مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

عن غير عمد ـ مردود بأنّ الأصل باطل إجماعا ، فلا تبقى معه فحوى ؛ لبطلان التابع ببطلان المتبوع.

فروع :

أ : مورد مرسلة الحسين المثبتة لعدم الإجزاء إنّما هو إذا كان الدافع هو المالك ، أمّا لو دفعه المالك إلى وكيله أو إلى الفقيه ، ودفعه هو إلى من بان غير مستحقّ ، لم يضمن أحد ؛ للأصل المذكور الخالي عن المعارض في المقام.

وقد نفى عنه الخلاف بين العلماء في المنتهى إذا كان المدفوع إليه الإمام أو نائبه الشامل للنائب العام أيضا (١) .. بل المصرّح في كلماتهم أنّ محلّ الخلاف إنّما هو إذا كان الدافع المالك.

نعم ، حكم الفقيه والوكيل في مواضع الارتجاع حكم المالك بعينه.

ب : ما ذكر إنّما هو إذا بان عدم الاستحقاق بالغناء ، ولو بان بالهاشميّة أو الكفر أو نحوهما ، فالكلام في الارتجاع ـ كما ذكرنا ـ في الضمان والإعادة ، ففي الذخيرة : أنّ الذي قطع به الأصحاب عدم الإعادة (٢).

مؤذنا بعدم خلاف فيه بينهم. وهو كذلك ؛ للأصل المذكور ، واختصاص المرسلة بظهور اليسار.

ج : لو أدّى زكاته إلى غير المستحقّ باعتقاده عمدا ، ثمَّ بان استحقاقه ، لم يجز عنها ، فإن كان من المواضع التي له الارتجاع يجوز له الاحتساب من الزكاة بعد ظهور الاستحقاق ، وإلاّ أعادها.

المسألة السادسة : يجوز للمزكّي مقاصّة المستحقّ للزكاة بدين له في

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٢٧.

(٢) الذخيرة : ٤٦٤.

٣٤١

ذمّته ، أي إسقاط ما في ذمّة المستحقّ للمزكّي من الدين على وجه الزكاة ، حيّا كان المستحقّ أو ميّتا ، بلا خلاف ظاهر في الموضعين.

وفي المدارك والذخيرة في الأول : أنّه مقطوع في كلام الأصحاب (١).

وفي الأول في الثاني : أنّه المتّفق عليه بين علمائنا (٢).

وفي الحدائق فيهما : أنّه ممّا لا خلاف فيه بين العلماء (٣) ، وكذا عن المعتبر والمنتهى والتذكرة ، ولكن في الأول خاصّة (٤) ، وعن كلام جماعة في الثاني أيضا.

وتدلّ على الأول صحيحة البجلي : عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه ، وهم مستوجبون للزكاة ، هل لي ان أدعه وأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال : « نعم » (٥).

ورواية عقبة بن خالد ، وفيها : يجي‌ء الرجل ويسألني الشي‌ء وليس هو إبّان زكاتي ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : « القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة ، وما ذا عليك إذا كنت موسرا أعطيته ، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة » (٦).

وموثقة سماعة : عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة ، فقال : « إذا كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من الدين من عرض من دار ، أو متاع من متاع البيت ، أو يعالج عملا يتقلّب فيه بوجهه ، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه ، فلا بأس أن يقاصّه بما‌

__________________

(١) كما في المدارك ٥ : ٢٢٦ ، والذخيرة : ٤٦٤.

(٢) المدارك ٥ : ٢٢٧.

(٣) الحدائق ١٢ : ١٩٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٧٦ ، المنتهى ١ : ٥٢١ ، التذكرة ١ : ٢٤٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٨ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٩٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٢.

(٦) الكافي ٤ : ٤ ـ ٣٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٢.

٣٤٢

أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها ، وإن لم يكن عند الفقير وفاء ولا يرجو أن يأخذ منه شيئا ، فليعطه من زكاته ولا يقاصّه بشي‌ء من الزكاة » (١).

وحمل في الذخيرة ما في ذيلها عن الاستحباب (٢) ، وهو حسن ، بل لا دلالة فيها على الوجوب ؛ لاحتمال قوله : « ولا يقاصّه » للنفي.

وقوله : « فليعط » وإن كان أمرا ، إلاّ أنّه ليس للوجوب قطعا ؛ لعدم وجوب إعطاء شخص معيّن.

وأمّا مفهوم الشرط في صدرها فكان مقيّدا لو لم يصرّح بحكم المفهوم في الذيل.

وحمل في الحدائق الذيل على الوجوب ، وفرّق بينه وبين الصدر ، بحمل الصدر على من يملك شيئا يفي بدينه وإن لم يف بقوت السنة ، والذيل على من لا يملك بما يفي بالدين أصلا ، فيكون معسرا يجب إنظاره ولا يجوز الاستيفاء عنه ولو بالاحتساب من الزكاة (٣).

وهو كان حسنا لو كان الذيل دالاّ على الوجوب ؛ مع أنّ الظاهر من الإنظار الواجب هو عدم مطالبة المديون.

وأمّا الاحتساب من الزكاة فكونه منافيا له غير معلوم ، بل يمكن جعله من أفراد التصدّق المأمور به في الآية بقوله ( وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) (٤).

ويدلّ على الثاني إطلاق رواية عقبة السابقة ، ورواية يونس بن عمّار : « قرض المؤمن غنيمة وتعجيل خير ، إن أيسر أدّى وإن مات قبل ذلك‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٨ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٩٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٣.

(٢) الذخيرة : ٤٦٤.

(٣) الحدائق ١٢ : ١٩٧.

(٤) البقرة : ٢٨٠.

٣٤٣

احتسب به من الزكاة » (١) ، ونحوها رواية إبراهيم السندي (٢).

وكذا يجوز قضاء دين الميّت من الزكاة فيما إذا كان من له الدين غير المزكّي ، فيؤدّي دينه من زكاته بلا خلاف ظاهر أيضا ، وفي الذخيرة : لا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب (٣) ، وفي المدارك : اتّفاق العلماء عليه (٤).

وتدلّ عليه صحيحة البجلي ، وحسنة زرارة ، وروايتا موسى بن بكير وصبّاح بن سيابة ، المتقدّمة جميعا في بيان الصنف السادس من أصناف المستحقّين (٥).

فروع :

أ : لا يشترط في الحيّ الذي تحتسب عليه الزكاة لدينه فقره ، بل يشترط فيه ما يشرط في الغارم ، كما مرّ مع دليله.

ب : هل يشترط في الأداء عن الميّت قصور تركته عن الوفاء بالدين ، كما عن الإسكافي والشيخ في المبسوط والوسيلة والتذكرة والتحرير والدروس والبيان والروضة (٦) ، واختاره جمع من المتأخّرين (٧)؟

أو لا يشترط ، كما عن ظاهر نهاية الشيخ والحلّي والمحقّق والمختلف‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٣٢ ـ ١٢٧ ، الوسائل ٩ : ٢٩٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٣٠٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٣.

(٣) الذخيرة : ٤٦٤.

(٤) المدارك ٥ : ٢٢٧.

(٥) راجع ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

(٦) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٨٣ ، المبسوط ١ : ٢٥٢ ، الوسيلة : ١٣٠ ، التذكرة ١ : ٢٣٧ ، التحرير ١ : ٦٩ ، الدروس ١ : ٢٤١ ، البيان : ٣١٤ ، الروضة ٢ : ٤٨.

(٧) انظر : مجمع الفائدة ٤ : ١٦٤ ، المفاتيح ١ : ٢٠٧ ، الحدائق ١٢ : ١٩٨.

٣٤٤

والمنتهى واللمعة (١)؟

حجّة الأولين : حسنة زرارة المشار إليها.

ودليل الآخرين : إطلاق بعض روايات الأداء عنه.

وانتقال التركة بالموت إلى الوارث فصار عاجزا عن الأداء.

ويردّ الأول : بوجوب تقييد الإطلاق بالحسنة.

والثاني : بأنّه لا انتقال إلاّ بعد الدين ؛ لقوله سبحانه ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٢).

ومنه يظهر وجه آخر للاشتراط ؛ إذ مفاد الآية وجوب صرف التركة إلى الدين ؛ وتدلّ عليه الأخبار أيضا (٣) ، فالاشتراط هو الأقوى.

ولو وقت التركة ببعض الدين اختصّ جواز الوفاء بالزكاة بالباقي.

ج : لو وفت التركة بالدين ولكن تعذّر استيفاؤه منها لعدم إمكان إثباته أو غير ذلك ، فجوّز الشهيد الثاني الاحتساب عليه (٤) ، وتنظّر فيه في المدارك (٥) ، وجعله في الذخيرة في موقعه (٦) ، وهو كذلك ، بل عدم جواز الاحتساب أقوى.

د : لو كان الدين على من يجب على المزكّي الإنفاق عليه جاز له القضاء عنه والمقاصّة حيّا كان أو ميّتا ، بلا خلاف يوجد ، كما مرّ في بيان اشتراط كون الفقير غير واجبي النفقة.

__________________

(١) النهاية : ١٨٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٦٢ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٥٧٦ ، المختلف : ١٨٣ ، المنتهى ١ : ٥٢١ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٤٨.

(٢) النساء : ١١.

(٣) الوسائل ١٩ : ٣٢٩ كتاب الوصايا ب ٢٨.

(٤) المسالك ١ : ٦٠.

(٥) المدارك ٥ : ٢٢٨.

(٦) الذخيرة : ٤٦٥.

٣٤٥

هـ : لو كان دين لغنيّ عليه زكاة على فقير علم باشتغاله بالزكاة ، فإن احتمل الفقير أداء الغني زكاته فهو ، وإن علم أنّه لم ينو الأداء جاز له أن يقاصّ دينه لزكاته ، بل يجب إن لم يتمكّن من إبراء ذمّته بنحو آخر ، من باب استخلاص حقّ الفقراء والأمر بالمعروف.

المسألة السابعة : يجوز تولّي المالك إيصال الزكاة إلى مستحقّها بنفسه ، على الحقّ المشهور ، كما صرّح به جماعة (١) ، بل عن ظاهر التذكرة والمنتهى الإجماع عليه (٢) ، وكذا عن الغنية في زمن الغيبة (٣) ، وفي المبسوط والخلاف نفي الخلاف فيه في الأموال الباطنة ، كزكاة النقدين والتجارات (٤).

وفي كتاب قسمة الصدقات من الخلاف : الإجماع على جواز تولّيه مطلقا (٥).

للأصل والعمومات (٦) ، ولقوله سبحانه ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) (٧) ، إلاّ أنّه ورد في الأخبار الكثيرة تخصيص ما يخفى بغير الزكاة (٨).

وما مرّ من احتساب ربّ الزكاة دينه للزكاة ، ومن أداء دين الأب من الزكاة.

وما دلّ على جواز اشتراء الرجل من زكاته مملوكا يباع واشتراء الأب.

__________________

(١) انظر : الحدائق ١٢ : ٢٢١ ، والذخيرة : ٤٦٥.

(٢) التذكرة ١ : ٢٤١ ، المنتهى ١ : ٥١٤.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٤) المبسوط ١ : ٢٣٣ و ٢٤٤ ، الخلاف ٤ : ٢٢٥.

(٥) الخلاف ٤ : ٢٢٥.

(٦) انظر : الوسائل ٩ : ٢١٧ و ٢٨٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤ وب ٣٦.

(٧) البقرة : ٢٧١.

(٨) الوسائل ٩ : ٣٩٢ و ٣٩٥ أبواب الصدقة ب ١٢ وب ١٣.

٣٤٦

والأخبار الدالّة على ذلك بخصوصه ، كحسنة زرارة ومحمّد ، الواردة في بيان مصرف الزكاة ، وفيها : « فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس » (١).

ورواية أبي بصير ، وفيها : « فلو أنّ رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسنا جميلا » (٢).

ورواية إسحاق بن عمّار : لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضّل بعضهم على بعض ، فيأتيني إبّان الزكاة أفأعطيهم منها؟ قال : « مستحقّون لها؟ » قلت : نعم ، قال : « هم أفضل من غيرهم ، أعطهم » (٣).

ورواية الصهباني : هل يجوز لي يا سيّدي أن اعطي الرجل من إخواني الزكاة الدرهمين والثلاثة دراهم فقد اشتبه ذلك عليّ؟ فكتب : « ذلك جائز » (٤).

وفي الروايات الكثيرة : « أعطه من الزكاة حتى تغنيه » (٥).

وما ورد من الأخبار الدالّة على الأمر بإيصال الزكاة إلى المستحقّين (٦) ، وعلى نقل الزكاة من بلد إلى آخر مع عدم وجود المستحقّ (٧) ، وعلى التوكيل في تفريق الزكاة (٨) ، وغير ذلك من الأخبار المتكثّرة في الأبواب العديدة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩٦ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٤٩ ـ ١٢٨ ، الوسائل ٩ : ٢٠٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٠١ ـ ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ ـ ٢٩٧ ، الوسائل ٩ : ٣٠٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ ـ ٢٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ ـ ١٠٠ ، الوسائل ٩ : ٢٤٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٦٣ ـ ١٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٨ ـ ١١٨ ، الوسائل ٩ : ٢٥٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٥.

(٥) الوسائل ٩ : ٢٥٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤.

(٦) الوسائل ٩ : ٢١٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤.

(٧) الوسائل ٩ : ٢٨٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧.

(٨) الوسائل ٩ : ٢٨٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٨.

٣٤٧

خلافا للمفيد والحلبي ، فأوجبا الدفع إلى الإمام أو عامله مع حضوره ، وإلى الفقيه الجامع للشرائط مع الغيبة (١).

وللقاضي وابن زهرة ، فخصّا وجوب الدفع إلى الإمام في زمان الحضور ، وجوّزا قسمة المالك في زمن الغيبة (٢).

لقوله سبحانه ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (٣).

ولمطالبة أبي بكر الزكاة وقتاله عليها مع عدم إنكار الصحابة (٤).

ولأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والولي عمّالهما بأخذ الصدقات وجبايتها ، كما هو المعلوم من سيرتهما في حياتهما ، والمنصوص عليه في الروايات الكثيرة (٥).

ويردّ الأول : بأنّ غايته وجوب الدفع مع المطالبة ، وهو لا يستلزم وجوبه قبلها ؛ مع أنّ الضمير عائد إلى من تقدّم في قوله سبحانه : ( وَآخَرُونَ ) .. ( خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً ) (٦) ، ولا يلزم من وجوب الأخذ عنهم الأخذ من غيرهم.

وأيضا لا يتعيّن أن تكون الصدقة هي الزكاة ، بل هي أموال يعطونها لتكون كفّارة لما أذنبوه من التخلّف ، فإنّه روي : أنّهم قالوا : يا رسول الله ، هذه أموالنا التي خلقتنا منك فتصدّق بها عنّا وطهّرنا واستغفر لنا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا » فأنزل الله تعالى .. الآية (٧).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٢٥٢ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٧٢.

(٢) القاضي في المهذب ١ : ١٧١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٣) التوبة : ١٠٣.

(٤) تأريخ الطبري ٢ : ٤٧٦ ، ٤٩٥ ، ٥٠٢.

(٥) انظر : الوسائل ٩ : ٩ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١ ح ١ ، وص ١٢٩ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤.

(٦) التوبة : ١٠٢.

(٧) مجمع البيان ٣ : ٦٧.

٣٤٨

وأيضا الخطاب إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يعلم مساواة الأئمّة له ، ولو علم فلا يتعدّى إلى غيرهم ـ كما هو المفيد لنا ـ قطعا ، فيمكن أن يكون ذلك مختصّا بهم ، بل بحال ظهور سلطانهم ليكون عونا لهم على المصالح والعساكر ، كما ذكره في الحدائق (١).

ويدلّ عليه المرويّ في العلل : أقبل رجل إلى الباقر عليه‌السلام ، فقال : رحمك الله ، اقبض منّي هذه الخمسمائة درهما فضعها في مواضعها ، فإنّها زكاة مالي ، فقال عليه‌السلام : « بل خذها أنت وضعها في جيرانك والأيتام والمساكين ، وفي إخوتك من المسلمين ، إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنّه يقسّم بالسويّة » (٢) الحديث.

وبهذا يظهر الجواب عن الأخيرين أيضا ، مع أنّ عدم إنكار جميع الصحابة على أبي بكر غير مسلّم ، مضافا إلى أنّ مقاتلته كانت لامتناعهم من أداء الزكاة مطلقا.

فروع :

أ : كما يجوز للمالك التقسيم يجوز له التوكيل والاستنابة فيه ؛ للأخبار المستفيضة ، كموثقة سعيد : الرجل يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه ، أيأخذ منها شيئا؟ قال : « نعم » (٣) ، وبمضمونها حسنة الحسين (٤) ، وصحيحة البجلي (٥).

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٢٢٣.

(٢) العلل : ١٦١ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٨٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٦ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٥ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٥ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ ـ ٢٩٥ ، الوسائل ٩ : ٢٨٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٥ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ ـ ٢٩٦ ، المقنعة : ٢٦١ ، الوسائل ٩ :

٣٤٩

وكصحيحة جميل : في الرجل يعطي غيره الدراهم ليقسمها ، قال : « يجري له مثل ما يجري للمعطي ، ولا ينقص المعطي من أجره شي‌ء » (١).

وفي رواية صالح بن رزين ، عن شهاب : إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها ، قال : « نعم ، لا بأس بذلك » (٢).

والأخبار الكثيرة المتقدّمة في بحث تلف الزكاة التي بقيت عند غيره (٣).

وفي رواية ابن يقطين : عمّن يلي الصدقة العشر على من لا بأس به ، فقال : « إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها ، وإن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها في مواضعها » (٤).

والمستفاد من الأخيرة وجوب كون الوكيل أو النائب ثقة ولا ريب فيه ، بل يلزم عدالته ؛ لعدم الوثوق بغير العادل.

ب : صرّح جماعة ـ منهم : الفاضلان والشهيدان ـ باستحباب الدفع في زمان الغيبة إلى الفقيه الجامع للشرائط (٥) ، وعن الخلاف : الإجماع عليه. لفتوى الأعيان ونقل الإجماع والخروج عن شبهة الخلاف ، ولأنّه أبصر بمواقعها وأخبر بمواضعها.

ج : لو طلبها الفقيه لا يجب الدفع إليه ، إلاّ إذا كان الراجح عنده‌

__________________

٢٨٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ٣.

(١) الكافي ٤ : ١٨ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٤٠ ـ ١٧٦ ، الوسائل ٩ : ٢٨٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٥ ح ٢ و ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٧ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٨٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٥ ح ٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٨٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٩ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ٢٨٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٥ ح ١.

(٥) المحقق في الشرائع ١ : ١٦٤ ، والمعتبر ٢ : ٥٧٨ ، العلاّمة في المنتهى ١ : ٥١٤ ، والمختلف : ١٨٧ ، الشهيد الأول في الدروس ١ : ٢٤٦ ، والبيان : ٣٢٣ واللمعة ( الروضة ٢ ) : ٥٣ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦١.

٣٥٠

وجوب الدفع إليه ، وكان ربّ الزكاة مقلّدا له ، ولا يجوز له الطلب الحتميّ أيضا إلاّ مع علمه بوجودها عنده وعدم إقدامه على دفعها بنفسه.

المسألة الثامنة : لا خلاف بين الأصحاب ـ كما صرّح به جماعة (١) ـ في عدم وجوب البسط على الأصناف ، وأنّه يجوز تخصيص جماعة من كلّ صنف أو صنف واحد ، بل شخص واحد من بعض الأصناف ، وعن الخلاف والتذكرة : الإجماع عليه (٢).

وتدلّ عليه الأخبار العديدة من الصحاح وغيرها (٣) ، وفي تفسير العيّاشي : عن الصادق عليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ) إلى آخر الآية ، فقال : « إن جعلتها فيهم جميعا وإن جعلتها لواحد أجزأ عنك » (٤).

وليس في الآية حجّة علينا ؛ لأنّها لبيان المصرف ، واللام فيها للاختصاص دون الملكيّة.

نعم ، صرّحوا بأفضليّة البسط ، ولا دليل عليه تامّا سوى فتاوى الأعيان.

المسألة التاسعة : يجوز تفضيل بعض الفقراء على بعض ؛ للأصل ، بل يستحبّ في بعض المواضع.

كما يستحبّ ترجيح الأقارب وتفضيلهم على غيرهم كما مرّ في الفرع الثامن من الوصف الثالث (٥) ، وأهل الفقه والعقل ؛ لرواية عبد الله بن عجلان (٦).

__________________

(١) انظر : الحدائق ١٢ : ٢٢٤ ، والذخيرة : ٤٦٥.

(٢) الخلاف ٤ : ٢٢٦ ، التذكرة ١ : ٢٤٤.

(٣) كما في الوسائل ٩ : ٢٦٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨.

(٤) تفسير العياشي ٢ : ٩٠ ، الوسائل ٩ : ٢٦٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨ ح ٥.

(٥) أي من أوصاف المستحقّين للزكاة.

(٦) الكافي ٣ : ٥٤٩ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٨ ـ ٣٤ ، التهذيب ٤ : ١٠١ ـ ٢٨٥ ، الوسائل : ٢٨٨

٣٥١

ومن لا يسأل على من يسأل ؛ لصحيحة البجلي (١).

ويستحبّ إغناء الفقير بالزكاة ؛ للمستفيضة.

وصرف صدقة المواشي إلى المتجمّلين ومن لا عادة له بالسؤال ، وصرف صدقة غيرها إلى الفقراء المدقعين ؛ لرواية ابن سنان (٢).

المسألة العاشرة : اختلفوا في جواز نقل الزكاة عن بلدها وعدمه.

فذهب المفيد والشيخ في المبسوط والاقتصاد والحلبي وابن حمزة والفاضل في التحرير والمنتهى والمختلف والشهيد الأول في الدروس والثاني في المسالك والروضة وحواشي القواعد وحواشي الإرشاد على ما حكي عنهم (٣) وأكثر متأخّري المتأخّرين (٤) إلى الأول.

واختار في الخلاف والشرائع والإرشاد والتذكرة واللمعة والبيان : الثاني (٥) ، وفي الحدائق : أنّه المشهور (٦) ، وعن التذكرة : إجماع علمائنا عليه (٧).

__________________

٩ : ٢٦٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٥ ح ٢.

(١) الكافي ٣ : ٥٥٠ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠١ ـ ٢٨٤ ، الوسائل ٩ : ٢٦١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٠ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠١ ـ ٢٨٦ ، المحاسن : ٣٠٤ ـ ١٣ ، العلل : ٣٧١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٦٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٦ ح ١.

(٣) المفيد في المقنعة : ٢٤٠ ، المبسوط ١ : ٢٤٥ و ٢٦٣ ، الاقتصاد : ٢٧٩ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٧٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٣٠ ، التحرير ١ : ٧٠ ، المنتهى ١ : ٥٢٩ ، المختلف : ١٩٠ ، الدروس ١ : ٢٤٦ ، المسالك ١ : ٦٢ ، الروضة ٢ : ٤٠.

(٤) كصاحب المدارك ٥ : ٢٧١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٦٦ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٧٧.

(٥) الخلاف ٢ : ٢٨ ، الشرائع ١ : ١٦٥ ، الإرشاد ١ : ٢٨٩ ، التذكرة ١ : ٢٤٤ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٣٩ ، البيان : ٣٢٠.

(٦) الحدائق ١٢ : ٢٣٩.

(٧) التذكرة ١ : ٢٤٤.

٣٥٢

والحقّ : هو الأول ؛ للأصل ، والإطلاقات ، والمستفيضة ، كمرسلة ورواية درست : في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده ، قال : « لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع ، شكّ أبو أحمد » (١).

وصحيحة هشام : في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها ، إله أن يخرج الشي‌ء منها من البلد الذي هو به إلى غيره؟ قال : « لا بأس » (٢).

وصحيحة أحمد بن حمزة : عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها إلى إخوانه ، فهل يجوز ذلك؟ قال « نعم » (٣).

وفي موثقة وهب بن حفص : الرجل يبعث بزكاته من أرض إلى أرض ، فيقطع عليه الطريق ، فقال : « قد أجزأت عنه ، ولو كنت أنا لأعدتها » (٤).

حجّة المانعين : حكاية الإجماع.

وأنّ فيه نوع تغرير بالزكاة وتعريضا لإتلافها ، فيكون حراما.

وأنّه مناف للفوريّة.

وصحيحة الحلبي : « لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب ، ولا صدقة الأعراب للمهاجرين » (٥).

وصحيحة الهاشمي : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم صدقة أهل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ١٦ ـ ٤٩ ، التهذيب ٤ : ٤٦ ـ ١٢٠ ، الوسائل ٩ : ٢٨٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ١٦ ـ ٥٠ ، الوسائل ٩ : ٢٨٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٦ ـ ١٢٢ ، الوسائل ٩ : ٢٨٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ١٠ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ ـ ٣٠٩ ، المقنعة : ٢٦٣ ، الوسائل ٩ : ٢٨٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٨ ح ١.

٣٥٣

البوادي في أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر » (١).

وصحيحة ضريس : إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا ، ففي من نضعها؟ فقال : « في أهل ولايتك » ، فقال : إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك ، فقال : « ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم » (٢).

ورواية يعقوب بن شعيب : الرجل منّا يكون في أرض منقطعة ، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال : « يضعها في إخوانه وأهل ولايته » ، قلت : فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال : « يبعث بها إليهم » (٣).

ويضعّف الأول : بعدم الحجّية.

والثاني : باندفاعه بالضمان.

والثالث : بمنع وجوب الفوريّة ، سلّمنا لكن النقل شروع في الإخراج.

والرابع : بعدم الدلالة ؛ إذ قد تكون صدقة المهاجر في أرض الأعراب وبالعكس وقد يحضر الأعراب في بلد المهاجر ، والمهاجر في أرض الأعراب.

وكذا الخامس ؛ لأنّ أهل الحضر لا يتعيّن أن يكونوا من بلد واحد ، فيقسّم صدقة أهل المدينة في أهل مكّة ، مضافا إلى قصورها عن إفادة الوجوب.

وكذا السادس والسابع ، بل لا وجه لتوهّم دلالتهما وإن احتجّ بهما للوجوب في الحدائق (٤) ، إلاّ أن يحمل أهل الولاية على أهل البلد. وهو منه بعيد ، فإنّ المراد به أهل الإيمان الخاصّ ، كما صرّح به في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ ـ ٢٩٢ ، الوسائل ٩ : ٢٨٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٥ ـ ١١ ، الوسائل ٩ : ٢٨٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٦ ـ ١٢١ ، الوسائل ٩ : ٢٨٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ٣.

(٤) الحدائق ١٢ : ٢٣٩.

٣٥٤

الروايات (١). أو يستنبط من قول الراوي : إنّي في بلاد ، إلى آخره ، وقوله : فإن لم يحضره ، إلى آخره ، حيث إنّه لو جاز النقل لما احتاج إلى السؤال.

وفيه : أنّه في كلام الراوي ، ولم يدلّ على اعتقاده بحرمة النقل حتى يفيد التقرير.

فروع :

أ : لو نقلها أجزأته إذا وصلت إلى الفقراء على القولين ، بلا خلاف كما قيل (٢) ، بل بالإجماع كما في المنتهى والتذكرة والمختلف (٣) وغيرها (٤) ؛ للأصل ، وصدق الامتثال وإن أثم بالنقل على القول الثاني.

واحتمل في الروضة عدم الإجزاء ؛ لتعلّق النهي (٥).

وفيه : أنّه تعلّق بالإخراج دون الدفع بعده.

ب : ما مرّ من الخلاف إنّما هو مع وجود المستحق في البلد ، وأمّا مع إعوازه فيجوز إجماعا كما عن التذكرة والمنتهى (٦) ؛ للأصل ، وتوقف الدفع الواجب عليه ، وصحيحة ضريس ورواية يعقوب المتقدمتين ، وغيرهما (٧).

ولو احتمل حضور مستحق في البلد ، فهل يتعيّن عليه النقل ، أو يتخير؟

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢١٦ و ٢٢١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ و ٥.

(٢) الحدائق ١٢ : ٢٤١.

(٣) المنتهى ١ : ٥٢٩ ، التذكرة ١ : ٢٤٤ ، المختلف ٢ : ١٩٠.

(٤) المدارك ٥ : ٢٦٩.

(٥) الروضة ٢ : ٤٠.

(٦) التذكرة ١ : ٢٤٤ ، المنتهى ١ : ٥٢٩.

(٧) الوسائل ٩ : ٢٨٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧.

٣٥٥

اختار في الذخيرة : الأوّل (١) ؛ لوجوب مقدّمة الواجب.

وفيه : منع التوقف لو احتمل الحضور.

وحكي عن الإرشاد : الثاني ، وفي النسبة نظر ، واختاره بعض آخر ؛ للأصل.

وهو حسن ، لو لا الأمر بالبعث في صحيحة ضريس ، فتأمّل.

ج : هل جواز النقل على المختار مخصوص بصورة عدم خوف التلف ، أو مطلق؟

صرّح الحلبي وابن زهرة ـ على ما حكي عنهما ـ بالأول ، إلاّ مع إذن الفقير (٢). وظاهر إطلاقات الفتاوي : الثاني (٣).

د : ظاهر القائلين بعدم جواز النقل وجوب التقسيم في البلد لا في أهل البلد ، فيجوز الدفع في البلد إلى الغرباء وأبناء السبيل ، ونفى عنه الشبهة بعض الأجلّة (٤).

هـ : لو أخرج الزكاة عن البلد فتلفت يضمن مع وجود المستحقّ في البلد لا مع إعوازه ، كما مرّ بيانه في مسألة تلف الزكاة.

و : قال في المنتهى بكراهة النقل (٥) ، وحكي عن ابن حمزة أيضا (٦) ، دفعا لشبهة الخلاف ، ولا بأس به ؛ له ، ولدعوى الإجماع على استحباب الصرف في بلد المال (٧).

__________________

(١) انظر : الذخيرة : ٤٦٦.

(٢) الحلبي في الكافي في الفقه : ١٧٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٣) انظر : الشرائع ١ : ١٦٥ ، والتذكرة ١ : ٢٤٤ ، والبيان : ٣٢٠.

(٤) غنائم الأيام : ٣٤٢.

(٥) المنتهى ١ : ٥٢٩.

(٦) الوسيلة : ١٤٠.

(٧) كما في المدارك ٥ : ٢٧١.

٣٥٦

ز : قال في المنتهى باستحباب الدفع إلى أقرب الأماكن إذا نقلها (١) ، وعن المعتبر والمسالك : تقديم الأقرب فالأقرب (٢) ؛ ولا يحضرني وجهه.

ح : المراد بالبلد الذي اختلف فيه كما ذكرنا : بلد المال ، أي البلد الذي فيه المال الزكويّ حال استجماع الشرائط من الحول وغيره ، وإن كان قبله بلد آخر.

ط : لو نقل لا يجوز احتساب الأجرة من الزكاة ، إلاّ إذا تعيّن النقل ؛ لعدم وجود المستحقّ في البلد.

ى : لو كان المالك في غير بلد المال يجب صرفه في بلد المال ، على القول بتحريم النقل ، ويستحبّ على المختار. ويجوز نقله إلى بلده.

ولو دفع العوض في بلده جاز أيضا على المختار ، بل صرّح به في الشرائع مع اختياره حرمة النقل (٣) ، بل في المدارك : أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب (٤).

ولعلّ الوجه : أنّ سبب التحريم كان التغرير والتأخير ، وهما منتفيان حينئذ.

نعم ، لو كان الاستناد في المنع إلى الأخبار اتّجه عدم جواز دفع العوض أيضا.

يا : نقل الزكاة إنّما يتحقّق بنقل جميع المال الزكوي قبل ضمان المثل أو القيمة أو التبديل ، أو بنقل بعض المال بدون قصد كونه لنفسه فينقل حينئذ قدر الحصّة من الزكاة أيضا ، أو بنقل قدر الفريضة بعد إفرازها عينا ، أو بدلا لو قلنا بجوازه مطلقا ، أو في الجملة كما يأتي.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٢٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٨٩ ، المسالك ١ : ٦٢.

(٣) الشرائع ١ : ١٦٥.

(٤) المدارك ٥ : ٢٧١.

٣٥٧

المسألة الحادية عشرة : أجرة الكيل والوزن على المالك ، على الأظهر الأشهر ، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر (١) ؛ لتوقّف الدفع الواجب عليه عليها ، فيكون عليه من باب المقدّمة.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط (٢) ؛ لأنّه سبحانه أوجب على المالك قدرا معلوما من الزكاة ، فلو وجبت الأجرة عليه لزم أن يزاد الواجب على القدر الذي وجب.

وفيه : أنّ تقدير الواجب بالأصالة بقدر لا يقتضي عدم وجوب شي‌ء آخر عليه من باب المقدّمة في بعض الأحيان.

المسألة الثانية عشرة : لو اجتمعت للمستحقّ أسباب ـ كأن يكون فقيرا وعاملا وغارما ـ يجوز أن يعطى بكلّ سبب نصيب ؛ لصدق هذه العنوانات عليه ، فيدخل تحت عموم الآية (٢) والأخبار (٣).

وأمّا ما في الحدائق ، من التوقّف في الحكم ؛ لعدم دليل عليه ، ولادّعاء تبادر تغاير هذه الأفراد من الآية والروايات ؛ لأنّه الشائع المتكثّر ، ولأنّه متى أعطي من حيث الفقر ما يغنيه ويزيد على غناه فكيف يعطى من حيثيّة أخرى مع اشتراط الغرم مثلا بالعجز عن الأداء (٤)؟!.

ففاسد جدّا ؛ لوجود الدليل كما مرّ ، ومنع التبادر المذكور جدّا ، وعدم استلزام الإعطاء من حيث الفقر القدرة على الأداء مثلا ، وأيضا العمل لا يشترط بعجز أو فقر ، وبالجملة ضعفه ظاهر.

المسألة الثالثة عشرة : يستحبّ للعامل والفقيه والفقير الدعاء للمالك

__________________

(١) منهم السبزواري في والذخيرة : ٤٦٩.

(٣) المبسوط ١ : ٢٥٦.

(٤) التوبة : ٦١.

(٥) الوسائل ٩ : ٢٠٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١.

(٦) الحدائق ١٢ : ٢٥١.

٣٥٨

بعد أخذ الزكاة ؛ أمّا من حيث استحباب الدعاء مطلقا فظاهر ، وأمّا من جهة خصوص المورد فلفتوى جمع من الأصحاب (١).

ولا يجب قطعا ؛ للأصل ، وعدم الدليل سوى الآية المخصوصة بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطابا وتعليلا بقوله سبحانه ( إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٢).

مضافا إلى عدم معلوميّة شمول مرجع الضمير لجميع المؤمنين ، وعدم صراحة الآية في كون الصلاة المأمور بها لأجل أداء الزكاة وبعد قبضها ، بل عدم ظهورها فيه أيضا.

المسألة الرابعة عشرة : يكره لربّ الزكاة تملّك ما أخرجه في الصدقة الواجبة أو المندوبة ، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة (٣) ، بل مطلقا كما في المنتهى (٤) ، بل بالإجماع كما في المدارك (٥).

أمّا الجواز : فللأصل المؤيّد بنقل الإجماع من جماعة (٦) ، وإطلاق قوله سبحانه ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٧).

ورواية محمّد بن خالد : « إذا أخرجها ـ يعني الشاة ـ فليقوّمها في من يريد ، فإذا قامت على ثمن ، فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها ، وإن لم يردها فليبعها » (٨).

__________________

(١) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٤٤ ، المحقق في المختصر النافع : ٦٠ ، العلاّمة في المنتهى ١ : ٥٣١.

(٢) التوبة : ١٠٣.

(٣) الذخيرة : ٤٦٩.

(٤) المنتهى ١ : ٥٣١.

(٥) المدارك ٥ : ٢٨٤.

(٦) النساء : ٢٩.

(٧) التهذيب ٤ : ٩٨ ـ ٢٧٦ ، الوسائل ٩ : ١٣١ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ٣.

٣٥٩

وأمّا الكراهة : فلما مرّ من نفي الخلاف والإجماع المنقول الكافيين في مقام المسامحة ، المؤيّدين ببعض وجوه اعتباريّة صالحة لحكمة الحكم.

والكراهة إنّما هي إذا تملّكها اختيارا ، وأمّا لو عاد إليه بميراث وشبهه فلا كراهة فيه على ما صرّحوا به (١). ونفى عنه الخلاف في المنتهى (٢) ؛ للأصل ، واختصاص دليل المنع بغير هذا الفرض.

وكذا لو احتاج إلى شرائها ، بأن يكون الفرض جزء من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به ولا يشتريه غير المالك ، أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير ، فإنّه تزول الكراهة حينئذ إجماعا ، كما عن المنتهى والتذكرة (٣).

__________________

(١) كما في المعتبر ٢ : ٥٩١ ، والتذكرة ١ : ٢٤٢ ، والذخيرة : ٤٦٩.

(٢) المنتهى ١ : ٥٣١.

(٣) المنتهى ١ : ٥٣١ ، والتذكرة ١ : ٢٤٢.

٣٦٠