مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

القضاء ، وعموماته ، بتصريح الإمام عليه‌السلام بأنّه أفطر في المرسلتين ، وقوله في أولا هما : « وقضاءه أيسر عليّ » ، ولأنّ الصوم ليس إلاّ عبارة عن الإمساك عن المفطرات ، وهو هنا غير متحقّق لا لغة ولا عرفا ولا شرعا.

أمّا الأولان ، فظاهران. وأمّا الثالث ، فلأنّ الحقيقة الشرعيّة ليست إلاّ المعنى المتبادر عند المتشرعة ، وليس هو إلاّ الإمساك وعدم إيقاع المفطر باختيار المكلّف ، وهو هنا منتف ، ولذا يصحّ سلب اسم الصوم والإمساك عنه ، فيقال : ما صام ، وما أمسك ولو اضطرارا.

أقول : ويرد على أول أدلّة القول الأول : بأنّ غاية ما يدلّ عليه نفي الإثم ، وهو لا يلازم انتفاء الإفطار ووجوب القضاء ، كما في المريض والحائض والمسافر.

وعلى الثاني : منع خلوّ الأصل والاستصحاب عن المعارض ، لإطلاق كثير من أخبار الإفطار والقضاء ، كقوله : « الكذب على الله وعلى رسوله والأئمّة يفطر الصائم » (١).

وفي موثّقة سماعة : عن رجل كذب في شهر رمضان ، فقال : « قد أفطر وعليه قضاؤه » (٢).

وقوله : « من تقيّأ وهو صائم فعليه القضاء » (٣).

وقوله : « من أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ، لأنّه أكل متعمّدا » (٤) ، إلى غير ذلك.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٦٧ ـ ٢٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٣٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٣ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٦٤ ـ ٧٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٦.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٠ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ ـ ٨١٥ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٧ ، الوسائل ١٠ : ١٢١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥٠ ح ١.

٣٢١

وتبادر غير المكره منها ممنوع ، كيف؟! ولو كان لكان لأجل عدم عصيانه ، وبعد ملاحظة حال المريض والمسافر والحائض وتناول المفطر مع عدم مراعاة الفجر كيف يتبادر ذلك؟! وعلى الثالث : أنّ عدم لزوم الكفّارة على الزوجة المكرهة لا يدلّ على عدم إفطارها وعدم وجوب القضاء عليها ، بل لا يبعد دلالة ما في بعض الأخبار من أنّ على الزوج كفّارتين على بطلان صوم الزوجة (١) ، إلاّ إذا كانت مكرهة بالمعنى الأول لا بالتوعّد والتخويف مجرّدا.

ومن ذلك يظهر ضعف القول الأول.

وأمّا الثاني وإن أمكن الخدش في بعض أدلّته ـ كقضاء الإمام ، لجواز أفضليّته ـ ولكن البواقي لا خدشة فيها ، سيّما بضميمة ما قيل من عدم الفصل بين الإفطار ووجوب القضاء (٢) ، فإذن هو الأقوى ، بل لم يبعد القول بثبوت الكفّارة لو لا الإجماع المؤيّد بعدم ذكر الإمام الكفّارة مع ذكر القضاء ، وعدم تبادر المكره من أخبار الكفّارة جدّا.

فرعان :

أ : الإكراه المسوّغ للإفطار النافي للكفّارة : ما ظنّ معه الضرر الغير المتحمّل عرفا بنفسه أو ما يجري مجراه ، لنفي العسر والحرج والضرر ، وحسنة زرارة : « التقيّة في كلّ ضرورة » (٣) ، وحسنة الفضلاء : « التقيّة في كلّ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٣ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ ـ ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ ـ ٦٢٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٢ ح ١.

(٢) انظر الرياض ١ : ٣٠٧.

(٣) الكافي ٢ : ٢١٩ ـ ١٣ ، الوسائل ١٦ : ٢١٤ أبواب الأمر والنهي ب ٢٥ ح ١.

٣٢٢

شي‌ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه الله » (١).

وربّما يظهر من الدروس اعتبار خوف التلف على النفس (٢) ، ولعلّه لاعتماده على أخبار إفطار الإمام عليه‌السلام ، وتصريحه في بعضها بأنّ في تركه ضرب عنقي. ولا يخفى أنّه لا دلالة فيها على التخصيص.

ب : قال في المسالك : وحيث ساغ الإفطار للإكراه يجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة ، فلو زاد عليه كفّر (٣).

واعترضه في المدارك بأنّه لا يتمّ على ما اختاره من كون التناول مكرها مفسدا للصوم ، لاختصاص الكفّارة بما يحصل به الفطر ، وما زاد عليه لم يستند إليه فطر وإن كان محرّما (٤).

وردّه في الحدائق بأنّ إيجاب الكفّارة لتكفير الذنب ، فهي تتحقّق في موضع الإثم ، وهو هنا متحقّق. وقوله : إنّ الكفّارة تختصّ بما يحصل به الفطر ، ليس في محلّه ، لفساد الصوم ووجوب القضاء بكثير ممّا لا كفّارة معه (٥).

أقول : تحقّق الكفّارة في كلّ ما فيه الإثم ـ مطلقا ، أو مع وقوعه في الصوم وإيجابه لإفطاره ـ ممنوع ، ولا يقول هو به أيضا ، بل إنّما هي في مواضع خاصّة موجبة للإفطار ، ولم يعلم أنّ المورد منها ، والأصل ينفيها ، وغرض المدارك ليس أنّ كلّ ما يحصل به الفطر فيه الكفّارة ، بل أنّ الكفّارة المعهودة ليست إلاّ في موضع الفطر.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٢٠ ـ ١٨ ، الوسائل ١٦ : ٢١٤ أبواب الأمر والنهي ب ٢٥ ح ٢.

(٢) انظر الدروس ١ : ٢٧٣.

(٣) المسالك ١ : ٧١.

(٤) المدارك ٦ : ٧١.

(٥) الحدائق ١٣ : ٦٦.

٣٢٣

المقام الرابع : في الجاهل بالحكم‌ ، وذهب الحلّي إلى أنّه لا شي‌ء عليه من القضاء والكفّارة (١) ، واختاره في الحدائق (٢) ، وهو ظاهر الجامع (٣) ، ومحتمل موضع من المنتهى والاستبصار والتهذيب (٤) ، بل حكي جزما عن موضع من الأخير.

والمشهور ـ كما قاله جماعة ـ : فساد صومه ووجوب القضاء عليه ، إمّا مع الكفّارة ـ كما جزم به في موضع من المنتهى والتذكرة (٥) ، ويحتمله كلام المختلف (٦) ، ونسبه في الكفاية إلى الأكثر (٧) ـ أو بدونها ، كالمعتبر والدروس وحواشي القواعد للشهيد والروضة والمدارك ومحتمل المختلف (٨) ، واحتمله في موضع من المنتهى والتذكرة (٩) ، ونسبه في المدارك إلى أكثر المتأخّرين (١٠).

حجّة الأولين : الأصل الخالي عن المعارض ، لانحصاره بعمومات القضاء والكفّارة المخصوصين بغير الجاهل ، إمّا بحكم التبادر ، أو لأجل تقييد الأكثر بمتعمّد الإفطار الغير الصادق هنا وإن كان متعمدا للفعل ، لأنّ تعمّد الإفطار لا يكون إلاّ مع العلم بكونه مفطرا ، وبه تقيّد المطلقات أيضا ،

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٨٦.

(٢) الحدائق ١٣ : ٦٦.

(٣) الجامع للشرائع : ١٥٧.

(٤) المنتهى ٢ : ٥٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٨١ ، التهذيب ٤ : ٢٠٨ ـ ذ. ح ٦٠٢.

(٥) المنتهى ٢ : ٥٧٧ ، التذكرة ١ : ٢٥٩.

(٦) المختلف : ٢٢٣.

(٧) كفاية الأحكام : ٤٨.

(٨) المعتبر ٢ : ٦٦٢ ، الدروس ١ : ٢٧٢ ، الروضة ٢ : ٩٠ ، المدارك ٦ : ٦٦ ، المختلف : ٢٢٣.

(٩) المنتهى ٢ : ٥٦٩ ، التذكرة ١ : ٢٦٢.

(١٠) المدارك ٦ : ٦٦.

٣٢٤

ولوجوب حملها على المقيّد.

مع أنّه على فرض التعارض يجب التخصيص بغير الجاهل ، لموثّقة زرارة وأبي بصير : عن رجل أتى أهله في شهر رمضان ، أو أتى أهله وهو محرم ، وهو لا يرى إلاّ أنّ ذلك حلال له ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (١) المعتضدة بروايات معذوريّة الجاهل ، كصحيحة عبد الصمد الواردة فيمن لبس قميصا حال الإحرام ، وفيها : « وأيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه » (٢).

وفي صحيحة ابن الحجّاج المتضمّنة لحكم تزويج المرأة في عدّتها ، وفيها : قلت : فبأيّ الجهالتين أعذر ، بجهالته أنّ ذلك محرّم عليه ، أم جهالته أنّها في العدّة؟ فقال : « إحدى الجهالتين أهون من الأخرى ، الجهالة بأنّ الله حرّم عليه ، وذلك أنّه لا يقدر على الاحتياط معها » ، فقلت : فهو في الأخرى معذور؟ فقال : « نعم » (٣).

احتجّ الثاني : أمّا على الفساد فبإطلاق المفسدات ، وأمّا على القضاء والكفّارة فبعموماتهما (٤) وإطلاقاتهما.

وأجابوا عن أدلّة الأولين باندفاع الأصل بما ذكر ، مع منع التبادر المذكور ، لعدم تصوّر ما يوجبه سوى شيوع غير الجاهل ، وهو بالنسبة‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٨ ـ ٦٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٨٢ ـ ٢٤٩ ، الوسائل ١٣ : ١٠٩ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٢ ـ ٢٣٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٨ أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٧ ـ ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ ـ ١٢٧٤ بتفاوت يسير ، الاستبصار ٣ : ١٨٦ ـ ٦٧٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ب ١٧ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٠ : ٥٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠.

٣٢٥

إلى جميع المفطرات ممنوع ، ولو سلّم فلم يبلغ حدّا يوجب الانصراف إليه.

ومنع التقييد بمتعمّد الإفطار في القضاء ، بل صرّح بمتعمّد الفعل أيضا ، كما مرّ بعضه في المقام السابق (١). وأمّا في الكفّارة فإن تقيّد به في كثير من الأخبار (٢) ، إلاّ أن التقييد فيها مخصوص أمّا بالسؤال ـ كالأكثر ـ أو بالجواب أيضا ، مع تقييد السؤال ـ الذي هو سبب تقييد الجواب ، الموجب لعدم حجّية مفهوم الشرط أو الوصف ـ بنفسه ، ومثل ذلك لا يوجب تقييد المطلقات ، كرواية محمّد بن نعمان : عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان ، فقال : « كفّارته جريبان » (٣).

وموثّقة سماعة : عن رجل لزق بأهله فأنزل ، قال : « عليه إطعام ستّين مسكينا » الحديث (٤).

ورواية الهروي : « وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة ، وقضاء ذلك اليوم » (٥).

وأمّا معارضة الموثّقة معها فهي وإن كانت أخصّ ـ من حيث اختصاصها بالجاهل ـ إلاّ أنّها لا تصلح للتخصيص ، لأنّه فرع التكافؤ‌

__________________

(١) راجع ص : ٣٢١.

(٢) انظر الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٣ ـ ٣١٢ ، التهذيب ٤ : ٣٢٢ ـ ٩٨٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٦.

والجريب : مكيال قدر أربعة أقفزة ـ القاموس المحيط ١ : ٤٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢٠ ـ ٩٨٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١٢.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٣٨ ـ ١١٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٩ ـ ٦٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ ـ ٣١٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ١.

٣٢٦

المفقود في المقام ، لأكثريّة العمومات عددا ، وأصحّيّتها سندا ، وأشهريّتها عملا.

ودليل الثالث : أمّا على إثبات الفساد والقضاء فما مرّ ، وأمّا على نفي الكفّارة فبما ذكر من تقييد أخبارها بتعمّد الإفطار المنتفي في المقام ، حيث إنّ قصد الإفطار لا يكون إلاّ مع اعتقاد الإفساد.

وحمل الإفطار على تناول المفطر خلاف الأصل. سلّمنا ، ولكنّه غير متعيّن ، واحتمال إرادة الإفساد كاف.

أقول : حقّ المحاكمة بين هذه الفرق الثلاث أنّه لا يصحّ الاستناد إلى قيد تعمّد الإفطار ، لوجود المطلقات بالنسبة إليه في كلّ من القضاء الكفّارة ، وعدم صلاحيّة المقيّدات لتقييدها ، لورود القيد كما في السؤال أو في الجواب أيضا ، لذكره في السؤال الموجب لعدم اعتبار مفهوم له ، سيّما في أخبار القضاء ، وبعد رفع اليد عن ذلك يحصل التعارض بين تلك المطلقات والموثّقة.

وما سبق ـ من أنّ التعارض فرع التكافؤ ، وهو هنا غير حاصل ـ غير مسموع ، لأنّ كثرة العدد وصحّة السند والشهرة العمليّة ـ ما لم تخرج بتعارضها عن الحجّيّة بالشذوذ ـ وإن كانت مقوّية ، إلاّ أنّها لا تصلح على التحقيق للترجيح ، بعد كون أصل الخبر الآخر حجّة ، بل معاضدة بعمومات أخر وبالأصل (١) ، فضلا عن أن يكون المعارض خاصّا مطلقا ، فإنّه حينئذ يكون قرينة للتخصيص ويكفي فيها مجرّد الحجّية ، ولا اعتناء في القرائن إلى وجوه التراجيح.

__________________

(١) في « س » زيادة : وان لم نعتبرها فيه أيضا.

٣٢٧

وعلى هذا ، فنقول : إنّ تعارض الموثّقة مع مطلقات الكفّارة بالعموم المطلق ، لأنّ أخبار الكفّارة وإن كانت مخصوصة على الظاهر بالكفّارة ـ فيتوهّم وجه خصوصيّة لها ، حيث إنّ الموثّقة تنفي الشي‌ء مطلقا ـ إلاّ أنّ ثبوت الكفّارة يستلزم ثبوت القضاء أيضا بالإجماع المركّب ، بل الإثم للتقصير ، فتساوي الموثّقة من تلك الجهة ، حيث إنّ الشي‌ء المنفيّ لا يخرج عن هذه الثلاثة بالإجماع وشاهد الحال ، وتبقى الموثّقة أخصّ من جهة الجاهل ، فيلزم تقديم الموثّقة ونفي الكفّارة ، وبه يطرح القول الثاني.

وأمّا مع مطلقات القضاء وإن كان تعارضها بالعموم من وجه ـ لأنّ المطلقات تثبت القضاء والموثّقة تنفي الشي‌ء مطلقا ـ إلاّ أنّ الأصل مع الموثّقة ، وهو المرجّح عند فقد الترجيح والتخيير كما في المقام ، وهو مع عدم القضاء أيضا ، وبه يبطل القول الثالث أيضا ، فيبقى الأول ، وعليه الفتوى ، وهو المعوّل.

ولكن الظاهر اختصاص ذلك بالجاهل الساذج ، والمراد منه : من لا يشكّ في عدم الإفساد به ، ولا يخطر بباله احتمال الضرر ، لأنّه الظاهر من قوله : وهو لا يرى إلاّ أنّ ذلك حلال له (١). ولا أقلّ من احتمال ذلك المعنى ، وهذا المعنى هو الذي لا يقدر معه على الاحتياط كما في صحيحة ابن الحجّاج (٢) ، فتبقى المطلقات في غيره خالية عن المعارض.

فالحقّ في المسألة : انتفاء الإثم والقضاء والكفّارة مع الجهل الساذج ،

__________________

(١) تقدّم في ص : ٣٢٥.

(٢) المتقدّمة في ص : ٣٢٥.

٣٢٨

ووجود الثلاثة مع غيره من أنواع الجهل.

فروع :

أ : من أفراد المفطر جهلا : من تناول شيئا من المفطرات نسيانا‌ ، ثمَّ ظنّ فساد الصوم به ، فتعمّد فعل المفطر ، وحكمه ما مرّ بعينه.

وعن الخلاف والمبسوط والمعتبر والتذكرة : أنّ حكمه حكم العمد (١).

وعن بعض القدماء (٢) والدروس وحاشية القواعد للشهيد : أنّ عليه القضاء خاصّة (٣).

ب : من تناول شيئا منها سهوا مع تذكّر الصوم ـ أي من غير إرادة التناول والالتفات ، كأن يشتغل بأمر وصدر منه لمس امرأته من غير إرادة ولا التفات إليه فأمنى ـ فالظاهر أنّ حكمه حكم النسيان.

ج : الجاهل بحرمة الارتماس لا يبطل غسله إن كان من أول قسمي الجاهل ، لعدم النهي. ويبطل إن كان من ثانيهما ، لوجوده.

د : لو كان جاهلا بإفساد شي‌ء للصوم عالما بتحريمه فيه يبطل معه الصوم‌ ، وعليه القضاء والكفّارة ، لعموماتهما الفارغة عن مكافئة الموثّقة ، إذ فيها : أنّه لا يرى إلاّ أنّه حلال (٤).

ومنه تظهر قوّة الفساد والقضاء والكفّارة مع العلم بالتحريم مطلقا‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٩٠ ، المبسوط ١ : ٢٧٣ ، المعتبر ٢ : ٦٦٣ ، التذكرة ١ : ٢٥٩.

(٢) نقله في المبسوط ١ : ٢٧٣ عن بعض أصحابنا.

(٣) الدروس ١ : ٢٧٢.

(٤) تقدمت في ص : ٣٢٥.

٣٢٩

وإن لم يعلم تحريمه من حيث الصيام ، كما في الكذب على الله سبحانه.

* * *

٣٣٠

الفصل الرابع

في وقت الإمساك عن الأمور المذكورة‌

ومبدؤه : طلوع الفجر الثاني ، بالكتاب والسنّة والإجماع ، بل الضرورة .. إلاّ في الجماع ، فمن زمان يبقى إلى طلوع الفجر زمان لم يعلم عدم اتّساعه للوقاع والاغتسال ، بل ولم يظنّ أيضا ، على القول الأصحّ من بطلان الصوم بتعمّد البقاء على الجنابة ، ويأتي على القول الآخر جوازه إلى الفجر.

ومنتهاه : دخول الليل ، بالثلاثة أيضا ، وإن اختلفوا فيما به يتحقّق دخوله من استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقيّة ، وقد تقدّم تحقيقه في بحث مواقيت الصلاة مفصّلا ، وأنّه الاستتار على الحقّ المختار (١).

وقد مرّ الكلام في الإفطار بظنّ الليل والأكل باستصحابه في الفصل الثاني (٢).

مسألة : يستحبّ تقديم الصلاة على الإفطار‌ ، إلاّ أن يكون هناك من ينتظر إفطاره أو لا يقوى على الصلاة قبله ، للمعتبرة :

كصحيحة الحلبي : عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال : « إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصلّ وليفطر » (٣).

وموثّقة زرارة والفضيل : « في رمضان تصلي ثمَّ تفطر إلاّ أن تكون مع‌

__________________

(١) راجع ج ٤ ص : ٢٥.

(٢) راجع ص : ٢٦٨ ـ ٢٨٩.

(٣) الكافي ٤ : ١٠١ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٨١ ـ ٣٦٠ ، التهذيب ٤ : ١٨٥ ـ ٥١٧ ، الوسائل ١٠ : ١٤٩ أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ١.

٣٣١

قوم ينتظرون الإفطار ، فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم وأفطر ثمَّ صلّ ، وإلاّ فابدأ بالصلاة » (١).

ومرسلة ابن بكير : « يستحبّ للصائم ـ إن قوي على ذلك ـ أن يصلّي قبل أن يفطر » (٢).

وقد يشترط في استحباب تقديم الصلاة عدم منازعة نفسه ، لأنّ معها ينتفي الحضور المطلوب في الصلاة ، وتدلّ عليه مرسلة المقنعة أيضا (٣).

والمراد بالصلاة المأمور بتقديمها : صلاة المغرب وحدها لا مع العشاء أيضا ، لأنّ وقتها هو الذي يصادم وقت الإفطار دون العشاء ، سيّما مع ما كانوا عليه من التفريق بين الصلاتين.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٩٨ ـ ٥٧٠ ، الوسائل ١٠ : ١٥٠ أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٩٩ ـ ٥٧٥ ، الوسائل ١٠ : ١٥٠ أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ٣.

(٣) المقنعة : ٣١٨ ، الوسائل ٨ : ١٥١ أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ٥.

٣٣٢

الفصل الخامس

فيمن يصحّ منه الصوم

أي بيان شرائط التكليف به وجوبا أو ندبا ، فإنّه مع انتفاء التكليف لا أمر فلا صحّة ، لأنّها موافقة المأمور به ، وهي أمور :

الأول : البلوغ.

فلا يصحّ الصوم شرعا من الصبي الغير المميّز ، ولا يقع منه إجماعا ، وكذا من المميّز عند جماعة ، كالمختلف والإيضاح والبيان والروضة (١) ، وهو ظاهر الفقيه والمحقّق الثاني (٢) ، وقوّاه في المنتهى (٣).

للأصل ، فإنّ الصحّة الشرعيّة هي موافقة أمر الشارع ، والأصل عدم تعلّق أمر بالصبي.

وعموم رفع القلم الشامل للندب أيضا (٤) ، وتخصيصه بالوجوب والمحرّم ـ كما قيل (٥) ـ غير واضح الوجه.

ولأنّ الأمر تكليف ، وهو بالبلوغ مشروط.

ولظاهر الأخبار ، كرواية الزهري الطويلة ، وفيها : « الصوم على أربعين وجها ، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان ، وعشرة أوجه منها‌

__________________

(١) المختلف : ٢١٦ ، الإيضاح ١ : ٢٤٣ ، وفي البيان : ٣٦٢ ما هو موافق لما عليه في الدروس واللمعة من المخالفة ، الروضة ٢ : ١٠٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٤٨ ـ ٢٠٨ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٨٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٦٢.

(٤) الوسائل ١ : ٤٢ أبواب مقدمة العبادات ب ٤.

(٥) انظر المدارك ٦ : ٤٢.

٣٣٣

صيامهنّ حرام ، وأربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر ، وصوم الإذن ، وصوم التأديب » ثمَّ ذكر عليه‌السلام الأقسام وعدّ من أقسام ما فيها بالخيار كثيرا من أقسام المندوب ، إلى أن قال : « وأمّا صوم التأديب فأن يؤخذ الصبي إذا راهق بالصوم تأديبا ، وليس ذلك بفرض ، وكذلك من أفطر لعلّة من أول النهار ثمَّ قوي بقيّة يومه أمر بالإمساك عن الطعام يومه تأديبا ، وليس بفرض ، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثمَّ قدم أهله ، وكذلك الحائض إذا طهرت » (١) ، وقريب منها الخصالي (٢) والرضوي (٣) ، فإنّ الظاهر من جعل صومه قسيم المندوب ومثل صوم الحائض والمسافر عدم كونه شرعيّا ، ويؤكّده ما في المستفيضة من أخذه بالصوم بعض اليوم (٤).

خلافا للشيخ والمحقّق (٥) والفاضل في جملة من كتبه (٦) واللمعة والدروس (٧).

لأنّ الولي مأمور شرعا بأمره ، والأمر بالأمر أمر ، وإذا تحقّق الأمر تحقّقت الصحّة.

ولإطلاق الأوامر وشمولها له.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٣٦٧ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١ ح ١.

(٢) الخصال ٢ : ٥٣٤ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٦٧ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١ ح ١.

(٣) فقه الرضا «ع» : ٢٠٠ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٤٨٧ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١ ح ١.

(٤) الوسائل ١٠ : ٢٣٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩.

(٥) الشيخ في المبسوط ١ : ٢٦٦ ، المحقق في الشرائع ١ : ١٩٧.

(٦) كالتذكرة ١ : ٢٦٦ ، والتحرير : ٨١.

(٧) اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٠٢ ، الدروس ١ : ٢٦٨.

٣٣٤

وتدلّ عليه أيضا الأخبار المجوّزة لعتقه ووصيّته وإمامته (١).

ولأنّ شرعيّة صومه ممّا لا شكّ فيها ، فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر وليّ الصبي به ، وعن أئمّتنا : « إنّا نأمر صبياننا بالصيام ما أطاقوا » (٢) ، ومع ذلك فيه تمرين على الطاعة ، فشرعيّته ثابتة من الشارع ، فيكون صحيحا ، وإذ لا وجوب عليه فينوي الندب.

أقول : أمّا الأولون ، فإن كان مرادهم عدم صحّة الصوم منه مطلقا ـ سواء كان من شهر رمضان أو غيره من الواجبة والمستحبّة وكون كلّ صوم منه محض التمرين والتأديب ـ فكلامهم غير صحيح ، إذ المقتضي لصحّة صومه في الجملة وشرعيّته موجود ، والمانع مفقود.

أمّا الأول ، فلعموم بعض الأخبار في الصوم المستحبّ ، كما في مرسلة سهل في سبعة وعشرين من رجب : « فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستّين شهرا » (٣) ، ومثلها من الأخبار كثيرة جدّا (٤).

والقول : بأنّ الأوامر الاستحبابيّة منساقة لبيان أصل الاستحباب ، فأمّا من يستحبّ له فالمتضمّن للمستحبّات بالنسبة إليه مجمل ، وبأنّ المتبادر منها من عدا الصبيان.

ففاسد جدّا ، لأنّ شيئا منهما لا يجري في مثل ما ذكرنا ، وإن أمكن‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٨ : ٣٢١ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ، والوسائل ١٩ : ٣٦٠ كتاب الوصايا ب ٤٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٤ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ ـ ٨٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ ـ ٤٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٤٩ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٠٤ ـ ٩١٩ ، الوسائل ١٠ : ٤٤٨ أبواب الصوم المندوب ب ١٥ ح ٥.

(٤) الوسائل ١٠ : ٤٤٧ أبواب الصوم المندوب ب ١٥.

٣٣٥

في بعض آخر.

وأمّا الثاني ، فللأصل ، وعدم تصوّر مانع غير الأدلّة التي ذكروها.

والكلّ مردود : أمّا الأصل ، فبالعموم المذكور.

وأمّا حديث رفع القلم ، فبمنع العموم فيه ، إذ ليس المراد بالقلم ولا برفعه حقيقته ، ومجازه متعدّد ، فلعلّه قلم التكليف ، أو قلم المؤاخذة ، أو قلم كتابة السيّئات ، كما ورد في حديث يوم الغدير : « إنّه يوم يأمر الله سبحانه الكتبة أن يرفعوا القلم عن محبّي أهل البيت إلى ثلاثة أيّام ، ولا يكتبوا خطأ ولا معصية » (١).

وأمّا كون الأمر تكليفا ، فهو ممنوع بإطلاقه ، وإنّما هو في الإيجابي ، ولو سلّم فاشتراط مطلق التكليف بالبلوغ ممنوع.

وأمّا الأخبار ، فلأنّ الظاهر منها هو صيام شهر رمضان ، وهو الذي يحتاج إلى التأديب.

وأمّا الآخرون ، فإن كان مرادهم : أنّ كلّ صوم منه شرعيّ مندوب في حقّه ، فهو ممّا لا دليل عليه.

وكون الأمر بالأمر أمرا ممنوع.

وإطلاق الأوامر مخصوص ببعض المستحبّات وإن تعدّى إلى الباقي بالإجماع المركّب ، وأمّا الإيجابيّات فمخصوصة بالمكلّفين ، إذ لا وجوب على الصبي.

وتعميم الأوامر الوجوبية ، ورفع المنع في الصبي فيبقى الندب ، استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز ، وهو غير جائز.

__________________

(١) إقبال الأعمال : ٤٦٤.

٣٣٦

والمراد بشرعيّة صومه إن كان : رضاء الشارع به ، فهو غير الأمر ، بل هو كرضائه بذهاب الحمار من الطريق الفلاني إذا قال لصاحبه : اذهب به من هذا الطريق. وإن كان : أمره به ، فهو غير متحقّق في جميع أفراد الصيام.

وبما ذكر ظهر أنّ الحقّ : شرعيّة صومه المستحبّ مطلقا ، وتمرينيّة الواجب ـ لا شرعيّته ـ وصحّته.

وإن أريد بالشرعيّة : مطلق رضاء الشارع أو أنّه أمر الولي بتمرينه عليه ، فلا مشاحّة ، كما أنّه لا مضايقة في أن يوصف بالصحّة بمعنى الموافقة للأمر الصادر عن أمر الشارع ، أو لأمر من له الإلزام.

فرعان :

أ : قالوا : يتفرّع على الخلاف ما لو بلغ في أثناء النهار قبل الزوال بغير المبطل ، فعلى الصحّة يجب الإتمام ، وعلى عدمها فلا.

أقول : فيه نظر ، إذ على فرض الندبيّة والصحّة فما الدليل على الوجوب في البالغ في الأثناء؟! ولم يثبت علينا الوجوب إلاّ في المستجمع للشرائط في تمام النهار.

والحمل ـ على من قدم أهله قبل الزوال ، ونحوه ـ قياس باطل ، والأصل يقتضي عدم وجوب الإتمام ولا القضاء على القولين ، مع أنّ من القائلين بالصحّة أيضا من يقول بوجوب الإتمام تأديبا لا صوما.

ثمَّ إنّ للشيخ في كتاب الصوم من الخلاف والمحقّق في المعتبر قولا بوجوب الصوم على الصبي إذا بيّت النيّة وبلغ قبل الزوال (١) ، لإمكان الصوم في حقّه. وهو ممنوع.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٠٣ ، والمعتبر ٢ : ٧١١.

٣٣٧

ب : المصرّح به في كلام كثير من الأصحاب (١) والمنصوص عليه في صحيحة الحلبي (٢) ومرسلة الفقيه (٣) والرضوي : أنّ مبدأ تمرين الصبي إذا بلغ تسع سنين (٤) ، فيؤمر بما يطيقه من اليوم أو بعض اليوم ، فلا استحباب للوليّ قبله ولا بعده بما يعسر عليه ويغلب معه الجوع أو العطش.

وأمّا موثّقة سماعة (٥) وصحيحة محمّد (٦) ـ : عن الصبي متى يصوم؟ قال : « إذا قوي على الصيام » كما في الأولى ، أو : « إذا أطاقه » كما في الثانية ـ فمحمولتان على ما ذكر ، حملا للمطلق على المقيّد ، أو على جواز صومه بإرادته ، بمعنى : عدم منع الوليّ له ، لا على أمر الولي ـ كما ورد في بعض الأخبار فيما قبل أربع عشرة سنة : « فإن هو صام قبل ذلك فدعه » (٧) ـ أو على الصوم المستحبّ ، أو على صيام تمام اليوم.

وعن المبسوط والشرائع والنافع والقواعد والمختلف والدروس واللمعة والروضة (٨) وغيرها (٩) : أنّ المبدأ سبع سنين ، لصدر صحيحة‌

__________________

(١) منهم الصدوق في الفقيه ٢ : ٧٦ ، والمقنع : ٦١ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٢٣٤ ، والشيخ في النهاية : ١٤٩ ، وصاحب المدارك ٦ : ١٦٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٤ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ ـ ٨٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ ـ ٤٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٦ ـ ٣٢٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ١١.

(٤) فقه الرضا «ع» : ٢١١ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣٩٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٩ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٥ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٣٢٦ ـ ١٠١٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٩.

(٧) الوسائل ١٠ : ٢٣٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩.

(٨) قال في المبسوط ١ : ٢٦٦ .. وحدّ ذلك بتسع سنين فصاعدا ، وقال في المختلف : ٢٣٣ نقلا عن المبسوط القول بسبع سنين ، الشرائع ١ : ١٩٨ ، النافع : ٦٨ ، القواعد ١ : ٦٨ ، المختلف : ٢٣٤ ، الدروس ١ : ٢٦٨ ، اللمعة والروضة ٢ : ١٠٥.

(٩) كالرياض ١ : ٣١٨.

٣٣٨

الحلبي : « إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا » ، وظاهره اختصاص ذلك بأولادهم ، كما يستفاد من قوله في ذيلها : « فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين ».

بل أطلق جماعة تمرينه قبل السبع (١) ، وجعلوه بعده مشدّدا ، جمعا بين صدر الصحيحة وبين ما تحدّده بالطاقة. ويظهر ما فيه ممّا ذكرنا.

ثمَّ إنّ الأخبار مخصوصة بالصبي ، ولا تعرّض فيها للصبيّة ، بل في الرضوي صرّح بالغلام ، ولذا توقّف فيها بعض مشايخنا الأخباريّين ، بل قال : ومن الجائز اختصاص هذا الحكم بالصبي خاصّة (٢). انتهى.

إلاّ أنّ كثيرا من الأصحاب قد عمّموا الحكم فيهما (٣) ، وحيث إنّ المقام مقام الاستحباب على الولي فلا بأس بإثباته ، للتسامح ، إلاّ أنّه لا مبدأ معيّنا فيها ، بل يقال : يستحبّ تمرينها ، فتأمّل.

ثمَّ الممرّن للصيام ينوي القربة أيضا تمرينا لا شرعا ، ولو نوى الوجوب أيضا لذلك جاز.

الثاني : العقل.

فلا يصحّ الصوم من المجنون بلا خلاف ظاهر ، قالوا : لقبح تكليف غير العاقل (٤).

قالوا : ولا يمرّن المجنون ولا يؤمر بالصوم كما يؤمر الصبي ، بلا خلاف ، لأنّه غير مميّز ، بخلاف الصبي ، فإنّه مميّز ، فكانت للتكليف في‌

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ٧٦ ، والرياض ١ : ٣١٨.

(٢) الحدائق ١٣ : ١٨٠.

(٣) كما في المسالك ١ : ٧٦ ، والمدارك ٦ : ١٦٢ ، والرياض ١ : ٣١٨.

(٤) كما في المنتهى ٢ : ٥٨٥.

٣٣٩

حقّه فائدة ، بخلاف المجنون (١).

قيل : ويشكل ذلك في بعض المجانين ، لوجود التمييز فيهم (٢) ، بل ربّما كان أكثر من تمييز الصبي المميّز ، فإن كان جنونهم دوريّا أو كانت الإفاقة منهم مرجوحة كان ينبغي تمرينهم على ما تمرّن عليه الصبيان.

إلاّ أن يقال : إن وجوب التمرين أو استحبابه حكم شرعيّ لا يثبت إلاّ بدليل ، ولا دليل هنا كما يوجد في الصبي ، فالمناط عدم الدليل لا عدم التمييز.

ويظهر منه القدح في الاستناد في نفي تكليف المجنون بقبح تكليف غير العاقل ، فإنّ من المجانين من يعقل تكليفه ، فإنّا رأينا منهم من يضرب الناس ويشتمهم ويضحك ويبكي بلا سبب ويتلف ماله ، وكانت له دقّة في صلاته وصيامه ، وكان يتعقّل التكليف والثواب والعقاب ، ويحفظ آداب عبادته وأحكامها ومسائلها.

بل في دلالة حديث : « وعن المجنون حتى يفيق » (٣) على رفع تكليف مثل ذلك أيضا تأمّل ، إذ ظاهره رفع القلم فيما جنّ فيه ، كما في المكره والناسي لا مطلقا ، فلو ثبت فيه الإجماع وإلاّ فنفي التكليف عن مثله مشكل ، فإنّ الجنون فنون ، ومن فنونه ما لا يعقل بعض الأمور ويعقل بعضها.

فروع :

أ : حكي عن الفاضل (٤) وغيره (٥) : أنّ الجنون إذا عرض في أثناء‌

__________________

(١) انظر المنتهى ٢ : ٥٨٥.

(٢) انظر الروضة ٢ : ١٠٢.

(٣) الخصال : ٩٣ ـ ٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١.

(٤) في المختلف : ٢٢٨ ، والمنتهى ٢ : ٥٨٥.

(٥) كصاحب الحدائق ١٣ : ١٦٥.

٣٤٠