مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

والفطرة ، كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا » (١) الحديث.

ورواية عبد الرحمن : رجل مسلم مملوك ، ومولاه رجل مسلم ، وله مال يزكّيه ، وللمملوك ولد حرّ صغير ، أيجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ قال : « لا بأس به » (٢).

ولا يجوز إعطاء أطفال غير المؤمنين بلا خلاف يوجد أيضا ؛ لعدم تحقّق الشرط ـ الذي هو الإيمان والولاية ـ واختصاص غير الأخيرة من روايات الجواز بأطفال المؤمنين ، بل دلالة العلّة المذكورة في الرواية الأولى بقوله : « يحفظ فيهم ميّتهم » على الاختصاص ، وبه يخصّص عموم الأخيرة الحاصلة من ترك الاستفصال.

ومن أطفال غير المؤمنين أطفال العوام الذين لا يعلم معرفة آبائهم النبيّ أو الأئمّة بأسمائهم وترتيبهم.

ولا تشترط عدالة الآباء ولو قلنا باشتراطها في الآباء ، كما صرّح به في المقنعة والمعتبر والسرائر والمنتهى (٣) ، حاكيين له عن السيّد في الطبريّات والشيخ في التبيان (٤) ، وتبعهم المتأخّرون (٥) ، بل في الروضة : الاتّفاق عليه (٦).

للأصل ، والإطلاقات (٧) ، بل عموم الأخبار الحاصل بترك الاستفصال ، واختصاص ما دلّ على اشتراطها بالآباء ، وعدم دليل على تبعيّتهم لهم في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٩ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٢٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٣ ـ ١٤ ، الوسائل ٩ : ٢٩٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٥ ح ١.

(٣) المقنعة : ٢٥٩ ، المعتبر ٢ : ٥٦٨ ، السرائر ١ : ٤٦٠ ، المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٤) السرائر ١ : ٤٦٠ ، والمنتهى ١ : ٥٢٣.

(٥) منهم الشهيد في البيان : ٣١٦ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٤١.

(٦) الروضة ٢ : ٥٠.

(٧) الوسائل ٩ : ٢٢٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٦.

٣٠١

الفسق والعدالة ، وإنّما هو في تبعيّتهم لهم في الإيمان والكفر لا غيرهما.

ثمَّ قيل : ظاهر النصوص جواز الدفع إلى الطفل من غير اشتراط وليّ إذا كان مميّزا بحيث يصرفها في وجه يسوغ للوليّ صرفها فيه ، كما صرّح به جماعة من متأخّري المتأخّرين (١).

وفيه نظر ؛ لأنّ الإعطاء وإن كان ظاهرا فيما ذكره ، ولكنّه لا يراد في حقّ غير المميّز قطعا ، فلا بدّ إمّا من حمل الإعطاء على صرفها فيهم بطريق شرعي ، أو تخصيص العيال والذريّة والابن في الأخبار المذكورة بالمميّز ولا ترجيح ، فلا يكون الإعطاء ظاهرا فيما رامه.

ولذا منع في التذكرة من الدفع إليهم مطلقا ؛ مستدلاّ بأنّه ليس محلاّ لاستيفاء ماله عن الغرماء فكذا هنا (٢) ، واستدلّ له أيضا بعموم أدلّة الحجر.

ولو خدش خادش في الأول : بأنّه نوع قياس ، وفي الثاني : بمنع العموم ، لكفى استصحاب عدم جواز الدفع ـ حيث لا يجوز قبل التميّز ـ دليلا على عدم جواز الدفع ، فهو الأقوى ، مضافا إلى أنّ صرف الطفل عين الزكاة قد يحتاج إلى المبادلة ببيع أو شراء ، ومثله غير جائز عن الطفل بصريح الأخبار ، فلا تكون الزكاة مصروفة له.

نعم ، هذا إذا لم تصرف عين الزكاة ، واحتاج صرفها إلى مبادلة ، أو لم يعلم المزكّي بصرفه عينه في مصارفها.

وأمّا إذا كانت الزكاة ممّا تصرف بنفسها وعلم أنّ الطفل يصرفها ـ كطعام أعطاه وهو يأكله عنده ، أو ثبات يلبسها ـ فلا إشكال في جوازه.

وتدلّ عليه النصوص (٣) ؛ لصدق الإعطاء حينئذ بأيّ معنى حمل ، بل‌

__________________

(١) منهم صاحب الحدائق ١٢ : ٢٠٨ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٨٤.

(٢) التذكرة ١ : ٢٣٦.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٢٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٦.

٣٠٢

جواز ذلك في غير المميّز أيضا.

ثمَّ إذا لم يجز إعطاء الطفل ، فإن كان له وليّ يدفع إليه ولو كان الحاكم الشرعيّ أو عدول المسلمين ، وإلاّ فإن كان من يقوم بأمره ويعتني بحاله ـ بحيث يعلم أنّه يصرفها مصارف الطفل ـ جاز الدفع إليه ، بل يجوز ذلك مع وجود الوليّ أيضا.

ولا يكفي مجرّد الظنّ والعدالة والأمانة ، وإلاّ فيصرفها المزكّي بنفسها في حوائج الطفل.

د : قيل : حكم المجنون حكم الطفل (١) ، فإن ثبت الإجماع عليه ، وإلاّ فمحلّ نظر ؛ لعدم كونه عارفا.

هـ : يشترط ذلك الشرط في العاملين أيضا بالاتّفاق ، كما صرّح به بعضهم (٢) ؛ للعمومات المتقدّمة.

و : صرّح جمع من الأصحاب باستثناء المؤلّفة من هذا الشرط (٣) ، وهو مبنيّ على أمرين : تفسير المؤلّفة بمن يتألّف للجهاد ، وجواز الجهاد في زمن الغيبة.

ز : لو أعطى المخالف زكاة ماله مثله ثمَّ استبصر المزكّي أعادها بلا خلاف يعرف ، بل بالإجماع كما قيل (٤) ، وتصرّح به ثلاثة من الأخبار المتقدّمة (٥).

الثاني : العدالة.

اعتبرها جماعة من الأصحاب ، منهم : الشيخ في المبسوط والخلاف‌

__________________

(١) القواعد ١ : ٥١.

(٢) المنتهى ١ : ٥٢٢.

(٣) كما في الاقتصاد : ٢٨٢ ، المعتبر ٢ : ٥٧٩ ، الدروس ١ : ٢٤٢.

(٤) في المدارك ٥ : ٢٤٢.

(٥) في ص : ٢٩٦ و ٢٩٧.

٣٠٣

والجمل والاقتصاد ومختصر المصباح والحلبي والقاضي والحلّي وابني حمزة وزهرة (١) ، وهو ظاهر المفيد (٢) ، ونسبه في الخلاف إلى ظاهر مذهب أصحابنا ، وعن الغنية : الإجماع عليه ، ونسب إلى السيّد أيضا (٣) ، وليس كذلك كما قيل ، بل هو ادّعاه على مختاره الآتي.

واعتبر السيّد في الانتصار والجمل (٤) والشيخ في المصباح : عدم الفسق (٥) ، مدّعيا عليه الإجماع.

والإسكافي : عدم كونه شارب الخمر ، أو مقيما على كبيرة (٦) ، واختاره جدّي قدس‌سره.

وقال قوم من أصحابنا ـ كما في الخلاف ـ بعدم اعتبار شي‌ء منها (٧) ، وهو مذهب الصدوقين والديلمي والفاضلين (٨) ، وجمهور المتأخّرين (٩).

وهو الأقوى ؛ للأصل وإطلاقات الكتاب والسنّة الخالية عن الدافع والمقيّد.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٤٧ ، الخلاف ٤ : ٢٢٤ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٦ ، الاقتصاد : ٢٨٢ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٧٢ ، القاضي في شرح جمل العلم والعمل : ٢٦١ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٥٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٢٩ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٢) في المقنعة : ٢٥٢.

(٣) نسبه إليه في المدارك ٥ : ٢٤٣ ، والمفاتيح ١ : ٢٠٨.

(٤) الانتصار : ٨٢ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٩.

(٥) مصباح المتهجد : ٧٨٩.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ١٨٢.

(٧) الخلاف ٤ : ٢٢٤.

(٨) الصدوق في المقنع : ٥٢ ، والهداية : ٤٣ ، حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ١٨٢ ، الديلمي في المراسم : ١٣٣ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٥٨٠ ، العلامة في التحرير ١ : ٦٩ ، والمختلف : ١٨٢.

(٩) كالشهيد في الدروس ١ : ٢٤٢ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٥١.

٣٠٤

والمرويّ في العلل : ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال : « يعطى المؤمن ثلاثة آلاف » ، ثمَّ قال : « أو عشرة آلاف ، ويعطى الفاجر بقدر ؛ لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة الله ، والفاجر ينفقها في معصية الله » (١).

دليل الأول : الإجماع المنقول المؤيّد بالشّهرة القديمة.

ووجوب تحصيل البراءة اليقينيّة.

والأخبار الناهية عن الركون إلى الظالمين وموادّتهم ومعونتهم وتقويتهم (٢).

والروايات الدالّة على اختصاصها بأهل الولاية ، بناء على خروج غير العدل منهم (٣).

ومضمرة داود الصرمي : عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟

قال : « لا » (٤).

ويردّ الأول : بعدم الحجيّة.

وتوهّم تحقّق المحقّق منه ؛ حيث إنّ المخالف من القدماء بين معتبر للإيمان ، المحتمل لاعتبار العمل فيه ، كما هو مذهب جمع من القدماء ؛ ومعتبر لاجتناب الكبائر ، المحتمل لإرادة الاجتناب عن الإصرار على الصغائر أيضا ؛ ومعتبر لعدم الفسق ، الذي هو العدالة ؛ لانتفاء الواسطة.

فاسد ؛ لأنّ احتمال اعتبار العمل غير كاف في الحكم بالإجماع ، بل يشترط عدم احتمال خلافه.

والمعتبر لاجتناب الكبائر : بين من اعتبر عدم كونه مقيما على كبيرة ،

__________________

(١) العلل : ٣٧٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٤٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٧ : أبواب ما يكتسب به ب ٤٢ و ٤٣ و ٤٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٢١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٥٦٣ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ٥٢ ـ ١٣٨ ، المقنعة : ٢٤٢ ، الوسائل ٩ : ٢٤٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٧ ح ١.

٣٠٥

كالإسكافي ، وظاهر أنّ انتفاء ذلك غير كاف في إثبات العدالة.

وبين من اعتبر عدم كونه من أصحاب الكبائر (١) ، وظاهر أن لا تعلم منه كبيرة ، وانتفاؤه أيضا لا يثبت العدالة ، بل مجرّد اجتناب الكبائر ـ كما في بعض العبارات أيضا ـ غير مستلزم لها ؛ إذ ليست العدالة مجرّد اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر ، كما أن عدم الفسق أيضا لا يستلزمها ؛ إذ الظاهر أنّ مرادهم عدم إعطائها من يعلم فسقه ، كما لا يخفى على من نظر في كلماتهم ، فمجهول الحال واسطة.

مع أنّه صرّح الشيخ في الخلاف بأنّ عدم اشتراط العدالة مذهب قوم من أصحابنا ، وهم غير معروفين عينا وعددا ، فكيف يمكن معه دعوى الإجماع؟! مع أنّ العدالة عند جمع من القدماء : مجرّد ظاهر الإسلام (٢).

ومنه يحصل الخدش في شهرة اشتراط العدالة المطلوبة بين القدماء أيضا.

بل نقول : إنّ الاختلاف في أمر العدالة واضح ، ولا يتّفق كلام اثنين من القدماء على أمر واحد غالبا ، فأيّ معنى من معانيه يمكن إثبات الشهرة أو دعوى الإجماع عليه ، سوى القدر المشترك ، الذي ليس هو أمرا زائدا على ظاهر الإسلام؟! والثاني : بحصول البراءة اليقينيّة بما تقتضيه الإطلاقات.

والثالث : بمنع كون كلّ غير عادل ظالما ، ومنع كون إعطاء الزكاة ركونا بل معونة وتقوية أيضا ، وإنّما هو أداء حقّ منهم ، كردّ وديعته وقرضه. ومنع النهي عن مطلق معونته وتقويته ، وإنّما هو في ظلمة.

والرابع : بمنع اختصاص أهل الولاية بالعدل ، بل صرّح في‌

__________________

(١) انظر : الشرائع ١ : ١٦٣ ، والمفاتيح ١ : ٢٠٨.

(٢) كالشيخ في النهاية : ٥١٠ ، والراوندي في فقه القرآن ٢ : ١٦٥ ، وانظر : المقنعة : ٧٢٥.

٣٠٦

الأخبار بأنّ الشيعة يزني ويسرق (١) ، وما ظاهره خلافه على كمال التشيّع محمول.

والخامس : بأخصّيته من المدّعى أولا ، وعدم القول بالفرق بين شرب الخمر وسائر منافيات العدالة غير ثابت ، بل القول بالفصل كما عرفت متحقّق.

وبعدم دلالته على الحرمة ثانيا ؛ لجواز أن يكون السؤال عن إباحة الإعطاء المستلزمة لتساوي الطرفين ، فيكون النفي للتساوي فيحتمل الكراهة.

وبالضعف ثالثا ؛ لجهالة المسؤول عنه.

واستدلّ السيّد على قوله بالإجماع أيضا (٢). وجوابه قد ظهر.

واحتج للإسكافي بالمضمرة مع ضميمة عدم الفصل (٣). وجوابه ما مرّ.

والقول بالفصل هنا وإن كان أندر ، ولكن ذهب إليه بعض من تأخّر (٤).

هذا ، ثمَّ إنّ موضع الخلاف : غير المؤلّفة والعاملين ؛ لعدم اشتراطها في الأولى إجماعا ـ كما قيل (٥) ـ للأصل ، ومنافاة مفهومها لها ، واشتراطها في الثاني بالإجماع أيضا ، كما عن نهاية الإحكام والدروس وفي الروضة (٦) ورسالة جدّي ـ قدس‌سره ـ وهو ظاهر الذخيرة (٧).

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٩ : ٨٦ أبواب أحكام العشرة ب ١٢٠ ح ١٣ ؛ وفيه : المؤمن ، بدل : الشيعة.

(٢) الانتصار : ٨٢.

(٣) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٥٨٠.

(٤) كصاحب الحدائق ١٢ : ٢٠٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٥٨.

(٥) في الرياض ١ : ٢٨٤.

(٦) نهاية الإحكام ٢ : ٣٩٦ ، الدروس ١ : ٢٤٢ ، والروضة ٢ : ٥٠.

(٧) الذخيرة : ٤٥٧.

٣٠٧

لرواية ابن يقطين : عمّن يلي الصدقة العشر على من لا بأس به؟ فقال : « إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها ، وإن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها في مواضعها » (١) ، ولكنّها مختصّة بالقاسم ، ولا يشمل الجابي.

واستدلّ له أيضا بما في حسنة العجلي من أمر أمير المؤمنين عليه‌السلام مصدّقه بقوله : « فلا توكّل به إلاّ ناصحا شفيقا أمينا حفيظا » (٢).

فإنّ الوثوق ـ كما في الاولى ـ والأمانة ـ كما في الثانية ـ لا يكون إلاّ في العادل ، ولكن في دلالتها على الاشتراط بالوجوب نظر ؛ لاحتمال كون قوله : « لا توكّل » نفيا ؛ مع أنّه لم يعلم كون المورد عاملا ، فلعلّه لحفظ المواشي.

والتحقيق : أنّ عمل العامل وما عومل به إمّا يكون معيّنا مشخّصا يمكن الاطّلاع عليه من غير جهته بسهولة ، فلا دليل على اشتراط العدالة فيه إلاّ أن يثبت الإجماع .. وإن لم يكن كذلك ، تشترط ؛ لأصالة عدم العمل بغير العلم ، خرج قول العدل فيما يخبر به من أمر الجباية ، فيبقى الباقي.

الثالث : عدم وجوب نفقته على المالك.

فلا يجوز له إعطاء زكاته لواجبي النفقة ، وهم الأبوان وإن علوا ، والأولاد وإن نزلوا ، والزوجة الدائمة ، والمملوك ، بلا خلاف يعرف ، بل بالإجماع المحقّق ، والمحكي في التذكرة والمنتهى (٣) وغيرهما (٤) ؛ له ، وللمستفيضة :

كصحيحة البجلي : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب ، والام ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٩ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ٢٨٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٩ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ ـ ٢٧٤ ، الوسائل ٩ : ١٢٩ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

(٣) التذكرة ١ : ٢٣٤ ، المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٤) كما في الرياض ١ : ٢٨٥.

٣٠٨

والولد ، والمملوك ، والمرأة ؛ وذلك أنّهم عيال لازمون له » (١).

ومن التعليل يثبت الحكم في الآباء العلوية والأولاد السفلية ، إن لم نقل بصدق الأب والام والولد عليهم.

وموثّقة إسحاق : فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا احتسب الزكاة عليه؟ قال : « أبوك وأمّك » ، قلت : أبي وأمي؟! قال : « الوالدان والولد » (٢).

وفي رواية الشحّام : في الزكاة : « يعطى منها الأخ والأخت ، والعمّ والعمّة ، والخال والخالة ، ولا يعطى الجدّ ولا الجدّة » (٣).

والمرويّ في العلل والخصال : « خمس لا يعطون الزكاة : الولد ، والوالدان ، والمرأة ، والمملوك ؛ لأنّه يجبر على نفقتهم » (٤).

وموثّقة أبي خديجة : « لا تعط من الزكاة أحدا ممّن تعول » (٥) ، خرج منه غير واجب النفقة بالإجماع ، فيبقى الباقي.

وعدم صراحة بعضها في الحرمة ـ بعد الإجماع ودلالة الموثّقة الأخيرة ـ غير ضائر.

وأمّا روايتا عمران القمّي ومحمّد بن جزك :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٥٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ ـ ١٠١ ، الوسائل ٩ : ٢٤٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ ـ ١٠٠ ، الوسائل ٩ : ٢٤٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٥١ ، الوسائل ٩ : ٢٤٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ٣.

(٤) العلل ٢ : ٣٧١ ـ ١ ، الخصال : ٢٨٨ ـ ٤٥ ، الوسائل ٩ : ٢٤٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ٤.

(٥) التهذيب ٤ : ٥٧ ـ ١٥٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٤ ـ ١٠٣ ، الوسائل ٩ : ٢٤٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٦.

٣٠٩

الأولى : إنّ لي ولدا رجلا ونساء ، أفيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب : « إنّ ذلك جائز لك » (١).

والثانية : أدفع عشر مالي إلى ولد ابني؟ فقال : « نعم ، لا بأس » (٢).

فلا تنافيان ما مرّ ؛ لاحتمال كلّ منهما محامل ..

كاحتمال الأولى لزكاة غير نفسه ، كزكاة أعطيت ليؤدّيها أهله ، أو كانت من غير سهم الفقراء ، بل تكون من سهم العامل أو الغارم ، أو يعطيهم لغير نفقة أنفسهم ، بل لنفقة عيالهم ، كالزوجة والمملوك وغير ذلك ، أو لمصرف آخر يحتاجون إليه غير النفقة ، ككتب العلم أو للتوسعة ، أو يكون المزكّي عاجزا عن تمام الواجب من نفقتهم فسئل عن دفع التتمّة من الزكاة .. فإنّ كلّ ذلك جائز كما يأتي ، ولا يثبت من قوله : شيئا ، أزيد من بعض هذه.

وكاحتمال الثانية لبعض تلك الوجوه ، ولغير الزكاة ، بأنّ أراد أن يتشاور معه في هبة أو وصيّة ولم يكن سؤالا عن الزكاة أصلا ، فإنّه لم تثبت حقيقة للعشر في الزكاة.

فروع :

أ : لو عجز أحد عن إنفاق تمام ما يجب عليه من النفقة لمن تجب عليه نفقته ـ كما إذا عجز عن إدامه أو إكسائه ـ يجوز له إتمامه من زكاته ، على ما صرّح به جماعة (٣) ، بل من غير خلاف يوجد كما قيل (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٥٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٤ ـ ١٠٢ ، الوسائل ٩ : ٢٤٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ١٠ ، الوسائل ٩ : ٢٤٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٤ ، وفيهما : ابنتي ، بدل : ابني.

(٣) منهم الشيخ في التهذيب ٤ : ٥٧ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ١٧٦ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٢١١.

(٤) كما في الرياض ١ : ٢٨٥.

٣١٠

لا للأصل وانتفاء المانع ؛ لوجود المانع الدافع للأصل من بعض الروايات المتقدّمة.

بل لرواية أبي بصير : عن الرجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم ، وهو رجل خفّاف وله عيال كثير ، إله أن يأخذ من الزكاة؟ ـ إلى أن قال ـ : قلت : فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال : « بلى » ، قلت : كيف يصنع؟ قال : « يتوسّع بها على عياله في طعامهم وكسوتهم » (١) الحديث.

وموثّقتي إسحاق وسماعة ، الاولى : رجل له ثمانمائة درهم ، ولابن له مائتا درهم ، وله عشر من العيال ، وهو يقوتهم منها قوتا شديدا ، وليس له حرفة بيده ، إنّما يستبضعها ، فتغيب عنه الأشهر ، ثمَّ يأكل من فضلها ، أترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يسبغ عليهم بها النفقة؟ قال : « نعم » (٢) الحديث.

والثانية : عن الرجل يكون له الدراهم يعمل بها وقد وجب عليه فيها الزكاة ، ويكون فضله الذي يكتسب بماله كفاف عياله لطعامهم وكسوتهم ، ولا يسعهم لأدمهم ، وإنّما هو ما يقوتهم في الطعام والكسوة ، قال : « فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قلّ أو كثر ، فليعطه بعض من تحلّ له الزكاة ، وليعد بما بقي من الزكاة على عياله ، فليشتر بذلك آدامهم وما يصلح لهم من طعامهم في غير إسراف » (٣) الحديث.

والإيراد ـ بأنّ الظاهر من هذه الأخبار أنّها وردت في زكاة مال التجارة المستحبّة دون الواجبة ـ مردود بأنّه لو كان فإنّما هو في الأخيرة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٨ ـ ٥٨ ، الوسائل ٩ : ٢٣٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦١ ـ ٨ ، الوسائل ٩ : ٢٣٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٦٢ ـ ١١ ، الوسائل ٩ : ٢٤٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٢.

٣١١

وأمّا قوله : في ماله ، في الاولى ، و : إذا حضرت الزكاة ، في الثانية ، مطلقان ، غير مختصّين لا صريحا ولا ظاهرا في زكاة التجارة.

وبأنّ الأوليين واردتان في التوسعة دون تتمّة الواجب مردود بأنّ تتمّة الواجب أيضا من التوسعة.

ب : يجوز للمالك التوسعة على عياله الواجبي النفقة من زكاته من غير إسراف ؛ للروايات المذكورة (١).

وهل هو مخصوص بما إذا عجز المزكّي عن التوسعة ، كما في الذخيرة (٢)؟

أو يعمّ ، كما هو ظاهر جماعة (٣)؟

الظاهر هو الأول ؛ لأنّه الظاهر من مورد الروايات ، وشمولها لغيره غير معلوم.

ج : الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة من الزكاة هو ما كان لأجل الفقر ومن سهم الفقراء.

وأمّا من سهم العامل أو الغارم أو في سبيل الله أو المؤلّفة أو في الرقاب أو ابن السبيل ، فيجوز له دفعها إليهم ، على المقطوع به بين الأصحاب ، كما في الذخيرة (٤) ، بل بلا خلاف كما في غيره (٥) ، ونفى عنه الإشكال في الحدائق (٦) ، والريب في غيره (٧).

__________________

(١) في ص : ٣١١.

(٢) الذخيرة : ٤٥٩.

(٣) كما في الدروس ١ : ٢٤٤.

(٤) الذخيرة : ٤٥٩.

(٥) كالمفاتيح ١ : ٢٠٩.

(٦) الحدائق ١٢ : ٢١٥.

(٧) كما في الرياض ١ : ٢٨٥.

٣١٢

وفي المدارك في قضاء دين واجبي النفقة : أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل قال : إنّ ظاهر المعتبر والتذكرة والمنتهى أنّه موضع وفاق بين العلماء (١).

لعموم الآية (٢) ، وللأخبار الدالّة على جواز قضاء دين الأب من سهم الغارمين ، واشتراء الأب من سهم الرقاب ، كما مرّ بعضها في بيان الصنفين (٣).

ورواية عليّ بن يقطين : عندي المال من الزكاة أفأحجّ به مواليّ وأقاربي؟ قال : « نعم ، لا بأس » (٤).

والموالي والأقارب وإن كانوا أعمّ من الواجبي النفقة ، إلاّ أنّ الزكاة الممنوع عنها لهم في رواياته أيضا أعمّ من سهم الفقراء أو في سبيل الله ، فيتعارضان بالعموم من وجه ، ويرجّح المجوّز ؛ لموافقة إطلاق الآية والأصل ، ولو لم يثبت بعض الأصناف من الروايات يتمّ بالإجماع المركّب.

وعلى هذا ، فيجوز لكلّ أحد ولو كان غنيّا ، غايته صرف زكاته في دين واجبي النفقة له ، وزيارتهم ، وحجّهم ، وتعلّمهم ، وسفر تحصيل علمهم ، وكتب علمهم ، وتزويجهم إذا كان راجحا ، ونحو ذلك.

وكذا يجوز صرف الزكاة في غير النفقة الواجبة لواجبي النفقة إذا احتاجوا إليه ، كنفقة الزوجة والمملوك ؛ لفحوى ما يدلّ على جواز التوسعة عليهم منها.

د : يجوز لمن وجبت نفقته على غنيّ أخذ الزكاة من غير من تجب‌

__________________

(١) المدارك ٥ : ٢٢٨.

(٢) التوبة : ٦٠.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٥٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ و ١٩.

(٤) الفقيه ٢ : ١٩ ـ ٣٦ ، الوسائل ٩ : ٢٩٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢ ح ١.

٣١٣

نفقته عليه للتوسعة ، إذا كان من يقوم بنفقته لا يوسّع عليه ، إمّا لعدم سعته أو معها.

أمّا الجواز ، فلصحيحة البجلي : عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفونه مئونته ، أيأخذ من الزكاة ليوسّع به إذا كانوا لا يوسّعون عليه من كلّ ما يحتاج إليه؟ قال : « لا بأس » (١) ، ولصدق الفقير عرفا عليه حينئذ.

وأمّا اشتراط عدم قيامه بتوسعته ، فلعدم صدق الفقير عليه مع القيام ، فإنّ وجوب نفقته على الغير وقيامه بها يخرجه عن صدق الفقير ، فلا مقتضي لجواز أخذه.

خلافا لمن منع الجواز مطلقا ، كالتذكرة (٢) ؛ لعموم « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا » (٣) من غير مخصّص ؛ لاحتمال كون المراد من الصحيحة عدم قيامه بتمام النفقة ، ولصدق الغنيّ عليه ؛ لوجوب نفقته على الغير.

ويضعّف الأول : بأنّ المراد أنّهم لا يعطون من زكاة من تجب عليه نفقتهم بقرينة قوله : « الأب والولد والوالد » ، فإنّه لا يمكن أن يكون المراد أنّ مطلق الأب لا يعطى من الزكاة ، ولو سلّم العموم فيجب التخصيص بالصحيحة ، وحملها على تمام النفقة خلاف الظاهر جدّا ، بل لا يوافق قوله : يكفونه مئونته.

والثاني : بمنع صدق الغنيّ مع عدم قيامه بنفقته ، سيّما بما لا يجب عليه من التوسعة ، ولو سلّم فيخصّص بالصحيحة.

ولمن لم يقيّد الجواز بما ذكر ، بل جوّزه مطلقا ، كالمنتهى والدروس‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦١ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ ـ ٣١٠ ، المقنعة : ٢٦٤ ، الوسائل ٩ : ٢٣٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ١١ ح ١ ؛ في النسخ : أبوه وعمّه وأخوه.

(٢) التذكرة ١ : ٢٣٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٤٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ١.

٣١٤

والبيان (١) ؛ لصدق الفقير. وهو ممنوع مع قيامه بالتوسعة.

وللصحيحة. وهي مقيّدة.

ثمَّ إنّ من جوّز الأخذ مطلقا أو مقيدا خصّ بغير الزوجة والمملوك.

واستدلّ للأولى : بأنّ نفقتها كالعوض من بعضها ، فيكون كذي العقار الذي يستعين بالأجرة.

وللثاني : بأنّه لا يملك شيئا ، بل ماله لمولاه ، فلو اعطي زكاة فكأنّها أعطيت لمولاه الغني.

ويخدش الأول : بعدم معلوميّة كون قدر التوسعة أيضا عوضا للبضع.

والثاني : بأنّه إنّما يتمّ على القول بعدم تملّك العبد شيئا.

ولذا جعل بعضهم المنع في الزوجة الأحوط (٢) ، وتردّد في الذخيرة في المملوك (٣).

إلاّ أن يستدلّ للتخصيص بمنع صدق الفقير مع غناء من تجب عليه نفقتهما ، واستثناء قدر التوسعة كان بالصحيحة ، وهي مخصوصة بالأب ، والتعدّي إلى الغير بالإجماع المركّب المفقود في الموردين ، إلاّ أنّ الشأن في عدم صدق الفقير ، وأمر الاحتياط واضح.

هـ : لو امتنع المنفق من الإنفاق على الواجب نفقته ، قال في الحدائق : يجوز لهم الأخذ من الزكاة قولا واحدا (٤) ، بل قيل : صرّح بذلك جماعة (٥).

ولعلّ الوجه : صدق الفقير عليه مع الامتناع ، واختصاص أدلّة المنع بمن تجب عليه النفقة دون الغير ، وذلك إذا لم يمكن إجبار المنفق على‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥١٩ ، الدروس ١ : ٢٤٢ ، البيان : ٣١١.

(٢) الرياض ١ : ٢٨٥.

(٣) الذخيرة : ٤٥٩.

(٤) الحدائق ١٢ : ٢١٤.

(٥) الرياض ١ : ٢٨٥.

٣١٥

نفقته ظاهر ، وأمّا مع إمكان إجباره مشكل.

إلاّ أن يقال : إنّه يجوز أخذ التوسعة كما مرّ ولا يجبر على التوسعة.

أو يقال : إنّ قبل الإجبار يصدق عليه الفقير ، فما لم يجبر يجوز إعطاؤه من الزكاة.

والاحتياط أن لا يعطى مع إمكان الإجبار ـ أي من يمكنه الإجبار ـ وأمّا من لا يتمكّن منه فيجوز له الإعطاء وإن وجد من يجبر ولم يجبر.

و : لا يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة الناشزة بالإجماع على ما عن المعتبر (١) ؛ لتمكّنها من النفقة في كلّ وقت أرادت بالطاعة ، فلا تدخل في الفقراء ، وكذا المعقود عليها الغير المتمكّنة ؛ لما ذكر.

ويجوز دفعها إلى المتمتع بها ؛ للأصل والإطلاقات.

وربّما قيل : بالمنع ؛ لإطلاق النصّ.

وهو ضعيف غايته ؛ لأنّ النصّ باعتبار ما اشتمل عليه من التعليل في معنى المقيّد بالدائمة ؛ لأنّها العيال اللازم ، وهي التي يجبر على نفقتها.

نعم ، لو شرط أن تكون نفقتها على الزوج منعت ؛ لخروجها به عن صدق الفقير.

ويجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى الزوج مع استحقاقه وإن أنفق عليها منها ؛ لإطلاق الأدلّة وانتفاء المعارض.

وعن الصدوق : المنع منه مطلقا (٢) ، وعن الإسكافي : الجواز ، ولكن لا ينفق منها عليها ولا على ولدها (٣) ، ولم أقف لهما على دليل.

ز : يجوز إعطاء الزكاة لغير واجبي النفقة ممّن يعول ، قريبا كان أو‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٨٢.

(٢) المقنع : ٥٢ ، الهداية : ٤٣.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٨٣.

٣١٦

بعيدا ، بلا خلاف كما في الحدائق (١) ، بل بالإجماع كما في التذكرة والمدارك (٢) ؛ للإطلاقات.

وصدر موثّقة إسحاق المتقدّمة : لي قرابة أنفق على بعضهم ، وأفضّل بعضهم على بعض ، فيأتيني إبّان الزكاة أفأعطيهم منها؟ قال : « يستحقّون لها؟ » قلت : نعم ، قال : « هم أفضل من غيرهم ، أعطهم » (٣).

وبه وبالإجماع يخصّص قوله : « من يعول » ـ في موثّقة أبي خديجة السابقة (٤) ـ بواجبي النفقة.

ح : يجوز إعطاؤها لغير واجبي النفقة من الأقارب بلا خلاف ؛ للإطلاق (٥) ، والمستفيضة ، كموثّقة إسحاق ورواية الشحّام المتقدّمتين (٦) ، وصحيحة أحمد بن حمزة (٧) ، ورواية عليّ بن مهزيار (٨) ، بل هم أفضل من غيرهم ؛ للموثّقة المذكورة ، ورواية الأربعة : أيّ الصدقة أفضل؟ قال : « على ذي الرحم الكاشح » (٩) (١٠) ، وفي مرسلة الفقيه : « لا صدقة وذو رحم محتاج » (١١).

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٢١٤.

(٢) التذكرة ١ : ٢٣٥ ، المدارك ٥ : ٢٤٨.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ ـ ١٠٠ ، الوسائل ٩ : ٢٤٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ٢.

(٤) في ص : ٣٠٩.

(٥) الوسائل ٩ : ٢٤٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥.

(٦) في ص : ٣٠٩.

(٧) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٤ ، الوسائل ٩ : ٢٤٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ١.

(٨) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٥ ، الوسائل ٩ : ٢٤٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ٣.

(٩) الفقيه ٢ : ٣٨ ـ ١٦٥ ، الوسائل ٩ : ٢٤٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ٥.

(١٠) والكاشح : الذي يضمر لك العداوة ـ الصحاح ١ : ٣٩٩.

(١١) الفقيه ٢ : ٣٨ ـ ١٦٦ ، الوسائل ٩ : ٢٥٢ أبواب الصدقة ب ٢٠ ح ٤.

٣١٧

الرابع : أن لا يكون هاشميّا إن كان المزكّي غير هاشمي.

باتّفاق الفريقين (١) ؛ له ، وللمستفيضة من النصوص :

منها صحيحة العيص : « إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوه بأن يستعملهم على صدقات المواشي ، وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله تعالى للعاملين عليها ، فنحن أولى به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني عبد المطلب ، إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم » (٢) الحديث.

وفي صحيحة محمّد وزرارة وأبي بصير : « إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب » (٣).

وصحيحة ابن سنان : « لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ، ولا لنظرائهم من بني هاشم » (٤).

وحسنة المعلّى : « لا تحلّ الصدقة لأحد من ولد العبّاس ، ولا لأحد من ولد عليّ عليه‌السلام ، ولا لنظرائهم من ولد عبد المطّلب » (٥) ، إلى غير ذلك.

وأمّا موثّقة أبي خديجة : « أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم ، فإنّها تحلّ لهم ، وإنّما تحرم على النبيّ وعلى الإمام الذي بعده وعلى الأئمّة » (٦).

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٢ : ٥١٧ ، نيل الأوطار ٤ : ٢٤٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٦ ، الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٥٩ ـ ١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٩ ، الوسائل ٩ : ٢٦٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٣.

(٥) التهذيب ٩ : ١٥٨ ـ ٦٥١ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٨ أبواب أحكام الهبات ب ٦ ح ٤ ، ( وفيه صدر الحديث ).

(٦) الكافي ٤ : ٥٩ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ١٩ ـ ٤٠ ، التهذيب ٤ : ٦٠ ـ ١٦١ ، الاستبصار ٢ :

٣١٨

فشاذّة مطروحة ، أو على حال الضرورة أو الصدقات المندوبة محمولة ، ولا يضطرّ النبيّ والإمام إليها ؛ مع أنّ المخاطبين غير معلومين ، فلعلّهم من بني هاشم .. ويمكن عدم حلّية صدقاتهم للنبيّ والإمام أيضا.

وإن كان المزكّي هاشميّا ، لا يشترط له دفع زكاته إلى غير الهاشمي ، بل يجوز له دفعها إلى مثله ؛ بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ مستفيضا (١) ، والنصوص المرويّة مستفيضة (٢).

وكذا يجوز دفعها إليه عند اضطراره ، لافتقاره وعدم كفاية الخمس له ؛ للإجماع ، وإباحة المحظورات عند الضرورات.

وموثّقة زرارة : « والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلاّ أن لا يجد شيئا ، ويكون ممّن تحلّ له الميتة » (٣).

وهل يتقدّر القدر المدفوع إليه حينئذ بقدر الضرورة ، أم لا؟

فعن الشيخ والمنتهى والتحرير والنهاية والبيان والدروس (٤) وجمع من المتأخّرين (٥) : الأول ؛ لأنّ الضرورة تقدّر بقدرها ، ولأنّه المفهوم من الموثّقة.

وفيه نظر ؛ لأنّها تدلّ على أنّه إذا كان ممّن تحلّ له الميتة تحلّ له‌

__________________

٣٦ ـ ١١٠ ، الوسائل ٩ : ٢٦٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٥.

(١) انظر الخلاف ٤ : ٢٤٠ ، والمنتهى ١ : ٥٢٤ ، والرياض ١ : ٢٨٥.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٧٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٩ ـ ١٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٦ ـ ١١١ ، الوسائل ٩ : ٢٧٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٣ : ح ١.

(٤) الشيخ في التهذيب ٤ : ٥٩ ، والاستبصار ٢ : ٣٦ ، والمبسوط ٦ : ٢٨٥ ، المنتهى ١ : ٥٢٦ ، التحرير ١ : ٦٩ ، نهاية الإحكام ٢ : ٣٩٩ ، البيان : ٣١٦ ، الدروس ١ : ٢٤٣.

(٥) كالشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٥٢ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٥٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٦١.

٣١٩

الصدقة ، لا على أنّه تحلّ له من الصدقة ما تحلّ من الميتة.

وعن المختلف والسيّدين والشرائع والنافع (١) ـ بل الأكثر كما في الأول ـ : الثاني ؛ للأخبار الدالّة على جواز إعطائها إلى أن يحصل الغنى (٢).

وفيها : أنّ المتبادر منها غير المسألة.

والأولى أن يستدلّ له بالأصل ؛ لأنّ الاستثناء في الموثّقة خصّص أخبار حرمة الصدقة على الهاشميّ فارتفع في حقّه المانع ، والأصل عدم التقدير ، فهو الأظهر ؛ لذلك.

ثمَّ اختلف المقدّرون في قدر الضرورة ، فعن كشف الرموز : أنّه ما يسدّ الرمق (٣).

وعن المهذّب والمسالك وحواشي النافع للشهيد الثاني : أنّه قوت يوم وليلة (٤).

وقيل : إنّه قوت السنة له ولعياله الواجبي النفقة.

وعن المحقّق الشيخ عليّ في حواشي الشرائع والإرشاد : أنّه قوت اليوم والليلة ، إلاّ مع توقّع ضرر الحاجة إن لم يدفع إليه قوت السنة ، فيدفع إليه.

وعنه في حواشي القواعد عكس ذلك ، فيدفع إليه قوت السنة ، إلاّ أن يرجى حصول الخمس في أثناء السنة ، فيعطى تدريجا (٥).

والاقتصار على القدر المجمع عليه إن قلنا بالتقدير يقتضي المصير‌

__________________

(١) المختلف : ١٨٥ ، السيد في الانتصار : ٨٥ ، والجمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٧٩ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، الشرائع ١ : ١٦٣ ، النافع : ٦٠.

(٢) انظر : الوسائل ٩ : ٢٧٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٣.

(٣) كشف الرموز ١ : ٢٥٨.

(٤) المهذب البارع ١ : ٥٣٦ ، المسالك ١ : ٦١.

(٥) جامع المقاصد ٣ : ٣٣.

٣٢٠