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٣٤ ـ ٦٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠١ ـ ٣٢٨ ، الوسائل ١٠ : ١٩٦ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٠ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٣٢ ـ ٦٨١ ، الوسائل ١٠ : ١٩٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٩ ح ١.

(٦) راجع الحدائق ١٣ : ١٨٦ ، الهامش : ٥.

٣٤٨

خلافا للمحكيّ عن المفيد فيما عدا صوم شهر رمضان (١) ، لوجه ضعيف غايته. وقيل : لم يجوّز غير الثلاثة الأيّام لدم المتعة ، فمذهبه مطابق للمشهور.

المقام الثاني : في عدم صحّة الصوم المندوب.

وهو مذهب الصدوقين (٢) والحلي والقاضي (٣) ، وجماعة من المتأخّرين (٤) ، بل هو المشهور عند القدماء كما صرّح به المفيد ، بل يظهر منه أنّ عليه عمل فقهاء العصابة (٥) ، وقال الحلّي : إنّه مذهب جملة المشيخة الفقهاء من أصحابنا المحصّلين (٦).

ونسبه في المدارك إلى المفيد (٧) ، وهو الذي صرّح به في أول كلامه ، حيث قال : لا يجوز ذلك إلاّ ثلاثة أيّام للحاجة عند قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مشهد من مشاهد الأئمّة (٨). ولكن المستفاد من آخره الجواز ، كما أنّ كلام الديلمي بالعكس (٩).

للإطلاقات المتقدّمة ، وصريح موثّقة عمّار السابقة (١٠) ، وصحيحة البزنطي : عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن بسفر ، قال : « فريضة؟ » فقلت : لا ، ولكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة ، فقال : « تقول اليوم وغدا؟ » قلت :

__________________

(١) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٦٨٥ ، والمختلف : ٢٢٩.

(٢) الصدوق في المقنع : ٦٣ ، حكاه عن والده في المختلف : ٢٣٠.

(٣) الحلي في السرائر ١ : ٣٩٣ ، القاضي في المهذب ١ : ١٩٤.

(٤) كصاحبي الذخيرة : ٥٢٤ ، والحدائق ١٣ : ٢٠٠.

(٥) انظر المقنعة : ٣٥٠.

(٦) السرائر ١ : ٣٩٣.

(٧) المدارك ٦ : ١٥٠.

(٨) المقنعة : ٣٥٠.

(٩) المراسم : ٩٨.

(١٠) في ص : ٣٤٧.

٣٤٩

نعم ، فقال « لا تصم » (١).

والمرويّ في تفسير العيّاشي : « لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم في السفر تطوّعا ولا فريضة » (٢).

خلافا لجماعة ـ كالتهذيبين (٣) والنهاية والوسيلة والشرائع والشهيد (٤) ، وجمع آخر (٥) ، بل نسب إلى الأكثر (٦) ـ فجوّزوه مع الكراهة كبعضهم (٧) ، أو بدونها كآخر (٨) ، لمرسلتي إسماعيل بن سهل والحسن بن بسّام :

الاولى : خرج أبو عبد الله عليه‌السلام من المدينة في أيّام بقين من شعبان وكان يصوم ، ثمَّ دخل شهر رمضان وهو في السفر فأفطر ، فقيل له : تصوم شعبان وتفطر شهر رمضان؟! فقال : « نعم ، شعبان إليّ إن شئت صمت وإن شئت لا ، وشهر رمضان عزم من الله على الإفطار » (٩).

وقريبة منها الثانية ، وفيها : فقال : « إنّ ذلك تطوّع ولنا أن نفعل ما شئنا ، وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إلاّ ما أمرنا » (١٠).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ـ ٦٩٠ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ ـ ٣٣٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٢.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٨١ ـ ١٩٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠٣.

(٤) النهاية : ١٦٢ ، الوسيلة : ١٤٩ ، الشرائع ١ : ١٩٧ ، الشهيد في الدروس ١ : ٢٧٠.

(٥) كما في جامع المقاصد ٣ : ٨٣ ، والرياض ١ : ٣١٧.

(٦) انظر الرياض ١ : ٣١٧.

(٧) منهم العلاّمة في المختلف : ٢٣٠.

(٨) كما في الوسيلة : ١٤٩.

(٩) الكافي ٤ : ١٣٠ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٣٦ ـ ٦٩٢ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ ـ ٣٣٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٤.

(١٠) الكافي ٤ : ١٣١ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٦ ـ ٦٩٣ ، الاستبصار ٢ : ١٠٣ ـ ٣٣٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٥.

٣٥٠

وصحيحة الجعفري : « كان أبي عليه‌السلام يصوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف » الحديث (١).

ولصحيحة البزنطي المتقدّمة ، من جهة سؤاله في مقام الجواب عن كون صومه أيّهما ، ولو لا الفرق لاتّجه الجواب بـ « لا تصم » (٢) مطلقا من غير استفسار مفهم منه الفرق بين الفريضة والتطوّع ، وليس إلاّ كون النهي في التطوّع للكراهة ، إذ لا فارق بينهما غيره إجماعا.

والجواب ، أمّا عن المرسلتين : فبأنّهما معارضتان مع خصوص صحيحة البزنطي وموثّقة الساباطي (٣) ، والأخيرتان راجحتان بوجوه عديدة من المرجّحات المنصوصة وغيرها.

من المخالفة لمذهب العامّة ، فإنّ ترك الصوم في السفر والمنع منه من شعار الخاصّة.

والموافقة لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما عرفت في الروايات المتقدّمة (٤) ، حتى ورد في رواية أبان أنّه « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خيار أمّتي الذين إذا سافروا أفطروا » (٥).

والأحدثيّة ، حيث إنّ الصحيحة مرويّة عن أبي الحسن عليه‌السلام.

والأصحّيّة سندا.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩٨ ـ ٩٠١ ، الاستبصار ٢ : ١٣٣ ـ ٤٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٣.

(٢) راجع ص : ٣٥٠.

(٣) المتقدمة في ص : ٣٤٧.

(٤) في ص : ٣٥٠.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٧ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٩١ ـ ٤٠٨ ، الوسائل ١٠ : ١٧٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ح ٦.

٣٥١

والاعتضاد بشهرة القدماء المحكيّة ، بل المحقّقة.

والموافقة للأصل.

ولو قطع النظر عن الترجيح يجب الرجوع إلى عمومات المنع وإطلاقاته ، مع أنّه لو لا ما ذكرنا لزم طرح الصحيحة والموثّقة ، وهو ممّا لا وجه له.

وأمّا حملهما على الكراهة فبعيد غايته ، إذ المراد منها إن كان أقلّيّة الثواب والمرجوحيّة الإضافيّة فهي ممّا لا تصلح تجوّزا لقوله : « لا يحلّ » و : « معصية » كما في الموثّقة ، بل لا وجه للأمر بالإفطار كما فيها ، والنهي عن الصوم كما في الصحيحة.

وإن كان الكراهة المصطلحة المطلوب تركه فلا يلائم إطلاق التطوع عليه ، كما في إحدى المرسلتين ، ويبعد ارتكاب الإمام له سيّما مع ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له.

وأمّا عن صحيحة الجعفري : فباحتمال كون الصيام لأجل عدم بلوغ المسافة المعتبرة في تحتّم الإفطار كما هو كذلك ، أو استثناء صوم يوم عرفة.

وأمّا عن الأخير : فبأنّه يمكن أن يكون الاستفسار لأمر آخر غير ما ذكر ، مثل أن يكون غرضه أنّه لو كان فريضة يأمره بالمقام والصيام إن أمكن ، سيّما إن كانت الفريضة ممّا يتضيّق وقتها كواجب معيّن ، أو كان غرضه أنّه إن أجاب بالفرض يستفسر عن أنّه هل هو النذر المقيّد أم غيره.

المقام الثالث : فيما استثني من الصيام الواجب والمندوب في السفر.

أمّا المستثنى من الواجب : فبعض الصيام المتعلّقة بمناسك الحجّ ، ويأتي في كتابه.

وصوم النذر مع التقييد بالسفر إمّا فقط أو مع الحضر ، واستثناؤه‌

٣٥٢

وصحّة صومه هو الحقّ المشهور بين الأصحاب ، بل في المنتهى نفى الخلاف عنه (١) ، وفي الحدائق : أنّ الحكم اتّفاقي عندهم (٢).

لصحيحة ابن مهزيار : نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب عليه‌السلام وقرأته : « لا تتركه إلاّ من علّة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلاّ أن تكون نويت ذلك » (٣).

وردّها في المعتبر بالضعف ، ولذلك لم يفت بمضمونها ، واكتفى بجعله قولا مشهورا (٤).

وكأنّه أراد الإضمار.

أو اشتمالها على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا نوى ذلك ، وإلاّ فهي صحيحة السند ، غاية الأمر جهالة الكاتب ، وهي غير مضرّة بعد إخبار الثقة بقراءة المكتوب.

والأول : مردود بعدم ضرر الإضمار بعد ظهور أنّه من الإمام ، سيّما في هذه الرواية المشتملة على قوله : يا سيّدي.

والثاني : بمنع الاشتمال عليه ، إذ ليس معناه إلاّ أنّ مع النيّة ينتفي الحكم المذكور بقوله : « وليس عليك صومه في سفر ولا مرض » ويكفي في صدق ذلك انتفاؤه في السفر خاصّة.

وأمّا احتمال أن يكون المراد بقوله : « إلاّ أن تكون نويت ذلك » : أن يكون نوى الصوم ثمَّ سافر ، ففي غاية البعد ، مع أنّه على فرض الاحتمال‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٨٦.

(٢) الحدائق ١٣ : ١٩١.

(٣) الكافي ٧ : ٤٥٦ ـ ١٠ ، التهذيب ٤ : ٢٣٥ ـ ٦٨٩ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ ـ ٣٣١ ، الوسائل ١٠ : ١٩٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٨٤.

٣٥٣

يحصل في المخصّص الإجمال ، والعامّ المخصّص بالمجمل ليس حجّة في موضعه ، فعمومات المنع من الصوم أو المنذور منه في السفر لا تكون حجّة في المورد ، وتبقى عمومات الوفاء بالنذر فارغة عن المعارض فيه.

واختصاص عدم حجّيّة المخصّص بالمجمل ـ عند التحقيق بما إذا كان مخصّصا بالمنفصل ـ غير ضائر ، إذ ليس متّصل سوى هذه المكاتبة المعارضة ـ بعد طرح جزئها المجمل ـ مع رواية إبراهيم بن عبد الحميد : عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمّى ، قال : « يصومه أبدا في السفر والحضر » (١) بالتساوي ، فلا تبقى إلاّ العمومات المخصّصة بالمجمل.

وعن السيّد : استثناء النذر المعيّن مطلقا وإن لم يقيّده بالسفر (٢) ، وحكي عن المفيد والديلمي أيضا (٣) ، لرواية إبراهيم المتقدّمة.

ويردّ بالمعارضة مع أخبار أخر أكثر وأصحّ ، ومنها الأخصّ مطلقا ، وهي صحيحة ابن مهزيار ، فيجب تخصيصها ، ولولاه أيضا لسقطت بالمعارضة ، فيرجع إلى عمومات المنع عن الصوم في السفر مطلقا.

وأمّا المستثنى من الصيام المندوب : فصوم ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة المشرّفة ، على التفصيل الذي تتضمّنه صحيحة معاوية بن عمّار ، ولعلّها تأتي في كتاب الحجّ إن شاء الله.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤٣ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ٢٣٥ ـ ٦٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠١ ـ ٣٣٠ ، الوسائل ١٠ : ١٩٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٧.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٩.

(٣) حكاه عن المفيد في المختلف : ٢٢٩ ، الديلمي في المراسم : ٩٧ ، قال : ولا يصوم المسافر تطوّعا ولا فرضا ، إلاّ صيام ثلاثة أيام لدم المتعة ، وصوم النذر إذا علقه بوقت حضر في السفر.

٣٥٤

وها هنا مسائل :

المسألة الأولى : السفر الذي يجب فيه الإفطار هو الذي يجب فيه التقصير‌ ، كما مرّ مفصّلا في بحث الصلاة ، فمن ليس كذلك فحكمه حكم الحاضر ، مثل : كثير السفر ، والعاصي به ، وناوي العشرة ، وغير ذلك ، فيجب عليه الصيام إجماعا فتوى ونصّا.

ففي صحيحة ابن وهب : « هما ـ يعني التقصير والإفطار ـ واحد ، إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت » (١).

ورواية سماعة : « من سافر وقصّر الصلاة أفطر » (٢).

والأخرى : « ليس يفترق التقصير والإفطار ، فمن قصّر فليفطر » (٣).

وتدلّ عليه أيضا رواية أبان : « خيار أمّتي الذين إذا سافروا قصّروا وأفطروا » (٤).

ورواية عمّار بن مروان : « من سافر قصّر وأفطر » الحديث (٥).

بل تدلّ عليه جميع مطلقات إفطار المسافر (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٠ ـ ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٨ : ٥٠٣ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠٧ ـ ٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٢ ـ ٧٨٦ ، الوسائل ٨ : ٤٧٧ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢٨ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ١٠ : ١٨٤ ، ١٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ و ٥ ح ٢ و ٩.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٧ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٩١ ـ ٤٠٨ ، الوسائل ١٠ : ١٧٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ح ٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٩ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢١٩ ـ ٦٤٠ ، الوسائل ٨ : ٤٧٦ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٣.

(٦) الوسائل ١٠ : ١٧٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١.

٣٥٥

ويستثنى منه : سفر الصيد للتجارة على الأظهر ، فيتمّ الصلاة ويفطر الصوم ، كما مرّ بيانه في كتاب الصلاة ، والله العالم.

المسألة الثانية : من صام مع فرض الإفطار في السفر عالما عامدا بطل صومه ووجب عليه قضاؤه ، إجماعا محقّقا ، ومحكيّا مستفيضا (١) ، له ، وللنهي المفسد للعبادة ، والأخبار :

كصحيحة ابن عمّار : « إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه ، وعليه الإعادة » (٢).

والحلبي : رجل صام في السفر ، فقال : « إن كان بلغه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه » (٣).

ومرسلتي أبي بصير والمقنع الآتيتين ، ومفاهيم الشرط في صحاح العيص والمرادي والبصري الآتية جميعا ، وغير ذلك من الأخبار الواردة في موارد الحرمة (٤).

ولو كان جاهلا بالحكم أجزأه ولا قضاء عليه ، بالإجماعين أيضا (٥) ، والأخبار :

منها : صحيحة الحلبي السابقة ، وصحيحة العيص : « من صام في‌

__________________

(١) كما في الخلاف ٢ : ٢٠١ ، والتذكرة ١ : ٢٧٣ ، والمنتهى ٢ : ٥٩٧ ، والرياض ١ : ٣٢٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢١ ـ ٦٤٥ ، الوسائل ١٠ : ١٧٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٩٣ ـ ٤١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ ـ ٦٤٣ ، الوسائل ١٠ : ١٧٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ و ٣.

(٤) الوسائل ١٠ : ١٧٣ و ١٧٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ و ٢.

(٥) كما في المدارك ٦ : ٢٨٥ ، والحدائق ١٣ : ٣٩٧ وقال فيه : اتفاقا ، والرياض ١ : ٣٢٩.

٣٥٦

السفر بجهالة لم يقضه » (١).

والمرادي ، وفيها : « وإن صامه بجهالة لم يقضه » (٢).

والبصري : عن رجل صام شهر رمضان في السفر ، فقال : « إن كان لم يبلغه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء ، وقد أجزأ عنه الصوم » (٣).

وهل الحكم مختصّ بما إذا جهل أصل الحكم ، كما اخترناه في الصلاة؟

أو يشمل الجهل ببعض خصوصيّاته أيضا ، كما إذا ظنّ أنّ سفرا يعصى فيه يوجب الإتمام ولو لم يكن أصل السفر معصية؟

اختار بعض الأجلّة : الثاني ، ونسبه إلى إطلاق الأصحاب. وهو الأظهر ، لإطلاق الجهالة في صحيحتي العيص والمرادي.

لا يقال : مقتضى صحيحتي الحلبي والبصري : القضاء وعدم الإجزاء ، إذ العالم بأصل الحكم يصدق عليه أنّه بلغه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك ، أي الصوم في السفر.

لأنّا نقول : هذا يتمّ إذا جعل المشار إليه الصوم في السفر ، ويحتمل أن يكون فعله ، أي نهى عن صومه الذي صامه.

وهل يلحق الناسي بالجاهل؟ فيه قولان :

أحدهما : نعم ، لاشتراكهما في العذر ، وفوات الوقت ، وعدم التقصير ، ورفع الحكم عنه.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٨ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ١٨٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٨ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ١٨٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢١ ـ ٦٤٦ ، الوسائل ١٠ : ١٧٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٢.

٣٥٧

وثانيهما : لا ، وهو الأصحّ ، لإطلاق النصوص ، سيّما صحيحة ابن عمّار المتقدّمة (١). ودعوى تبادر العامد ممنوعة.

ولو علم الجاهل والناسي في أثناء النهار أفطرا وقضيا ، لزوال العذر الموجب ـ لكون الجزء المتأخّر إن فعله معصية ، والمعصية لا تجزئ عن الصوم الواجب ـ ولخروجه عن النصوص المثبتة ، لأنّها فيمن صام ، والصوم هو الإمساك تمام اليوم.

المسألة الثالثة : اختلف الأصحاب في الوقت الذي إذا خرج فيه المسافر يجب عليه الإفطار على أقوال :

الأول : اعتبار الزوال‌ ، فإن خرج قبله أفطر وأن خرج بعده صام ، اختاره الإسكافي والمفيد والكليني والفقيه والمقنع والمختلف والمنتهى (٢) ، بل أكثر كتب الفاضل (٣) ، وفخر المحقّقين واللمعة والروضة (٤) ، وغيرهم من المتأخّرين (٥) ، وهو المحكيّ عن الحلبي ، إلاّ أنّه أوجب القضاء مطلقا (٦).

واستدلّوا لذلك بالأخبار المستفيضة ، كصحيحة الحلبي : عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم ، فقال : « إن خرج قبل الزوال فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه » (٧).

__________________

(١) في ص : ٣٥٦.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٣٠ ، المفيد في المقنعة : ٣٥٤ ، الكليني في الكافي ٤ : ١٣١ ، الفقيه ٢ : ٩٠ ، المقنع : ٦٢ ، المختلف : ٢٣١ ، المنتهى ٢ : ٥٩٩.

(٣) كما في التحرير ١ : ٨٣ ، والتذكرة ١ : ٢٧٣ ، والقواعد : ٦٨.

(٤) فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٢٤٤ ، اللمعة والروضة ٢ : ١٢٧.

(٥) كصاحبي المدارك ٦ : ٢٨٧ ، والذخيرة : ٥٣٧.

(٦) الكافي في الفقه : ١٨٢.

(٧) الكافي ٤ : ١٣١ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤١٢ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ ـ ٦٧١ ، الاستبصار ٢ : ٩٩ ـ ٣٢١ ، الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٢.

٣٥٨

ومحمّد : « إذا سافر الرجل في شهر رمضان ، فخرج بعد نصف النهار ، فعليه صيام ذلك اليوم ويعتدّ به من شهر رمضان » (١).

وعبيد : في الرجل يسافر من شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال : « إن خرج قبل الزوال فليفطر ، وإن خرج بعد الزوال فليصم » الحديث (٢).

وموثّقته : « إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتمّ الصيام ، وإذا خرج قبل الزوال أفطر » (٣).

وهذه الأخبار ـ مع ما هي عليه من الاستفاضة واعتبار أسانيدها ـ مؤيّدة في الحكم الأول بعموم الكتاب (٤) والسنّة بوجوب الفطر على كلّ مسافر ، وخصوص المعتبرة والإجماعات المحكيّة القائلة (٥) على الكلّية : بأنّه إذا قصّرت أفطرت ، وفي الثاني بالإجماع المحكيّ عليه في الخلاف مطلقا (٦).

والثاني : اعتبار تبييت النيّة وقصد السفر في الليل‌ ، فإن بيّتها يجب الإفطار متى ما خرج ، وإلاّ فالصوم كذلك ، ذهب إليه الشيخ في النهاية والمبسوط والاقتصاد والجمل والقاضي وابن حمزة والمعتبر والشرائع والنافع والتلخيص (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣١ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤١٣ ، التهذيب ٤ : ٢٢٩ ـ ٦٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٩٩ ـ ٣٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٣١ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٣١ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٤.

(٤) البقرة : ١٨٣.

(٥) في النسخ : القابلة.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٠٤.

(٧) النهاية : ١٦١ ، المبسوط ١ : ٢٨٤ ، الاقتصاد : ٢٩٥ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢١ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٩٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٤٩ ، المعتبر ٢ : ٧١٥ ، الشرائع ١ : ٢١٠ ، النافع : ٧١.

٣٥٩

واحتجّوا له بموثّقة ابن يقطين : في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال : « إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدّث نفسه من الليل ثمَّ بدا له السفر من يومه أتمّ صومه » (١).

ومرسلة صفوان ـ المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه ـ عن أبي بصير : « إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل ، فأتمّ الصوم واعتد به من شهر رمضان » (٢).

والأخرى : « إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل ، فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر وعليك قضاء ذلك اليوم » (٣).

وصحيحه صفوان عن الرضا عليه‌السلام : « ولو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا أو جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا والإفطار ، فإن هو أصبح ولم ينو السفر قصّر ولم يفطر يومه ذلك » (٤).

وموثّقة رفاعة : عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح ، قال : « يتمّ صومه يومه ذلك » الحديث (٥).

والثالث : عدم اعتبار شي‌ء منهما‌ ، بل وجوب الإفطار في أيّ جزء‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٨ ـ ٦٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٩٨ ـ ٣١٩ ، الوسائل ١٠ : ١٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٨ ـ ٦٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٨ ـ ٣٢٠ ، الوسائل ١٠ : ١٨٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٩ ـ ٦٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٩٩ ـ ٣٢٣ ، الوسائل ١٠ : ١٨٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٥ ـ ٦٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٧ ـ ٨٠٦ ، الوسائل ١٠ : ١٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٨ ـ ٦٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٩٨ ـ ٣١٧ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٥.

٣٦٠