مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

الفصل الرابع

في وقت إخراجها ، وتسليمها ، وما يعتبر فيهما‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قد عرفت أنّ وقت تعلّق وجوب الزكاة الاستقراري ـ في ما يعتبر فيه الحول ـ : حولان الحول الشرعي ، وفي الغلاّت : التسمية.

وأمّا وقت وجوب الإخراج ، ففي الأول : هو وقت الوجوب ، وفي الثاني : وقت التصفية ويبس الثمرة ، بمعنى : أنّه يصحّ الإخراج حينئذ.

بالإجماع ، والأخبار ، كموثقة يونس : زكاتي تحلّ عليّ في شهر ، أيصلح لي أن أحبس شيئا منها مخافة أن يجيئني من يسألني؟ فقال : « إذا حال الحول فأخرجها من مالك ، ولا تخلطها بشي‌ء ، ثمَّ أعطها كيف شئت » (١).

وصحيحة سعد بن سعد : عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات ، أيؤخّرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ قال : « متى حلّت أخرجها » ، وعن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى يجب على صاحبها؟ قال : « إذا صرم وإذا خرص » (٢).

ورواية أبي حمزة : عن الزكاة تجب عليّ في موضع لا يمكنني أداؤها ، قال : « اعزلها » (٣) إلى آخر الحديث.

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على عدم الوجوب قبل الحول ، وأنّه‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٢ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ١١٩ ، الوسائل ٩ : ٣٠٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٣ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٦٠ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٣٠٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٣.

٣٦١

يزكّي بعد حولان الحول (١) ، وهي كثيرة.

وهل الوجوب فوري ، أم لا؟ فيه أقوال ثلاثة : وجوب الإخراج والدفع فورا ، وإليه ذهب الفاضلان (٢) ، وهو ظاهر المقنعة (٣) ، وفي المنتهى الإجماع عليه (٤).

وعدمهما كذلك ، اختاره الحلّي والشهيدان والمدارك والذخيرة (٥) ، وفي السرائر : الإجماع عليه ونفي الخلاف فيه.

ووجوب العزل والإخراج فورا دون الدفع والتسليم ، فيجوز فيه التأخير ، وهو صريح الشيخ في المبسوط والنهاية (٦) ، ونسبه في التذكرة إلى المفيد أيضا (٧) ، وهو الأقوى.

أمّا وجوب العزل والإخراج ، فلموثّقة يونس المتقدّمة ، ورواية أبي حمزة ، فإنّه إذا وجب العزل مع عدم إمكان الأداء وجب بدونه بالطريق الأولى ، والإجماع المركّب .. وليس استفادة فوريّة الإخراج منهما من مجرّد الأمر بالإخراج العزل ؛ لأنّه لا يفيد الفور ، بل بقرينة المقام وسياق الرواية.

وأمّا عدم وجوب الدفع فورا ، فللأصل السالم عن المعارض جدّا ، ولموثّقة يونس ، وللمستفيضة الآتية المصرّحة بجواز تأخير الزكاة مطلقا أو مقيّدا بمدّة ـ إمّا بحملها على الدفع ، جمعا بينها وبين ما ظاهره الفور ، بحمله‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٠٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١.

(٢) المحقق في المعتبر ٢ : ٥٥٣ ، والشرائع ١ : ١٦٧ ، العلاّمة في التحرير ١ : ٦٦ ، والتذكرة ١ : ٢٣٧.

(٣) المقنعة : ٢٤٠.

(٤) المنتهى ١ : ٥١٠.

(٥) الحلي في السرائر ١ : ٤٥٤ ، الشهيد في الدروس ١ : ٢٤٥ ، والبيان : ٣٢٤ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٩ ، المدارك ٥ : ٢٨٩ ، الذخيرة : ٤٢٨.

(٦) المبسوط ١ : ٢٣٤ ، النهاية : ١٨٣.

(٧) التذكرة ١ : ٢٣٨.

٣٦٢

على الإخراج بشهادة الموثّقة ؛ أو لعدم تعيّن المجوّز تأخيره فيها هل هو الإخراج أو الدفع ، ولكنه يتضمّن الدفع قطعا ، لأنّ جواز تأخير الإخراج يستلزم جواز تأخير الدفع ولا عكس ـ وللأخبار المتقدّمة الدالّة على جواز بعث الزكاة من بلد إلى آخر من غير استفصال لوجود المستحقّ وعدمه.

احتجّ الأولون : بالإجماع المنقول (١).

والأمر بإيتاء الزكاة ، وهو للفور.

ومطالبة المستحقّ بشاهد الحال ، فيجب التعجيل كالدين.

ولقوله في حسنة محمّد : « إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو له ضامن حتى يدفعها » (٢).

وصحيحة سعد المتقدّمة (٣).

ومفهوم الغاية في الأخبار المتكثّرة الناطقة : بأنّه لا زكاة عليه ، أو لا يزكّيه حتى يحول الحول (٤).

والمشبّهة لها بالصلاة والصوم في عدم جواز التأخير عن الوقت إلاّ قضاء ، كما في حسنة عمر بن يزيد : الرجل يكون عنده المال ، أيزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال : « لا ، ولكن حتى يحول عليه الحول ويحلّ عليه ، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلاّ لوقتها وكذلك الزكاة ، ولا يصوم أحد شهر رمضان إلاّ في شهره إلاّ قضاء » (٥).

__________________

(١) انظر : المنتهى ١ : ٥١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٢١ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ـ ١٢٥ ، الوسائل ٩ : ٢٨٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

(٣) في ص : ٣٦١.

(٤) كما في الوسائل ٩ : ٣٠٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٣ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٤٣ ـ ١١٠ ، الاستبصار ٢ : ٣١ ـ ٩٢ ، الوسائل ٩ : ٣٠٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١ ح ٢.

٣٦٣

والمرويّ في مستطرفات السرائر عن نوادر ابن محبوب : « إن كنت تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس ، وليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها » (١).

والرضوي : « إنّي أروي عن أبي في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر ، إلاّ أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك ، ولا يجوز لك تقديمها ولا تأخيرها ؛ لأنّها مقرونة بالصلاة ، ولا يجوز لك تقديم الصلاة ولا تأخيرها إلاّ أن تكون قضاء ، وكذلك الزكاة » (٢).

والأوّل : مردود بمنع الحجّية ، سيّما مع معارضته بمثله.

والثاني : بمنع الفوريّة.

والثالث : بمنع الملازمة ، والقياس على الدين باطل ؛ لوجود الفارق ، وهو أنّه حقّ لمعيّن ، بخلاف هذه.

والرابع : بعدم استلزام الضمان للإثم.

والخامس : بعدم الدلالة على الوجوب أولا ، وعلى وجوب الأداء والدفع ثانيا ، وغايته وجوب الإخراج وهو مسلّم.

والسادس : بأنّ غاية ما يدلّ عليه وجوب الزكاة بعد الحول ولا كلام فيه ، وإنّما الكلام في التضيّق ، سلّمنا ذلك ، ولكن وجوب الزكاة لا يستلزم وجوب الدفع ، بل تتحقّق التزكية بالإخراج.

ومنه يظهر ردّ الثلاثة الأخيرة.

مضافا إلى ما في الأول (٣) من عدم الدلالة إلاّ على عدم جواز التقديم‌

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ٩٩ ـ ٢٥ ، الوسائل ٩ : ٣٠٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٤.

(٢) فقه الرضا (ع) : ١٩٧ ، مستدرك الوسائل ٧ : ١٣٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

(٣) أي الأول من الثلاثة الأخيرة ، وهو السابع بالأحرى.

٣٦٤

في قوله : « ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلاّ لوقتها » ، فيدلّ على أنّ الزكاة أيضا لا تؤدّى إلاّ لوقتها ، والمعلوم من وقتها أنّه بعد الحول وليس قبله وقت ، وأمّا تحديده بحدّ بعده فعين المتنازع فيه. وأمّا قوله : « ولا يصوم » إلى آخره ، فالمطلوب منه أيضا أنّه لا صوم إلاّ في غير وقته إلاّ بعنوان القضاء ، فكذلك الزكاة ، فلا زكاة في غير وقته ، ولكن الكلام في تعيين الوقت.

وما في الأخيرين من الضعف المانع عن الحجيّة.

وما في الأخير من الإجمال الحاصل من مدافعة أوله مع ما بعده.

والجمع بين الأول وما بعده ـ بالتفرقة بين العذر وغيره ـ غير معلوم ؛ لجواز الجمع بالتفرقة بين الأصل والرخصة ـ كما ورد في عبارة المفيد (١) ـ أو بين الإعطاء والإخراج ، بحمل الأول على الأول والثاني على الثاني ، بأن يراد من الدفع : الدفع من المال.

ومن جميع ما ذكرنا ظهر أنّه لا حاجة في الجواب عن هذه الأخبار بلزوم حملها على العزل للجمع بينها وبين ما مرّ حتى يقال : إنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ وهو هنا مفقود ؛ لاستفاضة هذه الأخبار وشهرتها ، وحكاية الإجماع ، واحتمال ورود ما مرّ للتقيّة ، فإنّ جواز التأخير محكيّ عن أبي حنيفة (٢).

مع ما في بعض ما مرّ من الوهن ، فإنّ الموثّقة تتضمّن جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة والإثبات ، مع أنّ الظاهر أنّه ليس مراد القائلين به ، وبعض أخبار جواز تأخير الزكاة تتضمّن جواز تقديمها أيضا (٣). وهو غير جائز.

مع أنّه يمكن التفصّي عن هذه الأمور أيضا بمنع فقد التكافؤ ،

__________________

(١) في المقنعة : ٢٤٠.

(٢) كما في المغني لابن قدامة ٢ : ٥٤١.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٠٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٣.

٣٦٥

كيف؟! مع أنّ أخبار جواز تأخير الدفع أكثر ، وكثير منها صحاح ، والشهرة المتأخّرة (١) معها ، والإجماع المنقول في السرائر يعضدها (٢) ، ومحض ترجيح الشهرة المتقدّمة ـ لو سلّمت ـ على المتأخّرة لا يوجب منع التكافؤ ، سيّما مع ما عرفت في أخبار المنع من فقد الدلالة.

والجواز وإن كان مذهب أبي حنيفة ، ولكن عدمه أيضا مذهب الشافعي وأحمد كما في المنتهى والتذكرة (٣) ، ومجرّد أشهريّة مذهب أبي حنيفة في بعض الأعصار لا يصلح قرينة لحمل أخبار الجواز على التقيّة.

وأمّا تضمّن الموثّقة وبعض أخبار التأخير لما ذكر فلا يوجب وهنا في سائر أجزاء الخبر ، كما هو القاعدة المسلّمة ، مع أنّ الموثّقة ليست دالّة على جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة والثبت ؛ لاحتمال أن يكون المراد كتابة المعزول وتثبيته بعد عزله ، وتقديم الزكاة في بعض الأخبار لو لم يجز محمول على سبيل القرض كما يأتي.

استدلّ الثاني : بالأصل.

وبموثّقة يونس المتقدمة (٤) ، وصحيحة ابن سنان : في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها ويبقي بعض يلتمس لها المواضع ، فيكون بين أوّله وآخره ثلاثة أشهر ، قال : « لا بأس » (٥).

وصحيحة حمّاد : « لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين » (٦).

__________________

(١) انظر رقم ٥ من ص : ٣٦٢.

(٢) السرائر ١ : ٤٥٤.

(٣) المنتهى ١ : ٥١٠ ، التذكرة ١ : ٢٣٧.

(٤) في ص : ٣٦١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٣ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ١١٨ ، الوسائل ٩ : ٣٠٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٣ ح ١.

(٦) التهذيب ٤ : ٤٤ ـ ١١٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٦ ، الوسائل ٩ : ٣٠٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١١.

٣٦٦

وصحيحة ابن عمّار : الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم ، قال : « لا بأس » ، قال : قلت : فإنّها لا تحلّ عليه إلاّ في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان ، قال : « لا بأس » (١).

ومرسلة الفقيه : قد روي في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر وستّة أشهر (٢).

وعموم الأخبار المجوّزة لبعث الزكاة إلى بلد آخر (٣).

ويجاب عن الأصل باندفاعه ـ بالنسبة إلى الإخراج ـ بما مرّ.

وعن الموثّقة بأنّها مخصوصة بالدفع ، وكذا صحيحة ابن سنان والأخبار المجوّزة للبعث.

وعن الصحيحة الأخرى والمرسلة بلزوم حملهما على الدفع ؛ للجمع ، أو الإجمال كما مرّ ، مع أنّهما ظاهرتان في الدفع بقرينة التعجيل والتقديم ، فإنّ الظاهر أنّهما تكونان في الدفع دون العزل.

فروع :

أ : أجمع القائلون بفوريّة الدفع أنّها مع المكنة ، وأمّا مع وجود العذر ـ كفقد المستحقّ ، أو غيبة المال ، أو الخوف ـ فيجوز التأخير ، وهو ظاهر.

وكذا وجوب الإخراج على ما اخترناه ، فإنّه أيضا مقيّد بإمكان الإخراج ؛ ووجهه أيضا ظاهر.

ولا يقيّد بإمكان الدفع فيجب العزل مع فقد المستحقّ ، كما صرّح به‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٤٤ ـ ١١٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٩.

(٢) الفقيه ٢ : ١٠ ـ ٢٩ ، الوسائل ٩ : ٣٠٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١٥.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٨٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧.

٣٦٧

في رواية أبي حمزة (١).

ب : جعل في المحرّر لابن فهد والتحرير والتذكرة والمنتهى والنهاية للفاضل عدم وجود جميع الأصناف وإرادة البسط عذرا (٢) ، فجوّزا معه تأخير الزكاة بعد دفع نصيب الموجودين.

وفيه نظر ، وليس في صحيحة ابن سنان دلالة على أنّ تأخير البعض للبسط على الأصناف ، بل الظاهر أنّ المراد منها بعض أفراد أخر ، فإن كان المراد بالبسط : البسط على الأفراد ـ كما هو محتمل بعض كلمات هؤلاء ـ تصلح الصحيحة دليلا لتخصيص أخبار المنع إن تمّت دلالتها عليه.

ج : وإذ عرفت جواز تأخير الدفع ، فهل هو مطلق ، كما هو ظاهر السرائر (٣).

أو مقيّد بشهر أو شهرين ، كما عن المبسوط والنهاية والشهيد الثاني والمدارك والذخيرة (٤) ، وصرّح به في صحيحة حمّاد؟

أو بثلاثة أشهر ، كما يستفاد من صحيحتي ابن عمّار وسنان.

أو بأربعة وستّة؟ كما في المرسلة؟

الحقّ هو الأول ؛ لعدم دليل على التقييد ، والتقييد في الأخبار المذكورة لا يدلّ على لزوم القيد أصلا ، فإنّ نفي البأس عن تأخير مدّة لا يفيد ثبوته في غيره.

نعم ، لو كانت أدلّة المنع تامّة وكنّا نخصّصها ببعض هذه الأخبار لأفاد التقييد ، ولكن قد عرفت عدم تماميّتها.

__________________

(١) المتقدّمة في ص : ٣٦١.

(٢) التحرير ١ : ٦٦ ، التذكرة ١ : ٢٣٨ ، المنتهى ١ : ٥١١ ، نهاية الإحكام ٢ : ٤٠٤.

(٣) السرائر ١ : ٤٥٤.

(٤) المبسوط ١ : ٢٣٤ ، النهاية : ١٨٣ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٢ ، المدارك ٥ : ٢٧٠ ، الذخيرة : ٤٢٨.

٣٦٨

نعم ، الظاهر التقييد بعدم الأداء إلى الإهمال والدخول في عنوان المتهاون بالأمر الواجب ، كما صرّح به بعضهم (١) ، ولعلّه يحصل بالتأخير أزيد من ستّة أشهر ، بل أربعة بل ثلاثة من غير عذر ، وقد تختلف الحالات والأوقات والأشخاص ، وذلك هو وجه اختلاف الأخبار.

د : هل جواز التأخير مطلق ، أو مقيّد بانتظار راجح ، كالتعميم ، أو الأفضل ، أو الأحوج ، أو معتاد الطلب؟

الظاهر : الأول ، ولكن لا يبعد دخوله بالتأخير مدّة مع عدم وجه رجحان أصلا في المتهاون.

هـ : ما مرّ إنّما كان الكلام في الإثم وعدمه ، وأمّا الضمان مع التلف وعدمه فقد مرّ بيانه ، وحاصله الضمان بتأخير الدفع مع وجود المستحقّ والتمكّن من الأداء ، وعدمه بدونه.

المسألة الثانية : لا يجوز تقديم الزكاة قبل الوجوب ، ولا يجزئ عن الواجب ، وفاقا للصدوقين والشيخين والسيّد والحلّي والحلبي والإسكافي والفاضلين والشهيدين (٢) ، وعامّة المتأخّرين (٣) ، بل القدماء عدا شاذّ يأتي ، وفي الخلاف الإجماع عليه (٤).

لأنّ الصحّة موافقة الفعل لما تحقّق الأمر به ، ولم يتحقّق أمر قبل‌

__________________

(١) كما في البيان : ٣٢٤.

(٢) الصدوق في المقنع : ٥١ ، حكاه عن والده في المختلف : ١٨٨ ، المفيد في المقنعة : ٢٤٠ ، الطوسي في النهاية : ١٨٣ ، والمبسوط ١ : ٢٢٧ ، السيّد في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٧٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٥٣ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٧٣ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٨٨ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٥٥٤ ، والشرائع ١ : ١٦٧ ، العلاّمة في التذكرة ١ : ٢٣٨ ، والمختلف : ١٨٨.

(٣) كفخر المحققين في الإيضاح ١ : ٢٠٠ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٣١٦.

(٤) الخلاف ٢ : ٤٣.

٣٦٩

وقت الوجوب ، وتحقّقه بعده لا يفيد في حصول الصحّة.

ولأنّه لو صحّ لزم إمّا عدم وجوب الزكاة بعد حصول الشرائط ، أو وجوبها ثانيا ، والكلّ باطل.

أمّا الملازمة ، فلأنّ الإيجاب ليس إلاّ طلب الفعل ، والطلب لا يكون إلاّ مع عدم حصول المطلوب ، فمع صحّة ما قدّمه إن لم يطلب الزكاة بعد حول الحول مثلا لزم الأول ، وإن طلب يلزم الثاني.

وأمّا بطلان اللازمين ، فلمنافاة أوله للأخبار المصرّحة بالوجوب بعد حولان الحول ، والتقييد بصورة عدم التقديم تقييد بلا دليل ، ومنافاة ثانية للإجماع وإجزاء الأول.

ولأنّه لو صحّ لزم عدم وجوب امتثال الأمر ؛ لأنّ الامتثال لا يكون إلاّ بالإتيان بالمأمور به بعد الأمر.

ولأنّ أداء الزكاة عبادة محتاجة إلى التوقيف ، ولم يثبت في محلّ البحث ؛ للرضويّ المتقدّم في المسألة السابقة (١) ، المنجبر ضعفه بالعمل.

ولحسنة عمر بن يزيد : الرجل يكون عنده المال ، أيزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال : « لا ، ولكن حتى يحول الحول ويحلّ عليه ، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلاّ لوقتها ، وكذلك الزكاة » (٢) الحديث.

وحسنة زرارة : أيزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال : « لا ، أيصلّي الاولى قبل الزوال؟! » (٣).

والسؤال والجواب فيهما وإن احتمل أن يكون عن الوجوب أو الرجحان ونفيهما ، إلاّ أنّه يتعيّن الجواز ونفيه بقرينة المقابلة للصلاة في الجواب.

__________________

(١) في ص : ٣٦٤.

(٢) تقدّمت في ص : ٣٦٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٤ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٣ ـ ١١١ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٣ الوسائل ٩ : ٣٠٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١ ح ٣.

٣٧٠

والروايات النافية للزكاة قبل حولان الحول ، كصحيحة محمّد الحلبي (١) ، وموثّقتي إسحاق بن عمّار (٢) ، ولكنّها محتملة لنفي الوجوب أو الرجحان.

خلافا للمحكيّ عن العماني (٣) والديلمي (٤) ، فجوّزا التقديم ، ويظهر من المعتبر الميل إليه ، ويظهر منه أيضا أنّه مذهب المفيد (٥) ، وعبارته صريحة في خلافه (٦).

لروايات كثيرة ، كمرسلتي الكافي والفقيه (٧) ، وصحاح ابني عمّار (٨) وعثمان (٩) ، وأبي بصير (١٠) ، ومرسلة الحسين (١١) ، ورواية أبي بصير (١٢) ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٥ ـ ٢ ، التهذيب ٣٥ : ٩١ ، الوسائل ٩ : ٣٠٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١ ح ١.

(٢) الاولى في : الكافي ٣ : ٥٢٧ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٤ ـ ٨٩ ، الوسائل ٩ : ٩٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٥ ح ٣.

الثانية في : الكافي ٣ : ٥٢٤ ـ ١ ، الوسائل ١ : ٩٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٥ ح ٢.

(٣) حكاه عن العماني في المختلف : ١٨٨.

(٤) المراسم : ١٢٨.

(٥) المعتبر ٢ : ٥٥٦.

(٦) المقنعة : ٢٣٩.

(٧) الكافي ٣ : ٥٢٤ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ١٧ ـ ٥٥.

(٨) التهذيب ٤ : ٤٤ ـ ١١٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٩.

(٩) التهذيب ٤ : ٤٤ ـ ١١٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٦ ، الوسائل ٩ : ٣٠٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١١.

(١٠) التهذيب ٤ : ٤٤ ـ ١١٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٧ ، الوسائل ٩ : ٣٠٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١٢.

(١١) التهذيب ٤ : ٤٤ ـ ١١٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٥ ، الوسائل ٩ : ٣٠٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١٠.

(١٢) الكافي ٣ : ٥٢٣ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ٩٨ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٦ ح ٩.

٣٧١

والمرويّ في المستطرفات المتقدّم (١).

والجواب ـ بعد تضعيفها بالشذوذ ـ : معارضتها مع ما مرّ ، وترجيحه بمخالفة أبي حنيفة والشافعي وأحمد الذين هم رؤساء العامّة (٢). وترجيحها بالأشهريّة رواية يعارض بترجيحه بالأشهريّة فتوى ؛ مع أنّ بعد احتمال إرادة نفي الجواز من روايات نفي الزكاة قبل الحول لا يعلم أشهريّتها رواية أيضا.

ثمَّ لو لا الترجيح لزم الرجوع إلى الأصول ، وقد عرفت أنّها مع عدم الجواز.

وقد يجاب (٣) أيضا بحملها على القرض ؛ بشهادة المستفيضة ، كصحيحة مؤمن الطاق : في رجل عجّل زكاة ماله ثمَّ أيسر المعطي قبل رأس السنة ، قال : « يعيد المعطى الزكاة » (٤).

ومرسلة الكافي : « يجوز إذا أتاه من يصلح له الزكاة أن يعجّل له قبل وقت الزكاة إلاّ أنّه يضمنها إذا جاء وقت الزكاة وقد أيسر المعطي أو ارتدّ أعاد الزكاة » (٥).

وموثّقة عقبة : يجيئني الرجل فيسألني الشي‌ء وليس هو إبّان زكاتي ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : « القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة ، وما ذا عليك إذا كنت ـ كما تقول ـ موسرا أعطيته ، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت‌

__________________

(١) في ص : ٣٦٤.

(٢) راجع المغني لابن قدامة ٢ : ٤٩٥ ، وكتاب الأم ٢ : ٢٠ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٧٤ ، والأشباه والنظائر : ٤١٩.

(٣) كما في المختلف : ١٨٨.

(٤) الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٤٤ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ١١٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ ـ ٩٨ ، الوسائل ٩ : ٣٠٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٠ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٤ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٣٠٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٠ ح ٢.

٣٧٢

بها من الزكاة » (١).

ومرسلة الفقيه : « قرض المؤمن غنيمة وتعجيل خير ، إن أيسر قضاك ، وإن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة » (٢) ، وبمضمونها روايتا يونس بن عمّار وإبراهيم السندي (٣).

والرضوي ، وفيه ـ بعد التصريح بعدم جواز تقديم الزكاة ـ : « وإن أحببت أن تقدّم من مالك شيئا تفرّج به عن مؤمن فاجعلها دينا عليه ، فإذا حلّت وقت الزكاة فاحسبها له زكاة ، فإنّه يحسب لك من زكاة مالك ، ويكتب لك أجر القرض والزكاة » (٤).

وهو وإن كان محتملا وفي مقام الجمع حسنا ، إلاّ أن هذه الأخبار غير معيّنة لإرادة ذلك من الأخبار المجوّزة للتعجيل.

فروع :

أ : قد ظهر ـ من الأخبار المذكورة ، وما تقدّم في مسألة احتساب الدين الذي على الفقير زكاة : ـ جواز القرض تعجيلا ، واحتسابه من الزكاة وقت الوجوب مع بقاء القابض على صفة الاستحقاق أو حصلت له .. وكذا تجوز مطالبته بعوضه ودفعه إلى غيره ودفع غيره إلى غيره ؛ لأنّ حكمه حكم المديون. ولا يجب الاحتساب ؛ لعدم دليل عليه ، والتعبير بالأمر في الرضوي لا يثبت الوجوب ؛ لضعفه الخالي عن الجابر في المسألة.

ولو تغيّرت حال القابض عند تحقّق الوجوب ـ بأن فقد فيه أحد شروط الاستحقاق ـ استأنف المالك الإخراج بلا خلاف ، وله الاسترجاع من‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٣٢ ـ ١٢٧ ، الوسائل ٩ : ٢٩٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١.

(٣) تقدّمتا في ص : ٣٤٣ و ٣٤٤.

(٤) فقه الرضا (ع) : ١٩٨ ، مستدرك الوسائل ٧ : ١٣٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

٣٧٣

القابض ، وإن لم يمكن غرم المالك الزكاة من ماله.

ب : لو قدّم الزكاة جهلا بالمسألة ، فإن كانت عينها باقية ، له استرجاعها واحتسابها من الزكاة.

وكذا إن لم تكن باقية ، وعلم القابض بالحال ، وكان هو عالما بالمسألة ؛ لأنّ الحال يشهد بعدم كونه مأذونا في الإتلاف.

وإن لم يكن عالما بالحال والمسألة فليس للمعطي مطالبة العوض ولا الاحتساب ؛ لعدم وجوب شي‌ء في ذمّة القابض.

ج : إذا استغنى القابض بعين المال وبقي مستغنيا به إلى وقت الوجوب ، لم يجز احتسابه عليه من جهة الفقر ؛ لانتفائه ، وفاقا للحلّي (١) ، وخلافا للأكثر (٢) ؛ لوجوه ضعيفة.

نعم ، يجوز الاحتساب من جهة الغرم ، ويحتمل أن يكون ذلك أيضا مراد الأكثر.

المسألة الثالثة : النيّة معتبرة في عزل الزكاة ودفعها إلى المستحقّ أو الإمام أو الساعي أو وكيل نفسه ؛ بإجماع العلماء ، ولما مرّ في بحثي الطهارة والصلاة.

ويجب اشتمالها على القربة ، وتعيين كونه زكاة مندوبة أو واجبة ماليّة أو فطرة إن تعدّد ما في ذمّته ولم يتعيّن من الخارج.

ولا يجب قصد الوجه ؛ للأصل ، ولا تعيين ما يخرج زكاته إذا تعدّد شخصا واتّحد نوعا ، كحنطة ضيعتين ، أو تعدّد نوعا واتّحد جنس الفريضة ، كالشاتين ، إحداهما لأربعين شاة ، والأخرى لخمس من الإبل إذا دفع من‌

__________________

(١) في السرائر ١ : ٤٥٥.

(٢) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٣٠ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٥٥٧ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٥١٣.

٣٧٤

الشياه التي تعلّقت بها الزكاة ، ولو دفع من غيرها وجب تعيين المزكّى ، على ما اخترنا من وجوب الدفع بالقيمة فيما يتعلّق بالعين إذا اخرج من غيرها ، فيختلف حكم الفريضتين ، فيجب التعيين.

ولو تعدّد نوع المزكّى والفريضتين معا ـ كالحنطة والشعير ـ يجب تعيين الجنس المزكّى ، سواء أعطى من عين إحدى النوعين أو من غيرهما ؛ لوجوب قصد التبديل والقيمة لأحد النوعين في الأول ، ولهما في الثاني ، فيختلف الحكم.

وأمّا ما ادّعوه (١) من الإجماع على عدم وجوب تعيين الجنس ، فثبوته ممّا ذكرنا غير معلوم ، بل مرادهم غيره قطعا.

فروع :

أ : لو دفع المالك إلى الإمام أو الفقيه أو الساعي أو الوكيل ونوى ، فهل تجب على الدافع إلى الفقير منهم أيضا النيّة؟

الظاهر : لا ؛ للأصل ، ولعدم كونه عبادة مخصوصة بالنسبة إليه ، ولذا تبرأ ذمته لو دفع رياء أو لعدم تمكّنه من عدم الدفع ، فلا يجب عليه قصد أنّه زكاة أو زكاة فلان أو القربة.

وهل تكفي نيّة أحد هؤلاء عن نيّة المالك؟

الظاهر : لا ؛ لأنّ الزكاة عبادة للمالك ، فلا بدّ من نيّته ، إلاّ إذا وكلّه المالك في إخراج الزكاة من مال المالك.

ب : تلزم مقارنة النيّة للدفع أو تقدّمها عليه مستدامة الحكم ، ولو دفع بغير نيّة فتجزئ النيّة بعده إذا كان ممّا له استرجاعه عينا أو بدلا ، وإلاّ فلا ؛ والوجه واضح.

__________________

(١) كما في المنتهى ١ : ٥١٦ ، والمدارك ٥ : ٣٠٢ ، والرياض ١ : ٢٧٨.

٣٧٥

ج : لو أخذت الزكاة من شخص كرها لا تعتبر نيّته ، والمعتبر نيّة الآخذ عند الأخذ والدفع.

والوجه فيه : أنّ الأخذ منه من باب الأمر بالمعروف ، فهو أمر واجب على الآخذ ينوي عند الفعل ، وأمّا المالك فهو قد ترك ما يجب عليه ، وتكون ذمّته مشغولة بحقّ الفقراء ، وبعد الأخذ منه كرها تبرأ ذمّته ، ولكنّه لم يمتثل ما كان يجب عليه ، فهو كمديون اقتصّ منه فهو أثم وبرئ.

وقد ذكروا فروعا أخر في النيّة ، ليس مزيد فائدة في ذكرها ، والله العالم ، وصلّى الله على رسوله وآله.

* * * * *

٣٧٦

المقصد الثاني

في زكاة الفطرة‌

أي زكاة البدن ، أو الدين ، أو يوم الفطر ، أو الزكاة التي هي الفطرة على أن تكون الإضافة بيانيّة ، وهذا بناء على ما ذكره البغدادي وصاحب المغرب من أنّ لفظ الفطرة اسم لهذا المخرج (١).

وهي واجبة بالإجماع ، والكتاب ، والسنّة ، قال الله سبحانه ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) (٢) ، قال في المنتهى : قال علماء أهل البيت عليهم‌السلام : المراد زكاة الفطرة (٣).

وقد نصّ الصادق عليه‌السلام على أنّ المراد زكاة الفطرة (٤).

ففي مرسلة الفقيه : عن قول الله عزّ وجلّ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى ) ، قال : « من أخرج الفطرة » (٥).

__________________

(١) المغرب ٢ : ٩٩ ، وج ١ ص ٢٣٣.

(٢) الأعلى : ١٤ و ١٥.

(٣) المنتهى ١ : ٥٣١.

(٤) انظر : مجمع البيان ٥ : ٤٧٦.

(٥) الفقيه ١ : ٣٢٣ ـ ١٣٧٨ ، الوسائل ٧ : ٤٥٠ أبواب صلاة العيد ب ١٧ ح ٤.

٣٧٧

وفي تفسير القمّي ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى ) قال : « زكاة الفطرة » (١).

وفي صحيحة زرارة وأبي بصير : « إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كما أنّ الصلاة على النبيّ وآله من تمام الصلاة ؛ لأنّه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّدا ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ وآله ، إنّ الله عزّ وجلّ بدأ بها قبل الصلاة ، فقال ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) (٢).

والزكاة فيها وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنّ القرائن فيها قائمة على أنّ المراد زكاة الفطرة من وجوه.

وأمّا الأخبار فمتواترة معنى ، كما ستقف عليه في تضاعيف هذا الباب.

ثمَّ الكلام فيه إمّا في من تجب عليه ، أو من تجب عنه ، أو في جنسها وقدرها ، أو في وقتها ، أو في مصرفها.

فهاهنا خمسة أبحاث :

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٤١٧.

(٢) الفقيه ٢ : ١١٩ ـ ٥١٥ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ ـ ٣١٤ ، المقنعة : ٢٦٤ ، الوسائل ٩ : ٣١٨ أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ٥.

٣٧٨

البحث الأوّل

في من تجب عليه‌

وهو المكلّف الحرّ الغنيّ عند غروب ليلة الفطر ، فشرائط وجوبها أربعة :

الشرط الأوّل : التكليف بالبلوغ والعقل‌.

فلا تجب على الصبي والمجنون إجماعا ، كما عن المعتبر والمنتهى والتذكرة والتحرير ؛ لحديث رفع القلم (١) ، وأصالة عدم تكليف الولي.

مضافا في الأول إلى صحيحة محمّد بن القاسم : الوصي يزكّي زكاة الفطر عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب : « لا زكاة على يتيم » (٢).

وأمّا الأخبار (٣) الدالّة على وجوب الفطرة على الصغير والكبير فالمراد وجوبها على المنفق عليهم.

ولا تجب على المغمى عليه أيضا إذا استوعب الإغماء وقت الوجوب ؛ لعدم توجّه الخطاب إليه.

الشرط الثاني : الحرّية‌.

فلا تجب على المملوك بالإجماع ، حكاه جماعة (٤) ، ونسبه في المنتهى إلى أهل العلم كافّة إلاّ داود (٥). وهو على القول بعدم تملّك العبد‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٩٣ ، المنتهى ١ : ٥٣١ ، التذكرة ١ : ٢٤٧ ، التحرير ١ : ٧٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ ـ ١٣ ، الفقيه ٢ : ١١٥ ـ ٤٩٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠ ـ ٧٤ ، الوسائل ٩ : ٣٢٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥.

(٤) انظر : الخلاف ٢ : ١٣٠ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٥) المنتهى ١ : ٥٣٢.

٣٧٩

ظاهر ، وأمّا على القول بتملّكه فدليله الإجماع.

وقد يستدلّ أيضا بالأصل السالم عن المعارض.

والأخبار الدالّة على وجوب فطرته على مولاه (١).

وبما دلّ على أنّه ليس في مال المملوك شي‌ء (٢).

وبصحيحة ابن سنان : مملوك في يده مال ، أعليه زكاة؟ قال : « لا » قلت : ولا على سيّده؟ قال : « لا ، إنّه لم يصل إلى سيّده ، وليس هو للمملوك » (٣).

وببعض الروايات المصرّحة : بأنّه « تجب الفطرة على كلّ من تجب عليه الزكاة » (٤).

وفي الكلّ نظر ؛ لاندفاع الأول بالعمومات مثل قوله عليه‌السلام : « الفطرة على كلّ من اقتات قوتا » (٥) ، وقوله عليه‌السلام : « والفطرة عليك وعلى الناس كلّهم » (٦).

وظهور سياق الثاني ـ أي أخبار وجوب فطرته على مولاه ـ أنّه من جهة العيلولة.

وظهور الثالث في الزكاة الماليّة ؛ لأنّها التي تكون في المال ، والفطرة متعلّقة بالذمّة.

وكذا الرابع ؛ لقوله : في يده مال وقوله : « لأنّه لم يصل إلى سيّده ».

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٥٤٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٩١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٢ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ١٩ ـ ٦٣ بتفاوت يسير ، الوسائل ٩ : ٩٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٤ ح ٤.

(٤) المقنعة : ٢٤٨ ، الوسائل ٩ : ٣٢٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٤ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٣ ـ ١٤ ، التهذيب ٤ : ٧٨ ـ ٢٢٠ ، الاستبصار ٢ : ٤٢ ـ ١٣٦ ، الوسائل ٩ : ٣٤٤ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ٤.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٩ ـ ٢٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ ـ ١٤٠ ، الوسائل ٩ : ٣٤٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٤.

٣٨٠