مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

الفصل الثاني

في زكاة النقدين‌

وفيه بحثان :

البحث الأول

في شرائطها

وهي أمور :

الشرط الأول : النصاب ، بلا خلاف بين علماء الإسلام ، ولكلّ منهما نصابان :

أمّا الأول للذهب : فعشرون دينارا ، فليس في ما نقص عنها شي‌ء إجماعا فتوى ونصّا ، وإذا بلغها يجب فيه الزكاة ربع العشر نصف دينار على المشهور بين الأصحاب ، بل بالإجماع كما عن الغنية والخلاف والتذكرة والسرائر (١) ، بل في الأخير إجماع المسلمين.

للنصوص المستفيضة ، بل المتواترة ، كموثّقة عليّ بن عقبة والعدّة (١٢) : « ليس في ما دون العشرين مثقالا من الذهب شي‌ء ، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين ، فإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين ، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧ ، الخلاف ٢ : ٨٣ ، التذكرة ١ : ٢١٦ ، السرائر ١ : ٤٤٧.

(٢) المراد من العدّة : عدة من أصحابنا.

١٤١

دنانير » (١).

وموثّقة سماعة : « في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم من الفضّة ، فإن نقص شي‌ء فليس عليك زكاة ، ومن الذهب من كلّ عشرين دينارا نصف دينار ، فإن نقص فليس عليك شي‌ء » (٢).

وصحيحة الحسين بن بشّار : في كم وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزكاة؟ فقال : « في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم ، فإن نقصت فلا زكاة فيها ، وفي الذهب في كلّ عشرين دينارا نصف دينار ، فإن نقص فلا زكاة فيه » (٣).

وموثّقة زرارة : « في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار ، وليس في ما دون العشرين شي‌ء ، وفي الفضّة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم ، وليس في ما دون المائتين شي‌ء ، فإذا زادت تسعة وثلاثون على المائتين فليس فيها شي‌ء حتى تبلغ الأربعين ، وليس في شي‌ء من الكسور شي‌ء حتى تبلغ الأربعين ، وكذلك الدنانير على هذا الحساب » (٤).

وفي صحيحة البزنطي : عمّا اخرج من المعدن من قليل أو كثير ، هل فيه شي‌ء؟ قال : « ليس عليه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا » (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٥ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٦ ـ ١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢ ـ ٣٥ ، الوسائل ٩ : ١٣٨ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٥ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ١٢ ـ ٣١ ، الوسائل ٩ : ١٣٨ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٤ وب ٢ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ١٣٨ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٣ وب ٢ ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٧ ـ ١٥ ، الاستبصار ٢ : ١٢ ـ ٣٧ ، الوسائل ٩ : ١٤٠ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٩ وب ٢ ح ٦.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٨ ـ ٣٩١ ، الوسائل ٩ : ٤٩٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٤ ح ١.

١٤٢

وموثّقة ابن أبي العلاء : « في عشرين دينارا نصف دينار » (١).

إلى غير ذلك من الروايات المتكثّرة ، كموثّقتي زرارة وبكير (٢) ورواية زرارة (٣) وصحيحة الحلبي (٤) وحسنة محمّد (٥) وغيرها (٦). والتعبير في البعض بالدينار وفي البعض بالمثقال لاتّحادهما كما يأتي.

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين (٧) ـ بل جماعة من أصحاب الحديث كما في المعتبر (٨) ، أو قوم من أصحابنا كما في الخلاف (٩) ـ أنّ النصاب الأول أربعون دينارا.

احتجاجا بموثّقة الفضلاء الأربعة : « في الذهب في كلّ أربعين مثقالا مثقال ، وفي الورق في كلّ مائتين خمسة دراهم ، وليس في أقلّ من أربعين مثقالا شي‌ء ، وليس في أقلّ من مائتي درهم شي‌ء ، وليس في النيف شي‌ء حتى يتمّ أربعون فيكون فيه واحد » (١٠).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٦ ـ ١٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢ ـ ٣٦ ، الوسائل ٩ : ١٣٩ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ٨.

(٢) الاولى في : التهذيب ٤ : ١٢ ـ ٣٣ ، الوسائل ٩ : ١٤٠ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١١.

الثانية في : التهذيب ٤ : ٦ ـ ١٢ ، الوسائل ٩ : ١٤٠ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ١٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢ ـ ٣٠ ، الوسائل ٩ : ١٤٠ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ١٣٧ ، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١ وب ٢ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ١٠ ـ ٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٣ ـ ٣٨ ، الوسائل ٩ : ١٣٧ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٢.

(٦) الوسائل ٩ : ١٣٧ و ١٤٢ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ وب ٢.

(٧) الصدوق في المقنع : ٥٠ ، وحكاه عن والده في المختلف : ١٧٨.

(٨) المعتبر ٢ : ٥٢٣.

(٩) الخلاف ٢ : ٨٤.

(١٠) التهذيب ٤ : ١١ ـ ٢٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣ ـ ٣٩ ، الوسائل ٩ : ١٤٤ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٢ ح ٧.

١٤٣

وصحيحة زرارة : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة وثلاثون دينارا ، أيزكّيها؟ قال : « ليس عليه شي‌ء من الزكاة في الدراهم ، ولا في الدنانير حتى يتمّ أربعين ، والدراهم مائتي درهم » (١).

ويردّان بعدم حجّيتهما ؛ لشذوذهما.

مع أنّه على التعارض مع ما تقدّم ، الترجيح لما تقدّم بالأشهريّة رواية وفتوى ، والموافقة للإطلاقات كتابا وسنّة بوجوب الزكاة في الذهب بقول مطلق ، خرج منه ما نقص عن العشرين دينارا بالإجماع وبقي الباقي.

مع أنّ الثانية مرويّة في الفقيه (٢) بمتن يوافق المشهور ، حيث بدّل فيه : تسعة وثلاثون دينارا ، في السؤال بـ : تسعة عشر دينارا ، مع الجواب بنفي الزكاة فيها حتى يتمّ.

وعلى هذا ، فلا يبقى حجّية في الطريق الأول.

وأمّا النصاب الثاني للذهب : فأربعة دنانير ويزيد لها عشر دينار ، ولا يزيد لما بين العشرين والأربعة الزائدة شي‌ء ، بالإجماع.

وتدلّ عليه موثّقتا عليّ بن عقبة وزرارة المتقدّمتين ، ورواية ابن عيينة : « إذا جاز الزكاة العشرين دينارا ففي كلّ أربعة دنانير عشر دينار » (٣) ، وغير ذلك.

وأمّا النصاب الأول للفضّة : فمائتا درهم ، فلا يجب شي‌ء في ما دونها ، وإذا بلغ هذا المقدار وجب ربع العشر خمسة دراهم ، بإجماع علماء الإسلام محقّقا ومحكيّا (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٩٢ ـ ٢٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٨ ـ ١١٩ ، الوسائل ٩ : ١٤١ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١٤.

(٢) الفقيه ٢ : ١١ ـ ٣٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ١٣٩ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٦.

(٤) انظر : الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧ ، والمعتبر : ٢٦٧ ، والتذكرة ١ : ٢١٥.

١٤٤

وتدلّ عليه النصوص المستفيضة من المتقدّمة ، وغيرها (١).

والثاني : أربعون درهما ، وفيه درهم ، ولا يجب شي‌ء لما بينها وبين المائتين ، بالإجماعين (٢) أيضا.

وتدلّ عليه من الروايات موثّقة زرارة المتقدّمة ، وموثّقة محمّد الحلبي : « إذا زاد على المائتي درهم أربعون درهما فعليها درهم ، وليس في ما دون الأربعين شي‌ء » فقلت : فما في تسعة وثلاثين درهما؟ قال : « ليس على التسعة وثلاثين درهما شي‌ء » (٣).

فائدة : الدينار قد ينسب إلى المثقال الصيرفي فيعرف به ، وقد ينسب إلى الدرهم.

أمّا على الأول ، فهو ثلاثة أرباع مثقال الصيرفي ، كما صرّح به جماعة ، منهم : صاحب الوافي والمحدّث المجلسي في رسالته في الأوزان نافيا عنه الشك (٤) ، ووالده في [ روضة ] المتّقين (٥) ، وابن الأثير في نهايته (٦) ، وغيرهم.

ويثبته إطلاق الدينار عرفا على هذه الذهب المعمولة في بلاد الروم والإفرنج المسمّاة بـ « دوبتي وباج اغلو » وكلّ منهما ثلاثة أرباع الصيرفي.

بل يظهر من المجمع أنّ الدينار في الأزمنة الماضية أيضا كانت اسما لهذين الذهبين ، قال في مادّة الدرهم : وأمّا الدنانير فكانت تحمل إلى العرب من الروم إلى أن ضرب عبد الملك بن مروان الدينار في أيّامه (٧).

__________________

(١) انظر الوسائل ٩ : ١٤٢ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٢.

(٢) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢ ـ ٣٢ ، الوسائل ٩ : ١٤٥ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٢ ح ٩.

(٤) رسالة المقادير الشرعية ( المخطوط ).

(٥) في النسخ : حلية المتقين ، والصحيح ما أثبتناه.

(٦) النهاية الأثيرية ١ : ٢١٧.

(٧) مجمع البحرين ٦ : ٦٢.

١٤٥

انتهى.

والظاهر عدم التغيّر في مسكوكات الروم ، بل هي ما يحمل منها الآن أيضا ، وهو الذهبان المذكوران ، بل صرّح في النهاية الأثيريّة بأنّ الدينار هو ذلك ، حيث قال : المثقال يطلق في العرف على الدينار خاصّة ، وهو الذهب الصنمي عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي (١). انتهى.

وبه صرّح في المجمع في مادّة الثقل ، حيث قال : فالمثقال الشرعيّ يكون على هذا الحساب عبارة عن الذهب الصنمي (٢). انتهى.

والذهب الصنمي هو الذهبان المذكوران ؛ حيث إنّ فيهما شكل الصنم ، فما يكون الصنم في أحد طرفيه يقال له : باج اغلو ، وما في طرفيه يسمّى بـ : دوبتي ، أي ذو الصنمين.

وبما ذكرنا يعلم أنّ الدينار هو الذهب ، الذي هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، أو هذان الذهبان ، وكلّ منهما أيضا ثلاثة أرباعه ، ولا أقلّ من استعماله في ذلك.

والأصل في الاستعمال الحقيقة ؛ إذ لم يعلم له في عرف العرب استعمال في غيره أصلا ، وبضميمة أصالة عدم النقل يثبت ذلك في عرف الشرع أيضا.

مع أنّه صرّح جماعة ـ منهم : العلاّمة في النهاية (٣) والرافعي في شرح الوجيز ـ : أنّ الدينار لم يختلف في جاهليّة ولا إسلام (٤).

وقال في الحدائق : لا خلاف بين الأصحاب ـ بل وغيرهم أيضا ـ أنّ‌

__________________

(١) النهاية الأثيرية ١ : ٢١٧.

(٢) مجمع البحرين ٥ : ٣٣١.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ٣٤٠.

(٤) شرح الوجيز ( المجموع للنووي ٦ ) : ٥.

١٤٦

الدنانير لم يتغيّر وزنها عمّا هي عليه الآن في جاهليّة ولا إسلام ، صرّح بذلك جماعة من علماء الطرفين (١). انتهى.

وقال جدّي ـ قدس‌سره ـ في بعض ما ذكر : إنّه لا اختلاف فيه بين العلماء.

ثمَّ إنّ المثقال الصيرفي ـ على ما اعتبرناه مرارا ووزنّاه وأمرنا جمعا من المدقّقين باعتباره ـ يساوي تقريبا ثلاث وتسعين حبّة من حبّات الشعير المتوسّطات ، فيكون الدينار على ذلك سبعين حبّة تقريبا ، وهو يطابق حبّات الذهب الصنمي المذكور ، فإنّا وزنّاه مرارا فكان سبعين حبّة.

وأمّا على الثاني ، فصرّح الأصحاب ـ منهم : المحقّق في الشرائع والمعتبر (٢) والفاضل في المنتهى والتذكرة والتحرير (٣) والشهيدان في البيان والروضة (٤) ، وغيرهم (٥) ـ : بأنّ الدينار درهم وثلاثة أسباع درهم ، والدرهم نصف دينار وخمسه.

بل هو متّفق عليه بين الأصحاب ، مقطوع به في كلماتهم ، بل كلمات اللّغويين أيضا ، وقال المحدّث المجلسي : إنّه ممّا اتّفقت عليه العامّة والخاصّة (٦) ، ونفى عنه الاختلاف جدّي الأمجد أيضا.

ثمَّ الدرهم ـ كما به صرّحوا جميعا أيضا ـ ستّة دوانيق ، والدانق : ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير.

وتدلّ عليه ـ بعد الاتّفاق المحقّق ، والمحكيّ مستفيضا (٧) ـ أصالة‌

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٨٩.

(٢) الشرائع ١ : ١٥٠ ، المعتبر ٢ : ٥٢٥.

(٣) المنتهى ١ : ٤٩٣ ، التذكرة ١ : ٢١٥ ، التحرير ١ : ٦٢.

(٤) انظر : البيان : ٣٠٢ ، الروضة البهية ٢ : ٣٠.

(٥) كصاحب المدارك ٥ : ١١٤ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٧٠.

(٦) رسالة المقادير الشرعية ( المخطوط ).

(٧) انظر : المفاتيح ١ : ٥٠.

١٤٧

الاستعمال ، بضميمة أصالة عدم النقل.

ويوافق أيضا ما اعتبرناه من تطابق الدينار بالحبّات ، فإنّ مقتضاه كون الدرهم ثمان وأربعين حبّة تقريبا ، كما صرّحوا به.

ومن ذلك يعلم قدر الدرهم بالنسبة إلى الدينار أيضا ، وكذلك بالنسبة إلى المثاقيل الصيرفيّة المتعارفة الآن في أكثر البلاد ، التي كلّ واحد منهما ثلاث وتسعون حبّة تقريبا ، ويعلم أنّ كل درهم نصف مثقال صيرفي وربع عشره.

وأمّا ما في بعض الأخبار الضعيفة ـ ممّا يدلّ على أنّ الدرهم ستّة دوانيق ، والدانق : اثنا عشر حبّة ـ فهو مخالف لتصريح الجميع ، بل للاعتبار الصحيح ، فهو بالشذوذ مردود.

ومنه يعلم أيضا ما في مجمع البحرين من أنّ المثقال الشرعيّ ستّون حبّة من حبّات الشعير ، فإنّه يلزمه أن يكون الدرهم اثنتين وأربعين حبّة ، وهو مخالف لتصريح الأصحاب والاعتبار.

ثمَّ بعد ما ذكرنا تعلم أنّ النصاب الأول للذهب خمسة عشر مثقالا بالمثقال الصيرفي ، والثاني ثلاثة مثاقيل. والنصاب الأول للفضّة مائة وخمسة مثاقيل ، والثاني واحد وعشرون ، والله أعلم.

فرعان :

أ : المراد ببلوغ عشرين دينارا أو مائتي درهم بلوغ وزنهما ، ولا يشترط أن يكون ما يسمّى دينارا أو درهما أو يكون بهذا العدد الخاصّ ؛ بالإجماع ، وصرّح به في موثّقة عليّ بن عقبة السابقة ، حيث قال : « فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال » (١).

__________________

(١) تقدّمت في ص ١٤١.

١٤٨

وفي صحيحة ابن أبي عمير : ما أقلّ ما يكون فيه الزكاة؟ قال : « مائتا درهم ، وعدلها من الذهب » (١) ، فإنّ المراد بالعدل : العدل في القيمة ، حيث إنّ قيمة مثقال من الذهب في هذه الأزمان عشرة دراهم ، كما صرّحوا به ؛ ويدلّ عليه الاستقراء في موارد الأحكام أيضا.

وفي صحيحة محمّد : عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال : « إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة » (٢) ، مع أنّ كون الدرهم اسما لنقد خاصّ غير معلوم.

ويشعر باعتبار الوزن أيضا التعبير بمثل قوله : « إذا بلغ ، وإذا كان أقل ، أو نقص » ونحو ذلك ، فلا يشترط.

ب : لو نقص عن النصاب ولو بقليل لا تجب الزكاة.

ولو اختلفت الموازين ، فنقص في بعضها دون بعض ، فعن الخلاف : عدم وجوب الزكاة (٣).

وعن المعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة والنهاية والمسالك : الوجوب ، إن كان الاختلاف بما جرت به العادة والنقص ممّا يتسامح به في ذلك الوزن (٤).

وهو قوي ؛ لأنّه علّق وجوب الزكاة ببلوغ النصاب ، فإذا بلغ بأحد الموازين صدق البلوغ فوجب.

ولا يضرّ الاختلاف اليسير في بعض آخر ؛ لأنّه ممّا جرت به العادة ، ومثل ذلك لا ينفي الصدق العرفيّ كما لا يخفى.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ١٣٧ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ١٣٧ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٢.

(٣) الخلاف ٢ : ٧٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٢٤ ، المنتهى ١ : ٤٩٣ ، التحرير ١ : ٦٢ ، التذكرة ١ : ٢١٥ ، نهاية الإحكام ٢ : ٣٤٠ ، المسالك ١ : ٥٥.

١٤٩

وأيضا بناء كلام الشارع على طريقة المحاورات ، فيبتني النصاب على الأوزان المعتبرة في المعاملات ، ومثل ذلك ممّا يتسامح به فيها.

على أنّ غاية تحقيق الأوزان اعتبارها بأوساط الشعير ، ولا شبهة في اختلافها.

الشرط الثاني : كونهما منقوشين بسكّة المعاملة الخاصّة ، سواء كان النقش بكتابة حروف وكلمات ، أو بنقش صور وغيرها ، بلا خلاف فيه بين علمائنا ، بل في الانتصار والمدارك والذخيرة (١) وغيرها (٢) إجماعهم عليه.

وهو الدليل عليه ، مضافا إلى أنّ عمومات وجوب الزكاة في الذهب والفضّة وإن اقتضت وجوبها فيهما مطلقا ، إلاّ أنّ النصوص المستفيضة ـ بل المتواترة النافية للزكاة عن الحليّ والسبائك والنقار والتبر ـ أخرجت هذه الأمور ، التي هي العمدة في غير المسكوكات.

والباقي وإن كان أيضا أعمّ من المدّعى ، إلاّ أنّه خرج غير المنقوش بخبر عليّ بن يقطين المنجبر ضعفه ـ لو كان ـ بالعمل ، وفيه : « وما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء » ، قال : قلت : وما الركاز؟ قال : « الصامت المنقوش » (٣).

وذلك وإن كان أيضا أعمّ من المدّعى في الجملة ـ لعدم اختصاص النقش بسكّة المعاملة ـ إلاّ أنّه خرج غير المسكوك بسكّة المعاملة بموثّقة جميل : « ليس في التبر زكاة ، إنّما هي على الدنانير والدراهم » (٤).

__________________

(١) الانتصار : ٨٠ ، المدارك ٥ : ١١٥ ، الذخيرة : ٤٣٩.

(٢) كالرياض ١ : ٢٦٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٨ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٨ ـ ١٩ ، الاستبصار ٢ : ٦ ـ ١٣ ، الوسائل ٩ : ١٥٤ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٨ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٧ ـ ١٨ ، الاستبصار ٢ : ٧ ـ ١٦ ، الوسائل ٩ : ١٥٦ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٨ ح ٥.

١٥٠

والتبر : ما كان من الذهب غير مضروب ، على ما ذكره الجوهري ، وصاحب المغرب (١) .. فخرج جميع غير الدنانير والدراهم ، وبقيت الزكاة واجبة فيهما.

وهي وإن اقتضت اختصاص الزكاة بالدينار والدرهم ، اللذين هما اسمان لمسكوك بوزن خاصّ ، إمّا مطلقا أو بسكّة خاصّة أيضا ، كما مرّ في الدينار .. إلاّ أنّ الإجماع اقتضى التعدّي إلى كلّ مسكوك بسكّة المعاملة ، بأيّ سكّة وأيّ وزن كان.

ولمّا كان التعدّي بالإجماع يجب الاقتصار على ما ثبت فيه ، فلا يجب في سكّة لم تقع المعاملة عليها بين الناس ، كمن نقش ذهبا أو فضّة باسمه ، ولم يكن من شأنه ذلك ولم تقبل سكّته.

والحاصل : أنّه يشترط وقوع المعاملة بنحو هذه السكّة ؛ لا صلاحيّتها لها بأن يصير الناقش ممّن تقبل سكّته ، ولا فيما انمحت سكّته بكثرة الاستعمال ، بحيث لم يبق فيه نقش أصلا.

ولا يفيد الاستصحاب ؛ لعدم صدق الدينار والدرهم وإن تعومل به ، ولا بغير المنقوش من السبائك وإن جرت به المعاملة.

نعم ، لا يتعيّن التعامل بها في جميع البلدان إجماعا ، بل يكفي جريانه في بعض الأصقاع.

وتدلّ عليه أيضا رواية زيد الصائغ : إنّي كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها : بخارى ، فرأيت فيها درهما يعمل ، ثلث فضّة وثلث مسّ وثلث رصاص ، وكانت تجوز عندهم وكنت أعملها وأنفقها ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم » ، فقلت : أرأيت إن حال عليها الحول وعندي منها ما يجب فيه الزكاة أزكّيها؟ قال : « نعم إنّما‌

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٦٠٠ ، المغرب ١ : ٥٥.

١٥١

هو مالك » ، قلت : فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها [ مثلها ] ، فبقيت عندي حتى يحول عليها الحول ، أزكّيها؟ قال : « إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضّة ودع ما سوى ذلك من الخبث » ، قلت : وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة الخالصة ، إلاّ أني أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزكاة ، قال : « فاسبكها حتى تخلص الفضّة ، ويحترق الخبث ، ثمَّ تزكّي ما خلص من الفضّة لسنة واحدة » (١) (٢).

وهل تشترط فعليّة المعاملة ولو في بعض البلدان ، أو لا ، بل تكفي السكّة ولو هجرت المعاملة بها في بعض الأزمان مطلقا؟

نصّ الفاضلان (٣) والشهيدان على الثاني (٤) ، بل قيل : لم أعثر فيه على خلاف (٥).

وهو كذلك ، لا لما قيل من دلالة رواية الصائغ المتقدّمة (٦) ؛ لعدم دلالة فيها أصلا.

بل لإطلاق الدنانير والدراهم ، الشامل لما هجرت المعاملة به أيضا ، الموافق لإطلاق ما دلّ على ثبوت الزكاة في النقد المنقوش ، وإطلاق ما دلّ على ثبوتها في الذهب والفضّة مطلقا ، خرج ما علم خروجه وبقي غيره.

الشرط الثالث : حولان الحول عليه ؛ بإجماع العلماء ، والمستفيضة من النصوص. والمراد بالحول ما تقدّم ، من دخول الثاني عشر ، كما مرّ مفصلا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٧ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ١٥٣ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٧ ح ١ ،

(٢) وما بين المعقوفين من المصدرين.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ٥٢٢ ، العلاّمة في التحرير ١ : ٦٢ ، والإرشاد ١ : ٢٨٢.

(٤) الشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٢٣٦ ، والبيان : ٣٠٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٠.

(٥) كما في مجمع الفائدة ٤ : ٨٦ ، والرياض ١ : ٢٦٩.

(٦) كما في الرياض ١ : ٢٦٩.

١٥٢

البحث الثاني

في ما يتعلّق بذلك الباب من الأحكام‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : لا تجب الزكاة في الحليّ محلّلا كان أو محرّما ، ولا في السبائك والنقار والتبر إذا لم يقصد بها الفرار من الزكاة ؛ بإجماعنا المحقّق والمحكي (١) ، وأخبارنا المستفيضة في جميع ما ذكر (٢).

وعلى الحقّ إذا قصد الفرار أيضا.

وخالف الجمهور في الحليّ المحرّم ، فأوجبوها فيه (٣) ، وجماعة فيما إذا قصد الفرار ، ومرّ الكلام فيه.

وعن الشيخ استحباب الزكاة في المحرّم (٤) ، ولم نقف على مأخذه.

نعم ، تستحبّ زكاة الحليّ بإعارته للمؤمن إذا استعاره ؛ لرواية دلّت عليه (٥).

المسألة الثانية : لا فرق بين ردي‌ء كلّ من النقدين وجيّده ، بمعنى : أنّه يعدّ الكلّ جنسا واحدا مع تساويهما في الجنسيّة ، وإن اختلف في الرغبة والجودة ؛ لعموم ما دلّ على وجوب الزكاة في المقدار المعيّن من الذهب أو الفضّة ، فإنّه يشمل الجيّد والردي‌ء والمختلف القيمة وغيرها.

__________________

(١) كما في المدارك ٥ : ١١٨ ، الحدائق ١٢ : ٩٦ ، الرياض ١ : ٢٧١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٥٦ ، ١٥٩ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٩ ، ١١.

(٣) كما في المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٠٩ ، ٦١٤.

(٤) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٨ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٨ ـ ٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٧ ـ ١٩ ، الوسائل ٩ : ١٥٨ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٠ ح ١.

١٥٣

ثمَّ إن تطوّع المالك إخراج الجيّد للفريضة فلا كلام.

وإن ماكس ، فهل يجب عليه التقسيط ، كما في الشرائع والإرشاد (١) ؛ للتعلّق بالعين وقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (٢)؟

أو يجوز له إخراج الأدون ، كما عن الشيخ (٣) ، واختاره جمع من المتأخّرين (٤) ؛ لحصول الامتثال بما يصدق عليه الاسم؟ وهو الأظهر ؛ لما ذكر ، وعدم منافاته للتعلّق بالعين ، وعدم دلالة الآية ؛ لأنّ إطلاق الخبيث على الردي‌ء مجاز ، وإرادة مطلق الردي‌ء منه ـ حتى يصدق على مثل ذلك ـ غير معلوم.

وأولى بالجواز إخراج الأدنى بالقيمة.

ولو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون ـ مثل : أن يخرج نصف دينار جيّد عن دينار أدون ـ فالمشهور كما قيل عدم الجواز (٥) ؛ لأنّ الواجب عليه دينار ، فلا يجزئ الناقص عنه.

واحتمل في التذكرة الإجزاء (٦) ، ومال إليه في الحدائق (٧) ، بل نفى الإشكال عنه على القول بعدم وجوب التقسيط ؛ إذ متى جاز أخذ دينار من النصاب لنفسه وجاز إخراج القيمة يلزمه جواز ذلك.

وهو حسن ، إلاّ أنّه يمكن أن يقال بعدم ثبوت جواز دفع القيمة من أدلّته حتى من نفس النصاب ، بل يظهر منه الخدش في جواز دفعها من‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٥١ ، الإرشاد ١ : ٢٨٣.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) المبسوط ١ : ٢٠٩.

(٤) كالعلاّمة في التذكرة ١ : ٢١٦.

(٥) انظر : الحدائق ١٢ : ٩٤.

(٦) التذكرة ١ : ٢١٦.

(٧) الحدائق ١٢ : ٩٤.

١٥٤

جنس النصاب أيضا من غير ما تعلّقت به الزكاة ، فالأجود المشهور.

المسألة الثالثة : لا زكاة في المغشوش من الذهب والفضّة مع غيرهما‌ ما لم يبلغ الصافي نصابا ، فإذا بلغ وجب فيما بلغ خاصّة ، بلا خلاف فيهما بين أصحابنا كما قيل (١) ، بل قيل : إنّه يفهم من الخلاف والمنتهى أيضا (٢) ، وفي الحدائق اتّفاق الأصحاب عليه (٣).

ويدلّ على الأول عموم الأدلّة الدالّة على نفيها عمّا لم يبلغ منهما نصابا ، وعلى الثاني ثبوتها في ما بلغه منهما ، مضافا في الحكمين إلى رواية الصائغ المتقدّمة (٤).

وممّا ذكرنا يظهر : أنّه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب ، أو دنانير مغشوشة بفضّة ، وبلغ كلّ منهما نصابا ، وجبت عليه الزكاة في كلّ منهما.

فرعان :

أ : لو شكّ في بلوغ الصافي من المغشوش من أحد النقدين وغيرهما نصابا ، لا تجب عليه زكاة ؛ للأصل.

والمناقشة فيه : بأنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزكاة في النصاب ، وهو اسم لما كان نصابا في نفس الأمر ، من غير مدخليّة للعلم به في مفهومه ، وحينئذ فيجب تحصيل العلم ، والتفحّص عن ثبوته وعدمه ولو من باب المقدّمة.

مردودة بأنّ الألفاظ وإن كانت أسماء للمعاني النفس الأمريّة ، إلاّ أنّها‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٢٧٠.

(٢) الخلاف ٢ : ٧٦ ، المنتهى ١ : ٤٩٤.

(٣) الحدائق ١٢ : ٩٢.

(٤) في ص ١٥١.

١٥٥

تقيّد في مقام التكليف بالعلم ، كما بيّنا في محلّه ، وتوقّف إجراء الأصل على الفحص إنّما هو في الأحكام دون الموضوعات ، ووجوب المقدّمة بعد ثبوت وجوب ذي المقدّمة.

وإن تيقّن البلوغ وعلم قدره ، أخرج الزكاة منه بقدرة نقدا خالصا ، أو أخرج ربع عشر المجموع ؛ إذ به يتحقّق إخراج ربع عشر الصافي ، إلاّ إذا لم يعلم تساوي قدر الغشّ في كلّ دينار أو درهم ، فيجب حينئذ إخراج الخالص أو قيمته ؛ تحصيلا للبراءة اليقينيّة.

ولو لم يعلم قدره مع علمه بالبلوغ ، فإن أخرج المالك ربع عشر المجموع مع تساوي قدر الغشّ في الكلّ ، أو أخرج من الخالصة أو المغشوشة ما يحصل معه اليقين بالبراءة ، فهو ، وإن ماكس وجب عليه تصفيتها وسبكها.

لا لما قيل من وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة ، وهو موقوف بالسبك (١) ؛ لأنّ الواجب منه تحصيل البراءة اليقينيّة عمّا قد علم الشغل به يقينا ، ولم يعلم الشغل بالأزيد من فريضة القدر المتيقّن وجوده من الخالص ، فيعمل في الزائد بأصل البراءة.

وما قيل من عدم جريانه إلاّ فيما لم يثبت فيه تكليف أصلا ، أمّا ما ثبت فيه مجملا فلا بدّ فيه من تحصيل البراءة اليقينيّة ؛ عملا بالاستصحاب (٢).

مردود بمنع عدم الجريان ، كيف؟! مع أنّ الأزيد ممّا لم يثبت فيه تكليف أصلا ، والمجمل الواجب فيه تحصيل البراءة اليقينيّة هو ما لم يكن فيه قدر مشترك.

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٢٧٠.

(٢) كما في الرياض ١ : ٢٧٠.

١٥٦

والاستصحاب لا يفيد ؛ لأنّ ما علم به الشغل أوتي به ، وما لم يعلم كيف يستصحب؟! واستصحاب أصل الشغل ـ مع العلم بمتعلّقه المعلوم وزواله ـ لا وجه له.

بل للأمر بالسبك في رواية الصائغ السابقة.

خلافا للمحكيّ عن الفاضلين (١) وجماعة (٢) ، فاستوجهوا الاكتفاء بما علم اشتغال الذمّة به وطرح المشكوك فيه ؛ عملا بأصل البراءة.

وفيه : إنّه يتمّ لو لا الرواية.

ب : لو كان المغشوش النقدين معا وشكّ في بلوغ كلّ منهما النصاب ، يعمل فيهما بالأصل.

ولو تيقّن بلوغ أحدهما معيّنا وشكّ في الآخر ، يعمل فيه خاصّة بالأصل.

ولو لم يعلم البالغ ، وجب تحصيل البراءة اليقينيّة ، بإخراج الأعلى قيمة ، أو ربع عشر المجموع ، أو السبك ؛ لاستصحاب الشغل ، وفقد القدر المشترك.

وكذا لو علم بلوغ كلّ منهما ولم يعلم قدر كلّ واحد.

ولا يجوز له العمل بالأصل في واحد منهما ؛ لاستلزامه مخالفة أصل في الآخر ، وحصول التعارض.

المسألة الرابعة : من خلّف لعياله نفقة سنة أو سنتين أو أكثر وبلغت النصاب وحال عليها الحول ، فلو كان حاضرا وجبت عليه زكاتها ، بلا خلاف فتوى ونصّا ، كما لا خلاف في عدم الوجوب لو كان غائبا ولم‌

__________________

(١) المحقق في المعتبر ٢ : ٥٢٥ ، والشرائع ١ : ١٥١ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٥٤ ، والمنتهى ١ : ٤٩٤.

(٢) كصاحب المدارك ٥ : ١٢٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٤١.

١٥٧

يتمكّن من التصرّف فيها وأخذها متى رامه.

ولو كان غائبا قادرا على أخذها متى شاء ففيه قولان.

سقوط الزكاة ، وهو عن الشيخين (١) والفاضلين (٢) وغيرهما (٣) ، بل ادّعى عليه جماعة الشهرة (٤) ؛ لعمومات سقوط الزكاة عن المال الغائب (٥) ، أو ما ليس في يد المالك أو عنده ، كالروايات العشر من الصحاح ، والموثّقات ، والحسان ، وغيرها ، المتقدّمة في مسألة اشتراط التمكّن من التصرّف وغيرها (٦) ، وخصوص موثّقتي أبي بصير وإسحاق ، ومرسلة ابن أبي عمير الواردة في نفقة العيال ، المتقدّمة فيها أيضا (٧).

ووجوبها ، وهو للسرائر (٨) ، وربّما يحكى عن جماعة.

إمّا لقصور سند الروايات الثلاث الواردة في النفقة ، فلا تصلح مخصّصة لعمومات وجوب الزكاة ، كما في المدارك (٩).

أو لأجل معارضة روايات السقوط بإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة مع التمكّن من التصرّف وعدمه مع عدمه بالعموم والخصوص من وجه ، ورجحان الأخير بالأكثريّة والشهرة القطعيّة ، كما قيل (١٠).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٢٣٩ ، والطوسي في المبسوط ١ : ٢١٣ ، والنهاية : ١٧٨.

(٢) المحقق في الشرائع ١ : ١٥٢ ، والمعتبر ٢ : ٥٣٠ ، والعلاّمة في المختلف : ١٧٨ ، والتحرير ١ : ٥٨.

(٣) كالشهيد في الدروس ١ : ٢٣٠ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٢٤ ، والكفاية : ٣٥.

(٤) نقله في مفتاح الكرامة ٣ : ٢٥ عن تخليص التلخيص.

(٥) الوسائل ٩ : ٩٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٥ ح ١.

(٦) راجع ص ٣٤ و ٣٥.

(٧) في ص ٣٤.

(٨) السرائر ١ : ٤٤٣.

(٩) المدارك ٥ : ١٢٧.

(١٠) كما في الرياض ١ : ٢٧١.

١٥٨

ولكن يرد على الأول : أنّ قصور السند ـ مع وجود الخبر في الأصول المعتبرة سيما الكتب الأربعة ـ غير ضائر ، ولو سلّم فإنّما هو مع عدم الجابر ، وما مرّ من الشهرة المحكيّة كاف في الجبر.

مع أنّ القصور ممنوع ؛ لكون اثنين منها من الموثّقات ، وواحدة من مراسيل ابن ابي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه ، والمحكوم بكون مراسيله في حكم المسانيد.

هذا ، مع عدم انحصار الدالّ بهذه الثلاث ، بل تدلّ عليه جميع الروايات العشر المذكورة أيضا.

وعلى الثاني : منع الرجحان بما ذكر ؛ لأنّ ما يدلّ على وجوب الزكاة في المال الغائب ـ الذي يقدر على أخذه ـ منحصر بموثّقة زرارة ، وروايتي عمر بن يزيد وعبد العزيز ، المتقدّمة في المسألة المذكورة ، بل في الأولى منها ؛ لقصور شمول الأخيرتين لغير الدين.

والشهرة المفيدة إنّما هي التي كانت في المورد ، وهي مع الأول.

فالظاهر عدم الترجيح من هاتين الجهتين ، ولا من جهة أخرى مقبولة ، ولازمه تعارضهما ورفع اليد عنهما ؛ لبطلان التخيير ـ الذي هو المرجع عند عدم الترجيح ـ بالإجماع ، فتبقى عمومات سقوط الزكاة ـ عن مطلق المال الغائب ، وما ليس في يده ، ولا عنده ـ سالمة عن المعارض.

ومنه يظهر أنّ الترجيح للأول ، فهو الأقوى والمعوّل.

المسألة الخامسة : لا تجب الزكاة حتى يبلغ كل جنس نصابا ، ولو قصر جنس ممّا تجب فيه الزكاة لم يجبر بجنس آخر منه ؛ بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ مستفيضا (١).

ويدلّ عليه ـ مع الإجماع ـ الأصل ، وكلّ ما دلّ على نفي الزكاة في كلّ‌

__________________

(١) كما في المدارك ٥ : ١٢٧ ، والرياض ١ : ٢٧٢.

١٥٩

جنس إذا لم يبلغ نصابه ، وخصوص صحيحة زرارة (١).

وأمّا رواية إسحاق بن عمّار ـ الظاهرة في جبر الذهب والفضّة بالآخر (٢) ـ فشاذّة مردودة ، ومع ذلك على التقيّة محمولة ؛ لموافقتها طائفة من العامّة (٣).

ويحتمل حملها على من جعل ماله أجناسا مختلفة فرارا من الزكاة ، فتستحبّ فيه الزكاة ، بل تشهد له رواية أخرى لإسحاق بن عمّار أيضا (٤) ، ولا دلالة في الأولى على الأزيد من الاستحباب ـ الذي هو الحكم عند الفرار ـ مع احتمالها لمحامل أخرى أيضا ، والله يعلم.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٤٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٨ ، الوسائل ٩ : ١٣٩ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٧.

(٣) انظر : المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٩٨.

(٤) كما في الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٩٣ ـ ٢٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٩ ـ ١٢١ ، الوسائل ٩ : ١٣٩ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٧.

١٦٠