مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

ومقتضى إطلاق الأخبار السقوط إذا لم يتمكّن المالك من الأخذ وإن كان في يد وكيله أو وليّه ، إذا لم يتمكّن من الأخذ من الوكيل لبعده وعدم وصول اليد إليه ، أو انقطاع خبره ، أو عدم علمه بوصول المال إلى الوكيل.

بل مقتضى عموم موثّقة إسحاق ـ الحاصل بترك الاستفصال ـ السقوط إن كان في يد الولي ، حيث إنّه بعد السؤال عن رجل مات وبعض ولده غائب ، وأنّه كيف يصنع بميراث الغائب عن أبيه ، قال : « يعزل حتى يجي‌ء » قلت : فعلى ماله زكاة؟ فقال : « لا ، حتى يجي‌ء » ، قلت : فإذا جاء هو أيزكّيه؟ قال : « لا ، حتى يحول عليه الحول في يده » (١).

فإنّه أعمّ من أن يكون المعزول في يد وليّ الغائب ، ومن أن يكون الولد صغيرا ويعزل في يد وليّه.

بل في موثّقته الأخرى ـ المتقدّمة في صدر هذا الشرط (٢) ـ تصريح به ، حيث قال : رجل خلّف عند أهله نفقة سنتين ، فإنّ الأهل يكون حينئذ وكيلا في ضبطه مع أنّه أسقط الزكاة عنه. وكذا مرسلة ابن أبي عمير ، وموثّقة أبي بصير (٣).

فالتحقيق : أنّ المناط تمكّن المالك بنفسه ، إلاّ أن يثبت الإجماع على قيام يد الوكيل مقام يده ، وهو عندي غير ثابت.

ب : المرجع في الغيبة ، وعدم القدرة على الأخذ ، وعدم الكون في اليد ، هو العرف ، مثلا : إذا كان له داران بينهما فرسخ أو فرسخان ، وكان هو في دار والمال في أخرى ، فلا شكّ أنّه غائب عنه حينئذ ولا يقدر على الأخذ في تلك الساعة ، ولكن نحو ذلك لا يضرّ في الصدق العرفي ، ولا يقال لمثل ذلك : إنّه غائب ، وإنّه على الأخذ غير قادر ، وإنّه ليس في يده.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٤ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٩٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٢.

(٢) راجع ص ٣٤ ، ٣٥.

(٣) راجع ص ٣٤ ، ٣٥.

٤١

فالمناط في الصدق هو العرف ، وكذلك في الضالّ والمفقود.

وربّما يتفاوت ذلك فيما قبل الحول وفي أثنائه ، فإنّه لو ورث مالا وكان غائبا وحضر بعد يوم ، يبتدئ الحول من ذلك اليوم الذي قدم ، بخلاف ما لو غاب عن ماله في أثناء الحول يوما ، فإنّه لا ينقطع به الحول ، والفارق العرف.

ج : قد صرّح جماعة ـ منهم : المحقّق في الشرائع والنافع (١) والفاضل في المنتهى والإرشاد (٢) وغيرهما (٣) ـ : أنّه لو مضت على الغائب والمفقود أعوام ثمَّ عاد استحبّت زكاة سنة واحدة ، وعن المنتهى : الإجماع عليه ، وفي المدارك : إنّه مذهب الأصحاب لا أعرف فيه مخالفا (٤) ، لموثّقة زرارة ، وصحيحة رفاعة ، وحسنة سدير ، المتقدّمة (٥).

وفي المنتهى أطلق استحباب زكاة سنة ، ولم يقيّد بمضيّ السنين ، ومال إليه في الذخيرة (٦). وهو الأظهر ، للإطلاق في الموثّقة.

وقيل : في إطلاقها نظر ، لظهورها في مضيّ السنين ، كما يظهر من آخرها. وفيه منع ظاهر.

وألفاظ الأخبار جمل خبريّة ، فلا تفيد أزيد من الرجحان ، فالقول بإفادتها الوجوب غير سديد.

د : منع الغيبة عن وجوب الزكاة إنّما هو فيما يعتبر فيه الحول دون الغلاّت ، كما يأتي وجهه في المال المغصوب.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٤٢ ، والمختصر النافع : ٥٣.

(٢) المنتهى ١ : ٤٧٥ ، وإرشاد الأذهان ١ : ٢٧٨.

(٣) كصاحب الرياض ١ : ٢٦٣.

(٤) المدارك ٥ : ٣٧.

(٥) في ص ٣٤.

(٦) الذخيرة : ٤٢٥.

٤٢

ومنها : المال المغصوب والمجحود والمسروق الذي لا يقدر على تخليصه ، وعدم وجوب الزكاة فيه ، واعتبار مبدأ الحول من حين التخلّص ، إجماعي ، وعليه الإجماع عن الخلاف والتذكرة والمنتهى (١).

وتدلّ عليه الموثّقات والصحيحة المتقدّمة (٢) ، بل أكثر الأخبار المذكورة ، لاشتراط القدرة على الأخذ طول الحول.

هذا في الأموال التي يعتبر فيها الحول.

وأمّا الغلاّت ، فلا شكّ في عدم وجوب زكاتها إذا غصبت قبل بدو الصلاح أو بعده بدون تقصير المالك ولم تعد إليه أبدا ، ولا في وجوبها إذا عادت إليه قبل حال تعلّق الوجوب ـ أي بدوّ الصلاح ـ ( ولا فيما إذا غصبت بعد تعلّق الوجوب ثمَّ عادت ) (٣).

وإنّما الكلام فيما غصبت قبل تعلّق الوجوب وعادت بعد زمان تعلّق الوجوب ، فظاهر إطلاق بعضهم عدم الوجوب أيضا (٤) ، وعن المسالك التصريح به (٥).

واستشكل فيه في المدارك ، ونفى البعد عن وجوب الزكاة فيها متى تمكن من الأخذ (٦) ، واستحسنه في الذخيرة (٧) ، واختاره الفاضل الهنديّ في شرح الروضة.

وهو الأظهر ، لصدق نموّها في ملكه ، وعموم الأخبار الموجبة للزكاة‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٣١ ، والتذكرة ١ : ٢٠١ ، والمنتهى ١ : ٤٧٥.

(٢) في ص ١٧ ، ١٨.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ق » ، « س ».

(٤) كالمحقق في الشرائع ١ : ١٤١.

(٥) المسالك ١ : ٥١.

(٦) المدارك ٥ : ٣٤.

(٧) الذخيرة : ٤٢٤.

٤٣

فيها ، نحو قوله : « فيما سقت السماء العشر » (١).

وفي صحيحة محمّد وأبي بصير : « كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك في ما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر ، إنّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك » (٢).

ولا تنافيه أخبار سقوط الزكاة عمّا لا يقدر عليه ، لاختصاصها بما فيه الحول ، مع أنّ في بعضها دلالة على وجوب زكاته بعد القدرة من غير اعتبار شرط.

كقوله في صحيحة ابن سنان : « ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك » (٣).

وفي رواية عمر بن يزيد : « فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه » (٤).

دلّتا بمفهوم الغاية على وجوب الزكاة بعد الأخذ مطلقا ، خرج ما يعتبر فيه الحول بالدليل ، فيبقى الباقي.

فروع :

أ : هل الممنوع من التصرّف في ماله من غير إثبات اليد عليه حكم المغصوب منه ، أم لا؟

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٨٢ أبواب زكاة الغلاة ب ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٣ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ ـ ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ ـ ٧٠ ، الوسائل ٩ : ١٨٨ أبواب زكاة الغلات ب ٧ ح ١.

(٣) المتقدمة في ص ٣٤.

(٤) المتقدمة في ص ٣٥.

٤٤

صرّح في البيان بالثاني ووجوب الزكاة فيه ، لنفوذ تصرّفه (١).

ولا أفهم معنى نفوذ التصرّف ، فإن أراد أنّه غير ممنوع منه شرعا فالمغصوب أيضا كذلك ، وإن أراد وقوع تصرّفه فالمفروض عدمه.

والأقرب أنّه إن بلغ المنع والحبس حدّا يسلب معه كون المال عنده وفي يده ، منع عن وجوب الزكاة ، وإلاّ فلا.

هذا فيما يعتبر فيه الحول ، وأمّا الغلاّت فلا ، كما مرّ.

ب : لو أمكن تخليص أحد الثلاثة وجبت الزكاة ، لموثّقة زرارة (٢). واعتبر ابتداء الحول من حين تحقّق التخلّص إن شرع فيه أول الإمكان ، وإلاّ فبعد مضييّ زمان يمكن فيه التخلّص.

ومنه يظهر أنّ المناط والضابطة : القدرة على الأخذ كلّما شاء عرفا ، للموثّقة المذكورة ، بل رواية عبد العزيز (٣) ، وبهما تقيّد إطلاقات اشتراط اليد والكون عند الربّ.

ج : إذا أمكن التخليص ببعض المال أو بمال آخر ، فإن خلّصه به فلا شكّ في وجوب الزكاة في المستخلص.

وإنّما الكلام في أنّه هل يجري إمكان التخليص به مجرى التمكّن من التخليص ، حتى تجب عليه زكاته لو لم يخلّصه ، وابتدأ الحول من بدو زمان الإمكان ، أم لا؟

تردّد فيه في البيان (٤). والأظهر الأول ، لصدق القدرة على الأخذ.

ووجه الثاني : أنّ القدرة إنّما تحصل بعد إفداء البعض أو مال آخر ، فهو أولا قادر على تحصيل القدرة لا على التخليص ، وتحصيل القدرة على‌

__________________

(١) البيان : ٢٧٩.

(٢) المتقدمة في ص ٣٤ ، ٣٥.

(٣) المتقدمة في ص ٣٤ ، ٣٥.

(٤) البيان : ٢٧٩.

٤٥

القدرة غير واجب ، لعدم وجوب تحصيل شرائط الوجوب من غير فرق بين شرطه وشرط شرطه.

وفيه : أنّ المرجع في صدق القدرة العرف ، ولا شكّ في أنّ مثل ذلك يعدّ قادرا عرفا ، لا أنّه يصير قادرا بعد بذل البعض أو مال آخر.

ونحوه الكلام فيما إذا توقّف التخليص في المغصوب أو المسروق أو المجحود على إقامة البيّنة وتمكّن منها ، فإنّه تجب عليه الزكاة فيما يمكن تخليصه بالبيّنة ، كما حكي التصريح به عن التذكرة ونهاية الإحكام والقواعد (١).

نعم ، لو احتاج التخليص إلى دعوى وشقّت عليه أمكن السقوط ، لعدم صدق القدرة مع الدعوى الشاقّة ، وأمكن عدمه ، لصدق القدرة.

والأولى ملاحظة حال المالك والجاحد وقدر المال ، فإنّه تختلف مراتب المشقّة باختلافها ، فيحكم بالسقوط فيما كانت المشقّة فيه كثيرة بحيث لا يجوّز أهل العرف تحمّلها.

ومنه يظهر الحال فيما إذا توقّف التخليص على اليمين ، أو على الاستعانة بشخص يشقّ على المالك التوسّل به ، سيّما إذا توقّف على نوع تعظيم له شاقّ عليه.

ومنها : المفقود والضالّ ، ووجه سقوط الزكاة فيه يظهر ممّا مرّ.

وضلال بعض النصاب حكم ضلال الكلّ ، فلو ضلّت شاة من أربعين ثمَّ عادت بعد مضيّ زمان صدق الضلال عرفا استأنف الحول للكلّ.

ومنها : الوقف ، ولا خلاف في سقوط الزكاة فيه عند الأصحاب ، لعدم التمكّن من الأخذ.

وفي دلالته نظر ، لمنع عدم التمكّن ، وإنّما هو لا يتمكّن من الإتلاف‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٠١ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٣٠٤ ، والقواعد ١ : ٥١.

٤٦

ونقل الملك ونحوهما ، والثابت من الأخبار ليس اشتراط ذلك التمكّن.

فالأولى الاستدلال بعدم صدق الملكيّة عرفا ، وبعدم دليل على وجوب الزكاة فيه ؛ إذ ليس إلاّ العمومات ، وهي معارضة بعمومات منع التصرّف في الوقف وتغييره ، فيرجع فيه إلى أصل عدم وجوب الزكاة.

وتجب الزكاة في نتاج الوقف بعد الحول ، وفي غلّته بعد بدوّ الصلاح إذا كان وقفا على شخص واحد.

وإن كان وقفا على أشخاص محصورين :

فلو كانت القسمة معيّنة شرعا اعتبرت الشرائط ـ من الحول فيما يعتبر فيه ، والنصاب في الغلاّت ـ في سهم كلّ واحد.

وإن كانت مفوّضة إلى رأي الناظر اعتبرت الشرائط في سهم كلّ بعد القسمة ؛ إذ لا يملكه إلاّ بعدها ، ففي الغلّة لا زكاة لو كانت القسمة بعد بدوّ الصلاح ؛ لعدم تعلّق الوجوب في ملكه.

نعم ، لو قسّمه الناظر قبل زمان تعلّق الوجوب تجب الزكاة على كلّ من بلغ سهمه النصاب.

ومنها : المرهون ، فقيل بعدم تعلق الزكاة به إلاّ بعد جريان الحول عليه بعد الفكّ ، وهو مختار موضع من المبسوط والشرائع والقواعد والتذكرة والمنتهى والتحرير (١) ؛ لعدم تمكّن الراهن منه ، وعدم الاقتدار على التصرّف فيه شرعا.

واختار في موضع آخر من المبسوط تعلّق الزكاة به (٢) ؛ لأنّه قادر على التصرّف فيه بأن يفكّ رهنه.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٢٥ ، والشرائع ١ : ١٤٢ ، والقواعد ١ : ٥١ ، والتذكرة ١ : ٢٠٢ ، والمنتهى ١ : ٤٧٨ ، والتحرير ١ : ٥٩.

(٢) المبسوط ١ : ٢٠٨.

٤٧

ومنهم من فصّل ، فقال بالأول مع عدم قدرة الراهن على الفكّ ، وبالثاني مع القدرة عليه (١).

والحقّ : هو الثاني ؛ لأنّه ماله واستجمع جميع الشرائط إلاّ ما يتوهّم من عدم تمكّن التصرّف فيه ، وهو ممنوع ؛ لأنّ الشرط هو كونه في يده وقادرا على أخذه ، وهو كذلك وإن لم يكن قادرا على إتلافه ونقل ملكه ، ولكنه ليس بشرط.

وتدلّ على وجوب الزكاة فيه العلّة المذكورة في صحيحة يعقوب بن شعيب : عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاثة أو ما شاء الله ، على من الزكاة ، على المقرض أو على المقترض؟ فقال : « على المقترض ؛ لأنّ له نفعه وعليه زكاته » (٢).

وفي صحيحة زرارة الواردة في زكاة المقرض ، وفيها ـ بعد أن حكم بأنّ من كان المال في يده زكّاه ـ قال : « يا زرارة ، أرأيت وضيعة (٣) ذلك المال أو ربحه لمن هو وعلى من هو؟ » قلت : للمقترض ، قال : « فله الفضل وعليه النقصان ، وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه ولا ينبغي له أن يزكّيه؟! بل يزكّيه ، فإنّه عليه جميعا » (٤).

ولا شكّ أنّ وضيعة المرهون وربحه للراهن ، بل له أن ينكح من ربحه ويلبس منه ويأكل منه.

ومنها : المنذور صدقة بعينه ، فقالوا بسقوط الزكاة عنه ؛ لعدم جواز‌

__________________

(١) كالشهيد الأول في الدروس ١ : ٢٣٠ ، والبيان : ٢٧٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٣ ـ ٨٤ ، الوسائل ٩ : ١٠٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ٥.

(٣) الوضيعة : الخسارة والنقصان ـ مجمع البحرين ٤ : ٤٠٦.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٠ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ ـ ٨٥ ، الوسائل ٩ : ١٠٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ١.

٤٨

تصرّفه فيه.

والأولى أن يستدلّ له بعدم صدق المملوكيّة كما مرّ ، وبتعارض أدلّة وجوب الزكاة ووجوب الوفاء بالنذر.

هذا إذا كان النذر قبل تمام الحول أو تعلّق الوجوب ، سواء كان النذر مطلقا من حيث وقت الأداء أو مؤقّتا ، وسواء كان وقته بعد الحول أو تعلّق الوجوب أو قبله ، وسواء وفى في المؤقّت بالنذر في وقته أو لم يف به.

وأمّا إذا كان بعده ، فتجب الزكاة فيه فيزكّيه ، ويتصدّق بالباقي إن كان متعلّق النذر الجميع ، أو بقدر يستوعب ما سوى القدر الواجب في الزكاة ، وإلاّ فيزكّي ويتصدّق بالقدر المنذور.

هذا كلّه إذا كان النذر مطلقا أو مشروطا بشرط حاصل قبل الحول أو تعلّق الوجوب.

وأمّا إذا كان مشروطا بشرط غير متحقّق في الحول أو قبل تعلّق الوجوب ، فإن كان شرط تحقّقه في أثناء ذلك الحول ، أو في زمان هو قبل تعلّق الوجوب ، فلا شكّ في وجوب الزكاة فيه ؛ لعدم تعلّق النذر به من جهة عدم تحقّق الشرط.

وإن كان شرطه مطلقا ولم يحصل بعد ، أو مؤقّتا بما بعد الحول أو وقت تعلّق الوجوب ، احتمل وجوب الزكاة ؛ لعدم تعلّق النذر به بعد ، فلو حصل الشرط يتصدّق بما بقي ، ويكون القدر المخرج كالتالف.

ويحتمل عدم الوجوب ؛ لتعلّق النذر في الجملة ، والممنوعيّة من التصرّف.

ويحتمل البناء على حال الشرط ، فإن كان تحقّقه مقتضى الأصل ـ كعدم حصول الأمر الفلاني ـ تسقط الزكاة ، وإن كان عدمه مقتضى الأصل تجب الزكاة. والأقرب الأول.

٤٩

ومنها : الدين ، أي ما لأحد في ذمّة الغير ، فقالوا : ليس على المدين زكاة ؛ لأنّه ليس في يده.

وتفصيل الكلام : إنّ ما في ذمّة الغير لأحد ، فإمّا لا يقدر المدين على أخذه ـ لكونه على ذمّة جاحد أو مماطل أو معسر ، أو لكونه مؤجّلا ـ أو يقدر.

فعلى الأول ، فالحقّ المشهور عدم وجوب الزكاة على المدين ، فإذا أخذه استأنف الحول. وفي التذكرة إشعار بالاتّفاق عليه (١) ، بل صرّح بعض مشايخنا بالاتّفاق (٢).

وفي المبسوط عن بعض أصحابنا : أنّه يخرج لسنة واحدة إذا لم يكن مؤجّلا (٣) ، ولعلّ غرضه الاستحباب كما قيل.

ويدلّ على المختار أكثر ما مرّ من الأخبار في الشرط الخامس (٤) ، وموثّقة سماعة : عن الرجل يكون له الدين على الناس ، تجب فيه الزكاة؟

قال : « ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه ، فإذا قبضه فعليه الزكاة ، وإن هو طال حبسه على الناس حتى يمرّ لذلك سنون فليس عليه زكاة حتى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعامه ذلك » (٥) الحديث.

وأمّا رواية عبد الحميد : عن رجل باع بيعا إلى ثلاث سنين من رجل مليّ بحقّه وماله في ثقة ، يزكّي ذلك المال في كلّ سنة تمرّ به أو يزكّيه إذا أخذه؟ فقال : « لا ، بل يزكّيه إذا أخذه » ، قلت له : لكم يزكّيه؟ قال : قال :

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٠٢.

(٢) كصاحب الرياض ١ : ٢٦٣.

(٣) المبسوط ١ : ٢١١.

(٤) المتقدمة في ص ٣٤ و ٣٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٩ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٩٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٦.

٥٠

« لثلاث سنين » (١).

وصحيحة الكناني : عن الرجل ينسئ أو يعير (٢) ، فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال : « يزكّيه ولا يزكّي ما عليه من الدين ، إنّما الزكاة على صاحب المال » (٣).

فلا تفيدان أزيد من الرجحان ، فعليه يحملان ، أو على ما إذا كان التأخير من صاحب المال ، أو على التقيّة ، لمطابقته لمذهب جمع من العامّة (٤).

وعلى الثاني ، ففيه قولان :

الأول : عدم وجوب الزكاة على المالك ، وهو المحكيّ عن القديمين (٥) والاستبصار (٦) والحلّي (٧) والسيّد (٨) والقاضي (٩) والفاضلين (١٠) وفخر المحقّقين (١١) ، وعامّة المتأخّرين. ونسبه بعض المتأخّرين إلى الأكثر.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢١ ـ ٨ ، الوسائل ٩ : ٩٨ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٨.

(٢) كذا في النسختين ، وفي المصدر : يعيّن. قال في المصباح المنير : ٤٤١ : عيّن التاجر تعيينا والاسم : العينة بالكسر ، وفسرها الفقهاء بأن يبيع الرجل متاعه إلى أجل ، ثمَّ يشتريه في المجلس بثمن حالّ ليسلم به من الربا ، وقيل لهذا البيع : عينة ، لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا ..

(٣) الكافي ٣ : ٥٢١ ـ ١٢ ، الوسائل ٩ : ١٠٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٩ ح ١.

(٤) حكاه عنهما في المختلف : ٧٤.

(٥) منهم ابن رشد في بداية المجتهد ١ : ٢٧٢ ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٣٨.

(٦) الاستبصار ٢ : ٢٨.

(٧) السرائر ١ : ٤٤٤.

(٨) نقله عنه في الإيضاح ١ : ١٦٨.

(٩) شرح الجمل : ٢٤٢.

(١٠) المحقق في المختصر النافع : ٥٣ ، والشرائع ١ : ١٤٢ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤٧٦.

(١١) إيضاح الفوائد : ١٦٨.

٥١

والثاني : للشيخين (١) وجمل السيّد (٢). واستظهره بعض مشايخنا الأخباريّين (٣).

حجّة الأول : الأصل ، والموثّقات الأربع ، وصحيحة الفضلاء الخمسة المتضمّنة لاشتراط كونه عند المالك أو في يده ، وحسنة زرارة المتقدّمة المذكورة بعد هذه الموثّقات والصحيحة (٤) ، وصحيحة ابن سنان المتقدّمة في صدر هذا الشرط (٥) ، وموثّقة سماعة المتقدّمة.

وموثّقة الحلبي : قلت له : ليس في الدين زكاة؟ قال : « لا » (٦).

وموثّقة إسحاق بن عمّار : الدين عليه الزكاة؟ فقال : « لا ، حتى يقبضه » ، قلت : فإذا قبضه أيزكّيه؟ قال : « لا ، حتى يحول عليه الحول في يده » (٧).

وصحيحة أبي بصير : عن رجل يكون نصف ماله عينا ونصفه دينا فتحلّ عليه الزكاة؟ قال : « يزكّي العين ويدع الدين » (٨).

وصحيحة زرارة : رجل دفع إلى رجل مالا قرضا ، على من زكاته على المقرض أم على المقترض؟ قال : « لا ، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض » قال : قلت : فليس على المقرض زكاتها؟ قال :

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٢٣٩ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٢١١ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٥.

(٢) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٤.

(٣) كصاحب الحدائق ١٢ : ٣٤.

(٤) راجع ص ١٨.

(٥) في ص ٣٤.

(٦) التهذيب ٤ : ٣٢ ـ ٨٠ ، الوسائل ٩ : ٩٦ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٤.

(٧) التهذيب ٤ : ٣٤ ـ ٨٧ ، والاستبصار ٢ : ٢٨ ـ ٧٩ ، الوسائل ٩ : ٩٦ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٣.

(٨) الكافي ٣ : ٥٢٣ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ٩٦ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٣.

٥٢

« لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد ، وليس على الدافع شي‌ء ، لأنّه ليس في يده شي‌ء ، إنّما المال في يد الآخذ ، فمن كان المال في يده زكّاه » الحديث (١).

ويظهر من قوله : « لا يزكّى المال من وجهين .. » دلالة رواية الحسن ابن عطيّة أيضا : إنّ لقوم عندي قروضا ليس يطلبونها منّي ، أفعليّ فيها زكاة؟ فقال : « لا تقضي ولا تزكّي؟! زكّ » (٢).

ويدلّ عليه أيضا التعليل المذكور في صحيحة يعقوب بن شعيب السابقة (٣) ، وما دلّ على اشتراط الملكيّة ، فإنّ الدين غير مملوك للمدين فعلا إلاّ بعد قبضه له.

ويصرّح به المرويّ في قرب الإسناد المنجبر ضعفه ـ لو كان ـ بدعوى الشهرة : عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه ، هل على صاحبه زكاة؟ قال : « لا ، حتى يقبضه وبحول عليه الحول » (٤).

ودليل القول الثاني : موثّقة زرارة ، وروايتا عمر بن يزيد وعبد العزيز المتقدّمة جميعا (٥).

والرضويّ : « وإن غاب مالك عنك فليس عليك الزكاة إلاّ أن يرجع إليك ، ويحول عليه الحول وهو في يدك ، إلاّ أن يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه ، فعليك زكاته » (٦).

__________________

(١) تقدمت في ص ٤٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٣ ـ ٨٦ ، الوسائل ٩ : ١٠٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ٦.

(٣) راجع ص ٤٩.

(٤) قرب الإسناد : ٢٢٨ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ٩ : ١٠٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ١٥.

(٥) في ص ٣٤ ، ٣٥.

(٦) فقه الرضا (ع) : ١٩٨ بتفاوت يسير ، مستدرك الوسائل ٧ : ٥٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ١.

٥٣

وإطلاق صحيحة الكناني ورواية عبد الحميد المتقدّمتين (١).

ولا يخفى ضعف دلالة الموثّقة ، لأنّ مرجع الضمير في قوله : « يدعه » هو المال الغائب ، والدين ـ لعدم تشخّصه ، بل هو أمر كلّي في الذمّة ـ ليس مالا ، وكذلك ليس غائبا ، فموضوع الموثّقة غير موضوع المسألة.

والرضويّ ضعيف قاصر عن الاستناد.

والأخيرتان غير ناهضتين لإثبات الوجوب ، مع أنّ رواية عبد الحميد مختصّة بما لا يقدر على أخذه لبيعه إلى ثلاث سنين ، فهي خارجة عن المورد.

فلم تبق إلاّ الروايتان.

وأجيب عنهما أيضا بضعف السند (٢). وهو عندي ليس بمعتمد.

وبمعارضتهما مع مثل موثّقتي سماعة والحلبي (٣) ، ولا تفيد أخصّيتهما ، إذ لو أفادت لوجب تخصيص المعارض ، وهو فيما يتضمّن السؤال غير جائز ، لإيجابه تأخير البيان عن وقت الحاجة.

وفيه : منع لزوم كون وقت السؤال وقت الحاجة.

نعم ، إنّهما يعارضان المرويّ في قرب الإسناد بالتباين للزكاة (٤) ، فإمّا يجب حمل الروايتين على الاستحباب بقرينة هذه الرواية ، أو يطرحان لموافقة العامّة في الجملة ، أو يرجع إلى الأصل ، وهو أيضا مع عدم الوجوب.

فرع : لو استقرض شخص مالا عن آخر وقبضه ، ثمَّ يدعه حولا إمّا‌

__________________

(١) في ص ٥٠ ، ٥١.

(٢) كما في المدارك ٥ : ٤٠.

(٣) راجع ص ٥٠ ، ٥٢.

(٤) كذا في جميع النسخ.

٥٤

عند نفسه أو عند المقرض مع تمكّنه من التصرّف فيه ، فزكاته على المقترض بلا خلاف كما قيل (١) ، لأنّه ماله ، فزكاته عليه ، لأنّها على صاحب المال كما مرّ ، ولصحيحتي يعقوب بن شعيب وزرارة (٢) ، ورواية ابن عطيّة المتقدّمة (٣) ، وتدلّ عليه أيضا موثّقة البصري (٤) ، ومرسلة أبان (٥).

وفي صحيحة منصور : في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول وهو عنده ، قال : « إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض » (٦).

وإطلاق هذه الروايات كعبارات طائفة من الأصحاب (٧) وتصريح بعض آخر (٨) يقتضي عدم الفرق بين ما إذا شرط الزكاة على المقرض أم لا.

خلافا للشيخ في باب القرض من النهاية (٩) ، فأوجبها بالشرط على المقرض ، للصحيحة الأخيرة.

وضعّف بأنّ مقتضاها جواز أداء المقرض ، لا لزومها عليه.

وحملها على صورة الشرط ليس بأولى من حملها على التبرّع.

مع أنّ الزكاة تابعة للملك وهو للمقترض ، فلا يجوز اشتراطها على الغير ، لأنّه من قبيل اشتراط العبادة على غير من وجبت عليه.

__________________

(١) قال به الشيخ في الخلاف ٢ : ١١١.

(٢) المتقدمتين في ص ٤٨.

(٣) في ص ٥٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢١ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ١٠١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢١ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ١٠١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٥٢٠ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٢ ـ ٨٣ ، الوسائل ٩ : ١٠١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ٢.

(٧) منهم الصدوق في المقنع : ٥٣ ، والمفيد في المقنعة : ٢٣٩.

(٨) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٤٧٧ ، وفخر المحققين في الإيضاح ١ : ١٧١.

(٩) النهاية : ٣١٢.

٥٥

ويمكن أن يجاب عن الأول بأنّه لا شكّ في دلالة الصحيحة على جواز مباشرة الغير لإخراجها عمّن لزمته ولو تبرّعا ، وحيث جاز صحّ اشتراطها ولزم ، لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط الجائزة.

هذا ، مع ما ورد في الأخبار من جواز شرط أداء الزكاة عن الغير ولزومه ، كما في صحيحة ابن سنان : « باع أبي هشام بن عبد الملك أرضا بكذا وكذا ألف دينار ، واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين » (١) ، وقريبة منها صحيحة الحلبي (٢).

وفي الفقه الرضويّ : « فإن بعت شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنّه يلزمه ذلك دونك » (٣) ، وحكي الفتوى به عن الصدوقين (٤).

ثمَّ مع الشرط المذكور ، هل يسقط عن المقترض بمجرّد الشرط فيه ، أم لا؟

صرّح في الذخيرة بالثاني (٥) ، وهو كذلك ، لعمومات وجوب الزكاة على المقترض.

ولا ينافيه الوجوب على المقرض أيضا ، كما لو وجبت على شخص أداء دين آخر بنذر أو شرط ، فإنّه لا يسقط الوجوب عن المديون ، فإن وفى سقط عنه ، وإلاّ وجبت عليه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٤ ـ ٢ ، علل الشرائع : ٣٧٥ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٨ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٤ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٧٤ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٨ ح ٢.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١٩٨ مستدرك الوسائل ٧ : ٨٤ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٢ ح ١.

(٤) الصدوق في المقنع : ٥٣ ، وحكي عن والده في المختلف : ١٧٤.

(٥) الذخيرة : ٤٢٦.

٥٦

والحاصل : أنّه تجب حينئذ على كلّ منهما بدلا ، فكلّ أدّاها يسقط عن الآخر.

أمّا عن المقترض ، فلأنّ الوفاء بالشرط إنّما يجب مع إمكانه ، وبعد أداء المقترض لا تكون زكاة حتى يمكن له أداؤها ، إذ لا تجب زكاة في مال في عام مرّتين.

هذا ، ثمَّ إنّ مقتضى الصحيحة (١) جواز تبرّع المقرض بأداء الزكاة ، وأنّه لو أدّاها لسقط عن المستقرض ، وهو كذلك.

وهل هو مطلق أو مقيّد بما إذا أذن المقترض؟

مقتضى الإطلاق : الأول ، فهو الأقرب.

ومنها : مال المحجور عليه للفلس. صرّح بعدم الزكاة فيه : الشهيد في البيان (٢) وصاحب الذخيرة (٣).

وصريح الفاضل الهنديّ في شرح الروضة وجوب الزكاة فيه ، بل كونه من المسلّمات ، حيث اعترض على من اشترط تمكّن التصرّف بأنّه إن أراد من جميع الوجوه يرد عليه النقض بالمبيع في زمن الخيار ، ومال المحجور عليه لردّة أو سفه أو فلس.

وكذا هو الظاهر منهم في مسألة عدم منع الدين من الزكاة ولو استوعب الدين المال ، من غير استثنائهم المحجور عليه.

ويدلّ عليه أيضا عموم الأخبار الآتية المصرّحة بعدم منع الدين للزكاة ولو كان الدين أكثر ما في يده (٤) ، الحاصل من ترك الاستفصال.

__________________

(١) أي صحيحة منصور المتقدمة في ص ٥٥.

(٢) البيان : ٢٧٨.

(٣) الذخيرة : ٤٢٧.

(٤) في ص ٥٩ ، ٦٠.

٥٧

إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ أدلّة اشتراط الاقتدار من التمكّن في التصرّف في ما يعتبر فيه الحول توجب سقوطها عن المحجور عليه ، لعدم صدق كون المال في يده وعنده ، وعدم القدرة على أخذه.

وأمّا في الغلاّت ، فالأقرب وجوب الزكاة فيها ، لعدم دليل على السقوط.

ومنع المحجور عليه إنّما هو في التصرّف في ماله ، وليس ذلك ماله ، بل مال الفقراء ، مع أنّ دليل منعه وحجره الإجماع ، وتحقّقه في المورد غير معلوم.

وتلحق بهذا الباب مسائل أربع :

المسألة الاولى : لا يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء والإيصال إلى المستحقّ‌

إجماعا ، كما في المنتهى (١) ، لإطلاق الأوامر السالمة عن المعارض والمقيّد.

وأمّا ما قيل من أنّ معنى وجوب الزكاة وجوب إيصالها إلى المستحقّ ، ولا معنى لهذا عند عدم التمكّن (٢).

ففيه : أنّ معناه ليس وجوب إيصالها بالفعل ، بل معناه وجوب إيصالها عند التمكّن ، كما أنّه تجب الصلاة بالزوال على فاقد الماء في أوّل الوقت المتوقّع له بعد ساعة ، وهذا ليس وجوبا تعليقيّا ، بل إيجاب تنجيزي ، بمعنى : أنّه طلب منه حينئذ الصلاة بعد الوضوء ودخل تحت خطاب : « أقيموا الصلاة لدلوك الشمس » ، ففي المورد أيضا يدخل تحت خطاب : « أيّما رجل كان له مال وحال عليه الحول يزكّيه » وإن لم يرد أنّه يزكّيه بالفعل مطلقا ، بل مع اجتماع سائر الشرائط.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٩٠.

(٢) قال به صاحب الذخيرة : ٤٢٦.

٥٨

والحاصل : أنّ كلّ خطاب تكليفيّ مقيّد بحال القدرة ، ولكن معناه : أنّ أداء التكليف موقوف عليها ، لا تعلّق الخطاب به. وتظهر الفائدة فيما بعد حصول القدرة.

نعم ، يعتبر في الضمان التمكّن من الأداء ، كما يأتي بعد ذلك.

المسألة الثانية : لا يشترط في وجوب الزكاة الإسلام ، بل تجب على الكافر كسائر الفروع ، ولكن لا يصحّ أداؤها منه ما دام كافرا.

إلاّ أنّهم قالوا : إنّه لا يضمن بعد إسلامه زكاة حال كفره ، أدّاها أو لم يؤدّها ، تلف النصاب أو كان موجودا. وعلى تقدير الوجود يستأنف الحول من حين الإسلام ، وإن أسلم في أثناء الحول.

ولم أجد دليلا على شي‌ء من ذلك ، ومقتضى استصحاب الوجوب عدم سقوط الزكاة عنه بالإسلام ، أي زكاة ما استجمع الشرائط حال الكفر ، وضمانه التالف كضمان المسلم ، وكذا مقتضى وجوبه حال الكفر وجوب أخذ الإمام أو نائبه زكاة الكافر حال كفره ، ولا دليل على نفي شي‌ء من ذلك.

المسألة الثالثة : الدين لا يمنع وجوب الزكاة ، سواء استوعب الدين النصاب أم لا ، وسواء كان للمديون مال سوى النصاب أم لا ، إجماعا ، كما في المنتهى والتذكرة وشرح المفاتيح (١). وفي المفاتيح : بلا خلاف (٢) ، وفي المدارك : إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (٣).

والظاهر تحقّق الإجماع فيه ، فهو الدليل عليه ، مضافا إلى عموم الأدلّة الدالّة على وجوب الزكاة الخالية عن المخصّص ، وخصوص صحيحة زرارة‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٠٦ ، والتذكرة ١ : ٢٠٢ ، وشرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٢) المفاتيح ١ : ١٩٥.

(٣) المدارك ٥ : ١٨٣.

٥٩

وضريس : « أيّما رجل كان له [ مال ] موضوع حتى يحول عليه الحول فإنّه يزكّيه ، وإن كان عليه من الدين مثله وأكثر منه فليزكّ ما في يده » (١) ، ورواية الحسن بن عطيّة (٢) وموثّقة البصري ومرسلة أبان (٣).

وقد ينسب إلى البيان التوقّف في ذلك (٤) ؛ لخبر رواه فيه عن الجعفريّات (٥).

والخبر ضعيف في نفسه ، ولمخالفته عمل الطائفة ولمعارضته المعتبرة الكثيرة.

ومع ذلك هو قاصر الدلالة ، بل قد يناقش في نسبة التوقّف إلى الشهيد أيضا ؛ لتصريحه بعدم منع الدين عن الزكاة في ذلك البحث مكرّرا ، وليس كلامه هنا صريحا في التوقّف ، ولو كان فالظاهر اختصاصه بمال التجارة. والله يعلم.

فرع : لو مات المديون بعد تعلّق الزكاة ، فإن وفت التركة بالدين والزكاة يجب أداؤهما ، وإن ضاقت تقدّم الزكاة ، لتعلّقها بالعين وخروجها عن التركة ، إلاّ إن تلفت أعيان متعلّق الزكاة قبل الوفاة فتوزّع التركة مع القصور ، وإن تلفت بعد الوفاة بلا تفريط من أحد وزّع التالف على الزكاة والدين.

المسألة الرابعة : الفقر لا يمنع من وجوب الزكاة ، بل تجب لو لم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٢ ـ ١٣ ، الوسائل ٩ : ١٠٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ١٠ ح ١.

وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) المتقدمة في ص ٥٣.

(٣) المتقدمتين في ص ٥٥.

(٤) البيان : ٣٠٨ و ٣٠٩ ، ونسبه إليه في المدارك ٥ : ١٨٤.

(٥) الجعفريات ( قرب الإسناد ) : ٥٤ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٥٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٨ ح ١.

٦٠