مستند الشّيعة - ج ١٠

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٠

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٩٢

كفاية واحد من كلّ طائفة ، وعدم دليل على الثاني.

لا يقال : الآية عامّة ، والتخصيص يرتكب بقدر المخصّص ، علم خروج غير الحاضرين بما مرّ ، فيبقى الباقي.

قلنا : جعله من باب التخصيص يوجب خروج الأكثر ، إذ ليس في كلّ بلد من الهاشميّين إلاّ أقلّ قليل ، فلا بدّ من حمل اللام على الجنس. على أنّ حمل الآية على الاستغراق غير ممكن ، لأنّ استغراق اليتامى مثلا يتامى آل محمّد إلى يوم القيامة وإرادتهم غير ممكنة ، وإرادة يتامى كلّ عصر تجوّز ، ويتامى عصر الخطاب غير مفيد ، فتأمّل.

فرعان :

أ : هل تجب التسوية في قسمة الأصناف ، فيعطى كلّ صنف قسما مساويا للآخر ، أم لا؟

مقتضى استصحاب الشغل وجعل السهام الثلاثة الاولى في الآية نصفا : الأول.

ومقتضى أصل إطلاق الآية وظاهر الصحيحة (١) : الثاني. وهو الأظهر ، لذلك ، كما صرّح به جماعة ، منهم الشهيد في البيان (٢) ، وإن كان الأول أحوط.

ب : على ما اخترناه من وجوب التقسيط على الأصناف ، فهل يجب التقسيط في كلّ فائدة‌ بخصوصها من معدن وغوص وربح ، ومن الأرباح في كلّ ربح ربح من كلّ شخص؟

أو الواجب تقسيط خمس كلّ شخص مطلقا؟

__________________

(١) المتقدّمة في ص : ٩٩.

(٢) البيان : ٣٥١.

١٠١

أو خمسه من كلّ سنة؟

احتمالات ، الأوجه : وجوب التقسيط في خمس كلّ معدن وغوص وكنز وغنيمة بخصوصه ، وفي كلّ ربح إذا أعطى خمسه قبل الحول ، ولو خمّسه بعد المؤنة ، فيقسّط خمس أرباح جميع الحول بعد المؤنة.

المسألة الثامنة : الحقّ اعتبار الفقر في مستحقّ الخمس من يتامى السادات ، وفاقا لظاهر الانتصار والنافع والإرشاد (١) ، بل للمشهور على ما صرّح به جماعة (٢).

لتصريح الأخبار (٣) بأنّ الله سبحانه عوّضهم الخمس من الزكاة ، والمفهوم من هذا الكلام : اتّحاد أهل الخمس والزكاة في جميع الأوصاف سوى ما صار سببا للتعويض وهو السيادة ، ويتبادر منه كون أهل الخمس بحيث لو لا المنع من الزكاة لأجل السيادة والتعويض لجاز لهم أخذ المعوّض.

ولقوله عليه‌السلام في آخر مرسلة حمّاد : « وجعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس ، فأغناهم به عن صدقات الناس » الحديث (٤) ، وصرّحت بأنّ النصف مقرّر للفقراء فيعتبر الفقر فيه.

وقد يستدلّ بوجوه أخر لا اعتناء للفقيه بأمثالها.

خلافا للشيخ والحلّي والجامع (٥) ، فلم يعتبروا الفقر فيهم ، لعموم الآية.

__________________

(١) الانتصار : ٨٧ ، النافع : ٦٣ ، الإرشاد ١ : ٢٩٣.

(٢) كما في الروضة ٢ : ٨٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩.

(٤) الكافي ١ : ٥٣٩ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ ـ ٣٦٦ ، الوسائل ٩ : ٥١٣ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨.

(٥) الشيخ في المبسوط ١ : ٢٦٢ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٩٦ ، الجامع للشرائع : ١٥٠.

١٠٢

ويجاب بوجوب تخصيصه بما مرّ.

ولأنّه لو اعتبر الفقر فيهم لم يكن اليتامى قسما برأسه.

ويضعف باحتمال أن يكون ذلك لمزيد التأكيد كما في آية الزكاة (١).

وظاهر المحكيّ عن المنتهى والتلخيص والتذكرة والتحرير والمختلف والمعتبر والشرائع والدروس (٢) ، التوقّف في المسألة.

وأمّا ابن السبيل فلا يعتبر فقره في بلده إجماعا. والحقّ المشهور : اعتباره في بلد التسليم ، للمرسلة ، وبها يقيّد إطلاق الآية.

ومن جميع ذلك يظهر اختصاص ذلك النصف بالفقراء من السادات وعدم استحقاق غيرهم بالمرّة.

المسألة التاسعة : الحقّ اشتراط الإيمان فيه ، وفاقا للأكثر ، كما صرّح به بعض من تأخّر (٣) ، وعن الغنية والمختلف : الإجماع عليه (٤).

للتعويض المذكور ، ولما في مرسلة حمّاد (٥) وغيرها (٦) من أنّ اختصاص الخمس بقرابة الرسول لكرامتهم وتنزيههم ورفعهم عن موضع الذلّ ، والمخالف ليس أهلا لذلك. إلاّ أن يقال بجواز اجتماع جهتي استحقاق الإذلال والكرامة ، كما روي من الترغيب إلى إكرام شريف كلّ قوم (٧).

__________________

(١) التوبة : ٦١.

(٢) المنتهى ١ : ٥٥٢ ، التذكرة ١ : ٢٥٤ ، التحرير ١ : ٧٤ ، المختلف : ٢٠٦ ، المعتبر ٢ : ٢٩٥ ، الشرائع ١ : ١٨٢ ، الدروس ١ : ٢٦٢.

(٣) كما في الحدائق ١٢ : ٣٨٩ ، والرياض ١ : ٢٩٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، المختلف : ٢٠٥.

(٥) المتقدّمة في ص : ٨٣.

(٦) الوسائل ٩ : ٥٠٩ أبواب قسمة الخمس ب ١.

(٧) الوسائل ١٢ : ١٠٠ أبواب أحكام العشرة ب ٦٨.

١٠٣

ولقوله عليه‌السلام في رواية يعقوب بن شعيب ـ بعد السؤال عمّن لم يتمكّن من دفع الزكاة إلى أهل الولاية ـ : « يدفعها إلى من لا ينصب » ، قلت : فغيرهم؟ قال : « ما لغيرهم إلاّ الحجر » (١).

وفي رواية الأوسي ـ بعد الأمر بطرح الصدقة التي لا يجد لها محلاّ من أهل الولاية في البحر ـ : « فإنّ الله عزّ وجلّ حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا » (٢).

وفي رواية عمر بن يزيد : عن الصدقة على النّصاب وعلى الزيديّة ، فقال : « لا تصدّق عليهم بشي‌ء ، ولا تسقهم من الماء إن استطعت » (٣).

وفي رواية ابن أبي يعفور : ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال : فقال : « هي لأصحابك » ، قال : قلت : فإن فضل منهم؟ قال : « فأعد عليهم » ، قال : قلت : فإن فضل عنهم؟ قال « فأعد عليهم » ، قال : قلت : فإن فضل عنهم؟ قال : « فأعد عليهم » ، قلت : فيعطى السؤال منها شيئا؟ قال : فقال : « لا والله إلاّ التراب ، إلاّ أن ترحمه فإن رحمته فأعطه كسرة » ثمَّ أومأ بيده فوضع إبهامه على أصابعه (٤).

والظاهر أنّ المراد السؤال من المخالفين بقرينة المقام ، وكراهة ردّ غيرهم من السؤال كما قال سبحانه ( وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ) (٥).

وأمّا قوله عليه‌السلام في رواية أبي بصير ـ بعد سؤال رجل : أعطي قرابتي من زكاة مالي وهم لا يعرفون ـ : « لا تعط الزكاة إلاّ مسلما ، وأعطهم من غير‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٤٦ ـ ١٢١ ، الوسائل ٩ : ٢٢٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٥٢ ـ ١٣٩ ، الوسائل ٩ : ٢٢٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٣ ـ ١٤١ ، الوسائل ٩ : ٢٢٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٥٣ ـ ١٤٢ ، الوسائل ٩ : ٢٢٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٦.

(٥) الضحى : ١٠.

١٠٤

ذلك » (١).

وموثّقته : عن الرجل يكون له قرابة محتاجون غير عارفين ، أيعطيهم من الزكاة؟ قال : « لا ، ولا كرامة ، لا يجعل الزكاة وقاية لماله ، يعطيهم من غير الزكاة إن أراد » (٢).

فلا ينافي ما ذكرنا ، لأنّ المسئول عنه لم يكن من السادات ، وإلاّ لم يسألوا عن إعطاء الزكاة ، فلا يشمل غير الزكاة ـ المجوّز إعطائه لهم ـ الخمس ، مع أنّ الخمس في زمانه كان يحمل إلى الإمام عليه‌السلام ولا يعطيه ربّ المال ، وأنّ قرابة السائل في الأولى كانوا معيّنين ، ولا يعلم أنّهم من السادة أو الرعيّة ، فلا يعلم شمول الخمس.

المسألة العاشرة : لا تعتبر العدالة فيه بلا خلاف يوجد كما قيل (٣) ، وقيل : وهو ممّا لا يعرف فيه مخالفا بعينه (٤) ، لإطلاق الأدلّة السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

وربّما يظهر من الشرائع (٥) وجود مخالف ، وفي المدارك : أنّه مجهول (٦).

وقيل : لعلّه السيّد ، فإنّه وإن لم يصرّح باعتبارها ها هنا ، ولكنّه استدلّ على اعتبارها في الزكاة بما يجري هنا ، وهو الظواهر الناهية عن معونة الفسّاق والعصاة (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٥٥ ـ ١٤٦ ، الوسائل ٩ : ٢٤٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٥٥ ـ ١٤٨ ، الوسائل ٩ : ٢٤٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٦ ح ٢.

(٣) الرياض ١ : ٢٩٧.

(٤) المدارك ٥ : ٤١١.

(٥) الشرائع ١ : ١٨٣.

(٦) المدارك ٥ : ٤١١.

(٧) انظر الرياض ١ : ٢٩٧.

١٠٥

وقال بعض الأجلّة : بعض العبارات يشعر بالخلاف ، وكلام ابن فهد في المهذب يصرّح به. انتهى.

المسألة الحادية عشرة : يحلّ نقل الخمس من بلده مع عدم وجود المستحقّ فيه ، بلا ريب فيه كما في المدارك (١) ، وقولا واحدا كما في غيره (٢) ، للأصل ، ولأنّه توصّل إلى إيصال الحقّ إلى مستحقّه فيكون جائزا ، بل قد يكون واجبا.

وأمّا مع وجوده فيه ، فذهب جماعة ـ منهم : النافع والشرائع والإرشاد والمنتهى والتحرير والدروس ـ إلى عدم جواز النقل (٣) ، لأنّ المستحقّ مطالبه من حيث الحاجة ، فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحقّ عن حقّه مع المطالبة.

وفيه : منع كونه حقّا لهؤلاء المخصوصين.

نعم ، لهم نوع استحقاق أدنى من الاستحقاق بخصوصه ، وإيجاب مثله لحرمة النقل مع مطالبته ممنوع.

ولذا ذهب الحلّي والشهيد الثاني إلى جواز النقل (٤) ، واختاره في المدارك والذخيرة (٥) ، وهو الأقوى.

المسألة الثانية عشرة : قد ذكر أكثر الأصحاب بأنّ مع وجود الإمام يحمل الخمس إليه جميعا ، وهو يقسّم سهام الطوائف الثلاث بينهم ،

__________________

(١) المدارك ٥ : ٤١٠.

(٢) الرياض ١ : ٢٩٧.

(٣) النافع : ٦٣ ، الشرائع ١ : ١٨٣ ، الإرشاد ١ : ٢٩٣ ، المنتهى ١ : ٥٥٢ ، التحرير ١ : ٧٤ ، الدروس ١ : ٢٦٢.

(٤) الحلي في السرائر ١ : ٤٩٦ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٨.

(٥) المدارك ٥ : ٤١٠ ، الذخيرة : ٤٨٩.

١٠٦

فيعطيهم على قدر كفايتهم مقتصدا ، فإن فضل عن كفايتهم شي‌ء عن نصيبهم كان له ، ولو أعوز كان عليه الإتمام من نصيبه (١).

وخالف في ذلك الحلّي ومنع الحكمين ـ أي كون الزائد له والناقص عليه ـ أشدّ منع (٢).

وأطال الفريقان في النقض والإبرام والجدال والبسط من الكلام والقيل والقال.

وأنا لا أرى في التعرّض للمسألة جدوى وفائدة ، وذلك لأنّ مقصودهم إن كان بيان حكم الإمام وما له وعليه حال وجوده فهو تعرّض بارد واتّجار كأسد ، لأنّه المرجع في الأحكام والعارف بالحلال والحرام.

وإن كان غرضهم معرفة ما كان عليه ، حتى يبنى تقسيم الخمس في زمان الغيبة عليه ، كما ذكره المحقّق الثاني في شرح القواعد ، حيث قال بعد اختيار المشهور : ويتفرّع عليه جواز صرف حصّته في حال الغيبة إليهم وعدم جواز إعطاء الزائد على مئونة السنة (٣). انتهى. فتستخرج منه أحكام ثلاثة : كون الفاضل مال الإمام الغائب ، وإتمام الناقص من حصّته ، والاكتفاء في إعطاء الخمس بقدر مئونة السنة مقتصدة.

ففيه : أنّه لا يمكن وجود الفاضل والعلم به في هذه الأزمان ، لعدم محصوريّة فقراء السادة ، مع أنّهم لو عرفوا جميعا لما يفضل عنهم شي‌ء. فلا يتفرّع الحكم الأول تفريعا مفيدا لنا.

وأمّا الثاني ، فإنّما كان يفيد لو علمنا أنّه عليه‌السلام كان يتمّ الناقص من‌

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٢٩٩.

(٢) السرائر ١ : ٤٩٢.

(٣) جامع المقاصد ٣ : ٥٤.

١٠٧

نصيبه من الخمس ، وليس دليل على ذلك أصلا ، إذ ليس في المرسلتين (١) ـ اللتين هما مستند الأكثر ـ إلاّ أنّه كان على الوالي إتمامه من عنده ، ولم يكن ما عنده منحصرا بالخمس والزكاة ، بل كانت له أموال أخر ، وعنده ما يصرف في مصالح العباد ، ومحاويج الناس ، ومنافع موقوفات آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والنذور ، وغير ذلك.

مع أنّه قد صرّح بمثل ذلك في مرسلة حمّاد في تقسيم الزكاة أيضا ، قال : « بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا ، ونصف العشر ممّا سقي بالدوالي والنواضح ، فأخذه الوالي » إلى أن قال : « ثمانية أسهم تقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق ولا تقتير ، فإن فضل من ذلك شي‌ء ردّ إلى الوالي ، وإن نقص من ذلك شي‌ء ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يموّنهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا » (٢).

هذا ، مضافا إلى أنّ جمعا من الأصحاب أيضا لم يبنوا الحكم على ذلك ، حيث توقّفوا في هذه المسألة ، ومع ذلك ذهبوا إلى جواز صرف حصّته في زمان الغيبة إليهم على وجه الغنيمة.

وأمّا الثالث ، فلأنّه لا تدلّ المرسلتان ـ اللتان هما الأصل في المسألة ـ على لزوم الاكتفاء بمؤنة السنة ، بل تصرّحان بأنّه كان عليه‌السلام يعطي هذا القدر ، ولا دلالة في ذلك على التعيين أصلا ، كما إذا ورد أنّه أعطى فقيرا من الزكاة كذا وكذا ، وقد نصّ في المرسلة أيضا على أنّه كان يفعل في الزكاة كذلك مع أنّه لا يتعيّن فيه ذلك.

__________________

(١) المتقدّمتين في ص : ٨٣ و ٨٤.

(٢) الكافي ١ : ٤٥٣ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٢٦٦ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٢٨ ح ٣.

١٠٨

وبالجملة : لا فائدة لنا في التعرّض لهذه المسألة أصلا ، فصرف الوقت فيما يهمّ لنا أولى وأحرى.

المسألة الثالثة عشرة : اختلفوا في حكم الخمس في زمن الغيبة ، والكلام فيه إمّا في نصف الأصناف الثلاثة ، أو في نصف الإمام ، فهاهنا مقامان :

المقام الأول : في نصف الأصناف. وفيه خمسة أقوال :

الأول : وجوب صرفه فيهم وقسمته عليهم‌ ، وهو الحقّ المشهور بين المتقدّمين والمتأخّرين ، وصرّح به السيّد في المسائل الحائريّة ، ونسب إلى جمهور أصحابنا ، بل قيل : لا خلاف فيه أجده إلاّ من نادر من القدماء (١).

الثاني : سقوطه وكونه مباحا للشيعة‌ ، حكي عن الديلمي وصاحب الذخيرة (٢) ، ونقله في الحدائق عن شيخه الشيخ عبد الله بن صالح البحريني وجملة من معاصريه (٣) ، ويظهر من الشيخ في النهاية تجويزه مع مرجوحيّته (٤).

إلاّ أنّ ظاهر بعضهم نفي القول بإباحة هذا النصف ، ونسب ابن فهد في شرح النافع أنّ مذهب الديلمي إباحة نصف الإمام خاصّة (٥).

والذي نقل من كلامه إلينا غير صريح في ذلك أيضا ، بل يحتمل إرادة‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٩٩.

(٢) الديلمي في المراسم : ١٤٠ واستفاد العلاّمة في المختلف : ٢٠٧ تعميم الإسقاط من كلامه ، الذخيرة : ٤٩٢.

(٣) الحدائق ١٢ : ٤٣٩.

(٤) النهاية : ٢٠١.

(٥) المهذّب البارع ١ : ٥٧١.

١٠٩

نصيبه من الأنفال ، ولذا قال في كشف الرموز : إنّه لا يعرف القائل بهذا القول إلاّ من حكاية المصنّفين (١).

وعلى هذا ، فيكون عدم إباحته محل الوفاق.

الثالث : وجوب دفنه إلى وقت ظهور الإمام عليه‌السلام‌ ، نقله في النهاية والمقنعة عن بعضهم (٢).

الرابع : وجوب حفظه والوصيّة به‌ ، وهو مختار الشيخ في التهذيب (٣).

الخامس : التخيير [ بين ] (٤) قسمته بينهم وعزله وحفظه والوصيّة به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه‌السلام.

وهو مختار المفيد في المقنعة ، حيث اختار أولا عزل جميع السهام وحفظه ، ثمَّ قال : ولو قسّم شطر الأصناف بينهم كان صوابا (٥). وكذا الشيخ في المبسوط ، إلاّ أنّه زاد الدفن أيضا (٦).

لنا : إطلاق الآية الكريمة (٧) ، والأخبار الكثيرة (٨) المتقدّمة بعضها بل أكثرها ، الموجبة للخمس بقول مطلق ، أو المثبتة نصفه للأصناف من غير تقييد بوقت أو حال ، أو الدالّة على وجوبه على كلّ أحد من غير تخصيص ، وعلى وجوبه في كلّ عام وفي كلّ ما أفاده الناس.

المعتضدة بالمستفيضة (٩) المصرّحة بتعويض الذرّية الخمس عن‌

__________________

(١) كشف الرموز ١ : ٢٧٢.

(٢) النهاية : ٢٠١ ، المقنعة : ٢٨٦.

(٣) التهذيب ٤ : ١٤٧.

(٤) أثبتناه لاستقامة العبارة.

(٥) المقنعة : ٢٨٦.

(٦) المبسوط ١ : ٢٦٤.

(٧) الأنفال : ٤١.

(٨) الوسائل ٩ : ٤٨٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١.

(٩) الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩.

١١٠

الزكاة تنزيها وصيانة لهم عن أوساخ أيدي الناس.

المؤيّدة بالشهرة العظيمة ، التي كادت أن تكون إجماعا ، الخالية عن المعارض جدّا ، إذ ليس إلاّ بعض أدلّة المخالفين في المسألة ، وهي للمعارضة غير صالحة.

دليل المسقطين له المبيحين إيّاه للشيعة أمور ثلاثة :

الأول : ما أشار إليه المفيد (١) من أنّ تقسيم الخمس بين أربابه منصب للإمام ـ وهو الذي كان يقسّمه ـ وهو غائب ، ولا دليل على جواز نيابة المالك أو غيره عنه في ذلك.

وفيه : أنّ أدلّة استحقاق هؤلاء لنصف الخمس مطلقة من غير تعيين لمن يصرفه إليهم ، وأمر الإمام أحدا بأخذه أو إتيانه إليه لا يدلّ على أنّه يجب إتيانه إليه.

سلّمنا وجوب دفعه إليه ليصرفه فيهم ، ولكن لا يلزم من سقوط ذلك ـ لتعذّر الوصول إلى من له حقّ الصرف ـ سقوط أصل الحقّ الثابت بالكتاب والسنّة ، المقتضيين لاستمراره إلى الأبد ، فإنّ مقتضى أدلّة وجوب الإيصال إلى الإمام ـ لو تمّت ـ وجوبه مع الإمكان ، ويخرج عن أصل عدم وجوبه المقتضي لجواز صرف كلّ أحد في الأصناف في حال الإمكان ، وأمّا مع عدمه فيبقى الأصل بلا معارض.

الثاني : الأخبار الكثيرة المتضمّنة لتحليل الخمس وإباحته مطلقا للشيعة ، وهي كثيرة جدّا :

كصحيحة النصري : إنّ لنا أموالا من غلاّت وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمنا أنّ لك فيها حقّا ، قال : « فلم أحللنا إذن لشيعتنا إلاّ لتطيب‌

__________________

(١) المقنعة : ٢٨٦.

١١١

ولادتهم ، وكلّ من والى آبائي فهو في حلّ عمّا في أيديهم من حقّنا ، فليبلغ الشاهد الغائب » (١).

وروايته ، وفيها : « إنّ لنا الخمس في كتاب الله ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال » إلى أن قال : « إنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت » إلى أن قال : « اللهمّ إنّا أحللنا ذلك لشيعتنا » (٢).

ورواية يونس بن يعقوب : تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات ، نعرف أنّ حقّك فيها ثابت ، وإنّا عن ذلك مقصّرون ، فقال : « ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم » (٣).

وصحيحة الفضلاء : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هلك الناس في بطونهم وفروجهم ، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا ، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ » (٤).

وصحيحه ابن مهزيار ، وفيها : « من أعوزه شي‌ء من حقّي فهو في حلّ » (٥).

وصحيحة الكناسي : « أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟ » ‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٤٣ ـ ٣٩٩ ، الوسائل ٩ : ٥٤٧ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٩.

(٢) التهذيب ٤ : ١٤٥ ـ ٤٠٥ ، الوسائل ٩ : ٥٤٩ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ١٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣ ـ ٨٧ ، التهذيب ٤ : ١٣٨ ـ ٣٨٩ ، الاستبصار ٢ : ٥٩ ـ ١٩٤ ، الوسائل ٩ : ٥٤٥ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٦.

(٤) التهذيب ٤ : ١٣٧ ـ ٣٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٥٨ ـ ١٩١ ، المقنعة : ٢٨٢ ، العلل : ٣٧٧ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٥٤٣ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٣ ـ ٨٨ ، التهذيب ٤ : ١٤٣ ـ ٤٠٠ ، الوسائل ٩ : ٥٤٣ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٢.

١١٢

فقلت : لا أدري ، فقال : « من قبل خمسنا أهل البيت ، إلاّ لشيعتنا الأطيبين ، فإنّه محلّل لهم ولميلادهم » (١).

وحسنة الفضيل ، وفيها : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لفاطمة عليها‌السلام : أحلّي نصيبك من الفي‌ء لآباء شيعتنا ، ليطيبوا » ،

ثمَّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم ، ليطيبوا » (٢).

ورواية الرقّي : « الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا ، إلاّ أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك » (٣).

والمرويّ في تفسير الإمام : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد علمت أنّه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر ، فيستولي على خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه ، ولا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه ، وقد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شيئا من ذلك من شيعتي ، لتحلّ لهم منافعهم من مأكل ومشرب ، ولتطيب مواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد حرام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك ، وقد تبعك رسول الله في فعلك ، أحلّ للشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي ، ولا أحلّها أنا ولا أنت لغيرهم » (٤).

ورواية معاذ : « موسّع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم‌

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٦ ـ ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٣٦ ـ ٣٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٥٧ ـ ١٨٨ ، المقنعة : ٢٨٠ ، الوسائل ٩ : ٥٤٤ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٤٣ ـ ٤٠١ ، الوسائل ٩ : ٥٤٧ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ١٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤ ـ ٩٠ ، التهذيب ٤ : ١٣٨ ـ ٣٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٥٩ ـ ١٩٣ ، الوسائل ٩ : ٥٤٦ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٧.

(٤) الوسائل ٩ : ٥٥٢ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٢٠.

١١٣

بالمعروف » (١).

ورواية أبي حمزة : « نحن أصحاب الخمس والفي‌ء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا » (٢).

ورواية ابن سنان ، وفيها ـ بعد ذكر أنّ على من اكتسب الخمس لفاطمة وللحجج ـ : « إلاّ من أحللناه من شيعتنا ، لتطيب لهم به الولادة » (٣).

ورواية سالم : قال رجل : حلّل لي الفروج ، ففزع أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق ، إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه ، فقال : « هذا لشيعتنا حلال ، الشاهد منهم والغائب ، والميّت منهم والحيّ ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة ، فهو لهم حلال » (٤).

وصحيحة محمّد : « إنّ أشدّ ما فيه يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول : يا ربّ خمسي ، وقد طيّبنا ذلك لشيعتنا ، لتطيب ولادتهم ، ولتزكو أولادهم » (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦١ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ١٤٣ ـ ٤٠٢ ، الوسائل ٩ : ٥٤٧ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ١١.

(٢) الكافي ٨ : ٢٨٥ ـ ٤٣١ ، الوسائل ٩ : ٥٥٢ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ١٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٢ ـ ٣٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ ـ ١٨٠ ، الوسائل ٩ : ٥٠٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٨.

(٤) التهذيب ٤ : ١٣٧ ـ ٣٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٥٨ ـ ١٨٩ ، المقنعة : ٢٨١ ، الوسائل ٩ : ٥٤٤ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٦ ـ ٣٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٥٧ ـ ١٨٧ ، الوسائل ٩ : ٥٤٥ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٥ ، ورواها في الكافي ١ : ٥٤٦ ـ ٢٠ ، المقنعة : ٢٨٠.

١١٤

وصحيحة زرارة المرويّة في العلل : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام حلّلهم من الخمس ـ يعني الشيعة ـ ليطيب مولدهم » (١).

ورواية حكيم ، وفيها بعد ذكر آية الخمس : « إلاّ أنّ أبي جعل شيعتنا من حلّ في ذلك ، ليزكوا » (٢).

والتوقيع الرفيع المرويّ في إكمال الدين والاحتجاج ، وفيه : « وأمّا المتلبسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئا فأكله فإنّما يأكل النيران ، وأمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا ، لتطيب ولادتهم » (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار ، التي بعضها مخصوص بحلّية الفي‌ء ، وبعضها يدلّ على تحليل خمس بعض أشخاص معيّنين ، وبعضها على تحليل شي‌ء معيّن.

وجوابه أولا : بالمعارضة بالأخبار المتكثّرة ، كالروايات الثلاث ـ المتقدّمة في أوائل خمس الأرباح (٤) ـ لابن مهزيار وابن الصلت والنيشابوري عن أبي محمّد وأبي الحسن الثالث.

وكرواية محمّد بن يزيد الطبري : قال : كتب رجل من تجّار فارس من بعض مواليّ أبي الحسن الرضا عليه‌السلام يسأله الإذن في الخمس ، فكتب إليه : « بسم الله الرحمن الرحيم » إلى أن قال : « لا يحلّ مال إلاّ من وجه أحلّه الله ،

__________________

(١) العلل : ٣٧٧ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٥٥٠ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ١٥.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢١ ـ ٣٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٥٤ ـ ١٧٩ ، الوسائل ٩ : ٥٤٦ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٨ ، ورواها في الكافي ١ : ٥٤٤ ـ ١٠.

(٣) كمال الدين ٢ : ٤٨٣ ـ ٤ ، الاحتجاج ٢ : ٤٧١ ، الوسائل ٩ : ٥٥٠ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ٤ ح ١٦.

(٤) في ص : ٣١ ـ ٣٢.

١١٥

إنّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا وما نبذل ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته ، فلا تزووه عنّا ، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا » إلى أن قال : « وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب » (١).

والأخرى : قال : قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس ، فقال : « ما أمحل هذا؟! تمحضونا بالمودّة بألسنتكم وتزوون عنّا حقّا جعله الله لنا وجعلنا له ، وهو الخمس ، لا نجعل أحدا منكم في حلّ » (٢).

ورواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وفيها : « ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقّنا » (٣).

واخرى : « من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره الله ، اشترى ما لا يحلّ له » (٤).

وصحيحة ابن مهزيار الطويلة ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، وفيها : « وأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام ، قال الله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) الآية (٥) » ، إلى أن قال : « فمن كان عنده شي‌ء من‌

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٧ ـ ٢٥ ، التهذيب ٤ : ١٣٩ ـ ٣٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٥٩ ـ ١٩٥ ، المقنعة : ٢٨٣ ، الوسائل ٩ : ٥٣٨ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٣ ح ٢ ، وفي الكافي والوسائل : محمد بن زيد الطبري.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٨ ـ ٢٦ ، التهذيب ٤ : ١٤٠ ـ ٣٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٦٠ ـ ١٩٦ ، الوسائل ٩ : ٥٣٩ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٣ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ١ : ٥٤٥ ـ ١٤ ، المقنعة : ٢٨٠ ، الوسائل : ٩ : ٤٨٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ٥.

(٤) التهذيب ٤ : ١٣٦ ـ ٣٨١ ، الوسائل ٩ : ٥٤٠ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٣ ح ٦.

(٥) الأنفال : ٤١.

١١٦

ذلك فليوصل إلى وكيلي ، من كان نائيا بعيد الشقّة فليعمد لإيصاله ولو بعد حين » (١).

والرضوي ، وفيه : « فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس ، فإن أخرجه فقد أدّى حقّ الله عليه » إلى أن قال : « فاتّقوا الله وأخرجوا حقّ الله ممّا في أيديكم يبارك لكم في باقيه » (٢).

والمرويّ في كتاب الخرائج والجرائح : « يا حسين ، لم ترزأ على الناحية؟ ولم تمنع أصحابي من خمس مالك؟ » ثمَّ قال « إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده تدخله عفوا وكسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقّه » قال : فقلت : السمع والطاعة ، ثمَّ ذكر في آخره : أنّ العمري أتاه وأخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار المتضمّنة لما فيه الخمس (٤) ، وأنّه يجب بعد المؤنة ، وكيفيّة تقسيم الإمام له.

وقد يذكر في المعارضة توقيعان آخران (٥) لا دلالة لهما على المطلوب أصلا ، كما لا يخفى على المتأمّل ، فإنّ مدلولهما قريب من صدر التوقيع المذكور.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٤١ ـ ٣٩٨ ، الاستبصار ٢ : ٦٠ ـ ١٩٨ ، الوسائل ٩ : ٥٠١ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٥.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٤ ، المستدرك ٧ : ٢٨٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٦ ح ١.

(٣) الخرائج والجرائح ٣ : ١١١٨ ـ ٣٣ ، الوسائل ٩ : ٥٤١ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٣ ح ٩.

(٤) الوسائل ٩ : ٥٣٧ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٣.

(٥) الظاهر أنّه ناظر إلى كلام الرياض ١ : ٣٠١ ، والتوقيعان المذكوران مرويان في الوسائل ٩ : ٥٠٤ أبواب الأنفال ب ٣ ح ٦ و ٧.

١١٧

وجه التعارض : أنّ من المعلوم أنّ استدلالهم بروايات التحليل (١) باعتبار حملهم إيّاها على التحليل الاستمراري ، وإلاّ فتحليل أيّام حقّه في زمان لا يفيد لزمان الغيبة ، ولا شكّ أنّ الاستمراري ينافي الأمر بالأخذ ، والمطالبة ، والمنع من ترك دفعه ، والتصريح بعدم جعله حلالا على أحد ، والنهي عن اشترائه ، والتصريح بالوجوب في كلّ عام ، والأمر بالإيصال إلى الوكيل ، وبالإخراج.

وغير نادر من أخبار التحليل مرويّ عن الأمير والصادقين عليهم‌السلام (٢) ، وغير نادر من أخبار الوجوب مرويّ عن مولانا الرضا وأبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث وأبي محمّد العسكري عليهم‌السلام (٣).

والتوقيع المحلّل يعارض رواية الجرائح.

وحمل التوقيع المحلّل على زمان الغيبة الكبرى تأويل بلا شاهد ، وحمل بلا حامل.

وليست المطالبة في التوقيع الآخر (٤) من باب التخصيص اللفظي حتى يقال : خرج ما خرج فيبقى الباقي ، وإنّما هو فعل ذو وجوه.

ولا شكّ أنّ الإيجاب المتأخّر مناف للتحليل المتقدّم ، فيحصل التعارض ، وتترجّح أخبار الوجوب بمعاضدة الشهرة القديمة والجديدة ، وموافقة الآية الكريمة (٥) ، ومخالفة الطائفة العامّة ، وبالأحدثيّة ، التي هي أيضا من المرجّحات المنصوصة ، مع أنّ مع التكافؤ أيضا يجب الرجوع إلى‌

__________________

(١) المتقدمة في ص : ١١١ ـ ١١٥.

(٢) راجع ص : ١١١ ـ ١٥١.

(٣) راجع ص : ٣١ و ٣٢.

(٤) انظر الوسائل ٩ : ٥٣٧ أبواب الأنفال ب ٣.

(٥) الأنفال : ٤١.

١١٨

الكتاب ومطلقات الخمس واستصحاب وجوبه وأصالة عدم التحليل.

وهذا مع مطابقة أخبار الوجوب للاعتبار ، فإنّ المصرّح به في الأخبار (١) : أنّ الله سبحانه حرّم الزكاة على فقراء الذرّية الطاهرة ، تعظيما وإكراما لهم ، وعوّضهم عن ذلك بالخمس ، ولو أبيح مطلق الخمس وسقط عن مطلق الشيعة ـ والمخالف لا يقول بخمس الأرباح الذي هو معظمه ، ولا يخمّس المال المختلط ، بل الغوص عند أكثرهم ، ومع ذلك لا يعطونه سادات الشيعة ، ولو أعطوا لا يعطونه الشيعة الساكنين بلاد التشيّع ـ فأيّ عوض حصل للذرّية مع كثرتهم؟! وبما ذا وقع التلافي لهم؟! وبأيّ شي‌ء يدفع احتياج فقرائهم ومساكينهم؟!

وثانيا : بأنّ أكثر أخبار التحليل غير شامل لحقّ الأصناف ، بل صريح أو ظاهر في حقّهم خاصّة ، لتضمّنها لفظ : « حقّنا » أو : « مظلمتنا » أو : « خمسنا أهل البيت » ونحو ذلك ، كالروايات التسع الاولى ، بل بعضها يختصّ بحقّ بعض الأئمّة ، وهو ما تضمّن لفظ « حقّي » و « حقك » و « نصيبي » و « نصيبك » كالروايات الأربع : الثالثة والخامسة والسابعة والثامنة ، فلا يدلّ على سقوط حقّ جميع الأئمّة.

وأمّا الثمان البواقي ، فالأربعة الأولى منها لا دلالة لها على مطلوبهم.

أمّا أولاها ـ وهي رواية معاذ ـ فلعدم دلالتها على أمر الخمس ، ولو سلّم فإنّما يكون بالعموم المطلق بالنسبة إلى أخبار وجوب الخمس ، فيجب التخصيص.

مضافا إلى احتمال شمول الإنفاق لإخراج الخمس أيضا ، مع أنّها مقيّدة بالمعروف ، فلعلّه بعد إخراج الخمس ، بل هو كذلك عند من يوجب‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩.

١١٩

إخراجه.

وأمّا ما بعدها ، فلاحتمال إرجاع الضمير إلى الفي‌ء ، بل هو الراجح ، لأقربيّته وإفراد الضمير.

مضافا إلى أنّ مفهوم الاستثناء فيه عدم تحريم الخمس والفي‌ء للشيعة ، وهو يصدق بحلّيّة بعض ذلك ولو لبعض الشيعة ، فتأمّل.

وأمّا ما بعدها ، فلجواز كون لفظة « من » في قوله : « من شيعتنا » تبعيضيّة ، بل هو الأظهر ، فلا يعلم أنّه من هو ، فيمكن أن يكون بعض أصحاب بعض الأئمّة.

وأمّا ما بعدها ، فلعدم دلالتها على تحليل الخمس أصلا ، إذ يمكن أن يكون المسئول عن إباحتها ما يحتمل أن يكون فيه خمسهم أو أن يكون فيه الفي‌ء وغنائم دار الحرب.

فلم تبق إلاّ الأربعة الأخيرة ، والثلاثة الأولى منها أيضا لا تدلّ على أزيد من تحليل الخمس كلاّ أو بعضا للشيعة الموجودين في زمان التحليل أو مع ما سبقه ، لأنّ « أحللنا » و « طيّبنا » و « حلّلهم » و « جعلهم في حلّ » ـ بالإضافة إلى من يأتي ـ مجاز قطعا ، فلا يرتكب إلاّ بدليل.

ومنه يظهر جواب آخر لأكثر ما يسبق الأربعة من أخبار التحليل ، بل لجميعها.

فلم يبق إلاّ التوقيع ، وظاهر أنّه بانفراده ـ سيّما مع ما مرّ من وجوه المرجوحيّة ـ لا يقاوم أخبار الوجوب البتّة.

مضافا إلى أنّه لو أريد منه العموم بالنسبة إلى جميع سهام الخمس يخرج جدّا عن الحجّية بالمخالفة للشهرتين والدخول في حيّز الشذوذ.

ومنه يظهر جواب آخر لجميع أخبار الإباحة.

١٢٠