مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

والجواب عن الأول : أنّ الاستصحاب مدفوع بما مرّ ، مع أنّ جريانه هنا محلّ نظر.

وعن الثاني : بمنع الحصر في ما لا يدخل فيه ذلك.

وعن الثالث : بمنع عدم منافاة نيّة الإفطار لحكم النيّة ، فإنّ حكمها هو كون المنويّ مخزونا في خزينة الخيال بحيث لو التفت وتذكّر كان باقيا على قصده واعتبار ذلك كان لصدق الامتثال معه عرفا ، ولا شكّ في منافاة نيّة الإفطار لذلك ، وعدم كونه ممتثلا في ذلك الآن.

ومنه يظهر فساد القياس على النوم والغروب ، لأنّهما لا ينافيان بقاء المنويّ في خزينة الخيال ، كما مرّ مفصّلا فيما سبق.

وعن الرابع : بأنّ عدم وجوب تجديد النيّة إنّما هو لاستمرار حكمها ، وذلك لا يوجب عدم منافاة نية الإفطار للنيّة أو حكمها.

وعن الخامس : بأنّ المراد باستمرار النيّة إن كان استمرار النيّة الفعليّة ، فعدم اشتراطه مسلّم ، ولكن رجوع الخلاف إليه ممنوع.

وإن كان استمرار الحكميّة ، فرجوع الخلاف إليه مسلّم ، ولكن عدم اشتراطه ممنوع.

والأصل ـ بما ذكرناه دليلا على اشتراط الحكميّة في موضعه ـ مدفوع.

والمراد من الفعل الواقع مع النيّة إن كان الإمساك في البعض السابق ، فهو مسلّم ، ولكن لا يفيد.

وأمّا إن كان في البعض اللاحق أو تمام اليوم ، فوقوعه بغير نيّة بديهي.

وعن السادس : بأنّه عامّ يجب تخصيصه بما مرّ ، كما يخصّص بغيره أيضا.

المسألة الحادية عشرة : قال بعض المتأخّرين في شرحه على الدروس : هل يجب على المكلّف أن يعرف جميع مفطرات الصوم ويقصد‌

٢٢١

تركها إجمالا أو تفصيلا حتى يصحّ منه الصوم ، أو تكفيه معرفة البعض واتّفاق عدم الإتيان بالثاني؟

إلى أن قال : والظاهر أنّ المعتبر هو قصد العبادة المخصوصة المتلقّاة من الشارع بجملة شرائطها الشرعيّة ، بعد معرفة معظم التروك المعتبرة فيها ، مع عدم الإتيان بباقي المفسدات ولو على سبيل الاتّفاق (١). انتهى.

أقول : ظاهره ـ كما هو الظاهر أيضا ـ أنّه لا خلاف في عدم انعقاد صوم من لم يعرف شيئا من المفطرات ، وما يجب الإمساك عنه أصلا ، ولم يقصد تركها وتركها اتّفاقا ، لعدم ورود نيّة القربة على شي‌ء منها ، وورودها على معنى لفظ الصوم ـ الذي لا يعرفه ـ غير مفيد.

وإنّما الخلاف في أنّه هل تجب معرفة الجميع وقصد تركه تفصيلا أو إجماعا ، أو تكفي معرفة البعض؟ واستظهر هو كفاية معرفة المعظم.

والتحقيق : أنّ ما يجب الإمساك عنه في الصوم إن كان ممّا لا يبطل بالإتيان به الصوم ـ كالارتماس ـ فلا تجب معرفته ولا قصده عند النيّة بل يكفي اتّفاق تركه ، لعدم معلوميّة كونه جزء حقيقة الصوم.

وأمّا غيره ـ ممّا يبطل الصوم بالإتيان به ـ فلا فرق فيه بين المعظم وغيره ، بل تجب معرفة الجميع وقصد تركه عند النيّة إجمالا أو تفصيلا ، لأنّ الصوم الذي يجب قصده والتقرّب به عبارة عن هذه التروك ، فلو لم ينو بواحد منها القربة لم يتحقّق قصد القربة في الصوم.

ولا يفيد كون الألفاظ أسامي للأعمّ ، لأنّ ذلك لا يخرج باقي الأجزاء عن كونها مأمورا بها.

__________________

(١) مشارق الشموس : ٣٤٠.

٢٢٢

الفصل الثاني

في بيان الأشياء المخصوصة

التي بانتفائها يتحقّق الصوم أو لا يجوز ارتكابها‌

وهي على أقسام خمسة :

القسم الأول

ما يحرم ارتكابه ، ويوجب القضاء والكفّارة معا‌ ، إذا

وقع في صوم شهر رمضان وغيره ممّا في إفطاره قضاء وكفّارة ،

وهي أمور سبعة :

الأمر الأول والثاني : الأكل والشرب للمعتاد وغيره.

أمّا حرمتهما فبالكتاب (١) ، والسنّة المتواترة (٢) ، والإجماع فيهما (٣).

أمّا في الأول فظاهرة ، وأمّا في الثاني فلعمومات الكتاب والسنّة في النهي عن الأكل والشرب.

والانصراف إلى المعتاد ـ لو سلّم ـ فإنّما هو في المطلق دون العامّ ، مع أنّ انصراف المطلق إليه أيضا إنّما هو إذا كان الاعتياد وعدمه بحيث يكونان قرينتين على إرادة المعتاد ، وهو في المورد غير معلوم.

بل هنا كلام آخر ، وهو أنّه على فرض الانصراف فإنّما هو يفيد لو كان متعلّق الحكم المأكول والمشروب.

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) كما في الوسائل ١٠ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١.

(٣) كما في الشرائع ١ : ١٨٩ ، المدارك ٦ : ٤٣ ، الذخيرة : ٤٩٦.

٢٢٣

أمّا الأكل والشرب ، فمقتضى الانصراف إلى المعتاد خروج غير المعتاد من الأكل مثلا ، وهو ما كان من غير الفم ، بل من نحو الأنف أو العين أو ثقبة في الصدر ، لا من المأكول ، فتأمّل.

فيكون الكتاب والسنّة شاملا لغير المعتاد أيضا.

وأمّا الإجماع ، فلعدم قدح مخالفة الإسكافي والسيّد في شاذّ من كتبه (١) في الإجماع ، ولذا صرّح بالإجماع في غير المعتاد أيضا جماعة ، منهم : الناصريات والخلاف والغنية والسرائر والمنتهى (٢) وغيرها (٣) ، مع أنّ مخالفة السيّد أيضا غير معلومة ، لأنّه إنّما حكم في بعض كتبه بعدم البطلان بابتلاع الحصاة ونحوها ، فيمكن أن تكون مخالفته في الازدراد دون غير المعتاد ، ولذا ترى الفاضل في المنتهى جعل البطلان بغير المعتاد مذهب جميع علمائنا ، ولم ينسب الخلاف فيه إلاّ إلى بعض العامّة ، ونسب الخلاف في الازدراد إلى السيّد.

وممّا يؤيّد البطلان بتناول غير المعتاد ـ المستلزم هنا للحرمة ، لحرمة إبطال الصوم الموجب لحرمة سببه ـ بل يدلّ عليه : أنّ المراد بالمعتاد إن كان معتاد غالب الناس لزم عدم فساد صوم طائفة اعتادوا أكل بعض الأشياء الغير المعتادة للأكثر ، كالحيّة ، والفأرة ، وبعض النباتات ، بل لحم البغل والحمار ، وفساد ذلك ظاهر ، بل لا أظنّ أن يقول به المخالف.

وإن كان معتاد كلّ مكلّف بنفسه فيصير الفساد أظهر ، فلا يبطل الصوم بأكل الخبز لقوم ، بل يلزم اختلاف المبطل باختلاف العادات والبلاد ، بل‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢١٦ ، السيّد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٤.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦ ، الخلاف ٢ : ٢١٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، السرائر ١ : ٣٧٧ ، المنتهى ٢ : ٥٦٣.

(٣) كما في مشارق الشموس : ٣٤٠.

٢٢٤

مقتضى قاعدة الانصراف إلى المعتاد اعتبار معتاد زمان الشارع وبلده ، وحينئذ تتّسع دائرة الأكل والشرب في الصوم.

بل إخراج المني أيضا لو أجريت القاعدة فيه أيضا.

استدلّ للمخالف (١) بما مرّ ، من انصراف المطلق إلى المعتاد.

وبنحو صحيحة محمّد : « لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام ، والشراب ، والنساء ، والارتماس » (٢).

والأخرى : في الصائم يكتحل ، فقال : « لا بأس به ، إنّه ليس بطعام ولا شراب » (٣).

وبعموم العلّة على عدم ضرر غير الطعام والشراب ، وغير المعتاد ليس منهما.

ورواية ابن أبي يعفور : عن الكحل للصائم؟ فقال : « لا بأس به ، إنّه ليس بطعام يؤكل » (٤).

ورواية مسعدة : عن الذباب يدخل في حلق الصائم؟ قال : « ليس عليه قضاء ، إنّه ليس بطعام » (٥).

والجواب عن الأول : ما سبق.

__________________

(١) انظر الحدائق ١٣ : ٥٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٦٧ ـ ٢٧٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٨ ـ ٩٧١ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٢٤٤ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٠ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ١١١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٨ ـ ٧٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٩ ـ ٢٧٨ ، الوسائل ١٠ : ٧٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٥٨ ـ ٧٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٩ ـ ٢٧٩ ، الوسائل ١٠ : ٧٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ٦.

(٥) الكافي ٤ : ١١٥ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٢٣ ـ ٩٩٤ ، الوسائل ١٠ : ١٠٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٩ ح ٢.

٢٢٥

وعن البواقي : بعدم الحجية بعمومها ، لمخالفتها الشهرة العظيمة ، بل الإجماع كما مرّ.

وعن الثاني : بأنّ غير المعتاد من المطعوم والمشروب أيضا طعام وشراب.

وهو الجواب عن الثالث والرابع.

وعن الخامس : بأنّ الضمير المنصوب يمكن أن يكون راجعا إلى الدخول في الحلق ، والطعام مصدرا ، كما ذكره في القاموس (١) ، وغيره (٢) ، فيكون المعنى : أنّ دخول الذباب بغير الاختيار ليس أكلا ، لأنّه ما كان بالقصد والاختيار.

وأمّا وجوب القضاء والكفّارة بهما ، ففي المعتاد لإجماع العلماء محكيّا مستفيضا (٣) ومحقّقا.

وفيه وفي غيره لحصول الفطر به عرفا ، فيدخل في عموم ما دلّ على إيجابه لهما ، كمرسلة الفقيه : « ومن أفطر في شهر رمضان متعمّدا فعليه كفّارة واحدة ، وقضاء يوم مكانه ، وأنّى له مثله » (٤).

ورواية الهروي ، وفيها : « وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان ناسيا فلا شي‌ء عليه » (٥).

ورواية المشرقي : عن الرجل أفطر من شهر رمضان أيّاما متعمّدا ما عليه من الكفّارة؟ فكتب عليه‌السلام : « من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ١٤٥.

(٢) كمجمع البحرين ٦ : ١٠٦.

(٣) كما في المدارك ٦ : ٧٥ ، الحدائق ١٣ : ٥٦ ، الرياض ١ : ٣٠٨.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٣ ـ ٣١٦ ، الوسائل ١٠ : ٢٥١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢ ح ٤ ، وفيه صدر الحديث.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٣٨ ـ ١١٢٨ ، العيون ١ : ٢٤٤ ـ ٨٨ ، الوسائل ١٠ : ٥٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ١.

٢٢٦

فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم » (١) ، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية ، المتضمّنة لتفاصيل الكفارات (٢).

فروع :

أ : اختلفوا في حرمة إيصال الغبار إلى الحلق وبطلان الصوم به ـ مطلقا ، كما في كلام جماعة ، منهم : الشرائع والنافع والتلخيص والتبصرة (٣) ، أو الغليظ منه ، كما في كلام جمع آخر (٤) ، بل الأكثر كما قيل (٥) ـ وجوازه.

فعن الشيخين والحلّي والحلبي وفي الشرائع والنافع (٦) وطائفة من أفاضل المتأخّرين (٧) : الأول ، ونسب إلى المشهور (٨) ، بل عن الانتصار والسرائر والغنية والتذكرة والتنقيح ونهج الحقّ : الإجماع عليه (٩).

وعن ظاهر الصدوق والسيّد والديلمي والشيخ في المصباح : الثاني (١٠) ، حيث لم يذكروا البطلان به ، وإليه ذهب جمع من متأخّري‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٧ ـ ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ ـ ٣١١ ، الوسائل ١٠ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ و ١٠.

(٣) الشرائع ١ : ١٨٩ ، النافع ١ : ٦٥ ، التبصرة : ٥٣.

(٤) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٢٧١ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٢٥٧.

(٥) انظر المدارك ٦ : ٥٢ ، كفاية الأحكام : ٤٦.

(٦) المفيد في المقنعة : ٣٥٦ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٢٧١ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٧٧ ، الحلبي في الكافي : ١٧٩ ، الشرائع ١ : ١٨٩ ، النافع : ٦٥.

(٧) كالشهيد في اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٨٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧١.

(٨) كما في المفاتيح ١ : ٢٤٨ ، الحدائق ١٣ : ٧٢.

(٩) السرائر ١ : ٣٧٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، التذكرة ١ : ٢٥٧ ، التنقيح ١ : ٣٥٧ ، نهج الحقّ : ٤٦١.

(١٠) الصدوق في المقنع : ٦٠ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٤ ، والديلمي في المراسم : ٩٨ ، الشيخ في المصباح : ٤٨٤.

٢٢٧

المتأخّرين ، منهم : المفاتيح والحدائق (١).

وظاهر المعتبر والمدارك : التردّد (٢).

حجّة الأولين : رواية المروزي : « إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان ، أو استنشق متعمّدا ، أو شمّ رائحة غليظة ، أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح » (٣).

والأخبار الناهية عن الاحتقان ، وجلوس المرأة في الماء ، والاكتحال ، والسعوط ، والاستياك بالرطب ، ونظائرها (٤).

حجّة الآخرين : الأصل ، وموثّقة عمر بن سعيد : عن الصائم يدخل الغبار في حلقه؟ قال : « لا بأس » (٥).

وما دلّ على حصر المبطل في أمور ليس ذلك منها.

ويجيبون عن دليل الأولين :

أمّا عن الرواية : فبالقطع الخالي عن الجابر ـ وهو كون السائل موثوقا به ـ أولا.

وبضعف السند ثانيا ، ولا يفيد الانجبار بالشهرة ونحوها ، لأنّها إنّما تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة.

__________________

(١) المفاتيح ١ : ٢٤٨ ، الحدائق ١٣ : ٧٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٧٠ ، المدارك ٦ : ٥٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٤ ـ ٦٢١ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ ـ ٣٠٥ ، الوسائل ١٠ : ٦٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢ ح ١.

(٤) انظر الوسائل ١٠ : أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ و ٧ و ٢٥ و ٢٨.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٢٤ ـ ١٠٠٣ ، الوسائل ١٠ : ٧٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢ ح ٢.

٢٢٨

وبالمعارضة مع الموثّقة ـ الموجبة للرجوع إلى الأصل ـ ثالثا.

وبالاشتمال على ما لا قائل به رابعا.

وأمّا عن الاخبار الأخيرة : فبعدم ثبوت مدلولاتها بأنفسها ، لمعارضتها مع أقوى منها ـ كما يأتي ـ فكيف يقاس عليها غيرها؟!

أقول : أمّا جوابهم عن الأخبار الأخيرة فتامّ.

وأمّا عن الرواية ، فيمكن ردّ الأول بعدم انحصار الجابر للقطع في موثوقيّة السائل ، بل ذكر صاحب الأصل لها في طي الروايات قرينة على أنّ المسئول عنه هو الإمام ، وإنّما حصل القطع لتقطيع الروايات من أصل السائل.

ومنه يظهر حصول الجبر ـ لضعف السند لو كان ضائرا ـ بالشهرة والإجماعات المنقولة ، فردّ به الثاني أيضا.

والثالث : بأنّ التعارض بالعموم المطلق ، لاختصاص الرواية بالمتعمد وأعمّية الموثّقة.

والرابع : بأنّ خروج بعض الرواية عن الحجّية لا يوجب خروج الباقي ، أو بأن ما لا قائل به هو إطلاق بعض الرواية ، فيجب تقييده ، ويصير كالعامّ المخصّص حجّة في الباقي ، كذا قيل (١).

وفيه : أنّ المراد بالمطلق إن كان جميع أجزاء الرواية ، وبالتقييد إخراج بعضه ، فهذا ليس من باب الإطلاق والتقييد ، بل طرح بعض الرواية.

وإن كان إطلاق بعض الأجزاء ، فمنها ما لا قائل بمقيّدة أيضا ، كشمّ الرائحة الغليظة ، بل الاستنشاق والمضمضة ، لأنّه لا قائل بإفطار فرد منهما.

وأمّا دخول الماء في الحلق فهو ليس من أفرادهما ، بل هو أمر خارجي.

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٣٠٥.

٢٢٩

فلا يتمّ هذا الردّ ، بل وكذا سابقة ، لأنّ خروج جزء من الخبر عن الحجّية لا يضرّ الباقي إذا تعيّن خروجه وعلم المراد من الباقي ، وهنا ليس كذلك ، إذ كما يجوز طرح الجزء أو تصرّف فيه بتجوّز أو تقييد يجوز أن يتصرّف في الحكم بقوله : فعليه صوم ، وقوله : فإنّ ذلك مفطر ، بالصرف عن الظاهر ، فلا يتعيّن المراد من الرواية ، فتخرج عن الحجّية بالمرّة.

ومنه تظهر تماميّة الجواب الأخير ، بل وكذا سابقة ، لأنّ التعارض بالعموم المطلق إنّما كان لو كان قوله في الرواية : « متعمّدا » بعد قوله : « غبار » وليس كذلك ، فالتعارض بالمساواة والرجوع إلى الأصل.

فالحقّ : هو القول الأخير.

نعم ، لو كان الغبار بحيث تحسّ منه أجزاء ترابيّة ـ مشاهدة حسّا ، معلومة عيانا ، موسومة بالتراب عرفا ، ابتداء أو بعد الاجتماع في أصول الأسنان ، وابتلعها ـ يحكم بفساد الصوم ووجوب القضاء والكفّارة ، لصدق أكل التراب ، لا لدخول الغبار.

ب : لا يفسد الصوم بدخول الدخان في الحلق‌ ، للأصل ، وصدر الموثّقة المتقدّمة (١) : عن الصائم يدخّن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه؟ قال : « جائز لا بأس به ».

والأحوط : الاجتناب عن شرب التتن ، لاستمرار طريقة الناس عليه ، وإطلاق الشرب عند العرب عليه.

ج : لا يفسد الصوم بمصّ الخاتم‌ ، ومضغ الطعام للصبي ، وزقّ الطائر ، وذوق المرق ، ونحو ذلك ممّا لا يتعدّى إلى الحلق ، للأصل ،

__________________

(١) في ص : ٢٢٨.

٢٣٠

والإجماع ، والمعتبرة المستفيضة ـ التي منها الصحاح (١) ـ والحصر المصرّح به في الصحيح المتقدّم (٢).

ولا تنافيه صحيحة الأعرج : عن الصائم يذوق الشي‌ء ولا يبلعه ، فقال : « لا » (٣) ، فلا تفيد أزيد من الكراهة ، مع أنّه يحتمل أن يكون معنى قوله : « لا » أي لا يبلعه كما قيل (٤).

وعن الشيخ حملها على من لا تكون له ضرورة إلى ذلك ، وحمل أخبار الرخصة على حال الضرورة (٥). ولا شاهد له. مع أنّه على فرض المعارضة يكون الترجيح للأخبار المرخّصة ، لوجوه عديدة.

ولو سبق في هذه الحالة شي‌ء إلى حلقه بلا اختيار ، لم يفسد به صومه ، كما صرّح به جمع من الأصحاب (٦) ، للأصل ، وعدم التعمّد.

وتومئ إليه صحيحة الحنّاط : إنّي اقبّل بنتا لي صغيرة وأنا صائم ، فيدخل في جوفي من ريقها ، فقال : « لا بأس ، ليس عليك شي‌ء » (٧).

وفرّق في المنتهى بين ما كان المضغ ونحوه لغرض صحيح وما لم يكن كذلك ، فأوجب القضاء في الثاني (٨). ولا دليل عليه.

__________________

(١) كما في الوسائل ١٠ : ١٠٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٧ و ٣٨.

(٢) في ص : ٢٢٥.

(٣) الكافي ٤ : ١١٥ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٣١٢ ـ ٩٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ ـ ٣٠٩ ، الوسائل ١٠ : ١٠٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٧ ح ٢.

(٤) انظر الرياض ١ : ٣٠٧.

(٥) كما في المبسوط ١ : ٢٧٢.

(٦) انظر النافع : ٦٦ ، والمختلف : ٢١٩ ، والرياض ١ : ٣٠٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٣١٩ ـ ٩٧٦ ، الوسائل ١٠ : ١٠٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٤ ح ١.

(٨) المنتهى ٢ : ٥٦٨.

٢٣١

د : الحقّ جواز مضغ العلك مع الكراهة‌ ، وإن تغيّر الريق بطعمه ، ما لم تنفصل منه أجزاء محسوسة ، وفاقا للأكثر كما عن المنتهى (١) ، للأصل ، والحصر ، ورواية أبي بصير : عن الصائم يمضغ العلك ، قال : « نعم ، إن شاء » (٢).

ورواية محمّد : « إيّاك أن تمضغ علكا ، فإنّي مضغت العلك يوما وأنّا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا » (٣) ، فإنّ في مضغ الإمام تصريحا بالجواز ، وفي صدره دليل على الكراهة ، إمّا مطلقا أو في الصوم خاصّة.

وتدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي : الصائم يمضغ العلك؟ قال : « لا » (٤).

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي والنهاية (٥) ، لصحيحة الحلبي.

وفيه : منع الدلالة على الحرمة ، مع أنّه على فرضها يتعيّن الحمل على الكراهة ، لما مرّ.

ولأنّ وجود الطعم في الريق دليل على تخلّل شي‌ء من أجزاء ذي الطعم فيه ، لامتناع انتقال العرض.

وفيه : أنّ سبب وجود الطعم لا ينحصر بتخلّل الأجزاء أو انتقال العرض ، لجواز حصول التكيّف بسبب المجاورة ، مع أنّه لو سلّم التخلّل فالمبطل إنّما هو الأجزاء المحسوسة لا أمثال ذلك.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٦٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٤ ـ ١٠٠٢ ، الوسائل ١٠ : ١٠٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٦ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ١١٤ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ١٠٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٦ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١١٤ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ١٠٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٦ ح ٢.

(٥) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٢٢ ، النهاية : ١٥٧.

٢٣٢

هذا ، مع أنّه ليس إلاّ اجتهادا في مقابلة النصّ.

هـ : يفسد الصوم بابتلاع بقايا الغذاء المتخلّلة بين أسنانه في النهار عمدا‌ ، سواء أخرجها من فمه أو لا ، كما صرّح به في الخلاف والمبسوط والشرائع (١) وغيرها (٢) ، ويوجب القضاء والكفّارة ، لصدق الأكل وتناول المفطر عمدا.

ومناقشة صاحب الحدائق فيه لعدم صدق الأكل (٣) ، وصحيحة ابن سنان : عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي‌ء أيفطر ذلك؟ قال : « لا » ، قلت : فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال : « لا يفطره ذلك » (٤).

والأول مدفوع بمنع عدم الصدق.

والثاني بالفرق بين الخارج بالقلس والداخل من الخارج في صدق الأكل وعدمه ، سيّما مع أنّ الصيرورة على اللسان لا تستلزم الدخول في فضاء الفم ، إذ لعلّ المراد طرف اللسان المجاور للحلق ، مع أنّه لو صدق الأكل لو سلم الحكم في القلس فلا يجوز قياس غيره عليه.

هذا كلّه ، مع أنّ الصحيحة ليست صريحة في عدم الإفطار ، إذ يحتمل المعنى : لا يزدرده حينئذ فإنّه يفطره ذلك ، فيكون قوله : « لا » جوابا للسؤال ، و : « يفطره » حكما على حدة.

ولو دخل شي‌ء منها في الحلق سهوا لم يفسد قطعا ، سواء ترك‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٧٦ ، المبسوط ١ : ٢٧٢ ، الشرائع ١ : ١٩٣.

(٢) كالقواعد ١ : ٦٤.

(٣) الحدائق ١٣ : ٧٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٦٥ ـ ٧٩٦ ، الوسائل ١٠ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٩. والقلس : ما خرج من الحلق مل‌ء الفم أو دونه وليس بقي‌ء ، فإن عاد فهو القي‌ء ـ الصحاح ٣ : ٩٦٥.

٢٣٣

الخلال عمدا أو سهوا أو لم يتركه. والتفرقة بين تركه وعدمه ضعيفة.

ولو وجد طعم الغذاء الباقي في الأسنان في الريق وابتلعه لا يفسد صومه ، كما يظهر وجهه ممّا ذكرناه في مضغ العلك.

و : لا يفسد الصوم بابتلاع الريق الذي في الفم‌ ، بلا إشكال ولا خلاف فيه كما قيل (١) ، للأصل ، وعدم صدق الأكل والشرب عرفا ، واستمرار عمل الناس طرّا عليه.

ولو أخرجه من فمه ثمَّ أرجعه وابتلعه فيفسد الصوم ، بل ظاهر بعضهم أنّه إجماعي (٢).

لا لأجل حرمة ابتلاعه بعد خروجه عن الفم ، لمنعه.

بل لصدق الأكل حينئذ عرفا ، فيقال : أكل الريق ، فإنّ الظاهر صدق الأكل بابتلاع كلّ ما يدخل الفم من الخارج ولو خرج من الداخل ، دون ما لم يدخل من الخارج أصلا.

وظاهر صاحب الحدائق عدم البطلان به ، وعدم التفرقة بين ما كان في الفم وما خرج منه ، حاكيا عن المحقق الأردبيلي الميل إليه أيضا (٣). وهو غير جيّد ، لما ذكرنا.

ز : في جواز ابتلاع النخامة ـ وهي ما يخرج من الصدر أو يسترسل من الدماغ ، كما يدلّ عليه بعض كلمات أهل اللغة (٤) ، دون الأول فقط ، كما يعطيه كلام بعض الفقهاء (٥) ـ وبطلان الصوم به ، وعدمه قبل الانفصال من‌

__________________

(١) الحدائق ١٣ : ٧٩.

(٢) النظر غنائم الأيام : ٣٩٦.

(٣) الحدائق ١٣ : ٨٠.

(٤) انظر القاموس المحيط ٤ : ١٨١.

(٥) انظر الشرائع ١ : ١٩٣.

٢٣٤

الفم ، أقوال ثلاثة :

الأول : عدم البطلان مطلقا ، ذهب إليه في المعتبر والمنتهى والتذكرة والمدارك (١) وبعض آخر (٢) ، للأصل ، ورواية غياث : « لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته » (٣) ، وعدم تسميته أكلا ولا شربا ، ومساواته للريق في عدم وصوله من الخارج ، وعدم انفكاك الصائم عنه إلاّ نادرا ، وصحيحة ابن سنان المتقدّمة المتضمّنة لحكم القلس.

والثاني : عدمه في الصدريّة والبطلان في الدماغيّة ، إلاّ أن يتعدّى إلى الحلق بعد الاسترسال وقبل الوصول إلى الفم ، وهو ظاهر الشرائع والإرشاد (٤) ، ولعلّه لصدق الأكل عليه ، وعدم صدق النخامة المجوّز ابتلاعها في الرواية ، لزعم اختصاصها بما يخرج من الصدر.

والثالث : البطلان بابتلاعها بعد وصولها إلى الفم ، حكى عن الشهيدين (٥). وهو الأحوط ، وإن كان الأول أظهر ، لما مرّ من الأصل ، وإطلاق الخبر ، وعدم معلوميّة صدق الأكل ما لم ينفصل عن الفم.

ح : الحقّ جواز المضمضة للصائم مع كراهة‌ ، وفاقا للأكثر (٦) ، أمّا الجواز فللأصل ، ولرواية حمّاد : الصائم يتمضمض ويستنشق؟ قال : « نعم ، لكن لا يبالغ » (٧).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٥٣ ، المنتهى ٢ : ٥٦٣ ، التذكرة ١ : ٢٥٦ ، المدارك ٦ : ١٠٥.

(٢) كالحدائق ١٣ : ٨٦.

(٣) الكافي ٤ : ١١٥ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٣٢٣ ـ ٩٩٥ ، الوسائل ١٠ : ١٠٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٩ ح ١.

(٤) الشرائع ١ : ١٩٣ ، الإرشاد ١ : ٢٩٨.

(٥) الشهيد في الدروس ١ : ٢٧٨ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٣.

(٦) منهم المحقق في الشرائع ١ : ١٩٣ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٩١.

(٧) الكافي ٤ : ١٠٧ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٧١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٢.

٢٣٥

ورواية يونس : « والأفضل للصائم أن لا يتمضمض » (١) ، وهي دليل الكراهة أيضا.

خلافا للمحكي عن الاستبصار والمنتهى ، فقالا بالتحريم في غير الوضوء (٢) ، ولعلّه لرواية المروزي المتقدّمة ، المتضمّنة لوجوب الكفّارة بأمور منها : المضمضة (٣).

وهي مردودة بما مرّ من عدم وجوبها ببعض ما فيها إجماعا ، فلا بدّ من ارتكاب تجوّز ، وبعد فتح بابه تتّسع دائرته فلا تفيد.

ثمَّ لو تمضمض ودخل الماء في حلقه فيأتي حكمه (٤).

الثالث : الجماع في قبل المرأة ، أنزل أم لم ينزل.

وهو حرام علي الصائم إجماعا ، كتابا ونصّا وفتوى ، وموجب للقضاء والكفّارة ، بالإجماع ، والسنّة المتواترة :

كصحيحة البجلي : عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمنى ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع » (٥).

ورواية المفضّل : في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة ، فقال : « إن كان استكرهها فعليه كفّارتان ، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٧ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ ـ ٥٩٣ ، الاستبصار ، ٢ : ٩٤ ـ ٣٠٤ ، الوسائل ١٠ : ٧١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٣.

(٢) الاستبصار ٢ : ٩٤ ، المنتهى ٢ : ٥٧٩.

(٣) راجع ص : ٢٢٨.

(٤) في ص : ٢٧٢.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٢ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ ـ ٥٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٨١ ـ ٢٤٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٣ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ ـ ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ ـ ٦٢٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٢ ح ١.

٢٣٦

وموثّقة سماعة : عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّدا ، فقال : « عليه عتق رقبة ، وإطعام ستّين مسكينا ، وصيام شهرين متتابعين ، وقضاء ذلك اليوم » (١) ، ورواية الهروي المتقدّمة (٢) ، إلى غير ذلك.

وتدل عليه عمومات القضاء والكفّارة بالإفطار ، فإنّ ذلك أيضا ، إفطار كما صرّح به في الأخبار ، كالخصالي : « خمسة أشياء تفطر الصائم : الأكل ، والشرب ، والجماع ، والارتماس في الماء ، والكذب على الله ورسوله والأئمّة عليهم‌السلام » (٣) ، وقريب منه في الرضوي (٤).

وكذا في دبرها على المشهور ، بل على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك (٥) ، وعلى الظاهر من المذهب كما في المبسوط (٦) ، وعلى مقتضى المذهب كما في الخلاف (٧) ، وبلا خلاف فيه كما فيه أيضا ، وبالإجماع كما عنه أيضا وعن الوسيلة (٨).

للشهرة ، والإجماع المحكى.

وإطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة (٩) ، خرج منه ما عدا الوطء في القبل والدبر فيبقى الباقي ، ومتى ثبت التحريم كان مفسدا‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٨ ـ ٦٠٤ ، الاستبصار ٢ ٩٧ ـ ٣١٥ ، الوسائل ١٠ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١٣.

(٢) في ص : ٢٢٦.

(٣) الخصال : ٢٨٦ ـ ٣٩ ، الوسائل ١٠ : ٣٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٦.

(٤) فقه الرضا «ع» : ٢٠٧ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣٢١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

(٥) المدارك ٦ : ٤٥.

(٦) المبسوط ١ : ٢٧٠.

(٧) الخلاف ٢ : ١٩١.

(٨) الوسيلة : ١٤٢.

(٩) البقرة : ١٨٧.

٢٣٧

بالإجماع المركّب.

ولإطلاق البطلان بالجماع في طائفة من الأخبار.

ولإيجابه الجنابة المفسدة للصوم.

ويرد على الأولين : عدم الحجّية.

وعلى الثالث : بأنّ جعل الآية من باب التخصيص يوجب خروج الأكثر ، وهو غير جائز ، فيجب حملها على المجاز ، وهو إمّا الوطء في القبل ، أو مطلق الجماع ، الغير المعلوم صدقه على وطء الدبر ، أو غير المنصرف إليه ، لعدم كونه من الأفراد الشائعة.

ومنه يظهر ردّ الرابع أيضا.

وعلى الخامس : بمنع الملزوم أولا ، والملازمة ثانيا.

خلافا للمحكي عن المبسوط ، حيث جعل البطلان أحوط (١) ، وإن كان في كونه صريحا في الخلاف نظر ، لاحتمال إرادة الوجوب من الاحتياط في كلمات القدماء.

نعم ، هو الظاهر من المختلف (٢) ، لأن الاحتياط في كلامه ليس محمولا على الوجوب.

نعم ، يحتمل إرادة المبسوط الاستحباب أيضا ، فكلامه محتمل للخلاف وليس صريحا في وفاق المشهور ، ككلام من أطلق الجماع بل الوطء أيضا ـ كالمقنعة والنهاية والناصريات والديلمي (٣) ـ أو مقيّدا بالفرج ، كالجملين (٤)

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧٠.

(٢) المختلف : ٢١٦.

(٣) المقنعة : ٣٤٤ ، النهاية : ١٥٣ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦ ، الديلمي في المراسم : ٩٨.

(٤) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٤ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢١٢.

٢٣٨

والاقتصاد والمصباح ومختصره (١).

ومن ذلك يظهر تطرّق القدح في الإجماع المحقّق في المسألة ، ومعه فيجب الرجوع إلى سائر الأدلّة ، والأصل مع عدم البطلان ، وتدلّ عليه مرسلة علىّ بن الحكم : « إذا أتي الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها ، وليس عليها غسل » (٢).

ومرفوعة أحمد بن محمّد : في رجل أتى المرأة في دبرها وهي صائمة ، قال : « لا ينقض صومها ، وليس عليها غسل » (٣).

ولا فرق بين المفعول بها والفاعل بالإجماع المركّب.

وأمّا دبر الغلام بدون الإنزال ، فالمشهور فيه أيضا ـ كما قيل ـ الإفساد (٤) ، بل عن الخلاف : الإجماع عليه (٥) ، لذلك الإجماع المنقول ، وإيجابه الجنابة ، وفحوى ما دلّ على الفساد بوطء المرأة المحلّلة ، وإطلاق الأخبار بوجوب القضاء أو الكفّارة على المجامع. وفي الكلّ نظر ظاهر.

خلافا لمحتمل كلّ من ذكره.

وتردّد فيه في المعتبر والشرائع والنافع (٦) ، وهو في موقعه ، بل الظاهر عدم الفساد ، للأصل ، ولصحيحة محمّد الحاصرة للمفطرات فيما ليس ذلك منها (٧).

__________________

(١) الاقتصاد : ٢٨٧ ، مصباح المتهجد : ٤٨٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٦٠ ـ ١٨٤٣ ، الوسائل ٢ : ٢٠٠ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٩ ـ ٩٧٥ ، الوسائل ٢ : ٢٠٠ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ٣.

(٤) انظر الذخيرة : ٤٩٦ ، والرياض ١ : ٣٠٤.

(٥) الخلاف ٢ : ١٩٠.

(٦) المعتبر ٢ : ٦٦٩ ، الشرائع ١ : ١٨٩ ، النافع : ٦٦.

(٧) الفقيه ٢ : ٦٧ ـ ٢٧٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٨ ـ ٩٧١ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٢٤٤ ، الوسائل ١٠ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

٢٣٩

ومنه يظهر قوّة عدم الفساد بوطء البهيمة مطلقا من دون إنزال ، وفاقا لمحتمل بعض من ذكر ، وصريح الحلّي والشرائع والتذكرة والمنتهى والتحرير والتلخيص (١).

وأمر الاحتياط واضح ، وهو مطلوب جدّا خصوصا في المقام.

الرابع : الاستمناء.

وهو طلب خروج المنى مع خروجه بغير الجماع ، فلا يضرّ الطلب بدون الخروج ، ولا الخروج بدون الطلب أو التسبّب إجماعا ، كما أنّه يبطل الصوم بخروجه مع الطلب كذلك.

وعلى حرمته وفساد الصوم به الإجماع عن الانتصار والغنية والمعتبر والمنتهى (٢) وغيرها (٣).

وكذا ادّعى جماعة الإجماع على إيجابه القضاء والكفّارة (٤) ، وهو أيضا ـ كسابقه ـ إجماع قطعا ، فهو الدليل على الأحكام الثلاثة ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، كصحيحة البجلي المتقدّمة (٥).

ومرسلة حفص بن سوقة : في الرجل يلاعب أهله أو جاريته في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان » (٦).

__________________

(١) الحلي في السرائر ١ : ٣٨٠ ، الشرائع ١ : ١٨٩ ، التذكرة ١ : ٢٥٩ ، المنتهى ٢ : ٥٦٤ ، التحرير ١ : ٧٧.

(٢) الانتصار : ٦٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، المعتبر ٢ : ٦٥٤ ، المنتهى ٢ : ٥٦٤.

(٣) كالتذكرة ١ : ٥٧٢.

(٤) كما في الخلاف ٢ : ١٩٠ ، وانظر المدارك ٦ : ٧٧.

(٥) في ص : ٢٣٦.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٣ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ ـ ٩٨٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ٢.

٢٤٠