مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

الفصل الثالث

في زكاة الغلاّت الأربع‌

وفيه بحثان :

البحث الأول

في ما يشترط به وجوبها‌

اعلم أنّه يشترط في وجوبها عليها شرطان :

الشرط الأول : النصاب ، باتّفاق الأصحاب المصرّح به في كلماتهم ، وفي المنتهى : لا نعلم فيه خلافا ـ إلاّ عن مجاهد وأبي حنيفة ، فإنّهما أوجباها في قليلها وكثيرها (١) ـ فهو الدليل عليه ، مضافا إلى النصوص : ففي صحيحة سعد : عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة من البرّ والشعير والتمر والزبيب؟ قال : « خمسة أوساق بوسق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، فقلت : فكم الوسق؟ فقال : « ستون صاعا » (٢).

وصحيحة محمّد : عن التمر والزبيب ، ما أقلّ ما تجب فيه الزكاة؟ قال : « خمسة أوساق » (٣).

وصحيحة سليمان : « ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا » (٤).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٩٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ١٣٧ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ١٨ ـ ٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٨ ـ ٥٣ ، الوسائل ٩ : ١٧٦ ، أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨ ـ ٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨ ـ ٥٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٧ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ٧.

١٦١

وصحيحة الحلبي وفيها ـ بعد ذكر حديث ـ : وقال في حديث آخر ، ثمَّ ذكر مثل صحيحة سليمان ، وقال في آخره : « والوسق ستون صاعا » (١).

وصحيحته الأخرى : « ليس في ما دون خمسة أوساق شي‌ء ، والوسق ستّون صاعا » (٢) ، وقريبة منها موثّقة أبي بصير وابن شهاب (٣).

وصحيحة زرارة وابن بكير : « وأمّا ما أنبتت الأرض من شي‌ء من الأشياء فليس فيه زكاة إلاّ في أربعة أشياء : البرّ والشعير والتمر والزبيب ، وليس في شي‌ء من هذه الأربعة أشياء شي‌ء حتى يبلغ خمسة أوساق ، والوسق ستّون صاعا ، وهو ثلاثمائة صاع بصاع النبيّ ، فإن كان من كلّ صنف خمسة أوساق غير شي‌ء وإن قلّ فليس فيه شي‌ء ، وإن نقص البر والشعير والتمر والزبيب ، أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع ، فليس فيه شي‌ء » (٤) الحديث.

ومرسلة ابن بكير : « في زكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب ليس في ما دون الخمسة أوساق زكاة ، فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة ، والوسق ستّون صاعا ، فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبيّ » (٥) ، إلى غير ذلك.

وأمّا رواية إسحاق بن عمّار : عن الحنطة والتمر عن زكاتهما ، فقال : « العشر ونصف العشر ، العشر ممّا سقت السماء ، ونصف العشر ممّا سقي‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٤ ـ ٣٦ ، الاستبصار ٢ : ١٥ ـ ٤٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٨ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ١١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨ ـ ٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١٨ ـ ٥٤ ، الوسائل ٩ : ١٧٧ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ١٩ ـ ٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨ ـ ٥٥ ، الوسائل ٩ : ١٧٨ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ٩.

(٤) التهذيب ٤ : ١٩ ـ ٥٠ ، الوسائل ٩ : ١٧٧ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ٨.

(٥) التهذيب ٤ : ١٤ ـ ٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤١ ، الوسائل ٩ : ١٧٩ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ١٢.

١٦٢

بالسواقي » ، فقلت : ليس عن هذا أسألك ، إنّما أسألك عمّا خرج منه قليلا كان أو كثيرا ، إله حدّ يزكّى ما خرج منه؟ فقال : « يزكّى ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كلّ عشرة واحدا ، ومن كلّ عشرة نصف واحد » (١) الحديث.

فحملها في التهذيبين على القليل ، والكثير على ما زاد على الخمسة أوساق ، أو على الاستحباب (٢).

والأول مقتضى حمل العامّ على الخاصّ ، والثاني موافق للجملة الخبريّة.

ويمكن الحمل على التقيّة أيضا ، ولو لا ما ذكر لوجب طرحها ؛ لشذوذها من وجهين ، والله يعلم.

ثمَّ حدّ النصاب خمسة أوساق ؛ بالإجماع المحقّق ، والمحكي مستفيضا في الناصريّات والخلاف والغنية والمنتهى (٣) وغيرها (٤) ، ويدلّ عليه ـ مع الإجماع ـ أكثر النصوص المتقدّمة.

وأمّا صحيحة الحلبي : في كم تجب الزكاة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟ قال : « في ستّين صاعا » (٥).

ورواية ابن سنان : عن الزكاة في كم تجب في الحنطة والشعير؟ فقال : « في وسق » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧ ـ ٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٦ ـ ٤٥ ، الوسائل ٩ : ١٨٤ أبواب زكاة الغلاّت ب ٤ ح ٦ وب ٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٥ ، الخلاف ٢ : ٥٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧ ، المنتهى ١ : ٤٩٦.

(٤) كما في الرياض ١ : ٢٧٢.

(٥) تقدّمت في ص ١٦٢.

(٦) التهذيب ٤ : ١٨ ـ ٤٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨ ـ ٥١ ، الوسائل ٩ : ١٨١ أبواب زكاة الغلاّت ب ٣ ح ٤.

١٦٣

ورواية أبي بصير : « لا تكون في الحبّ ولا في النخل ولا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين ، والوسق ستّون صاعا » (١).

فتحمل إمّا على شدّة الاستحباب بقرينة ما مرّ ، أو تترك ؛ لمخالفتها الإجماع والصحاح المتكثّرة.

والوسق ستّون صاعا ، كما في المعتبر والتذكرة والمنتهى (٢) ، وكثير من النصوص المتقدّمة من غير معارض به ناطقة ، فهذه ثلاثمائة صاع.

والصاع قدّر في الأخبار وكلام الأصحاب بالأمداد ، والأرطال ، والدراهم.

أمّا الأول : فهو أربعة أمداد باتّفاق علمائنا ، كما عن الخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى والتذكرة ؛ له (٣) ، ولصحيحة ابن سنان الواردة في قدر الفطرة ، وفيها : « والصاع أربعة أمداد » (٤) ، ونحوها في صحيحة الحلبي الواردة في الفطرة أيضا (٥).

وصحيحة زرارة ، وفيها : « والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال » (٦).

والرضويّ : « والوسق ستّون صاعا ، والصاع أربعة أمداد ، والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧ ـ ٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٧ ـ ٥٠ ، الوسائل ٩ : ١٨١ أبواب زكاة الغلاّت ب ٣ ح ٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٣٢ ، التذكرة ١ : ٢١٨ ، المنتهى ١ : ٤٩٧.

(٣) الخلاف ٢ : ٥٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧ ، المعتبر ٢ : ٥٣٢ ، المنتهى ١ : ٤٩٧ ، التذكرة ١ : ٢١٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٨١ ـ ٢٣٤ ، الاستبصار ٢ : ٤٧ ـ ١٥٥ ، الوسائل ٩ : ٣٣٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ذيل الحديث ١٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٨١ ـ ٢٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٧ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٩ : ٣٣٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٢.

(٦) التهذيب ١ : ١٣٦ ـ ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ـ ٤٠٩ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ١.

(٧) فقه الرضا «ع» : ١٩٧ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٨٧ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ١.

١٦٤

وتدلّ عليه أيضا رواية الهمداني الآتية.

وأمّا رواية المروزي : « الغسل بصاع من ماء ، والوضوء بمدّ من ماء ، وصاع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أمداد ، والمدّ وزن مائتين وثمانين درهما ، والدرهم وزن ستّة دوانيق ، والدانق وزن ستّ حبّات ، والحبّة وزن حبّتي شعير من أوساط الحبّ ، لا من صغاره ولا من كباره » (١).

فلا تصلح لمعارضة ما مرّ ؛ لأكثريّته عددا ، الموجبة لأشهريّته رواية ، وهي من المرجّحات المنصوصة ؛ ولأصحّيته سندا ، وهي أيضا من المرجّحات ؛ ولموافقته لعمل الأصحاب ومخالفتها ، بل في الحدائق ظاهر الأصحاب الاتّفاق على طرح هذا الخبر (٢).

وقد يوجّه بأنّ الصاع مكيال معيّن ، ومن البديهيّات أنّ الأجسام المختلفة يختلف قدرها بالنسبة إلى مكيال معيّن ، ولا يمكن أن يكون الصاع من الماء موافقا للصاع من الحنطة والشعير وشبههما ، فيكون الصاع من الماء ـ كما هو مورد الرواية الأخيرة ـ أثقل من الصاع من الطعام ، كما هو مورد الصحاح والروايتين السابقة .. ولذا فرّق الصدوق في معاني الأخبار بين صاع الماء وصاع الطعام (٣).

أقول : هذا التوجيه كان حسنا لو لا أنّ المدّ أيضا كالصاع مكيال معيّن ، ولكنّ الظاهر ـ كما صرّح به في الحدائق ، ناقلا عن بعض مشايخه ـ أنّ كلا من المدّ والرطل والصاع مكيال معيّن (٤) ، فلا يختلف.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٥ ـ ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ـ ٤١٠ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٣.

(٢) الحدائق ١٢ : ١١٤.

(٣) معاني الأخبار : ٢٤٩.

(٤) الحدائق ١٢ : ١١٥.

١٦٥

هذا ، مع أنّ صحيحة زرارة المتقدّمة واردة في صاع الماء أيضا.

ومنه يظهر ما في التوجيه بحمل الاختلاف على تعدّد الصاع للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ كلا من صحيحة زرارة ورواية المروزي واردة في صاع غسل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتأمّل.

ثمَّ إنّه قد ظهر ممّا ذكر أنّ النصاب ألف ومائتا مدّ.

وأمّا الثاني : فهو ستّة أرطال بالمدنيّ وتسعة بالبغدادي ، بلا خلاف ، بل بالإجماع ، كما عن الانتصار والناصريات والخلاف والغنية (١) ؛ لرواية عليّ بن بلال : كم الفطرة وكم يدفع؟ قال : فكتب : « ستّة أرطال من تمر بالمدني ، وذلك تسعة أرطال بالعراقي ، فإنّ قدر الفطرة صاع » (٢).

وتدلّ عليه أيضا صحيحة أيّوب بن نوح ، المتضمّنة لإرسال الراوي عن كلّ رأس من عياله درهما قيمة تسعة أرطال ، وتقرير المعصوم إيّاه (٣).

ورواية الهمداني ، وفيها : « الصاع ستّة أرطال بالمدنيّ وتسعة بالعراقي » وأخبرني : « أنّه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة » (٤).

وأمّا ما فسّر الصاع بستّة أرطال (٥) ، فمحمول على المدني ؛ لوجوب حمل المجمل على المبيّن ؛ وتدلّ عليه رواية أخرى للهمداني تأتي.

وأمّا موثّقة سماعة : « وكان الصاع على عهده خمسة أرطال ، وكان‌

__________________

(١) الانتصار : ٨٨ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦ ، الخلاف ٢ : ١٥٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٨٣ ـ ٢٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ ـ ١٦٢ ، الوسائل ٩ : ٣٤١ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٢.

(٣) كما في الكافي ٤ : ١٧٤ ـ ٢٤ ، الوسائل ٩ : ٣٤٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٢ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ١١٥ ـ ٤٩٣ ، التهذيب ٤ : ٨٣ ـ ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ ـ ١٦٣ ، الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ١.

(٥) الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧.

١٦٦

المدّ قدر رطل وثلاث أواق » (١).

فمع شذوذها ، غير منضبطة ؛ لاختلاف النسخ فيها ؛ لأنّ في الاستبصار : « خمسة أمداد » مكان : « خمسة أرطال » ، وهو المناسب لتقدير المدّ بعده.

وأمّا الثالث : فهو ما تضمّنته رواية الهمداني المتقدّمة ، وفيها وإن عبّر عن الدرهم بالوزنة ولكنّه قد روى هذا الخبر في عيون الأخبار وذكر الدرهم موضع الوزنة (٢). وعلى هذا ، فيكون النصاب ثلاثمائة آلاف وواحد وخمسون ألف درهم ، ويكون على التقدير الأول ألفا ومائتا مدّ ، وعلى الثاني ألفين وسبعمائة رطل بالعراقي.

ومرجع الثلاثة واحد ؛ وذلك لأنّ المدّ رطلان وربع بالعراقي ، والرطل مائة وثلاثون درهما.

أمّا الأول ، فظهر وجهه ممّا مرّ من تقدير الصاع بأربعة أمداد وتسعة أرطال ، وعليه الإجماع عن الخلاف والغنية (٣) ، وعن البزنطي : أنّه رطل وربع (٤).

واستدلّ له بموثّقة سماعة المتقدّمة ، وهي لا تلائمه إن فسّرت الأوقية بأربعين درهما ، كما ذكره الجوهري (٥) ، أو بعشرة مثاقيل وخمسة أسباع درهم ، كما عند الأطباء .. فتكون الرواية مردودة بمخالفة الإجماع ، أو‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٦ ـ ٣٧٦ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ـ ٤١١ ، الوسائل ١ : ٤٨٢ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٤.

(٢) عيون أخبار الرضا «ع» ١ : ٢٤١ ـ ٧٣ ، الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ١.

(٣) الخلاف ٢ : ٥٩ ، ١٥٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧.

(٤) نقله عنه في البيان : ٢٩٣.

(٥) الصحاح ٦ : ٢٥٢٧.

١٦٧

بحمل المدّ والرطل فيها على مكيال بعض البلاد الغير الشائعة اليوم.

نعم ، إن فسّرت الأوقية بسبعة مثاقيل ـ التي هي عشرة دراهم ، كما في العين (١) ـ يقرب من ربع الرطل ، ويطابق قول البزنطي تقريبا ، وعلى هذا يمكن حمل الرطل في الموثّقة على المكّي ـ الذي هو ضعف العراقي ـ فيوافق المشهور تقريبا أيضا.

ومنه يظهر إمكان تطبيق قول البزنطي على المشهور ، بحمله على المكّي.

ومن ذلك يظهر أنّ ألفا ومائتي مد يكون ألفين وسبعمائة رطل بالعراقي.

وأمّا الثاني ـ وهو كون كلّ رطل عراقي مائة وثلاثين درهما ـ فهو ممّا ذهب إليه الأكثر ، ومنهم : الصدوق (٢) والشيخان (٣).

وتدلّ عليه رواية الهمداني المتقدّمة ؛ لأنّ الحاصل من ضرب التسعة ـ التي هي عدد أرطال الصاع بالعراقي ـ في مائة وثلاثين : ألف ومائة وسبعون.

وتدلّ عليه أيضا رواية أخرى للهمداني ، وفيها بعد أن كتب : « إنّ الفطرة صاع » إلى أن قال : « يدفعه وزنا ستّة أرطال برطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما ، تكون الفطرة ألفا ومائة وسبعين درهما » (٤).

خلافا للتحرير وموضع من المنتهى (٥) ، فوزنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، ولم أعثر على مستنده.

__________________

(١) العين ٥ : ٢٤٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ١١٥.

(٣) المفيد في المقنعة : ٢٥١ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٢٤١.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٩ ـ ٢٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ ـ ١٤٠ ، الوسائل ٩ : ٣٤٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٤.

(٥) التحرير ١ : ٦٢ ، المنتهى ١ : ٤٩٧.

١٦٨

وأمّا رواية المروزي ـ المقدّرة للمدّ بمائتين وثمانين درهما ـ فهي لا توافق شيئا من القولين ، فتكون مخالفة للإجماع ، مردودة بالشذوذ.

ثمَّ حاصل ضرب الألفين وسبع مائة في مائة وثلاثين هو : ثلاثمائة آلاف وواحد وخمسون ألفا ، وهو بعينه عدد دراهم الصاع.

وظهر به رجوع التقديرات الثلاثة إلى واحد ، وأنّ دراهم النصاب ثلاثمائة الاف وواحد وخمسون ألف درهما.

ولمّا عرفت أنّ كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعيّة ، يكون النصاب مائتي ألف وخمسة وأربعون ألفا وسبع مائة مثقالا شرعيّا.

ولكون المثقال الشرعيّ ثلاثة أرباع الصيرفي ، يكون النصاب مائة ألف وأربعة وثمانين ألفا ومائتين وخمسة وسبعين مثقالا صيرفيا.

أو نقول : لكون كلّ درهم نصف مثقال صيرفي وربع عشره ، يكون ثلاثمائة آلاف وواحد وخمسين ألف درهما ، العدد المذكور من المثاقيل الصيرفيّة.

ولكون كلّ منّ تبريزي ـ بالوزن المتعارف في بلادنا هذه وما يقربها في هذه الأزمنة ، وهي سنة ألف ومائتان وسبع وثلاثون من الهجرة ـ ستّ مائة وأربعين مثقالا صيرفيّا ، يكون النصاب بالمنّ التبريزي مائتين وسبع وثمانين منّا ونصف منّ ، ومائتين وخمسة وسبعين مثقالا صيرفيّا.

وبعبارة أخرى : مائتين وثمانية وثمانين منّا إلاّ خمسة وأربعين مثقالا.

ولمّا كان المنّ الشاهي المتعارف في بلادنا في هذه الأزمان ضعف التبريزي ، يكون النصاب مائة وأربعة وأربعين منّا شاهيّا إلاّ خمسة وأربعين مثقالا.

وكان المنّ التبريزي في الأزمنة السابقة علينا ستمائة مثقال ، والشاهيّ ـ الذي ضعفه ـ ألف ومائتي مثقال ، وهو المشهور بالمنّ الشاهي العبّاسي ،

١٦٩

سمّي باسم الشاه عبّاس الصفوي .. فيكون النصاب عليه بالمنّ الشاهيّ مائة وثلاثة وخمسين منّ ونصف منّ وخمسة وسبعين مثقالا.

وإلى هذا ينظر كلام جدّي ـ قدس‌سره ـ ومن حذا حذوه ، حيث قال : إنّ الاحتياط في نحو هذه الأعصار ـ وهي سنة ألف ومائة واثنين من الهجرة ـ إن اعتبر النصاب بالمنّ المتعارف فيه أن يجعل ثلاثمائة منّ بالمنّ التبريزي.

فروع :

أ : قال في المنتهى : لو بلغت الغلّة النصاب بالكيل والوزن معا وجبت الزكاة قطعا ، وكذا لو بلغت بالوزن دون الكيل .. ولو بلغت بالكيل دون الوزن ـ كالشعير ، فإنّه أخفّ من الحنطة مثلا ـ لم تجب الزكاة على الأقوى (١).

أقول : البلوغ بالوزن دون الكيل يتصوّر بأن يصنع وعاء يسع ألفا ومائة وسبعين درهما من الشعير ، فهو صاع ، ولكنّه يسع من الحنطة أكثر من ذلك قطعا ، فيكون نصاب الحنطة بالوزن أقلّ من ثلاثمائة صاع من ذلك الصاع. أو يصنع ما يسع هذا الوزن من الحنطة ولكن لتقريبيّة مل‌ء الصاع كيل وزن النصاب بأقلّ من ثلاثمائة صاع ولو ببعض الصاع.

ثمَّ أقول : إنّ ما ذكره عندي محلّ نظر ، وإن تبعه جمع ممّن عنه تأخّر (٢).

بيان ذلك : إنّ المعلوم بنقل الأصحاب وتصريح أهل اللغة ـ بل بالأخبار ـ أنّ الصاع اسم لمكيال معيّن كانوا يكيلون به الغلاّت وغيرها.

ومن البديهيّات أنّ الوعاء والمكيال الذي يسع الألف ونحوه إذا قدّر‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٩٧.

(٢) انظر : البيان : ٢٩٣ ، والمدارك ٥ : ١٣٦.

١٧٠

بالدراهم والمثاقيل لا يمكن إرادة التحقيقيّة ؛ لأنّ الاختلاف بنحو الدرهم والمثقال بديهيّ محسوس ، فقد يزيد درهم وقد ينقص.

نعم ، لو كان الصاع اسما لألف ومائة وسبعين درهما لا للمكيال لتمّ ما ذكره ، ولكنه ليس كذلك ، فالمراد أنّ الصاع بهذا الوزن تقريبا ، كما يتعارف في هذه الأزمنة في مكيال يسمّى في بعض بلادنا بالكيلة .. وكلّ أحد يقول : إنّه منّ تبريزي ، والمنّ ستمائة مثقال وأربعون ؛ مع أنّهم يكيلون به وقد يزيد بمثاقيل وقد ينقص ، ولو باع أحد مائة كيلة حنطة وكالها للمشتري فوزنها وكان تسعة وتسعين منّا ، لا يحكم بالتسلّط على مطالبته من آخر.

وعلى هذا ، فنقول : لو صنع صاع يسع ألفا ومائة وسبعين درهما عرفا ، وكيل وبلغ النصاب بهذا المقدار بالكيل ، يصدق بلوغ ثلاثمائة صاع ، فلم لا تجب فيه الزكاة؟! مع التصريح بالوجوب في النصوص ، سواء بلغ بالوزن التحقيقيّ ذلك أو لم يبلغ ، أو جهل الحال ؛ إذ المراد بالوزن : التقريبي ، وقد بلغ.

ولو بلغ الوزن بالوزن التحقيقي ولم يعلم بلوغ الكيل ، أو كيل وعلم عدم البلوغ ، فمقتضى القاعدة عدم الوجوب ، كما صرّح به في صحيحة زرارة وابن بكير المتقدّمة (١). إلاّ أنّ الظاهر الإجماع على اعتبار الوزن أيضا ؛ ويدلّ عليه : أنّ الظاهر أنّ كلّ من [ علّق ] (٢) حكما على مكيال له وزن تقريبيّ يعتبر ذلك الوزن تحقيقا أيضا ، فالحقّ اعتبار كلّ من الكيل والوزن وحده أيضا.

وممّا ذكرنا ظهر ما في كلام المدارك ، حيث قال ـ بعد نقل ما سبق عن المنتهى ـ : ومرجعه إلى اعتبار الوزن خاصّة ، وهو كذلك ؛ إذ التقدير‌

__________________

(١) في ص : ١٦٢.

(٢) في النسخ : تعلّق ، والصحيح ما أثبتناه.

١٧١

الشرعيّ إنّما وقع به لا بالكيل ، ومع ذلك فهذا البحث لا جدوى له في هذا الزمان ؛ إذ لا سبيل إلى معرفة قدر الصاع إلاّ بالوزن (١). انتهى.

وفيه : منع وقوع تقدير النصاب شرعا بالوزن ، بل قدّر بثلاثمائة صاع ، وهي الكيل ، غاية الأمر تقدير الكيل في مقام آخر بوزن معيّن ، والمراد أنّه كذلك تقريبا.

وأمّا منع الجدوى لما ذكر ، ففيه : أنّ بعد معرفة الصاع بالوزن تقريبا يحصل مكيال الصاع أيضا.

ثمَّ إنّه لمّا ورد في سائر الأخبار أنّ الصاع يسع ألفا ومائة وسبعين درهما (٢) ، ولم يقيّده بالماء أو الحنطة ، ومن الظاهر اختلاف سعة هذه الأشياء ، فنقول : المراد أنّ الصاع من كلّ شي‌ء ما يسع ذلك المقدار منه ، فتختلف الصيعان ضيقا وسعة.

ب : قال في المدارك : هذا التقدير تحقيق لا تقريب ، فلو نقص عن المقدار المذكور ولو قليلا فلا زكاة (٣).

وصرّحت به جماعة أخرى ، منهم : الفاضل في التذكرة والمنتهى أيضا (٤) ، بل عنهما الإشعار بعدم الخلاف فيه ؛ واستدلّ عليه بصحيحة زرارة وابن بكير المتقدّمة.

وفي التذكرة عن بعض العامّة قولا بأنّ هذا التقدير تقريب ، فتجب الزكاة لو نقص قليلا ؛ لأنّ الوسق في اللغة الحمل ، وهو يزيد وينقص ، ثمَّ ردّه بأنّا اعتبرنا التقدير الشرعيّ دون اللّغوي (٥).

__________________

(١) المدارك ٥ : ١٣٦.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧.

(٣) المدارك ٥ : ١٣٥.

(٤) التذكرة ١ : ٢١٨ ، المنتهى ١ ، ٤٩٧.

(٥) التذكرة ١ : ٢١٨.

١٧٢

أقول : إن أريد أنّ عدد الصاع تحقيقيّ ولا تكفي ثلاثمائة تقريبا ، فهو كذلك إن اعتبر الكيل ، ويصرّح به في الصحيحة .. وكذلك إن أريد تحقيقيّة الوزن إن اعتبر بالوزن ؛ للأصل .. وأن أريد أنّ وزن النصاب غير مختلف أبدا ، بل هو واحد حقيقة دائما ، فهو ليس كذلك ، وظهر وجهه من الفرع السابق ؛ إذ لو اعتبر بالكيل يتحقّق التقريب في الوزن.

ج : عن التذكرة والمنتهى : الإجماع على أنّ النصاب المعتبر إنّما يعتبر وقت جفاف التمر ويبس العنب والغلّة (١) ، فلو كان الرطب أو العنب أو الغلّة نصابا ولو جفّ تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا نقص ، فلا زكاة وإن كان وقت تعلّق الوجوب نصابا.

وتدلّ عليه صحيحتا سليمان والحلبي ، المتقدّمتان في صدر الفصل (٢).

وما دلّ من المستفيضة ـ على نفي الزكاة عن الأقلّ من النصاب من التمر والزبيب ـ فإنّه يشمل ما لو كان الأقلّ نصابا حال الرطوبة.

ويتعدّى الحكم إلى الحنطة والشعير بعدم القول بالفصل ، مع أنّ المفهوم المتبادر من تعليق حكم على وزن معيّن من الغلّة إنّما هو ذلك الوزن عند التصفية ، التي هي بعد الجفاف لا غيره.

وما يؤكل من الرطب والعنب رطبا ولا يجفّ مثله تجب فيه الزكاة إذا بلغ تمرة أو زبيبة النصاب وإن كان يقلّ كثيرا على القول بوجوب الزكاة في الرطب والعنب.

د : لا تقدير فيما زاد على النصاب ، بل تجب في الزائد الزكاة وإن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢١٩ ، المنتهى ١ : ٤٩٧.

(٢) راجع ص : ١٦١ و ١٦٢.

١٧٣

قلّ ، بلا خلاف نصا وفتوى ، وفي المنتهى : أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (١).

ويدلّ عليه ـ مع الإجماع المحقّق ـ الأصل ، ورواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة (٢) وغيرها (٣).

الشرط الثاني : أن يملكها قبل بلوغها حدّا تجب عليها الزكاة ـ أي قبل صدق الحنطة والشعير والتمر والزبيب ـ باقيا إلى وقت تعلّق الوجوب ؛ بالإجماع المحقّق ، والمحكي مستفيضا (٤).

فلو ملكها قبله كذلك تجب عليه الزكاة ، يعني : تخرج من ماله وإن نقلها بعده.

ولو ملكها بعده لا تجب عليه ، أي لا تخرج من ماله.

أمّا الأول ـ وهو وجوب الزكاة لو ملكها قبل تعلّق الوجوب باقيا إلى وقته ـ فلجميع عمومات تعلّق الزكاة بالأجناس الأربعة (٥) وإطلاقاتها ، فأول وقت يصدق عليها الاسم ـ وهي في ملكه ـ تتعلّق بها الزكاة ، ويشترك فيها الفقراء ؛ للعمومات والإطلاقات.

وأمّا الثاني ـ وهو عدم الوجوب لو ملكها بعد زمان تعلّق الوجوب ـ فلعدم تعلّق زكاتين بمال واحد في عام واحد ، وذلك قد تعلّقت به الزكاة في بدو زمان تعلّق الوجوب قبل الانتقال إلى الثاني ، فالمنتقل إليه لا تجب فيه زكاة.

نعم ، لو انتقل جميع الزرع بعد زمان الوجوب إلى أحد ولم يعلم‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٩٨.

(٢) في ص : ١٦٢.

(٣) الوسائل ٩ : ١٣٧ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١.

(٤) انظر : المعتبر ٢ : ٥٣٨ ، والمنتهى ١ : ٤٩٧.

(٥) الوسائل ٩ : ١٧٥ أبواب زكاة الغلاّت ب ١.

١٧٤

ضمان المالك الأول لزكاته يجب عليه إخراج الزكاة من جانب المالك الأول ، كما إذا مات أحد عن زرع بعد زمان تعلّق الوجوب قبل التصفية والإخراج ، والله يعلم.

١٧٥

البحث الثاني

في ما يتعلّق به من الأحكام‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : يزكّى حاصل الزرع مرّة واحدة ، ثمَّ لا تجب فيه زكاة ؛ بالإجماع والنصوص (١) ، وإن بقي ألف عام. إلاّ أن ينضّ وجعل ثمنا أو حيوانا زكويّا فتجب بشروطها.

المسألة الثانية : قدر الفريضة الواجب إخراجها : العشر إن سقي سيحا ، أي بالماء الجاري على وجه الأرض.

سواء كان السقي قبل الزرع ، كالنيل ، فإنّ الله سبحانه يبعث عليه ريح الشمال ، فينقلب عليه البحر المالح ، فيزيد ، فيملأ الخلجان ، وتروى به الأرض ، حتى إذا كان زمان الزراعة كان ذلك كافيا ، وأغنى عن المطر وغيره.

أو بعده ، كعامّة الأنهار والعيون.

أو بعلا ، بأن يسقى بالعروق القريبة من الماء في الأراضي التي يقرب ماؤها.

أو عذبا ، أي بماء المطر.

ونصف العشر إن سقي بالدلو والناضح والدولاب والناعورة ونحوها من الآلات ؛ بالإجماع في الحكمين محقّقا ، ومحكيّا في المعتبر والمنتهى والتذكرة (٢) وغيرها (٣).

وتدلّ عليهما الأخبار المستفيضة ، كصحيحة زرارة وابن بكير ، وفيها :

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٩٤ أبواب زكاة الغلاّت ب ١١.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٣٩ ، المنتهى ١ : ٤٩٨ ، التذكرة ١ : ٢١٩.

(٣) كما في الذخيرة : ٤٤٢.

١٧٦

« فإذا كان يعالج بالرشاء والنضح والدلاء ففيه نصف العشر ، وإن كان يسقى بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تامّا » (١) ، ونحوها صحيحتهما الأخرى (٢).

وصحيحة زرارة ، وفيها : « وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا » (٣).

وفي صحيحة الحلبي : « في ما سقت السماء والأنهار إذا كان سيحا أو كان بعلا العشر ، وما سقت السواني والدوالي أو يسقى بالقرب فنصف العشر » (٤).

وفي حديث آخر : « وما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا فالصدقة ، وهو العشر ، وما سقي بالدوالي أو بالقرب فنصف العشر » (٥).

ومرسلة ابن بكير : « فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة ، والوسق ستّون صاعا ، وذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والزكاة فيها العشر في ما سقت السماء أو كان سيحا ، أو نصف العشر في ما سقي بالقرب والنواضح » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٩ ـ ٥٠ ، الوسائل ٩ : ١٧٧ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ٨.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦ ـ ٤٠ ، الاستبصار ٢ : ١٥ ـ ٤٣ ، الوسائل ٩ : ١٨٤ أبواب زكاة الغلاّت ب ٤ ح ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣ ـ ٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤٠ ، الوسائل ٩ : ١٧٦ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٣ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ١٨٣ أبواب زكاة الغلاّت ب ٤ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ١٤ ـ ٣٦ ، الاستبصار ٢ : ١٥ ـ ٤٢ ، الوسائل ٩ : ١٨٤ أبواب زكاة الغلاّت ب ٤ ح ٧.

(٦) التهذيب ٤ : ١٤ ـ ٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤١ ، الوسائل ٩ : ١٧٩ أبواب زكاة الغلاّت ب ١ ح ١٢.

١٧٧

وحسنة ابن شريح : « في ما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا فالعشر ، وأمّا ما سقت السواني والدوالي فنصف العشر » ، فقلت له : فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثمَّ يزيد الماء وتسقى سيحا ، فقال : « إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟! » قلت : نعم ، قال : « النصف والنصف ، نصف بنصف العشر ونصف بالعشر » ، فقلت : الأرض تسقى بالدوالي ثمَّ يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا ، قال : « وفي كم تسقى السقية والسقيتين سيحا؟ » قلت : في ثلاثين ليلة أربعين ليلة ، وقد مكثت قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر ، قال : « نصف العشر » (١) ، إلى غير ذلك من الأخبار (٢).

والمستفاد من هذه الروايات : أنّ مناط الفرق بين وجوب العشر ونصفه احتياج الماء في ترقّيه إلى الأرض إلى أنّه من دولاب أو حبل ودلو أو نحوها ، وعدمه ، ولا عبرة بغير ذلك من الأعمال ، كحفر الأنهار والسواقي وإن كثرت مئونتها ؛ لإطلاق النصوص.

ولو سقي الزرع بالأمرين فسقي بالسيح مثلا تارة ، وبالدولاب اخرى ، قالوا : فإن تساويا أخذ من نصفه العشر ومن نصفه نصف العشر ، وإلاّ فالحكم للأغلب منهما.

وعن المعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام : الإجماع على الأول (٣) ، وعن الأولين والتذكرة والخلاف على الثاني (٤) ؛ واستند فيهما إلى الإجماع ، وإطلاق الحسنة المتقدّمة المنجبرة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ ـ ٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٥ ـ ٤٤ ، الوسائل ٩ : ١٨٧ أبواب زكاة الغلاّت ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٨٢ أبواب زكاة الغلاّت ب ٤.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٣٩ ، المنتهى ١ : ٤٩٨ ، نهاية الإحكام ٢ : ٣٤٨.

(٤) التذكرة ١ : ٢١٩ ، الخلاف ٢ : ٦٧.

١٧٨

ثمَّ اختلفوا في ما يعتبر التساوي أو الغلبة بالنسبة إليه أنّه هل هو العدد أو الزمان أو النفع والنمو؟

فمنهم من اعتبر بالنسبة إلى العدد بشرط التساوي في النفع وإلاّ فبالنفع.

ومنهم من اعتبر بالنسبة إلى الزمان بشرط المذكور ، وإلاّ فبالنفع.

ومنهم من اعتبر بالنسبة إلى العدد مطلقا.

ومنهم من قال : إنّ العبرة بالزمان كذلك ، وهو المحكيّ عن ابن زهرة (١) ، والمنتهى والمسالك (٢) وحواشي القواعد للشهيد الثاني.

ومنهم من اعتبر النفع مطلقا ، قوّاه الشهيد الثاني في حواشي الإرشاد ، واستقربه في القواعد والتذكرة والإيضاح (٣) ، بل في حواشي القواعد : أنّه الأشهر.

دليل اعتبار العدد ـ على ما قيل ـ أنّ الكثرة حقيقة في الكمّ المنفصل ، واللفظ يحمل على حقيقته ، وأنّ السبب في التفرقة هي المؤنة ، وهي إنّما تكثر بكثرة العدد (٤).

ويمكن إرجاع الحسنة إليه بتقييد إطلاقها بما هو الغالب في الزمان الأكثر من احتياجه إلى عدد أكثر.

ودليل اعتبار الزمان : ظاهر الحسنة ، وأنّه ربّما لا يمكن اعتبار العدد ، كما لو شرب بالعروق أو بمطر متّصل ونحوه.

ودليل اعتبار النفع : أنّ الزكاة تابعة للنموّ ، وأنّ ظاهر الحسنة أنّ النظر‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧.

(٢) المنتهى ١ : ٤٩٨ ، المسالك ١ : ٥٧.

(٣) القواعد ١ : ٥٥ ، التذكرة ١ : ٢١٩ ، الإيضاح ١ : ١٨٣.

(٤) انظر : المسالك ١ : ٥٧ ، المدارك ٥ : ١٤٩.

١٧٩

إلى نفع الزرع.

وضعف غير دليل اعتبار الزمان ظاهر ، وهو أيضا عن إثبات الإطلاق المطلوب قاصر.

والتحقيق أن يقال : إنّ المستفاد من المستفيضة المتقدّمة ليس إلاّ حكم ما تفرّد بأحد الأمرين.

وأمّا ما اجتمع فيه الأمران فهو غير داخل فيها ، فاللازم فيه إمّا الرجوع إلى أصل البراءة عن الزائد عن نصف العشر ، أو الرجوع إلى مطلقات العشر ، وهو الأظهر ، فمقتضى إطلاقات العشر ثبوته فيه.

إلاّ أنّ الحسنة المذكورة دلّت بجزئها الأول على ثبوت ثلاثة أرباع العشر فيما اجتمع فيه الأمران مطلقا ، سواء كانا متساويين ، أم مختلفين عددا ، أو زمانا ، أو نفعا .. فيجب أن يكون ذلك هو الأصل ويحكم به إلاّ فيما أخرجه دليل آخر ، وليس إلاّ جزؤها الأخير ، وهو لا يخرج إلاّ إذا كان زمان العلاج بالآلة أكثر ، أو مع أكثريّة العدد أيضا ؛ بناء على ما مرّ من أنّ الغالب في الزمان الأكثر الاحتياج إلى العدد الأكثر ، ويبقى الباقي بجميع أقسامه تحت الأصل المذكور ، وهو ثبوت ثلاثة أرباع العشر مع اجتماع الأمرين.

إلاّ أنّ الظاهر ـ كما ذكره بعض المتأخّرين (١) ـ أنّ اعتبار الكثرة الزمانيّة في العلاج بالآلة إنّما هو إذا كانت كثرة معتدّا بها ، وأمّا إذا كان التفاوت قليلا جدّا فلا يدخل في الحسنة ، والإجماع أيضا لا يفيد أكثر ممّا ذكر.

ثمَّ إنّه لو اشتبه الحال ولم يعلم أغلب أحدهما على الآخر أم لا ، ففي وجوب العشر ؛ لعموماته الخالية عن المعارض.

أو نصفه ؛ لأصالة البراءة.

__________________

(١) كالمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ١١٨ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ١٢٣.

١٨٠