مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

دار غلّة إذا كانت قاصرة عن الاستنماء بقدر الكفاية ، فإنّ الظاهر المتبادر من الكفاية فيها الكفاية طول السنة ، بل الظاهر أنّ الكفاية المطلقة تستلزم كفاية السنة ؛ إذ ما لا يكفيها ليس بقدر الكفاية ، لاحتياجه في بعض السنة.

هذا ، مع أنّها صريحة في جواز أخذ الزكاة لمن عنده نصاب ، فيبطل بها القول الأول ، فيتعيّن الثاني ؛ لانتفاء الثالث ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب ، منهم صاحب التنقيح (١).

ومن ذلك يظهر وجه لصحّة الاستدلال برواية المقنعة المتقدّمة ؛ حيث دلّت على حرمة الزكاة على من عنده قوت سنة ولو كان أقلّ من النصاب ، فيبطل بها القول الأول ، فيتعيّن الثاني.

دليل الأول : رواية عامّية قاصرة دلالة ، واستبعاد ضعيف.

وأمّا ما ورد في موثّقة زرارة : « لا تحلّ لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها ، وإن أخذها أخذها حراما » (٢).

وفي رواية العرزمي : « إنّ الصدقة لا تحلّ إلاّ في دين موجع ، أو غرم مفظع ، أو فقر مدقع » (٣).

فلا تنافيان ما ذكرناه ؛ لعدم معلوميّة مرجع الضمير في « أن يأخذها » في الاولى ، وجواز كون الفقر المدقع في الثانية عدم كفاية السنة.

مع أنّ الاولى مخالفة للإجماع القطعي لو كانت في الزكاة ، وموافقة لبعض العامّة ، أو محمولة على عدم احتياجه ، كما يفهم من حولان الحول على دراهمه.

المسألة الثانية : قد عرفت أنّ المعتبر في الفقر هو عدم تملّك قدر‌

__________________

(١) التنقيح ١ : ٣١٨. اختاره في الرياض ١ : ٢٧٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٥١ ـ ١٣١ ، الوسائل ٩ : ٢٤٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٦.

٢٦١

كفاية السنة من الأموال ، فهل المعتبر عدم تملّك قدر الكفاية من الربح والنماء والفائدة فلا اعتبار بكفاية رأس المال أو الضيعة ، أو عدم تملّكه من أصل الأموال؟

الحقّ : هو الأول ، وفاقا للمشهور ، كما صرّح به جماعة منهم الروضة (١) ، بل قيل : بلا خلاف أجده (٢) ، ونسبه في الحدائق إلى الشيخ والحلّي والفاضلين وعامّة المتأخّرين (٣).

وقيل بالثاني ، نقله في الروضة (٤) ، ولكن قال الهندي في شرحه : ولم أظفر بقائله.

أقول : ويحتمله كلام جماعة ، بل يفهم من الذخيرة أنّه مذهب الحلّي والفاضلين وجمهور المتأخّرين (٥) ، ولكنّه خلاف الظاهر من أكثر كلماتهم ؛ حيث إنّ الأول صرّح بجواز أخذ الزكاة لمن كان له دار لا تكفيه غلّته (٦).

وصرّح أيضا في النافع والتذكرة وفي الدروس والروضة بجواز أخذها لمن كان له مال يتعيّش به ، أو ضيعة يشتغلها ، إذا كان بحيث يعجز عن استنماء الكفاية ، وإن كان بحيث يكفي رأس المال أو ثمن الضيعة لكفاية السنة (٧).

لنا : المستفيضة من الأخبار ، كصحيحة معاوية بن وهب : عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم ، وله عيال ، وهو يحترف فلا‌

__________________

(١) الروضة ٢ : ٤٥.

(٢) كما في الرياض ١ : ٢٧٩.

(٣) الحدائق ١٢ : ١٦٥.

(٤) الروضة ٢ : ٤٥.

(٥) الذخيرة : ٤٥٢.

(٦) كما في السرائر ١ : ٤٦٢.

(٧) النافع : ٥٨ ، التذكرة ١ : ٢٣١ ، الدروس ١ : ٢٤٠ ، الروضة ٢ : ٤٥.

٢٦٢

يصيب نفقته فيها ، أيكبّ فيأكلها ولا يأخذ الزكاة ، أو يأخذ الزكاة؟ قال : « لا ، بل ينظر إلى فضلها ، فيقوت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ، ويأخذ البقيّة من الزكاة ، ويتصرّف بهذه لا ينفقها » (١).

وموثّقة سماعة : عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : « نعم ، إلاّ أن تكون داره دار غلّة فيخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه وعياله ، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة ، فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا » (٢).

والأخرى ، وفي آخرها : « وأمّا صاحب الخمسين فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه إن شاء الله » (٣) ، دلّت بمفهوم الشرط على عدم الحرمة إذا لم يصب منها ما يكفيه.

ورواية هارون بن حمزة : الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة وله عيال ، فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها ، قال : « فلينظر ما يستفضل منها ، فيأكل هو ومن يسعه ذلك ، وليأخذ لمن لم يسعه من عياله » (٤).

ورواية أبي بصير : عن رجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم ، وهو رجل خفّاف وله عيال كثير ، إله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال : « يا أبا محمّد ، أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل؟ » قال : قلت : نعم ، قال : « كم يفضل؟ » قلت : لا أدري ، قال : « إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦١ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ٢٣٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ١٧ ـ ٥٧ ، التهذيب ٤ : ٤٨ ـ ١٢٧ ، الوسائل ٩ : ٢٣٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٩ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٦١ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٢٣٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٥١ ـ ١٣٠ ، الوسائل ٩ : ٢٣٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ٤.

٢٦٣

القوت فلا يأخذ الزكاة ، وإن كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة » (١) الحديث.

ولعلّ تقدير الفاضل عن القوت بنصف القوت باعتبار أنّه متى فضل هذا المقدار فإنّه يكفي للقيام بكسوتهم وسائر ضروريّاتهم ، فلا يجوز أخذ الزكاة ، وإن كان أقلّ من ذلك فلا يقوم بمؤنة السنة.

ورواية عبد العزيز ، وفيها : له دار تسوى أربعة آلاف درهم ، وله جارية ، وله غلام يستقي على الجمل كلّ يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل ، وله عيال ، إله أن يأخذ من الزكاة؟ قال : « نعم » ، قال : وله هذه العروض؟ فقال : « يا أبا محمّد ، فتأمرني أن آمره ببيع داره وهي عزّه ومسقط رأسه ، أو ببيع جاريته التي تقيه الحرّ والبرد وتصون وجهه ووجه عياله ، أو آمره أن يبيع غلامه أو جمله وهو معيشته وقوته؟! بل يأخذ الزكاة ، فهي له حلال ، ولا يبيع داره ولا غلامه ولا جمله » (٢).

ولا يضرّ اختصاص بعض تلك الأخبار بثلاثمائة أو أربعمائة أو ثمانمائة أو الدار ؛ لعدم القول بالفصل قطعا.

حجّة القول الثاني : صدق تملّك ما يفي بمؤنة السنة مع وفاء الأصل.

وفيه : أنّ المصرّح به في الأخبار المذكورة ـ المنجبرة بالشهرة ـ لزوم تملّك ما يفي نماؤه لا أصله.

ثمَّ إن عرفت أنّ المعتبر في الفقر والغناء عدم كفاية الربح والنماء ، ولا اعتبار برأس المال والعقار ، ولا يجب عليه الإنفاق من الأصل .. فهل هو إذا اتّخذ الأصل بضاعة يستربحه ومشتغلا يشغله ـ أي يتّجر به ويستربحه‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٨ ـ ٥٨ ، الوسائل ٩ : ٢٣٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٢ ـ ١٠ ، الوسائل ٩ : ٢٣٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٩ ح ٣.

٢٦٤

ويشتغل به فعلا ـ فيكون الفقير من لا يملك من الأموال التي يستنميها ـ كالدراهم التي يتّجر بها لأجل معاشه أو العقار التي يشتغلها أو نحو ذلك ـ ما يكفي ربحها ونماؤها لمؤنة سنته ، وأمّا ما لم يكن كذلك ـ أي لا يتّجر به ولا يستربحها ـ فالمعتبر قصور أصل الأموال منفردة أو منضمّة مع نماء ما يستنميها؟

أو يكفي في صدق الفقر وعدم وجوب إنفاق الأصل عدم كفاية النماء والربح على فرض الاستنماء والاسترباح ، حتى أنّه لو كان له من الأموال ما يكفي لمؤنة سنته ولم يستربحها ولم يشتغلها جاز له أخذ الزكاة إذا كانت بقدر لو استنماها لم يكفه نماؤها؟

الأول : للذخيرة والحدائق (١) ، بل لجميع من يعتبر الربح والنماء ؛ إذ الظاهر منهم إرادة الاستنماء الفعلي ، كما يشعر به قولهم : يتعيّش به ، أو يشتغلها ، أو يتّجر به.

نعم ، يظهر من الكتابين المذكورين أنّ مراد القائلين باعتبار النماء اعتباره مطلقا ؛ حيث إنّ بعد ذكرهما القول باعتبار النماء دون الأصل اختارا التفصيل باعتبار النماء في ما يستنميه ، والأصل في ما لا يستنميه.

وكيف كان ، فالحقّ : هو الأول ؛ أمّا جواز أخذ الزكاة مع استنماء ما يصلح له وعدم وفاء النماء بمؤنة السنة ، فلجميع الأخبار المتقدّمة.

وأمّا عدم جواز الأخذ مع وفاء أصل ماله الذي لا يستنميه ولا يشتغله منفردا أو منضمّا مع نماء ما يستنميه ، فلرواية المقنعة وحسنة أبي بصير المتقدّمتين (٢) ، وعدم صدق الفقير عرفا ، واختصاص أخبار النماء بما إذا كان يستنمي المال دون ما لا يستنميه.

__________________

(١) الذخيرة ١ : ٤٥٣ ، الحدائق ١٢ : ١٥٧.

(٢) في ص : ٢٦٠.

٢٦٥

المسألة الثالثة : ويشترط في صدق الفقير أيضا : عدم قدرته على تكسّب المؤنة بصنعة أو غيرها ، فلو قدر عليه لم يجز له أخذ الزكاة على الأظهر الأشهر ، بل عن الخلاف والناصريّات : الإجماع عليه (١).

لحسنة زرارة : « إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف ولا لذي مرّة سويّ قوي ، فتنزّهوا عنها » (٢) ، وموثّقة سماعة الثانية (٣) ، ولصدق الغنى وعدم صدق الفقير مع ذلك.

ولا ينافيه قوله في حسنة أبي بصير المتقدّمة : « ولا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة » (٤) حيث ضمّ مع الاحتراف تملّك النصاب ؛ لعدم دلالتها على الحليّة للمحترف الذي لا يملك النصاب إلاّ بمفهوم الوصف ، وهو ضعيف.

وحكى في الخلاف عن بعض أصحابنا جواز دفع الزكاة إلى المكتسب من غير اشتراط قصور كسبه (٥) ؛ واستدلّ له بصدق عدم تملّك الكفاية من الأموال.

ويجاب عنه : بعدم كفاية ذلك في جواز الأخذ ، بل يشترط عدم الاحتراف أيضا ؛ لما مرّ.

ولو قصرت الحرفة والتكسّب عن تمام مئونة السنة جاز أخذ الزكاة له ، بلا خلاف فيه يعلم ، بل في التذكرة : إنّه موضع وفاق بين العلماء (٦) ؛

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٢٣٠ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ٢ ، المقنعة : ٢٤١ ، الوسائل ٩ : ٢٣١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٢.

(٣) تقدّمت في ص : ٢٦٣.

(٤) تقدّمت في ص : ٢٦٠.

(٥) الخلاف ٤ : ٢٣٠.

(٦) التذكرة ١ : ٢٣٦.

٢٦٦

لصدق الفقير مع ذلك ، ولمفهوم الشرط في موثّقة سماعة المذكورة ، بل تدلّ عليه صحيحة معاوية بن وهب ورواية أبي بصير المتقدّمتين (١) ، وبه يقيّد إطلاق حسنة زرارة (٢).

فروع :

أ : المعتبر في الحرفة والصنعة ما كان لائقا بحال الشخص عادة ، فلو لم يكن كذلك لم يكلّف بالحرفة ، ويجوز له أخذ الزكاة ، فلا يكلّف الشريف بمثل الاحتطاب والاحتشاش ؛ لكونه عسرا ومشقّة.

فتعارض أدلّة نفيهما إطلاقات حرمة الصدقة على المحترف ، والترجيح مع الأول ؛ لموافقة الكتاب والسنّة ، مع أنّه لو لا الترجيح لكان المرجع إلى إطلاقات من لا يملك مئونة السنة.

ومنه يعلم حكم المحترف اللائق به ، إذا كان فيه مشقّة وعسر عليه ، لمرض أو كبر أو ضعف أو نحوها.

ب : يشترط في مزاحمة الحرفة لأخذ الزكاة إمكان احترافه ، فلو علم الحرفة ولم يمكن له اشتغاله ـ لفقد آلة ، أو عدم طالب لها ، أو نحو ذلك ـ يأخذ الزكاة ؛ لمفهوم الموثّقة ، بل مدلول الصحيحة والرواية (٣).

ج : من لم تكن له حرفة ولكن يقدر على تعلّمها من غير عسر ، فلا شكّ في جواز أخذه الزكاة ما لم يتعلّمها ؛ لعدم صدق المحترف.

فهل يجب عليه التعلّم والامتناع من الزكاة بعده؟

الظاهر : لا ، للأصل ، وعدم الدليل على الوجوب.

__________________

(١) في ص : ٢٦٢ و ٢٦٣.

(٢) المتقدّمة في ص : ٢٦٦.

(٣) راجع ص : ٢٦٢ ، ٢٦٣.

٢٦٧

د : لو اشتغل عن التكسّب بطلب العلم المانع عن الكسب ، فإن كان العلم ممّا يجب تعلّمه عينا أو كفاية بشرط عدم قيام الغير به ، فلا شكّ في جواز أخذ الزكاة ؛ لأنّه مانع عن التكسّب ، وقد عرفت جواز الأخذ مع المانع.

وإن كان ممّا لا يجب تعلّمه ولا يستحبّ ـ كالرياضيات ، والفلسفة ، وكثير من الكلاميّات ، والسير ، والعروض والأدبيّة ، لمن لا يريد التفقّه في الدين ـ فلا شكّ في عدم جواز أخذ الزكاة له ؛ لصدق المحترف وعدم الدليل على التخصيص.

وإن كان يستحبّ ـ كالتفقّه في الدين تقليدا أو اجتهادا ـ فظاهر الذخيرة عدم جواز الأخذ (١) ، وهو ظاهر حواشي القواعد للشهيد الثاني.

وعن التحرير والمنتهى والدروس والبيان والروضة والمسالك وحواشي النافع للشهيد الثاني والمهذّب : جوازه (٢). وهو الأقرب ؛ للأمر به (٣) ولو استحبابا ، المستلزم لطلب ترك الحرفة المستلزم لجواز أخذ الزكاة ، وكذا مقدّمات علم التفقّه إذا تعلّمه من باب مقدّمته. ولو أمكنه الجمع بين التعلّم والاحتراف لم يجز الأخذ.

هـ : لو ترك المحترف حرفته يوما عمدا ، فهل يجوز له أخذ الزكاة لليلته إذا لم يمكن له الاحتراف فيها؟ وكذا لو كانت حرفته في وقت معيّن ويصيب فيه ما يكفي السنة فتركها في ذلك الوقت عمدا؟

فيه إشكال ، والذي يقوى في نفسي : عدم الجواز ؛ لصدق المحترف ،

__________________

(١) الذخيرة : ٤٦١.

(٢) التحرير ١ : ٦٨ ، المنتهى ١ : ٥١٩ ، الدروس ١ : ٢٤٠ ، البيان : ٣١١ ، الروضة ٢ : ٤٥ ، المسالك ١ : ٥٩ ، المهذب البارع ١ : ٥٣٠.

(٣) التوبة : ١٢٢.

٢٦٨

وعدم معلومية صدق الفقير.

المسألة الرابعة : الظاهر عدم الخلاف في أنّ دار السكنى والخادم والمركب وثياب التجمّل لا تمنع من أخذ الزكاة ، ولا تعدّ من الأموال ، وفي التذكرة : لا نعلم فيه خلافا (١).

وتدلّ عليه في الأولين : رواية عبد العزيز المتقدّمة (٢) ، وابن أذينة : عن الرجل له دار أو خادم أو عبد ، يقبل الزكاة؟ قال : « نعم ، إنّ الدار والخادم ليسا بمال » (٣).

وابن يسار : « تحلّ الزكاة لصاحب الدار والخادم » ؛ لأنّ أبا عبد الله عليه‌السلام لم يكن يرى الدار والخادم شيئا (٤).

وفي الثلاثة الأولى : المرويّ صحيحا عن كتاب عليّ بن جعفر ـ المنجبر بالشهرة ـ : عن الزكاة أيعطاها من له الدابّة؟ قال : « نعم ، ومن له الدار والعبد ، فإنّ الدار ليس يعدّ بمال » (٥).

وفي الأربعة ـ إذا كان ممّن تجري العادة في مثله في الخادم والمركب وثياب التجمّل ـ : التعليل المذكور في رواية عبد العزيز بقوله : « وهي عزّه » وبقوله : « وتصون وجهه ».

وإذا كان ممّن يحتاج إلى الأربعة : قوله في موثّقة سماعة المتقدّمة : « فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم » (٦)

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٣٦.

(٢) في ص : ٢٦٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٦١ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ١٧ ـ ٥٦ ، التهذيب ٤ : ٥١ ـ ١٣٣ ، الوسائل ٩ : ٢٣٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٩ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٥٢ ـ ١٣٤ ، الوسائل ٩ : ٢٣٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٩ ح ٤.

(٥) مسائل علي بن جعفر : ١٤٢ ـ ١٦٥ ، الوسائل ٩ : ٢٣٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٩ ح ٥.

(٦) راجع ص : ٢٦٣.

٢٦٩

إلى آخره ، وفي الأخرى : « وهو يصيب منها ما يكفيه » (١).

ويظهر ممّا ذكر استثناء كلّ ما يتوقّف بقاء عزّه وحفظ شرفه عليه ، أو يحتاج إليه من الآلات وكتب العلم وأدوات الصناعة.

ويظهر منه أيضا استثناء أثمان هذه الأشياء لفاقد أعيانها ، واستثناء المتعدّد منها مع اقتضاء العادة أو مسيس الحاجة.

ويجب مراعاة العادة في الكيفيّة ، فيستثنى اللائق بحاله عادة.

وإطلاق النصّ في الثلاثة الاولى وإن اقتضى عموم الحكم فيها وشموله لما إذا زادت عن حاجته بحيث تكفيه قيمة الزيادة لمؤنة السنة وأمكنه بيعها منفردة ، إلاّ أنّ حملها على المتعارف يقتضي تقييدها بغير هذه الصورة ، مع عدم صدق الفقر وصدق ملك مئونة السنة في مثلها بلا شبهة ، فيجب بيع الزيادة.

نعم ، لو كانت حاجته تندفع بأقلّ منها قيمة ، وكانت الزيادة في مجرّد القيمة ، فصرّح جماعة بعدم تكليفه ببيعها وشراء الأدون منها قيمة (٢) ؛ للإطلاق ، مع ما في تكليفه بذلك من العسر والمشقّة.

والتحقيق : أنّه إن كانت الزيادة في القيمة بحيث تخرجه عن مصداق الفقير عرفا ، أو تخرجها عن مناسبة حاله كثيرا ، بحيث لا تنصرف إليه الإطلاقات عرفا ، لا يجوز له أخذ الزكاة ، وإلاّ جاز.

الصنف الثالث : العاملون عليها.

وهم جباة الصدقة ، والسعاة في أخذها وجمعها وحفظها وضبطها حتى يؤدّوها إلى من يقسّمها ، كما في المرويّ في تفسير عليّ (٣) ، المنجبر‌

__________________

(١) تقدّمت في ص : ٢٦٣.

(٢) كما في الحدائق ١٢ : ١٦٣.

(٣) تفسير القمّي ١ : ٢٩٨ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧.

٢٧٠

بالفتاوي ، ومقتضى المعنى اللغوي.

ولا خلاف بين العلماء في استحقاقهم الزكاة ، كما عن المبسوط (١) وغيره (٢) ، بل عن المنتهى وفي المدارك (٣) وغيرهما : الإجماع عليه (٤) ، بل لا شبهة في إجماعيّته.

فهي الحجّة عليه ، مضافة إلى الآية الشريفة ، والأخبار ، كصحيحة محمّد (٥) ، وموثّقة سماعة (٦) ، والمرويّ في تفسير عليّ.

ولا يجوز أن يكونوا هاشميّين ـ كما صرّح به في صحيحة العيص (٧) ـ إلاّ أن يكونوا عاملين على صدقات مثلهم.

ولا يعتبر فيهم الفقر ، بلا خلاف ، كما في الذخيرة (٨) ، بل الاتّفاق ، كما عن الخلاف (٩) ؛ للتفصيل في الآية (١٠) والأخبار ، القاطع للشركة ، وللإطلاق ، وعدم انحصار جهة الاستحقاق للزكاة في الفقر.

ولا الحريّة على الأظهر ، للأصل.

ويعتبر الإيمان والعدالة ، كما يأتي.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٤٧.

(٢) كالغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٣) المنتهى ١ : ٥١٧ ، المدارك ٥ : ٢٠٨.

(٤) كالحدائق ١٢ : ١٧٣ ، والرياض ١ : ٢٨٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤٩٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٩ ـ ١٢٨ ، الوسائل ٩ : ٢٠٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ١.

(٦) التهذيب ٤ : ٤٨ ـ ١٢٧ ، الوسائل ٩ : ٢٣٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ٣.

(٧) الكافي ٤ : ٥٨ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

(٨) الذخيرة : ٤٥٣.

(٩) الخلاف ٤ : ٢٣٧.

(١٠) التوبة : ٦٠.

٢٧١

ثمَّ إنّه لا ينبغي لنا التكلّم في حكم زمان الحضور في وجوب نصب العامل أو جوازه.

وأمّا زمان الغيبة ، فعلى القول بوجوب دفع الزكاة إلى النائب العام ، يجوز له نصب العامل وتشريكه للفقراء ، بل قد يجب ، وكذا على القول باستحبابه إذا دفعها ملاّكها إلى النائب واحتاج الحفظ والتقسيم إلى عامل.

وأمّا على غير ذلك ، فإن علم النائب بتقصير في أداء الزكاة أو في التقسيم بين أهلها ، جاز له نصب العامل من باب الأمر بالمعروف والإعانة على البرّ ، بل قد يجب ، ويجعل له نصيبا من الزكاة ، بل يجوز ذلك أو يجب لآحاد المؤمنين أيضا ، بل يجوز لشخص يعلم ذلك عمله بنفسه وأخذه أجرة عمله من الزكاة.

وأمّا بدون العلم بذلك ، ففي جواز نصب العامل وتشريكه في الزكاة إشكال ، ولا يبعد جوازه للنائب العام أو عدول المؤمنين ، سيّما إذا كان فيه نوع مصلحة ؛ للأصل ، وتشريكه للإطلاق.

ولا تقدير لنصيب العاملين ، بل إن كان منصوبا من الإمام فيقدّر لهم ما يراه ، كما في حسنة الحلبي (١) ، وإلاّ فبقدر أجرة مثل عملهم ، كما عن المبسوط (٢) ؛ لأنّه المتبادر من تعليق شي‌ء على العمل.

الصنف الرابع : المؤلّفة قلوبهم.

ولا خلاف بين العلماء في أنّ لهم سهما من الزكاة ، والإجماع عليه منقول مستفيضا (٣) ، بل محقّق قطعا ؛ فهو الحجّة فيه ، مضافا إلى الكتاب‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٣ ـ ١٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ ـ ٣١١ ، الوسائل ٩ : ٢٥٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٣.

(٢) المبسوط ١ : ٢٥٧.

(٣) كما في المدارك ٥ : ٢١٤ ، والذخيرة. ٤٥٤ ، والرياض ١ : ٢٨٠.

٢٧٢

العزيز والأخبار المستفيضة.

وإنّما الخلاف في مقامين :

الأول : في تعيين المؤلّفة قلوبهم ، هل هم من الكفّار خاصّة ، أو المسلمين كذلك ، أو يشملهما جميعا؟ وعلى كلّ تقدير فما جهة تأليفهم الموجبة لتشريك الفقراء؟

والثاني : في أنّ التأليف هل يختصّ بزمان أو لا؟

أمّا الأول ، فعن المبسوط : اختصاصهم بالكفار ، الذين يستمالون للجهاد بالصدقات (١) ، وهو المحكيّ عن الخلاف والاقتصاد والمصباح وابني زهرة وحمزة (٢) ، وفي الشرائع والإرشاد وعن كتب الشهيد بل في الحدائق أنّه المشهور (٣) ، بل ظاهر الأول وصريح الثاني : الإجماع عليه.

وعن المفيد ـ كما في السرائر والمعتبر والتذكرة والمنتهى (٤) ، وغيرها (٥) ـ أنّهم مسلمون ومشركون ، وهو المحكيّ عن الحلّي والمختلف والقواعد والتبصرة وفي النافع (٦) ، ونقله في المبسوط عن الشافعي ، وأنّه جعل المشركين منهم صنفين ، والمسلمين أربعة أصناف (٧).

وعن الإسكافي : اختصاصهم بالمنافقين ، الذين يظهرون الدين‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٤٩.

(٢) الخلاف ٤ : ٢٣٣ ، الاقتصاد : ٢٨٢ ، مصباح المتهجد : ٧٨٩ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٢٨.

(٣) الشرائع ١ : ١٦١ ، الإرشاد ١ : ٢٨٦ ، الشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٤٥ ، والبيان : ٣١٢ ، والدروس ١ : ٢٤١ ، الحدائق ١٢ : ١٧٥.

(٤) السرائر ١ : ٤٥٦ ، المعتبر ٢ : ٥٧٣ ، التذكرة ١ : ٢٣٢ ، المنتهى ١ : ٥١٩.

(٥) كما في المختلف : ١٨١.

(٦) الحلي في السرائر ١ : ٤٥٧ ، المختلف : ١٨١ ، القواعد ١ : ٥٧ ، التبصرة : ٤٨ ، النافع : ٥٩.

(٧) المبسوط ١ : ٢٤٩.

٢٧٣

بألسنتهم ويعينون المسلمين بأيديهم (١).

دليل الاختصاص بالكفّار : حسنة زرارة ومحمّد ، وفيها ـ بعد السؤال عن قوله سبحانه ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ) إلى آخره ـ : « إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا ؛ لأنّهم يقرّون له بالطاعة » إلى أن قال : « وإنّما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه » إلى أن قال : « سهم ( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم ( الرِّقابِ ) عامّ والباقي خاصّ » الحديث (٢) ، فإنّ في قوله : « ليرغب في الدين » دلالة على خروجه عن الدين ، فيكون كافرا.

والمرويّ في تفسير عليّ : « ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) : قوم وحّدوا الله وخلعوا عبادة من يعبد دون الله ، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان رسول الله يتألّفهم ويعلّمهم ويعرّفهم كيما يعرفوا ، فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا » (٣).

وأنّ في المراد من المؤلّفة قلوبهم إجمالا ، فيجب الاقتصار فيهم على موضع الإجماع ، وهم الكفّار.

ويضعف الأول : بأنّ الرغبة لا تقتضي الخروج ، مع أنّ في قوله : « يثبت » دلالة على الدخول ، وفي قوله : « سهم المؤلّفة عامّ » تصريح بشمول المسلمين أيضا.

والثاني : بعدم صراحته في الكفّار ؛ لأنّ من المظهرين للإسلام أيضا من لم تدخل المعرفة قلوبهم ، بل في التقييد بقوله : « قلوبهم » إشعار‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١٨١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٩٦ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٤٩ ـ ١٢٨ ، الوسائل ٩ : ٢٠٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ١.

(٣) تفسير القمي ١ : ٢٩٩ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧.

٢٧٤

بإظهارهم الإسلام ، بل في قوله : « ويعلّمهم ».

والثالث : بأنّه يتمّ لو لم يجعل المنافقين من المسلمين وثبت الإجماع في الكفّار.

ودليل التعميم : عموم كونهم مؤلّفة.

وقوله : « وسهم المؤلّفة عامّ » في الحسنة المتقدّمة ، والتعليل المذكور فيها بقوله : « ليرغب في الدين » (١). وفي الرواية الآتية بقوله : « لكي يحسن إسلامهم ».

ويضعف الأول : بتخصيص العموم بما يأتي.

والثاني : بأن الظاهر أن المراد بقوله : « عامّ » بالنسبة إلى من يعرف الإمامة ومن لا يعرفها كما يظهر من باقي الحديث ، فلا دلالة فيه على شمول الكفّار ، وأمّا عموم التعليل فلو سلّم يجب التخصيص بما يأتي.

ودليل الإسكافي : المرويّ في تفسير عليّ بالتقريب المتقدّم ، وحسنة زرارة : عن قول الله تعالى ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) ، قال : « هم قوم وحّدوا الله عزّ وجلّ ، وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله ، وشهدوا أن لا إله إلاّ الله و [ أنّ ] (٢) محمّدا رسول الله ، وهم في ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمّد رسول الله ، فأمر الله نبيّه أن يتألّفهم بالمال والعطاء ، لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم ، وأقرّوا ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حنين تألّف رؤساء العرب من قريش ورؤساء مضر ، منهم : أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين » (٣) الحديث.

وروايته : « وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ : قوم وحّدوا الله ، وخلعوا عبادة من دون‌

__________________

(١) المتقدّم في ص : ٢٧٤.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الكافي ٢ : ٤١١ ـ ٢ ؛ بتفاوت يسير.

٢٧٥

الله ، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١) الحديث ، ونحوها مرسلة موسى بن بكر (٢).

ومقتضى هذه النصوص : أنّهم قوم مسلمون قد أقرّوا بالإسلام ودخلوا فيه ، لكنّه لم يستقرّ في قلوبهم ولم يثبت ثبوتا راسخا ، فأمر الله تعالى نبيّه بتألّفهم بالمال ، لكي تقوى عزائمهم وتشتدّ قلوبهم على البناء على هذا الدين ، وهؤلاء هم المنافقون ، كما يدلّ عليه عدّه أبا سفيان وعيينة ، المصرّح في الروايات بنفاقهم.

ولا معارض لهذه الأخبار ، سوى بعض ما ظنّ من العمومات الواجب تخصيصها ، وعدا ما توهّم من الإجماع على دخول الكفّار ، وهو غير ثابت.

فهذا القول هو الأظهر ، كما اختاره صاحب الحدائق أيضا (٣).

ثمَّ مقتضى تلك الأخبار : أنّ التأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدين والثبات عليه ، لا لما ذكروه من الجهاد.

وأمّا الثاني ، فعن الصدوق اختصاصه بزمان النبيّ (٤) ، وعن الشيخ بزمان حضور الإمام (٥) ، وظاهر المعتبر والمنتهى بقاؤه في جميع الأزمان (٦) ، ومقتضى الاستصحاب وعموم الآية (٧) وظاهر الأخبار المذكورة : الأخير.

وحيث لا يجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية ، ويجوز إعطاء الزكاة لجميع الفرق المذكورة المختلف فيها في جميع الأزمان من سهم في‌

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤١٠ ـ ١.

(٢) الكافي ٢ : ٤١٢ ـ ٥.

(٣) الحدائق ١٢ : ١٧٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٣.

(٥) المبسوط ١ : ٢٤٩.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٧٣ ، المنتهى ١ : ٥٢٠.

(٧) التوبة : ٦٠.

٢٧٦

سبيل الله ، فلا ثمرة مهمّة في بسط الكلام في المقام.

الصنف الخامس : في الرقاب : بالإجماع ، والكتاب ، والسنّة المستفيضة كما يأتي.

والمراد بهم ثلاث طوائف :

الاولى : المكاتبون ، بلا خلاف فيه بين العلماء ، كما عن صريح المبسوط والسرائر والغنية (١) ، بل بالإجماع ، كما عن ظاهر المنتهى والمدارك (٢) ، ومرسلة أبي إسحاق : عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها ، قال : « يؤدّى عنها من مال الصدقة ، إنّ الله تعالى يقول في كتابه : ( وَفِي الرِّقابِ ) » (٣).

ثمَّ صريح الأكثر : أنّه يشترط في إعطاء المكاتب من هذا السهم أن لا يكون معه ما يصرفه في كتابته (٤) ، وظاهر بعض إطلاقات هؤلاء جواز الإعطاء وإن قدر على تحصيل مال الكتابة بالتكسّب إذا لم يكن معه.

واعتبر الشهيد قصور كسبه عن مال الكتابة (٥).

والحقّ : اشتراط العجز عن الأداء مطلقا ولو بالتكسّب ، لا للمرسلة ؛ لأنّ العجز فيها وارد في السؤال ؛ بل للأصل ، وعدم المجوّز.

والاستدلال ـ على الجواز بعموم الآية المستدلّ به في ذيل المرسلة ـ يردّ بأن المراد بقوله : ( فِي الرِّقابِ ) غير معلوم ؛ لإجماله جدّا ، فيقتصر فيه على القدر المعلوم من الرواية ، وليس هو إلاّ مورد السؤال.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٥٠ ، السرائر ١ : ٤٥٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٢) المنتهى ١ : ٥٢٠ ، المدارك ٥ : ٢١٦.

(٣) الفقيه ٣ : ٧٤ ـ ٢٥٨ ، التهذيب ٨ : ٢٧٥ ـ ١٠٠٢ ، الوسائل ٩ : ٢٩٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٤ ح ١.

(٤) كما في المبسوط ١ : ٢٥٠ ، والمعتبر ٢ : ٥٧٤ ، والمدارك ٥ : ٢١٩.

(٥) البيان : ٣١٣.

٢٧٧

ويجوز الدفع إلى السيّد بإذن المكاتب وبدون إذنه ، وإلى المكاتب بإذن السيّد ؛ لإطلاق الرواية ، ولا يتوقّف على حلول النجم على الأشهر الأظهر (١) ؛ للأصل.

الثانية : المملوك يشترى ويعتق‌ بأحد الشرطين : إمّا كونه تحت شدّة وضرّ ، أو عدم وجدان المزكّي مستحقّا آخر للزكاة.

وعلى جواز الأول : الإجماع في المبسوط والخلاف والاقتصاد والسرائر والغنية والمنتهى والتذكرة (٢).

وعلى الثاني في ظاهر المعتبر والمنتهى (٣).

وتدلّ على الأول رواية أبي بصير المنجبرة بالعمل : عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستمائة يشتري منها نسمة ويعتقها ، قال : « إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم!! » ثمَّ مكث مليّا ، ثمَّ قال : « إلاّ أن يكون عبدا مسلما في ضرورة ، فليشتره ويعتقه » (٤).

وعلى الثاني : موثّقة عبيد : عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم ، فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى مملوك يباع في من يريد ، فاشتراه بتلك الألف التي أخرجها من زكاته فأعتقه ، هل يجوز له ذلك؟ قال : « نعم ، لا بأس بذلك » ، قلت : فإنّه لمّا أن أعتق وصار حرّا اتّجر واحترف ، فأصاب مالا ، ثمَّ مات وليس له وارث ، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال : « يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزكاة ؛ لأنّه إنّما اشتري‌

__________________

(١) كما في المبسوط ١ : ٢٥٠ ، والمعتبر ٢ : ٢٨٠ ، والمنتهى ١ : ٥٢١.

(٢) المبسوط ١ : ٢٥٠ ، الخلاف ٤ : ٢٣٤ ، الاقتصاد : ٢٨٢ ، وانظر : السرائر ١ : ٤٥٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، المنتهى ١ : ٥٢٠ ، التذكرة ١ : ١٣٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٧٥ ، المنتهى ١ : ٥٢٠.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٧ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ ـ ٢٨٢ ، الوسائل ٩ : ٢٩٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٣ ح ١.

٢٧٨

بمالهم » (١).

وهل يجوز الشراء والعتق بدون الشرطين من سهم الرقاب؟

المحكيّ عن ظاهر المفيد والانتصار والمراسم والسرائر والقواعد وحواشي القواعد والإرشاد والنافع للشهيد الثاني وصريح الإيضاح والكنز والمسالك (٢) وجمع من متأخّري المتأخّرين (٣) : نعم ؛ لعموم الآية (٤).

وللصحيح المرويّ في العلل : مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه ، أشتريه من الزكاة وأعتقه؟ قال : فقال : « اشتره وأعتقه » ، قلت : فإن هو مات وترك مالا؟ قال : فقال : « ميراثه لأهل الزكاة ؛ لأنّه اشتري بسهمهم » (٥).

وصحيحة أبي محمّد الوابشي : عن رجل اشترى أباه من الزكاة ـ زكاة ماله ـ قال : « اشترى خير رقبة ، لا بأس بذلك » (٦).

وعن كثير من الأصحاب : لا (٧) ، وهو الأظهر ؛ لرواية أبي بصير المتقدّمة المصرّحة بالاشتراط ، وهي أخصّ من تلك الأخبار ، فيجب تخصيصها بها ، كما يخصّص عموم الآية أيضا لو سلّم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٧ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ ـ ٢٨١ ، الوسائل ٩ : ٢٩٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٣ ح ٢.

(٢) المفيد في المقنعة : ٢٤١ ، الانتصار : ٨٥ ، المراسم : ١٣٢ ، السرائر ١ : ٤٥٧ ، القواعد ١ : ٥٧ ، الإرشاد ١ : ٢٨٦ ، الإيضاح ١ : ١٩٦ ، كنز العرفان : ٢٣٧ ، المسالك ١ : ٦٠.

(٣) كصاحب المدارك ٥ : ٢١٧ ، والحدائق ١٢ : ١٨٣ ، والذخيرة : ٤٥٥.

(٤) التوبة : ٦٠.

(٥) العلل : ٣٧٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٩٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٣ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٥١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٩ ح ١.

(٧) كما في النهاية : ١٨٤ ، والشرائع ١ : ١٦١ ، والرياض ١ : ٢٨١.

٢٧٩

إلاّ أنّه ـ كما ذكرنا في المؤلّفة قلوبهم ـ لا ثمرة في تحقيق ذلك أيضا ، بعد عدم وجوب البسط ودخول جميع ذلك في سبيل الله ، بل لو لا تصريح الأصحاب لم يكن دليل تامّ على دخول غير المكاتب ( فِي الرِّقابِ ).

وجمع ـ ممّن لم يجوّز الشراء والعتق إلاّ مع أحد الشرطين ـ جوّزوه بدونهما من سهم سبيل الله ؛ استنادا إلى الروايتين ، مع أنّ جميع الروايات المذكورة لغير المكاتب مطلقة ، فإمّا يحمل الجميع على سهم الرقاب ، أو الجميع على سهم سبيل الله ، ولعلّ الفارق تصريح العلماء.

الثالثة : من وجبت عليه كفّارة ولم يجد ما يعتق ، فظاهر المبسوط والمختلف والتذكرة وصريح النافع والحدائق : جواز العتق عنه من الزكاة (١).

لما رواه في المبسوط مرسلا : « إنّ من وجبت عليه عتق رقبة في كفّارة ولا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه » (٢).

وفي التهذيب عن تفسير عليّ ، عن العالم : « ( وَفِي الرِّقابِ ) : قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ وفي الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في الحرم ، وليس عندهم ما يكفّرون به وهم مؤمنون ، فجعل الله لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم » (٣).

وظاهره أعمّ من العتق وغيره ، وإن قيل : تفسيره للرقاب يعطي تخصيصه بالعتق ، لكن يخدشه أنّ فكّ رقبة المكفّر عن اشتغال الذمّة أيضا يناسب التفسير.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٥٠ ، المختلف ٢ : ١٨١ ، التذكرة ١ : ٢٣٣ ، النافع ١ : ٥٩ ، الحدائق ١٢ : ١٨٥.

(٢) المبسوط ١ : ٢٥٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٩ ـ ١٢٩ ، تفسير القمي ١ : ٢٩٨ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧.

٢٨٠