مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

للملوك فهو للإمام ، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، والمعادن منها ، ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال » (١).

والمرويّ في تفسير العيّاشي عن داود بن فرقد : وما الأنفال؟ قال : « بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام والمعادن ، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكلّ أرض ميتة قد جلا أهلها وقطائع الملوك » (٢).

وفيه أيضا عن أبي بصير : وما الأنفال؟ قال : « منها المعادن والآجام ، وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها ، وكلّ أرض باد أهلها فهو لنا » (٣) ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

الثاني : ما يختصّ به ملوك أهل الحرب من القطائع والصوافي الغير المعلوم كونها مغصوبة من مسلم أو مسالم غير منقرض.

وضابطه : كلّ ما اصطفاه ملك الكفّار لنفسه واختصّ به من الأراضي المعبّر عنها بالقطائع ، أو من الأموال المنقولة المعبّر عنها بالصوافي ، للأخبار المستفيضة (٤) ، المتقدّمة كثير منها.

والمذكور في الأخبار : الملوك ، فلا يشمل الحكّام والولاة والأمراء.

الثالث : رؤوس الجبال وأذيالها وبطون الأودية السائلة والآجام ، وهي الأراضي المملوءة من القصب وسائر الأشجار الملتفّة المجتمعة ، والمراد‌

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٢٥٤ ، الوسائل ٩ : ٥٣١ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ٢٠.

(٢) تفسير العياشي ٢ : ٤٩ ـ ٢١ ، الوسائل ٩ : ٥٣٤ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ٣٢.

(٣) تفسير العياشي ٢ : ٤٨ ـ ١١ ، الوسائل ٩ : ٥٣٣ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ٢٨.

(٤) الوسائل ٩ : ٥٢٣ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١.

١٤١

منها : ما يقال بالفارسيّة : بيشه.

فإنّ كل ذلك من الأنفال مع ما فيها من الأشجار والأحجار والنبات والسمك والكنز والماء ونحوها.

والمرجع في معرفة هذه الأمور : العرف ، أي ما يقال في العرف : جبلا وواديا وأجمة.

وتدلّ على الثلاثة مرسلة حمّاد ، ورواية داود المتقدّمتين ، وعلى الثاني خاصّة الحسنان والموثّقة الاولى ، وعلى الثالث رواية أبي بصير السابقة (١) ، وعلى الأولين مرفوعة أحمد : « وبطون الأودية ورؤوس الجبال والموات كلّها هي له » إلى أن قال : « وما كان في القرى من ميراث من لا وارث له فهو له خاصّة » (٢). وضعف بعض تلك الأخبار مرتفع للشهرة بالانجبار.

ومقتضى إطلاقاتها اختصاص كلّ هذه الأمور بالإمام مطلقا ، كما صرّح به الشيخان (٣) ، وهو ظاهر الأكثر (٤) ، لما ذكر من الإطلاقات.

وقيّدها الحلّي بما لم يكن في أرض مسلم (٥) ، أي كان في الأراضي المختصّة بالإمام من الموات والمحياة المملوكة ، ومال إلى ذلك بعض من تأخّر عنه (٦) ، لضعف تلك المطلقات.

وردّ بما مرّ من الانجبار ، مع ما يستلزم التقييد من التداخل.

__________________

(١) تقدمت جميعا في ص : ١٣٩ ـ ١٤١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٦ ـ ٣٦٤ ، الوسائل ٩ : ٥٢٩ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ١٧.

(٣) المفيد في المقنعة : ٢٧٨ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٢٦٣.

(٤) كما في القواعد ١ : ٦٢ ، والبيان : ٣٥٢.

(٥) السرائر ١ : ٤٩٧.

(٦) كما في الروضة ٢ : ٨٥.

١٤٢

أقول : ظنّي أنّ المنازعين في المقام غفلوا عن حقيقة الحال ، وتحقيق المقال : أنّه لم يثبت في الشريعة أنّ كلّ ما يتصرّف فيه مسلم ويدّعي ملكيّته فيحكم له به ، بل لا بدّ فيه من احتمال كون يده عليه بأحد الوجوه الموجبة للملكيّة شرعا ، فلو لم يحتمله عقلا أو شرعا أو عادة لا يحكم له بذلك أصلا.

ألا ترى أنّه لو كانت هناك جبال فيها وحوش وكان يتصيّد فيها أحد من مدّة طويلة ، لا تسمع دعواه ـ لو منع غيره من الاصطياد ـ مدّعيا أنّ هذه الجبال مع ما فيها من الوحوش ملكي أتصيّد فيها من القديم.

ولو كان بحر لأشخاص فيه سفن يتردّدون فيه ويغوصون ، لا يسمع ادّعاؤهم الملكيّة.

لعدم ثبوت اعتبار مثل ذلك اليد ، وعدم احتمال تحقّق التصرّف المملّك ـ أي الموجب للملكيّة شرعا ـ فيهما.

وعلى هذا ، فنقول : إنّه ما ثبت إيجابه للتملّك في الأرضين ونحوها هو إحياء ببناء أو غرس أو زرع أو حفر أو نحو ذلك ، ولا تحتمل هذه الوجوه في رؤوس الجبال من حيث هي.

نعم ، يمكن تصرّف مسلّم في موضع منها ببناء أو غرس شجر أو حفر ، وهو غير ما نحن فيه.

فالوجوه الثابت إيجابها للتملّك شرعا ممّا لا يمكن تحقّقها في الجبال ورؤوسها من حيث هي ، فدعوى أحد : أنّ هذه الجبال برؤوسها ملك لي ويدي عليها لأنّي أنقل حجارها وأحصد نباتها ونحو ذلك ، ممّا لا يسمع ، إذ لا يمكن تحقّق الأسباب الموجبة للتملّك فيها.

نعم ، يمكن ذلك في بعض أجزائها ، وهو غير تملّك رؤوس الجبال‌

١٤٣

من حيث هي هي.

ولذا لو ادّعى أحد ملكيّة أرض ميتة لم يكن فيها بناء ولا قناة ولا زرع أبدا ، ويقرّ المدّعي بذلك ، ولكن يقول : إنّها في يدي ، لأنّي أحتطب فيها وأحتشش وأرعى فيها دوابي .. لا يسمع منه ، إذ محض هذه التصرّفات لا يوجب التملّك ، ولذا جعل من مطاعن الثاني ما فعل من حماية الحمى.

وكذا الوادي ، فإنّ أسباب تملّك المياه السائلة إنّما تتحقّق بحفر قنوات أو حيازة عين أو عيون ونحوها ، وما كان منتهيا إلى مثل ذلك لا يطلق عليه الوادي عرفا ، بل حقيقة المياه العظيمة التي لا تنتهي إلى عين أو عيون أو قناة أو نهر يحتمل أن يكون مستحدثا من شخص أو أشخاص بقصد التملّك ، وما يحتمل فيه ذلك لا يسمّى واديا إلاّ مجازا.

وكذا الآجام ، والمراد بها ـ كما مر ـ ما يقال بالفارسيّة : بيشه. والوجوه المملّكة للأشجار من الغرس أو الابتياع أو النمو في الملك إنّما هو أمر لا يتحقّق عرفا في الآجام.

فالوجوه الموجبة للملكيّة غير محتملة في هذه الثلاثة.

ولو فرض وجود نادر ـ كواد صغير منته إلى عيون محصورة في موضع معين ، أو أجمة صغيرة محتملة لأن تكون مغروسة ، أو ملكها في الأصل لواحد معيّن ـ فهو إمّا لا يطلق عليه الوادي والأجمة إلاّ مجازا ، أو فرد نادر جدّا لا تنصرف إليه الإطلاقات.

إذا عرفت ذلك نقول : إنّ الكلام ليس في جزء من الجبال يتصرّف فيه أحد بقصد التملّك ببناء أو حفر أو غرس أو غيرها من الوجوه الثابتة مملّكيتها شرعا ، بل في الجبال من حيث هي هي.

ولا في نهر شقّ من واد أو نهر عظيم متصرّف فيه لأحد ينتهي إلى‌

١٤٤

مبادئ كونها مستحدثة من شخص أو أشخاص بقصد التملّك ، فإنّه ليس واديا عرفا ، وإن أطلق عليه الوادي مجازا.

ولا في محلّ محصور فيه أشجار وقصبات ملتفّة محتملة لكونها مغروسة أو أصل ملكها مملوكة لأشخاص ، فإنّه ليس أجمة عرفا وإن أطلقت عليه مجازا ، لما عرفت من عدم كونهما واديا أو أجمة حقيقة.

ولو سلّمناه فمثلهما من الأفراد الغير المتبادرة من الوادي والأجمة.

وأمّا ما عدا ذلك فلا يملكه أحد ، إذ لم يثبت من الشريعة وجه مملّك لجميعه ، فيكون ملكا للإمام بمقتضى الإطلاقات ، ولا تعارضها يد المسلم ولا دعواه ، لعدم احتمال تحقّق وجه مملّك فيه عرفا ، فافهم.

الرابع : المال المجهول مالكه‌ ، كما مرّ في مسألة الحلال المختلط بالحرام.

الخامس : الأراضي الميتة‌ ، سواء لم يعلم سبق إحياء وملك عليها ـ ككثير من المفاوز والبوادي ـ أو علم إحياؤها في زمان وطريان الموتان عليها. وكونها من الأنفال ممّا لا خلاف فيه في القسم الأول ، والثاني إذا لم يكن له مالك معروف ، بل في التنقيح والمسالك والمفاتيح وشرحه وغيرها الإجماع عليه (١).

وتدلّ عليه مرسلتا حمّاد وأحمد ، وروايتا داود وأبي بصير المتقدّمة المتضمّنة للفظ الميتة والموات (٢) ، واستدلّوا له أيضا بحسنتي البختري ومحمّد وموثّقات محمّد وسماعة وإسحاق المتضمّنة للفظ الخربة (٣).

ولا يخفى أنّ المتبادر منها هو القسم الأخير من الميتة ـ وهو‌

__________________

(١) التنقيح ٤ : ٩٨ ، المسالك ٢ : ٢٨٧ ، المفاتيح ٣ : ٢٠.

(٢) المتقدّمة جميعا في ص ١٤٠ ـ ١٤٢.

(٣) المتقدّمة في ص : ١٣٩ ، ١٤٠.

١٤٥

المسبوق بالإحياء والعمارة ـ فهي تصلح أدلّة لبعض أفراد المطلوب ، بل يحتمل شمولها ما لم يبلغ حدّ الموات من هذا القسم أيضا ، كما هو الظاهر من جمعها مع الميتة في المرسلة.

ثمَّ مقتضى إطلاق أكثر تلك الأخبار وإن كان كون القسم الثاني من الأراضي الميتة والخربة من الأنفال مطلقا ـ سواء لم يكن لها مالك معروف أو كان ، وسواء ملكها المالك المعروف بالإحياء أو بغيره من وجوه الانتقالات ، كما نقله في الذخيرة عن بعض الأصحاب ونسبه إلى ظاهر الإرشاد أيضا (١) ـ إلاّ أنّ أكثر الأصحاب خصّوه بالأولين ، وجعلوا الثالث ملكا لمالكه المعروف (٢) ، ومنهم من خصّه بالأول خاصّة ، وجعل الأخيرين لمالكه.

ومنه يعلم أنّ كون ما لا مالك له معروفا من الأراضي الميتة والخربة من الأنفال ممّا لا خلاف فيه ، واستفاضت عليه الروايات أيضا.

وأمّا ما له مالك معروف منها ففيه أقوال ثلاثة :

الأول : أنّها من الأنفال مطلقا كما مرّ.

الثاني : أنّها ليست منها كذلك ، اختاره الشيخ والمحقّق (٣).

الثالث : التفصيل بين ما ملكه مالكه بالإحياء فمن الأنفال ، وبغيره كالشراء والإرث ونحوهما فمالكه ، نقل عن الفاضل في بعض فتاويه ، وعن التذكرة (٤) ، وقوّاه في المسالك (٥) ، واستقربه في الكفاية (٦) ، وإن‌

__________________

(١) الذخيرة : ٤٨٩.

(٢) منهم العلاّمة في المنتهى ١ : ٥٥٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٨.

(٣) المبسوط ١ : ٢٣٥ ، الشرائع ١ : ٣٢٣.

(٤) التذكرة ١ : ٤٢٨.

(٥) المسالك ١ : ١٥٦.

(٦) الكفاية : ٢٣٩.

١٤٦

استشكل أخيرا فيما ملكه المالك بالبيع والشراء أيضا.

دليل الأول وجوه :

الأول : المطلقات المذكورة المصرّحة بأنّ كلّ أرض ميّتة أو خربة بإطلاقها للإمام.

ولا يعارضها تقييد الميّتة في بعضها بقوله : « لا ربّ لها » ، أو الخربة بقوله : « باد أهلها » أو « جلا » ، إذ لا منافاة بين منطوقه وبين الإطلاق ، وأمّا مفهومه فمفهوم وصف لا حجّية له ، على أنّ القائلين بذلك القول يقولون : إذا ماتت الأرض لا يكون لها ربّ البتّة. فالوصف به توضيحي. والتوصيف بالجلاء أعمّ من المعروفيّة بعده أيضا. ويمكن إرادة المربّي والعامر من الربّ ، بل هو مقتضى المعنى اللغوي ، وعلى هذا فيرجع إلى ما يأتي من كونها غير متروكة.

الثاني : الأخبار المصرّحة بأنّ الأرض كلّها للإمام.

كصحيحة الكابلي ، وفيها : « والأرض كلّها لنا » (١).

وصحيحة عمر بن يزيد ، وفيها : « يا أبا سيّار ، إنّ الأرض كلّها لنا » (٢) ، خرج منها ما ثبت خروجه ، فيبقى الباقي.

الثالث : المستفيضة المصرّحة بأنّ من أحيا أرضا ميّتة فهي له ، ففي صحيحة محمّد : « أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحقّ بها وهي لهم » (٣).

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٠٧ ـ ١ ، وج ٥ : ٢٧٩ ـ ٥ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ ـ ٦٧٤ ، الاستبصار ٣ : ١٠٨ ـ ٣٨٣ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٤ أبواب إحياء الموات ب ٣ ح ٢.

(٢) الكافي ١ : ٤٠٨ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ١٤٤ ـ ٤٠٣ ، الوسائل ٩ : ٥٤٨ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ١٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٩ ـ ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ ـ ٦٧١ ، الاستبصار ٣ : ١٠٧ ـ ٣٨٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٢ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٤.

١٤٧

وفي صحيحة زرارة أو حسنته : « من أحيا مواتا فهي له » (١).

وفي صحيحة الفضلاء السبعة أو حسنتهم : « من أحيا أرضا مواتا فهي له » (٢) ، إلى غير ذلك ، كصحيحة السرّاد (٣) ، ورواية السكوني (٤) ، وصحيحة عمر بن يزيد (٥).

وجه الاستدلال : أنّها تدلّ على أنّ بالإحياء تملك الموات وإن كان لها مالك معروف ، ولا يكون ذلك إلاّ بكونها من الأنفال ، للإجماع المركّب. والمعارضة بكون الأول أيضا مصداقا لذلك يأتي جوابه.

الرابع : خصوص صحيحة ابن وهب : « أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإنّ عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخربها ثمَّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض لله عزّ وجلّ ولمن عمرها » (٦) ، ودلالتها ـ بضميمة الإجماع المركّب المشار إليه ـ واضحة جدّا. وجعل اللام للاختصاص دون الملكيّة خلاف الظاهر.

وأورد عليها : بأنّ دلالتها متشابهة ، إذ لو جعلنا أول الرواية مبنيّا على أنّ تلك الأرض كانت معمورة قبل الإحياء ـ كما هو ظاهر لفظ الخربة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٩ ـ ٣ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٢ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٦.

(٢) التهذيب ٧ : ١٥٢ ـ ٦٧٣ ، الاستبصار ٣ : ١٠٨ ـ ٣٨٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٢ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٥.

(٣) الفقيه ٣ : ١٥٢ ـ ٦٦٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٢ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٨.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨٠ ـ ٦ ، الفقيه ٣ : ١٥١ ـ ٦٦٥ ، التهذيب ٧ : ١٥١ ـ ٦٧٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٣ أبواب إحياء الموات ب ٢ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ١٤٥ ـ ٤٠٤ ، الوسائل ٩ : ٥٤٩ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ١٣.

(٦) الكافي ٥ : ٢٧٩ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ ـ ٦٧٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٤ أبواب إحياء الموات ب ٣ ح ١.

١٤٨

والبائرة ، وإضافة الأنهار إلى الأرض ـ فلا بدّ من حمل بقيّة الحديث على أنّ الأرض كانت غير معروفة المالك وقت الإحياء الثاني ، ثمَّ ظهر مالكها بعد الإحياء ، فالرواية خارجة عن محلّ النزاع.

وإن جعلنا أولها مبنيّا على كونها مواتا غير مسبوقة بإحياء ، فلا بدّ أن يحمل آخرها على بيان حكم ما سبق إليها إحياء قبل ذلك ، فلا بدّ أن يكون المراد منها أنّ الأرض لله عزّ وجلّ ولمن عمرها أولا.

وإن جعل الأول والآخر مبنيّا على مسبوقيّة الإحياء الثاني بإحياء آخر ، فيبقى العطف والتعقيب بلا فائدة ، ويصير الكلام في غاية الحزازة ، بل المناسب حينئذ أن يقال : وإن كان له صاحب قبله وجاء يطلبها ، بكلمة إن الوصليّة. انتهى.

ولا يخفى ما فيه من الركاكة والسخافة ، أمّا أولا : فلأنّ أولها مبنيّ على الإحياء المسبوق. قوله : فلا بدّ من حمل بقيّة الحديث ، إلى آخره. قلنا : ولم ذلك وأيّ لا بدّية فيه؟! بل يبقى على ظاهره.

وتوهّم كونه خلاف الإجماع ممنوع ، إذ بمجرّد نقل الإجماع في التذكرة (١) لا يثبت الإجماع الموجب لتأويل الرواية ، ولذا قال صاحب الكفاية بعدم ثبوت الإجماع المذكور (٢) ، مع أنّ الإجماع المنقول أيضا مخصوص بصورة التملّك بغير الإحياء ، فحمل آخر الرواية عليه ممكن.

وثانيا : أنّ ما ذكره ـ بقوله : فيبقى العطف والتعقيب ، إلى آخره ـ فاسد جدّا ، لأنّ بالجزء الأول يثبت أنّ على المحيي الثاني الصدقة ، ولازمة أحقّيّته ، ولم يثبت حكم ما إذا جاء طالب ويدّعيه وأنّ أحقّيّته هل هي‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٢٧.

(٢) الكفاية : ٢٣٩.

١٤٩

بالملكيّة ، فعطف عليه قوله : « فإن جاء » لبيان هذه الغاية.

وبالجملة : دلالة الصحيحة على المطلوب في غاية الوضوح. واستدلّ أيضا بوجوه خطابيّة لا حجيّة فيها.

حجّة الثاني أيضا وجوه :

الأول : استصحاب الملك الأول ولا مزيل له.

وفيه : أنّ جميع ما مرّ له مزيل.

الثاني : عمومات : من أحيا أرضا ميّتة فهي له.

وردّ بأنّ الإحياء الثاني أيضا إحياء ، بل هي أدلّ عليه ، لكونه عارضا وطارئا على الإحياء الأول ، والسبب المملّك الطارئ أقوى.

واعترض عليه بأنّ المتبادر من الروايات هو الإحياء الأول ، وبيّن ذلك بما لا يرجع إلى محصّل عند المحقّق.

ويردّه منع التبادر جدّا ، بل المتبادر أنّها له ما دامت محياة. ولو قطع النظر عنه فتكون نسبته إلى الإحياءين على السواء ، ألا ترى أنّه إذا ورد : « من اشترى شيئا فهو له » لا يتبادر منه الشراء الأول الغير المسبوق بشراء آخر من البائع.

ولا يتوهّم أنّه يحصل التعارض حينئذ بين الإحياءين لأجل تلك العمومات ، لأنّ ذلك توهّم فاسد جدّا ، لأنّ الثابت من قوله : « من أحيا مواتا فهي له » ليس إلاّ سببيّة الإحياء للتملّك وحصول التملّك بعده ، وأمّا استمراره وبقاؤه حتى بعد الموتان أيضا فلا يثبت من الخبر أصلا ، بل هو أمر ثابت بالاستصحاب فقط ، وقد مرّ جوابه.

ولذا يحكم بكون ما اشتراه ملكا للمشتري الثاني ولو كان بائعه ملكه بالاشتراء أيضا.

١٥٠

ولذا لا يحكم بكون الموضع الملاقي للنجاسة ـ مثلا ـ نجسا بعد غسله مرّة بما دلّ على تنجّسه ، بل بالاستصحاب ، وهذا ظاهر جدّا.

الثالث : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحيا أرضا ميّتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حقّ » (١).

وفسّر : بأنّ المراد : أن يأتي الرجل الأرض الميّتة لغيره فيغرس فيها.

وفيه : أنّ التفسير محكيّ عن هشام بن عروة والسيّد في المجازات النبويّة (٢) ، ومجرّد قولهما ليس بحجّة في التفاسير ، مع أنّ أصل الرواية غير ثابت ، والجابر لها ـ في صورة تملّك الأول بالإحياء ـ مفقود.

الرابع : صحيحة سليمان بن خالد : عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ، ما ذا عليه؟ قال : « عليه الصدقة » قلت : فإن كان يعرف صاحبها؟ قال : « فليردّ عليه حقّه » (٣) ، وقريبة منها مرويّة عن الحلبي عنه عليه‌السلام في البحار (٤).

وفيه أولا : أنّ المأمور به ردّ الحقّ ، وفيه إجمال ، لاحتمال كونه الأرض والطسق (٥) والأعيان التي منه فيها ، وغير ذلك ممّا لم يعلمه ، كقيمة التفاوت بينها وبين الموات المطلق ، كما إذا كان بعض أنهارها أو آبارها باقيا ـ ولا يبعد أن يكون هذا هو الأظهر ـ وغير ذلك. ولا يلزم تخصيص بمجمل ، إذ لا تخصّص تلك العمومات إلاّ بعد تيقّن أنّ المراد منه نفس الرقبة.

__________________

(١) غوالي اللئالي ٣ : ٤٨٠ ـ ٢ ، سنن البيهقي ٦ : ١٤٢.

(٢) المجازات النبوية : ٢٥٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١٤٨ ـ ٦٥٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤١١ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٢.

(٤) بحار الأنوار ١٠١ : ٢٥٥ ـ ١١.

(٥) الطسق : الوظيفة من خراج الأرض ، فارسي معرّب ـ الصحاح ٤ : ١٥١٧.

١٥١

والقول بأنّ إطلاق الأعمّ يقتضي إرادة جميع الأفراد.

سخيف جدّا ، لأنّه فرع ثبوت كون الأرض حينئذ أيضا حقّا للأول ، مع أنّ أصل الاقتضاء ممنوع.

وبأنّ مقتضى لفظ الصاحب أنّه مالك بالفعل ، لأنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس بالمبدإ.

أسخف ، لأنّه وقع في كلام الراوي ، ولا حجّية فيه ، وليس فيه تقرير حجّة ، إذ غايته تجوّز من الراوي.

وبأنّ ذلك يستلزم حمل الرواية على غير صورة انتقال الملك إلى المالك الأول بالبيع ونحوه ، مع أنّه غالب أفراد المحياة ، وحملها على المعنيين يوجب استعمال اللفظ في المعنيين المتباينين في إطلاق واحد.

أسخف بكثير ، لمنع الاستلزام أولا ، بل يبقى على ظاهره من الإطلاق ، ومنع لزوم استعمال اللفظ في المعنيين ثانيا ، وإنّما هو استعمال للمشترك المعنوي في القدر المشترك.

وفيه ثانيا : أنّه لو سلّم عدم الإجمال ، فهي أعمّ مطلقا من صحيحة ابن وهب (١) ، لاختصاصها بما تركها مالكها الأول وأخربها ، وهذه أعمّ منه وممّا إذا لم يتركها وكان في صدد إحيائها ، بل مشتغلا بتهيئة أسبابه.

سلّمنا ، فتكون معارضة لهذه الصحيحة ، فتتساقطان ، ويرجع إلى المطلقات والعمومات المتقدّمة.

إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ هذه الصحيحة ظاهرة في أنّ المحيي الثاني كان يعرف صاحبها حال الإحياء ، والصحيحة الاولى وغيرها أعمّ من ذلك ، فلتخصّ بها. وهو كان حسنا لو لا الإجمال المذكور.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٤٨.

١٥٢

ودليل الثالث : الإجماع المنقول في التذكرة على عدم تملّك الثاني إذا ملك الأول بغير الإحياء (١) ، وصرّح بعدم الخلاف فيه بعض آخر أيضا (٢).

والجمع بين الأخبار المتقدّمة بحمل صحيحة سليمان على ما إذا ملكها الأول بغير الإحياء ، وما تقدّم عليها على ما إذا ملكها بالإحياء بشهادة صحيحة الكابلي ، وفيها : « ومن أحيا من المسلمين أرضا فليعمرها ، وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها ، فإن تركها أو أخربها ، فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها ، فهو أحقّ بها من الذي تركها ، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل ، حتى يظهر القائم من أهل بيتي عليهم‌السلام بالسيف » الحديث.

وردّها بأنّ الظاهر منها حكم زمان الحضور ـ كما يدلّ عليه إعطاء الخراج ـ وبأنّها لا تدلّ إلاّ على الأحقيّة والأولويّة ، وهي أعمّ من الملكيّة.

مردود بأنّ قوله : « حتى يظهر القائم » صريح في إرادة العموم لزمان الغيبة أيضا ، وتخصيص أداء الخراج بزمان الحضور بالدليل لا يستلزم تخصيص الباقي أيضا ، والأحقيّة وإن كانت أعمّ من الملك لكن المطلوب ثبت منه كما لا يخفى.

ولا يخفى أنّ تلك الصحيحة وإن اختصّت بما إذا كان المالك الأول ملكها بالإحياء ، إلاّ أنّها لا تدلّ على نفي الحكم الثابت بأدلّة القول الأول في غير موردها.

نعم ، لو كان دليل الثاني دالاّ على مطلوبه لصلحت هذه الصحيحة للجمع ، لكونها أخصّ منها ، ولكن قد عرفت عدم تماميّتها.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٢٧.

(٢) كالسرائر ١ : ٤٨١.

١٥٣

والإجماع المنقول ليس بحجّة ، وقد صرّح في الكفاية بعدم ثبوته أيضا (١). إلاّ أنّ معه ـ مضافا إلى عدم العثور على مصرّح بخصوصه بالملكيّة مع تملّك المالك الأول بغير الإحياء ـ الفتوى بها خلاف الاحتياط.

ومنه يظهر أنّ أقوى الأقوال ـ بحسب الدليل ـ هو الأول ، والاحتياط في متابعة الثالث فيما لم يعارضه احتياط آخر.

وكيف كان ، يجب تقييدهما بقيد آخر أيضا ، وهو كون الملك ممّا تركها المالك الأول المعروف ، لمفهومي الشرط في صحيحتي ابن وهب والكابلي المؤيّدتين برواية يونس : « فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير سبب أو علّة أخرجت من يده » (٢).

ولتقييد الميّتة والأرض في بعض ما تقدّم من الأخبار بكونها لا ربّ لها ، أي كانت متروكة لا مربّي لها ولا عامر ، بل يدلّ على الترك والتعطيل الإجماع ، فإنّ الظاهر أنّ عدم جواز التصرّف في أرض لها مالك معروف لم يتركها ويريد إحياءها وعمارتها محلّ إجماع العلماء ، بل الضرورة ، بل وكذلك لو لم يعلم أنّها تركها أم هو بصدد إحيائها.

وعلى هذا ، فكلّ أرض ميّتة لم يعلم سبق إحياء عليها فهي ملك لمحييها مطلقا ، وكذا ما علم ولم يعرف مالكها الأول ، أو عرف وملكها بالإحياء خاصّة على الأحوط ، ومطلقا على الأظهر بشرط أن ترك إحياء الأرض وعطّلها.

فروع :

أ : قالوا : المرجع في معرفة الموات إلى العرف (٣) ، وعرّفوها فيه : بأنّه‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٣٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٧ ـ ١ ، الوسائل ٢٥ : ٤٣٣ أبواب إحياء الموات ب ١٧ ح ١.

(٣) المسالك ٢ : ٢٨٧ ، والمدارك ٥ : ٤١٤ ، والكفاية : ٤٤ و ٢٣٨.

١٥٤

ما لا ينتفع منه لعطلته ، وحصول موانع الانتفاع منه بحيث يتعذّر الانتفاع منه بدون عمل فيه.

وقد يشكل في بعض الأراضي في صدق الموات عليه عرفا وعدمه ، إلاّ أنّه لعدم انحصار العنوان في الموات ـ بل علّق الحكم بعينه للأرض الخربة ـ يسهل الأمر ، لأنّ معنى الخربة عرفا أظهر وأجلى ، وهي : كلّ أرض معطّلة غير ممكن الانتفاع منها بالفعل لخرابها وبوارها ، وتوقّفه على عمارتها وإصلاحها.

ب : ليس المراد بترك المالك للأرض إعراضه عنها وإخراجها عن ملكه ، لأنّه ليس معنى عرفيّا للترك ولا لغويّا ، بل المراد منه تعطيل إصلاحها وترك عمارتها وإبقاؤها على خرابها وعدم الاهتمام والالتفات إلى مرمّتها وعدم عزمه على إحيائها ، سواء كان لعدم حاجته إليها أو عدم تمكّنه من إحيائها.

وأمّا لو كان مهتمّا بإحيائها عازما عليه مريدا له ، فلا تكون متروكة وإن توقّف الاشتغال به على جمع آلات متوقّعة الحصول ، أو انتظار وقت صالح له ، أو حصول مال متوقّع له.

ولو كانت لأحد أرض خربة ولم يعلمها ـ كأن تكون موروثة وهو غير عالم بها ـ فلا يصدق الترك ، بل اللازم إعلامه ثمَّ اعتبار الترك وعدمه.

والظاهر أنّه يشترط في صدق الترك عرفا أمران آخران :

أحدهما : أن لا يعزم على بيعها أو صلحها ولو ببعض رقبتها لإحياء الجميع ، إمّا لعدم قصده بذلك ، أو عدم توقّع من يشتريها أو يقبلها توقّعا مظنون الحصول.

وثانيهما : أن يمضي على ذلك زمان يعتدّ به ، بحيث يصدق معه‌

١٥٥

الترك عرفا من سنين متعدّدة ولا أقلّ من ثلاث سنين ، ولا يبعد أن يكون نظره عليه‌السلام إلى ذلك في رواية يونس المتقدّمة.

ج : القائلون ـ ببقاء الملك على ملكيّة المالك الأول في الأخيرين أو أحدهما ـ بين قائل بجواز الإحياء وأحقّية المحيي الثاني في التصرّف ، وعليه طسقها للأول ، وقائل بعدم الأحقّية أيضا فلا يجوز له الإحياء.

والظاهر عدم دليل يعتدّ به على الأول ، فإن جاز للثاني الإحياء وثبتت أحقّيته فلا طسق عليه ، وإلاّ فلا يجوز أصل التصرّف.

د : المناط في التملّك بالإحياء وغيره ـ على الفرق بينهما ـ تملّك من وقع الموتان في حال تملّكه ، فلو تملّك أحد أرضا بالإحياء وماتت حال تملّكه لا تنتقل إلى ورثته ، إذ بالموتان خرجت من ملكه وصارت من الأنفال ، فليس للورثة دعوى أنّها منتقلة إليهم بالإرث.

هـ : لو لم يعلم أنّ تملّكه هل بالإحياء أو بغيره‌ ، ولم يمكن تحقيق الحال ، فحكمه حكم المتملّك بالإحياء ، للعمومات والإطلاقات المتقدّمة ، خرج منها ما تحقّق فيه الإجماع لو ثبت ـ وهو ما علم تملّكه بغير الإحياء ـ فيبقى الباقي ، مضافا إلى أصالة تأخّر الحادث في كثير من الصور.

و : لو كانت الأرض موقوفة وطرأها الموتان أو الخراب تصير به من الأنفال مطلقا ، أي من غير تفرقة بين الوقف العامّ أو الخاصّ ، ولا بين معلوم الجهة ومجهولها ، ولا بين ما تملّكه الواقف بالإحياء أو بغيره ، للعمومات والإطلاقات الخالية عن المعارض ، إذ ليس إلاّ صحيحة سليمان المتضمّنة للفظ صاحبها ، والمتبادر منها الشخص المعيّن وجهة الملكيّة لا غير ذلك.

أو الإجماع ، وتحقّقه في المقام غير معلوم ، بل مفقود.

١٥٦

أو استصحاب الوقفيّة ، وهو بما مرّ مزال.

أو عمومات الوقف ، وشمولها فرع تسليم الوقفيّة ، وهي عين النزاع.

نعم ، يشترط في دخولها في الأنفال وعدمه اعتبار الترك وعدمه ، للإجماع ، فإنّ الظاهر أنّه ما لم يتركها الموقوفة عليه أو المتولّي ولم يعطّلها وكان بصدد إحيائها كان عدم جواز تصرّف الغير إجماعيّا ، بل هي إجماعيّة مقطوع بها.

ويدلّ عليه أيضا الإجماع المركّب ، فإنّ الظاهر عدم تفرقة أحد بين الموقوف والمملوك فيما يدخل به في الأنفال.

بل يمكن الاستدلال عليه بمفهوم صحيحة ابن وهب (١) أيضا ، فإنّ اللام في قوله : « لرجل » يمكن أنّ يكون للاختصاص الثابت للموقوف عليه الخاصّ أو المتولّي العامّ ، إلاّ أنّ مجرّد احتمال ذلك مع احتمال الملكيّة غير كاف في الاستدلال.

نعم ، يمكن الاستدلال بإطلاق قوله : « فمن أحيا » في صحيحة الكابلي (٢) ، فإنّه شامل لمن أحياها ووقفها أيضا ، فهو دليل على اعتبار الترك وعدمه هنا مع الإجماعين القطعيّين.

والمناط في التارك في الوقف الخاص : متولّيه الخاصّ إن كان ، أو الموقوف عليه ، وفي العامّ المتولّي الخاصّ إن كان ، وإلاّ فالحاكم مع وجوده في تلك النواحي ، أو عدول المسلمين مع عدمه.

ولا تكفي مشاهدة كون الأرض بائرة لا عامل لها وعدم اهتمام‌

__________________

(١) المتقدّمة في ص : ١٤٨.

(٢) الكافي ١ : ٤٠٧ ـ ١ وج ٥ : ٢٧٩ ـ ٥ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ ـ ٦٧٤ ، الاستبصار ٣ : ١٠٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٤ أبواب إحياء الموات ب ٣ ح ٢.

١٥٧

المتولّي الخاصّ أو العامّ في إحيائها ، لجواز عدم علم المتولّي بالكيفيّة ، وكذا الموقوف عليه ، بل اللازم الفحص وإعلام المتولّي العامّ أو الخاصّ أو الموقوف عليه ، فإن قصدوا الإحياء ونهضوا له ولو بعد حين يتوقّع فيه تهيّؤه عرفا فهو ، وإلاّ فيحييها من أراد ويصير هو أحقّ بها وملكا له.

ز : لو ترك المالك بالإحياء أو بغيره أيضا على الأظهر أرضا مدّة وعطّلها‌ ، ولم يهتمّ بإحيائها أو لم يكن في نظره ، ثمَّ أراد الإحياء ، فهل يجوز لغيره السبق عليه قبل شروعه في العمل؟ ولو سبق عليه فهل له ردعه ومنعه؟ وكذا لو عطّلها وتركها مالكها ومات المالك ، وأراد الوارث إحياءها وسبق عليهم محيي آخر ، فهل لهم منعه وأخذهم الأرض منه ، أم لا؟

الظاهر : الثاني ، لدخولها بالترك في الأنفال ، فلا تعود إلى الملكيّة بلا موجب ، ولاستصحاب جواز إحياء كلّ أحد لها قبل إرادة الإحياء.

ح : لو ماتت أرض الصغير‌ ، أو انتقل إليه ملك خراب يريد مالكه عمارته فمات وانتقل إلى صغيره ، فهل يعتبر الترك والتعطيل وعدمهما من وليّه المعيّن أو الحسبي ، أو لا ، بل ينتظر إلى كبر الصغير واعتبارهما بالنسبة إليه؟

الأحوط : الثاني ، والله العالم.

ط : قد عرفت إناطة الحكم في بعض الأقسام على الاحتياط أو الفتوى على عدم معروفيّة المالك.

وظاهر أنّ المراد منه ليس عدم معروفيّته عند أحد من الناس ، إذ حصول العلم بمثل ذلك غير ممكن. ولا عدم معروفيّته عند المحيي أو شخص معيّن مطلقا ، إذ ليست أرض إلاّ ومالكها غير معروف عند بعض الناس.

١٥٨

بل المراد : كون مالكها غير معروف عند المحيي ، ويكون بحيث لا تحصل معرفته بعد التفحّص عنه في مظانّه ، وهي بلد الأرض وحواليه ، فلا تدخل في الأنفال بدون ذلك التفحّص ، ومعه تكون من الأنفال ، إذ لا يثبت من الإجماع ولا صحيحة سليمان ـ اللذين هما الباعث لاعتبار معروفيّة المالك ـ أزيد من ذلك.

ي : لو فحص وأحيا ثمَّ بان له مالك آخر‌ ، لم يكن له حقّ ، إذ لم يثبت من أدلّة اعتبار عدم معروفيّة المالك وخروج معروف المالك عن العمومات ما يشمل ذلك أيضا.

يا : قد تلخّص ممّا ذكرنا : أنّ الأراضي الخربة تملك بالإحياء إن لم يكن لها مالك معروف بعد الفحص المذكور مطلقا ، وإن كان لها مالك معروف يملك أيضا به بعد تعطيل المالك إيّاها وتركها خربة كذلك ، وإن كان الأحوط في صورة العلم بتملّكه بغير الإحياء تحصيل الإذن منه.

يب : لو كانت هناك أرض خربة لها مالك معروف ولم يعلم أنّه عطّلها أو لا ، وأراد أحد إحياءها ، يستأذن المالك ، فإن أذن فهو ، وإلاّ فيأمره بإحيائها ، فإن أحياها أو نهض بصدده فلا يجوز لغيره إحياؤها وإن علّقه على أمر متوقّع له منتظر ، ولم يعلم من الخارج أنّ غرضه التعطيل.

وإن لم ينهض أو علّقه على أمر غير متوقّع في حقّه ، أو علم أنّه ليس بصدده وغرضه التعطيل ، يحييها من يريد.

والأولى ـ كما قيل (١) ـ الاستئذان من الحاكم.

السادس من الأنفال : كلّ أرض باد أهلها أو لا ربّ لها ـ من غير تقييد بالخربة أو الميتة ـ كما ورد في بعض الروايات المتقدّمة ، وإنّما لم يذكروها‌

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٤٩٧.

١٥٩

على حدة لأنّ معمورها داخل في مجهول المالك ، وخرابها في الخربة.

السابع : ما يصطفيه الإمام من غنيمة أهل الحرب‌ ، بمعنى : أنّ له أن يصطفي منها قبل القسمة ما يريد من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك ، بالإجماع ، كما في المنتهى وغيره (١) ، وعليه استفاضت الروايات (٢).

الثامن : الغنيمة المحوزة في قتال بغير إذن الإمام‌ ، وكونها من الأنفال على الحقّ الموافق للشيخين والسيّد والحلّي والمحقّق في الشرائع والفاضل في جملة من كتبه والشهيدين (٣) ، بل للشهرة العظيمة المحقّقة ، والمحكيّة في كتب الجماعة (٤) ، وفي الروضة : أنّه لا قائل بخلافها ، وعن الخلاف والسرائر : دعوى الإجماع عليه صريحا ، وفي التنقيح ظاهرا (٥).

لمرسلة الورّاق : « إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام ، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس » (٦) وضعفها ـ لو كان ـ منجبر بما ذكر.

واستدلّ له في الحدائق (٧) بحسنة ابن وهب : السريّة يبعثها الإمام‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٥٣ ، وكالرياض ١ : ٢٩٧.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٢٣ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١.

(٣) المفيد في المقنعة : ٢٧٥ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٢٦٣ ، والخلاف ٤ : ١٩٠ ، ونسبه إلى الثلاثة ـ ومنهم السيّد ـ في المعتبر ٢ : ٦٣٥ ، والحلي في السرائر ١ :٤٩٧ ، والمحقق في الشرائع ١ : ١٨٣ ، والعلاّمة في التحرير ١ : ٧٥ ، والشهيد الأول في اللمعة ، والثاني في الروضة ٢ : ٨٥.

(٤) كالرياض ١ : ٢٩٨.

(٥) الخلاف ٤ : ١٩٠ ، نقله عنه في المعتبر ٢ : ٦٣٥ ، وعبّر عنه ببعض المتأخّرين كعادته ، ولم نجده في السرائر ، التنقيح ١ : ٣٤٣.

(٦) التهذيب ٤ : ١٣٥ ـ ٣٧٨ ، الوسائل ٩ : ٥٢٩ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ١٦.

(٧) الحدائق ١٢ : ٤٧٨.

١٦٠