مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

أو الإلحاق بالتساوي ؛ لصدر الحسنة ، ولتحقّق تأثيرهما ، والأصل عدم التفاضل.

أوجه ، أقواها : الأخير ، لما ذكر.

ولو علمت الغلبة واشتبه الأغلب ، ففي أحد الاحتمالات الثلاثة أو القرعة احتمالات ، أظهرها : الثالث أيضا ؛ لما مرّ.

المسألة الثالثة : الحدّ الذي تتعلّق به الزكاة ـ أي يشترك فيها الفقراء ـ من الأجناس ما يسمّى حنطة وشعيرا وتمرا وزبيبا ، ولا يكون ذلك إلاّ عند الجفاف ، بمعنى أنّه لا تجب الزكاة على غير هذه المسمّيات وإن سمّي رطبا أو عنبا أو بسرا أو حصرما.

وفاقا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية والديلمي والإسكافي (١) والمحقّق في كتبه (٢) والشيخ سديد الدين والد العلاّمة ، وإليه مال الشهيد الثاني في الروضة (٣) والفاضل الهندي في شرحه ، واختاره جدّي ـ رحمه‌الله ـ حيث جعل القول الآخر هو الأحوط.

لنا : الأصل ، وتعليق الوجوب في الأخبار الغير العديدة على التمر والزبيب والحنطة والشعير ، ونفيه عمّا سوى ذلك (٤) ، ولا شكّ أنّ البسر والرطب والحصرم والعنب ما سوى الأجناس الأربعة.

ويؤيّده تعقيب الحنطة والشعير في جميع تلك الروايات بالتمر والزبيب ، ولو تعلّقت بالرطب والعنب لما كان وجه لتركهما وعدم ذكرهما.

وربّما تؤيّده ـ بل تدلّ عليه أيضا ـ صحيحة علي : عن البستان لا تباع‌

__________________

(١) النهاية : ١٨٢ ، والديلمي في المراسم : ١٢٧ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٧٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٦٨ ، والشرائع ١ : ١٥٣.

(٣) الروضة ٢ : ٣٣.

(٤) كما في الوسائل ٩ : ١٧٣ أبواب زكاة الغلاّت ب ١.

١٨١

غلّته ولو بيعت بلغت غلّتها مالا فهل تجب فيه صدقة؟ فقال : « لا ، إذا كانت تؤكل » (١).

خلافا للمحكيّ عن الشيخ في غير النهاية والحلّي والفاضل (٢) ، بل هو المشهور كما ذكره جماعة ، فقالوا : الحدّ الذي يتعلّق به الوجوب هو بدوّ الصلاح (٣) ، وفسّروه : باشتداد الحبّ في الحنطة والشعير ، وانعقاد الحصرم في الكرم ، والاحمرار أو الاصفرار في ثمر النخل.

واستدلّ له : بأنّه إذا اشتدّ الحبّ يسمّى حنطة وشعيرا ، والبسر والرطب تمرا ، فإنّ أهل اللّغة نصّوا على أنّ البسر نوع من التمر ، والرطب نوع من التمر (٤).

وبالروايات الآتية ، الدالّة على وجوب الزكاة في العنب.

وبصحيحة سعد بن سعد : عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال : « إذا صرم وإذا خرص » (٥) ، فإنّ الخرص إنّما يكون في حال كون التمر بسرا أو عنبا.

وبعموم قوله عليه‌السلام : « في ما سقت السماء العشر ».

ويردّ الأول : بأنّ ما ذكره وإن كان مسلّما في الحنطة والشعير ، ولكنّه في البسر والرطب والحصرم ممنوع ؛ أمّا الأخير فظاهر ، وأمّا الأولان فلعدم معلوميّة التسمية حقيقة ، ولو سمّي يكون مجازا باعتبار ما يؤول إليه ؛ لصحّة السلب سيّما في البسر.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٩ ـ ٥١ ، الوسائل ٩ : ١٩٠ أبواب زكاة الغلاّت ب ٨ ح ١.

(٢) الشيخ في المبسوط ١ : ٢١٤ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٥٣ ، الفاضل في التحرير ١ : ٦٣ ، والمختلف : ١٧٨.

(٣) منهم العلاّمة في المختلف : ١٧٨ ، وفخر المحققين في الإيضاح ١ : ١٧٥.

(٤) كما في المختلف : ١٧٨.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٣ الزكاة ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ١٩٤ أبواب زكاة الغلاّت ب ١٢ ح ١.

١٨٢

وتصريح أهل اللّغة بكونه تمرا غير معلوم ، بل المعلوم من الصحاح والمصباح المنير والمغرب والمجمع خلافه (١) ، وأنّ البسر لا يسمّى تمرا إلاّ عند اليبس والجفاف ، بل في المصباح ادّعاء إجماع أهل اللّغات عليه.

ولم يوجد في كلام غيرهم إلاّ ما يحكى عن العين والقاموس (٢) ، فإنّ فيهما ما ربّما يومئ إليه ويشعر به ، لكن فيهما أيضا ما يخالفه.

قال في الأول : في الحديث : « لا تبسروا » أي لا تخلطوا التمر بالبسر للنبيذ.

ومع ذلك ، فغاية ما يستفاد منهما الإطلاق ، وهو أعمّ من الحقيقة.

ثمَّ لو سلّم ما ذكروه ، فلا يفيد في الزبيب ؛ لوضوح عدم إطلاقه على الحصرم بل العنب ، فلا يتمّ المدّعى ، والإتمام بالإجماع المركّب فرع ثبوته ، وهو ممنوع كما يأتي.

وردّ في الذخيرة الإجماع المركّب بالمعارضة بالمثل (٣).

وفيه نظر ؛ إذ الحكم في الطرف الآخر يكون ثابتا بالأصل أو العموم ، فلا يفيد ضمّ الإجماع المركّب معه ، لمعارضة الطرف الذي يثبت فيه الحكم بالدليل الخاصّ ، وإلاّ لم يتمّ إجماع مركّب أصلا.

والثاني : بأنّ الروايات غير دالّة كما يأتي ، ولو دلّت فإنّما يثبت الحكم في العنب دون الحصرم ، كما هو المدّعى.

وبذلك يرد الثالث أيضا ، مضافا إلى أنّ المستتر في صرم وخرص راجع إلى التمر والزبيب ، فلا يفيد في البسر والعنب.

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٥٨٩ ، المصباح المنير ١ : ٧٦ ، المغرب ١ : ٣٨ ، مجمع البحرين ٣ : ٢٢١.

(٢) العين ٧ : ٢٥٠ ، القاموس ١ : ٣٨٦.

(٣) الذخيرة : ٤٢٧.

١٨٣

والقول ـ بأنّ الخرص يكون في وقت البسريّة والعنبيّة ـ ممنوع ، ولو سلّم فإنّما هو وقت خرص البسر والعنب دون خرص التمر والزبيب ، فيمكن أن يكون المراد خرصهما إذا تركا في النخل والكرم حتى يصير تمرا أو زبيبا ، كما يترك الأول غالبا والثاني في بعض البلاد ، فيتركون العنب حتى يصير زبيبا في الكرم.

وعلى هذا ، فيكون المراد : أنّ وقت وجوب الإخراج وقتان : صرم التمر والزبيب ، وخرصهما ، فالأول لمن لا يريد تصرّفا في بعضه قبل أوان الصرم ، والثاني لمن يريد.

مع ما في الرواية من الخلل ؛ لأنّ المسئول عنه إن كان وقت وجوب الإخراج ، فلا شك في عدم وجوبه عند الخرص على شي‌ء من القولين.

وإن كان وقت تعلّق الوجوب ، فلا شكّ في مغايرته لوقت الصرم على القولين ، وعدم انطباقه على شي‌ء منهما.

وأيضا لو كان وقت الخرص ما ذكروه لما كان معنى لقوله : « إذا صرم » ؛ لما بين البسريّة والعنبيّة وبين الصرم من المدّة.

ومن بعض ما ذكر يظهر ضعف ما يستأنس به للقول المشهور من بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخارص على الناس ؛ إذ على تقدير ثبوته لم يثبت في غير النخل ، ولا فيه في حال البسريّة والرطبيّة.

وقول بعض ـ بأنّه كان في حال البسريّة ـ لا يثبت منه شي‌ء ، مع أنّه يمكن أن يكون الغرض منه أن يؤخذ منهم إذا صارت الثمرة تمرا أو زبيبا ، فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم.

والرابع : بأنّه عامّ يجب تخصيصه بالأخبار النافية للوجوب عن غير الأجناس الأربعة.

وقد يظهر من بعضهم قول آخر ، وهو القول بتوقّف تعلّق الوجوب‌

١٨٤

في التمر على اليبس ، وأمّا في العنب فلا ، بل يتوقّف على العنبيّة.

وفيه مخالفة للمشهور من وجهين ، أحدهما : في البسر والرطب ، والآخر : في الحصرم ، وللمختار من وجه ، وهو الوجوب في العنب.

وإليه مال صاحب المدارك والذخيرة (١) ، ونسبه في البيان إلى الإسكافي والمحقّق (٢).

وهو غير جيّد ، كما أشار إليه في الروضة (٣) ؛ فإنّ المحقّق يصرّ (٤) في كتبه على التسمية بالزبيب (٥) ، وهو المحكيّ عن الإسكافي في غيره من الكتب (٦).

ودليل هذا القول صحيحة سعد : وهل على العنب زكاة أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال : « نعم ، إذا خرصه أخرج زكاته » (٧).

وصحيحة سليمان : « ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أو ساق زبيبا » (٨) ، ونحوها صحيحة الحلبي (٩).

ورواية أبي بصير : « لا تكون في الحبّ ولا في النخل ولا في العنب‌

__________________

(١) المدارك ٥ : ١٣٨ ، الذخيرة : ٤٢٧.

(٢) البيان : ٢٩٧.

(٣) الروضة ٢ : ٣٨.

(٤) في « ق » و « ح » : يظن ..

(٥) كما في المعتبر ٢ : ٥٣٥ ، والشرائع ١ : ١٥٣.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ١٧٨.

(٧) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ١٩٥ أبواب زكاة الغلاّت ب ١٢ ح ٢.

(٨) التهذيب ٤ : ١٨ ـ ٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨ ـ ٥٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٧ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ٧.

(٩) التهذيب ٤ : ١٤ ـ ٣٦ ، الاستبصار ٢ : ١٥ ـ ٤٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٨ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ١١.

١٨٥

زكاة حتى يبلغ وسقين » (١).

ويرد على الجميع : أنّه ليس في شي‌ء منها دلالة على الوجوب أصلا ، فيمكن إرادة الاستحباب ، سيّما الاولى على ما في بعض نسخ الكافي من تبديل « أو » بالواو.

مضافا إلى ما في الاولى من دلالتها على عدم الوجوب عند عدم الخرص ، وهو ينافي الوجوب المطلق.

ومن عدم الوجوب بالخرص إجماعا.

ومن احتمال أن يكون التصديق للجملة الأخيرة ـ أي يجب إذا صيّره زبيبا ـ والضمير المنصوب راجع إلى الزبيب ، وأن يكون حرصه ـ بالحاء المهملة ـ بمعنى : حرسه ، كما ورد : أنّ للخارص العذقان (٢) ، أي الحارس ، يعني : إذا حرسه حتى صار زبيبا أخرج زكاته.

وما في الثانيتين من احتمالهما معنيين ، أحدهما : إناطة الوجوب بحالة يثبت له البلوغ خمسة أوساق حال كونه زبيبا.

وثانيهما : إناطته بحالة يقدّر له هذا الوصف.

والاستدلال يتمّ على الثاني ، مع أنّ الأظهر الأول ؛ إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر.

ولا ينافي الأول (٣) زوال العنبيّة حينئذ ؛ لأنّ مثله شائع ، مثل : لا تجب الصلاة على الصبيّ حتى يبلغ.

وما في الرابعة من عدم الوجوب عند بلوغ الوسقين بالإجماع ، فهي‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧ ـ ٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٧ ـ ٥٠ ، الوسائل ٩ : ١٨١ أبواب زكاة الغلاّت ب ٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ١٨ ـ ٤٧ ، الوسائل ٩ : ١٧٦ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ٣.

(٣) في النسخ : الثاني ، والصحيح ما أثبتناه.

١٨٦

إمّا مطروحة ، أو على الاستحباب محمولة.

المسألة الرابعة : قالوا : وقت الإخراج إذا صفت الغلّة ويبست التمرة ، وفي التذكرة والمنتهى والمدارك والحدائق (١) وغيرها (٢) : نفي الخلاف فيه ، والإجماع عليه.

فإن كان مرادهم الوقت الذي يتعلّق وجوب الإخراج حينئذ ، فيدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ أصالة عدم الوجوب قبله ، وعدم دلالة شي‌ء من النصوص على وجوب الإخراج قبل ذلك.

وكذا إن أريد الوقت الذي يجوز للساعي مطالبة المالك.

وإن أريد الوقت الذي يصير ضامنا بالتأخير كما ذكروه أيضا ، فالدليل عليه منحصر بالإجماع ، وإلاّ فإطلاق كثير من أخبار الضمان بالتلف مع وجود الأصل (٣) يشمل ذلك أيضا.

المسألة الخامسة : قيل : لا خلاف بين الأصحاب في استثناء حصّة السلطان وإخراج الزكاة من غيرها (٤).

أقول : تفصيل المقام : إنّ ما يأخذه السلطان إمّا أن يكون من أراضيه المملوكة له ، أو من غيرها.

وحكمه في الأول حكم سائر الناس في ما يأخذونه من أراضيهم.

والثاني على قسمين ؛ لأنّ الأراضي إمّا خراجيّة أو غير خراجيّة ، وعلى التقديرين إمّا يكون ما يأخذه حصّة من حاصل الأرض ويسمّى بالمقاسمة ، أو وجها آخر غيرها ، ويسمّى بالخراج ، وعلى التقادير إمّا يكون‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٣٧ ، المنتهى ١ : ٥١٠ ، المدارك ٥ : ١٣٩ ، الحدائق ١٢ : ١١٦.

(٢) كالذخيرة : ٤٤٣ ، والرياض ١ : ٢٧٣.

(٣) انظر : الوسائل ٩ : ٢٨٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩.

(٤) كما في الرياض ١ : ٢٧٤.

١٨٧

السلطان من المخالفين أو منّا.

فإن كانت الأراضي خراجيّة ، فالظاهر عدم الخلاف في استثناء ما يأخذه السلطان ـ سواء كان باسم المقاسمة أو الخراج ـ إن كان السلطان من أهل الخلاف.

وتدلّ عليه في المقاسمة : صحيحة محمّد : عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النصف هل عليه في حصّته زكاة؟ قال : « لا » (١).

وحسنة محمّد وأبي بصير : « كلّ أرض دفعها إليك سلطان فما حرثته فيها فعليك في ما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه ، ليس على جميع ما أخرج الله منها العشر ، إنّما العشر عليك فما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك » (٢).

وفي صحيحة صفوان والبزنطي : « وعلى المتقبّلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم » (٣).

وفي الأخرى : « وقد قبّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر ، وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر » (٤).

وفي الخراج : رواية رفاعة : عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدّي خراجها إلى السلطان ، هل عليه عشر؟ قال : « لا » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٠٢ ـ ٨٨٩ ، الوسائل ٩ : ١٩٠ أبواب زكاة الغلاّت ب ٧ ح ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٦ ـ ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ ـ ٧٠ ، الوسائل ٩ : ١٨٨ أبواب زكاة الغلاّت ب ٧ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٢ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٨ ـ ٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ ـ ٧٣ ، الوسائل ٩ : ١٨٨ أبواب زكاة الغلاّت ب ٧ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ١١٩ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ٩ : ١٨٩ أبواب زكاة الغلاّت ب ٧ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ١٩٣ أبواب زكاة الغلاّت ب ١٠ ح ٢.

١٨٨

وصحيحته : عن الرجل له الضيعة فيؤدّي خراجها ، هل عليه فيها عشر؟ قال : « لا » (١).

ورواية سهل : حيث أنشأ سهل آباد سأل أبا الحسن موسى عليه‌السلام عمّا يخرج منها ما عليه؟ فقال : « إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي‌ء ، وإن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها » (٢).

ورواية أبي كهمش : « من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه » (٣).

وجه الاستدلال : أنّها دلّت على انتفاء الزكاة عمّا يؤخذ منه الخراج مطلقا ، خرجت زكاة غير الخراج إذا بلغ النصاب بالإجماع ، فيبقى الباقي.

والسلطان في هذه الأخبار وإن كان أعمّ من المخالف والمؤالف ، إلاّ أنّ المعهود في أزمنة الأئمّة لما كان سلطان المخالفين ، فتنصرف الروايات إليه.

أقول : لا يخفى أنّ انحصار السلطان في عهد في المخالف لا يقيّد إطلاقات الأخبار به ، كما لا يقيّد إطلاق المسلم والمؤمن في الأخبار النبويّة بالعرب أو أهل الحجاز لانحصارهما فيهم ، بل الظاهر إطلاق السلطان.

إلاّ أنّ في دلالة أخبار الخراج على المطلوب نظر ؛ إذ الظاهر من هذه الأخبار ورودها في الأراضي المملوكة ، والمراد من الخراج فيها غير معلوم ، والحقيقة الشرعيّة فيه غير ثابتة ، وإرادة ما يأخذونه من الزكاة ممكنة ، بل هي الظاهرة من سائر الأخبار ، فتكون غير دالّة على مورد الكلام.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٧ ـ ٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ ـ ٧١ ، الوسائل ٩ : ١٩٣ أبواب زكاة الغلاّت ب ١٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٣ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ١٩٢ أبواب زكاة الغلاّت ب ١٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٧ ـ ٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ ـ ٧٢ ، الوسائل ٩ : ١٩٣ أبواب زكاة الغلاّت ب ١٠ ح ٣.

١٨٩

وعلى هذا ، فاللازم في الخراج الاكتفاء بالمجمع عليه ، وهو خراج السلطان المخالف من الأراضي الخراجيّة.

وأمّا المقاسمة ، فالظاهر استثناؤها مطلقا ، سواء كان السلطان منّا أو من المخالفين وإن لم تكن الأراضي خراجيّة ، كالأراضي التي غصبها السلطان من الموقوفات ، أو المجهول مالكها ، أو إذا ضرب شيئا على ملك شخص وأخذه منه ، ونحو ذلك. فما يأخذ منه إمّا حصّة من الحاصل ، أو شي‌ء آخر.

فعلى الأول : فإن كانت حصّة الحاصل ملكا للسلطان ، كأن يكون البذر منه وزرع المالك بقصد الاشتراك ، أو اشترى البذر له وللسلطان ، أو غير ذلك من الوجوه الموجبة لشركة السلطان شرعا ، فلا شكّ في استثناء حصّته مطلقا ، مخالفا كان أو مؤالفا.

وكذا إن لم تكن ملكا شرعيّا له ، ولكن لم يتمكّن المالك من ممانعة السلطان أو إخفائه كلاّ أو بعضا منه ؛ لتعلّق الزكاة بالعين ، وإن تمكّن وفرّط فلا يستثنى شي‌ء.

وإن كان ما يأخذه السلطان غير حصّة الحاصل فلا يستثنى مطلقا ؛ لعدم دليل عليه أصلا وإن أخذه لأجل الزراعة ؛ إذ لا دليل على وضع جميع المؤن ، كما يأتي.

المسألة السادسة : اختلف الأصحاب في غير المقاسمة والخراج من مؤن الزراعة والضيعة ، هل هو على ربّ المال ، فتجب الزكاة في جميع الحاصل؟

أو عليه وعلى الفقراء بالنسبة ، فتستثنى المؤن وتخرج الزكاة من الباقي إن بلغ النصاب؟

١٩٠

الأول : مختار الشيخ في المبسوط والخلاف (١) ، ونسبه في الخلاف إلى جميع الفقهاء إلاّ عطا ، ولأجل هذه النسبة نقل جماعة عن الخلاف الإجماع (٢) ، وليس بجيّد ؛ لأنّ الشائع من الفقهاء عند القدماء : العامّة.

وإلى هذا القول ذهب الفاضل يحيى بن سعيد في الجامع وادّعى فيه الإجماع (٣) ، وهو محتمل اللمعة والروضة (٤) ، واختاره الشهيد الثاني في فوائد القواعد ، وجمع من المتأخّرين ، كالمدارك والذخيرة والمفاتيح والحدائق (٥).

وجدّي ـ قدس‌سره ـ في الرسالة ، قال : ولا دليل يعتمد عليه على وضع المؤن ، بل في تفرقة الشارع بين ما يسقى من السماء وما يسقى من الدلاء شهادة على عدم وضع المؤن. انتهى.

والثاني : مذهب الصدوق والمفيد والشيخ في النهاية والاستبصار والاقتصاد والمصباح والسيّدين في الجمل والغنية (٦) والفاضلين والشهيد في أكثر كتبه والمحقّق الثاني والأردبيلي (٧) ، بل هو المشهور ، كما صرّح به جماعة (٨).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١٧ ، الخلاف ٢ : ٦٧.

(٢) كصاحب المدارك ٥ : ١٤٢ ، السبزواري في الذخيرة : ٤٤٢ ، صاحب الرياض ١ : ٢٧٤.

(٣) الجامع للشرائع : ١٣٤.

(٤) اللمعة ( الروضة ) ٢ : ٣٥ ، الروضة ٢ : ٣٥.

(٥) المدارك ٥ : ١٤٢ ، الذخيرة : ٤٤٢ ، المفاتيح ١ : ٢٠١ ، الحدائق ١٢ : ١٢٥.

(٦) الصدوق في الفقيه ٢ : ١٨ ، والمقنع : ٤٨ ، المفيد في المقنعة : ٢٣٩ ، النهاية : ١٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٦ ، الاقتصاد : ٢٨١ ، مصباح المتهجد : ٧٨٧ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧.

(٧) المحقق في المعتبر ٢ : ٥٤١ ، والشرائع ١ : ١٥٣ ؛ العلاّمة في التحرير ١ : ٦٣ ، والتبصرة : ٤٧ ؛ الشهيد في الدروس ١ : ٢٣٧ ، والبيان : ٢٩٣ ؛ المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٢١ و ٢٢ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ١٠٩.

(٨) كالعلاّمة في المختلف : ١٧٩ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٥.

١٩١

والحقّ : هو الأوّل ؛ لصريح رواية سهل المتقدّمة (١) ، ولعموم الأخبار الدالّة على العشر ونصف العشر في الغلاّت الأربع من غير استثناء للمؤن.

ففي الأخبار الغير العديدة ـ من الصحيحة وغيرها بعبارات متفاوتة ـ ورد أنّ في ما سقت السماء العشر ، وفي ما سقت الدوالي فنصف العشر (٢).

وفي مرسلة ابن بكير : « فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة » إلى أن قال : « والزكاة فيها العشر في ما سقت السماء أو كان سيحا ، أو نصف العشر في ما سقي بالقرب والنواضح » (٣).

وما مرّ في حسنة محمّد وأبي بصير من قوله : « إنّما العشر عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك » (٤).

وما مرّ في صحيحة البزنطي من إثبات العشر ونصف العشر في حصصهم.

وفي صدر هذه الصحيحة : « من أسلم طوعا تركت أرضه في يده ، وأخذ منه العشر ممّا سقت السماء والأنهار ، ونصف العشر ممّا كان بالرشا في ما عمروه منها » (٥).

وما سبق في موثّقة إسحاق : عن الحنطة والتمر عن زكاتهما ، فقال : « العشر ونصف العشر ، العشر في ما سقت السماء ، ونصف العشر ممّا سقي بالسواني » إلى أن قال : « يزكّي ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كلّ عشرة واحد ، أو من كلّ عشرة نصف واحد » (٦).

__________________

(١) في ص : ١٨٩.

(٢) الوسائل ٩ : ١٨٢ أبواب زكاة الغلاّت ب ٤.

(٣) تقدمت في ص : ١٧٧.

(٤) راجع ص : ١٨٨.

(٥) راجع ص : ١٨٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧ ـ ٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٦ ـ ٤٥ ، الوسائل ٩ : ١٨٤ أبواب زكاة الغلاّت ب ٤ ح ٦.

١٩٢

والأخبار المتقدّمة في صدر البحث الدالّة على أنّ الغلّة إذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة (١) ، وهي بإطلاقها شاملة لما إذا بلغت قبل وضع المؤن أيضا.

ومرسلة حمّاد بن عيسى في الأرض المفتوحة عنوة ، والحديث طويل ، وفيه : « فإذا خرج منه ما خرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا ، ونصف العشر ممّا سقي بالدوالي والنواضح » (٢).

ويؤيّده الإجماع المنقول ، وما مرّ في كلام جدّي من تفرقة الشارع بين الأمرين.

ورواية النيسابوري : عن رجل أصاب من ضيعته مائة كرّ ممّا يزكّى فأخذ منه العشر عشرة أكراره ، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرّا ، ما الذي يجب لك حينئذ من ذلك؟ فوقّع عليه‌السلام : « منه الخمس ممّا يفضل عن مئونته » (٣).

والمناقشة في دلالة العمومات ، بأنّها واردة لبيان حكم آخر ، وهو التفصيل بين ما يجب فيه العشر ونصفه ، ولذا لم يستثن في كثير منها ما وقع الاتّفاق على استثنائه ، كحصّة السلطان.

مردودة ، أولا : بمنع ورودها لذلك فقط ، بل كثير منها يتضمّن هذا التفصيل وقدر النصاب وبيان ما فيه الزكاة من الأجناس وما ليست فيها. فيمكن أن تكون متضمّنة لذلك الحكم أيضا ، أي وجوب العشر ونصف‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٧٥ أبواب زكاة الغلاّت ب ١.

(٢) الكافي ١ : ٥٤١ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ ـ ٣٦٦ ، الوسائل ٩ : ١٨٣ أبواب زكاة الغلاّت ب ٤ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦ ـ ٣٩ ، الاستبصار ٢ : ١٧ ـ ٤٨ ، الوسائل ٩ : ١٨٦ أبواب زكاة الغلاّت ب ٥ ح ٢.

١٩٣

العشر في جميع ما سقي من غير استثناء شي‌ء منه ، فإنّه لو كان مراده عليه‌السلام بيان ذلك الحكم في ضمن ما ذكر أيضا لم يزد شيئا على ذلك الكلام .. فمن أين علم أنّها واردة لبيان حكم آخر؟! بل لعلّها واردة لبيان ذلك الحكم أو مع غيره أيضا.

نعم ، قد يقال ذلك في موضع كان الإطلاق جوابا عن سؤال خاصّ ، فيكون ذلك قرينة على إرادة بيان جواب ذلك السؤال ، لا في مثل المقام الخالي عن هذا السؤال.

وثانيا : إنّا سلّمنا ورودها لبيان ذلك ، ولكنّه لا ينافي استفادة حكم آخر منه أيضا إذا كان اللفظ مقتضيا له ، ومقتضى الإطلاق أو العموم ثبوت هذا التفصيل في مطلق ما سقي من غير استثناء شي‌ء ..

ألا ترى أنّه لو قيل : ما في يد زيد نصفه مغصوب من عمرو ونصفه مغصوب من بكر ، يصحّ أن يستدلّ به على عدم كون كلّ جزء جزء منه حلالا لزيد.

ولا يرد أنّه في مقام تفصيل قدر المغصوب من كلّ شخص لا بيان عموم ما في يد زيد.

وأمّا عدم استثناء بعض ما أجمعوا على استثنائه فلا يضرّ في العموم بالنسبة إلى غيره.

وأضعف منها المناقشة فيها بعدم صراحة العموم في وجوب عشر الجميع ، فلعلّه عشر ما يبقى بعد المؤنة ، فإنّ المعلوم أنّ العشر إذا نسب إلى شي‌ء فالمراد عشره ، سواء كانت النسبة بالإضافة ، أو بلفظة في أو من أو نحوها ، فإذا قيل : يجب الخمس في مال زيد ، يتبادر خمس ماله ، مع أنّ في موثّقة إسحاق المتقدّمة (١) العشر ممّا سقت السماء ، وفي رواية سهل‌

__________________

(١) في ص : ١٩٢.

١٩٤

عشر ما يكون فيها (١).

وفي دلالة الحسنة (٢) ، بأنّ دلالتها على الاستثناء أظهر ؛ لأنّ مقاسمة السلطان لا تكون عادة إلاّ بعد إخراج المؤن من نفس الزرع ، وعلى هذا فالحاصل في يده حينئذ ليس إلاّ ما بعد المؤن.

مردودة بأنّ المقاسمة وإن كانت بعد المؤن ، ولكن لا بعد إخراج المؤن من الزرع ، فإنّ ( ما قبل انعقاد الحبّ ـ من ) (٣) من اجرة البقر والعملة وغيرها وكذا كثير ممّا بعده ـ لا يخرج من نفس الزرع ، فيكون ما بإزائه داخلا في ما يحصل في يده بعد المقاسمة ، وبضميمة الإجماع المركّب يتعدّى الحكم إلى الجميع.

ولا يمكن العكس ، إذ لا يقطع بإخراج شي‌ء من نفس الزرع في زمان الصدور قبل المقاسمة.

على أنّ لنا أن نقول : بأنّ معنى ما حصل في يده ما صار ماله وإن صرفه في دين ونحوه ، ولا شكّ أنّ المؤن من قبيل الدين ؛ إذ لا يتعلّق بعين الزرع ، فكلّ ما عدا المقاسمة إنّما حصل في يده.

وممّا ذكرنا يظهر ضعف ما قيل من أنّ الحاصل في يد المالك إنّما هو ما بعد المؤن لأنّ المؤن لا تحصل في يد المالك بل يخرج عنها (٤) ؛ فإنّ المؤن وإن خرجت عنها إلاّ أنّ الحاصل حصل فيها وإن كان يحتاج حصوله إلى مؤن.

مع أنّه لا سبيل لهذه المناقشة في صحيحتي البزنطي المثبتة للعشر في‌

__________________

(١) راجع ص : ١٨٩.

(٢) يعني : والمناقشة في دلالة الحسنة .. مردودة.

(٣) ما بين القوسين ليس في « س » ، « ح ».

(٤) كما في الرياض ١ : ٢٧٥.

١٩٥

حصص الزارع ؛ إذ لا شكّ أنّ المؤن أيضا من حصّته.

وفي دلالة الموثّقة (١) ، بأنّها نافية للنصاب فيجب حملها على التقيّة.

مردودة بأنّه إنّما هو مع إبقائها على إطلاقها ، وأمّا لو خصّ بما بعد النصاب فلا ، والتخصيص في الأخبار ليس بأمر جديد.

وفي أكثر ما ذكر (٢) ، بعدم الدلالة على الوجوب ؛ لاشتماله إمّا على مثل قوله : « فيه العشر » ، وهو غير صريح في الوجوب ، أو الإخبار في مقام الإنشاء.

مردودة بعدم قول باستحباب الزكاة قبل المؤن بنفسه ، وإن أمكن من باب الاحتياط ، ولكنّه غير مفيد لحمل الرواية عليه ، كما أنّ من يصلّي الظهر بعد صلاة الجمعة احتياطا لا يجوز له حمل رواية أمره بالظهر على الاستحباب.

مع أنّ رواية سهل وحسنة محمّد وأبي بصير وصحيحة البزنطي (٢) تتضمّن لفظة « على » الدالّة على الوجوب ، وفي مرسلة ابن بكير : « وجبت فيه الزكاة » (٣) وفي صدر الصحيحة : « أخذ منه العشر » ، ومقتضاه أنّه يؤخذ منه ، سواء أعطى بالرضا أو لا ، وذلك ينافي الاستحباب.

نعم ، قد يناقش في المؤيّدات المذكورة أخيرا بوجوه لا بأس بها ، ولكنّها لا تخرجها عن التأييد وإن نفت دلالتها.

احتجّ الأكثر بوجوه ، منها : الأصل.

ومنها : الرضويّ ـ المنجبر ضعفه بالشهرتين ـ : « وليس في الحنطة‌

__________________

(١) يعني : والمناقشة في دلالة الموثقة .. مردودة.

(٢) يعني : والمناقشة في أكثر ما ذكر .. مردودة.

(٣) المتقدمة في ص : ١٨٨ ، ١٨٩.

(٤) تقدمت في ص : ١٧٧.

١٩٦

والشعير شي‌ء إلى أن يبلغ خمسة أوساق » إلى أن قال : « فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومئونة العمارة والقرية أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بعلا ، وإن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر ، وفي التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير » (١).

ومنها : حسنة الفضلاء الثلاثة : في قول الله تعالى ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٢) ، « هذا من الصدقة يعطى المسكين القبضة بعد القبضة ، ومن الجداد (٣) الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ ، ويترك للخارص (٤) قدرا معلوما ، ويترك من النخل معافأرة وأمّ جعرور (٥) ، ويترك للحارس يكون في الحائط العذق والعذقان والثلاثة لحفظه له » (٦).

وحسنة محمّد : أقلّ ما تجب فيه الزكاة؟ قال : « خمسة أوساق ، ويترك معافارة وأمّ‌جعرور لا يزكّيان وإن كثرا ، ويترك للحارس العذق والعذقان ، والحارس يكون في النخل ينظره ، فيترك ذلك لعياله » (٧).

وأخصّيتهما من المدّعى مجبورة بعموم التعليل في الأولى بل الثانية أيضا ، مع عدم القائل بالفرق بين مئونة الحارس وغيرها ، كما صرّح به في المنتهى (٨).

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٧ ، إلاّ أنّ فيه : وحصل بغير خراج السلطان ومئونة العمارة للقرية. وقد أشار إلى ذلك المصنّف في ص : ١٩٩ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٩١ أبواب زكاة الغلاّت ب ٦ ح ١.

(٢) الأنعام : ١٤١.

(٣) الجداد : صرام النخل وهو قطع ثمرتها ـ النهاية الأثيرية ١ : ٢٤٤.

(٤) في التهذيب والوسائل : يترك للحارس أجرا معلوما ، وفي الكافي : يعطي الحارس أجرا معلوما.

(٥) معافارة وأمّ جعرور : ضربان رديّان من التمر ـ مجمع البحرين ٣ : ٤٠٩.

(٦) الكافي ٣ : ٥٦٥ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٦ ـ ٣٠٣ ، الوسائل ٩ : ١٩٥ أبواب زكاة الغلاّت ب ١٣ ح ١ وص : ١٩١ ح ٤.

(٧) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ١٧٦ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ٣.

(٨) المنتهى ٢ : ٥٠٠.

١٩٧

ومنها : أنّ النصاب مشترك بين المالك والفقراء ، فلا يختصّ أحدهم بالخسارة عليه ، كغيره من الأموال المشتركة.

ومنها : أنّ الزكاة في الغلاّت إنّما تجب في النماء والفائدة ، وهو لا يتناول المؤنة.

أمّا أنّ الزكاة في النماء فتدلّ عليه حسنة محمّد وأبي بصير المتقدّمة ، فإنّ قوله : « فتاجرته فيها » شاهد على إرادة المنافع لا رأس المال ، وكذا قوله : « في ما أخرج الله » فإنّ ما يصرف في المتاجرة لا يقال إنّه أخرجه الله من هذه المعاملة ، بل قوله : « في ما يحصل في يدك » (١) كما مرّ ؛ وقوله في مرسلة حماد المتقدّمة : « فإذا خرج منها نماء » (٢).

ومنها : أنّ ذلك حيف وضرر وعسر وحرج ، وكلّ ذلك منفيّ بالكتاب والسنّة ، سيّما إذا كانت الضيعة مستأجرة بأجرة كثيرة ، فربّما لا يحصل منها أزيد من الأجرة.

ومنها : أنّه يستفاد من الأخبار أنّ العلّة في الزكاة هي المواساة ، وعدم وضع المؤن ينافي ذلك غالبا.

ومنها : أنّه لا بدّ من القول بعدم تعلّق الزكاة بما قابل البذر ؛ ضرورة عدم تكرّر (٣) الزكاة في الغلاّت ، وحيث ثبت استثناء البذر ثبت غيره ؛ لعدم القائل بالفرق.

وفي الكلّ نظر.

أمّا الأول ، فلاندفاعه بما مرّ.

وأمّا الثاني ، فلإجمال مئونة العمارة والقرية أولا ، فإنّ إرادة مؤن‌

_________________

(١) راجع ص : ١٨٨.

(٢) راجع ص ١٩٣.

(٣) في « ح » : تكرار ..

١٩٨

الزراعة منها غير معلومة ، بل يصدق على ما لا يستثنى (١) إجماعا أيضا ، ولا يعلم المراد.

ولا يتوهّم أنّه يلزم تخصيص العمومات بالمجمل ، وهو مخرج لها عن الحجيّة ؛ لأنّ الرواية بنفسها ضعيفة غايته ، وحجيّتها إنّما هي إذا انجبرت بالشهرة ، وهو إذا كان المراد منها معلوما.

سلّمنا صدق مئونة العمارة والقربة على بعض مؤن الزراعة ، ولكن لا شكّ في عدم صدقها على الجميع ، كأجرة الحصاد والحمّال ونحوهما ، فلا يفيد.

وضمّ عدم القول بالفصل ينعكس ؛ لأنّه يدلّ على ثبوت العشر في جميع ما عدا الخراج ومؤن العمارة والقرية ، مع أنّ إثبات الإجماع على عدم الفصل في هذه المسائل شطط من الكلام.

ولعدم الدلالة على المطلوب ثانيا ؛ لأنّ المطلوب إثبات أنّ المخرج عشر ما بقي بعد الخراج والمؤن ، ومدلول الرواية أنّه إذا بلغ النصاب بعدهما يخرج منه العشر ، وأمّا أنّه عشر ما عداهما أو عشر الجميع فلا.

نعم ، يكون دالاّ على أنّ اعتبار النصاب إنّما هو بعد المؤن ، وهو بعض المطلوب ، والإجماع المركّب في أمثال المقام غير ثابت.

هذا كلّه ، مع أنّ نسخ الرواية مختلفة ، والموجود في نسختي ـ التي هي من النسخ المصحّحة غاية الصحّة ـ : « بغير خراج السلطان ومئونة العمارة » مكان : « بعد خراج السلطان » ، وهكذا نقله بعض مشايخنا المحقّقين في شرحه على المفاتيح عن نسخته (٢) ، وكذا وجد منقولا في بعض نسخ رسالة كتبها بعض الفضلاء في المسألة.

__________________

(١) في « ق » و « ح » : ما يستثنى ..

(٢) شرح المفاتيح ( المخطوط ).

١٩٩

وعلى هذا ، فيمكن أن يكون قوله : « بغير » إلى آخره ، متعلّقا بقوله فيما بعد : « اخرج منه العشر » ، يعني : إذا بلغ النصاب وحصل اخرج منه بغير الخراج والمؤنة العشر ، فيكون تقييدهما دفعا لتوهّم أنّه إذا أخرج منه الخراج أو المؤنة لا يخرج منه العشر ، كما ورد في بعض الروايات في خصوص الخراج (١).

وعلى هذا ، فيكون المراد : أنّ الخراج أو المؤنة لا توجب إسقاط العشر ، بل يجب هو معهما.

وأمّا الثّالث ، فلاختصاصه بالحارس وبالعذق والعذقان له ، فالتعدّي إلى غيره باطل ، وعدم القول بالفصل غير ثابت ، كيف؟! وصرّح في المدارك والذخيرة بعدم ثبوته (٢) ، بل في الأخير : إنّ هذا الحكم منصوص فيه ثابت عند الجميع حتى من لا يعتبر المؤنة.

وأمّا التمسّك بعموم التعليل فعليل جدّا ؛ لأنّ العلّة المذكورة هو الحفظ ، وهو غير متحقّق في غير الحارس ، فإنّه لا يجري في البذر والحصادة والحمالة واجرة الأرض وغير ذلك.

نعم ، لو كانت العلّة تضرّر المالك أو صرف المؤنة ونحوهما لكان له وجه. ولكنّه ليس كذلك.

مع أنّ هذا التعليل منحصر بالأولى ، وأمّا الثانية فخالية عن التعليل.

ولو سلّم كون الجملة الأخيرة تعليليّة فغاية ما تثبته أنّ نظر الحارس علّة للترك له ، أي لمّا كان ينظره ويراه فكان طبعه يميل إليه ويتمنّاه لعياله فلذلك يترك له ، وأين تلك العلّة ممّا هو بصدده؟!

نعم ، لو جعل النظر بمعنى الحفظ لكان مثل الرواية الاولى ، ولكنّه‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٩٢ أبواب زكاة الغلاّت ب ١٠.

(٢) المدارك ٥ : ١٤٤ ، الذخيرة : ٤٤٣.

٢٠٠