مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

قيل : المراد أنّه من صامه بنيّة رمضان ـ مع أنّه يشكّ فيه ـ فعليه القضاء ، لأنّه فعل أمرا لا يقين له فيه ، بخلاف من صامه بنيّة التردّد ، لأنّه فيه على يقين من أمره ، لعلمه بكونه كذلك واقعا ، وإنّما هو شاكّ في اليوم (١).

فتأمّل.

هـ : لو صامه بنيّة الندب أو واجب آخر غير رمضان‌ ، ثمَّ ظهر قبل الغروب أنّه من رمضان ، يعدل إلى أنّه من رمضان ، بمعنى : أنّه يجب عليه إتمام الصيام ويعتقد أنّه من رمضان ، ولم يتصوّر فساد الصوم أو كونه من شعبان بعد عدم ثبوت الهلال قبل النهار.

فما قيل ـ من أنّ هذه المسألة ممّا لا وجه لذكرها ، إذ بعد العلم بالشهر في أثناء النهار للمكلّف تحصل هذه النيّة (٢) ـ ليس بجيّد.

نعم ، يحصل ذلك بعد العلم المذكور والعلم بهذه المسألة.

ثمَّ لو لم يعلم المسألة ، فهل يكون آثما مع تقصيره في الأخذ ، بمعنى : أنّ قصد هذا الوجه واجب أم لا؟

الظاهر : لا ، لعدم دليل على وجوب تعيين الوجه ، ولذا قلنا بحصّة الصوم من رمضان لو نوى الغير فيه أيضا مع العلم بالشهر كما مرّ.

ولو صامه بنيّة رمضان ثمَّ ظهر كونه منه في أثناء النهار يكون صومه فاسدا ، لأنّ ما بعضه فاسد يفسد كلّه.

و : لو أصبح في يوم الشكّ بنيّة الإفطار ثمَّ ظهر كونه من رمضان جدّد نيّة الوجوب ما لم تزل الشمس ، وأجزأ إذا لم يكن أفسد صومه ، لما يأتي في مسألة تجديد النيّة إلى الزوال وبقاء وقتها إليه.

__________________

(١) الوافي ١١ : ١٠٨.

(٢) الحدائق ١٣ : ٤٦.

٢٠١

ولو كان بعد الزوال لم يكن له صوم ، وقضاه ، وأمسك بقيّة اليوم من المفطرات وجوبا ، أمّا عدم كون الصوم له ، فلفوات وقت نيّته كما يأتي. وأمّا القضاء ، فلفوات الصوم. وأمّا وجوب الإمساك ، فلما يأتي أيضا من تحريم تناول المفطرات في الشهر بغير شي‌ء من الأعذار المنصوصة. وكذا وجوب الإمساك عليه لو ظهر كونه من الشهر بعد أنّ تناول المفطر.

ز : قال في الحدائق ما خلاصته : المراد بيوم الشكّ في هذه الأخبار ليس هو مطلق الثلاثين من شعبان ، بل إنّما هو إذا حصل الشكّ في كونه من شعبان أو رمضان من جهة اختلاف في هلال شعبان أو رمضان أو مانع من الرؤية ، وبالجملة ما أوجب الشكّ ، وهذا هو الذي ورد أنّه إن ظهر من رمضان فيوم وفّق له.

وأمّا لو كان هلال شعبان معلوما يقينا ولم يدّع أحد الرؤية ليلة الثلاثين منه ولم يكن مانع من الرؤية ، فاليوم من شعبان قطعا وليس بيوم شكّ (١). انتهى.

أقول : الأمر وإن كان كذلك ، لتعليق الحكم في الأخبار طرّا على يوم الشكّ ، وهو لا يكون إلاّ مع شبهة ، وورد في روايتي هارون بن خارجة (٢) والربيع بن ولاّد (٣) الأمر بالصوم في يوم الثلاثين مع الغيم والنهي عنه مع الصحو ، ومع ذلك صرّح به في رواية معمّر ، وفيها : قلت : جاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الذي يشكّ فيه أنّه قال : « يوم وفّق له » قال عليه‌السلام : « أليس‌

__________________

(١) الحدائق ١٣ : ٤١.

(٢) الكافي ٤ : ٧٧ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ١٥٩ ـ ٤٤٧ ، الاستبصار ٢ : ٧٧ ـ ٢٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٩٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦٥ ـ ٤٦٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٩٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ٢.

٢٠٢

تدرون إنّما ذلك إذا كان لا يعلم أهو من شعبان أم من شهر رمضان فصامه الرجل فكان من شهر رمضان كان يوما وفّق له؟ فأمّا وليس علّة ولا شبهة فلا » (١).

ولكن لا تترتّب على ذلك التحقيق فائدة ، لأنّها إمّا في مرجوحيّة الصوم مع عدم المانع وعدمها معه ، أو في الإجزاء عن رمضان لو صامه وبان أنّه من رمضان وعدمه ، ولا يقول هو ولا أحد من الأصحاب فيما أعرف ـ إلاّ ما حكي عن المفيد ـ بمرجوحيّة صومه (٢) ، ولا بعدم الإجزاء إن أمكن مع الصحو اتّفاق ثبوت الهلال في بلد آخر ، ومع ذلك تدلّ على الإجزاء العلّة المنصوصة والدليل العقلي المتقدّمان. وإن لم يمكن ذلك فعدم الفائدة أظهر.

المسألة الرابعة : الأصل في النيّة أن تكون مقارنة لأول جزء من العمل بحيث لا تتأخّر عنه ولا تتقدّم ، إذ لو تأخّرت عنه لكان يقع جزء منه بلا نيّة ولا قصد قربة ، فلا يكون عبادة ، وما لا يكون جزؤه عبادة لا يكون كلّه كذلك.

ولا تقاس النيّة بالمميّزات الخارجيّة المعيّنة للفعل المشترك ، التي اكتفينا بحصولها في أثناء الفعل ، كما ذكرنا في بحث الوضوء والصلاة ، لأنّ المطلوب منها مجرّد رفع الاشتراك الحاصل بذلك عرفا ، فإنّ عروض مميّزات صلاة الآيات بعد قراءة الحمد يرفع اشتراك العمل. بخلاف النيّة ، فإنّ المقصود الأعظم منها ـ الذي هو التقرّب ـ لا يفيد لما تقدّم عليها ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٦ ـ ٤٧٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٤ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ١٢.

(٢) حكاه عنه في البيان : ٣٦٢.

٢٠٣

ولا يجعله متقرّبا به إلى الله ، فلا يجوز تأخيرها عنه.

وكذا التقديم الغير المستمرّ إلى الجزء الأول فعلا أو حكما ، وأمّا المستمرّة حكما فهي كالمقارنة ، كما بيّناها في بحث الوضوء.

فالحاصل : أنّه تجب مقارنة النيّة الفعليّة أو الحكميّة لأول جزء من العمل ، ولا يجوز التأخير مطلقا ، ولا التقديم بدون الاستمرار الحكمي ، ولا يجب التقديم مطلقا ، للأصل ، فهذا هو الأصل في النيّة.

وقد تخلّف الأصل في الصيام في مواضع يأتي ذكرها في المسائل الآتية بالدليل ، فقد يوجب التقديم وقد يجوّز التأخير ، وليس المعنى في صورة التأخير أنّ معه يكون مجموع اليوم متقرّبا فيه إلى الله ، بل المعنى : أنّ مجموع اليوم ـ الذي بعضه يشتمل على نيّة القربة ـ قائم مقام الذي يشتمل جميعه عليها بالدليل الشرعي.

ثمَّ إنّ مقتضى الأصل المذكور ـ مضافا إلى النبويّين المشهورين ، أحدهما : « لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل » (١) والآخر : « من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له » (٢) ـ أن يكون وقت نيّة الصيام الليل حتما ، حيث إنّ مقتضاه وجوب العلم بمقارنتها لطلوع الفجر الذي هو أول اليوم ، وهو لمّا لا يحصل عادة إلاّ بإيقاعها قبل الطلوع ، لأنّ الطلوع لا يعلم إلاّ بعد وقوعه ، فلا يحصل العلم بمقارنة النيّة له إلاّ بتقديمها عليه ، فيكون التقديم واجبا.

قيل : الأمر وإن كان كذلك لكن نفرض المسألة على تقدير وقوع‌

__________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ١٧١ ـ ١.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣٢٩ ـ ٢٤٥٤ ، وسنن النسائي ٤ : ١٩٦ ، ومسند أحمد ٦ : ٢٨٧ بتفاوت يسير.

٢٠٤

المقارنة الحقيقيّة بدون التقديم ، فإنّ غاية ما لزم عدم تمكّن المكلّف من إيقاع المقارنة بالاختيار ، وهو لا ينفي الاتّفاق ، فنفرض المسألة على تقديره ، فلا يكون التقديم واجبا.

وأيضا نمنع اشتراط المقارنة المذكورة في النيّة مطلقا ، بل النيّة للفعل المستغرق للزمان تكون بعد تحقّقه لا قبله ، كما صرّح به بعضهم في نيّة الوقوف بعرفة وجعلها مقارنة لما بعد الزوال.

وأيضا تشترط المقارنة لو لم تؤثّر النيّة المتأخّرة في الجزء المتقدّم ، وهي مؤثّرة في الصوم ، فإنّ من نسي النيّة فجدّدها في النهار صحّ صومه (١).

ونجيب عن الأول : بأنّ إمكان الوقوع والاتّفاق غير مفيد ، لوجوب أداء التكليف ، مع أنّ المكلّف به هو تحصيل العلم ، وهو غير ممكن عادة ، وبناء التكاليف على الأحوال العاديّة المتعارفة ، ولذا يحكمون بوجوب غسل جزء من الرأس في غسل الوجه للوضوء من باب المقدّمة مع إمكان اتّفاق البدأة بأعلى الوجه الحقيقي.

وعن الثاني : بأنّ انتفاء المقارنة المذكورة موجب لخلوّ أول الجزء من النيّة ، فلا يكون من العبادة المطلوبة.

وأمّا ما كان كذلك فابتداء وقته حقيقة ما بعد الآن المشتمل على النيّة ، والزمان فيه هو الزمان العرفي لا الحقيقي ، فوقت الوقوف من أول الزوال عرفا لا حقيقة ، وذلك لا يمكن في الصوم ، للإجماع على أنّ وقته تمام اليوم حقيقة.

وعن الثالث : بأنّ تأثير النيّة في الجزء المتقدّم على خلاف الأصل كما عرفت ، فلا بدّ من الاقتصار فيه على ما ثبت فيه من الناسي وذوي الأعذار‌

__________________

(١) انظر الروضة ٢ : ١٠٦.

٢٠٥

كما يأتي ، ومرادنا هنا بيان الأصل في وقت النيّة.

وقد ظهر بذلك الجمع بين قول من ظاهره أو صريحه تحتّم إيقاعها ليلا ـ كالعماني والمفيد والنافع والمفاتيح (١) ـ وقول من قال بجواز التأخير إلى طلوع الفجر بحيث يتقارنان ـ كآخرين (٢) ـ بحمل قول الأولين على الوجوب التبعي ، وقول الآخرين على الأصلي.

وصرّح بذلك في المنتهى ، قال ـ بعد تجويز المقارنة للطلوع ، والاستدلال للمخالف بالنبويّين ـ : والجواب : أنّه لمّا تعذّر إيقاع العزم مع الطلوع ـ لعدم ضبطه ـ لم يكلّف الرسول به ، وبعده لا يجوز ، فوجبت القبليّة ، لذلك ، لا أنّها في الأصل واجبة قبل الفجر (٣). ونحوه في التذكرة (٤).

فائدة : قد بيّنا أنّ النيّة المشروطة مقارنتها للعمل أعمّ من الفعليّة ، التي هي عبارة عن حضور العزم على الفعل متقرّبا في البال ملتفتا إليه.

ومن الحكميّة ، التي هي عبارة عن حضور العزم المذكور في وقت وعدم قصد الترك ولا التردّد ولا نسيان العزم بعده ، إلى أن يشتغل بالعمل ، بحيث يكون العزم مودعا في خزينة الخيال وإن لم يكن ملتفتا إليه أصلا ، وذلك غير النسيان. ألا ترى أنّه لا يقال لكلّ أحد : أنّه نسي اسمه واسم أبيه وولده ، مع أنّه غير ملتفت إليها في أكثر الأحوال.

نعم ، يكون بحيث لو التفت إلى العمل لوجد العزم عليه باقيا في‌

__________________

(١) حكاه عن العماني في المختلف : ٢١١ ، المفيد في المقنعة : ٣٠٢ ، النافع : ٦٥ ، المفاتيح ١ : ٢٤٣.

(٢) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٠٦ ، السبزواري في الذخيرة : ٥١٣ ، صاحب الرياض ١ : ٣٠١.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٥٨.

(٤) التذكرة ١ : ٢٥٦.

٢٠٦

نفسه.

وقد ذكرنا فيما سبق : أنّه لا دليل على اشتراط مقارنة الأزيد من ذلك أصلا ، وأنّ اعتبار الفعليّة في وقت من الأوقات لتوقّف حصول الحكميّة عليها ، وأنّه لا يشترط في الحكميّة ـ التي هي الفعليّة المستمرة ـ عدم الإتيان بما ينافي العمل حين فعله ويبطله ، فإنّ قاصد الصلاة عند الأذان والإقامة يكتفي بالنيّة الحكميّة ولو تكلّم في أثناء الأذان والإقامة أو انحرف عن القبلة.

نعم ، يشترط فيها عدم العزم على الترك ، ولا التردّد بعد العزم الفعلي الأولي.

وإذا عرفت ذلك تعلم أنّ المراد بتحتّم إيقاعها ليلا : أنّه يجب تحقّق إحدى النيّتين من الفعليّة والحكميّة في الجزء الأخير من الليل ، ولو لم تتحقّق إحداهما فيه يبطل الصوم ، وأمّا الفعليّة بخصوصها فلا يشترط تحقّقها حينئذ.

نعم ، لتوقّف حصول الحكميّة عليها يشترط تقدّمها على الطلوع ، سواء كان في الجزء الأخير من الليل ، أو الجزء الأول ، أو النهار السابق ، أو الأيّام السابقة ، أو قبل رؤية الهلال ، فإنّ بعد تحقّقها في وقت من الأوقات والبقاء على حكمها إلى وقت العمل تتحقّق النيّة المعتبرة.

والبقاء على حكمها (١) يتحقّق بعدم العزم على الترك ولا التردّد ، وبقاء العزم في الخزينة الخياليّة بحيث لو التفت إليها لوجد العزم وإن لم يكن بالفعل ملتفتا.

وتعلم أيضا سقوط كثير من الفروع التي ذكرها جمع من الأصحاب ،

__________________

(١) في « ح » زيادة : إلى وقت العمل.

٢٠٧

وأنّها مبنيّة على اشتراط مقارنة الفعليّة أو عدم تحقيق الحكميّة :

منها : ما تردّد فيه بعضهم من أنّه هل يشترط بعد النيّة الفعليّة الاستمرار على حكم الصوم بعدم الإتيان بمفطراته إلى الطلوع ، أم لا (١)؟

فإنّه لا وجه لهذا الاشتراط أصلا ، ولا تؤثّر هذه الأفعال في غير زمان الصوم في إبطال النيّة الحكميّة ، بل ولا الفعليّة لو اعتبرناها ، فإنّ حقيقتها حضور العزم على الإمساك غدا لا على الإمساك الآن.

ومنها : أنّه هل تجب في كلّ ليلة من شهر رمضان نيّة يومها ، أو تكفي فيه نيّة واحدة من أول الشهر؟

فإنّ المراد إن كان الفعليّة ، فلا دليل على اشتراطها في كلّ ليلة أصلا ، فإنّ النيّة الحكميّة لكلّ يوم تتحقّق بحصول الفعليّة للجميع في وقت واحد من غير طروّ المزيل لها ، وكون كلّ يوم عبادة مستقلّة لا يقتضي تعدّد الفعليّة في ليلته ، ولذا تكفي الفعليّة الواحدة لصلاة الظهر والعصر في الابتداء ، مع أنّ قصد كلّ يوم في أول الأمر في حكم الفعليّة المتعدّدة.

وإن كان المراد : الحكميّة ، فلا ريب في اشتراط تحقّقها لكلّ يوم في ليلته ، ولا يقبل الخلاف فيه.

ومنها : أنّه هل يجوز تقديم نيّة شهر رمضان على الهلال ، أم لا؟ فإنّ تقديم الفعليّة جائز مع بقاء الحكميّة ، وتقديم الحكميّة بحيث تنتفي بعد الهلال غير جائز قطعا.

إلى غير ذلك من الفروع ، وكثير منها مبتن على إرادة الفعليّة من النيّة المعتبرة في كلّ عبادة قطعا والغفلة عن الحكميّة ، فرأوا اعتبار الاولى قطعا ، ورأوا اعتبار المقارنة أيضا ، فتوهّموا أنّها هي التي تعتبر مقارنتها.

__________________

(١) انظر الحدائق ١٣ : ٢٦.

٢٠٨

ثمَّ لمّا استشعر بعضهم بأنّ كثيرا من أصحاب الأئمّة وعلماء الأمّة في بعض الموارد الشرعيّة ـ كصوم الشهر ـ لا يلتفت إلى فعليّة النيّة ، مضافا إلى عدم الالتفات إليها في أفعالنا الحاصلة بالقصد والاختيار ، فرأى ذلك ثابتا بل مجمعا عليه ، فشرع في إبداء الوجوه الضعيفة والتعليلات العليلة للكفاية ، ومن لم يستشعر بذلك ردّ تلك الوجوه ، ومن تحقّق ما ذكرناه في أمر النيّة يسهل عليه الخروج من هذه الخلافات.

المسألة الخامسة : لا يجوز تأخير النيّة عن الطلوع المستلزم تبعا وجوب تقديمها عليه في صوم شهر رمضان ونحوه من الواجبات المعيّنة ، عمدا مع العلم بالشهر أو المعيّن ، ولو أخّر عمدا يفوت عنه الصوم ، ونسبه في المدارك ـ في مسألة من نوى الإفطار ثمَّ جدّد في يوم من شهر رمضان ـ إلى المعروف من مذهب الأصحاب (١) ، وفي الحدائق : أنّ ظاهر كلام جملة منهم الاتّفاق عليه (٢).

للأصل المذكور ، والنبويّين المتقدّمين (٣).

خلافا لظاهر الإسكافي على ما قيل (٤) ، والسيّد (٥) والنافع (٦) ، فيجوز التأخير عنه إلى الزوال ، وصرّح في الشرائع بانعقاد الصوم لو دخل النهار بنيّة الإفطار ثمَّ جدّد النيّة قبل الزوال (٧).

ويمكن أن يستدلّ لهم بإطلاق صحيحة الحلبي أو عمومها الحاصل من ترك الاستفصال : قلت : فإنّ رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أيصوم؟

__________________

(١) المدارك ٦ : ٣٩.

(٢) الحدائق ١٣ : ٤٧.

(٣) في ص : ٢٠٤.

(٤) في المختلف : ٢١١.

(٥) السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٣.

(٦) النافع : ٦٥.

(٧) الشرائع ١ : ١٨٨.

٢٠٩

قال : « نعم » (١) ، وكون السؤال في صدرها عن غير الواجب المعيّن لا يوجب تخصيص الذيل العام به أيضا.

وابن سنان : « من أصبح وهو يريد الصيام ثمَّ بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه وبين نصف النهار ثمَّ يقضي ذلك اليوم ، فإن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم ، فإنّه يحسب له من الساعة التي نوى فيها » (٢).

وابن سالم : الرجل يصبح ولا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم ، فقال : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى » (٣).

إلاّ أنّ الثانية مخصوصة بغير الواجب المعيّن ، لأنّ قوله : « من أصبح وهو يريد الصيام » مخصوص به بقرينة تجويز الإفطار ، والضمير المجرور في قوله : « ثمَّ بدا له أن يصوم » راجع إلى ذلك الشخص أيضا.

بل هنا وجهان آخران موجبان لظهور الأخيرتين معا في غير الواجب المعيّن ، لأنّه المتبادر من قوله : « فإن بدا له » وقوله : حدث له رأي ، ولقوله : « يحسب له » فإنّ الحساب من وقت النيّة يفيد أنّه ليس ما قبله صوما ، وإنّما هو بعض صوم ، أي له ثواب ذلك وإن لم يكن صوما شرعيّا.

والحمل ـ على مجرّد نفي الثواب فيما تقدّمه وإن كان صوما صحيحا ـ باطل ، إذ لا يخلو الصوم الصحيح من الثواب.

إلاّ أن يقال : إنّ المعنى : أنّ ثواب مجموع صوم اليوم كثواب بعض‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢١ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٧ ـ ٥٢٤ ، الوسائل ١٠ : ١٧ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٧.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٨ ـ ٥٢٨ ، الوسائل ١٠ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٨.

٢١٠

اليوم من الذي نوى المجموع.

فلم تبق إلاّ الاولى ، وهي وإن كانت عامّة ظاهرا إلاّ أنّ عمومها موهون جدّا باختصاص صدرها ، وظهور : أراد أن يصوم ، فيمن تجوز له إرادة عدم الصوم ، ومع ذلك معارض بعموم النبويّين المنجبرين ضعفهما في المقام بالشهرة العظيمة ، بل قيل بالإجماع ، بحمل كلام من ذكر على غير العامد بالتباين ، فيرجع إلى الأصل المذكور.

المسألة السادسة : يمتدّ وقتها في صوم شهر رمضان والنذر المعيّن للناسي والجاهل بالشهر والتعيين بل مطلق المعذور إلى الزوال ، فله النيّة ما لم يدخل الزوال ، وإذا دخل فات الصوم ، وفاقا للأكثر ، بل عليه الإجماع عن صريح الغنية (١) ، وظاهر المعتبر والمنتهى والتذكرة (٢).

بل هو إجماعي ، لعدم ظهور مخالف ، إلاّ ما حكي عن العماني في البقاء إلى الزوال ، والإسكافي في الفوات بعده (٣).

ومخالفتهما في الإجماع غير قادحة ، مع أنّها ـ كما قيل أيضا ـ غير معلومة (٤) ، بل عدمها في الثاني من كلامه معلوم.

فهو الحجّة المخرجة عن الأصل المتقدّم في الأول (٥) ، المحتاج إلى المخرج.

مضافا إلى إطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة (٦) ، الخالي عن معارضة‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٤٦ ، المنتهى ٢ : ٥٥٨ ، التذكرة ١ : ٢٥٦.

(٣) حكاه عنهما في المختلف : ٢١٢.

(٤) الرياض ١ : ٣٠٢.

(٥) أي امتداد الوقت إلى الزوال.

(٦) في ص : ٢٠٩.

٢١١

النبويّين في المورد ، لضعفهما الخالي عن الجابر فيه.

وإلى الاعتضاد بمؤيّدات عديدة ، من فحوى ما سيأتي من أدلّة ثبوت الحكم في الصوم الغير المعيّن ، ففيه أولى ، وحديث : « رفع عن أمّتي » (١) ، وما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ ليلة الشك أصبح الناس ، فجاء أعرابي إليه فشهد برؤية الهلال فأمر مناديا ينادي : من لم يأكل فليصم ، ومن أكل فليمسك (٢) ، وفحوى ما دلّ على انعقاد الصوم من المسافر إذا زال عذره قبل الزوال (٣).

بل يمكن جعل الأخير دليلا بضمّ عدم القول بالفصل ، بل سابقة أيضا ، لذلك ، مع جبر ضعفه بالعمل.

وأمّا الأوليان فجعلهما دليلين ـ كما وقع لبعضهم (٤) ـ غير سديد.

وأمّا الثاني (٥) ، فلا حاجة فيه إلى المخرج ، لموافقته الأصل ، وعدم شي‌ء يصلح للمعارضة ، مع أنّه أيضا ـ كما مرّ ـ إجماعي.

المسألة السابعة : يمتدّ وقتها في قضاء رمضان والنذر المطلق أيضا إلى الزوال ، من غير فرق في ذلك بين حالتي الاختيار والاضطرار ، فيجوز تجديدها إليه وإن تعمّد الإخلال بالنيّة ليلا فبدا له في الصوم قبل الزوال ، ولا يجوز بعده.

أمّا الأول ، فهو ممّا قطع به الأصحاب ، بل من عباراتهم ما هي مشعرة بدعوى الإجماع عليه ، وتدلّ [ عليه ] (٦) الصحاح الثلاث المتقدّمة ، وصحيحة‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٠ ح ٢.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣٠٢ ، سنن النسائي ٤ : ١٣١.

(٣) الوسائل ١٠ : ١٨٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٦.

(٤) انظر الرياض ١ : ٣٠٢.

(٥) أي : إذا دخل الزوال فات الصوم.

(٦) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

٢١٢

البجلي : في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ، ولم يكن نوى ذلك من الليل ، قال : « نعم ، ليصمه ، ويعتدّ به إذا لم يكن أحدث شيئا » (١).

والأخرى : عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوما ، وكان عليه يوم من شهر رمضان ، إله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامّة النهار؟ فقال : « نعم ، له أن يصوم ، ويعتدّ به من شهر رمضان » (٢).

وموثّقة الساباطي : عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها ، متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال : « هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر » ، سئل : وإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال : « لا » (٣).

ورواية صالح : رجل جعل الله عليه صيام شهر ، فيصبح وهو ينوي الصوم ثمَّ يبدو له فيفطر ، ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم ، فقال : « هذا كلّه جائز » (٤).

ورواية عيسى : « ومن أصبح ولم ينو الصوم من الليل فهو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، إن شاء صام ، وإن شاء أفطر » (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ ـ ٥٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٧ ـ ٥٢٦ ، الوسائل ١٠ : ١١ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٨٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ـ ٣٩٤ ، الوسائل ١٠ : ١٣ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٧ ـ ٥٢٣ ، الوسائل ١٠ : ١١ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ح ٤.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٩ ـ ٥٣٣ ، الوسائل ١٠ : ١٩ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ١٢.

٢١٣

وإطلاقها يدلّ على ما أشرنا إليه من استواء حالتي الاختيار والاضطرار في ذلك الحكم ، كما هو ظاهر عبارات الأصحاب ، وصرّح به في السرائر والروضة (١) وغيرهما (٢).

وكثير منها وإن اختصّ بالقضاء وبعضها بالنذر المطلق ، ولكن جملة منها يعمّهما وغيرهما من الواجبات ، كالإجارة والكفّارة وغيرهما.

وكذلك بعضها وإن لم يشتمل على الامتداد إلى الزوال ولكن تصريح جملة منها به كاف في إثباته ، مضافا إلى الإجماع المركّب.

لا يقال : قوله في صحيحة ابن سنان : « فإنّه يحسب له من الساعة التي نوى فيها » (٣) يدلّ على فساد الصوم ، إذ الصوم لا يتبعّض في اليوم ، فيكون الحساب من بعض اليوم كناية عن الفساد.

قلنا : ـ مع أنّ أصل الدلالة ممنوع ـ إنّه لو سلّم فهي أعمّ ممّا كان قبل الزوال أو بعده ، فيجب تخصيصه بالأخير ، لصحيحة ابن سالم ، التي هي أخصّ مطلقا منها (٤).

وأمّا الثاني ، فهو الأظهر الأشهر ، بل ظاهر الانتصار إجماعنا عليه (٥) ، لصحيحة ابن سالم ، وموثّقة الساباطي ، ورواية عيسى.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي (٦) والذخيرة (٧) ، وقوّاه بعض مشايخنا‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٧٣ ، الروضة ٢ : ١٠٧.

(٢) انظر الرياض ١ : ٣٠٢.

(٣) تقدّمت في ص : ٢١٠.

(٤) راجع ص : ٢١٠.

(٥) الانتصار : ٦٠.

(٦) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢١٢.

(٧) الذخيرة : ٥١٤.

٢١٤

المعاصرين (١) ، لإطلاق بعض الأخبار المذكورة ، وظاهر صحيحة البجلي الثانية.

وصريح مرسلة البزنطي : الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان ، ويصبح فلا يأكل إلى العصر ، أيجوز له أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟

قال : « نعم » (٢).

ويجاب عنها : بالضعف ، لمخالفتها الشهرة القديمة والجديدة ، ولذا حكم في المنتهى للمرسلة بالشذوذ (٣).

مضافا إلى وجوب تقييد المطلقات ، وحمل لفظ : العامّة ، في الصحيحة ، على البعض ـ ولو مجازا ـ لذلك أيضا ، بل يحتمل كونها مطلقة أيضا ، حيث من الفجر إلى الزوال أكثر من الزوال إلى الغروب ، ومعارضة المرسلة بما ذكر ، ووجوب الرجوع إلى الأصل المتقدّم.

المسألة الثامنة : يمتدّ وقت النافلة إلى أن يبقى من النهار جزء يمكن الإمساك فيه بعد النيّة‌ ، فيجوز تجديدها ما بقي من النهار شي‌ء بعد أن ينوي ، وفاقا للصدوق في الفقيه والمقنع والسيّد والشيخ والإسكافي والحلّي وابني زهرة وحمزة (٤) والمنتهى والدروس (٥) ، واستحسنه في التحرير والروضة (٦) ،

__________________

(١) الرياض ١ : ٣٠٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٨ ـ ٥٢٩ ، الاستبصار ٢ : ١١٨ ـ ٣٨٥ ، الوسائل ١٠ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٩.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٥٩. قال : فإنّه مع إرساله لا تعرض فيه بالنيّة.

(٤) الفقيه ٢ : ٩٧ ، المقنع : ٦٣ ، السيّد في الانتصار : ٦٠ ، الشيخ في المبسوط ١ : ٢٧٨ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢١٣ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٧٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٤٠.

(٥) المنتهى ٢ : ٥٥٩ : الدروس ١ : ٢٦٦.

(٦) التحرير ١ : ٧٦ ، الروضة ٢ : ١٠٧.

٢١٥

ومال إليه في المعتبر والمختلف والبيان (١) ، وقوّاه غير واحد من مشايخنا (٢) ، ونسب إلى أكثر القدماء (٣) ، بل مطلقا كما عن المنتهى (٤).

بل عن الانتصار والغنية والسرائر الإجماع عليه (٥) ، وهو الحجّة فيه ، لقاعدة التسامح في أدلّة السنن.

مع موثّقة أبي بصير : عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة ، قال : « هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وإن مكث حتى العصر ثمَّ بدا له أن يصوم وإن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء » (٦).

وصحيحة محمّد بن قيس : « إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ، ثمَّ ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر فهو بالخيار ، إن شاء صامه وإن شاء أفطر » (٧).

خلافا للمحكيّ عن العماني وظاهر الخلاف (٨) ولصريح النافع (٩) ، فجعلوه مثل الواجب الغير المعيّن ، ونسبه جماعة إلى المشهور (١٠) ، لإطلاق صحيحة هشام ورواية عيسى المتقدّمتين (١١).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٤٧ ، المختلف : ٢١٢ ، البيان : ٣٦١.

(٢) منهم صاحبي الحدائق ١٣ : ٢٦ ، والرياض ١ : ٣٠٣.

(٣) كما في الرياض ١ : ٣٠٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٥٥٩.

(٥) الانتصار : ٦٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٠ ، السرائر : ٣٧٣.

(٦) الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ ـ ٥٢١ ، الوسائل ١٠ : ١٤ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٣ ح ١.

(٧) التهذيب ٤ : ١٨٧ ـ ٥٢٥ ، الوسائل ١٠ : ١١ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٥.

(٨) حكاه عنهما في المختلف : ٢١٢ ، وهو في الخلاف ٢ : ١٦٧.

(٩) النافع : ٦٠.

(١٠) كما في المسالك ١ : ٦٩ ، والحدائق ١٣ : ٢٤.

(١١) في ص : ٢١٠ ، ٢١٣.

٢١٦

بل قيل : وموثّقة الساباطي (١). وهو غير صحيح ، لأنّ السؤال فيها عن مريد القضاء ، وترجع الضمائر كلّها إليه.

والجواب ـ بعد تضعيف الأولى ـ : بأنّها لا تدلّ إلاّ على الحساب من وقت النيّة ، وهو غير صريح في فساد الصوم.

والثانية : بأنّها غير مرويّة عن إمام ، فلعلّ الحكم عن عيسى نفسه.

على أنّ على فرض الدلالة تكونان مطلقتين بالنسبة إلى الفرض والتطوع ، وموثّقة أبي بصير خاصّة يجب حمل العامّ عليها.

المسألة التاسعة : لا شكّ أنّ جواز تجديد النيّة في النهار ـ بعد تأخيرها عن الليل نسيانا أو عمدا في جميع ما ذكر ـ إنّما هو إذا لم يتناول من المفطرات الآتية شيئا ، وأمّا معه فلا يجوز إجماعا.

وتدلّ عليه صحيحتا البجلي ومحمّد بن قيس ، والنبويّ المذكور في المسألة السادسة (٢) ، وذيل رواية عيسى : « فإن زالت الشمس ولم يأكل فليتمّ الصوم إلى الليل » (٣).

وهل تعتبر المبادرة إلى نيّة الصوم ـ بعد التذكّر أو إرادته ـ فورا ، أو لا تشترط ، بل تجوز النيّة ولو تردّد بعد التذكّر أو الإرادة أو نوى عدم الصوم؟

ظاهر الأصحاب ـ بل صريح الروضة (٤) وغيره ـ عدم الاعتبار في غير الواجب.

وتدلّ عليه الإطلاقات المتقدمة مطلقا ، وصحيحة هشام في الجملة ، وهي : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يدخل إلى أهله فيقول : عندكم شي‌ء ، وإلاّ‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٣٠٢.

(٢) راجع ص : ٢١٣ ، ٢١٦ ، ٢١٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٩ ـ ٥٣٣ ، الوسائل ١٠ : ١٩ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ١٢.

(٤) الروضة ٢ : ١٠٧.

٢١٧

صمت ، فإن كان عندهم شي‌ء أتوه به وإلاّ صام » (١).

بل صريح الروضة كونه كذلك في الواجب الغير المعيّن أيضا.

وفيه نظر ، لاختصاص الصحيحة بالمستحبّ ، وعدم حجّية المطلقات في غير الصوم النافلة كما يأتي وجهه.

وأمّا الواجب المعيّن ، فصرّح بعضهم بفوريّة المبادرة وفوات الصوم بتأخير النيّة عن وقت التذكّر (٢) ، بل لا يبعد كونه وفاقيّا ، وهو الموافق للأصل المذكور ، ويدلّ عليه ما يأتي في المسألة الآتية من بطلان الصوم وفواته بنيّة الإفطار أو التردّد في جزء من اليوم ، خرجت النوافل بالإطلاقات المذكورة وصحيحة هشام فيبقى الباقي.

فإن قيل : المطلقات تشمل الواجب الغير المعيّن أيضا ، بل صحيحة الحلبي (٣) تشمل المعيّن أيضا.

قلنا : نعم ، ولكن قوله في صحيحة البجلي : « إذا لم يكن أحدث شيئا » (٤) يوجب تقييدها في الواجب الغير المعيّن صريحا وفي المعيّن فحوى وإجماعا مركّبا ، فإنّ نيّة الإفطار أو التردّد أيضا إحداث شي‌ء.

فإن قيل : ليس المراد بالشي‌ء الإطلاق حتى يقتصر في تقييده على القدر الثابت ، لإيجابه خروج الأكثر ، بل المراد شي‌ء خاصّ.

قلنا : فيكون مجملا ، والعامّ المخصّص بالمجمل ليس بحجّة في موضع الإجمال.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٨ ـ ٥٣١ ، الوسائل ١٠ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٧.

(٢) انظر الروضة ٢ : ١٠٧ ، والمدارك ٦ : ٢١.

(٣) الكافي ٤ : ١٢١ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ ـ ٥٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٢.

٢١٨

فإن قيل : المراد الشي‌ء المفسد للصوم.

قلنا : سيأتي أنّ ذلك أيضا مفسد له في موضع لا دليل على صحّته معه.

المسألة العاشرة : لو نوى الإفطار في النهار ، فإمّا يكون قبل عقد نيّة الصوم ، أو بعده.

والأول مضى حكمه بأقسامه (١).

والثاني ممّا لا شكّ في كونه حراما ، لكونه عزما على الحرام ، واتّباعا للهوى.

وإنّما وقع الخلاف في إفساده للصوم وعدمه ، فعن الحلبي والمختلف والإرشاد وشرحه لفخر المحقّقين والإيضاح والمسالك وحاشية القواعد للشهيد الثاني (٢) وفي الدروس والبيان والحدائق : فساده به (٣) ، وهو مختار السيّد في مسائله القديمة ، كما صرّح به في بعض رسائله (٤).

وعن المبسوط والخلاف والسيّد (٥) وفي الشرائع وجملة من كتب الفاضل : عدمه (٦) ، ونسب إلى المشهور بين الأصحاب (٧).

والحقّ : هو الأول ، لأنّ كلّ ما دلّ على اشتراط قصد القربة في الصوم وبطلانه بدونه يدلّ عليه في كلّ جزء جزء منه أيضا ، ولا شكّ أنّ آن نيّة القطع‌

__________________

(١) وأقسامه : أنّه إمّا يكون سهوا أو عمدا والثاني إمّا يكون في الواجب العيني أو غيره ، وأيضا إمّا يكون قبل التذكر في المعين أو بعده. منه رحمه‌الله.

(٢) الحلبي في الكافي : ١٨٢ ، المختلف : ٢١٥ ، الإرشاد ١ : ٣٠٠ ، الإيضاح ١ : ٢٢٣ ، المسالك ١ : ٧٠.

(٣) الدروس ١ : ٢٦٧ ، البيان : ٣٦٢ ، الحدائق ١٣ : ٥١.

(٤) جوابات المسائل الرسية الاولى ( رسائل الشريف المرتضى ٢ ) : ٣٥٦.

(٥) المبسوط ١ : ٢٧٨ ، الخلاف ٢ : ٢٢٢ ، حكاه عن السيد في الحدائق ١٣ : ٤٩.

(٦) الشرائع ١ : ١٨٨ ، ومن كتب العلاّمة : المنتهى ٢ : ٥٦١ ، والقواعد ١ : ٦٣ ، إلاّ أنّ فيه : صحّ صومه على إشكال.

(٧) كما في المدارك : ٣١٦ والحدائق ١٣ : ٤٩.

٢١٩

يكون خاليا عن قصد القربة في الإمساك ، فيكون باطلا ، وببطلانه يبطل الصوم ، إذ اليوم لا يتبعّض في الصوم.

وبعبارة أخرى : لا شكّ أنّ الصوم : الإمساك في تمام اليوم بقصد القربة ، وما لا قربة في بعضه لا قربة في تمامه ، ولا معنى لتحقّق القربة مع قصد القطع.

احتجّ الآخرون بالاستصحاب.

وبأنّ النواقض محصورة ، وليست هذه النيّة منها (١).

وبأنّ الصوم إنّما يفسد بما ينافي الصوم ، ولا منافاة بينه وبين عزيمة الأكل مثلا ، غايته منافاته لنيّة الصوم ، وهي غير مضرّة بعد عدم منافاتها لحكم النيّة ، ونيّة الإفطار إنّما تنافي نيّة الصوم لا حكمها الثابت بالانعقاد ، لأنّها لا تضادّ بينها وبين استمرار حكم النيّة ، كيف؟! ولا ينافيه النوم والغروب إجماعا.

وبأنّ النيّة لا يجب تجديدها في كلّ أزمنة الصوم إجماعا فلا تتحقّق المنافاة.

وبأنّ مرجع الخلاف في المسألة إلى أنّ استمرار النيّة في زمان الصوم هل هو شرط أم لا؟ والحقّ : عدم اشتراطه ، للأصل الخالي عن المعارض ، وكون دليل الاستمرار مثل : « إنّما الأعمال بالنيّات » (٢) والعمل هنا لم يقع إلاّ بنيّة ، وليس في الخبر أزيد من أنّه يجب وقوعه عن قصد ونيّة ، وهو كذلك ، وأمّا أنّه يجب استمرار ذلك القصد فلا دلالة فيه عليه.

وبصحيحة محمّد : « ما يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام ، والشراب ، والنساء ، والارتماس » (٣).

__________________

(١) انظر الخلاف ٢ : ٢٢٣ والمدارك ٦ : ٤٠.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٦ ـ ٥١٩ ، الوسائل ١٠ : ١٣ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ١٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٦٧ ـ ٢٧٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٨ ـ ٩٧١ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٢٧٦ ، الوسائل ١٠ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

٢٢٠