مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

فإن فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة » (١).

والجواب عنها ـ مع ضعف الأخير ، وأخصّية الأولين والأخير عن مطلوب بعضهم ؛ لاختصاصها بالسبائك وتحقّق القول بالفصل ـ : أنّ الأخبار المتقدّمة قرينة على عدم إرادة الوجوب من هذه ، فهي محمولة على الاستحباب ، كما قاله أكثر الأصحاب (٢).

مع أنّ الاولى غير دالّة على الوجوب أصلا ؛ إذ قوله : « فيه الزكاة » أعمّ من الوجوب والاستحباب.

بل كذا قيل في الموثّقتين الأخيرتين أيضا (٣) ؛ لاحتمال عود الضمير في « عليه » إلى المال ، قال : وحينئذ لا فرق بين في وعلى. وهو كذلك.

مع أنّه على فرض التعارض فالترجيح للمتقدّمة ؛ لأصحّية السند وأكثريّة العدد ، مع أنّه لو لا الترجيح لكان المرجع إلى الأصل ، والاستصحاب مع القول الأول.

وقد يرجّح الثاني بمخالفة جميع العامّة ، كما صرّح به في الانتصار (٤).

وفيه : أنّه إنّما يحتاج إليه لو لا انفهام الاستحباب عرفا مع مقابلة الفريقين من الأخبار ، مع أنّ الثانية أيضا موافقة لقول مالك (٥) وأحمد (٦) ، واشتهار مذهب الشافعي وأبي حنيفة (٧) في تلك الأزمنة لا يفيد بعد موافقة‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٩ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٨١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٦ ح ١.

(٢) كما في الذخيرة : ٤٣٢ ، والرياض ١ : ٢٧١.

(٣) كما في الاستبصار ٢ : ٨ ، والمدارك ٥ : ٧٦.

(٤) الانتصار : ٨٣.

(٥) الموطأ ١ : ٢٥٠.

(٦) المغني والشرح الكبير ٢ : ٤٦٥ ، ٥٣٤.

(٧) أنظر : الأم للشافعي ٢ : ٢٤ ، وبدائع الصنائع ٢ : ١٥.

٨١

كلّ منهما لطائفة من العامّة.

وقد تحمل الثانية على قصد الفرار بعد الحول ، ويستشهد له بموثّقة زرارة : إنّ أباك قال : « من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها » ، قال : « صدق أبي ، إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه ، وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه منه » (١) ، ونحوها حسنته (٢).

وردّه في الحدائق بأنّه لا يجري في الموثّقة الثانية ؛ لأنّه متى خصّ بتمام الحول وجعل المقسم بعده اقتضى سقوط الزكاة عمّن فعله ليتجمّل به ، وهو خلاف الإجماع ، وحمل الفرار على ما بعد الحول وقصد التجمّل عليها قبله يجعل الكلام متهافتا (٣).

أقول : يمكن أن يقال : إنّ المراد حمل الفرار من الزكاة على ما إذا فعله بعد الحول ، فيكون المقسم عامّا ويقسّمه الإمام على قسمين : قسم يفعله بعد الحول ، وهو الذي عبّر عنه بقوله : « فإن كان فرّ به من الزكاة ».

وقسم يفعله قبله وهو المذكور بقوله : « ليتجمّل به ».

وإنّما عبّر بما بعد الحول بالفرار لأنّ الفرار عن الشي‌ء [ بعد ] (٤) وجوده ، فالاستشهاد إنّما هو في التجوّز دون التخصيص المستلزم للتهافت.

وإلى هذا ينظر كلام الشيخ ؛ حيث ذكر بعد ذلك الحمل : أنّ معه لا يستقيم الاستثناء في الموثّقة الاولى ، وأجاب بأنّ « لا » في جواب السؤال عن وجوب الزكاة في الحلي اقتضى أنّ كلما يقع عليه اسم الحلي لا يجب‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٥ ـ ٤ ، الاستبصار ٢ : ٨ ـ ٢٤ ، التهذيب ٤ : ١٠ ـ ٢٧ ، الوسائل ٩ : ١٦١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١١ ح ٥.

(٢) المتقدّمة في ص ٦٨.

(٣) الحدائق ١٢ : ١٠٠.

(٤) أضفناه لاستقامة المعنى.

٨٢

عليه الزكاة ، سواء صنع قبل حلول الوقت أو بعد حلوله ؛ لدخوله تحت العموم ، فقصد عليه‌السلام بذلك تخصيص البعض من الكلّ ، وهو ما صنع بعد حلول الوقت (١). انتهى.

يعني : أنّه أراد من قوله « إلاّ ما فرّ » ما حال عليه الحول ، فتجوّز عن حلول الحول بذلك ، وبه حصل التخصيص في المستثنى منه.

وعلى هذا يظهر جواب آخر عن الأخبار الثانية ؛ إذ يكون الخبران المذكوران (٢) قرينتين على التجوّز ، فيجب ارتكابه.

فروع على القول بعدم السقوط :

أ : هل الوجوب يختصّ بالفرار في أثناء الحول؟

أم يعمّ الفرار ولو قبل الشروع في الحول أيضا ، كأن ورث مالا زكويّا فبدّل بعضه أولا فرارا؟

ظاهرهم : العموم.

ب : لو تركّب القصد من الفرار وغيره ، فمع استقلال أحدهما فالحكم له ، ومع تساويهما يشكل.

ج : لو فرّ وبدّل فهل الزكاة متعلّقة بالمبدل ، أو المبدل منه ، أو ينتقل إلى الذمّة؟ فيه احتمالات.

المسألة السادسة : لا تعدّ أولاد الأنعام ـ الحاصلة في أثناء حول الأمّهات ـ مع أمّهاتها ، بل لها حول بانفرادها.

وكذا غير الأولاد ممّا يملكه المالك ـ ويضمّه مع ما كان له ـ في أثناء الحول بإرث أو شراء أو نحو ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٠.

(٢) في ص ٦٨ ، ٨٠.

٨٣

بلا خلاف فيه ، كما في الذخيرة والحدائق (١) ، بل بالإجماع ، كما في المدارك (٢) ، وحكاه بعضهم عن جملة من عبارات الأصحاب (٣).

ويدلّ عليه عموم جميع ما دلّ على أنّ « كلّ ما لم يحلّ عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه فيه » (٤).

وجميع (٥) ما دلّ على أنّه « ليس في السخال شي‌ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج » (٦).

ولا فصل بين الأولاد وغيرها من الضمائم بالإجماع ، مع أنّه تدلّ عليه مطلقا صحيحة شعيب : « كلّ شي‌ء جرّ عليك المال فزكّه ، وكلّ شي‌ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به » (٧) ، أي استأنف الحول حينما ملكته.

ورواية الأصبهاني : يكون لي على الرجل مال فأقبضه ، متى أزكّيه؟ قال : « إذا قبضته فزكّه » ، قلت : فإنّي أقبض بعضه في صدر السنة ، وبعضه بعد ذلك ، قال : فتبسّم ثمَّ قال : « ما أحسن ما أدخلت فيها من السؤال » ، ثمَّ قال : « ما قبضت منه في الستّة الأشهر الأولى فزكّه لسنته ، وما قبضت بعد في الستّة الأشهر الأخيرة فاستقبل به في السنة المستقبلة ، وكذلك إذا استفدت مالا منقطعا في السنة كلّها ، فما استفدت منه في أول السنة إلى ستّة أشهر فزكّه في عامك ذلك كلّه ، وما استفدت بعد ذلك فاستقبل به السنة‌

__________________

(١) الذخيرة : ٤٣٢ ، الحدائق ١٢ : ٧٧.

(٢) المدارك ٥ : ٧٦.

(٣) انظر : مفتاح الكرامة ٣ : ٣٧.

(٤) انظر : الوسائل ٩ : ١٢١ أبواب زكاة الأنعام ٨.

(٥) أخبارها مذكورة في طي شرط السوم ( منه رحمه‌الله ).

(٦) الوسائل ٩ : ١٢٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٩ ؛ والسخال : جمع سخل ، ولد الشاة من المعز والضأن ذكرا كان أو أنثى. لسان العرب : ٣٣٢.

(٧) الكافي ٣ : ٥٢٧ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٧١ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٦ ح ١.

٨٤

المستقبلة » (١).

وما يتضمّنه ذيل الرواية من جعل ابتداء ما يستفاد في الستّة الأشهر الأولى عند الشروع في الاستفادة ، وما يستفاد في الستّة الأخرى عند الفراغ منها جميعا ، فليس على وجه الوجوب إجماعا ، وإنّما هو إرشاد لتسهيل الضبط.

ورواية أبي بصير : عن رجل كون نصف ماله عينا ونصفه دينا ، أتحلّ عليه الزكاة؟ قال : « يزكّي العين ويدع الدين » ، قلت : فإن اقتضاه بعد ستّة أشهر ، قال : « يزكّيه حين اقتضاه » ، قلت : فإن هو حال عليه الحول وحلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه وقد أتى لنصف ماله سنة ولنصفه الآخر ستّة أشهر؟ قال : « يزكّي الذي مرّت عليه سنة ، ويدع الآخر حتى تمرّ عليه سنة » ، قلت : فإن اشتهى أن يزكّي ذلك؟ قال : « ما أحسن ذلك » (٢).

ورواية عبد الحميد : في الرجل يكون عنده المال ، فيحول عليه الحول ، ثمَّ يصيب مالا آخر قبل أن يحول على المال الحول ، قال : « إذا حال على المال الحول زكّاهما جميعا » (٣) ، أي إذا حال على كلّ مال حوله زكّاه.

ويحتمل غير ذلك المعنى أيضا ، بأن يراد بالمال الأخير المال الأول ، فيقدّم زكاة الثاني ، أو الأخير فيؤخّر زكاة الأول ، وعلى هذا فالخبر لا يخلو عن إجمال.

فرع : إذ عرفت أنّه لا تعدّ الضميمة مع الأصل في الحول ، فنقول لكيفيّة ضبط حولهما : إنّ بعد كون الأصل نصابا لا يخلو إمّا لا تكون‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٣ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ١٧٢ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٦ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٣ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ٩٨ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٩.

(٣) الكافي ٧ : ٥٢٧ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١٧١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٦ ح ٢.

٨٥

الضميمة الحاصلة في أثناء حول الأصل بنفسها نصابا مستقلا بعد نصاب الأصل ، أو تكون.

فإن لم تكن كذلك ، فإمّا لا تكون نصابا غير النصاب الذي بعد نصاب الأصل أيضا ولا مكمّلا لنصاب أيضا ، أو تكون.

فالأول : كأن يضمّ مع خمس من الإبل أربع ، أو مع ثلاثين من البقر خمس ، أو مع أربعين من الغنم عشرون ، وحكمه ظاهر ؛ إذ لا أثر لوجوده ، بل يجري على حول الأصل ، كما لو لم يكن هناك ضميمة.

والثاني : إمّا يكون مكمّلا للنصاب اللاحق خاصّة ، أو نصابا غير النصاب الذي بعد نصاب الأصل خاصّة ، أو يكون كليهما.

فالأول : كأن يضمّ مع خمس وعشرين من الإبل إبلان ، أو مع ثلاثين من البقر أحد عشر ، أو مع مائة من الغنم اثنان وعشرون ، وحكمه أيضا ظاهر ، فيزكّي الأصل بعد تمام حوله ؛ للروايات الأربع المتقدّمة (١) ، وعمومات وجوب الزكاة في النصاب بعد الحول (٢).

ولا ينافيه ما يدلّ على أنّ فريضة النصاب الحاصل من الأصل والضميمة غير ذلك ؛ لأنّه بعد حولان الحول عليه ، ولم يحل بعد.

ولا دلالة فيها على أنّه ليس لما دونه شي‌ء حتى يعارض العمومات والروايات المتقدّمة.

ولا زكاة حين تمام حول الضميمة للضميمة منفردة ؛ لنقصانها عن النصاب ، فإمّا يزكّي حينئذ لمجموعهما ، أو يؤخّر إلى الحول الثاني لأصلها ويزكّي المجموع.

الأول باطل ؛ لاستلزامه إخراج الزكاة عن الأصل مرّتين في عام واحد ،

__________________

(١) في ص ٨٤ ، ٨٥.

(٢) الوسائل ٩ : ٦٤ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٠.

٨٦

وهو بصريح الأخبار باطل ، فتعيّن الثاني.

فإن قيل : يعارض ما دلّ على أنّه لا يزكّى مال في عام مرّتين مع ما دلّ على أنّ النصاب اللاّحق بعد حولان الحول عليه تجب فريضته.

قلنا : التعارض بالعموم من وجه ، والمرجع معه أيضا أصالة عدم وجوب الزكاة.

والثاني : كأن يضمّ مع ست وعشرين من الإبل خمس ، أو مع أربعين من الغنم أو مائة وإحدى وعشرين أربعون ، ويزكّي أصله بعد حولان حوله.

وفي إخراج زكاة الضميمة بعد حولها ، ثمَّ زكاة الأصل بعد حول الثاني أيضا ، وهكذا ؛ لعمومات زكاة النصاب ، وظاهر الروايات الأربع المتقدّمة (١).

أو إسقاط الضميمة من البين والبناء على حول الأصل ؛ لأدلّة العفو ، ثمَّ زكاة الضميمة بعد حوله الثاني.

احتمالان ، أظهرهما : الثاني ، وفاقا للأكثر (٢) ؛ لما ذكر.

مضافا إلى الأصل ، واختصاص الروايات الأربع بما استجمعت شرائط وجوب الزكاة إجماعا ، ومنها : عدم كونه عفوا ، وبه تخصّص عمومات وجوب الزكاة في النصاب ، مع أنّه على التعارض يرجع إلى الأصل.

والثالث : كأن يضمّ مع ثلاثين من الإبل سبع ، أو مع خمس وعشرين منها إحدى عشرة ، أو مع ثمانين من الغنم اثنان وأربعون.

ففي بناء زكاتهما على الحول الأول للأصل ، فيزكّيان جميعا عند تمام حوله ، فتحصل الفائدة للفقير.

أو على الحول الأول للضميمة ، فيزكّيان عنده ويسقط من حول‌

__________________

(١) في ص ٨٤ و ٨٥.

(٢) منهم صاحب المدارك ٥ : ٧٧ ، والذخيرة : ٤٣٢ ، والرياض ١ : ٢٦٧.

٨٧

الأصل ما زاد للأصل ما تقدّم من حوله على حول الضميمة من البين ، فتحصل الفائدة للمالك.

أو إخراج زكاة للأصل بعد تمام حوله الأول ثمَّ البناء في زكاتهما على الحول الثاني للأصل ويسقط للضميمة من حوله على (١) تمام الحول الأول للأصل.

أو بناء زكاة كلّ منهما على حوله دائما.

احتمالات أربعة.

يبطل : أولها : بأدلّة اشتراط الحول ولم يجر على الضميمة بعد ، وبظاهر الروايات الثلاث الأول من الأربع.

وثانيها : بعمومات وجوب الزكاة في النصاب المعيّن بعد حولان الحول عليه (٢) الخالية عن معارضة أدلّة العفو ، مضافة إلى ظاهر الروايات الثلاث (٣) ( الأول من الأربع ) (٤).

وثالثها : بالعمومات المذكورة أيضا ، ورواية أبي بصير (٥).

فلم يبق إلاّ الأخير ، ولا أدري له مبطلا.

وما ورد في حكم العدد المركّب من الأصل والضميمة فالمتبادر [ منه ] (٦) ما اتّحد الجميع في سائر الشرائط.

ولا يضرّ عدم ظهور مصرّح بهذا الاحتمال ؛ لعدم ثبوت إجماع في ذلك المورد.

وإن كانت الضميمة نصابا مستقلا بعد نصاب الأصل ، فهو على قسمين :

__________________

(١) كذا ، والأنسب : إلى.

(٢) راجع ص ٨٦.

(٣) المتقدمة في ص ٨٤ ، ٨٥.

(٤) ما بين القوسين من « س ».

(٥) المتقدمة في ص ٨٥.

(٦) أضفناه لاستقامة العبارة.

٨٨

لأنّه إمّا لا تبلغ الضميمة مع الأصل النصاب ـ الذي بعد نصاب الضميمة كالنصاب الثالث مثلا ـ أو تبلغ.

فالأول : كأن يضمّ مع أربعين من الغنم مائة واثنان وعشرون ، فإنّ الضميمة مستقلّة بلغت النصاب الذي بعد نصاب الأصل ولكن لا يصلان مع النصاب الثالث وهو إحدى ومائتان ، وحكمه سقوط زكاة الأصل بأدلّة العفو ، فإنّ ما زاد عن المائة وإحدى وعشرين ونقص عن الإحدى والمائتين ، عفو ، ثمَّ البناء على حول الضميمة.

والثاني : كأن يضمّ مع مائة من الغنم مائة واثنان وعشرون ، والظاهر فيه بناء كلّ على حوله كما مرّ ، والله يعلم.

الشرط الثاني : السوم ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ في المعتبر والتحرير والتذكرة والمدارك والحدائق ؛ له (١) ، ولموثّقة زرارة المتقدّمة في صدر الباب (٢) ، وقوله في حسنة الفضلاء بعد نصاب الإبل : « إنّما ذلك على السائمة الراعية » (٣) وبعد نصاب البقر : « إنّما الصدقة على السائمة الراعية » (٤).

وصحيحة الفضلاء ، وفيها : « انّما الصدقات على السائمة الراعية » (٥).

وصحيحة زرارة ، وفيها : هل على الفرس أو على البعير يكون للرجل يركبهما شي‌ء؟ قال : « لا ، ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأمّا ما سوى‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٦١ ، التحرير ١ : ٦٠ ، التذكرة ١ : ٢٠٥ ، المدارك ٥ : ٦٧ ، الحدائق ١٢ : ٧٨.

(٢) في ص ٦٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١١٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١١٩ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٤١ ـ ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٦٥ ، الوسائل ٩ : ١٢٠ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٥.

٨٩

ذلك فليس فيه شي‌ء » (١).

أقول : المرج ـ بالجيم ـ مرعى : الدواب. ثمَّ المراد بالسوم الرعي ، كما هو معناه اللغوي ، والمصرّح به في الأخبار.

وهاهنا مسائل :

المسألة الأولى : يشترط كونها سائمة طول الحول‌ بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ مستفيضا (٢) ؛ له ، ولقوله في صحيحة زرارة الأخيرة : « عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ».

فلو انقطع سومها في أثناء الحول لم تجب الزكاة ؛ لعدم صدق كونها سائمة عام اقتنائها.

ثمَّ إنّه لا خلاف في انقطاع السوم بما إذا كان العلف غالبا على السوم ، بل ادّعى بعضهم الإجماع في المساوي أيضا (٣). والظّاهر أنّه كذلك.

إلاّ أنّه حكي عن الخلاف اعتبار الأغلب (٤) ، ولم ينقل منه حكم المساوي.

واختلفوا فيما إذا كان العلف أقلّ من السوم على أقوال : أصحّها عند أكثر المتأخّرين اعتبار الصدق والاسم عرفا (٥) ، فينقطع السوم إن علف بقدر لا يصدق معه السوم طول الحول في العرف ، ولا ينقطع إن كان بقدر يصدق عليه ذلك.

وهو مذهب الفاضل في التحرير والتذكرة والمنتهى والمختلف (٦)

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٠ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١١٩ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٣.

(٢) حكاه في الرياض ١ : ٢٦٦.

(٣) كصاحب الرياض ١ : ٢٦٦.

(٤) الخلاف ٢ : ٥٣.

(٥) منهم صاحبي الذخيرة : ٤٤٢ ، والرياض ١ : ٢٦٦.

(٦) التحرير ١ : ٦٠ ، التذكرة ١ : ٢٠٥ ، المنتهى ١ : ٤٨٦ ، المختلف ٢ : ١٧٥.

٩٠

والشهيد الثاني في الروضة (١) ، وإليه ذهب المحقّق الثاني (٢) ؛ لعدم النصّ ووجوب الرجوع إلى العرف المحكّم في مثله.

خلافا للشيخ في الخلاف ، فجعل الحكم للأغلب (٣) ، ولازمه عدم الانقطاع بالعلف خمسة أشهر ونصف.

وللشرائع ، فحكم بالانقطاع به ولو في يوم (٤) ، وهو مختار القواعد والإرشاد (٥) وبعض آخر (٦).

وأكثر هؤلاء صرّحوا بعدم الانقطاع باللحظة ، وقد يشمل إطلاق كلام البعض اللحظة أيضا ، ويأتي تحقيق المقام في ذكر العوامل.

المسألة الثانية : قالوا : يتحقّق العلف بإطعامها العلف المملوك مطلقا ولو بالرعي ، كما لو زرع لها قصيلا (٧) وأرسلها إليه لترعاه ، أو اشترى لها مرعى وأرسلها إليه.

وحاصل الضابط على هذا : اشتراط السوم بأن لا يكون العلف مملوكا ، وانقطاعه بالعلف بالمملوك مطلقا.

أقول : نظرهم في التعميم إن كان إلى أنّ اعتبار السوم لجبر ضرر مئونة العلف في المعلوفة كما قيل (٨) ، ففيه : أنّه علّة مستنبطة مردودة ؛ وإن كان إلى أنّه مقتضى معنى السوم ذلك ، ففيه إشكال كما صرّح به بعض أفاضل‌

__________________

(١) الروضة ٢ : ٢٢.

(٢) جامع المقاصد ٣ : ١١.

(٣) الخلاف ٢ : ٥٣.

(٤) الشرائع ١ : ١٤٤.

(٥) القواعد ١ : ٥٢ ، الإرشاد ١ : ٢٨٠.

(٦) كالتبصرة : ٤٤.

(٧) القصيل : الذي تعلف به الدواب. لسان العرب ١١ : ٥٥٨.

(٨) كما في التذكرة ١ : ٢٠٥ ، والمسالك ١ : ٥٢.

٩١

المتأخّرين أيضا (١).

والتحقيق : أنّ العلف بالمملوك على قسمين ، أحدهما : نقل العلف بعد حصاده ، وثانيهما : رعي الدابة من العلف الثابت في منبته.

ثمَّ إنّه لا شكّ في تحقّق العلف بنقل العلف إلى الدابّة ، أو إلى محلّ آخر وإتيان الدابّة إليه ، سواء كان العلف مملوكا أو مباحا في الأصل.

وأمّا فيما إذا كان العلف بالرعي ففيه إشكال جدّا ، سيّما إذا كان العلف ممّا يبقى من الحصاد من أصول السنابل أو من علف الباغ (٢) وأمثالها ، فإنّ عدم صدق الرعي الذي هو معنى السوم عليها غير معلوم.

إلاّ أن يقال : إنّ تصريح الأصحاب بمنافاة مثل ذلك للسوم يوجب الشكّ في الصدق ، ولأجله يحصل الإجمال في معنى السائمة ، ولعدم حجّية العامّ المخصّص بالمجمل في موضع الإجمال لا يحكم بوجوب الزكاة في أمثال ذلك ، فتأمّل.

ولا فرق في العلف المملوك بين ما إذا استأجر الأرض المنبتة للعلف أو اشتراها. والتفرقة بينهما كما في كلام جماعة غير جيّدة (٣).

ولا فرق أيضا في العلف بين أن يكون لعذر كثلج أو لغير عذر ؛ ولا بين أن تعتلف الدابّة بنفسها من العلف المنقول ، أو أعلفها المالك ، أو غيره ، من دون إذن المالك أو بإذنه ، من مال المالك أو غيره ، وفاقا لجماعة (٤).

وخلافا للمحكيّ عن التذكرة (٥) وغيره ، فاستقرب وجوب الزكاة‌

__________________

(١) السبزواري في الذخيرة : ٤٣٢.

(٢) كما في الدروس : ١ : ٢٣٣ ، والمدارك ٥ : ٧٠ ، وكشف الغطاء : ٣٥٢ ، والرياض ١ : ٢٦٦.

(٢) الباغ : كلمة فارسية ، وتعني البستان.

(٣) منهم الشهيد الأول في الدروس ١ : ٢٣٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٢٢.

(٤) التذكرة ١ : ٢٠٥.

٩٢

لو علفها من ماله ؛ لعدم المؤنة.

وفيه : أنّ العلّة غير منصوصة بل مستنبطة ، فلا تصلح مقيّدة لإطلاق ما دلّ على نفي الزكاة في المعلوفة.

المسألة الثالثة : ما ذكر من اشترط السوم طول الحول إنّما هو في غير السخال ـ

أي أولاد الأنعام الثلاثة في عامها الأول ـ وأمّا هي فلا يشترط فيها ذلك طول الحول على الأقوى ، بل يستثنى منها زمن الرضاع ، وفاقا للإسكافي والشيخ والروضة (١) وجماعة (٢) ، ومال إليه جدّي الفاضل ـ قدس‌سره ـ بل أكثر المتأخّرين ، بل هو المشهور مطلقا ، كما في المختلف والمسالك (٣).

لموثّقة زرارة المتقدّمة في صدر الباب (٤) ، وروايته المتقدّمة في صدر الشرط الأول (٥) ، وصحيحته : « ليس في صغار الإبل شي‌ء حتّى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج » (٦).

دلّت هذه الأخبار بمفهوم الغاية على وجوب الزكاة في الأنعام بعد مضيّ الحول من يوم النتاج.

وهذه أخصّ مطلقا من صحيحة زرارة المتقدّمة المشترطة للسوم طول الحول (٧) ؛ إذ ما مضى حول من يوم نتاجه لا تكون سائمة طول الحول‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٧٥ ، وقاله الشيخ في المبسوط ١ : ١٩٨ ، وهو في الروضة ٢ : ٢٦.

(٢) منهم السبزواري في الذخيرة : ٤٣٢ ، والكفاية : ٣٦.

(٣) المختلف : ١٧٥ ، المسالك ١ : ٥٢.

(٤) في ص ٦٣.

(٥) في ص ٦٦.

(٦) الكافي ٣ : ٥٣٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ١٢٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٩ ح ١.

(٧) راجع ص ٨٩.

٩٣

قطعا.

فيكون مقتضى مفهوم الغاية : وجوب الزكاة في الأولاد الحوليّة الغير السائمة تمام الحول البتّة.

ومقتضى مفهوم الحصر في الصحيحة : عدم وجوب الزكاة في غير السائمة عامها ، سواء كانت من الأولاد الحوليّة أو غيرها ، فيجب تخصيص المفهوم الأخير.

بل وكذلك الحكم لو قلنا بعموم المفهوم الأول أيضا ، كما قد يتوهّم من جهة شمول : ما مضى حول من يوم نتاجه ، لما مضى أكثر من حول أيضا ؛ إذ التعارض حينئذ يكون بالعموم من وجه ، فلو رجّحنا الأول بقوّة الدلالة والأكثريّة ، وإلاّ فيرجع إلى عمومات وجوب الزكاة في الأنعام (١).

وتدلّ على المطلوب أيضا حسنة ابن أبي عمير : « كان عليّ عليه‌السلام لا يأخذ من صغار الإبل شيئا حتى يحول عليه الحول ، ولا يأخذ من جمال العمل صدقة » (٢).

ورواية زرارة : « ليس في صغار الإبل والبقر والغنم شي‌ء إلاّ ما حال عليه الحول عند الرجل ، وليس في أولادها شي‌ء حتى يحول عليه الحول » (٣).

والأخرى : « لا يزكّي من الإبل والبقر والغنم إلاّ ما حال عليه الحول » (٤) إلى غير ذلك.

ولا ينافي ما ذكرنا موثّقة إسحاق بن عمّار : السخل متى يجب فيه الصدقة؟ قال : « إذا أجذع » (٥) ؛ لأنّ معنى أجذع ـ على ما في الوافي ـ تمّت‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢١ أبواب زكاة الأنعام ب ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ١٢٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٩ ح ٢.

(٣) تقدمت في ص ٦٦.

(٤) تقدمت في ص ٦٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٥ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٣٩ ، الوسائل ٩ : ١٢٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٩ ح ٣.

٩٤

له سنة (١) ، فيوافق ما ذكرنا.

نعم ، يستشكل فيها على ما فسّر الجذع في الغنم بما كمل له سبعة أشهر ، واستشكاله حينئذ من جهة المعارضة مع أخبار الحول ، ولا شكّ في مرجوحيّته بالنسبة إليها.

خلافا للفاضلين ، فشرطا فيها أيضا السوم طول الحول (٢). ويلزمه أن يكون مبدأ حولها عند استغنائها بالرعي عن الارتضاع ؛ لاشتراط السوم بالنصوص والإجماع ، ولا سوم حين الارتضاع.

والإجماع ممنوع في موضع النزاع ، والعامّ يخصّص مع وجود الأخصّ ؛ مع أنّ العمومات معارضة بمثلها ، كقوله في صحيحة الفضلاء : « وإذا حال عليه الحول وجب عليه » (٣).

واستقرب في البيان التفصيل بارتضاعها من لبن السائمة فالأول ، أو المعلوفة فالثاني (٤) ، جمعا بين الدليلين.

ويندفع بأنّ الجمع بالتخصيص هو الموافق للأصول ، دون مثل ذلك ممّا لا شاهد له.

ثمَّ إنّ استثناء السخال إنّما هو من اشتراط السوم طول العام لا من اشتراط السوم مطلقا ، فيشترط سومها بعد الاستغناء من الارتضاع ؛ لعمومات اشتراط السوم مطلقا من غير معارض ومخصّص.

والظاهر كفاية صدق السائمة حال حولان الحول ، ولا يشترط اتّصال السوم من مدّة الاستغناء عن الأمّهات إلى الحول ؛ لعدم الدليل ، وإنّما‌

__________________

(١) الوافي ١٠ : ٩٩.

(٢) المحقّق في المعتبر ٢ : ٥١٠ ، والشرائع ١ : ١٤٤ ، العلاّمة في التذكرة ١ : ٢٠٥.

(٣) راجع ص ٦٦.

(٤) البيان : ٢٨٦.

٩٥

يخصّص ما ذكر ما دلّ على اشتراطه طول الحول.

الشرط الثالث : أن لا تكون عوامل ، بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما في الذخيرة (١) ، بل بالإجماع كما في المدارك وعن الخلاف والتذكرة والمنتهى (٢).

لموثّقة زرارة ، وفيها : « وكلّ شي‌ء من هذه الأصناف من الدواجن والعوامل فليس فيها شي‌ء » (٣).

وفي حسنة الفضلاء في الإبل : « وليس في العوامل شي‌ء » (٤).

وقال في البقر : « ولا على العوامل السائمة شي‌ء » (٥).

وفي صحيحة الفضلاء : « ليس على العوامل من الإبل والبقر شي‌ء ، إنّما الصدقات على السائمة الراعية » (٦).

ولا تنافيها الروايات الثلاث لإسحاق بن عمّار (٧) ؛ لعدم دلالة شي‌ء منها على الوجوب وإن تضمّنت لفظة : « على » ؛ لأنّها داخلة على المال ولم تثبت إفادتها حينئذ للوجوب ؛ مع أنّه لو دلّت عليه لوجب صرفها إلى الاستحباب بقرينة سائر الأخبار.

هذا ، مضافا إلى عدم حجّيتها ؛ لشذوذها ، ومخالفتها الإجماع.

ثمَّ الظاهر اتّفاقهم على اعتبار هذا الشرط أيضا طول الحول ، وهو‌

__________________

(١) الذخيرة : ٤٣٣.

(٢) المدارك ٥ : ٧٩ ، الخلاف ٢ : ٥١ ، التذكرة ١ : ٢٠٥ ، المنتهى ١ : ٤٨٦.

(٣) المتقدمة في ص ٦٦.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ ـ ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ ـ ٥٩ ، الوسائل ٩ : ١١٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ١.

(٥) تقدمت في ص ٦٦ ، بتفاوت.

(٦) التهذيب ٤ : ٤١ ـ ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٦٥ ، الوسائل ٩ : ١٢٠ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٥.

(٧) المتقدمة في ص ١٧.

٩٦

الدليل عليه ، ولم أعثر على دليل آخر يدلّ على اشتراط استمراره.

مسألة : لا شكّ أنّ المراد بالسائمة والمعلوفة والعوامل ليس المتلبّس بالمبدإ بالفعل ، بل المراد من هذه الألفاظ ذوي الملكات ، كالكاتب والفصيح والأكول.

والمرجع في معرفة هذه المعاني إلى العرف ، لا لأجل تقديم الحقيقة العرفيّة على اللغويّة ؛ بل لأنّ الألفاظ موضوعة للمصاديق العرفيّة.

فالمراد بالسائمة : ما تسمّى في العرف سائمة وإن أعلفت في آن الإطلاق ، فإنّ الراعية طول دهرها لو اعتلفت لحظة يقال : إنّها سائمة حينئذ أيضا ، والعاملة طول حولها لو سكنت يوما يقال : إنّها عاملة حينئذ أيضا.

ثمَّ إنّك تراهم اختلفوا في ما يتحقّق به السوم وينقطع ، وكذلك العمل ، وكلامهم إمّا في صدق كونها سائمة أو معلوفة أو عاملة أو عدم صدقها بالإطلاق ، أو في صدقها وعدمه في الحول ، والظاهر من اعتبار بعضهم الأغلب : أنّ المراد صدق المعلوفة والعاملة وضدّهما في الحول.

وكيف كان ، فإن كان الكلام في الأول ، فلا شكّ في وجوب الرجوع إلى المصداق العرفي ، فالسائمة ما يصدق عليها السائمة عرفا ، وكذا العاملة وضدّهما.

ولا شكّ في اشتراط وجوب الزكاة بصدق كونها سائمة وغير عاملة حال تعلّق وجوب الزكاة ، فلو لم يصدقان عليها حال التعلّق لا يتعلّق.

وإن كان الكلام في الثاني ـ أي ما تصدق معه السائمة أو غير العاملة في الحول ـ فمرادهم من اشتراط ذلك في الحول.

إمّا أنّه يجب أن تكون في تمام الحول سائمة وغير عاملة ، بحيث لم يصدق في جزء منه أنّها غير سائمة أو عاملة.

أو مرادهم منه : أنّه يجب أن تكون بحيث يصدق عليها أنّها سائمة‌

٩٧

في الحول ، أو غير عاملة فيه ، وإن لم يصدق عليها ذلك في يوم أو يومين من الحول.

فإن كان المراد الأول ، فاللازم تحقيق معنى السائمة وغير العاملة مطلقا كما مرّ ، ولا يحتاج إلى تحقيق معنى سائمة الحول وغير العاملة في الحول ، بل إذا علم ما يتحقّق به السوم المطلق وينقطع به ـ وكذا العاملة ـ يكفي لفهم ذلك أيضا .. ويقال : إنّه يجب أن تكون بحيث لا يصدق عليها في جزء من الحول ولو لحظة : غير السائمة والعاملة ، كما كان كذلك في اشتراط الملكيّة والنصاب والبلوغ والعقل والتمكّن من التصرّف ، فإنّه يشترط تحقّق هذه الأمور في جميع أجزاء الحول ؛ لأنّه مدلول : « وما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه » .. لا أن لا تعمل لحظة ولا تعلف لحظة ؛ لأنّهما لا يوجبان صدق العامليّة والعلف في هذه اللحظة ، بل غير عاملة وسائمة في هذه اللحظة أيضا ما لم تعمل ولم تعلف مدّة تصدق معها العاملة والمعلوفة في تلك اللحظة.

وإن كان المراد الثاني ، فاللازم تحقيق معنى السائمة وغير العاملة في الحول ، فإنّه يمكن أن يصدق عليها سائمة الحول مع عدم كونها سائمة في بعض أيّام الحول.

والظاهر [ حينئذ ] (١) عدم منافاة صدق المعلوفة أو [ غير ] (٢) السائمة في يوم بل يومين في صدق سائمة الحول.

وظاهر قولهم : إنّ بعضهم اعتبر الأغلب ، إرادة الثاني ؛ لأنّه الذي يمكن اعتبار الأغلب وغيره فيه دون المعنى الأول.

ولكن يخدشه : إنّه لو كان مرادهم ذلك يجب أن لا يضرّ عدم صدق‌

__________________

(١) في النسخ : حين ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) أضفناه لاستقامة المعنى.

٩٨

السائمة وغير العاملة في يوم في تمام الحول عند من يعتبر الأغلب أو المعنى العرفي ، من غير تفاوت بين طرفي الحول وأثنائه.

مع أنّ الظاهر أنّه لو ملك أحد النصاب معلوفة أو عاملة يبتدئ الحول من حيث السوم وترك العمل ، ولا يحسب ما كان معلوفة أو عاملة في الابتداء من الحول ولو كان يوما أو يومين ، وكذلك لو كان بحيث يصدق عليها المعلوفة والعاملة في يوم أو يومين في آخر الحول.

وكيف كان ، فالمفيد لنا : تحقيق أنّ اشتراط استمرار السوم وعدم العمل في الحول هل هو بالمعنى الأول أو الثاني؟

الظاهر أنّه لا دليل على الأول ، أمّا في اشتراط عدم العامليّة في الحول فلأنّ دليله الإجماع فقط ، ولم يثبت الإجماع على ذلك.

وأمّا في اشتراط السوم فلأنّه وإن دلّ عليه قوله : « المرسلة في مرجها عامها » في صحيحة زرارة (١) ، ولكن إرادة كونها كذلك في جميع أجزاء الحول غير معلوم ، بل إرادة انتفاء ما ينتفي معه صدق السوم الحولي معلوم ، وغيره منتف بالأصل.

فتعيّن المعنى الثّاني ـ أي يجب أن يصدق عليها السائمة حولا وغير العاملة حولا ـ وإن انتفى الصدق في نحو يوم من الحول.

والظاهر انتفاء ذلك الصدق بانتفائها في شهر من الحول بل عشرين يوما ، وأمّا في ما دون ذلك فمشكل ، والأصل يقتضي عدم كونه مسقطا للزكاة ؛ لعمومات وجوب الزكاة ، فيقتصر في التخصيص على ما علم خروجه.

لا يقال : إذا كان الدليل الإجماع والاقتصار على المتيقّن ، يجب اشتراط أغلبيّة السوم وعدم العامليّة أو مع التساوي ، وما سواهما ليس مورد‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٨٩.

٩٩

الإجماع واليقين.

لأنّا نقول : إنّ المجمع عليه والمتيقّن اشتراط سوم الحول وعدم عامليّته ، ومن عيّن الأغلب فإنّما هو لتعيين معنى سوم الحول وعدم عامليّته ؛ حيث إنّه زعم توقّف صدق سوم الحول عليه ، لا أن يكون لنفس الغلبة أو التساوي مدخليّة ويكون محطّا للخلاف ، فتأمّل جدّا ، والله العالم.

الشرط الرابع : النصاب ، ولكون نصب الأنعام الثلاثة مختلفة نذكر نصب كلّ واحد مع قدر الفريضة في مقام على حدة.

فهاهنا ثلاث مقامات :

المقام الأول : في نصب الإبل.

وهي اثنا عشر نصابا :

الخمس ، ولا يجب في ما دونه شي‌ء ، فإذا بلغت خمسا حصل أول النصب ، وفيها شاة.

ولا يجب للزائد عليها شي‌ء حتى إذا بلغت ثاني النصب ، وهو العشرة وفيها شاتان.

ولا يزيد عليهما شي‌ء حتى إذا بلغت ثالثها ، وهو خمسة عشر ، وفيها ثلاث شياه.

إلى أن تبلغ الرابع ، وهو عشرون ، وفيها أربع.

إلى أن تبلغ الخامس ، وهو خمس وعشرون ، وفيها خمس.

إلى أن تبلغ السادس ، وهو ست وعشرون ، وفيها بنت مخاض ـ بفتح الميم ـ اسم جمع الماخض ، بمعنى الحامل ، أي بنت ما من شأنها أن تكون ماخضا ـ أي حاملا ـ فإنّ ولد الناقة إذا استكمل الحول فصل عن امّه وصار من شأن امّه أن تكون ماخضا ، سواء كانت ماخضا أو لم تكن.

١٠٠