مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

ولا يوجب ذلك التعميم وهنا في الرواية ولا ضعف السند ؛ لاعتبار الرواية ، ولكن ـ لإمكان التكفير عن سهم الغارمين وسبيل الله ، وعدم وجوب البسط ـ لا يهمّ الكلام أكثر من ذلك في المقام.

فرع : مقتضى موثّقة عبيد وصحيحة العلل المتقدّمتين : أنّ ميراث العبد المبتاع من الزكاة لأرباب الزكاة ، كما هو المشهور بين أصحابنا ، كما صرّح به جماعة من المتأخّرين (١) ، بل عزاه في الانتصار والمعتبر والمنتهى إلى علمائنا مؤذنين بدعوى الإجماع عليه (٢) ، بل ادّعى جدّي في الرسالة الإجماع عليه.

وهو الأقوى ؛ للروايتين السالمتين عن المعارض.

خلافا لمن جعله للإمام ، كالفاضل في القواعد (٣) وولده في الشرح (٤) ، أو توقّف كما في المختلف والإرشاد (٥) ؛ لأنّ الإمام وارث من لا وارث له.

وفيه : أنّ الوارث هنا موجود بالنصّ ، وضعفه ممنوع ، ولو سلّم فبما مرّ مجبور.

ولمن فصّل بين ما لو اشتري لعدم المستحقّ ، فالأول ؛ لأنّه يكون مصروفا من حقّ الفقراء ، وبين ما لو اشتري من سهم ( الرِّقابِ ) كالعبد تحت الشدّة ، فللإمام ؛ لأنّه لم يشتر بمالهم ، كالشهيد والمقداد (٦).

وهو اجتهاد في مقابلة النصّ.

__________________

(١) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٥٨٩ ، الشهيد في البيان : ٣١٩ ، ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ١ : ٥٣٨.

(٢) الانتصار : ٨٥ ، المعتبر ٢ : ٥٨٩ ، المنتهى ١ : ٥٣١.

(٣) القواعد ١ : ٥٩.

(٤) الإيضاح ١ : ٢٠٧.

(٥) المختلف : ١٩١ ، الإرشاد ١ : ٢٩٠.

(٦) الشهيد في الدروس ١ : ٢٤٤ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٣٢٧.

٢٨١

ودعوى إشعار التعليل بالأول مردودة بأنّ الظاهر من الموثّقة وقوع الشراء بجميع الزكاة لا بسهم مخصوص منها ، والمراد من التعليل : أنّه اشتري بمال يسوغ صرفه إليهم.

ثمَّ هل الميراث للفقراء ، كما هو صريح الموثّقة ، وبه عبّر المفيد (١)؟

أو أرباب الزكاة ، كما هو مقتضى الصحيحة ، وبه عبّر الأكثر ، بل أرجع إليه قول المفيد في المختلف (٢)؟

كلّ محتمل ، وإن كان الثاني أظهر.

والأحوط صرفه إلى الفقراء ؛ للخروج به عن العهدة على جميع الأقوال في زمن الغيبة قطعا.

الصنف السادس : الغارمون.

وهم : المدينون عرفا ولغة وشرعا ، إجماعا وسنّة ، ولا خلاف في إسهامهم في الزكاة ، كما صرّح به جماعة ، منهم : المبسوط والمعتبر والتذكرة (٣) ، بل هو إجماعيّ ، كما في المنتهى والغنية والتذكرة والمدارك والذخيرة (٤) ، وغيرها (٥).

ويدلّ عليه ـ مع الإجماع ـ الكتاب ، والسنّة ، كموثّقة إسحاق : عن رجل على أبيه دين ولابنه مئونة أيعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال : « نعم ، ومن أحقّ من أبيه؟! » (٦).

__________________

(١) المقنعة : ٢٥٩.

(٢) المختلف : ١٩١.

(٣) المبسوط ١ : ٢٥١ ، المعتبر ٢ : ٥٧٥ ، التذكرة ١ : ٢٣٣.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، التذكرة ١ : ٢٣٣ ، المدارك ٥ : ٢٢٢ ، الذخيرة : ٤٥٥.

(٥) كالرياض ١ : ٢٨١.

(٦) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٥٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ٢.

٢٨٢

ورواية موسى بن بكر : « من طلب الرزق من حلّه ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله ، فإن غلب عليه فليستدن على الله تعالى وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه ، فإن لم يقضه كان عليه وزره ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) إلى قوله ( وَالْغارِمِينَ ) ، وهو : فقير مسكين مغروم » (١).

وصحيحة البجلي : عن رجل عارف فاضل توفّي وترك عليه دينا قد ابتلي به ، لم يكن بمفسد ولا مسرف ولا معروف بالمسألة ، فهل يقضى عنه من الزكاة الألف والألفان؟ قال : « نعم » (٢).

ورواية أبي نجاد ، وفيها ـ بعد السؤال عن قوله سبحانه ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ ) (٣) ، وعن حدّ النظرة ـ قال : « يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عزّ وجلّ ، فإن كان أنفقه في معصية الله فلا شي‌ء له على الإمام » ، قلت : فما لهذا الرجل الذي ائتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه ، في طاعة الله عزّ وجلّ ، أم في معصيته؟ قال : « يسعى له في ماله فيردّه عليه وهو صاغر » (٤).

ورواية صبّاح بن سيابة : « أيّما مؤمن أو مسلم مات فترك دينا لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه ، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) ، الآية ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٩٣ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ١٨٤ ـ ٣٨١ ، قرب الإسناد : ٣٤٠ ـ ١٢٤٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٣٥ أبواب الدين والقرض ب ٩ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٩ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٢ ـ ٢٨٨ ، الوسائل ٩ : ٢٩٥ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٤٦ ح ١.

(٣) البقرة : ٢٨٠.

(٤) الكافي ٥ : ٩٣ ـ ٥ ، التهذيب ٦ : ١٨٥ ـ ٣٨٥ ، تفسير العياشي ١ : ١٥٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٣٦ أبواب الدين والقرض ب ٩ ح ٣.

٢٨٣

فهو من الغارمين ، وله سهم عند الإمام » (١).

وحسنة زرارة : رجل حلّت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين ، أيؤدّي زكاته في دين أبيه وللابن مال كثير؟ قال : « إن كان أبوه أورثه مالا ثمَّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث ولم يقضه من زكاته ، وإن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه ، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه » (٢).

والمرويّ في تفسير عليّ : « والغارمين : قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف ، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم ، ويفكّهم من مال الصدقات » (٣).

وفي قرب الإسناد : « يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة دينهم كلّهم ما بلغ إذا استدانوا في غير إسراف » (٤).

فروع :

أ : الغارم إمّا يتمكّن من قضاء دينه في الحال ، أو لا.

والأول على ثلاثة أقسام : لأنّه إمّا ليس بفقير ، ولا يصير مع الأداء فقيرا أيضا.

أو ليس بفقير ، ويصير معه فقيرا ، بأن يقضي من قوت سنته أو من رأس ماله الذي من نمائه قوت السنة.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ : ٩٤ ـ ٧٨ ، مستدرك الوسائل ٧ : ١٢٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٧ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٥٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ١.

(٣) تفسير القمي ١ : ٢٩٩ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧.

(٤) قرب الإسناد : ١٠٩ ـ ٣٧٤ وفيه : كلّه ، بدل : كلّهم ، الوسائل ٩ : ٢٦١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ١٠.

٢٨٤

أو فقير ، كمن عنده قوت ستّة أشهر ، وعليه الدين بقدر قوت ثلاثة أشهر.

والثاني على قسمين : لأنّه إما ليس بفقير ـ كالمحترف الذي يحترف كلّ يوم بقدر قوته ، أو مالك قوت سنته وزيادة الدين عليه كثيرا ـ أو فقير.

لا شكّ في عدم إسهام الأول في الزكاة ؛ للإجماع القطعي عليه ، وكذا لا شكّ في إسهام الخامس ؛ للإجماع ، والآية ، والأخبار.

وإنّما الكلام في البواقي : أمّا الثاني منها ، فاستقرب الفاضل في النهاية جواز الدفع إليه (١). وظاهر من اشترط العجز عن الأداء ـ كالمبسوط والتذكرة (٢) ـ أو الفقر ـ كالوسيلة والسرائر والغنية والمعتبر والمنتهى (٣) ـ عدم الجواز.

وأمّا الثالث ، فظاهر كلّ من اكتفى باشتراط الفقر ـ كالمذكورين ـ جواز الدفع ، وظاهر كلّ من اشترط العجز عن الأداء وعدم التمكّن من القضاء عدمه.

وأمّا الرابع ، فعكس الثالث.

والحقّ في الكلّ : جواز الدفع ؛ لإطلاق الآية (٤) ، والموثّقة (٥) ، والمرويّين في تفسير عليّ وقرب الإسناد من غير مقيّد ، بل ظاهر الآية عدم اشتراط الفقر في جواز الدفع ؛ لجعلها الغارمين قسيم الفقراء.

خلافا في كلّ منها لمن ذكر ؛ ولا دليل لهم سوى ما قيل في اشتراط‌

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ٣٩١.

(٢) المبسوط ١ : ٢٥١ ، التذكرة ١ : ٢٣٣.

(٣) الوسيلة : ١٢٩ ، السرائر ١ : ٤٥٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، المعتبر ٢ : ٥٧٦ ، المنتهى ١ : ٥٢١.

(٤) التوبة : ٦٠.

(٥) المتقدّمة في ص : ٢٨٢.

٢٨٥

العجز عن الأداء : من أنّ الزكاة إنّما شرّعت لسد الخلّة ورفع الحاجة ، ولا حاجة مع التمكّن من الأداء (١). وما في الحدائق : من أنّه مقتضى الأخبار الواردة في إسهام الغارمين من الزكاة (٢).

وفي اشتراط الفقر ، من نفي الخلاف عنه في السرائر (٣) ، ودعوى الإجماع ظاهرا في التذكرة (٤) ، والتنصيص في المستفيضة ، كصحيحتي ابن وهب (٥) وزرارة (٦) ، ومرسلة الفقيه (٧) ، ورواية الغنوي : « أنّه لا تصلح الصدقة لغنيّ ومحترف » (٨).

وفي الكلّ نظر :

أمّا الأول ، فلأنّ المسلّم منه إنّما هو في سهم الفقراء والمساكين وأبناء السبيل ، وأمّا البواقي فلا نسلّم أنّ التشريع لما ذكر.

وأمّا الثاني ، فلأنّه إن أريد أنّ مقتضى الأخبار التقييد والاشتراط فهو ممنوع جدّا ، بل لا دلالة في رواية عليهما أصلا.

وإن أريد أنّ موردها المقيّد ، فلو سلّم فيكفي عموم الآية ؛ مع أنّ كثيرا من الأخبار أيضا مطلقة كما ذكرنا.

وأمّا الثالث ، فلمنع الحجيّة.

وأمّا الرابع ، فلتعارضه مع الموثّقة والمرويّين بالعموم من وجه ؛

__________________

(١) انظر : المدارك ٥ : ٢٢٣.

(٢) الحدائق ١٢ : ١٩٠.

(٣) السرائر ١ : ٤٥٩.

(٤) التذكرة ١ : ٢٣٣.

(٥) الكافي ٣ : ٥٦٢ ـ ١٢ ، الوسائل ٩ : ٢٣١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ٢ ، المقنعة : ٢٤١ ، الوسائل ٩ : ٢٣١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٢.

(٧) الفقيه ٣ : ١٠٩ ـ ٤٥٨ ، الوسائل ٩ : ٢٣٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٥.

(٨) التهذيب ٤ : ٥١ ـ ١٣٠ ، الوسائل ٩ : ٢٣٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ٤.

٢٨٦

لأعميّة الغني عن المديون وغيره ، والصدقة عن سهم الفقراء وغيره ، كأعميّة المديون عن الفقير وغيره ، والترجيح للموثّقة وما يوافقها بموافقة ظاهر الكتاب ، الذي هو من المرجحات المنصوصة ؛ مع أنّ الغني لغة : من لا احتياج له ، ولا نسلّم أنّ المديون بأقسامه الثلاثة لا احتياج له ، سيّما القسمين الثالث والرابع.

وها هنا قسم سادس ، وهو من لم يتمكّن من القضاء حالا وتمكّن بعد حين ، كمن عليه دين معجّل وله دين مؤجّل لا يمكن له أخذه قبل أجله ، أو له غلّة لم يبلغ أوانها ، فهل يجوز دفع الزكاة إليه؟ نعم ؛ للإطلاقات المتقدّمة ، وإخراج المتمكّن إنّما هو بالإجماع الغير المعلوم هنا.

ثمَّ إنّ ما ذكر من اشتراطهم الفقر إنّما هو في من استدان لمصلحة نفسه.

وأمّا من استدان لمصلحة غيره ـ كإصلاح ذات البين ، أو إطفاء الفتنة ، كمن استدان في دم لم يوجد قاتله ، أو تلف لا يعلم تالفه وكادت أن تقع بسببه فتنة ، أو من ضمن معسرا ، ونحو ذلك ـ فظاهر الأكثر : عدم اشتراط العجز والفقر (١) ، وهو كذلك ؛ للعموم السالم عن المعارض.

ب : الغارم إمّا تكون استدانته في غير معصية ، أو تكون في معصية. أو يجهل الحال.

فالأول : يقضى دينه من الزكاة إجماعا محقّقا ، ومحكيّا (٢).

والثاني : لا يقضى على الأظهر الأشهر ، بل ظاهر جماعة الإجماع عليه (٣) ؛ للروايات الأربع الأخيرة (٤) ، وبها يقيّد إطلاق الآية وبعض الأخبار.

__________________

(١) كما في المبسوط ١ : ٢٥١ ، والتذكرة ١ : ٢٣٣ ، والرياض ١ : ٢٨١.

(٢) كما في المنتهى ١ : ٥٢١.

(٣) كما في المنتهى ١ : ٥٢١ ، والرياض ١ : ٢٨١.

(٤) الظاهر أنّها : صحيحة البجلي ورواية أبي نجاد المتقدّمتان في ص : ٢٨٣‌

٢٨٧

خلافا للمحكيّ عن المعتبر (١) ، وبعض من عنه تأخّر (٢) ، فجوّز الدفع إليه بعد التوبة ؛ للإطلاق المذكور ، وضعف المخصّص.

والضعف ممنوع ، ولو سلّم فبالشهرة وحكاية الإجماع مجبور.

ثمَّ ظاهر بعض تلك الأخبار وإن كان اشتراط الإنفاق في الطاعة ، ولازمه عدم القضاء إذا أنفقه في المباحات ، إلاّ أنّ الظاهر الإجماع على القضاء معه أيضا ، بل الظاهر أنّ المراد بالطاعة غير المعصية ، كما يشعر به الحصر في القسمين في رواية أبي نجاد (٣).

والثالث : كالأول أيضا على الأظهر ، وفاقا للمبسوط والسرائر والفاضلين (٤) ، وغيرهما من المتأخّرين (٥) ، بل يظهر من بعضهم إجماعيّته أيضا (٦) ؛ للإطلاقات ، خرج منها المصروف في المعصية بما مرّ ، فبقي الباقي.

خلافا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية (٧) ؛ لذيل رواية أبي نجاد ، ولاشتراط القضاء بالإنفاق في الطاعة ، وحيث جهل الشرط لم يثبت المشروط.

ويردّ الأول : بالضعف ؛ لمخالفة الشهرتين ، بل لا عامل بها سوى الشيخ في النهاية ، وهو أيضا رجع عنه في المبسوط (٨) ، بل قيل بعدم دلالتها‌

__________________

والروايتان المذكورتان في تفسيري القمّي والعيّاشي ، المتقدمتان في ص : ٢٨٣ و ٢٨٤.

(١) المعتبر ٢ : ٥٧٥.

(٢) كصاحب المدارك ٥ : ٢٢٤.

(٣) المتقدّمة في ص : ٢٨٣.

(٤) المبسوط ١ : ٢٥١ ، السرائر ٢ : ٣٤ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٥٧٦ ، والنافع ١ : ٥٩ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٢٣٣ ، والمنتهى ١ : ٥٢١.

(٥) كالشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٤٧.

(٦) كما في الرياض ١ : ٢٨١.

(٧) النهاية : ١٨٤.

(٨) المبسوط ١ : ٢٥١.

٢٨٨

أيضا (١).

والثاني : بأنّ الشرط عدم العلم بالصرف في المعصية ، وهو حاصل ، والألفاظ وإن كانت أسامي للمعاني النفس الأمريّة ، إلاّ أنّها تقيّد في مقام التكاليف بالعلم ، فمعنى قوله : « وإذا كان أنفقه في معصية الله » : أنّه وإذا علم أنّه كان كذلك .. ثمَّ بمفهوم ذلك يعارض منطوق قوله : « إذا كان أنفقه في طاعة الله » وما بمعناه ، وتسلم الإطلاقات عن المقيّد المعلوم.

ج : يجوز للمزكّي دفع زكاته إلى ربّ الدين من غير إقباض للمديون ولا إذن له في قبضها ، كما نصّ عليه الفاضل والشهيد (٢) ؛ للإطلاقات.

وكذا يجوز دفعها إلى المديون بدون إذن صاحب الدين ؛ لصدق الغارم عليه.

الصنف السابع : في سبيل الله.

بالإجماع ، والكتاب ، والسنّة ، والمراد به : ما يشمل جميع القرب والخيرات والمصالح للمسلمين وإقامة نظام العلم والدين ، وفاقا للخلاف والمبسوط وابن حمزة والحلبي والحلّي وابن زهرة والفاضلين والشهيدين (٣) ، وسائر المتأخّرين (٤) ، بل للمشهور كما صرّح به جماعة (٥) ،

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ١٩٣.

(٢) الفاضل في التذكرة ١ : ٢٣٣ ، الشهيد في الدروس ١ : ٢٤١.

(٣) الخلاف ٤ : ٢٣٦ ، المبسوط ١ : ٢٥٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٢٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٧٥ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٥٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٥٧٧ ، والشرائع ١ : ١٦٢ ، العلاّمة في المنتهى ١ : ٥٢٢ ، والتحرير ١ : ٦٩ ، الشهيد الأوّل في البيان : ٣١٥ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٤٩ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٤٩.

(٤) كما في المدارك ٥ : ٢٣١ ، والذخيرة : ٤٥٦ ، والرياض ١ : ٢٨٢.

(٥) كصاحب الحدائق ١٢ : ١٩٩ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٨٢.

٢٨٩

بل عن الخلاف والغنية وظاهر المجمع : الإجماع عليه (١).

لظاهر عموم الآية ـ وإن لا يخلو عن المناقشة ـ وللمرويّ في تفسير عليّ ، المذكور في التهذيب أيضا عنه ، قال : « وفي سبيل الله : قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما يتقوون به ، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به ، أو في جميع سبل الخير » (٢) ، وضعفه ـ إن كان ـ منجبر بما مرّ.

ويدلّ عليه أيضا ما دلّ على جواز صرف الزكاة في الحجّ بضميمة عدم القول بالفصل ، كصحيحة عليّ بن يقطين (٣) ، والمرويّ عن جميل في مستطرفات السرائر (٤).

وعن المقنعة والنهاية والفقيه والإشارة والديلمي : اختصاصه بالجهاد (٥) ؛ لأنّه المتيقّن ، وأنّه المتبادر من سبيل الله.

ويردّ الأول : بثبوت غيره أيضا بما مرّ. والثاني : بمنع التبادر.

وأمّا ما في رواية يونس بن يعقوب ـ بعد السؤال عن وصيّة رجل من همدان عامي بإعطاء شي‌ء في سبيل الله ـ من الأمر بصرفه إلى من يخرج إلى بعض الثغور (٦) ، فلا دلالة فيه على الانحصار مطلقا ؛ مع أنّ الوصيّة إنّما تنصرف إلى قصد الموصي ، والظاهر أنّه أراد هذا المصرف ؛ لأنّ أكثر العامّة‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٢٣٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، مجمع البيان ٣ : ٤٢.

(٢) تفسير القمي ١ : ٢٩٩ ، التهذيب ٤ : ٤٩ ـ ١٢٩ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧.

(٣) الفقيه ٢ : ١٩ ـ ٦١ ، الوسائل ٦ : ٢٩٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢ ح ١.

(٤) مستطرفات السرائر : ٣٣ ـ ٣٥ ، الوسائل ٩ : ٢٩١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢ ح ٤.

(٥) المقنعة : ٢٤١ ، النهاية : ١٨٤ ، الفقيه ٢ : ٣ ، الإشارة : ١١٢ ، الديلمي في المراسم : ١٣٣.

(٦) الكافي ٧ : ١٤ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٠٢ ـ ٨٠٥ ، الوسائل ١٩ : ٣٤١ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٣ ح ٤.

٢٩٠

يفسّرون سبيل الله به (١).

فروع :

أ : إذا اعطي هذا السهم إلى شخص ليحجّ أو يزور أو يعلّم أو يتعلّم أو نحو ذلك ، فهل يعتبر فيه الفقر ، أو عدم التمكّن من العمل المقصود بدونه ، أو لا يعتبر فيه شي‌ء منهما؟

الظاهر : الثاني ، كما اختاره جدّي الأمجد ـ قدس‌سره ـ في الرسالة.

أمّا عدم اشتراط الفقر ، فلإطلاق الآية ، ولو بضميمة تفسيرها في المرسلة ، بل للتفصيل فيها القاطع للشركة ، ولإطلاق الأخبار المجوّزة لصرف الزكاة في الحجّ (٢) ، وبه يعارض ما دلّ على عدم حلّية الصدقة لغني (٣) ، ويرجّح الإطلاق ؛ لموافقة الآية ولو بضميمة التفسير.

وأمّا اشتراط عدم التمكّن ، فللتقييد به في المرسلة التي هي للآية مفسّرة ، فتقيّد بها الآية ، ولا يفيد الإطلاق المذكور هنا ؛ لعدم المرجّح ، وكون الأصل مع عدم مشروعيّة الإعطاء.

ب : لو كتب من هذا السهم مصحفا أو كتابا أو بنى حمّاما أو رباطا أو نحو ذلك ، يشترك فيه المؤمنون جميعا ، ويجوز لهم الانتفاع به كسائر المصالح العامّة.

ولا يملكه المزكّي ولا يجوز له تملّكه ، لعدم ملكيّة الزكاة له ، بل لا يجوز له تمليكه للغير ولو لفقير إذا كتبه أو بناه بقصد الصرف في سبيل الله ؛ لأنّ المكتوب والمبنيّ ليس ملكا له حتى يملّكه غيره.

__________________

(١) كما في بداية المجتهد ١ : ٢٧٧ ، الأم للشافعي ٢ : ٧٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٦.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٩٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٣١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٨.

٢٩١

نعم ، لو فعله أولا لنفسه جاز تمليكه فقيرا من الزكاة.

ومنه يظهر عدم جواز وقفه لطائفة أو بشرائط بعد كون الفعل أولا بقصد صرف الزكاة في سبيل الله ، ولو كتب لنفسه جاز الوقف بعده من الزكاة.

ج : يجوز شراء الكتب وإجراء القنوات ونحوها ، ووقفها من هذا السهم على المؤمنين ، وعلى طائفة خاصّة منهم ، كأهل بلد أو قرية أو محلّة ، أو على قبيلة ، أو على أقاربه ، بل على أولاده مع قصد القربة ؛ لصدق سبيل الخير.

د : من سبيل الخير في زمن الغيبة : الغزاة مع أعداء الدين إذا دهموا المسلمين ، وخيف منهم عليهم أو على بيضة الإسلام ، فيعطون من هذا السهم.

والظاهر اعتبار احتياج الغزاة إليه ولو في الغزو خاصّة دون مئونة السنة ، أو توقّف إنهاضهم على الغزو عليه ؛ مع احتمال عدم اعتبارهما أيضا ، كما إذا تمكّن أحد من شراء السلاح من ماله ، وأراد الشراء أيضا ، فأعطاه أحد من زكاته ؛ لصدق سبيل الخير.

والأحوط الترك حينئذ.

الصنف الثامن : ابن السبيل.

بالأدلّة الثلاثة ، وهو المسافر الذي احتاج في السفر ولم يكن له ما يبلغه إلى وطنه وإن كان غنيا في بلده ، إذا كان بحيث يعجز عن التصرّف في أموال في السفر ببيع ونحوه وعن الاستدانة ، وفاقا للأكثر (١).

لأنّه القدر المقطوع به من ابن السبيل ، فيبقى غيره تحت الأصل ، وللمرويّ في تفسير عليّ ـ المنجبر بالعمل ـ : « وابن السبيل : أبناء الطريق‌

__________________

(١) كالشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٤٩ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٤٩.

٢٩٢

الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله ، فيقطع عليهم ، ويذهب مالهم ، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات » (١).

خلافا لمن لم يذكر الشرط ، فلم يعتبر العجز عن التصرّف في أموال بلده مطلقا ، كبعضهم (٢) ، أو لم يعتبر العجز عن الاستدانة خاصّة ، كبعض آخر (٣) ؛ لعموم الآية والخبر.

ويجاب : بمنع العموم ؛ لأنّ ابن السبيل مجاز فيما يراد به في الآية ، ومجازه غير متعيّن ، فلعلّه الذي لم يتمكّن من كفايته في السفر مطلقا ولو ببيع أو استدانة.

وكذا قوله في الخبر : « فيقطع عليهم » فإنّ في معناه إجمالا ، فلعلّه ما يتضمّن عدم التمكّن المذكور ، مع أنّ الغنيّ المتمكّن من الاعتياض والاستدانة في السفر غنيّ لغة وعرفا ، فيدخل في الأخبار المصرّحة بعدم حلّية الصدقة لغني ، ويعارض بها الخبر.

ولمن لم يعتبر الكون في السفر ، بل جعله أعمّ منه ومن المريد للسفر ، كالإسكافي (٤) ؛ لحجّة ضعيفة مخالفة للخبر المذكور المنجبر.

ثمَّ إنّ منهم من ألحق الضيف بابن السبيل (٥).

فإن أرادوا منه المسافر المحتاج النازل عليك ، فهو داخل في ابن السبيل بالمعنى المذكور.

وإن أرادوا الأعمّ من المسافر أو المحتاج ، فلا دليل عليه ، سوى ما‌

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٢٩٩ ، التهذيب ٤ : ٤٩ ـ ١٢٩ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧.

(٢) انظر : الرياض ١ : ٢٨٣.

(٣) كما في المعتبر ٢ : ٥٧٨ ، والمدارك ٥ : ٢٣٦ ، والذخيرة : ٤٥٧.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٨٢.

(٥) كما في المعتبر ٢ : ٥٧٨ ، والبيان : ٣١٥.

٢٩٣

قيل من وجود رواية دالّة عليه (١).

وضعفها ـ الخالي عن الانجبار ، بل الوهن باعتبار عدم فتوى الناقل لها بظاهرها كما قيل (٢) ـ يمنع من العمل بها ؛ مع أنّ الظاهر من الرواية ـ على ما في الغنية ـ اعتبار السفر والحاجة في الضيف (٣) ، فيكون من أفراد ما ذكر.

فروع :

أ : يشترط في جواز إعطاء الزكاة ابن السبيل كون سفره غير معصية ، بلا خلاف كما قيل (٤) ، بل بالإجماع ظاهرا ؛ للخبر المذكور.

بل ظاهره اشتراط كون السفر طاعة ، كما هو ظاهر الإسكافي (٥).

ولو لا ظهور الإجماع على خلافه لاتّجه القول به ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ خلافه إجماعي ، وادّعى عليه الإجماع جماعة ، منهم جدّي ـ قدس‌سره ـ في الرسالة ؛ مع أنّ استعمال الطاعة في مقابل المعصية شائع.

والشرط إباحة السفر حين الإعطاء ، فلو أنشأ السفر عاصيا ثمَّ رجع عن المعصية لم يمنع.

ب : لا يمنع الإعطاء نيّة إقامة العشرة ؛ للاستصحاب ، وعدم زوال صدق الاسم.

وعن الشيخ : المنع ؛ للخروج عن اسم المسافر (٦). وفيه منع ظاهر.

ج : يعطى ابن السبيل ما يكفيه لذهابه وعوده إن قصد غير بلده ، وما‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٨٣.

(٢) في المبسوط ١ : ٢٥٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٤) في المدارك ٥ : ٢٣٦.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ١٨٢.

(٦) المبسوط ١ : ٢٥٧.

٢٩٤

يكفيه لوصوله بلده إن قصده ، أو إلى موضع يتمكّن فيه من البيع أو الاستدانة.

ولا يعطى الأزيد ؛ لعدم دليل عليه ، فإنّ قدر الوصول يقيني ، ومدلول عليه بالخبر ، والزائد مشكوك فيه ، فينفى بالأصل ، فلو اعطي الزائد استعيد منه.

ولو استفضل من قدر الكفاية بالتقتير أو نحوه ، قيل : يستعاد (١) ، وقيل : لا (٢) ، وللنظر في كلّ منهما مجال ، وإن كان الأحوط الأول.

وكذا إذا حصل التمكّن والغناء في أثناء السفر.

__________________

(١) كما في المبسوط ١ : ٢٥٣ ، والمعتبر ٢ : ٥٧٩ ، والمنتهى ١ : ٥٢٨ ، والدروس ١ : ٢٤٢.

(٢) الخلاف ٤ : ٢٣٥.

٢٩٥

الفصل الثاني

في أوصاف المستحقّين

وهي أمور :

الأول : الإيمان.

أي الإسلام مع معرفة الأئمّة الاثني عشر ، فلا يجوز دفع الزكاة إلى غير المؤمن ، بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة (١) ، بل بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ كما عن الانتصار والغنية والمنتهى وفي الحدائق (٢) ؛ له ، وللمستفيضة من النصوص :

كموثّقة زرارة ومحمّد : « الزكاة لأهل الولاية » (٣).

وصحيحة عليّ بن بلال : هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب : « لا تعط الصدقة والزكاة إلاّ أصحابك » (٤).

وصحيحة العجلي ، وفيها : « كلّ عمل عمله وهو في حالة نصبه وضلالته ثمَّ منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة ، فإنّه يعيدها ؛ لأنّه وضعها في غير موضعها ؛ لأنّها لأهل الولاية » (٥) ، وقريبة منها حسنة ابن أذينة (٦).

__________________

(١) الذخيرة : ٤٥٧.

(٢) الانتصار : ٨٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، المنتهى ١ : ٥٢٢ ، الحدائق ١٢ : ٢٠٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٢ ـ ١٣٥ ، الوسائل ٩ : ٢٢٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٥٣ ـ ١٤٠ ، الوسائل ٩ : ٢٢٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٩ ـ ٢٣ ، الوسائل ٩ : ٢١٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٥٤٦ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٢١٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ٣.

٢٩٦

وحسنة الفضلاء الخمسة : في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء : الحروريّة والمرجئة والعثمانيّة والقدريّة ، ثمَّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زكاة أو حجّ؟ أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : « ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة ، لا بدّ أن يؤدّيها ؛ لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنّما موضعها أهل الولاية » (١).

وصحيحة عمر بن يزيد : عن الصدقة على النّصّاب وعلى الزيديّة؟ فقال : « لا تصدّق عليهم بشي‌ء ، ولا تسقهم من الماء إن استطعت » (٢).

وصحيحة ضريس : إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا ، ففي من نضعها؟ فقال : « في أهل ولايتك » ، فقال : إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك ، فقال : « ابعث بها إلى بلدهم » (٣).

وصحيحة الأشعري : عن الزكاة ، هل يوضع في من لا يعرف؟ قال : « لا ، ولا زكاة الفطرة » (٤).

ورواية البزنطي : عن الرجل له قرابة وموالي وأتباع يحبّون أمير المؤمنين ، وليس يعرفون صاحب هذا الأمر ، أيعطون من الزكاة؟ قال : « لا » (٥) ، وظاهر أنّ السؤال إنّما هو عن الجواز ، فالنفي له.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٥ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٣ ، العلل : ٣٧٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢١٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٥٣ ـ ١٤١ ، الوسائل ٩ : ٢٢٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٥ ـ ١١ ، الوسائل ٩ : ٢٢٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤٧ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٥٢ ـ ١٣٧ ، المقنعة : ٢٤٢ ، الوسائل ٩ : ٢٢١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥١ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٥٥ ـ ١٤٧ ، الوسائل ٩ : ٢٤٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٦ ح ٣.

٢٩٧

وحسنة زرارة ومحمّد : « فأمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلاّ من يعرف ، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس » (١) ، والناس في عرفهم هم العامّة ، كما أنّ العارف الفرقة المحقّة.

ورواية عبد الله بن أبي يعفور : ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال : فقال : « هي لأصحابك » ، قال : قلت : فإن فضل عنهم؟ قال : « فأعد عليهم » ، قال : قلت : فإن فضل عنهم؟ قال : « فأعد عليهم » ، قال : قلت : فإن فضل عنهم؟ قال : « فأعد عليهم » (٢) الحديث.

وموثّقة أبي بصير : الرجل تكون عليه الزكاة وله قرابة محتاجون غير عارفين ، أيعطيهم من الزكاة؟ فقال : « لا ، ولا كرامة » (٣).

ورواية الأوسي : لي زكاة فإلى من أدفعها؟ قال : « إلينا » ، فقال : أليس الصدقة محرّمة عليكم؟! فقال : « بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا » ، فقال : إنّي لا أعرف لها أحدا ، قال : « فانتظر بها سنة » ، قال : فإن لم أصب لها أحدا؟ قال : « انتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين » ثمَّ قال له : « إن لم تصب لها أحدا فصرّها صررا فاطرحها في البحر ، فإنّ الله عزّ وجلّ حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا » (٤) ، إلى غير ذلك.

فروع :

أ : ما مرّ من عدم جواز إعطاء الزكاة إلى غير المؤمن عامّ لصورتي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٩ ـ ١٢٨ ، الوسائل ٩ : ٢٠٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٥٣ ـ ١٤٢ ، الوسائل ٩ : ٢٢٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥١ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٥٥ ـ ١٤٨ ، الوسائل ٩ : ٢٤٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٥٢ ـ ١٣٩ ، الوسائل ٩ : ٢٢٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٨.

٢٩٨

وجود المؤمن وعدمه ، كما صرّح به بعض الأخبار المتقدّمة.

وقد يحكى قول بجواز إعطاء المستضعفين من أهل الخلاف الذين لا يعاندون الحقّ مع عدم وجود المؤمن (١) ؛ لرواية يعقوب بن شعيب (٢) ، المخالفة لعمل الفرقة ، المردودة بالندرة كما في المعتبر (٣) ، والشذوذ كما في المنتهى (٤)

ب : استشكل في الحدائق في عوامّ الشيعة الذين لا يعرفون الله سبحانه إلاّ بهذا اللفظ ، أو النبيّ أو الأئمّة كلاّ أو بعضا أو شيئا من المعارف الخمس ، ثمَّ قال : والأقرب عندي عدم إجزاء إعطائهم (٥).

أقول : وهو كذلك ؛ إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر ومن كان من أهل الولاية ، ومن لم يعرف الأئمّة أو واحدا منهم أو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يصدق عليه أنّه يعرف صاحب هذا الأمر ، ولا يعلم أنّه من أهل الولاية وأنّه العارف.

بل وكذلك لو عرف الكلّ بأسمائهم فقط ـ يعني مجرّد اللفظ ـ ولم يعرف أنّه من هو وابن من ؛ إذ لا يصدق عليه أنّه يعرفه ولا يتميّز عن غيره.

والحاصل : أنّه يشترط معرفته بحيث يعيّنه في شخصه ويميّزه عن غيره.

وكذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم.

ولو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا ، فهل يشترط في الإعطاء الفحص عنه؟

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٢٠٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٦ ـ ١٢١ ، الوسائل ٩ : ٢٢٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٨٠.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٥) الحدائق ١٢ : ٢٠٦.

٢٩٩

الظاهر : نعم ، إذا احتمل في حقّه عدم المعرفة ، ولا يكفي الإقرار الإجماليّ بأنّي مسلم مؤمن وإثنا عشري.

ولو علمنا أنّه يعرف النبيّ والأئمّة بأسمائهم الشريفة وأنسابهم المنيفة وترتيبهم وأقرّ بما يجب الإقرار به في حقّهم ، فهل يجب الفحص عن حاله أنّه هل هو مجرّد إقرار أو مذعن بما يعرف ومعتقد له؟

لا يجب ؛ لأنّه خلاف سيرة العلماء وطبقتهم ، ولأنّ معرفة ذلك غير ممكن غالبا ؛ إذ قد يحصل اليقين بما لا يمكنه بيانه ، بل لا يمكن أبدا ؛ إذ غاية ما يمكن الفحص عنه طلب الدليل عنه ، فيمكن أن لا يكون مذعنا بمقتضى الدليل ، وإن تمّت هيئة استدلاله.

ج : يجوز أن يعطى الزكاة أطفال المؤمنين بغير خلاف يعلم ، كما صرّح به جماعة (١) ، بل بالإجماع كما في الروضة والمدارك (٢) ، بل المختلف (٣) ؛ لإطلاق الكتاب والسنّة.

وحسنة أبي بصير : الرجل يموت ويترك العيال ، أيعطون من الزكاة؟ قال : « نعم ، حتى ينشئوا ويبلغوا ويسألوا من أين كان يعيشون إذا قطع ذلك عنهم » ، فقلت : إنّهم لا يعرفون ، قال : « يحفظ فيهم ميّتهم ، ويحبّب إليهم دين أبيهم ، فلا يلبثوا أن يهتمّوا بدين أبيهم ، فإذا بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم » (٤).

ورواية أبي خديجة : « ذريّة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة‌

__________________

(١) كالسبزواري في الذخيرة : ٤٥٨ ، صاحب الحدائق ١٢ : ٢٠٧ ، صاحب الرياض ٢ : ٢٨٤.

(٢) الروضة ٢ : ٥٠ ، المدارك ٥ : ٢٤٠.

(٣) المختلف ٢ : ١٨٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤٨ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ١٠٢ ـ ٢٨٧ ، الوسائل ٩ : ٢٢٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٦ ح ١.

٣٠٠