مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

وثانيا : إنّه وإن لم يكن حينئذ من أهله ، ولكنّه مكلّف بعد رفع الإغماء. ولا يلزم من عدم تكليفه في أن تمام الحول عدمه مطلقا.

وإن أراد المغمى عليه في أثناء الحول حتى ينقطع بسببه الحول ولزم استئنافه ، فإن كان له وجه ـ كما مرّ ـ وتمَّ الفرق من جهة استحالة خلوّ الآدمي عن النوم والسهو طول حول ، فيكون استثناؤهما ضروريّا ، بخلاف الإغماء.

إلاّ أنّه يرد عليه : أنّ المناط في انقطاع الحول عدم صدق كون المال في يده أو عنده عرفا ، ولا شكّ أنّه ( لا ينتفي ) (١) الصدق بمجرّد النوم أو السهو أو الإغماء ، فتشملهم أدلّة عموم وجوب الزكاة.

نعم ، لو فرض حصول الإغماء مدّة مديدة ، كشهر أو شهرين ، بحيث ينتفي الصدق المذكور عرفا ، نسلّم انقطاع الحول ، بل وكذا النوم والسهو لو لا الإجماع على خلافه فيهما.

وقد يجاب عن الاستناد إلى انقطاع الحول بمنعه ، لأنّ هذه الأمور من موانع التكليف ، والموجب لانقطاع الحول انتفاء شرط التكليف. وفيه نظر ظاهر.

هـ : المشهور عند النافين لوجوب الزكاة على الطفل والمجنون في الزرع والضرع استحباب إخراجها لوليهما فيهما.

ومنهم من خصّ الاستحباب بزرع الأطفال ، ونفاه عن مواشيهم ومواشي المجانين وزرعهم (٢).

وعن الحلّي : نفي الاستحباب مطلقا (٣).

__________________

(١) في « س » : ينبغي.

(٢) كما في المدارك ٥ : ٢٢.

(٣) السرائر ١ : ٤٤١.

٢١

دليل القائلين بالاستحباب مطلقا : التفصّي عن خلاف الموجبين ، وصحيحة زرارة ومحمّد المتقدّمة (١).

ويضعف الأول : بأنّ فيه دخولا في خلاف المحرّم ، والتفصّي عنه أيضا احتياط.

والثاني : بأنّه إنّما يتمّ لو ردّت دلالة الصحيحة بقصورها عن إفادة الوجوب ، وأمّا بعد ردّها بالمرجوحيّة بموافقة العامّة فلا تبقى دلالة فيها على الاستحباب.

ودليل من خصّه بزرع الطفل : اختصاص الصحيحة به ، وخلوّ غيره عن المستند.

وحجّة الحلّي : ضعف الاستناد إلى الصحيحة بما مرّ ، أو عدم حجّية الآحاد ، وعدم مستند آخر للزرع ولا لغيره.

أقول : لمّا ثبت التسامح في أدلّة السنن ولو بالتعويل على مجرّد فتوى الفقهاء ، فيمكن الاستناد في الاستحباب في الجميع بفتاوى القائلين بالوجوب والاستحباب ، فالأقرب هو القول المشهور.

و : تستحبّ الزكاة في مال الصبيّ والمجنون إذا اتّجر به لهما ، وفاقا للأكثر ، بل عن المعتبر والمنتهى والغنية ونهاية الإحكام : إجماع علمائنا عليه (٢).

وظاهر المقنعة الوجوب (٣) ، إلاّ أنّ في التهذيب حمل كلامه على الاستحباب ، استنادا إلى انتفاء الوجوب عنده في مال التجارة للكامل ، فغيره‌

__________________

(١) في ص : ١٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٨٧ ، والمنتهى ١ : ٤٧٢ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٢٩٩.

(٣) المقنعة : ٢٣٨.

٢٢

أولى (١).

وعن الحلّي : نفي الوجوب والاستحباب (٢) ، ومال إليه بعض المتأخّرين (٣).

لنا على نفي الوجوب : الأخبار المتقدّمة النافية للزكاة عن مال اليتيم والمجنون (٤) ، والآتية النافية لها عن مال [ التجارة ] (٥) مطلقا (٦).

وعلى الاستحباب : الإجماعات المحكيّة ، والمعتبرة المستفيضة المتقدّمة إليها الإشارة ، كصحيحتي الحلبي ، وزرارة وبكير ، وحسنة محمّد ، وموثّقتي ابن أبي شعبة ، ويونس ، ورواية السمّان (٧).

ورواية أبي العطارد : مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به؟ قال : « إذا حرّكته فعليك زكاته » (٨).

وقويّة محمّد بن الفضيل : عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم ، هل تجب على مالهم زكاة؟ فقال : « لا تجب في مالهم زكاة حتّى يعمل به ، فإذا عمل به وجبت الزكاة ، فأمّا إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه » (٩) ، كلّ ذلك في الأطفال.

وتدلّ عليه في المجنون : صحيحة البجلي ، ورواية موسى بن بكر‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧.

(٢) السرائر ١ : ٤٤١.

(٣) كصاحب المدارك ٥ : ١٨.

(٤) راجع ص ١٢ و ١٣.

(٥) أضفناها لاقتضاء السياق.

(٦) في ص ٢٤١.

(٧) في ص ١٢ و ١٣.

(٨) الكافي ٣ : ٥٤٠ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٨ ـ ٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩ ـ ٨٦ ، الوسائل ٩ : ٨٨ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٢ ح ٣.

(٩) تقدمت مصادرها في ص ١٣.

٢٣

المتقدّمة إليها الإشارة (١).

ومقتضى بعض تلك الأخبار صريحا وبعضها ظاهرا وإن كان الوجوب ، إلاّ أنّ ما سيأتي من الأخبار النافية لوجوبها في مال التجارة مطلقا ، أو للبالغ العاقل ، أوجب حملها على الاستحباب.

دليل النافي للوجوب [ والاستحباب ] (٢) : قصور الروايات دلالة ، من جهة ظهورها في الوجوب المنفيّ هنا ، ومن جهة دلالة بعض النصوص أنّ الحكم في هذه الروايات وارد مورد التقيّة ، فلا يكون دليلا على الاستحباب.

ويردّ بعدم دلالة بعضها على الوجوب ، وعدم ضير انتفاء الوجوب في ما دلّ عليه في ثبوت مطلق الرجحان ، وعدم ثبوت الورود مورد التقيّة كما يأتي.

مع أنّه على فرض تسليم الجميع تكفي الشهرة العظيمة والإجماعات المحكيّة في إثبات الاستحباب.

الشرط الثالث : الحرّية.

فلا تجب زكاة على المملوك.

أمّا على القول بعدم تملّكه شيئا فبلا خلاف ، كما صرّح به جماعة (٣). ووجهه ظاهر.

وتدلّ عليه أيضا صحيحة ابن سنان : مملوك في يده مال ، أعليه زكاة؟ قال : « لا » ، قلت له : فعلى سيّده؟ قال : « لا ، لأنّه لم يصل إلى سيّده ، وليس هو للمملوك » (٤).

__________________

(١) في ص ١٣.

(٢) أضفناها لاقتضاء الكلام.

(٣) كالعلاّمة في التذكرة ١ : ٢٠١ ، وصاحبي الحدائق ١٢ : ٢٨ ، والرياض ١ : ٢٦٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤٢ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ١٩ ـ ٦٣ ، علل الشرائع : ٣٧٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٩٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ٤.

٢٤

وأمّا على القول بتملّكه شيئا ، فعلى الأقوى الأشهر ، بل عن الخلاف ، والتذكرة الإجماع عليه (١) ، لصحيحة أبي البختري : « ليس في مال المكاتب زكاة » (٢) ، ونفيها عن المكاتب يقتضي نفيها عن غيره بطريق أولى.

وصحيحة ابن سنان : « ليس في مال المملوك شي‌ء ولو كان ألف ألف ، ولو أنّه احتاج لم يعط من الزكاة شي‌ء » (٣).

والأخرى : سأله رجل ـ وأنا حاضر ـ عن مال المملوك أعليه زكاة؟ فقال : « لا ، ولو كان له ألف ألف درهم » (٤).

خلافا للمحكيّ عن المعتبر والمنتهى (٥) فأوجباها حينئذ ، لأنّه مالك ، وله التصرّف فيه كيف شاء.

وهو اجتهاد في مقابلة النصّ.

ومقتضى إطلاق هذه الأخبار وفتاوى الأخبار عدم الفرق في الحكم بين ما لو أذن السيّد له في التصرّف مطلقا أو في أداء الزكاة أم لا ، وفاقا للشرائع والدروس والبيان (٦) وغيرها (٧).

ويحكى قول بالتقييد بعدم الإذن (٨) ، لارتفاع الحجر بالإذن ، وللمرويّ عن قرب الإسناد : « ليس على المملوك زكاة إلاّ بإذن مواليه » (٩).

__________________

(١) انظر الخلاف ٢ : ٤١ ، والتذكرة ١ : ٢٠١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٢ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ٩٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٩١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ١٩ ـ ٦٢ ، الوسائل ٩ : ٩١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ٣.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٨٩ ، والمنتهى ١ : ٤٧٢.

(٦) الشرائع ١ : ١٤٠ ، والدروس ١ : ٢٣٠ ، والبيان : ٢٧٧.

(٧) كما في الرياض ١ : ٢٦٣.

(٨) حكاه في الحدائق ١٢ : ٢٨.

(٩) قرب الإسناد : ٢٢٨ ـ ٨٩٣ ، الوسائل ٩ : ٩١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ٢.

٢٥

والجواب عن الأول : بأنّه يتمّ لو كان سبب انتفاء الوجوب عنه الحجر ، وليس كذلك.

وعن الثاني : بضعف السند الخالي عن الجابر أولا ، وبضعف الدلالة ثانيا ، لاحتمال كون متعلّق الإذن إخراج الزكاة عن السيّد.

وكما لا تجب الزكاة على المملوك على القول بتملّكه ، كذلك لا تجب زكاة هذا المال على سيّده أيضا ، كما نصّ به في المنتهى والبيان (١) ، للأصل ، ولأنّه غير مالك ولا تجب على أحد زكاة مال غيره.

وعن ظاهر التحرير والقواعد : وجوبها على المولى (٢) ، لأنّه مال مملوك لأحدهما فلا تسقط الزكاة عنهما معا ، ولأنّه مال مستجمع لشرائط وجوب الزكاة ، فإذا لم تجب على العبد وجبت على المولى.

وفسادهما في غاية الظهور.

وعلى القول بعدم تملّك العبد ، فهل تجب الزكاة على سيده في ما تركه السيّد في يد المملوك لانتفاعه ، أم لا؟

قيل : نعم (٣) ، لأنّه مال مستجمع لجميع شرائط وجوب الزكاة.

وقيل : لا (٤) ، لأنّه غير متمكّن من التصرّف فيه.

وفيه : أنّه أخصّ من المدّعى ، لإمكان تمكّنه من التصرّف.

وأمّا تنزيله على عدم التمكّن من جهة المروءة والوفاء بالعهد فغير مفيد ، لأنّهما لا ينفيان جواز التصرّف.

نعم ، يمكن أن يستدلّ على نفي الزكاة عليه بصحيحة ابن سنان‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٧٣ ، والبيان : ٢٧٧.

(٢) التحرير ١ : ٥٧ ، والقواعد ١ : ٥١.

(٣) قال به العلاّمة في المنتهى ١ : ٤٧٣.

(٤) قال به المحقق في المعتبر ٢ : ٤٨٩.

٢٦

الأولى (١) ، حيث صرّحت بعدم وجوب الزكاة على السيّد.

ولا يوجب التعليل المذكور فيها تخصيص الانتفاء بصورة عدم تمكّن السيّد من التصرّف ببعده عن المملوك أو جهله ، لجواز أن يكون المعنى : لأنّه لم يفد وصوله لسيّده ، ولا ينتفع هو به ، حيث تركه للمملوك ، فيجري التعليل في جميع الصور.

بل هذا المعنى هو الظاهر من هذه العبارة في هذا المقام.

فرع : لو قلنا بعدم ملكيّة المملوك شيئا فلا شكّ في اشتراط الحرّية في وجوب الزكاة على أنعامه وأثمانه على طول حوله.

ووجهه ظاهر ممّا يأتي من اشتراط الملكيّة في الحول.

وإن قلنا بملكيّته فكذلك لو لم يكن مأذونا في التصرّف ، لما يأتي أيضا من اشتراط التمكّن من التصرّف طول الحول.

وإن كان مأذونا فيه متمكّنا فأعتق في أثناء الحول ففيه إشكال. والظاهر البناء على الحول السابق إلاّ أن يثبت الإجماع على خلافه.

الشرط الرابع : الملكيّة.

فلا زكاة على أحد في غير ما يملكه ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ في المعتبر والمنتهى والذخيرة (٢) ، وغيرها.

ويدلّ عليه ـ مع الإجماع ـ الأصل ، إذ لم يثبت من أدلّة وجوب الزكاة وجوبها في غير ما يملك ، ولا عموم فيها من هذه الجهة حتى يحتاج إلى التخصيص بإجماع أو غيره.

وبعض الأخبار ، كمكاتبة عليّ بن مهزيار ، وفيها : فكتب : « لا تجب‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٢٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٩٠ ، والمنتهى ١ : ٤٧٥ ، والذخيرة : ٤٢٣.

٢٧

عليه الزكاة إلاّ في ماله » (١).

وفي صحيحه الكناني : « إنّما الزكاة على صاحب المال » (٢).

ولا إشكال في ذلك ولا كلام ، وإنّما الكلام في ما اشترطه جماعة ـ منهم : المحقّق في الشرائع (٣) والفاضل في جملة من كتبه (٤) والشهيد في البيان (٥) وغيرهم (٦) ـ من تمام الملكيّة.

والكلام تارة في المراد منه ، والأخرى في اشتراطه وعدمه ..

أمّا الأول : فالذي يومئ إليه كلام المعتبر (٧) ـ على ما حكاه في المدارك (٨) وغيره (٩) ـ أنّ المراد منه الشرط الآتي ، وهو التمكّن من التصرّف بالمعنى الآتي.

وبه صرّح في البيان ، قال في تعداد الشرائط : من كون الملك تاما ، ونقصه بمنعه من التصرّف ، والموانع ثلاثة. فعدّ الوقف والغصب والغيبة (١٠).

واحتمل في المدارك والذخيرة أن يكون المراد منه تماميّة السبب المقتضي للملك ، وجوّزا أن يكون مرادهم عدم تزلزل الملك ، ونقلاه عن بعضهم (١١).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢١ ـ ١١ ، الوسائل ٩ : ١٠٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٩ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢١ ـ ١٢ ، الوسائل ٩ : ١٠٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٩ ح ٢.

(٣) الشرائع ١ : ١٤١.

(٤) التذكرة ١ : ٢٠١ ، والقواعد ١ : ٥١.

(٥) البيان : ٢٧٨.

(٦) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥١.

(٧) المعتبر ٢ : ٤٩٠.

(٨) المدارك ٥ : ٢٦.

(٩) كما في الذخيرة : ٤٢٣.

(١٠) البيان : ٢٧٨.

(١١) المدارك ٥ : ٢٦ ، والذخيرة : ٤٢٣.

٢٨

وصرّح باشتراطه بهذا المعنى بعض مشايخنا المحقّقين (١) ، ولكن خصّه بالتزلزل الموجب لنقص الملك لا مطلقا ، ومثّل للأول بخيار البائع ، وللذي لا يوجبه بخيار المشتري.

وجعله بعض مشايخنا الأعمّ من التزلزل ومن غيره ممّا يوجب نقصا في الملكيّة ، باعتبار عدم التمكّن من جميع التصرّفات فيه ، من جهة ضعف الملكيّة وقصور فيها ، لا من جهة العوارض الخارجيّة كالغصب والغيبة ، ومثّل له بالمنذور صدقة بعينه ، وبالوقف على البطون ، وبالغنيمة قبل القسمة ونحوها.

واعترض على إرادة بعض هذه المعاني بمنافاته لبعض تعريفاتهم ، وعلى إرادة بعض آخر بعدم خروجه عن بعض الشروط الأخر.

ولا اهتمام كثيرا بتعيين مرادهم منه ، وإنّما المهمّ بيان اشتراطه وعدمه بأيّ معنى أخذ.

فنقول : لا شكّ في اشتراطه بالمعنى الأول ، لما يأتي من اشتراط التمكّن من التصرّف.

ولا بالمعنى الثاني ، لأنّ الملكيّة المعتبرة قطعا تتوقّف عليه.

ويتفرّع عليه أنّه لا يجري الموصى به في الحول إلاّ بعد حصول القبول عن الموصى له وبعد وفاة الموصي.

وأمّا المعنى الثالث ـ وهو عدم كونه متزلزلا ـ فقد عرفت أنّ منهم من قال باشتراطه.

ويمكن أن يستدلّ له بوجوه :

منها : الإجماع المنقول في التذكرة (٢).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٠١.

(٢) المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

٢٩

ومنها : ما قيل من أن التزلزل ينافي التمكّن من التصرّف (١) ، فإنّ التمكّن من التصرّف ربّما ينتفي من جهة عدم تماميّة الملك ، وربّما ينتفي مع تماميّته.

فالأول مثل : المبيع في زمن الخيار للبائع ، والموهوب قبل القبض ، والغنيمة قبل القسمة ، والمنذور بصدقة في أثناء الحول.

والثاني مثل : المال المفقود والمغصوب والغائب. وهذا القسم هو مرادهم في الشرط الآتي.

والأول هو المراد عند اشتراط تماميّة الملك ، حيث إنّ الملك ما دام ناقصا متزلزلا لا يجوز لمالكه التصرّف فيه ، فلا يجوز له نقله إلى غيره ببيع أو غيره من النواقل ، ولا إعطاؤه للغير بعنوان الزكاة.

وقد صرّح بعدم نقله جماعة ، منهم : الفاضل الهندي ، وصاحب الذخيرة (٢) ، وبعض مشايخنا المحقّقين (٣) ، بل هو ادّعى عليه البداهة ، ونقل عن المدارك أيضا (٤).

فلا يجب عليه إعطاء الزكاة من هذا المال ، لأنّه تصرّف فيه ، ولا من غيره ، إذ لا معنى لوجوب زكاة مال على غير ذلك المال ، مع أنّ الزكاة تتعلّق بالأعيان.

ومنها : أنّه لا شكّ في اعتبار الملكيّة والماليّة ، كما ثبت بالإجماع ، ودلّت عليه الأخبار ، كالمكاتبة والصحيحة المتقدّمتين (٥) ، والمتبادر من الملكيّة : التامّة.

__________________

(١) قال به السبزواري في الذخيرة : ٤٢٣.

(٢) الذخيرة : ٤٢٤.

(٣) المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٤) المدارك ٥ : ٣٧.

(٥) في ص ٢٧ ، ٢٨.

٣٠

أقول : يرد على الأول ـ مع عدم حجّية الإجماع المنقول ـ عدم تعيّن إرادته الإجماع على اشتراط هذا المعنى من تماميّة الملك ، فلعلّه أراد أحد المعاني الأخر.

كما أنّ الشهيد أطلق في البيان اشتراط التمكّن من التصرّف ، وحصر المانع منه في الثلاثة المذكورة ، وعدّ خيار البائع ممّا جعله بعضهم مانعا ، وليس بمانع (١).

وعلى الثاني : أنّه لو سلّم عدم تمكّن المالك من جميع التصرّفات أولا فإنّه مختلف فيه ، وقد جوّز نقل المبيع في زمن الخيار بعض متأخّري المتأخّرين ، فمن أين يشترط في وجوب الزكاة التمكّن من هذا النوع من التصرّفات؟ وما الدليل عليه؟ ولا يثبت ممّا سيأتي اشتراط التمكّن من جميع أنحاء التصرّفات.

فإن قلت : إعطاء الزكاة نقل الملك إلى الفقير ، فإذا لم يتمكّن المشتري ـ مثلا ـ من نقل الملك فكيف يجوز له إعطاء الزكاة؟!

قلت : لا نسلّم أنّ إعطاء الزكاة نقل المالك الملك إلى الفقير ، وإنّما هو تعيين لمال الفقير ، والناقل في الزكاة هو الله سبحانه ، فهو بالإعطاء يعيّن ما نقله الله إلى الفقير.

ولذا قال في الذخيرة ـ مع منعه من تصرّف المتّهب في الموهوب قبل القبض ببيع ونحوه ـ : لو رجع الواهب بعد وجوب الزكاة وقبل أدائها ، فالظاهر تقديم حقّ الفقراء ، لتعلّقه بالعين ولا يضمنه المتّهب (٢). انتهى.

فإنّ التعلّق بالعين لم يحصل من جهة المتّهب ، بل من جهة الله سبحانه.

__________________

(١) البيان : ٢٧٨ و ٢٧٩.

(٢) الذخيرة : ٤٢٣.

٣١

وعلى الثالث : المنع من تبادر الملكيّة التامّة بهذا المعنى ـ أي عدم كونه متزلزلا ـ فإنّ من البديهيّات أنّه يقال في العرف : إنّ الحيوان قبل انقضاء الثلاثة مال المشتري وملك له ، وكذا ما للبائع خيار الغبن فيه أو خيار تأخير الثمن ، وكذا الموهوب قبل القبض.

ومن ذلك ظهر أنّ الحقّ عدم اشتراط تماميّة الملكيّة بذلك المعنى ، أي عدم التزلزل.

وأمّا بالمعنى الرابع (١) ، فقد عرفت الحال في أحد قسميه ، وهو ما كان ضعف الملكيّة وقصورها باعتبار التزلزل.

وأمّا القسم الآخر ، فالظاهر أنّه لا يضبطه عنوان خاصّ ، ولذا ترى بعضهم يدرج الوقف والمنذور والغنيمة تحت ما لا يمكن التصرّف فيه (٢) ، وبعض آخر يعنون كلا منها على حدة.

ولك أن تضبطه بـ : ما ثبت من الشرع وجوب صرف عينه في مصرف معيّن ، أو ثبت منه بخصوصه عدم جواز نقل عينه ، لا من المالك ، ولا من غيره.

وبالجملة : فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب الزكاة في ذلك القسم ، لأنّه ليس ملكا له عرفا ، بل يقال لمن نذر إعطاء شي‌ء معيّن للفقير : أنّه أخرجه من ملكه ، وكذا الوقف الخاص ، وكذا الغنيمة قبل القسمة ، ولا يتبادر من المال والملك شي‌ء منها.

مع أنّه تتعارض عمومات وجوب الزكاة مع عمومات عدم جواز التصرّف فيها أو عدم جواز صرف عينها في غير مصرف معيّن ، فيبقى أصل‌

__________________

(١) وهو كون المراد بتمامية الملكية الأعم من التزلزل وغيره المتقدمة الإشارة إليه في ص ٢٩.

(٢) كالشهيد في الروضة ٢ : ١٣.

٣٢

عدم وجوب الزكاة بلا معارض.

ولعلّه يأتي الكلام في بعض أفراد ذلك القسم أيضا.

ثمَّ بعد ما ذكرنا من عدم اشتراط تماميّة الملك ـ بمعنى : عدم التزلزل في تعلّق وجوب الزكاة ـ لا يبقى مجال للكلام في أنّه هل يشترط حولان الحول من حين الملكيّة أو من حين انتفاء التزلزل.

نعم ، لو قلنا باشتراطها لزم الكلام في ذلك أيضا.

وكذا لا يبقى مجال للكلام في ذلك في القسم الثاني من قسمي عدم تماميّة الملك ، بعد ما عرفت من عدم تعلّق وجوب الزكاة به.

فرع : المشروط : الملكيّة طول الحول فيما يشترط فيه الحول ، بالإجماع ، ولأنّه المراد من حولان الحول ، لا حولانه على وجوده.

وتدلّ عليه جميع الأخبار المتقدّمة ، المصرّحة باشتراط حولان الحول عليه عند ربّه وفي يده (١).

الشرط الخامس : التمكّن من التصرّف.

واشتراطه مقطوع به في كلام كثير من الأصحاب. وفي الحدائق : وهو ممّا لا خلاف فيه فيما أعلم (٢). وفي المدارك وغيره : إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (٣). بل عليه الإجماع عن السرائر والتذكرة والغنية وفي المنتهى (٤).

واستدلّ له ـ بعد الإجماع المنقول ـ بأنّه لو وجبت الزكاة مع عدم التمكّن من التصرّف عقلا أو شرعا للزم وجوب الإخراج من غيره ، وهو‌

__________________

(١) راجع ص ١٧ و ١٨.

(٢) الحدائق ١٢ : ٣١.

(٣) المدارك ٥ : ٣٢ ، والرياض ١ : ٢٦٣.

(٤) السرائر ١ : ٤٣٢ ، والتذكرة ١ : ٢٠١ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧ ، والمنتهى ١ : ٤٧٥.

٣٣

معلوم البطلان ، لأنّ الزكاة إنّما تجب في العين.

وبالمستفيضة من الأخبار ، كالموثّقات الأربع ، وصحيحتي الفضلاء وعليّ بن يقطين ، المتقدّمة في الفرع الثاني من الشرط الأول (١).

والواردة في سقوط الزكاة عن المال الغائب ، كصحيحة ابن سنان : « لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك » (٢).

وموثّقة إسحاق : رجل خلّف عند أهله نفقة ، ألفين لسنتين ، عليها زكاة؟ فقال : « إن كان شاهدا فعليه زكاة ، وإن كان غائبا فليس عليه زكاة » (٣) ، وقريبة من مضمونها مرسلة ابن أبي عمير (٤) وموثّقة أبي بصير (٥).

وصحيحة رفاعة : عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثمَّ يأتيه فلا يرد رأس المال ، كم يزكّيه؟ قال : « سنة واحدة » (٦).

وموثّقة زرارة : في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه ، قال : « فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، وإن كان يدعه متعمّدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين » (٧).

وحسنة سدير : في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع ، فلمّا‌

__________________

(١) راجع ص ١٧ و ١٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١ ـ ٧٨ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٤ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٩٩ ـ ٢٧٩ ، الوسائل ٩ : ١٧٢ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٧ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤٤ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٧ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٤ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٤٣ ، التهذيب ٤ : ٩٩ ـ ٢٨٠ ، الوسائل ٩ : ١٧٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٧ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٥١٩ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٣١ ـ ٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٨ ـ ٨٢ ، الوسائل ٩ : ٩٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٤.

(٧) التهذيب ٤ : ٣١ ـ ٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨ ـ ٨١ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٧.

٣٤

حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه ، فاحتفر الموضع الذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ، ثمَّ إنّه احتفر الموضع من جوانبه كلّه فوقع على المال بعينه ، كيف يزكيه؟ قال : « يزكّيه لسنة واحدة ؛ لأنّه كان غائبا عنه ، وإن كان احتبسه » (١).

وما ورد في سقوط الزكاة عن الدين أو الوديعة الذي لا يقدر على أخذه أو لا يصل إليه ، كرواية عمر بن يزيد : « ليس في الدين زكاة ، إلاّ أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخّره ، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه » (٢).

ورواية عبد العزيز : « كلّ دين يدعه هو ، إذا أراد أخذه ، فعليه زكاته ، وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة » (٣).

وصحيحة الخراساني : الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ، ثمَّ يأخذهما ، متى تجب عليه الزكاة؟ قال : « إذا أخذهما ثمَّ يحول عليه الحول يزكّي » (٤).

ومنهم من لم يذكر هذا الشرط ، بل ذكر سقوط الزكاة في جملة من الأفراد التي لا يتمكّن فيها من التصرّف خاصّة ، ولم يذكر القاعدة الكلّية ، كالشيخ في الخلاف والفاضل في الإرشاد (٥) ، وغيرهما (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٩ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٩٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٩ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٣٢ ـ ٨١ ، الوسائل ٩ : ٩٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢ ـ ٨٢ ، الوسائل ٩ : ٩٦ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٤ ـ ٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٨ ـ ٨٠ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ١.

(٥) الخلاف ٢ : ٣١ ، والإرشاد ١ : ٢٧٨.

(٦) كصاحب الذخيرة : ٤٢.

٣٥

واعترض على اشتراط القاعدة الكلّية بوجهين :

أحدهما : أنّ العمدة في اعتبارها الروايات ، وهي إنّما تدلّ على سقوط الزكاة في المال الغائب ـ الذي لا يقدر مالكه على أخذه ـ لا على اعتبار التمكّن من التصرّف (١).

وثانيهما : أنّه إن أريد به التمكّن من التصرّف من جميع الوجوه ، يخرج المملوك في زمن خيار البائع ، ومال المريض إذا حجرنا عليه في ما زاد من الثلث ، والمحجور عليه لردّة أو سفه أو فلس.

وإن أريد التمكّن في الجملة ، ورد تحقّقه في الغائب والمغصوب ونحوهما ، إذ يجوز بيعها ممّن يتمكّن من استخلاصها ، ويجوز هبة المغصوب لغاصبه ، ونحو ذلك (٢).

وأجيب عن الأول : بأنّه مع أنّ الإجماع المنقول والدليل المذكور بعده يثبت القاعدة ، أنّ كلّ واحد من الأخبار وإن كان أخصّ من المدّعى إلاّ أنّ ضمّ بعضها مع بعض يفيد القاعدة من باب الاستقراء.

مع أنّ الموثّقات الأربع والصحيحة التي بعدها غير مختصّة بالمال الغائب ، بل تدلّ على سقوط الزكاة عن كلّ ما ليس في يد المالك أو عنده.

وصحيحة ابن سنان متضمّنة لحكم الدين أيضا (٣).

وحسنة سدير لحكم المال المفقود ، بل المستفاد من الروايات الثلاثة الأخيرة اقتضاء عدم القدرة على الأخذ مطلقا لسقوط الزكاة.

أقول : أمّا الإجماع المنقول فقد عرفت عدم حجّيته مرارا ، مع أنّ مراد‌

__________________

(١) كما في المدارك ٥ : ٣٣.

(٢) كما في الذخيرة : ٤٢٣.

(٣) تقدّمت في ص ٣٤.

٣٦

المدّعي له من التمكّن من التصرّف لا يخلو عن إجمال.

وأمّا الدليل الذي بعده ففيه : أنّ غاية ما يدلّ عليه ـ لو سلّم ـ عدم التكليف بالإخراج حال عدم التمكّن لا مطلقا.

وأمّا الأخبار وإن لم تكن مخصوصة بالمال الغائب ، ولكن لا يستفاد منها أكثر من اشتراط القدرة على الأخذ كلّما شاء ، وكون المال عنده وفي يده عرفا.

أمّا التمكّن من مطلق التصرّف من نقل الملك ونحوه فلا ، فلا يثبت الحكم في مثل الوقف والمنذور صدقة ونحوهما.

فإن أرادوا بالتمكّن من التصرّف هذا المعنى ، فهو صحيح ثابت بالأخبار ، وإن أرادوا الزائد عنه ، فلا دليل عليه ، بل لا يعلم إرادة المدّعي للإجماع معنى زائدا على الأول.

ومن ذلك يظهر الجواب عن الثاني أيضا ، فيقال : إنّ المراد من التمكّن من التصرّف كونه في يده عرفا ، أو قادرا على أخذه كلّما شاء ، ووضعه أينما أراد ، فلا يرد النقض بالمملوك في زمن الخيار وما عطف عليه ، ولا بالغائب والمغصوب ونحوهما.

ولا حاجة إلى ما أجاب به الفاضل الهندي ، حيث قال : ولعلّه يندفع بأنّهم إنّما أرادوا به ما يرفعه الأسباب التي ذكروها خاصّة ، لأنّ في ذلك ردّا للقاعدة وتخصيصا ببعض الأفراد. فتأمّل.

ثمَّ مقتضى الأخبار المذكورة ـ بل كثير من الإجماعات المنقولة وفتاوي الأصحاب ـ اشتراط جريان الحول ـ فيما يعتبر فيه الحول ـ على هذا الشرط ، ولا يكفي مجرّد تحقّقه حال تعلّق الوجوب.

وهو كذلك ، لما ذكر ، وبه يقيّد بعض الإطلاقات ، كصحيحة‌

٣٧

ابن سنان المتقدّمة (١) المقتضية بإطلاق مفهوم الغاية لوجوب الزكاة حين الوقوع على اليد مطلقا.

فرعان :

أ : قد عرفت اشتراط التمكّن من الأخذ ، وسيجي‌ء في كلّ من الأجناس الزكويّة اشتراط ملكيّة النصاب أيضا ، فهل يشترط التمكّن من التصرّف في النصاب ، أو يشترط التمكّن من التصرّف والنصاب مطلقا سواء تمكّن من التصرّف في مجموعه أم لا؟

وتظهر الفائدة فيما لو ملك النصاب وخصّ التمكّن من التصرّف بما دونه ، كأن يكون له عشرون دينارا ، وكانت عشرة منها غائبة وعشرة بيده ، أو أربعون شاة ، وكانت عشرون منها غائبة أو مغصوبة وعشرون بيده ، أو كان له ألف منّ زرعا وغصب غير مائة منّ منه ، أو غصب المجموع وعادت مائة منّ ، فإنّه لا شكّ في عدم وجوب قدر الحصّة من زكاة الغائب أو المغصوب ، إذ لا زكاة فيه بالأخبار.

وهل يجب قدر الحصّة من زكاة ما يتمكّن من أخذه ، لاستجماعه الشرائط من القدرة على الأخذ وملكيّة النصاب؟

أو لا يجب ، لعدم استجماعه الشرائط ، التي منها : القدرة على أخذ النصاب؟

الظاهر : الأول ، إذ لم يثبت من أخبار اشتراط القدرة الزائد على عدم وجوب الزكاة فيما لا يقدر ، وأمّا عدم وجوبه في غيره فلا ، ولم يثبت من أدلّة النصاب سوى اشتراط تملّكه.

فإنّ مثل قوله : « في أربعين شاة شاة » أو : « ما بلغ خمسة أوسق ففيه‌

__________________

(١) في ص ٣٤.

٣٨

العشر » أو : « لا يجب في أقلّ من أربعين أو خمسة أوسق » ونحو ذلك ، مطلق ، فمقتضاه ثبوت الشاة والعشر في كلّ أربعين شاة وخمسة أوساق.

ولكن قيّد ذلك بالأربعين والخمسة المملوكتين لشخص واحد مع الشرائط الثابتة كالسوم والزرع ، وأمّا تقييدهما بالتمكّن من التصرّف في جميعهما فلا دليل عليه.

ب : اشتراط تعلّق الزكاة بالأجناس الزكويّة بالتمكّن من التصرّف ، وسقوط الزكاة عنها ـ لما مضى ـ بدونه ( مطلقا ) (١) ، إنّما هو فيما يعتبر فيه الحول.

وأمّا غيره من الغلاّت فلا ، لاختصاص جميع الأخبار الموجبة لاشتراط التمكّن من التصرّف بما يعتبر فيه الحول.

نعم ، إذا كانت الغلّة ممنوعة من التصرّف فيها ، أو غائبة ، لا يجب على المالك الإخراج حين عدم التمكّن والغيبة ، لأنّه تكليف بما لا يطاق ، وأمّا بعد وصولها إلى يده تجب زكاتها لما مضى ، كما تدلّ عليه صحيحة ابن سنان المتقدّمة (٢).

وسيجي‌ء بيان ذلك أيضا في بيان حكم المغصوب.

وإذا عرفت اشتراط التمكّن من التصرّف ـ بالمعنى الذي ذكرناه ـ يتفرّع عليها عدم وجوب الزكاة على أموال :

منها : المال الغائب عن مالكه ، وهو اتّفاقي ، ونقل الإجماع عليه متكرّر (٣) ، والأخبار به ناطقة كما مرّ.

وهل الموجب لسقوط الزكاة هو الغيبة مطلقا ، كما نفى عنه البعد في‌

__________________

(١) ليست في « س ».

(٢) في ص ٣٤.

(٣) كما في المنتهى ١ : ٤٧٥ ، والذخيرة. ٤٢٤.

٣٩

الذخيرة (١) ، وهو ظاهر إطلاق الإرشاد والشرائع (٢) ، للأصل ، وعموم كثير من الأخبار السالفة ، كالموثّقات الأربع وصحيحتي الفضلاء وعليّ وغيرها (٣)؟

أو الغيبة المقيّدة بعدم القدرة على التصرّف ، حتى لو كان متمكّنا من إحضار المال أو إيصاله إلى وكيله متى شاء لم يسقط ، كما في الخلاف والنهاية والنافع والتحرير ونهاية الإحكام (٤) ، بل عن الخلاف : عدم الخلاف فيه؟

الحقّ : هو الثاني ، لأن أكثر الأخبار وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنّ موثقّة زرارة (٥) ـ المعتبرة بنفسها ، المنجبرة بالشهرة ـ مقيّدة ، فيها تقيّد المطلقات.

والقول ـ بأنّ قوله فيها : « فعليه الزكاة » ليس صريحا في الوجوب ـ ضعيف.

فروع :

أ : المصرّح به في المعتبر والشرائع والإرشاد والبيان (٦) وغيرها (٧) : أنّ يد الوكيل يد المالك ، وتمكّنه تمكّنه ، وكذا الولي. ولم يذكر بعضهم الوكيل ولا الولي ، كما في النافع (٨).

__________________

(١) الذخيرة : ٤٢٤.

(٢) الإرشاد ١ : ٢٧٨ ، والشرائع ١ : ١٤١.

(٣) راجع ص ١٧ ، ١٨.

(٤) الخلاف ٢ : ١١١ ، والنهاية : ١٧٥ ، والمختصر النافع : ٥٣ ، والتحرير ١ : ٥٨ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٣٠٤.

(٥) المتقدمة في ص ٣٤.

(٦) المعتبر ٢ : ٤٩٠ ، والشرائع ١ : ١٤٢ ، والإرشاد ١ : ٢٧٨ ، والبيان : ٢٧٩.

(٧) كالدروس ١ : ٢٣٠ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٢٣.

(٨) المختصر النافع : ٥٣.

٤٠