مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

غير معلوم.

هذا كلّه ، مضافا إلى أنّه لم يعلم أنّ ترك العذق والعذقين إنّما هو من باب المؤنة ووجه الأجرة ، بل الظاهر أنّه من باب حقّ الحصاد والجداد ، كما يستفاد من عدم تعيين المقدار ، ولذلك رواه الكليني في باب حقّ الحصاد والجداد (١).

وأيضا غاية ما يستفاد من الروايتين ترك هذا القدر للحارس ، لا أنّه لا يزكّى ذلك ، فيمكن أن يكون المراد أنّه كما يخرج حقّ الحصاد أو العشر يترك ذلك للحارس أيضا من غير تعرّض لإخراج العشر منه وعدمه.

بل لا دلالة ولا إشعار في الرواية الاولى إلى كون الترك لعدم إخراج العشر أصلا.

وأمّا الرابع ، فلأنّ الزكاة وإن تعلّقت بالعين ، ولكن تعلّقها ليس على وجه الإشاعة حتى يكون الفقير شريكا في كلّ جزء كما يأتي ، بل القدر الثابت وجوب إخراج المالك عشرا واحدا من المال من أيّ جزء شاء.

ولا نسلّم أنّ مثل تلك الشركة تقتضي الشركة في النفع والخسارة ، كما يأتي ، ولذا لو نذر أحد أن يعطي عشر هذا الزرع للفقراء لا نقول باستثناء البذر وسائر المؤن ، بل نقول : يجب إعطاء عشر الجميع.

سلّمنا الاشتراك وكونه كسائر الأموال المشتركة ، ولكن تشريك الله سبحانه للفقراء إنّما هو بعد الزرع وصرف البذر ومؤن كثيرة ، وهو حين صدق الاسم.

فإذا كان التشريك حينئذ فلم تستثن المؤن التي قبل ذلك ، وهل هذا إلاّ مثل أن يبيع أحد نصف زرعه حين صدق الاسم لغيره مطلقا ، فهل يجوّز أحد استثناء شي‌ء منه ممّا صرفه قبل ذلك؟!

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٤ الزكاة ب ٤٦.

٢٠١

وأمّا ما بعده ، فمقتضى الشركة وقياسه على سائر الأموال أن يكون الفقير شريكا في التلف والخسارة المتلفة ، دون مئونة الحصاد والحمّال ونحوهما ممّا يكون الكلام فيه ؛ إذ لم يقل أحد بأنّ لأحد الشريكين توزيع هذه الإخراجات على الشريك الآخر لو فعله بدون إذنه ، وليس مقتضى قاعدة الشركة الشركة في أمثال تلك المؤن ولو تحمّلها أحد الشريكين بدون إذن الآخر ، وهذا فعله بدون إذن الفقير ، فأيّ تسلّط له على حصّته؟! غاية الأمر أنّه لو أذن الفقير في التصرّف قبل ذلك كان ذلك له ، مع أنّ فيه أيضا كلاما ؛ لأنّا نقول : إنّ أوامر إخراج الزكاة إيجاب من الشارع للمالك إعطاء العشر للفقير ، ولتوقّفه على الحصاد ونحوه يجب عليه من باب المقدّمة ، إلاّ أن يبذله للفقير قبل الحصاد ، فإنّه لا كلام حينئذ ، ولا تكون المئونة على ربّ المال إذا رضي الفقير ، وأمّا لو لم يرض فليس للمالك إجباره ؛ لأنّه ليس حقّا لفقير معيّن.

وأمّا الخامس ، فظاهر ؛ لأنّ تمام الزرع نماء ليس غيره ، وصرف شي‌ء في تنميته وتصفيته وتحصيله لا يخرجه عن كونه نماء.

نعم ، لو دلّ دليل على أنّ الزكاة إنّما هي في المنافع لكان لما ذكره وجه ، ولكن لم نعثر على مثل ذلك.

وأمّا ما ذكره من حسنة محمّد وأبي بصير (١) ، فالموجود في أكثر النسخ المصحّحة : « فما حرثته فيها » وليس : « فتاجرته فيها » ، مع أنّه ليس في المتاجرة أيضا دلالة.

وأمّا قوله : « فما أخرج الله » فلا شكّ أنّ جميع محصول الزرع ممّا أخرجه الله ، وأمّا حمله على ما جعله الله نفعا لك زائدا على رأس مالك فممّا لا يفهمه منه أحد.

__________________

(١) راجع ص : ١٨٨.

٢٠٢

وأمّا السادس ، فلمنع كون مثل ذلك ضررا وحيفا ، فإنّ ما بإزائه ثواب موعود ، سيّما ما يضاعف إلى سبعمائة ضعف لا يكون ضررا وحيفا.

سلّمنا ، ولكن تخصّص عمومات نفي الضرر والضرار (١) والعسر والحرج بأدلّة العشر (٢) كما بيّنا في موضعه ، كيف؟! مع أنّه إذا خصّص بها ضرر عشر ما بعد المؤنة فلم لا يخصّص بها ضرر عشر الجميع؟! فإنّه لو فرض أنّ الحاصل مائة كرّ ، فالمؤن التي تستثنى منها على القول به لا تزيد غالبا على ثلاثين كرّا ، بل الأدلّة التي يذكرونها على فرض تماميّتها لا تثبت الأزيد ؛ لعدم ثبوت الإجماع المركّب ولا الشهرة الجابرة في غيرها .. فعلى الاستثناء تجب سبعة كرور وعلى عدمه عشرة ، فما يصلح لتخصيص السبعة يصلح لتخصيص العشرة أيضا.

وأمّا مثل أجرة الأرض ونحوها ، فالظاهر أنّ القائل بالاستثناء لا يقول باستثنائها ، ولذا ترى صاحب التنقيح يصرّح بعدم استثناء دين أجرة الأرض ودين البذر (٣) ، فمثل ذلك الضرر مشترك بين القولين ؛ مع أنّ للمستأجر دفع هذا الضرر عن نفسه بجبر ذلك بنقص الأجرة حين الاستئجار.

وأمّا السابع ، فلمنع منافاة إخراج العشر من الجميع للمواساة ، بل هو أقرب إليها غالبا.

وأمّا الثامن ، فلعدم وجود عين البذر في الحاصل أصلا ، بل الحاصل ليس إلاّ نماؤه.

ولو منع من تحقق الزكاة على ما نمى وحصل من البذر لزمه عدم تعلّق الزكاة بشي‌ء من الحاصل ؛ لأنّ كل حبّة فإنّما هي من نماء البذر.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٧ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٨ أبواب إحياء الموات ب ١٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ١٨٢ أبواب زكاة الغلاّت ب ٤.

(٣) التنقيح ١ : ٣١٣.

٢٠٣

سلّمنا وجود البذر ، ولكن نمنع عدم تكرّر الزكاة في الغلاّت مطلقا ، وإنّما هو في غير البذر ، وأمّا فيه فهو عين النزاع.

ثمَّ إذا عرفت أنّ الحقّ عدم وضع المؤن مطلقا ، فلا فائدة في التعرّض لذكر بعض ما يتفرّع على وضعها ، من بيان المؤن ، واعتبار النصاب قبله أو بعده ، ونحو ذلك.

المسألة السابعة : حكم النخيل والزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد ، فتضمّ الثمار المتباعدة في البلاد بعضها إلى بعض وإن تفاوتت في الإدراك ، من غير خلاف يعرف ، بل عن التذكرة إجماع المسلمين عليه (١) ؛ وتدلّ عليه إطلاقات الأدلّة وعمومها.

وعلى هذا ، فإذا بلغ بعضه الحدّ الذي يتعلّق به الوجوب ، فإن كان نصابا أخذت منه الزكاة ، ثمَّ تؤخذ من الباقي قلّ أو كثر بعد أن يتعلّق به الوجوب.

وإن كان الذي أدرك أولا أقلّ من النصاب يتربّص به حتى يدرك الآخر ويتعلّق به الوجوب ، فيكمل منه النصاب الأول ، ثمَّ يؤخذ من الباقي كائنا ما كان.

وكذا يضمّ الطلع الثاني إلى الأول في ما يطلع مرّتين في السنة ، على الأظهر الأشهر بين الأصحاب (٢) ؛ لأنّهما ثمرة سنة واحدة فيتناوله عموم الأدلّة.

وعن المبسوط : عدم الضمّ ؛ احتجاجا بأنّه في حكم ثمرة السنتين (٣). وهو ممنوع.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٢١.

(٢) كما في المدارك ٥ : ١٥١ ، والذخيرة : ٤٤٤.

(٣) المبسوط ١ : ٢١٥.

٢٠٤

المسألة الثامنة : يجزي الرطب والعنب عن مثله في إخراج الفريضة‌ لو قلنا بوجوب الزكاة فيهما ؛ لإطلاقات العشر ونصف العشر ، فإنّ المراد منها عشر ما فيه الزكاة ونصف عشره ، ولأنّه الثابت من أدلّة ثبوت الزكاة فيهما لو تمّت.

ولا يجزئ الرطب والعنب عن التمر والزبيب لو قلنا باختصاص الزكاة بالأخيرين ولو كانا بقدر الفرض إذا جفّا ؛ لعدم كونه عشر ما فيه الزكاة أو نصف عشره ، وللتعلّق بالعين.

نعم ، يجوز إخراجهما بالقيمة السوقيّة.

وأمّا لو قلنا بتعلّق الزكاة بالأولين أيضا فيجوز إخراجهما عن زكاة الآخرين إذا كانا بحيث لو جفّا لكانا بقدر الفريضة ، ولكن بشرط أن يكون المخرج بعض ما تعلّق به الزكاة على هذا المزكّي أيضا.

وأمّا لو أخرج العنب أو الرطب الذي اشتراه عن التمر أو الزبيب الذي تجب زكاته فلا يجوز إلاّ بالقيمة.

وكذا لا يجزئ غير الزكويّ من الأجناس الأربعة ـ كالحنطة التي اشتراها ، أو حنطة السنة السابقة التي زكّاها ـ عمّا تعلّقت به الزكاة إلاّ بالقيمة أو لأجل المثليّة بقصد التبادل.

ولا يجزئ المعيب عن الصحيح بلا خلاف ظاهر ، ولا الردي‌ء عن الجيّد ، لقوله سبحانه ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (١).

بضميمة موثّقة أبي بصير : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أمر بالنخل أن يزكّى يجي‌ء قوم بألوان من التمر وهو من أردأ التمر يؤدّونه من زكاتهم تمرة يقال لها : الجعرور والمعى فأرة ، قليلة اللحاء عظيمة النواة ، وكان بعضهم‌

__________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

٢٠٥

يجي‌ء بها عن التمر الجيّد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تخرصوا هاتين التمرتين ، ولا تجيئوا منها بشي‌ء ، وفي ذلك نزل ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) » (١) الحديث.

ولكن في جريان ذلك في مطلق الردي‌ء والجيّد إشكالا ؛ فإنّ للجودة والرداءة عرضا عريضا ، وهما أمران نسبيّان. والخبيث لا يصدق على الكلّ ولو بضميمة الموثّقة ؛ إذ المذكور فيها : إنّهم كانوا يجيئون بأردأ التمر.

وعلى هذا ، فاللازم قصر الحكم على ما علم عدم إجزائه ، وهو المعيوب من الأجناس أو الردي‌ء جدّا بحيث يطلق عليه الردي‌ء مطلقا أو الأردإ ، لا مجرّد الرداءة بالنسبة إلى بعض الأصناف الأخر.

المسألة التاسعة : لو مات الزارع بعد زمان تعلّق الوجوب وجبت الزكاة مطلقا.

ولو مات قبله وانتقل إلى الوارث ، فإن لم تبلغ حصّة واحد منهم النصاب فلا زكاة ، وإن بلغت حصّة بعضهم النصاب وجبت في حصّته خاصّة.

ولو لم تبلغ حصّة أحدهم النصاب قبل القسمة ، ولكن اختصّ الزرع بواحد منهم وبلغ النصاب ، فإن كانت القسمة قبل زمان تعلّق الوجوب وجبت الزكاة عليه ، وإلاّ فلا.

والوجه في الجميع ظاهر.

المسألة العاشرة : لو مات الزارع المديون بعد زمان تعلّق الوجوب يجب إخراج الزكاة من أصل المال ، بلا خلاف ظاهر كما في الذخيرة (٢) ، بل إجماعا كما في المدارك (٣) ؛ لتعلّق الزكاة بالعين ، وانتقالها إلى الفقير.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٢٠٥ أبواب زكاة الغلاّت ب ١٩ ح ١.

(٢) الذخيرة : ٤٤٤.

(٣) المدارك ٥ : ١٥٣.

٢٠٦

ولا فرق في ذلك بين ما إذا ضاقت التركة عن الدين أو لا ، إلاّ إذا ضاقت ولم يكن متعلّق الزكاة موجودا في التركة ، بل أتلفها الزارع في حياته وصارت في ذمّته ، وجب التحاصّ بين أرباب الزكاة والديّان ؛ لصيرورتها في الذمّة ، فتجري مجرى غيرها من الديون.

فعلى القول بالإشاعة في كلّ جزء يتعلّق عشر ما أتلفه بالذمّة.

وعلى القول بعشر جميع المال لا على التعيين كما اخترناه ، لا يتعلّق بالذمة ، إلاّ إذا أتلف الجميع أو بقي أقل من العشر ، وإلاّ فيكون متعلّق الزكاة موجودا.

ولو مات الزارع المديون قبل زمان تعلّق الوجوب ، فإمّا يكون الدين مستوعبا ، أم لا.

فعلى الأول : فإن قلنا بعدم انتقال التركة إلى الوارث ـ كما هو الوجه في المسألة ـ قالوا : لا تجب فيه زكاة ، لا على الميّت ؛ لعدم وجوب عليه ، بل ولا ملكيّة له ، ولا على الوارث ؛ لانتفاء الملكيّة ، إلاّ إذا أدّى الوارث الدين من غير التركة وانتقلت التركة إليه قبل زمان تعلّق الوجوب ، فتجب الزكاة عليه.

وللبحث في ما قالوه مجال واسع ؛ إذ لا يلزم من عدم وجوب الزكاة على الميّت بخصوصه ولا على الوارث انتفاؤها ، كما إذا كان لأحد زرع وكان الزارع غائبا لا يتمكّن من التصرّف فيه حين تعلّق الوجوب ، فإنّه لا يجب عليه ولكن يتعلّق حقّ الفقراء بالمال.

والتحقيق : أنّ بعض الأخبار المثبتة للعشر ونصف العشر مطلق ، مثبت للعشر للفقراء في المال ، ومثبت لوجوب إخراج العشر ، ولا يلزم من عدم وجوبه على شخص معيّن عدم وجوبه أصلا ، بل يكون حين عدم‌

٢٠٧

التعيين وجوبا كفائيّا.

وعلى هذا ، فالظاهر تعلّق الزكاة ولو لم نقل بالانتقال إلى الوارث أيضا ، فيخرجها من يتصرّف في المال ، ولو لم يجب لزم عدم الوجوب لو مات بعد تعلّق الوجوب وقبل الحصاد ؛ لعدم الأمر بالإخراج حينئذ للمالك ، وموته حين إمكان الإخراج.

وإن قلنا بانتقالها إليه فتجب عليه الزكاة ؛ للإطلاقات والعمومات وإن قلنا بأنّه ممنوع من التصرّف في التركة ؛ لعدم مانعيّة مثل هذه الممنوعيّة من وجوب الزكاة كما عرفت.

ولا يتعلّق الدين بما يقابل الزكاة ؛ لأنّه صار ملكا للفقراء بأدلّة وجوب الزكاة الخالية عمّا يصلح للمعارضة في المقام.

ولا غرامة على الوارث ، إلاّ إذا أمكن للوارث صرف الزرع إلى الديّان قبل زمان تعلّق الوجوب وفرّط فيه ، فإنّه يمكن أن يقال بوجوب غرامة العشر للديّان على الوارث.

وعلى هذا ، فلو بذل الوارث عين التركة للديّان لم يكن لهم مطالبة غرامة العشر منه بدون تفريطه ، ولو بذل بدلها بالقيمة لم يكن لهم مطالبة غرامة بدل العشر ، بل ليس لهم مطالبة بدل ما يقابل النماء الحاصل بعد الموت ، لأنّه للوارث على هذا القول.

وعلى التفريط ، يطالب ما يقابل العشر حين الموت ، لا حينما يقابل نماءه الحاصل في ملك الوارث.

ولا فرق في جميع ما ذكر بين ما إذا كان الموت قبل ظهور الثمرة أو بعده ، كما صرّح به في البيان (١) ، وفي المدارك وكذا الذخيرة تبعا للمدارك‌

__________________

(١) البيان : ٢٩٥.

٢٠٨

التفصيل بين ظهورها وعدمها (١) ، ولم أعرف وجهه.

وعلى الثاني (٢) : فإن قلنا بعدم انتقال شي‌ء من التركة إلى الوارث كان كالأول على القول بعدم الانتقال.

وإن قلنا بانتقال الجميع إليه كان كالأول على القول بالانتقال.

وإن قلنا بانتقال الزائد عن الدين إليه خاصّة ، فإن لم يبلغ الزائد حدّ النصاب فكالأول ، وإن بلغ النصاب وجبت فيه الزكاة عليه.

المسألة الحادية عشرة : المذكور في كلام الأصحاب ـ ومنهم : المحقّق في المعتبر (٣) والفاضل في المنتهى (٤) ، وغيرهما (٥) ـ جواز الخرص في النخيل والكروم وتضمينهم حصّة الفقراء ، ونقل عليه في المعتبر الإجماع منّا.

واختلفوا في جواز الخرص في الزروع ، فأثبته الشيخ (٤) وجماعة ، ونفاه الإسكافي والمحقّق والفاضل في المنتهى والتحرير (٦).

والمراد من الخرص : تخمين المحصول وتقديره بالظنّ والتقريب ، والمراد من جوازه : جواز الاكتفاء في إخراج الفريضة بعشر المقدّر أو نصف عشرة.

واستدلّوا له بوجوه ضعيفة جدّا ، أقواها : أخبار بين عاميّة (٧) مردودة ،

__________________

(١) المدارك ٥ : ١٥٤ ، الذخيرة : ٤٤٤.

(٢) معطوف على قوله : ولو مات الزارع المديون قبل .. ، فعلى الأوّل ..

(٣) المعتبر ٢ : ٥٣٥.

(٤) المنتهى ١ : ٥٠٠.

(٥) كالشهيد في الدروس ١ : ٢٣٧.

(٦) الخلاف ٢ : ٦٠.

(٧) حكاه عن الإسكافي في المعتبر ٢ : ٢٦٩ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٥٣٧ ، المنتهى ١ : ٥٠١ ، التحرير ١ : ٦٣.

(٨) كما في صحيح البخاري ٣ : ٢٦٨ ، وصحيح مسلم ٤ : ١٧٨٥ ـ ١٣٩٢.

٢٠٩

وبين غير دالّة على الخرص في الزكاة ، بل في الأراضي الخراجيّة في حصّة النبيّ والإمام ، وبين غير صريحة في جواز الاكتفاء في إخراج الفريضة بالقدر الذي وقع عليه الخرص.

وبالجملة : لا دليل على ذلك أصلا ، والإجماع غير ثابت ؛ مع أنّ أكثر فروع الخرص إنّما تترتّب على المشهور من تعلّق الوجوب حين بدو الصلاح.

وأمّا على ما اخترناه ـ من تعلّقه حين صدق التمر والزبيب والحنطة والشعير ـ فلا تترتّب أكثر الفروع ، وحيث إنّ جواز أصله غير ثابت ـ سيّما في الزروع ـ فلا فائدة في التعرّض لذكر فروعه.

المسألة الثانية عشرة : لا خفاء في وجوب الزكاة في حصّة المالك في المزارعة والمساقاة ؛

للعمومات والإطلاقات ، وخصوص حسنة محمّد وأبي بصير وصحيحتي البزنطي ، المتقدّمة في مسألة استثناء الخراج والمقاسمة (١).

والمشهور : وجوب الزكاة في حصّة العامل أيضا (٢) ؛ للعمومات المذكورة.

ونقل عن ابن زهرة : نفي الزكاة عن العامل في المزارعة والمساقاة (٣) ؛ لأنّ الحصّة التي أخذها كالأجرة من عمله.

واستدلّ له أيضا بمرسلة ابن بكير : في زكاة الأرض « إذا قبّلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام بالنصف أو الثلث أو الربع ، زكاتها عليه ، وليس على المتقبّل زكاة ، إلاّ أن يشترط صاحب الأرض أنّ الزكاة على المتقبّل » (٤)

__________________

(١) راجع ص : ١٨٨ و ١٩٨.

(٢) كما في المختلف : ١٧٩ ، والبيان : ٢٩٤ ، ومجمع الفائدة ٤ : ١٢١.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٨ ـ ٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦ ـ ٧٤ ، الوسائل ٩ : ١٨٩ أبواب زكاة الغلاّت ب ٧ ح ٤.

٢١٠

الحديث.

وضعف دليله الأول ظاهر ، وكذا المرسلة ؛ لشذوذها بمخالفتها عمل معظم الطائفة ، مع أنّها واردة في ما قبّله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام ، فالتعدّي إلى الغير يحتاج إلى الدليل ، والإجماع المركّب غير ثابت.

٢١١

الفصل الرابع

في ما يتعلّق بذلك المقام من الأحكام‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : لا خلاف يعرف في الاجتزاء بالقيمة في الزكاة في النقدين أو الغلاّت ، بل عليه الإجماع في المعتبر والتذكرة (١) ؛ للصحيحين :

أحدهما لعليّ : عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم ، قال : « لا بأس » (٢).

والآخر للبرقيّ : يجوز ـ جعلت فداك ـ أن يخرج ما يجب في الحرث عن الحنطة والشعير دراهم بقيمة ما يسوى ، أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شي‌ء ما فيه؟ فأجابه عليه‌السلام : « أيّما تيسّر يخرج » (٣).

ولا يضرّ تعليق الحكم على ما تيسّر ، إذ لو تيسّر كلّ منهما يصدق على كلّ منهما أنّه تيسّر ، فيدخل في عموم الخبر.

والمرويّ في قرب الإسناد : عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة ، وأشتري لهم منها ثيابا وطعاما ، وأرى أنّ ذلك خير لهم ، فقال : « لا بأس » (٤).

وليس المراد أنّ الزكاة تعطى أولا فتؤخذ منهم ويشترى منها الثياب‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥١٦ ، التذكرة ١ : ٢٢٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٩ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٦ ـ ٥١ ، التهذيب ٤ : ٩٥ ـ ٢٧٢ ، الوسائل ٩ : ١٦٧ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٩ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٦ ـ ٥٢ ، التهذيب ٤ : ٩٥ ـ ٢٧١ ، الوسائل ٩ : ١٦٧ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٤ ح ١.

(٤) قرب الإسناد : ٤٩ ـ ١٥٩ ، الوسائل ٩ : ١٦٨ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٤ ح ٤.

٢١٢

والطعام ؛ إذ ذلك لا يحتاج إلى السؤال ، بل يلغو قوله : وأرى أنّ ذلك خير لهم ، وضعفه منجبر بالعمل.

وتدلّ عليه أيضا روايات جواز احتساب الدين من الزكاة ، كصحيحة البجلي : عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم ولا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكاة ، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال « نعم » (١).

وموثّقة سماعة : عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة ، إلى أن قال ، : « فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها » (٢).

ولا تنافيها رواية سعيد : يشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق والدقيق والبطّيخ فيقسّمه ، قال : « لا يعطيهم إلاّ الدراهم كما أمر الله تعالى » (٣) ..

لعدم دلالتها على الوجوب ، والتشبيه يمكن أن يكون لتعيين القدر ، أي يستحبّ أن يعطى من الدراهم بقدر أمر الله ؛ مع أنّ إعطاء الدراهم من مطلق الزكاة غير واجب ضرورة ، بل ولا مستحبّ ، بل لا يجب من زكاة الدراهم أيضا إجماعا.

والحقّ : الاجتراء بها في الأنعام أيضا ، وفاقا للشيخ وابن زهرة والسيّد والحلّي والفاضلين والشهيدين (٤) ، بل الأكثر كما صرّح به‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٨ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٩٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٨ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٩٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٩ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ١٦٨ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٤ ح ٣.

(٤) الشيخ في الخلاف ٢ : ٥٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، السيّد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٥ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٥١ ؛ المحقق في الشرائع ١ : ١٤٧ ، والمختصر النافع : ٥٦ ، العلاّمة في التذكرة ١ : ٢٢٥ ، والتحرير ١ : ٦٤ ، والمختلف : ١٨٦ ، الشهيد في اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٢٨ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٢٨.

٢١٣

جماعة (١) ، بل قيل : إنّ عليه الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع (٢) ، بل عن صريح الأولين وظاهر الثالث والرابع الإجماع عليه.

لا لبعض الاعتبارات الضعيفة ؛ بل لرواية قرب الإسناد المنجبرة ، والصحيحة والموثّقة الواردتين في الدين ، المتقدّمتين ، الشاملتين لزكاة الأنعام ؛ لترك الاستفصال.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي والمفيد ، فأوجبا فيها العين (٣) ، وعن المعتبر : الميل إليه (٤) ، وقوّاه في المدارك والحدائق (٥) ، وجعله في الذخيرة متّجها (٦).

لتعلّق الوجوب بالفرائض ، فلا يعدل إلاّ بدليل ، ولا دليل ؛ وبعض الأخبار.

ويردّ الأول بما تقدّم من الدليل ، والثاني بعدم الدلالة.

فروع :

أ : ظاهر الأصحاب جواز إعطاء كلّ جنس بقيمة الواجب.

وهو الأظهر ؛ لقوله : « أيّما تيسّر » ولرواية قرب الإسناد ، وإطلاق الصحيحة والموثّقة الواردتين في الدين ، المتقدّمة جميعا.

__________________

(١) منهم العلاّمة في التذكرة ١ : ٢٢٥.

(٢) كما في الرياض ١ : ٢٦٩.

(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٨٦ ، المفيد في المقنعة : ٢٥٣.

(٤) المعتبر ٢ : ٥١٧.

(٥) المدارك ٥ : ٩٢ ، الحدائق ١٢ : ١٣٧.

(٦) الذخيرة : ٤٤٧.

٢١٤

واستوجه في الذخيرة الاقتصار على الدراهم والدنانير (١) ، وهو ظاهر صاحبي الوافي والحدائق (٢).

واستشكل في المدارك أيضا (٣) ؛ اقتصارا على مورد الصحيحين. ودفعه يظهر ممّا مرّ.

ب : هل المعتبر من القيمة قيمة وقت الإخراج مطلقا ، كما اختاره في المدارك والذخيرة (٤)؟

أو يقيّد ذلك بما إذا لم يقوّم الزكاة على نفسه ولو قوّمها على نفسه وضمن القيمة فالواجب هو ما ضمنه ، زاد السوق قبل الإخراج أو انخفض ، كما ذهب إليه في التذكرة (٥)؟

دليل الأول : أنّ وقت الإخراج هو وقت الانتقال إلى القيمة.

ودليل الثاني : أنّه متى كان التقويم جائزا والضمان صحيحا فإنّ المستقرّ في ذمّته هو القيمة.

أقول : التحقيق : أنّ الانتقال إلى القيمة خلاف الأصل ، فيجب الاقتصار فيه على القدر الثابت ، ولم يثبت من النصوص المتقدّمة إلاّ جوازه حين الإخراج ، وأمّا جواز الانتقال ولو بالذمّة مطلقا فلم يثبت ، فإذن الأظهر الأول.

ولكن الإخراج أعمّ من أن يسلّمه إلى الفقير أو يفرزه عن ماله حتى يعطيه بعد ذلك ، فلا يضرّ تفاوت القيمة إن أخرجه وإن كان مودعا عنده.

__________________

(١) الذخيرة : ٤٤٧.

(٢) الوافي ١٠ : ١٥٢ ، الحدائق ١٢ : ١٣٩.

(٣) المدارك ٥ : ٩٢.

(٤) المدارك ٥ : ٩٢ ، الذخيرة : ٤٤٧.

(٥) التذكرة ١ : ٢٢٥.

٢١٥

ج : قال في البيان : لو أخرج في الزكاة منفعة من العين ـ كسكنى الدار ـ فالأقرب الصحة ، وتسليمها بتسليم العين .. ويحتمل المنع ؛ لأنّها تحصل تدريجا (١).

قال في الذخيرة ـ بعد نقل ذلك ـ : ولا يبعد ترجيح هذا القول ؛ لفقد الدليل الصالح للدلالة على الصحّة (٢). انتهى.

وما ذكره جيّد. والأولى إذا أراد ذلك أن يوجر العين ويحتسب مال الإجارة من الزكاة ، والله العالم.

د : لا ريب أنّ إخراج الجنس مطلقا أفضل ، كما صرّح به الحلّي والمحقّق (٣) وغيرهما (٤) ؛ لفتواهم.

وقد يستدلّ أيضا برواية سعيد المتقدّمة (٥) ، بحمل الزكاة المسؤول عنها على زكاة الدراهم ، وحمل الأمر على الاستحباب. ولا بأس به.

ويتأكّد الإخراج من الجنس في النعم خروجا عن شبهة الخلاف فيها ، بل هو فيها الأحوط.

المسألة الثانية : المشهور تعلّق الزكاة بالعين مطلقا (٦) ، وصريح المنتهى وظاهر التذكرة الإجماع عليه (٧).

لا بمعنى تعلّقها بمثل جنس النصاب ولو من غير النصاب كما توهّم ؛ لأنّه راجع إلى التعلّق بالذمّة.

__________________

(١) البيان : ٣٠٣.

(٢) الذخيرة : ٤٤٧.

(٣) الحلّي في السرائر ١ : ٤٥١ ، المحقق في المختصر النافع : ٥٦.

(٤) كالعلاّمة في القواعد ١ : ٥٤.

(٥) في ص : ٢١٣.

(٦) كما في الحدائق ١٢ : ١٤١.

(٧) المنتهى ١ : ٥٠٥ ، التذكرة ١ : ٢٢٤.

٢١٦

بل بمعنى التعلّق ببعض آحاد خصوص النصاب.

وحكي عن شاذّ من أصحابنا تعلّقها بالذمّة ، واحتمل في البيان تعلّق ما في النصب الخمسة للإبل بالذمّة (١).

والأظهر أنّها تتعلّق بالذمّة فيما ليست الفريضة جزء من النصاب ، كالشاة من الإبل ، وبنت المخاض من بنات اللبون ، والتبيع من المسنّات ، ونحو ذلك ؛ وبالعين فيما كانت الفريضة جزء من النصاب.

أمّا الأول ، فلوجوب أداء الفريضة على المالك ، وليست في النصاب حتى تتعلّق به ، ولا يتعلّق بغيره من أمواله ، كما إذا كانت لصاحب الإبل شاة أيضا أو لصاحب بنات اللبون بنت مخاض معلوفة ، إجماعا ، فبقي تعلّقها بالذمّة.

وأمّا الثاني ، فلحسنة العجلي ، وفيها فيما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لمصدّقه : « فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلاّ بإذنه ، فإنّ أكثره له » إلى أن قال : « فاصدع المال صدعين ثمَّ خيّره أيّ الصدعين شاء ، فأيّهما أختار فلا تعرض له ، ثمَّ اصدع الباقي صدعين » الى أن قال : « فلا تزال كذلك حتى ما يبقى ما فيه وفاء لحقّ الله في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ الله منه » الحديث (٢).

ولو لا تعلّقها بالعين واشتراك الفقراء فيها لما ساغ ذلك ، بل في قوله أوّلا : « فإنّ أكثره له » دلالة واضحة على أنّ تمامه ليس له بل له شريك آخر.

وصحيحة البصري : رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال : « نعم ، تؤخذ زكاتها ويتبع بها البائع ، أو يؤدّي زكاتها البائع » (٣).

__________________

(١) البيان : ٣٠٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٦ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ ـ ٢٧٤ ، الوسائل ٩ : ١٣٠ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ١٢٧ أبواب زكاة الأنعام ب ١٢ ح ١.

٢١٧

ولو لا التعلّق بالعين لما ساغ الأخذ من المشتري أصلا.

والإيراد ـ بأنّ التخيير المستفاد من قوله : « أو يؤدّي زكاتها البائع » ينافي التعلّق بالعين ـ مردود بعدم المنافاة بعد ثبوت جواز أدائه الفريضة من غير النصاب أو قيمتها ، فإنّ جواز ذلك أوجب عدم تعيّن الأخذ من المشتري ، ومحلّ الاستدلال جواز الأخذ منه ، وهو باق بحاله.

ورواية أبي المغراء : « إنّ الله تبارك وتعالى شرّك بين الفقراء والأغنياء في الأموال ، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم » (١).

ولو كانت متعلّقة بالذمّة لما تحقّقت الشركة ؛ إذ لم تتعلّق بغير النصاب إجماعا.

قيل : يمكن أن يقال : إنّها وإن تعلّقت بالذمّة ، لكن يجب إخراجها من الأموال التي تدخل تحت ملكه ، فتحصل الشركة بهذا الاعتبار (٢).

قلنا : إذا تعلّقت بالذمّة ففي كلّ آن يجوز له أن يخرجها عمّا ليس بعد تحت يده بتحصيله من اتّهاب أو نحوه ، فأين الشركة؟! ومنه يظهر جواز الاستدلال بقوله عليه‌السلام : « إنّ الله فرض في أموال الأغنياء للفقراء » كصحيحة ابن سنان (٣) ، أو قوله : « جعل للفقراء في أموال الأغنياء » كحسنة ابن مسكان (٤).

وتؤيّده أيضا ، بل تدلّ عليه الأخبار الغير المحصورة ، المتضمّنة للفظ إخراج الزكاة من المال ، فإنّ الإخراج من شي‌ء يكون مع دخوله فيه ، كما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٥ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٢١٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢ ح ٤.

(٢) كما في الذخيرة : ٤٤٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤٩٨ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٠ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٩٧ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ١٣ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ١ ح ٩.

٢١٨

في صحيحة أبي بصير : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله » (١) ، وغيرها (٢).

وتدلّ عليه أيضا صحيحة ابن سنان : « باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا له بكذا وكذا ألف دينار واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين ؛ وإنّما فعل ذلك لأنّ هشاما كان هو الوالي » (٣).

فإنّ شرطه عليه‌السلام لأنّ الولاة يومئذ لا يزكّون أموالهم ، فأراد عليه‌السلام أن يحلّ له عن أرضه مجملا ، فاشترط على هشام زكاته ليحلّ.

وقد يستدلّ أيضا بقوله : « في أربعين شاة شاة. وفي ثلاثين من البقر تبيع ».

وبأنّها مطهّرة للمال ، فكانت في عينه.

وبأنّها لو وجبت في الذمّة لتكرّرت الفريضة في النصاب الواحد بتكرّر الحول ، ولم تقدّم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة ، ولم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط ، ولم يجز للساعي تتبّع العين لو باعها المالك ، والتوالي باطلة بأسرها اتّفاقا.

وفي الكلّ نظر :

أمّا في الأول ، فلأنّ لفظة « في » هنا غير ظاهرة في الظرفيّة ، بل استعمالها في السببيّة شائع ، كما في قوله عليه‌السلام : « في قتل الخطأ مائة من الإبل » ، « وفي العينين الدية » ، « وفي الوطء في الحيض كفّارة » ، بل في قوله « في خمس من الإبل شاة ».

ويمكن أن يقال : إنّ حقيقتها الظرفيّة واستعمالها في بعض المواضع في معنى آخر لا يقتضي حملها عليه في سائر المواضع ، والاحتياج إلى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٨٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٤ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٨ ح ١.

٢١٩

التقدير مشترك.

فإنّ المراد على الظرفيّة : أنّ في أربعين شاة شاة واجبة الإخراج ، أو شاة من مال الفقراء.

وعلى السببيّة : أنّ بسببها شاة كذلك ، فتبقى أصالة الحقيقة خالية عن المعارض.

مع أنّ في بعضها لا تحتاج الظرفيّة إلى تقدير ، بخلاف السببيّة ، مثل : الأخبار المتضمّنة لمثل قوله : « الزكاة في تسعة أشياء » أو : « على تسعة أشياء » « وفي المال الفلاني الزكاة » ، بل هي في نفسها ظاهرة في كون الزكاة متعلّقة بالعين.

وأظهر منها مثل ما في صحيحة زرارة : « كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » (١).

وأمّا في الثاني ، فلجواز أن يكون الإخراج من غير المال أيضا مطهّرا للمال.

وأمّا في البواقي ، فلمنع بطلان التوالي ، وإنّما هي مبنيّة على القول بالتعلّق بالعين ، ولولاه لم يسلّم البطلان.

وحكى في البيان عن ابن حمزة أنّه نقل عن بعض الأصحاب وجوبها في الذمّة ؛ إذ لو وجبت في العين لجاز إلزام المالك بالأداء منها ، ولمنع من التصرّف حتى يخرج الفرض (٢).

ويضعّف بأنّه كان كذلك لو لا الدليل من الخارج لجواز الإخراج من مال آخر ، وجواز التصرّف في النصاب مع ضمان الزكاة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٠ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٦٣ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب ٩ ح ٥.

(٢) البيان : ٣٠٣.

٢٢٠