مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

فروع :

أ : ظاهر هذه الأدلّة أنّ تعلّقها بالعين إنّما هو على سبيل الاستحقاق وليس مجرّد الاستيثاق (١) ، وهو ظاهر.

ب : هل يكون استحقاق الفقير وشركته على سبيل الإشاعة حتى يشترك في كلّ شاة مثلا بقدر الحصّة ؛ أو يملك الفقراء واحدا منها لا على التعيين؟

لا دليل على الأول ، وظاهر جميع الأخبار : الثاني ، بمعنى : أنّ واحدا غير معيّن من الأربعين مثلا يصير ملكا للفقير ، فتحصل البراءة بإعطاء أيّ واحد منها.

وتوهّم أنّ الملك لا يخلو عن التعيين أو الإشاعة باطل ؛ إذ لا أرى فسادا في أن يقول الشارع : واحد غير معيّن من هذه العشرة ملك لزيد ، كما إذا قال : يجب عليك إعطاء شاة من هذه الأربعين أو نذر شاة من هذه الشياه المعيّنة ، فكما يتعلّق الوجوب والنذر بواحد لا على التعيين فكذلك الملكيّة ، بل مرجع الملكيّة هنا أيضا على وجوب الإخراج.

ج : يجوز للمالك إخراج ما شاء من النصاب بعد ما كان جامعا لوصف الفريضة من غير حاجة إلى حضور المصدّق ولا الفقير ، ومن غير احتياج إلى قرعة ، وليس للمصدّق ولا الفقير مزاحمته ومشاحّته.

أمّا جواز إخراجه بنفسه مستقلاّ ، فبالأخبار الغير العديدة الواردة في جواز إعطاء الزكاة إلى الفقير من غير إظهار أنّه زكاته ، وفي إخراج الزكاة.

__________________

(١) قال في البيان : ٣٠٣ : في كيفية تعلّقها بالعين وجهان ، أحدهما : أنه على طريق الاستحقاق فالفقير شريك ، وثانيهما : أنه استيثاق ، فيحتمل أنّه كالرهن ، ويحتمل أنه كتعلق أرش الجناية بالعبد.

٢٢١

منها صحيحة أبي بصير : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمَّ سمّاها لقوم فضاعت ، أو أرسل بها إليهم فضاعت ، فلا شي‌ء عليه » (١).

وصحيحة زرارة : « إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها » (٢) ، إلى غير ذلك (٣).

وأمّا عدم الاحتياج إلى قرعة أو تسوية ، فللأصل ، وصدق إخراج الشاة مثلا.

وأمّا عدم جواز مزاحمة الفقير والمصدّق فلذلك أيضا.

وأمّا ما في حسنة العجلي ـ المتضمّنة لما علّمه أمير المؤمنين عليه‌السلام لمصدّقه وأمره بصدع المال صدعين إلى أن ينتهي إلى قدر الفريضة (٤) ـ فهو ليس بواجب إجماعا.

وذهب جماعة ـ منهم الشيخ ـ إلى استعمال القرعة عند التشاحّ (٥) ، بل قد ينقل قول بها من غير تقييد بالتشاحّ أيضا (٦). ولا دليل لهما.

د : قالوا : الفريضة وإن تعلّقت بالعين ، إلاّ أنّه يجوز إخراجها من غير عين النصاب وإن اشتمل عليها (٧) ، بالإجماع على ما نقله جماعة (٨) ؛ وتدلّ عليه صحيحة البصري المتقدّمة (٩).

__________________

(١) تقدّمت في ص : ٢١٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٨٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩.

(٤) راجع ص : ٢١٧.

(٥) المبسوط ١ : ١٩٥.

(٦) انظر : التذكرة ١ : ٢١٥.

(٧) انظر : المعتبر ٢ : ٥٢٢ ، التذكرة ١ : ٢٢٤ ، المسالك ١ : ٥٤.

(٨) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٥١٦ ، العلاّمة في التذكرة ١ : ٢٢٤ ، الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٠٢.

(٩) في ص : ٢١٧.

٢٢٢

وقد تنسب المخالفة إلى شاذّ (١).

أقول : المخالفة إن كانت في الإخراج من غير النصاب مطلقا ولو بالقيمة فهي ضعيفة ؛ للصحيحة (٢) ، وسائر روايات القيمة الآتية.

وإن كانت في إخراج جنس النصاب عن غيره بدون اعتبار القيمة فهي قويّة ؛ إذ لا دليل على كفاية مطلق الجنس ولو من غير النصاب ، فإنّ الإطلاقات (٣) كلّها ممّا يستدلّ بها على التعلّق بالعين ، كقولهم : « في أربعين شاة شاة » ونحوه ، ولا يثبت منه أزيد من كفاية المطلق ممّا في العين.

وأمّا المطلق من غيره فلا دليل عليه ، ولو فرض وجود إطلاق فيجب حمله على المقيّد ممّا يدلّ على التعلّق بالعين.

فالحقّ : جواز الإخراج من غير النصاب ، ولكن مع اعتبار القيمة.

هـ : يجوز إعطاء القيمة أيضا كما مرّ.

و : لو باع المالك جميع المال الذي تعلّقت به الزكاة نفذ في الزائد عن الفريضة قولا واحدا ، وكذا في قدر الفرض إن أخرجه من غيره أو بقيمته أو ضمن القيمة إن قلنا بجوازه.

ويبطل البيع في مساوي الفريضة إن لم يخرجه من غيره أو بقيمته ؛ لما مرّ من شركة الفقراء. ويتخيّر المشتري من باب تبعّض الصفقة.

ولا يقع فضوليّا يصحّ بالإجازة ولو قلنا بصحّة البيع الفضولي ؛ لعدم ثبوتها فيما لم يتعيّن المالك المخيّر أيضا.

ولو أخرج الزكاة بعد البيع لم يصحّ البيع في الجميع ، كما ذكره‌

__________________

(١) انظر : التذكرة ١ : ٢٢٤.

(٢) المتقدّمة في ص : ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٣) الوسائل ٩ : ١١٦ أبواب زكاة الأنعام ب ٦.

٢٢٣

المحقّق (١) ؛ لأنّ الفريضة حينئذ ملك مستأنف.

وعن الشيخ قول بصحّة البيع في الجميع حينئذ (٢) ، ولا وجه له.

وللفاضل في التذكرة قول بصحّة البيع مطلقا ولو لم يخرج بعده أيضا (٣) ، وقول آخر في موضع آخر منه بالصحّة عند الضمان أو الشرط على المشتري ، واحتمل الصحّة والبطلان عند عدمهما. والأصحّ ما ذكرناه.

ز : وإذ عرفت أنّ شركة الفقراء ليست على وجه الإشاعة حتى يشتركوا في كلّ جزء ، وأنّ لهم قدر الفريضة من النصاب لا على التعيين ، فيجوز للمالك التصرّف في القدر الزائد على الفريضة كيف شاء ، ويجوز القبول منه والأكل من ماله وإن علم أنّه لا يزكّي ، ما لم يزد ذلك على جميع النصاب.

وكذا لا يسقط عن الفريضة شي‌ء بتلف بعض النصاب ما دام قدر الفريضة باقيا ، كما يأتي بيانه في مسألة على حدة ، والله العالم.

المسألة الثالثة : إذا اجتمعت شرائط وجوب الزكاة ، فإن لم يوجد المستحقّ يجوز للمالك عزلها وإفرازها من ماله وتعيينها في مال خاصّ ويصحّ عزله ، بلا خلاف يعلم ، كما في الذخيرة (٤) ، ونسبه في الحدائق إلى الأصحاب (٥) ، ونفى عنه الريب في المدارك (٦) ، بل فيه وفي غيره من كتب الأصحاب : أفضليّته (٧).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٦٣.

(٢) المبسوط ١ : ٢٠٧.

(٣) التذكرة ١ : ٢٢٦.

(٤) الذخيرة : ٤٦٧.

(٥) الحدائق ١٢ : ٢٤٢.

(٦) المدارك ٥ : ٢٧٤.

(٧) كما في المنتهى ١ : ٥٢٩.

٢٢٤

لا لوجوه اعتباريّة ذكروها ؛ لإشكال الاستناد إليها في إثبات ما هو العمدة والمقصود من العزل ، من صيرورة المعزول ملكا للمستحقّين قهرا حتّى لا يشاركهم المالك عند التلف أصلا.

بل للمستفيضة من الأخبار ، كالصحاح الثلاث لمحمّد وزرارة وأبي بصير ، وحسنتي عبيد وبكير ، وموثّقة وهب ، الآتية جميعا في المسألة الآتية.

وموثّقة يونس بن يعقوب : زكاة تحلّ عليّ شهرا فيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ قال : « إذا حال الحول فأخرجها من مالك ، ولا تخلطها بشي‌ء ، وأعطها كيف شئت » قال : قلت : [ فإن ] (١) أنا كتبتها وأثبتّها يستقيم لي؟ قال : « نعم ، لا يضرّك » (٢).

وصحيحة ابن سنان : في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها ويبقى بعض يلتمس لها المواضع ، فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر ، قال : « لا بأس » (٣).

ورواية أبي حمزة : عن الزكاة تجب عليّ في موضع لا يمكنني أن أؤدّيها ، قال : « اعزلها ، فإن اتّجرت بها فأنت ضامن لها ، ولها الربح ، وإن نويت في حال عزلها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك ، وإن لم تعزلها واتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ، ولا وضيعة عليها » (٤).

__________________

(١) لا توجد في النسخ ، أثبتناها من المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٢ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ١١٩ ، الوسائل ٩ : ٣٠٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٣ الزكاة ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ١١٨ ، الوسائل ٩ : ٣٠٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٣ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٦٠ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٣٠٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٣.

٢٢٥

ويدلّ إطلاق غير الأخيرة ـ بل ظاهر صدر الموثّقة الثانية ـ على جواز العزل وصحّته مع وجود المستحقّ أيضا كما هو الأظهر ، وفاقا للفاضلين والدروس ؛ لما ذكر (١).

وخلافا للمحكيّ عن الشهيد الثاني ، فمنعه حينئذ (٢) ؛ لأنّ الزكاة كالدين ، وهو لا يتعيّن بدون قبض مالكه أو من في حكمه.

وهو اجتهاد في مقابلة النصّ.

ودعوى تبادر صورة فقد المستحقّ من النصوص ممنوعة ، بل خلافها من بعضها ظاهر ، كما مرّ.

فروع :

أ : إذا جاز العزل ، فإذا عزل يكون المعزول أمانة في يده ، وحكم ضمانه مع التلف بتفريط أو بدونه يأتي في المسألة الآتية.

ب : هل يجوز للمالك إبدالها بغيرها بعد العزل ، أم لا؟

المحكيّ عن الشهيد : الثاني (٣).

وظاهر بعض المتأخّرين : الأول (٤). وهو الأظهر.

لا لقوله في حسنة بريد بن معاوية الواردة في آداب الساعي : « اصدع المال صدعين » إلى أن قال : « حتى يبقى وفاء لحقّ الله في ماله فاقبض حقّ الله منه وإن استقالك فأقله » (٥) كما استدلّ به للتبديل.

__________________

(١) المحقق في المعتبر ٢ : ٥٨٨ ، العلاّمة في التحرير ١ : ٦٦ ، الشهيد في الدروس ١ : ٢٤٧.

(٢) المسالك ١ : ٦٢ ، الروضة ٢ : ٤٠.

(٣) حكاه عنه في المسالك ١ : ٦٢.

(٤) كصاحب المدارك ٥ : ٢٧٥.

(٥) راجع ص : ٢١٧.

٢٢٦

لمنع دلالته عليه بوجه ؛ أمّا أولا : فلأنّ الاستقالة من الساعي غير التبديل بنفسه ، فإنّ الساعي بمنزلة الفقير ، والاستقالة طلب منه.

وأمّا ثانيا : فلأنّه ليس صريحا في أنّ الاستقالة بعد القبض ، بل هي بعد الصدع ، فلعلّ المراد : استقالة كيفيّة التقسيم.

بل لإطلاق بعض أخبار جواز دفع القيمة المذكورة في مسألة جواز دفعها.

ولاستصحاب جواز دفع القيمة ، ولا يتصوّر بغير الموضوع ؛ حيث إنّه ابتداء كان دفع قيمة جزء مشاع ، وحينئذ يكون دفع قيمة جزء معيّن ، فإنّ المستصحب جواز دفع قيمة ما يجب إعطاؤه ، ولا نسلّم تعيين وجوب دفع المعيّن وإن أخرجه ، إلاّ مع ثبوت عدم جواز دفع القيمة.

ج : إذا تحقّق العزل يكون النماء المتّصل تابعا للمعزول ، فيكون للفقراء ؛ لتبعيّته للأصل ، وكذا المنفصل على الأظهر ، وفاقا لجماعة من متأخّري المتأخّرين (١) ؛ للرواية الأخيرة.

وخلافا للمحكيّ عن الدروس ، فجعله للمالك (٢). ولم أعرف له مستندا.

المسألة الرابعة : لو تلف المال الذي فيه الزكاة ، فلا يخلو إمّا يتلف جميع المال أو بعضه ، فإن تلف الجميع فإمّا يكون مع عدم التمكّن من أداء الزكاة ومن غير تفريط ، أو مع التمكّن والتفريط ، أو مع التمكّن بدون التفريط ، أو بالعكس.

فعلى الأول : لا ضمان عليه ولا زكاة بالإجماع ؛ له ، وللأصل ، ولما عرفت من تعلّق الزكاة بالعين ، فيكون المال في يده بمنزلة [ الأمانة ] (٣) ، فلا‌

__________________

(١) كصاحب المدارك ٥ : ٢٧٥ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٢٤٢.

(٢) الدروس ١ : ٢٤٧.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

٢٢٧

يضمن إلاّ بتعدّ أو تفريط.

وعلى الثاني : يضمن بالإجماع ؛ له ، ولإطلاق مفهوم صحيحة أبي بصير وحسنة عبيد الآتيتين ، بل فحوى ما يأتي ممّا يدلّ على الضمان مع التمكّن من الأداء بعد الإخراج.

وكذا على الثالث والرابع ؛ لإطلاق المفهومين ، الشامل لصورة عدم التمكّن والتفريط أيضا ، خرجت منه هذه بالإجماع ، فيبقى الباقي.

وإن تلف بعض المال ، فإمّا يكون بعد إفراز الزكاة وإخراجها منه قبل تسليمها إلى الفقير ، أو قبله.

فعلى الأول : فإمّا يكون التالف هو البعض الذي أفرزه لنفسه ، فلا ينقص من الزكاة شي‌ء ؛ لأنّه كان مختارا في التقسيم وقسّم وتلفت قسمة نفسه.

أو يكون هو البعض الذي أفرزه للزكاة ، وفيه الأقسام الأربعة المتقدّمة.

فعلى أولها : لا يضمن إجماعا وبرئت ذمّته ؛ له ، وللأصل ، ولصحيحة محمّد : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ قال : « إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ؛ لأنّها قد خرجت من يده » (١).

وصحيحة زرارة : عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت ، فقال : « ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان » ، قلت : فإن لم يجد أهلا ففسدت وتغيّرت ، أيضمنها؟ قال : « لا ، ولكن إن عرف لها أهلا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ـ ١٢٥ ، الوسائل ٩ : ٢٨٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

٢٢٨

فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها » (١).

وعلى الثاني والثالث : يضمن ، كما هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل في التذكرة : أنّه قول علمائنا أجمع (٢) ؛ لصحيحتي محمّد وزرارة.

ولا يضرّ إطلاق بعض الأخبار بعدم الضمان ، كصحيحة أبي بصير : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمَّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي‌ء عليه » (٣).

وحسنة عبيد : « إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها » (٤).

وحسنة بكير : عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق أو تضيع ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (٥).

وموثّقة وهب وفيها : الرجل يبعث بزكاته من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق ، فقال : « قد أجزأت عنه » (٦).

لأنّ هذه مطلقة والصحيحتان مقيّدتان ، والمطلق يحمل على المقيّد.

ولا فرق في الضمان مع إمكان الأداء بين أن يكون التأخير لأجل توقّع درك فضيلة أم لا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٨ ـ ١٢٦ ، الوسائل ٩ : ٢٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٢.

(٢) التذكرة ١ : ٢٢٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ـ ١٢٣ ، الوسائل ٩ : ٢٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ـ ١٢٤ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٥.

(٦) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٦ ح ٦.

٢٢٩

وعلى الرابع : لا يضمن ؛ لإطلاق جميع تلك الروايات.

والمراد بالتفريط ـ الذي لا يضمن معه إذا لم يتمكّن من الأداء ـ : أن يقصّر في حفظها من غير أن يكون سببا لتلفها ، وأمّا لو أتلفها بنفسه بالمباشرة أو التسبيب فيضمنها إجماعا.

وإن كان تلف بعض المال قبل إفراز الزكاة ، فالحقّ ـ وفاقا للمحكيّ عن الشهيد الثاني ـ الضمان مطلقا ، بمعنى : وجوب إخراجه الزكاة عن الباقي ؛ للاستصحاب ، ولمفهوم الصحيحة والحسنة (١).

ولا ينافيه تعلّق الزكاة بالعين ؛ إذ قد عرفت أنّ تعلّقها بها ليس على سبيل الإشاعة ، بل تعلّق بالواحد لا بعينه ، فتجب الزكاة ما دام قدر الفريضة باقيا.

نعم ، لو نقص عن قدر الفريضة أيضا فحكم ما نقص منها حكم ما تلف (٢) في ضمن جميع المال كما سبق ، والله العالم.

فرع : إنّما يتحقّق تلف الزكاة في صورة تلف البعض بإفراز الزكاة بالنيّة ، وهو متفرّع على جواز ذلك الإفراز مطلقا أو في الجملة ، وسيأتي بيانه في أواخر الكتاب.

المسألة الخامسة : لو قال ربّ المال : لا زكاة في مالي ، يجب القبول ، ولا يجوز مزاحمته للحاكم ولا للمصدّق ولا للفقير ، بلا خلاف أعرفه ، كما صرّح به غير واحد أيضا (٣).

لحسنة العجلي ، المتضمّنة لما أمره أمير المؤمنين عليه‌السلام لمصدّقه ،

__________________

(١) انظر : الروضة ٢ : ٤٠ ، والمقصود بالصحيحة صحيحة أبي بصير ، والحسنة حسنة عبيد.

(٢) في جميع النسخ : تلف ما.

(٣) انظر : الرياض ١ : ٢٨٦.

٢٣٠

وفيها : « قل لهم : يا عباد الله أرسلني إليكم وليّ الله لآخذ منكم حقّ الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه ، فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه » (١).

ورواية غياث بن إبراهيم : « كان عليّ عليه‌السلام إذا بعث مصدّقه قال : إذا أتيت على ربّ المال فقل له : تصدّق ـ رحمك الله ـ ممّا أعطاك الله ، فإن ولّى عنك فلا تراجعه » (٢).

وإطلاق الروايتين ـ سيّما الأخيرة ـ يشمل ما إذا ادّعى ربّ المال عدم تحقّق الشرائط ، من النصاب أو الحول أو السوم في صورة عدم العلم بتحقّقها ؛ أو ادّعى الأداء وبراءة الذمّة في صورة العلم به أو اعترافه به .. ولا يكلف حينئذ بيّنة ولا يمينا ؛ أو ادّعى أنّه لا زكاة عندي ، مع عدم العلم بوجوبها عليه أولا أو العلم.

مضافا ـ في صورة ادّعاء عدم تحقّق الشرائط ، أو عدم العلم بالوجوب ـ إلى الأصل ، وفي الجميع إلى أنّ الزكاة ليست حقّا لشخص معيّن أو أشخاص معيّنين حتى يجوز له المزاحمة والدعوى .. فالمزاحمة لو جازت لكانت من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وشرطهما : العلم بكونه معروفا أو منكرا ، وفي صورة ادّعاء البراءة أنّها لا تعلم غالبا إلاّ من قبله ، وجاز احتسابه من دين وغيره ممّا يتعذّر الإشهاد عليه ، بل لا يزاحم مع الظنّ بعدم الأداء.

نعم ، لو علم تعلّق الزكاة على ماله وعدم إخراجه إيّاه ، كان لمن من شأنه ذلك أن يكلّفه الأداء أو يأخذ منه.

وهل تقوم شهادة الشاهدين على تحقّق الشرائط أو عدم الأداء ، على‌

__________________

(١) تقدّمت في ص : ٢١٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٨ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ١٣٢ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ٥.

٢٣١

نحو يقبل بأن يرجع إلى الإثبات بحصر المالك الإخراج في صورة تمكّن الشهادة على نفيها مقام العلم ، أم لا؟

صرّح في الشرائع بالأول (١) ، ولا يحضرني دليله ، والأصل يثبت الثاني.

ولا تسمع الشهادة على عدم الأداء مطلقا قطعا ؛ لكونها شهادة على النفي.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٦٤.

٢٣٢

الباب الثالث

في ما تستحبّ فيه الزكاة‌

وفي أشياء :

منها : كلّ ما يكال أو يوزن ممّا أنبتته الأرض ، عدا الغلاّت الأربع‌ الواجبة زكاتها ، وعدا الخضر والفواكه والباذنجان والخيار ونحوها ، فإنّها لا تستحبّ فيها ، فهذه أحكام أربعة :

أحدها : الوجوب في الغلاّت الأربع ، وقد مرّ.

وثانيها : الرجحان في غيرها أيضا ممّا ذكر ، وهو إجماعيّ كما صرّح به جماعة (١) ؛ فهو الدليل عليه.

مضافا إلى المستفيضة ، كصحيحة ابن مهزيار : قرأت في كتاب عبد الله ابن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام ، إلى أن قال : فوقّع عليه‌السلام : « كذلك هو ، والزكاة في كلّ ما كيل بالصاع » وفيها أيضا : « صدّقوا ، الزكاة في كلّ شي‌ء كيل » (٢).

وصحيحة محمّد بن إسماعيل ، وفيها : « أمّا الرطبة فليس عليك فيها شي‌ء ، وأمّا الأرز فما سقت السماء العشر وما سقي بالدلو فنصف العشر في كلّ ما كلت بالصاع » (٣).

وحسنة محمّد : « البرّ والشعير والذرة والدخن والأرز والسلت‌

__________________

(١) كابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩ ، وصاحب المدارك ٥ : ٤٨ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ١٥٣ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٦٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٠ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٥ ـ ١١ ، الاستبصار ٢ : ٥ ـ ١١ ، الوسائل ٩ : ٥٥ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ٨ ح ٦ وص ٦١ ب ٩ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥١١ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٦١ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ٩ ح ٢.

٢٣٣

والعدس والسمسم ، كلّ هذا ممّا يزكّى ، وأشباهه » (١).

ونحوها رواية أبي مريم ، إلاّ أنّه نقص فيها الدخن والسمسم وأشباهه ، وزاد فيها : وقال : « كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » (٢).

وصحيحة زرارة : « كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » ، قال : « وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصدقة في كلّ شي‌ء أنبتته الأرض إلاّ الخضر والبقول وكلّ شي‌ء يفسد من يومه » (٣).

وحسنة زرارة الموثّقة : « الذرة والعدس والسلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة » (٤).

وثالثها : انتفاء الوجوب في غير الأربع ، وهو المشهور بين أصحابنا ، بل عليه نقل الإجماع مستفيضا ، كما مرّ في صدر الباب الثاني.

وتدلّ عليه جميع العمومات النافية للزكاة عمّا سوى التسعة المتقدّمة في الصدر المذكور.

وخصوص رواية الطيّار ، وفيها ـ بعد قوله عليه‌السلام : « عفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّا سوى ذلك » ـ : فقلت : أصلحك الله ، فإنّ عندنا حبّا كثيرا ، قال : فقال :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٠ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٦٥ ـ ١٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٣ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ٦٢ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ٩ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥١١ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٤ ـ ٨ ، الاستبصار ٢ : ٤ ـ ٨ ، الوسائل ٩ : ٦٢ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما يستحب فيه ب ٩ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٠ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٦٣ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ٩ ح ٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٦٥ ـ ١٧٧ ، الوسائل ٩ : ٦٤ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ٩ ح ١٠.

٢٣٤

« وما هو؟ » فقلت : الأرز ، قال : « نعم ، ما أكثره » ، فقلت : أفيه الزكاة؟ قال : فزبرني ، قال : ثمَّ قال : « أقول لك : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عفا عمّا سوى ذلك وتقول لي : إنّ عندنا حبّا كثيرا ، أفيه الزكاة؟! » (١).

وصحيحة زرارة وبكير : « ليس في شي‌ء أنبتت الأرض من الأرز والذرة والحمص والعدس وسائر الحبوب والفواكه غير هذه الأربعة الأصناف وإن كثر ثمنه » الحديث (٢).

وصحيحتهما الأخرى المتقدّمة في زكاة الغلاّت ، وفيها : « وأمّا ما أنبتت الأرض من شي‌ء من الأشياء فليس فيه زكاة ، إلاّ في الأربعة أشياء : البرّ والشعير والتمر والزبيب » (٣).

وصحيحة زرارة ، وفيها ـ بعد ذكر الحنطة والشعير والتمر والزبيب ـ : « وليس في ما أنبتت الأرض شي‌ء إلاّ في هذه الأربعة أشياء » (٤).

ومرسلة القمّاط المرويّة في معاني الأخبار : عن الزكاة ، فقال : « وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزكاة على تسعة وعفا عمّا سوى ذلك » إلى أن قال : فقال السائل : فالذرة؟ فغضب عليه‌السلام ، ثمَّ قال : « والله كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دائما السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك » ، فقال : إنّهم يقولون : إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما وضع على تسعة لمّا لم يكن بحضرته غير ذلك ، فغضب وقال : « كذبوا ، فهل يكون العفو إلاّ عن شي‌ء‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٤ ـ ٩ ، الاستبصار ٢ : ٤ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٥٨ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ٨ ح ١٢. والزبر : الزجر والمنع ـ الصحاح ٢ : ٦٦٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٦ ـ ١٢ ، الاستبصار ٢ : ٦ ـ ١٢ ، الوسائل ٩ : ٦٣ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ٩ ح ٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٩ ـ ٥٠ ، الوسائل ٩ : ١٧٧ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ٨.

(٤) التهذيب ٤ : ١٣ ـ ٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤٠ ، الوسائل ٩ : ٦٣ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ٩ ح ٨.

٢٣٥

قد كان؟! ولا والله ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر » (١).

ورابعها : انتفاء الاستحباب في الخضر والثمار والفواكه ومثل الباذنجان ، وعليه الإجماع عن المفيد والمنتهى (٢).

وتدلّ عليه ـ بعد الأصل ، وبعض ما مرّ من الأخبار ـ موثّقة سماعة : « ليس على البقول ولا على البطّيخ وأشباهه زكاة » (٣).

وحسنة الحلبي : ما في الخضر؟ قال : « وما هي؟ » ، قال : القصب والبطّيخ ومثله من الخضر؟ قال : « ليس عليه شي‌ء » (٤).

وحسنة محمّد : في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان بمال ، هل فيه الصدقة؟ قال : « لا » (٥).

وصحيحة زرارة : « عفا رسول الله عن الخضر » ، قلت : وما الخضر؟ قال : « كلّ شي‌ء لا يكون له بقاء : البقل والبطّيخ والفواكه ، وشبه ذلك ممّا يكون سريع الفساد » (٦) ، إلى غير ذلك.

خلافا في الثالث للمحكيّ عن يونس بن عبد الرحمن والإسكافي (٧) ،

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٥٤ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٥٤ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ٨ ح ٣.

(٢) المفيد في المقنعة : ٢٤٥ ، المنتهى ١ : ٥١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٥١١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٦٨ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١١ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٢ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٧ ـ ١٨٢ ، الوسائل ٩ : ٦٧ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١١ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٢ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ٦٧ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١١ ح ٣.

(٦) التهذيب ٤ : ٦٦ ـ ١٨٠ ، الوسائل ٩ : ٦٨ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١١ ح ٩.

(٧) حكاه عن يونس بن عبد الرحمن في الكافي ٣ : ٥٠٩ ، وعن الإسكافي في المختلف : ١٨٠.

٢٣٦

ونسبه في الوافي إلى الكافي (١). وفيه نظر.

للمستفيضة المتقدّمة في إثبات الرجحان ، وقوله عليه‌السلام في روايات كثيرة : « في ما سقت السماء العشر » (٢).

وبعض الآيات ، نحو قوله تعالى ( وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ ) إلى قوله ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٣).

وقوله سبحانه ( أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٤) ، فإنّ الأمر للوجوب ولا وجوب في غير الزكاة.

وقوله سبحانه ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (٥).

وقوله سبحانه ( فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ) (٦).

والجواب عن الأخبار :

أولا : بعدم دلالة شي‌ء منها على الوجوب أصلا ، أمّا ما لا يتضمّن لفظة « على » فظاهر ، وأمّا ما تضمّنها فلأنّ المسلّم دلالة ما يتضمّنها على الوجوب إذا دخلت على الأشخاص المكلّفين نحو على فلان كذا ، لا ما دخلت على الأعيان.

ولا يتوهّم تعيّن رجوع الضمير في الأخيرة إلى مكلّف ؛ لاحتمال رجوعه إلى ما كيل ، يعنى : على ما كيل في ما بلغ الأوساق الزكاة ، ويؤكّده عدم ذكر شخص في الكلام.

وثانيا : بأنّه لو كانت ظاهرة في الوجوب يتعيّن حملها على الاستحباب بقرينة الأخبار النافية.

__________________

(١) الوافي ١٠ : ٥٩.

(٢) الوسائل ٩ : ١٨٢ أبواب زكاة الغلاّت ب ٤ ح ١.

(٣) الأنعام : ١٤١.

(٤) البقرة : ٢٦٧.

(٥) التوبة : ١٠٣.

(٦) المعارج : ٢٤.

٢٣٧

وثالثا : بأنّها تعارض جميع الأخبار النافية ، والترجيح للأكثريّة والأشهريّة ومخالفة العامّة ، فإنّ الأخبار المثبتة موافقة لمذهب جمهور المخالفين ، فإنّ أبا حنيفة وزفر أوجبا الزكاة في جميع ما يزرع سوى الحطب والحشيش والقصب (١) ، والشافعي أوجبها في كلّ ما يصان ويدّخر (٢) ، وأحمد في جميع الثمار والحبوب التي تكال وتدّخر إلاّ الجوز (٣) ، وأبو يوسف في كلّ ما له ثمرة باقية (٤) ، ومالك في الحبوب كلها (٥).

فهي خارجة مخرج التقيّة ، وتشعر به رواية معاني الأخبار (٦) ، بل صحيحة ابن مهزيار (٧).

ورابعا : بأنّه لو لا الترجيح لكان المرجع الأصل ، وهو مع عدم الوجوب.

فرع : حكم ما يخرج من الأرض ممّا تستحبّ فيه الزكاة حكم الأجناس الأربعة الزكويّة في قدر النصاب وقدر ما يخرج منها واعتبار السقي والزراعة ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ مستفيضا (٨).

وتدلّ على الأول صحيحة زرارة ورواية أبي مريم ، وعلى الأولين حسنة زرارة الموثّقة ، وعلى الثانيين صحيحة محمّد بن إسماعيل (٩).

__________________

(١) حكاه عن أبي حنيفة وزفر في عمدة القارئ ٩ : ٧٣.

(٢) الام ٢ : ٢٣.

(٣) حكاه عنه في الإنصاف ٣ : ٨٦.

(٤) حكاه عنه في عمدة القارئ ٩ : ٧٤.

(٥) الموطأ ١ : ٢٧١.

(٦) المتقدمة في ص : ٢٣٥.

(٧) المتقدمة في ص : ٢٣٣.

(٨) انظر : المدارك ٥ : ١٥٩ ، الذخيرة : ٤٥١ ، والرياض ١ : ٢٧٥.

(٩) راجع ص : ٢٣٣ و ٢٣٤.

٢٣٨

وفي مرسلة الكافي : وروي أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « كلّ ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة والشعير والزبيب » (١).

ومنها : الخيل بشرط الأنوثة والسوم والحول ، فمع هذه الشرائط يستحبّ عن كلّ فرس عتيق ـ وهو الذي أبواه عربيّان كريمان ـ ديناران ، وعن كلّ برذون ـ وهو خلاف العتيق ـ دينار ، وعليه الإجماع عن التذكرة والمنتهى (٢).

وفي حسنة محمّد وزرارة : « وضع أمير المؤمنين عليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين ، وجعل على البراذين دينارا » (٣).

وفي حسنة زرارة : هل في البغال شي‌ء؟ فقال : « لا » ، فقلت : فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ قال : « لأنّ البغال لا تلقح ، والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي‌ء » ، قال : فما في الحمير؟ فقال : « ليس فيها شي‌ء » ، قال : قلت : هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبها شي‌ء؟ فقال : « لا ، ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل » (٤).

وتثبت من الروايتين جميع الأحكام المذكورة.

ثمَّ هاتان الروايتان وإن احتملتا الوجوب ، إلاّ أنّهما لمّا لم تكونا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٣٠ ، المنتهى ١ : ٥١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٠ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٦٧ ـ ١٨٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢ ـ ٣٤ ، الوسائل ٩ : ٧٧ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٦ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٠ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٧ ـ ١٨٤ ، الوسائل ٩ : ٧٨ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١٦ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥١١ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٦١ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ٩ ح ١. والقفيز : مكيال وهو ثمانية مكاكيك ـ الصحاح ٣ : ٨٩٢.

٢٣٩

صريحتين فيه لم تثبتا أزيد من الاستحباب ، بل لو كانتا صريحتين فيه لتعيّن حملهما عليه ؛ للإجماع ، بضميمة الأخبار المتواترة ، النافية للوجوب عمّا سوى الأصناف التسعة.

ومنها : حاصل العقار المتّخذ للنماء ، من البساتين والدكاكين والحمّامات والخانات ونحوها ؛ لفتوى الأصحاب ، حيث إنّها كافية في مقام الاستحباب.

وهل يشترط فيه الحول والنصاب؟

قيل : لا (١) ؛ للعموم ، وكأنّ مراده عمومات ثبوت الزكاة وشركة الفقراء مع الأغنياء في الأموال.

وقيل : نعم (٢) ؛ اقتصارا في ما يخالف الأصل على القدر المعلوم. وهو حسن.

ولعلّ النصاب وقدر المخرج : نصاب النقدين وقدر المخرج منهما.

ومنها : الحلي المحرّم ، ذكره الشيخ (٣) وجماعة (٤) ، ولم نقف له على دليل ، ولا بأس بإثباته بفتوى ذلك الجليل.

ومنها : المال الغائب المدفون الذي لا يتمكّن صاحبه من التصرّف فيه إذا مضت عليه أحوال ثمَّ عاد ، زكّاه لسنة استحبابا ؛ لدلالة بعض الأخبار عليه (٥).

ومنها : ما إذا قصد الفرار من الزكاة قبل الحول ؛ للأخبار الدالّة على‌

__________________

(١) كما في التذكرة ١ : ٢٣٠ ، والمسالك ١ : ٥٩٠.

(٢) كما في البيان : ٣٠٩.

(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٥.

(٤) كالعلاّمة في الإرشاد ١ : ٢٨٦ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ١٤٥.

(٥) الوسائل ٩ : ٩٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٥ ح ١.

٢٤٠