مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

وعدم دلالة الخامس على أنّ من لا تجب عليه الزكاة لا تجب عليه الفطرة إلاّ بمفهوم ضعيف.

فالمستند في الحكم ليس إلاّ الإجماع ، ولازمه الاقتصار في موارد الخلاف على المجمع عليه.

وعلى هذا ، فلا تجب على القنّ والمدبّر وأمّ الولد ، وتجب على المكاتب الذي لم يتحرّر منه شي‌ء ، وفاقا للصدوق والذخيرة (١) ؛ لما ذكر ، ولصحيحة علي (٢).

ولا تعارضها مرفوعة أحمد : « يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ، ورقيق امرأته ، وعبده النصراني والمجوسي ، ومن أغلق عليه بابه » (٣) ؛ لظهور سياقها في العيلولة ، مع عدم صراحتها في الوجوب ، مع أنّه مع التعارض يرجع الى العمومات.

وكذا تجب عليه فطرة زوجته وعبده ، على القول بملكيّته وعدم عيلولتهم للمولى ؛ لما ذكر.

الشرط الثالث : الغنى‌

واشتراطه مذهب علمائنا أجمع ، كما في المعتبر والمنتهى (٤) ، وإن اختلفوا في الغنى الموجب لأدائها ، والحقّ أنّه الغنى المانع عن جواز أخذ الزكاة الماليّة ، وفاقا للمقنع والمقنعة والعماني والفاضلين (٥) ، وكلّ من تأخّر‌

__________________

(١) الصدوق في الفقيه ٢ : ١١٧ ، الذخيرة : ٤٧٣.

(٢) الفقيه ٢ : ١١٧ ـ ٥٠٢ ، الوسائل ٩ : ٣٦٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٤ ـ ٢٠ ، التهذيب ٤ : ٧٢ ـ ١٩٥ ، الوسائل ٩ : ٣٣٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٩.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٩٣ ، المنتهى ١ : ٥٣٢.

(٥) المقنع : ٦٧ ، المقنعة : ٢٤٨ ، حكاه عن العماني في المختلف : ١٩٣ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٥٩٣ ، والشرائع ١ : ١٧١ ، العلاّمة في المنتهى ١ : ٥٣٢ ، والتذكرة ١ : ٢٤٨.

٣٨١

عنهما (١) ، بل الأشهر مطلقا كما قيل (٢).

للمستفيضة من الروايات ، كصحيحة الحلبي : عن رجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة؟ قال : « لا » (٣) ، وقريبة منها رواية يزيد بن فرقد (٤).

ورواية الفضيل : لمن تحلّ الفطرة؟ قال : « لمن لا يجد ، ومن حلّت له لم تحلّ عليه ، ومن حلّت عليه لم تحلّ له » (٥).

وفي أخرى : « من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة » (٦).

وموثّقة إسحاق بن عمّار : على الرجل المحتاج زكاة الفطرة؟ قال : « ليس عليه فطرة » (٧) ، ونحوها رواية إسحاق بن المبارك (٨).

ورواية يزيد : على المحتاج صدقة الفطرة؟ قال : « لا » (٩).

وجه الدلالة في غير الثلاثة الأخيرة ظاهر ، وفيها : أنّ الظاهر من‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٤ ، صاحب المدارك ٥ : ٣١٣.

(٢) انظر : الرياض ١ : ٢٨٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٣ ـ ٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ ـ ١٢٥ ، الوسائل ٩ : ٣٢١ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٤ ـ ٢٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٤١ ـ ١٣٠ ، الوسائل ٩ : ٣٢١ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٣ ـ ٢٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٤١ ـ ١٢٧ ، الوسائل ٩ : ٣٢٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٩.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٣ ـ ٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ ـ ١٢٦ ، الوسائل ٩ : ٣٢٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٧٣ ـ ٢٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٤١ ـ ١٢٩ ، الوسائل ٩ : ٣١٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٦.

(٨) التهذيب ٤ : ٧٢ ـ ١٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ ـ ١٢٣ ، الوسائل ٩ : ٣٢١ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٣.

(٩) التهذيب ٤ : ٧٣ ـ ٢٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ ـ ١٢٤ ، الوسائل ٩ : ٣٢١ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٤.

٣٨٢

المحتاج : المحتاج إلى أخذ الزكاة ، ولو منع ذلك لقلنا : إنّ لكلّ نفس حاجة ، فيحصل الإجمال في معناه ، وبه تخرج عمومات وجوب زكاة الفطرة ، وإطلاقاتها عن الحجّية في موضع الإجمال ، فلا يبقى إلاّ من تحرم عليه الزكاة ؛ للوجوب عليه بالإجماع والخلاف في من دونه مطلقا.

خلافا للإسكافي ، فأوجبها على من فضل من مئونته ومئونة عياله ليوم وليلة صاع (١) ، ونقله الشيخ في الخلاف عن أكثر أصحابنا (٢).

وللخلاف والديلمي وابني حمزة وزهرة والحلي ، فأوجبوها على من ملك نصابا تجب فيه الزكاة (٣) ، بل عن الأوّل والأخيرين الإجماع عليه.

فنظر هؤلاء الفريقين إن كان إلى أنّ ذلك هو الغنى الموجب لحرمة الزكاة ولذا تجب معه الفطرة ، فلا بحث لنا معهم في الجزء الثاني ها هنا ، ولكنّ الكلام معهم حينئذ في الجزء الأول ، وهو أنّه الغنى المحرّم للزكاة.

وإن لم يكن نظرهم إلى ذلك ، بل يقولون : بأنّ هذا هو الغنى الموجب للفطرة وإن لم يكن كذلك في حرمة الزكاة ، فلا دليل لهما إلاّ ما قد يستدلّ به للإسكافي من لزوم الاقتصار في تخصيص العمومات وتقييد الإطلاقات بالمتيقّن ، وهو من لم يملك قوت يوم وليلة مع قدر الفطرة ، وللآخرين من الإجماعات المنقولة.

ويردّ الأول : بتيقّن خروج من لم يملك قوت السنة أيضا بما ذكر.

والثاني : بعدم حجّية الإجماع المنقول ، سيّما مع مخالفة الفحول ، ومعارضة الأخبار المتكثّرة.

نعم ، ها هنا روايات غير مطابقة بظواهرها مع الأخبار المتقدّمة ،

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ١٩٣.

(٢) الخلاف ٢ : ١٤٦.

(٣) الخلاف ٢ : ١٤٦ ، الديلمي في المراسم : ١٣٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٣٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٦٥.

٣٨٣

كصحيحة القدّاح في زكاة الفطرة ، وفيها : « وليس على من لا يجد ما يتصدّق به حرج » (١).

وموثّقة زرارة : هل على من قبل الزكاة زكاة؟ فقال : « أمّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة ، وليس على من يقبل الفطرة فطرة » (٢) ، ونحوها رواية الفضيل (٣).

وصحيحة زرارة : الفقير الذي يتصدّق عليه ، هل تجب عليه صدقة الفطرة؟ قال : « نعم ، يعطي ما يتصدّق عليه » (٤).

ولكنّها لا توافق شيئا من القولين أيضا ، فظواهرها بإطلاقاتها متروكة إجماعا ، وتقييدها بنوع يرجع إلى أحدهما ليس بأولى من تقييد يرجع إلى المختار.

مع أنّ أولاها لا تخالف الأخبار المتقدّمة إلاّ بمفهوم ضعيف غير معتبر جدّا.

والثانيتان متضمّنتان لتفصيل لم يقل به أحد من الخاصّة والعامّة ، إلاّ بحمله على إمكان حصول قوت السنة بزكاة المال دون الفطرة.

مع أنّهما مع الرابعة أعمّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة ، فيجب تخصيصها بها.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٥ ـ ٢١١ ، الاستبصار ٢ : ٤٧ ـ ١٥٢ ، الوسائل ٩ : ٣٢١ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٤ ـ ٢٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٤١ ـ ١٣١ ، الوسائل ٩ : ٣٢٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٧ ـ ٢٥٤ ، الاستبصار ٢ : ٤١ ـ ١٢٨ ، الوسائل ٩ : ٣٢٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١٠.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٢ ـ ١١ ، التهذيب ٤ : ٧٤ ـ ٢٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٤١ ـ ١٣٢ ، الوسائل ٩ : ٣٢٤ أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ٢.

٣٨٤

ولا يشترط في وجوبها : كون المخرج والمخرج عنه صائما ولا حاضرا إجماعا ؛ للإطلاقات.

ولا الإسلام ؛ لمخاطبة الكفّار بالفروع عندنا.

نعم ، لو أسلم بعد غروب ليلة الفطر سقط عنه بالإجماع ؛ لصحيحة ابن عمّار : عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال : « لا » (١) ، إلاّ أنّه يستحبّ له ؛ لمرسلة التهذيب (٢).

الشرط الرابع : إدراك الغروب ليلة الفطر.

مجتمعة الشرائط إجماعا.

فلو لم يدركه كذلك لم يجب ؛ للإجماع ، وصحيحة ابن عمّار المتقدّمة بضميمة الإجماع المركّب.

وفي اشتراط إدراك طلوع الفجر يوم العيد قولان ، يأتي في بيان الوقت.

فروع :

أ : هل يعتبر أن يملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة؟

فيه قولان ، أقواهما : عدم الاعتبار ؛ لإطلاق الأخبار.

ب : يستحبّ للفقير إخراجها عن نفسه وعن عياله ؛ للشهرة العظيمة ، بل الإجماع المنقول في المنتهى (٣) ، الكافيين في مقام الاستحباب.

واستدلّ أيضا بالأخبار المذكورة المثبتة للفطرة على الفقير بحملها على الاستحباب.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٢ ـ ١٢ ، التهذيب ٤ : ٧٢ ـ ١٩٧ ، الوسائل ٩ : ٣٥٢ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٢ ـ ١٩٨ ، الوسائل ٩ : ٣٥٣ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٣.

(٣) المنتهى ١ : ٥٣٦.

٣٨٥

وفيه نظر ؛ لأنّه ليس بأولى من تخصيصها بالغني.

والحاصل : أنّها بين غير دالّ أصلا ، كالأولى ، ومخالف للإجماع ـ لو لا ارتكاب تخصيص فيها وإن حمل على الاستحباب ـ كالثانيتين ، ومتضمّنة للفظ الوجوب مع عموم : « ما يتصدّق عليه » كالرابعة.

وعدم صحّة الاستدلال بالأوليين واضح ، وبالثالثة وإن صحّ إلاّ أنّه يعارضه احتمال التخصيص في ما يتصدّق عليه ، بحيث يخرج عن الفقر.

ثمَّ إنّهم قالوا : إنّه يستحبّ للفقير إدارة فطرة رأس بين عياله ، بإخراجها عن نفسه إلى واحد منهم ، ثمَّ هو إلى آخر ، وهكذا.

والمستند فيه موثّقة إسحاق : عن الرجل لا يكون عنده شي‌ء من الفطرة إلاّ ما يؤدّي عن نفسه وحدها ، أيعطيه غريبا أو يأكل هو وعياله؟

قال : « يعطيه بعض عياله ، ثمَّ يعطي الآخر عن نفسه ، يردّدونها ، فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة » (١).

وهل هذه الإدارة هو إخراج الفطرة المستحبّ للفقير مطلقا ، كما هو ظاهر الإرشاد (٢)؟

أو هو أقلّ ما يستحبّ ، كصريح الشرائع (٣)؟

أو هو المستحبّ عند الحاجة ، كما في النافع (٤)؟

الظاهر : هو الأخير ، إن كان مراده من الحاجة : عدم تيسّر غير فطرة رأس له ، كما هو المصرّح به في الموثّقة ؛ وإن كان مراده غير ذلك ، فهو أيضا كسابقيه لا وجه له ، بل اللازم العمل بمقتضى الموثّقة ، وتقييد‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٢ ـ ١٠ ، التهذيب ٤ : ٧٤ ـ ٢٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٤٢ ـ ١٣٣ ، الوسائل ٩ : ٣٢٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ٣.

(٢) الإرشاد ١ : ٢٩١.

(٣) الشرائع ١ : ١٧١.

(٤) النافع : ٦١.

٣٨٦

استحباب الإدارة بما لا يكون عنده غير فطرة رأس.

وهل يتصدّق الأخير إلى الأجنبي البتّة ، كما هو صريح جماعة (١)؟

أو يجوز إعطاؤه لمن أعطى أولا أيضا ؛ كما يميل إليه كلام بعض المتأخّرين (٢)؟

ظاهر إطلاق النصّ : الثاني ، فعليه الفتوى.

وليس في قوله : « يكون عنهم جميعا فطرة واحدة » إشعار بالأول ، ولو كان فليس بأظهر من إشعار قوله : « يتردّدونها » بالثاني.

وفي اختصاص الحكم بكون الجميع مكلّفين ـ كصريح بعضهم (٣) ـ أو تعميمه لغيرهم ، فيتولى الولي لذلك من الصغير ـ كصريح الشهيد الثاني (٤) وظاهر بعض آخر (٥) ـ قولان :

دليل الأول : أنّه مورد النصّ ؛ لقوله : « يعطي الآخر عن نفسه ».

ودليل الثاني : إطلاقه.

وكلاهما غير مطابقين للواقع ، فإنّ غاية ما يثبت من قوله : « يعطي عن نفسه » كونه مميّزا ، وأمّا التكليف فلا.

وظاهر الإعطاء عن النفس أيضا ينافي عدم التمييز ، إلاّ أن يقال : بأنّ بعد عمومه للصبي المميّز يتعدّى إلى غيره بالإجماع المركّب ، وحينئذ يتمّ الاستدلال ، ومنه تظهر قوّة التعميم.

ج : لو بلغ الطفل قبل الغروب ليلة الفطر ، أو زال الجنون ، أو استغنى الفقير ، وجبت عليه الفطرة إجماعا ، ولو حصل أحد هذه بعده لا تجب‌

__________________

(١) انظر : المختصر النافع : ٦١ ، والمنتهى ١ : ٥٣٦ ، والبيان : ٣٣٢.

(٢) كما في المدارك ٥ : ٣١٥.

(٣) المدارك ٥ : ٣١٥.

(٤) في المسالك ١ : ٦٤.

(٥) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ٢٧٧.

٣٨٧

كذلك ؛ له ، وللأصل.

نعم ، يستحبّ له الإخراج ، كما عليه فتوى الأصحاب.

٣٨٨

البحث الثاني

في من تجب عنه‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : إذا تكاملت الشروط في شخص يجب عليه إخراج الفطرة عن نفسه وعن جميع من يعوله ، أي ينفق عليه ؛ بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ عن الخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة والمدارك (١) وغيرها (٢) ؛ له ، وللمستفيضة بل المتواترة معنى.

كصحيحة عمر بن يزيد : عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر ، يؤدّي عنه الفطرة؟ فقال : « نعم ، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير ، حرّ أو مملوك » (٣).

وصحيحة الفضلاء الخمسة : « على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ وعبد ، صغير وكبير ، يعطي يوم الفطر فهو أفضل ، وهو في سعة أن يعطيها في أوّل يوم من شهر رمضان إلى آخره » (٤) الحديث.

وصحيحة الحلبي : عن صدقة الفطرة ، فقال : « على كلّ من يعول الرجل ، على الحرّ والعبد والصغير والكبير » (٥).

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٣٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، المنتهى ١ : ٥٣٣ ، التذكرة ١ : ٢٤٨ ، المدارك ٥ : ٣١٥.

(٢) كالشرائع ١ : ١٧١.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٣ ـ ١٦ ، الفقيه ٢ : ١١٦ ـ ٤٩٧ ، التهذيب ٤ : ٣٣٢ ـ ١٠٤١ ، الوسائل ٩ : ٣٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٦ ـ ٢١٥ ، الاستبصار ٢ : ٤٥ ـ ١٤٧ ، الوسائل ٩ : ٣٥٤ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٤.

(٥) التهذيب ٤ : ٨١ ـ ٢٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٧ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٩ : ٣٣٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٢.

٣٨٩

وصحيحة ابن سنان : في صدقة الفطرة ، فقال : « تصدّق عن جميع من تعول من صغير أو كبير أو مملوك » (١).

ورواية الفضلاء الثلاثة : عن زكاة الفطرة ، قالا : « صاع من تمر » ، إلى أن قالا : « عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والبالغ ومن تعول في ذلك سواء » (٢).

ومرسلة محمّد : عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة ، قال : « تصدّق عن جميع من تعول من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة » (٣) ، إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة (٤).

ثمَّ المراد بمن يعول الرجل المصرّح بوجوب فطرته في تلك الأخبار : هو من ينفق عليه ، كما صرّح به أهل اللغة ، قال الجوهري : عال عياله عولا ، أي قاتهم وأنفق عليهم (٥). وفي المجمع : عال يعول ، أي ينفق عليهم (٦).

ويكفي في ذلك تفسير الإمام عليه‌السلام له في رواية أبي حفص : « صدقة الفطرة على كلّ صغير أو كبير ، حرّ أو عبد ، عن كلّ من يعول ـ يعني من ينفق عليه ـ صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، أو صاع من زبيب » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٨١ ـ ٢٣٤ ، الاستبصار ٢ : ٤٧ ـ ١٥٥ ، الوسائل ٩ : ٣٣٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٨٢ ـ ٢٣٦ ، الاستبصار ٢ : ٤٣ ـ ١٣٩ ، الوسائل ٩ : ٣٣٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٧.

(٣) الفقيه ٢ : ١١٨ ـ ٥١١ ، الوسائل ٩ : ٣٢٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٦.

(٤) الوسائل ٩ : ٣٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥.

(٥) الصحاح ٥ : ١٧٧٧.

(٦) مجمع البحرين ٥ : ٤٣٢.

(٧) التهذيب ٤ : ٨٢ ـ ٢٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٤٨ ـ ١٥٧ ، الوسائل ٩ : ٣٣٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٩.

٣٩٠

وهذا المعنى أعمّ من العيال العرفي ؛ لأنّهم في العرف من يتكفّل مئونته ونفقته بدوام واستمرار بل مجّانا ، فلا يعدّ من ينفق عليه أيّاما من العيال ، ولا من ينفق عليه لجعالة عمل ، ولا الضيف ولو كان عندك شهرا .. ولذا يقال : علته أيّاما ، قال في الصحاح : علته شهرا ، أي كفيته معاشه (١).

ولذا عدّ الضيف في صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة ممّن يعول ، مع أنّه ليس من العيال العرفي ، بل العيال لغة غير من يعول وأخصّ منه أيضا ؛ لأنّ العيال مشتقّ من العيلة ، التي هي الحاجة والفاقة ، حيث إنّهم يوجبون احتياج الرجل وفاقته ، لا من العول الذي هو الإنفاق .. ولذا ذكر اللغويون العيال في مادّة العيلة دون العول (٢).

ولذا ترى أنّه ـ مع تفسيره عليه‌السلام في الرواية المتقدّمة من يعول بمن ينفق عليه ـ سئل في صحيحة البجلي : عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله (٣) ، حيث أثبت الإنفاق ونفى العيلولة ، وصرّح في آخرها : بأنّ « العيال : الولد والمملوك والزوجة وأمّ الولد ».

ومن هذا يظهر لك ما في كلام كثير من الفقهاء ، حيث عبّروا في المقام بالعيال (٤) ، مع أنّه لو كان الواجب فطرته العيال يشكل عليهم الأمر في كثير من الفروع التي حكموا فيها بوجوب الفطرة ، والتي حكموا فيها بعدم وجوبها ، كزوجة رجل ومملوكه ونحوهما إذا أنفق عليه غيره ، فإنّه لا يخرج بذلك عن عيال الرجل مع أنّه لا تجب فطرته.

وبالجملة : الذي تجب فطرته على الرجل هو من ينفق عليه ، سواء‌

__________________

(١) الصحاح ٥ : ١٧٧٧.

(٢) راجع الصحاح ٥ : ١٧٨٠ ، ومجمع البحرين ٥ : ٤٣٢.

(٣) الفقيه ٢ : ١١٨ ـ ٥٠٩ ، الوسائل ٩ : ٣٢٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٣.

(٤) كالمحقق في المختصر النافع : ٦٠.

٣٩١

كان من عياله أم لا.

وأمّا صحيحة البجلي : عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلاّ أنّه يتكلّف له نفقته وكسوته ، أتكون عليه فطرته؟ قال : « لا ، إنّما تكون فطرته على عياله صدقة دونه » ، وقال : « العيال : الولد والمملوك والزوجة وأمّ الولد » (١) ، فحملت على تصدّق النفقة والكسوة له.

والتحقيق : أنّ فيها إجمالا من جهة مرجع الضمائر ؛ إذ يمكن أن يكون ضمير : عليه ، راجعا إلى الرجل الأول ، وفي : فطرته ، الاولى ، إلى الثاني ، وفي الثانية أيضا إليه ، وكذا في : « عياله » وفي : « دونه » إلى الأول ، ولا بدّ حينئذ من إرادة المعيل من : « العيال ».

أو يكون بصيغة المبالغة ، وأن يكون الأولان كما مرّ ، ويكون مرجع الثالث والرابع إلى الأول والخامس إلى الثاني ، وحينئذ لا بدّ من إرادة الفطرة الواجبة عليه من : « فطرته » الثانية ، ويكون « على » بمعنى : عن.

وأن يكون مرجع الأول والثاني إلى الثاني ، ويكون السؤال عن وجوب فطرة المنفق عليه على نفسه ، وكذا يكون مرجع الثلاثة الأخيرة إليه أيضا ، والعيال يكون بأحد المعنيين المذكورين.

والمنافي للمطلوب هو أحد الأولين دون الثالث.

وللحديث احتمال ثالث ، وهو أن يكون السؤال عن وجوب فطرة الثاني على الأول ، فالمرجعان الأولان كما مرّ أولا ، وتكون الضمائر الثلاثة الأخيرة راجعة إلى الثاني ، ويكون في الجواب عدولا عن مطابقة السؤال لمصلحة ، ويكون المراد أنّه يجوز للأول إعطاء فطرة الثاني لعيال الثاني بعنوان الصدقة ، ولا يجوز له إعطاء فطرة الثاني للثاني نفسه.

وعلى هذا ، لا ينافي المطلوب ، مع أنّه مع التنافي أيضا يجب‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١١٨ ـ ٥٠٩ ، الوسائل ٩ : ٣٢٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٣.

٣٩٢

طرحها ؛ لشذوذها ومخالفتها لأخبار كثيرة.

ثمَّ المراد بمن ينفق عليه : ليس من ينفق عليه دائما ؛ بالإجماع ، ولأصالة عدم التقييد بالدوام .. بل من يصدق عليه هذا العنوان ؛ لإطلاقه.

وليس المراد : الإنفاق في الاستقبال ؛ بالإجماع .. بل المراد الحال ، كما صرّح به في المنتهى أيضا (١). والمراد حال وجوب الفطرة ، فالذي تجب فطرته هو الذي يكون ممّن ينفق عليه في غروب الشمس من ليلة الفطر عرفا. وهذا العنوان يتحقّق بإنفاقه عليه في الليلة السابقة أو النهار إن لم يكن صائما مع قصد إنفاقه ليلة الفطر وتحقّقه أيضا قطعا .. بل وكذا لو لم يتحقّق الإنفاق السابق ، وكان ممّن يقصد إنفاقه ليلة الفطر حال الغروب ودخول الوجوب وتحقّق الإنفاق أيضا.

نعم ، يشكل الأمر فيما إذا لم يقصد الإنفاق أول الوقت وتحقّق بعده ، من صدق الإنفاق ، ومن عدم تعلّق الوجوب به أولا ، بل تعلّقه بنفس المنفق عليه ، أو سقوطه رأسا إن لم يستجمع الشرائط.

وكذا فيما إذا قصد الإنفاق ولم يتحقّق ، وعدم الوجوب حينئذ أظهر ، والاحتياط في الصورتين أحسن بإعطاء المستجمع للشرائط منهما إن استجمعها أحدهما فقط ، واعطاؤهما معا إن استجمعاها ، أو توكيل أحدهما الآخر في الإعطاء وإعطاؤه بنيّة من يجب عنه.

فروع :

أ : لا فرق في من يعول بين من تجب نفقته ومن يتبرّع إجماعا ؛ له ، وللإطلاقات.

وصحيحة ابن سنان : « كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٣٦.

٣٩٣

فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه » (١).

وروايته : عن صدقة الفطرة ، قال : « من كلّ رأس من أهلك ، الصغير منهم والكبير ، والحرّ والمملوك ، والغنيّ والفقير ، كلّ من ضممت إليك ، عن كلّ إنسان صاع من حنطة ، أو صاع من شعير ، أو تمر ، أو زبيب » ، وقال : « التمر أحبّ إليّ ؛ فإنّ لك بكلّ تمرة نخلة في الجنّة » (٢).

ب : لا فرق فيهم بين الصغير والكبير ، والغني والفقير ، والحرّ والمملوك ، والذكر والأنثى ، والكافر والمسلم ؛ كلّ ذلك بالإجماع ، والإطلاقات ، وفي غير الأخيرين بالتصريحات المتقدّمة ، وفيهما بالتصريح في مرفوعة محمّد بن أحمد : « يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ، ورقيق امرأته ، وعبده النصراني والمجوسي ، ومن أغلق عليه بابه » (٣).

ج : لا بدّ في وجوب فطرة المنفق عليه من كون النفقة من مال المنفق أو ما في يده وتحت اختياره عرفا حين صرف المنفق عليه له حتى يصدق إنفاقه ، فلو باعها المنفق للمنفق عليه أو وهبها له أو تصدّقها عليه لم تجب به الفطرة.

د : ولا بدّ أيضا فيه من قصد المنفق لإنفاقه ، فلو أعطاه دراهم ليصرفها فيما يريد ، وهو صرفها في نفقته ، لا تجب الفطرة ؛ لعدم صدق إنفاقه.

وكذا لو أعطاه خبزا ليصرفه فيما يريد فأكله ، أو صرف أحد مال غيره في نفقته من غير قصد المنفق ولو بشاهد الحال.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٠ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٧١ ـ ١٩٣ ، الوسائل ٩ : ٣٢٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٨٦ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ٩ : ٣٣٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١٢.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٤ ـ ٢٠ ، التهذيب ٤ : ٧٢ ـ ١٩٥ ، الوسائل ٩ : ٣٣٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٩.

٣٩٤

هـ : لا يشترط كون ما يعطيه المنفق هو الجنس الذي يأكله المنفق عليه ، فلو أعطاه دراهم ليشتري بها النفقة ، فاشتراها وأنفقها ، تجب الفطرة عليه.

و : لا يشترط في الإنفاق أن يكون مجّانا ، فلو استأجره وشرط أن تكون النفقة على المستأجر تجب فطرته عليه ؛ للإطلاق.

نعم ، يجب أن يكون المشروط هو الإنفاق ، فلو شرط أن يعطيه شيئا ـ ولو كان من الأجناس المنفقة ـ والموجر بنفسه يصرفها في النفقة ، لا تجب فطرته عليه.

والحاصل : أنّه يجب أن يكون الإنفاق صادرا من المنفق ، لا محض إعطاء شي‌ء ، وإن صرفه المعطى له في النفقة.

ويظهر من بعضهم عدم وجوب فطرة الأخير إن شرط النفقة (١). والإطلاق يردّه.

ز : لا يشترط في وجوب الفطرة على المنفق كون المنفق عليه في بيت المنفق أو أعطاه المنفق النفقة بنفسه ، فلو كان مال أحد عند شخص في سفر ووكّله أو آذنه في صرف النفقة منه ، تجب عليه فطرته .. ولكن يشترط في وجوبها عليه : علمه بصرفها منه ، فلو جوّز صرف نفقة ليلة الفطر من مال آخر لا تجب نفقته ؛ للأصل.

ح : يشترط أن تكون النفقة ممّا تعدّ نفقة وإعطاؤه إنفاقا عرفا ، فلو أفطره ليلة الفطر بشربة ماء أو تمرة أو لقمة لا تجب عليه فطرته ؛ لعدم صدق عنوان من يعول ومن ينفق عليه عرفا عليه.

ومنه يظهر : أنّه لو أعطاه جماعة بقدر النفقة ، ولم يبلغ حصّة كلّ واحد ما يصدق عليه العنوان ، تجب فطرته على نفسه دون المعطين.

__________________

(١) انظر : المعتبر ٢ : ٦٠١.

٣٩٥

ط : الظاهر اشتراط صرف المنفق عليه للنفقة في نفقته ، فلو أعطاه المنفق نفقته بقصد الإنفاق ، وهو لم يصرفها في النفقة ، بل يبقيها حتى يخرج الوقت ، لا تجب الفطرة ؛ لعدم صدق النفقة بدون الصرف.

ي : لو أنفق رجلان على رجل بقدر يبلغ ما أعطاه كلّ واحد قدرا تصدق معه النفقة ، فأكلهما معا ، تجب الفطرة على من صرف نفقته أولا ؛ لتعلّق الوجوب عليه بصرفه ، ولا تتعدّد الفطرة.

نعم ، يستشكل الأمر لو صرفهما معا في آن واحد ، كأن يعطيه هذا طحينا وذاك طحينا ، فمزجهما وخبزهما وأكل الخبز. والأظهر : تخييرهما حينئذ ، فيكون كالواجب الكفائي. والأحوط : إخراجهما الفطرة معا ، بل مع المنفق عليه أيضا ، أو إعطاء واحد منهم مع توكيل الباقين.

يا : هل يشترط في وجوب الفطرة على المنفق كون النفقة من ماله الحلال ، فلا تجب الفطرة على سلطان ينفق على عياله من الأموال المغصوبة ؛ أم لا يشترط ، فتجب؟

الظاهر : الثاني ، لإطلاق الإنفاق ، وعدم التقييد بكونه من ماله.

المسألة الثانية : اتّفق الأصحاب على وجوب فطرة الضيف على المضيف في الجملة ؛ استنادا فيه إلى صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة.

ولكن اختلفوا في قدر الضيافة الموجبة لوجوبها على أقوال متشتّتة : فبين من اعتبرها طول الشهر ، كما عن الشيخ والسيّدين (١).

ومن اكتفى بالنصف الأخير ، كالمفيد (٢).

وبالعشر الأخير ، كما عن جماعة من الأصحاب (٣).

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ١٨٩ ، والمرتضى في الانتصار : ٨٨ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٠٦.

(٢) المقنعة : ٢٦٥.

(٣) حكاه في المعتبر ٢ : ٦٠٣ ، والتذكرة ١ : ٢٤٩.

٣٩٦

وبالليلتين الأخيرتين ، كالحلّي والمختلف (١).

وبالليلة الأخيرة ، كالمنتهى والتذكرة والتحرير (٢).

وبآخر جزء من الشهر ، بحيث يهلّ الهلال وهو في ضيافته ، كما عن المعتبر وفي الروضة (٣).

وبمسمّى الإفطار عنده في الشهر ، كالوسيلة (٤).

ومن اعتبر صدق العيلولة عرفا ، كبعض المتأخرين (٥).

وكذا اختلفوا في اشتراط إفطار الضيف عند المضيف وعدمه : فعن الشيخ والحلي وابن حمزة والدروس : الأول (٦).

وعن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين والمسالك : الثاني (٧).

ولا يخفى أنّ منشأ أكثر هذه الاختلافات هو الاختلاف في مصداق الضيف ، أو في صدق كونه عنده فيحضر يوم الفطر ، كما هو مورد السؤال ، أو ملاحظة العيلولة العرفية أيضا ، كما ورد في الجواب.

والحقّ : أنّ الكلّ بمعزل عن التحقيق ؛ لأنّ لفظة الضيف والكون عند المضيف وقع في كلام السائل ، والإمام لم يكتف في الجواب بصدق العنوانين ، بل علّقه على كونه ممّن يعوله ، الذي هو أيضا مناط مستقلّ في الوجوب ، فهو المناط من غير اعتبار صدق أحد العنوانين ولا عنوان العيلولة العرفيّة ، بل اللازم في الضيف أيضا كونه ممّن يعوله ، وقد مرّ تفصيل ما‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٦٦ ، المختلف : ١٩٦.

(٢) المنتهى ١ : ٥٣٦ ، التذكرة ١ : ٢٤٩ ، التحرير ١ : ٧١.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٨٧ ، الروضة ٢ : ٥٨.

(٤) الوسيلة : ١٣١.

(٥) منهم السبزواري في الذخيرة : ٤٧٢.

(٦) النهاية : ١٨٩ ، السرائر ١ : ٤٦٦ ، الوسيلة : ١٣١ ، الدروس ١ : ٢٥٠.

(٧) المسالك ١ : ٦٤.

٣٩٧

يعتبر فيه.

المسألة الثالثة : كما يتبع وجوب الفطرة للإنفاق الفعلي ، فهل يتبع وجوب الإنفاق من دون فعلية ، أم لا؟

فأوجبها جماعة عن الزوجة غير الناشزة والمملوك ؛ استنادا إلى وجوب النفقة ، ومقتضاه عموم الحكم في كلّ واجب النفقة ، كما صرّح به الشيخ في المبسوط في الأبوين والأولاد المعسرين (١).

ومنهم من صرّح باختصاص الحكم بالإنفاق الفعلي ، بل هم الأكثرون. وهو الحقّ ؛ للأصل ، وعدم الدليل.

وما يمكن أن يكون دليلا للأول : صحيحة البجلي المتقدّمة في المسألة الاولى ، ورواية ابن سنان المتقدّمة في الفرع الأوّل منها ، حيث اشتمل على الأهل.

وصحيحة الحلبي : « صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك ، الصغير والكبير ، والحرّ والمملوك ، والغنيّ والفقير ، من كلّ إنسان صاع من حنطة أو شعير ، أو صاع من تمر أو زبيب ، لفقراء المسلمين » ، وقال : « التمر أحبّ ذلك إليّ » (٢).

وموثّقة إسحاق : « الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأمّك وولدك وامرأتك وخادمك » (٣).

ويردّ الأول : بما مرّ من الإجمال المسقط للاستدلال.

والثانيتان : بأعمّية الأهل من واجبي النفقة ، سيّما مع اشتماله على الغني ، المسقط لوجوب النفقة في الأكثر.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٣٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٥ ـ ٢١٠ ، الاستبصار ٢ : ٤٢ ـ ١٣٤ ، الوسائل ٩ : ٣٢٤ أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ١. وفي الجميع : نصف صاع من حنطة أو شعير ..

(٣) الفقيه ٢ : ١١٨ ـ ٥١٠ ، الوسائل ٩ : ٣٢٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٤.

٣٩٨

والرابعة : بأعمّيتها من واجبي النفقة أيضا ، فيجب إمّا تخصيصها بالأب والامّ والولد الفقراء والامرأة الدائميّة المطيعة والخادم الرقيق ، بشرط أن لا يعولهم غيره ؛ أو بالمنفقين عليهم منهم وإن لم يكونوا واجبي النفقة. وليس الأول أرجح من الثاني ، مع ما في هذه الأخبار ممّا يأتي ذكره.

وقد يستدلّ أيضا بصدق العيلولة مع وجوب النفقة وعدم توقّفه على الإنفاق.

وفيه : أنّه لو سلّم فإنّما هو في صدق العيال ، وقد عرفت أنّ المناط : العول.

المسألة الرابعة : هل يشترط في وجوب فطرة الزوجة والمملوك عيلولتهما‌ بالمعنى المتقدّم؟

أو يكفي صدق عنوانهما من حيث إنّهما هما إمّا مع وجوب نفقتهما أو مطلقا؟

الأكثر فيهما على الثاني ، بل جعله في المعتبر في المملوك ممّا قطع به الأصحاب (١) ، ونسبه في المنتهى إلى أهل العلم كافّة (٢) ، وفي السرائر ادعاء الإجماع عليه في الزوجة وإن لم تجب نفقتها (٣).

ونقل في الشرائع قولا بالأول ، واختاره في المدارك والذخيرة والحدائق (٤).

وصريح الشرائع التردّد.

والحقّ هو الأول ؛ للأصل.

ودليل الثاني : الإجماع المنقول ، وصدق العيلولة بالزوجيّة والرقّية ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٩٧.

(٢) المنتهى ١ : ٥٣٤.

(٣) السرائر ١ : ٤٦٦.

(٤) الشرائع ١ : ١٧٢ ، المدارك ٥ : ٣٢٢ ، الذخيرة : ٤٧٣ ، الحدائق ١٢ : ٢٦٨.

٣٩٩

وبعض الإطلاقات.

والأول مردود : بعدم الحجّية ، مع أنّ الإجماع الذي ادّعاه الحلّي ردّه في المعتبر : بأنّا ما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الإماميّة أوجب الفطرة عن الزوجة من حيث هي (١) ، وقريب منه في المنتهى (٢).

والثاني : بمنع صدق العيلولة المعتبرة هنا ـ على ما مرّ ـ بدون الإنفاق الفعلي.

والثالث : بأنّ الخطاب في ما يتضمّن هذه الإطلاقات إلى شخص خاصّ ، فلعلّه كان يعول مملوكه وامرأته ، كما هو الغالب الشائع ، فلا يتعدّى إلى غيره ، إلاّ إذا علم الاتّحاد في جميع ماله مدخليّة في الحكم.

مضافا إلى أنّ الإطلاق ينصرف إلى الشائع ، وإلى انضمامهما فيها مع من يلزم تقييده بالعيلولة بالمعنى المتقدم ، فكذا هما.

ثمَّ بعد ما اخترناه من توقّف وجوب الفطرة على الإنفاق في المملوك والزوجة ، لا حاجة إلى ذكر بعض الفروع المتفرّعة على ترتّب الوجوب على مجرّد الزوجيّة والمملوكيّة.

نعم ، بقيت في المقام فروع أخر لا بدّ من ذكرها ، فنقول :

فروع :

أ : لا فرق في وجوب الفطرة عمّن يعوله بين غيبة المعال وحضوره ، فلو كان له عبد غائب بيده مال من مولاه ينفق عنه ، أو كان العائل في السفر وله أهل في الحضر ينفقون من ماله ، تجب عليه فطرتهم ، وإن لم يتيقّن بحياة بعضهم ؛ لأصالة البقاء.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٠١.

(٢) المنتهى ١ : ٥٣٣.

٤٠٠