مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

رجحانها (١) ، والله أعلم.

ومنها : مال التجارة ، ورجحان الزكاة فيه هو المعروف بين الأمّة ، بل لا خلاف فيه عندنا ، كما عن المنتهى (٢) ؛ فهو عليه الدليل لأجل التسامح ، مضافا الى الأخبار الغير العديدة ، الآتية إليها الإشارة.

وإنّما هو على الاستحباب ، على المشهور بين الأصحاب ، بل عن الناصريّات والانتصار والغنية الإجماع عليه (٣) ؛ للأصل ، والمستفيضة الناصّة على حصر الوجوب في الأجناس التسعة ، وخصوص صحيحة زرارة الواردة في مخاصمة أبي ذر وعثمان (٤) ، وموثّقة عبيد وابن بكير وجماعة من أصحابنا (٥) ، وصحيحة سليمان بن خالد (٦) ، وصحيحة زرارة (٧) ، وموثّقة إسحاق بن عمّار (٨) ، بل في الأوليين إشعار بأنّ الحكم بعدم الوجوب حقّ مخفيّ ، وأنّ عمل الناس على الوجوب.

خلافا للمحكيّ عن ظاهر الصدوقين ، فأوجباها (٩) ، وعن العماني‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٥٩ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١.

(٢) المنتهى ١ : ٥٠٧.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٤ ، الانتصار : ٧٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٠ ـ ١٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٩ ـ ٢٧ ، الوسائل ٩ : ٧٤ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٤ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٠ ـ ١٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٩ ـ ٢٥ ، الوسائل ٩ : ٧٥ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٤ ح ٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٠ ـ ١٩١ ، الاستبصار ٢ : ٩ ـ ٢٦ ، الوسائل ٩ : ٧٥ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٤ ح ٢.

(٧) التهذيب ٤ : ٣٥ ـ ٩٠ ، الوسائل ٩ : ٧٥ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٤ ح ٣.

(٨) التهذيب ٤ : ٦٩ ـ ١٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١١ ـ ٣١ ، الوسائل ٩ : ٧٥ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٤ ح ٤.

(٩) الصدوق في الفقيه ٢ : ١١ ، وحكاه عن والده في المختلف : ١٧٩.

٢٤١

نسبته إلى طائفة من الشيعة (١) ، وعن الخلاف والمبسوط والنزهة (٢) والسرائر حكايته عن جماعة من أصحابنا (٣).

لروايات غير عديدة جدّا ، منها : الواردة في مال اليتيم يتّجر له ، وقد مرّت الإشارة إلى كثير منها في الباب الأول.

ومنها : حسنة محمّد (٤) ، وموثّقة سماعة (٥) ، والروايات الأربع : لأبي الربيع ، وإسماعيل بن عبد الخالق ، وخالد بن الحجّاج ، وأبي بصير ، الآتية أكثرها ، وأكثرها صريحة أو ظاهرة في الإيجاب.

والجواب عنها : بالمعارضة مع ما مرّ ، فإمّا يجعل ما مرّ قرينة على الاستحباب ، أو يبنى على التعارض ، فيجب إمّا الترجيح ، وهو للنافية ؛ لأنّ الوجوب مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد (٦) ، فأخباره محمولة على التقيّة ، كما يومئ إليه ما تقدّم من الصحيحة والموثّقة أيضا .. أو الرجوع إلى الأصل ، وهو أيضا مع النفي ، فهو الحقّ.

مسائل :

المسألة الأولى : قالوا : المراد بمال التجارة ـ الذي تتعلّق به الزكاة ـ ما ملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب عند التملّك (٧).

والمراد بعقد المعاوضة ها هنا : ما يقوم طرفاه بالمال ، ويعبّر عنه‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ١٧٩.

(٢) الخلاف ٢ : ٩١ ، المبسوط ١ : ٢٢٠ ، نزهة الناظر : ٥٠.

(٣) السرائر ١ : ٤٤٥.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤١ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٨٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٢ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٨ ـ ٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٠ ـ ٨٧ ، الوسائل ٩ : ٨٨ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٢ ح ٥.

(٦) انظر : بدائع الصنائع ٢ : ٢٠ ، الأم للشافعي ٢ : ٤٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٣.

(٧) انظر : الشرائع ١ : ١٥٦ ، القواعد ١ : ٥٦ ، الدروس ١ : ٢٣٨.

٢٤٢

بالمعاوضة المحضة ، فيخرج الصداق عوض الخلع ، والصلح عن عوض الجنايات.

فلا زكاة في ما يملك بغير عقد ، كالإرث والاحتطاب وغيره ، وحيازة المباحات وإن قصد به الاكتساب.

أو بعقد غير معاوضة ، كالهبة.

أو بعقد معاوضة لا بقصد الاكتساب بل مع الذهول.

أو بقصد القنية (١) أو الصدقة أو نحوها.

أو بقصد الاكتساب لا عند التملّك ، بل طرأ ذلك القصد بعد التملّك.

ويدلّ على اشتراط جميع هذه الشروط ـ مضافا إلى الإجماع المحقّق في أكثرها ، وقد حكي في المعتبر والمنتهى على اشتراط نيّة الاكتساب عند التملّك (٢) ، وفي المدارك والذخيرة : نفي الخلاف عن اشتراط نيّة ـ الاكتساب (٣) ـ الأصل السالم عن المعارض ؛ لاختصاص أدلّة ثبوت الزكاة هنا بما يتضمّن رأس المال أو ما يتّجر به أو ما عمل فيه ، ولا يصدق شي‌ء من هذه الأمور بدون تحقّق التجارة في المال ، ولا تتحقّق هي ما لم تتحقّق فيه معاوضة بقصد التجارة.

وإلى ذلك يشير قول صاحب الذخيرة ، حيث استدلّ على اشتراط عقد المعاوضة باختصاص الأدلّة بذلك وعدم شمولها لغيره (٤).

بل يدلّ على الجميع أيضا مفهوم قوله في رواية موسى بن بكر : « إن كان أخوها يتّجر به فعليه الزكاة » (٥) ، فإنّ الاتّجار لا يتحقّق بدون جميع‌

__________________

(١) إذا اقتنيتها لنفسك لا للتجارة ـ الصحاح ٦ : ٢٤٦٧.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٤٨ ، المنتهى ١ : ٥٠٨.

(٣) المدارك ٥ : ١٦٥ ، الذخيرة : ٤٤٩.

(٤) الذخيرة : ٤٤٩.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٢ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٣٠ ـ ٧٦ ، الوسائل ٩ : ٩٠ أبواب من تجب

٢٤٣

الشروط المذكورة ، ولا يكفي فيه مجرّد النيّة قطعا.

وإلى هذا يشير من استدلّ على اشتراط نيّة الاكتساب عند التملّك ، بأنّ التجارة عمل ، فلا تكفي فيه النيّة.

ويدلّ عليه قوله في صحيحة البجلي : « إن كان عمل به فعليها الزكاة ، وإن لم يعمل به فلا » (١) ، فلا تثبت (٢) الزكاة ما لم يتحقّق العمل ، ولا يتحقّق هو بدون الشروط المذكورة.

وكذا قوله في صحيحة محمّد بن الفضيل : « لا تجب في مالهم زكاة حتى يعمل به ، فإذا عمل وجبت الزكاة » (٣).

وأمّا ما في المدارك (٤) ، من الاستدلال على اعتبار عقد المعاوضة برواية أبي الربيع : في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه وقد كان زكّى ماله قبل أن يشتري به ، هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال : « إن كان أمسكه ليلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة » (٥).

وحسنة محمّد : عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه وقد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع ، متى يزكّيه؟ فقال : « إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة‌

__________________

عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٣ ح ٢.

(١) الكافي ٣ : ٥٤٢ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٠ ـ ٧٥ ، الوسائل ٩ : ٩٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٣ ح ١.

(٢) في « ح » : يترتب.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧ ـ ٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٩ ـ ٨٥ ، الوسائل ٩ : ٨٨ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٢ ح ٤.

(٤) المدارك ٥ : ١٦٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٧ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٦٨ ـ ١٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠ ـ ٢٨ ، الوسائل ٩ : ٧١ أبواب من تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٤.

٢٤٤

بعد ما أمسكه بعد رأس المال » (١).

فضعيف ؛ لأنّ الجواب في الخبرين وقع على وفق السؤال ، فلا يدلّ على اختصاص الحكم بالمسئول عنه وعدم شموله لغيره.

وقد خالف في اشتراط مقارنة نيّة الاكتساب للتملّك جماعة ، كالمحقّق في المعتبر (٢) والشهيد في الدروس (٣) والشهيد الثاني في جملة من كتبه (٤) والفاضل الهندي في شرح الروضة وصاحب الحدائق (٥) ، ونفي عنه البأس في المدارك (٦).

فلو تملّك أولا بقصد القنية ثمَّ قصد به التجارة تتعلّق به الزكاة ؛ نظرا إلى أنّ المال بإعداده للربح يصدق عليه أنّه مال تجارة ، فتتناوله الروايات ، وبإطلاق الروايتين المذكورتين فإنّه لو اشترى أولا لا بنيّة التجارة ثمَّ قصدها وحبسه بعد ما يجد رأس ماله يكون مصداقا للروايتين.

قال في المعتبر : وقولهم : التجارة عمل. قلنا : لا نسلّم أنّ الزكاة تتعلّق بالفعل ، الذي هو الابتياع ، بل لم لا يكفي إعداد السلعة لطلب الربح؟! وذلك يتحقّق بالنيّة (٧).

وفيه : أنّه إن أريد بإعداد المال للربح تملّكه بنيّة الربح فهو لا يفيد له ، وإن أريد قصد الاسترباح منه بعد تملّكه بقصد آخر فلا نسلّم كونه أعدادا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٨ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ ـ ١٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠ ـ ٢٩ ، الوسائل ٩ : ٧١ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٣ ح ٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٤٩.

(٣) انظر الدروس : ١ : ٢٤٠.

(٤) كالروضة ٢ : ٣٧ ، المسالك ١ : ٥٧.

(٥) الحدائق ١٢ : ١٤٦.

(٦) المدارك ٥ : ١٦٦.

(٧) المعتبر ٢ : ٥٤٩.

٢٤٥

للربح ، ولا يصدق عليه مال التجارة.

وأمّا الروايتان فظاهرهما الاشتراء بقصد الاسترباح ، كما يشعر به قوله : « فكسد عليه ».

وأمّا ما ذكره أخيرا من منع تعلّق الزكاة بسبب الفعل ففيه : أنّ تعلّقها خلاف الأصل ، فعليه الإثبات ، مع أنّ الأعداد للربح ليس إلاّ تملّكه له دون قصد الاسترباح.

المسألة الثانية : يشترط في تعلّق الزكاة بمال التجارة ـ سوى ما مرّ من كونه مال تجارة ـ ثلاثة شروط أخر :

الأول : الحول بالمعنى السابق ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ (١) ، وحسنة محمّد وروايته ..

الاولى : عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها ، قال : « إذا حال عليها الحول فليزكّها » (٢).

والثانية : « كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول » (٣).

الثاني : النصاب ، وهو نصاب أحد النقدين بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ (٤) فيهما.

مضافا في الأول إلى الأصل ؛ لأنّ الثابت من الروايات ليس إلاّ وجوب الزكاة في مال التجارة ، والزكاة لكونها اسما لمال معيّن شرعا فلا يعلم صدقها على المخرج من الأقلّ ممّا اجمع على ثبوت الزكاة فيه.

__________________

(١) انظر : المنتهى ١ : ٥٠٧.

(٢) راجع ص : ٢٤٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٨ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٧٢ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٣ ح ٨.

(٤) كما في المعتبر ٢ : ٥٤٦.

٢٤٦

وفيهما ، إلى رواية إسحاق بن عمّار ، وفيها : « وكلّ ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات » (١).

وهل يشترط في الزيادة على النصاب بلوغه النصاب الثاني؟

المشهور : نعم ، وهو الحقّ ؛ للأصل المذكور.

وعن ظاهر إطلاق التحرير : عدم الاشتراط (٢).

وعن الشهيد الثاني في حواشي القواعد : عدم الوقوف على دليل يدلّ على اعتباره ، والأصل المذكور كاف في الدلالة.

ويشترط بقاء النصاب طول الحول بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ عن المعتبر والتذكرة (٣) ، وفي المدارك (٤) ، وهو الدليل عليه دون غيره من روايات اشتراط الحول ، لخلوّها عن اشتراط وجود النصاب تمام الحول.

الثالث : أن لا تنقص قيمة المتاع عن رأس المال ، بأن يطلب منه برأس المال أو أزيد وهو لم يبعه التماس الفضل ، فلو نقص متاعه عن رأس المال ولو قلّ فلا زكاة وإن كان ثمنه أضعاف النصاب ؛ بالإجماعين ، والمستفيضة :

منها : حسنة محمّد ورواية الشامي المتقدّمتين (٥).

وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ، وفيها : « إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة ، وإن كنت إنّما تربّص به لأنّك لا تجد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٩٣ ـ ٢٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٩ ـ ١٢١ ، الوسائل ٩ : ١٣٩ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٧.

(٢) التحرير ١ : ٦٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٤٦ ، التذكرة ١ : ٢٢٧.

(٤) المدارك ٥ : ١٧٠.

(٥) في ص : ٢٤٤.

٢٤٧

إلاّ وضيعته فليس عليك زكاة » (١)

وموثّقة سماعة : يكون الرجل عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده السنة والسنتين أو أكثر من ذلك ، قال : « ليس عليه زكاة حتى يبيعه ، إلاّ أن يكون أعطي به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل ، فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة ، وإن لم يكن أعطي به رأس ماله فليس عليه زكاة حتى يبيعه وإن حبسه ما حبسه ، فإذا هو باعه فإنّما عليه زكاة سنة واحدة » (٢).

وموثّقة العلاء : المتاع لا أصيب به رأس المال ، عليّ فيه زكاة؟ قال : « لا » ، قلت : أمسكه سنتين ثمَّ أبيعه ، ما ذا عليّ؟ قال : « سنة واحدة » (٣).

وأمّا ما في الروايتين الأخيرتين ـ من التزكية لسنة واحدة بعد البيع مع النقيصة ـ فالمراد منهما : زكاة النقدين ، يعني : إذا باع وصار ثمنه ذهبا أو فضّة وحال عليه الحول يزكّيه لهذه السنة.

وقد يحمل على الاستحباب ، كما صرّح به جمع من الأصحاب (٤) ؛ جمعا بين الأدلّة ، وهو أيضا محتمل.

وقالوا : يشترط بقاء رأس المال طول الحول (٥) ، والدليل عليه الإجماع ، وأمّا الروايات فلا تدلّ على أزيد من اشتراط بقاء رأس المال ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٩ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ٦٩ ـ ١٨٧ الاستبصار ٢ : ١٠ ـ ٣٠ ، الوسائل ٩ : ٧٠ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٣ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٨ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٧٢ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٣ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٦٩ ـ ١٨٩ ، الاستبصار ٢ : ١١ ـ ٣٢ ، الوسائل ٩ : ٧٢ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٣ ح ٩.

(٤) كالشيخ في الاستبصار ٢ : ١١ ، صاحب الرياض ١ : ٢٧٥.

(٥) كما في المعتبر ٢ : ٥٥٠ ، والمنتهى ١ : ٥٠٨.

٢٤٨

وأمّا اشتراط ذلك طول الحول فلا.

فروع :

أ : هل يشترط في زكاة مال التجارة بقاء عين السلعة طول الحول ، كما في الماليّة؟

أم لا يشترط ذلك ، فتثبت الزكاة وإن تبدّلت الأعيان مع بلوغ القيمة النصاب؟

الأول : محكيّ عن الصدوق والمفيد والمحقّق (١) ، واختاره في المدارك والذخيرة (٢) ، وبعض من تأخّر عنهما (٣).

وهو الحقّ ؛ لأنّ المستفاد من حسنة محمّد وروايته (٤) المتضمّنتين لاشتراط الحول : اشتراط حولانه على شخص المال ؛ لأنّه معنى حولان الحول على المال المذكور في الحديث ، ويرجع إليه الضمير ، وسقوط الزكاة بدون ذلك ، ومع التبدّل تكون الثانية غير الأولى ، فلا تكون فيه الزكاة إذا لم يحل عليه الحول.

ويدلّ عليه أيضا الأصل ، وتؤكّده ظواهر النصوص ، سيما مثل : حسنة محمّد ورواية أبي الربيع ، المتضمّنتين للإمساك والحبس (٥) ، وصحيحة ابن عبد الخالق وموثّقة سماعة ، المشتملتين على التربّص والمكث (٦) ، وصحيحة‌

__________________

(١) الصدوق في الفقيه ٢ : ١١ ، المفيد في المقنعة : ٢٤٧ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٥٤٧ ، والشرائع ١ : ١٥٨.

(٢) المدارك ٥ : ١٧١ ، الذخيرة : ٤٤٩.

(٣) كصاحب الحدائق ١٢ : ١٤٧ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٧٥.

(٤) المتقدّمتين في ص : ٢٤٦.

(٥) تقدمتا في ص : ٢٤٤.

(٦) تقدمتا في ص ٢٤٨ ، ٢٤٩.

٢٤٩

الكرخي ، المشتملة على المنع من البيع (١) ، وغيرها.

والثاني : منقول عن الفاضل وولده (٢) ، وجمع ممّن تأخّر عنهما (٣) ، وعن التذكرة والإيضاح : الإجماع عليه (٤) ؛ له ، ولإطلاق ثبوت الزكاة في مال التجارة وما يعمل [ به ] (٥) في رواية موسى بن بكر ، وصحيحتي البجلي ومحمّد بن الفضيل ، المتقدّمة (٦).

ورواية عمر بن أبي شعبة : عن مال اليتيم ، قال : « لا زكاة عليه ، إلاّ أن يعمل به » (٧).

والإجماع ممنوع ، والإطلاق بما مرّ مدفوع.

ب : قد عرفت أنّ النصاب هنا نصاب النقدين ، يعني : إذا بلغت قيمة المال هذا الحدّ وجبت الزكاة فيه.

فقيل : إنّه يكفي بلوغ أحدهما مطلقا وإن لم يبلغ الآخر ، ذكره في الشرائع والإرشاد (٨) ؛ لصدق بلوغ النصاب معه.

وقيل : هذا إذا كان رأس المال ، أي الثمن الذي اشترى به المتاع عرضا ، وإلاّ فالمعتبر نصاب الثمن الذي اشتراه به ، ذكره الشهيدان في الدروس والمسالك (٩) وابن فهد في موجزه والمحقّق الثاني (١٠) وجدّي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٩ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ٧١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٥.

(٢) الفاضل في المنتهى ١ : ٥٠٧ ، والتحرير ١ : ٦٥ ، وولده في الإيضاح ١ : ١٨٧.

(٣) كالشهيد الأوّل في البيان : ٣٠٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨.

(٤) التذكرة ١ : ٢٢٩ ، الإيضاح ١ : ١٨٧.

(٥) أضفناه لاستقامة المعنى.

(٦) في ص : ٢٤٣ ، ٢٤٤.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٧ ـ ٦٤ ، الوسائل ٩ : ٨٦ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ١ ح ١٠.

(٨) الشرائع ١ : ١٥٩ ، الإرشاد ١ : ٢٨٥.

(٩) الدروس ١ : ٢٣٩ ، المسالك ١ : ٥٨.

(١٠) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٢٦.

٢٥٠

الفاضل في رسالته.

وقيل : على كون الثمن عروضا يقوّم بالنقد الغالب ـ إن كان ـ ويعتبر البلوغ به ، وإن تساويا فبأيّهما شاء أو بأقلّهما (١) ؛ لصدق البلوغ.

وفي كلام بعضهم هنا اضطراب ، ولا دليل تامّا على شي‌ء منها.

وحيث كان الدليل على اعتبار النصاب : الإجماع والأصل كما مرّ ، فلازمه جعله أعلى الأمور ؛ حيث إنّه لا دليل على وجوب الزكاة في الأقلّ.

ويستفاد من كلام بعضهم اعتبار الأقلّ (٢).

وهو حسن إن ثبت المراد من الزكاة وأنّها إخراج جزء من المال مطلقا وفيه تأمّل ؛ لاحتمال كونها إخراج جزء من المال البالغ حدّا معيّنا ، فتأمّل.

ج : كما أنّه يشترط بقاء النصاب ورأس المال طول الحول ، كذلك يشترط بقاء سائر القيود المتقدّمة ، الموجبة لصدق مال التجارة أيضا طول الحول ؛ بالإجماع ، فلو نوى القنية في أثناء الحول سقط الاستحباب.

د : لو كان بيده نصاب واشترى به في أثناء الحول متاعا للتجارة سقط حول الأول ، واستأنف حول التجارة من حين الشراء ، وفاقا للفاضلين (٣) ، وجمع آخر (٤) ؛ لانقطاع حول الأول بتبدّل المحلّ ، واشتراط حول التجارة بكونه بعد عقد المعاوضة.

ولا فرق في ذلك بين كون المال الأول النقدين أو مال التجارة ؛ بناء على ما عرفت من اعتبار بقاء السلعة طول الحول في مال التجارة.

__________________

(١) انظر : البيان : ٣٠٦.

(٢) كما في مجمع الفائدة ٤ : ١٣٦.

(٣) المحقق في الشرائع ١ : ١٥٧ ، والمعتبر ٢ : ٥٤٥ ، العلاّمة في القواعد ١ : ٥٦.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ١٣٧ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٤٩.

٢٥١

وعن الخلاف والمبسوط : بناء حول العرض على حول الأصل إن كان الأصل نقدا (١) ؛ وحجّته ضعيفة.

وعن التذكرة : البناء إن كان الثمن مال تجارة ، وإلاّ استأنف (٢) ؛ وهو مبنيّ على ما اختاره من عدم سقوط الاستحباب بالتقليب والتبديل في الأثناء ، وقد عرفت حاله.

هـ : لو كان رأس المال أقلّ من النصاب استأنف الحول عند بلوغه ، بلا خلاف بين الأصحاب (٣) ، ووجهه ظاهر ، ولبعض العامّة هنا خلاف (٤).

المسألة الثالثة : زكاة مال التجارة تتعلّق بالقيمة لا بالعين‌ عند الشيخ ومن تبعه (٥) ، ومنهم : المحقّق في الشرائع والفاضل في الإرشاد والمنتهى (٦) ، بل ظاهر المنتهى يشعر بعدم الخلاف فيه عندنا ، وفي الحدائق : الظاهر أنّه المشهور (٧) ؛ واستدلّ له بوجه اعتباريّ ضعيف غايته ، ورواية قاصرة الدلالة جدّا.

وعن التذكرة : الميل إلى التعلّق بالعين (٨) ، وجعله في المعتبر أنسب بالمذهب (٩) ، واستحسنه في المدارك (١٠).

وهو الحقّ ؛ لأصل الاشتغال ، ولقوله في صحيحة ابن عبد الخالق :

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٩٤ ، المبسوط ١ : ٢٢١.

(٢) التذكرة ١ : ٢٢٩.

(٣) انظر : المدارك ٥ : ١٧٣.

(٤) انظر : المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٥.

(٥) الشيخ في الخلاف ٢ : ٩٥ ، وسلاّر في المراسم : ١٣٦.

(٦) الشرائع ١ : ١٥٧ ، الإرشاد ١ : ٢٨٥ ، المنتهى ١ : ٥٠٨.

(٧) الحدائق ١٢ : ١٥٠.

(٨) التذكرة ١ : ٢٢٨.

(٩) المعتبر ٢ : ٥٥٠.

(١٠) المدارك ٥ : ١٧٤.

٢٥٢

« فعليك فيه زكاة » (١).

وفي رواية محمّد : « كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة » (٢).

وفي موثّقة سماعة : « فإذا فعل ذلك وجبت فيه الزكاة » (٣).

دلّت على التعلّق بالعين لمكان لفظة « في » على ما مرّ في مسألة تعلّق الزكاة بالعين.

وتظهر الفائدة في جواز بيع السلعة بعد الحول وقبل إخراج الزكاة أو ضمانها ، على القول بوجوب هذه الزكاة فيما إذا زادت القيمة بعد الحول ، وغير ذلك.

المسألة الرابعة : لو اتّجر بالمال الزكوي وملك نصابا منه للتجارة‌ ـ كأربعين شاة ـ وحال عليه الحول مع قصد التجارة ، فالمشهور ـ كما صرّح به جدّي الفاضل قدس‌سره وصاحب الحدائق ، بل المدّعى عليه الإجماع (٤) ـ سقوط أحد الزكاتين ، وهو زكاة التجارة ، ووجوب الماليّة.

أمّا سقوط أحدهما فبالإجماع ، ذكره في المعتبر والمنتهى والتذكرة (٥) ، ولقوله عليه‌السلام في حسنة زرارة : « لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد » (٦).

وأمّا أنّ الساقط زكاة التجارة ، فلانتفاء الدليل على ثبوت زكاة التجارة عند تحقّق شرائط وجوب الماليّة ، كما لا يخفى على الناظر في النصوص ،

__________________

(١) تقدّمت في ص : ٢٤٧.

(٢) تقدّمت في ص : ٢٤٦.

(٣) تقدّمت في ص : ٢٤٨.

(٤) الحدائق ١٢ : ١٥١.

(٥) المعتبر ٢ : ٥٤٩ ، المنتهى ١ : ٥٠٩ ، التذكرة ١ : ٢٢٩.

(٦) الكافي ٣ : ٥٢٠ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ ـ ٨٥ ، الوسائل ٩ : ١٠٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٧ ح ١.

٢٥٣

التي هي مستند زكاة التجارة.

مضافا على القول باستحبابها إلى وجوب تقديم الواجب على المستحبّ ، وعلى القول باستحبابها إلى وجوه أخر ذكرها الشيخ (١) ، ولكنها ضعيفة جدّا.

أقول : أمّا سقوط أحدهما فإن ثبت الإجماع فيه ، وإلاّ فلا دليل عليه ؛ لأنّ قوله : « لا يزكّى » في الحسنة مجاز في الإنشاء ، ومجازه يمكن أن يكون عدم الوجوب ، أي لا تجب في عام واحد زكاة مال من وجهين ، فلا ينافي استحبابها من وجه ، ووجوبها من آخر ، ولذا قيل بثبوت الزكاتين : هذه وجوبا ، وهذه استحبابا ، نقله في الشرائع (٢) ، وغيره (٣) ، وهو متّجه جدّا.

ثمَّ على السقوط ، فما ذكروه لإسقاط التجارة ضعيف ، أمّا انتفاء الدليل على الثبوت فلكفاية عموم قوله في رواية محمّد : « كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول » (٤).

وقوله في صحيحة الكرخي : « ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلاّ لتزداد فضلا على فضلك فزكّه » (٥).

وأمّا تقديم الواجب على المستحبّ ، فلأنّ ذلك إنّما هو على فرض ثبوت الواجب على وجوبه ، ونحن إذا قلنا بعدم اجتماع الزكاتين وسقوط أحدهما فيحتمل سقوط الواجب ، ولذا ذهب بعضهم إلى تخيير المالك في‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٢٢.

(٢) الشرائع ١ : ١٥٧.

(٣) انظر : المسالك ١ : ٥٩.

(٤) تقدمت في ص : ٢٤٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٩ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ٧١ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٣ ح ٥.

٢٥٤

إخراج أيّهما شاء (١) ؛ وهو جيّد على القول بعدم اجتماعهما.

هذا ، ثمَّ لا يخفى أنّ على المشهور ـ من بقاء زكاة الماليّة فقط ـ ينبغي التقييد بما إذا لم يزد على النصاب بقدر نصاب التجارة ، فلو كانت عنده مائة شاة ، وبلغت خمسون منها قيمة النصاب للتجارة اتّجه القول بالزكاتين ، إحداهما لأربعين شاة ، والأخرى للزائد عليها ؛ لأنّه لا تكون الزكاتان حينئذ لمال.

إلاّ أن يقال : إنّ الماليّة لمجموع النصاب ، والعفو دون النصاب خاصّة.

واعلم أيضا أنّه لو كان المال بقدر كلّ من النصابين ، فإن تقدّم حول الماليّة سقطت الزكاة للتجارة قطعا ؛ لنقصان النصاب قبل الحول.

وإن تقدّم حول التجارة لم تسقط الماليّة ؛ لأنّ زكاة التجارة وإن تعلّقت بالعين إلاّ أنّه ليس تعلّق استحقاق وانتقال ملك ، بل أولويّة إخراج ، فإن أخرج قبل حول الماليّة سقطت الماليّة ، وإلاّ كان كما إذا حال الحولان معا.

المسألة الخامسة : لو عاوض النصاب الزكوي في أثناء الحول‌ للتجارة بمثله لها ـ كأربعين سائمة بأربعين سائمة ـ سقط وجوب الماليّة والتجارة واستأنف الحول من حين المعاوضة.

أمّا سقوط الماليّة ، فلانقطاع الحول بالنسبة إليها ؛ وأمّا سقوط التجارة ، فلتبدّل العين.

وخالف الشيخ في الأول (٢) ، والفاضل في الثاني (٣).

وخلاف الأول مبنيّ على ما ذهب إليه من عدم سقوط الزكاة بالتبديل بالجنس.

__________________

(١) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨.

(٢) كما في المبسوط ١ : ٢٢٣ ، والخلاف ٢ : ١٠٠.

(٣) كما في التحرير ١ : ٦٥ ، والمنتهى ١ : ٥٠٧.

٢٥٥

والثاني على ما ذهب إليه من عدم اشتراط بقاء السلعة طول الحول.

وتقدّم الكلام معهما فيهما.

المسألة السادسة : إذا دفع إنسان مالا إلى غيره قراضا ـ على النصف مثلا ـ فظهر فيه ربح ، كانت زكاة الأصل على المالك إذا بلغ النصاب واجتمعت فيه الشرائط ، وكذا حصّته من الربح بعد اعتبار ما يجب اعتباره من النصاب والحول.

وأمّا حصّة العامل ، فإن قلنا : إنّه يملكها بالظهور ، وجبت زكاتها عليه إذا بلغت النصاب ، وحال عليها الحول من حين الملك ، وكان متمكّنا من التصرّف فيها ، ولو بالتمكّن من القسمة.

وإن قلنا : إنّه لا يملكها إلاّ بالقسمة ، فلا زكاة عليه قبلها ؛ لانتفاء الملك.

والأظهر سقوط زكاة هذه الحصّة عن المالك أيضا على هذا التقدير ؛ لأنّها متردّدة بين أن تسلم فتكون للعامل ، أو تتلف فلا تكون له ولا للمالك.

وإن قلنا : إنّه لا يملك الحصّة وإنّما يستحقّ اجرة المثل ، فالزكاة كلّها على المالك ؛ لأنّ الأجرة دين ، والدين لا يمنع الزكاة.

والله سبحانه هو الموفّق للسداد والرشاد.

المسألة السابعة : الدين لا يمنع من تعلّق الزكاة بالنصاب المتجر به‌ إجماعا ، كما صرح به غير واحد (١) ، وإن لم يكن للمديون مال سواه ؛ لأنّ متعلّق الدين : الذمّة ، ومتعلّق زكاة التجارة : العين ؛ وللعمومات والإطلاقات السالمة عن المخصّص والمقيّد.

تتميم : لا تستحبّ الزكاة في المساكن ، ولا في الثياب ، ولا الآلات‌

__________________

(١) كالعلاّمة في المنتهى ١ : ٥٠٦ ، والتذكرة ١ : ٢٣٠ ، صاحب المدارك ٥ : ١٨٣.

٢٥٦

وأمتعة القنية ؛ بالإجماع ، والأصل ، وأخبار حصر الزكاة في الأصناف التسعة ، والله يعلم.

٢٥٧

الباب الرابع

في مصرف الزكاة وصرفها ، وما يتعلق بهما‌

وتفصيل الكلام في ذلك المقام يستدعي رسم فصول :

الفصل الأول

في أصناف المستحقّين‌

وهي ثمانية بنصّ القرآن ، وإجماع المسلمين :

الصنف الأول والثاني : الفقراء والمساكين.

وهما وإن كانا متغايرين معنى على الأظهر الأشهر لغة وفتوى ، المنصوص عليه في الصحيح (١) والحسن (٢) ، ومقتضاهما كون المسكين أسوء حالا من الفقير ، إلاّ أنّه ـ لمّا انعقد الإجماع على عدم وجوب بسط الزكاة على الأصناف ، واستحقاقهما الزكاة ـ لا ثمرة في تحقيق ذلك في هذا المقام ، وإنّما المهمّ بيان الوصف الجامع بين الصنفين في استحقاقهما الزكاة وسائر شرائطها.

ونحن نذكرهما في مسائل :

المسألة الأولى : قد وقع الخلاف في الوصف الجامع بين الصنفين في استحقاقهما الزكاة على ثلاثة أقوال :

الأول : أن لا يملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمته ، وهو منقول عن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٠٢ ـ ١٨ ، الوسائل ٩ : ٢١٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٠١ ـ ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ ـ ٢٩٧ ، الوسائل ٩ : ٢١٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٣.

٢٥٨

الخلاف (١) ، ولم أجده في باب الزكاة منه ، ونقل عنه الحلّي غيره كما يأتي.

نعم ، قال فيه : تجب زكاة الفطرة على من ملك نصاب الزكاة أو قيمته (٢).

ولعلّه منشأ النقل ؛ حيث إنّه لا تجب الفطرة على الفقير ، ونقل في المبسوط هذا القول عن بعض أصحابنا ، وكذا في السرائر (٣).

الثاني : أن لا يملك ما يكون قدر كفايته لمؤنته طول سنته ، ذهب إليه الأكثر ، كما صرّح به في الروضة (٤) ، وغيرها (٥).

الثالث : أن لا يكون قادرا على كفايته وكفاية من تلزمه كفايته على الدوام ، اختاره في المبسوط (٦).

فإن أريد بالدوام السنة ـ كما في المختلف (٧) ـ يرجع إلى القول الثاني.

وإن أريد به ما تحصل به الكفاية عادة ـ من فائدة صنعة ، أو غلّة ضيعة ، أو ربح مال تجارة كما قيل ـ يرجع أيضا إليه على بعض وجوهه الآتية ؛ حيث إنّ من ملك ما تكفي غلّته وربحه مئونة سنته يصدق عليه أنّه يملك ما يحصل به الكفاية عادة.

وإن جعل الدوام قيدا لقوله : تلزمه ، كما احتمل ، تكون مدّة الكفاية مجملة ، ويكون موافقا لقول من اعتبر عدم الكفاية بالإطلاق ، والظاهر أنّه أيضا يرجع إلى الثاني بأحد وجوهه.

__________________

(١) نقله عنه في المنتهى ١ : ٥١٧ ، والمهذب البارع ١ : ٥٢٩.

(٢) الخلاف ٢ : ١٤٦.

(٣) المبسوط ١ : ٢٥٧ ، السرائر ١ : ٤٦٢.

(٤) الروضة ٢ : ٤٢.

(٥) كمجمع الفائدة ٤ : ١٥١ ، والرياض ١ : ٢٧٨.

(٦) المبسوط ١ : ٢٥٦.

(٧) المختلف : ١٨٣.

٢٥٩

ومنه يظهر : أنّ في المسألة قولين ، والحقّ هو الثاني.

لا لما قيل من صدق الفقر والاحتياج عرفا مع عدم تملّك ما يكفيه لسنته وعدم صدقه مع تملّكه (١) ؛ لأنّي لا أفهم تفاوت الصدق عرفا بين مالك كفاية السنة وأحد عشر شهرا.

ولا للمرويّ في المقنعة : « تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة ، وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة » (٢) ؛ لعدم دلالته فيه إلاّ بمفهوم وصف ضعيف.

بل للإجماع ؛ حيث إنّ المخالف فيه شاذّ جدّا ، غير قادح في حكم الحدس بالإجماع.

وحسنة أبي بصير : « يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره » ، قلت : فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟! فقال : « زكاته صدقة على عياله ، فلا يأخذها إلاّ أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقلّ من سنة فهذا يأخذها ، ولا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة » (٣).

والمرويّ في العلل عن المسائل : وعنده قوت يوم ، أيحلّ له أن يسأل؟ وإن أعطي شيئا من قبل أن يسأل أيحلّ له أن يقبله؟ قال : « يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة ؛ لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة » (٤).

وتدلّ عليه أيضا النصوص الآتية ، الدالّة على جواز أخذ الزكاة لمن له ثلاثمائة درهم ، أو أربعمائة درهم ، أو مائتا درهم ، أو سبعمائة درهم ، أو‌

__________________

(١) كما في المدارك ٥ : ١٩٤ ، والذخيرة : ٤٥٣.

(٢) المقنعة : ٢٤٨.

(٣) الكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٣١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ١.

(٤) العلل : ٣٧١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٣٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٧.

٢٦٠