مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

وهل يجزئ عنها مع وجودها؟

الأظهر : لا ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النصّ والفتوى ، وهو الإجزاء بشرط عدمها ؛ مع أنّه مقتضى مفهوم الشرط في الأخبار المتقدّمة.

وظاهر إطلاق الفاضل في الإرشاد وصريح المحكيّ عن التنقيح : الإجزاء اختيارا واضطرارا ؛ لكونه أكبر منها سنّا (١).

وفيه : أنّه لا دليل على اعتبار الأكبريّة ، وإنّما المعتبر الفريضة الشرعيّة ، أو ما يقوم مقامها في الشريعة ، وهو ابن اللبون مع فقدها.

نعم ، لو ساوى قيمته قيمتها أو زادت عليها جاز إخراجه بدلا عنها بالقيمة مع وجودها ، إن جوّزنا إخراج القيمة مطلقا ، وهو أمر آخر غير مفروض المسألة.

ولو لم يوجدا معا تخيّر في ابتياع أيّهما شاء ، كما عن الخلاف والفاضلين ، بل عنهما إنّه موضع وفاق بين علمائنا (٢) ؛ لجواز اشتراء كلّ منهما بالأصل ، وبعد شراء ابن اللبون يكون واجدا له ، ولأنّه مع فقد بنت المخاض لم يشترط جواز ابن اللبون بوجوده بل أطلق في النصّ.

وحكي عن مالك القول بتعيّن شراء بنت المخاض (٣) ، بل عن الشهيد الثاني تحقّق الخلاف فيه بين علمائنا أيضا (٤) ؛ استنادا إلى أنّ مع عدمهما لا يكون واجدا لابن اللبون فيتعيّن عليه ابتياع ما يلزم الذمّة ، ولأنّهما استويا في العدم ، فلا يجزئ ابن اللبون كما لو استويا في الوجود.

__________________

(١) الإرشاد ١ : ٢٨١ ، التنقيح ١ : ٣٠٦.

(٢) الخلاف ٢ : ١١ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٥١٥ ، العلاّمة في المنتهى ١ : ٤٨٤ ، والتذكرة ١ : ٢٠٨.

(٣) انظر : الموطأ ١ : ٢٥٨ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٦١.

(٤) المسالك ١ : ٥٣.

١٢١

والثاني : قياس مردود ، والأول : مدفوع بعدم دليل على اشتراط وجدان ابن اللبون ، وعدم تعلّق بنت المخاض بالذمّة بعد تجويز ابن اللبون مع عدمهما ، بل يتعلّق أحدهما بها.

ويمكن أن يقال : إنّ مقتضى مفهوم صحيحة زرارة ورواية ابن مقرن المتقدّمتين (١) اشتراط قبول ابن اللبون بوجدانه ، وهو وإن يعارض إطلاق منطوق صحيحة أبي بصير ورواية زرارة (٢) ، إلاّ أنّ بعد الرجوع إلى الأصل يكون الحكم عدم كفاية ابن اللبون.

إلاّ أنّه يمكن أن يقال : بعد شراء ابن اللبون يكون واجدا له ويخرج عن تحت المفهوم.

ومنه يظهر أنّه لو كان عنده بنت مخاض وابن لبون بعد الحول وماتت بنت المخاض يكفي ابن اللبون ، بل لو لم يكن ابن اللبون جاز شراؤه حينئذ أيضا.

ب : اكتفى العلاّمة في التذكرة في الجبر بشاة وعشرة دراهم (٣) ، وبه قطع الشهيد الثاني على ما حكي عنه (٤) ؛ لمساعدة الاعتبار له.

وهو ضعيف ؛ لوجوب الاقتصار فيما يخالف الأصل على المنصوص.

ومنه يظهر أيضا أنّ الجبر إنّما هو في صورة فقد السن المفروض ؛ لأنّها المنصوص عليها.

ج : لو فقد السنّ المفروض ووجد كلّ من الأدنى والأعلى تخيّر‌

__________________

(١) في ص ١١٩ و ١٢٠.

(٢) المتقدّمتين في ص ١٠٢.

(٣) التذكرة ١ : ٢٠٨.

(٤) انظر : المسالك ١ : ٥٣.

١٢٢

بينهما ؛ لثبوت كلّ منهما في النصّ مطلقا بعد فقد الفرض.

د : قالوا : الخيار في دفع الأعلى والأدنى وفي الجبر بالشاتين أو الدراهم إلى المالك لا إلى العامل والفقير (١).

وهو كذلك في الأدنى والأعلى فيما إذا كان المالك هو الدافع للضميمة ؛ لظهور الخبرين المتقدّمين في ذلك.

وأمّا لو كان العامل أو الفقير هو الدافع فيشكل ذلك ؛ لأنّ ظاهر الخبرين إثبات التخيير فيه للمصدّق ، فهو الأظهر.

هـ : مقتضى ظاهر إطلاق النصّ والفتاوى عدم الفرق بين ما لو كانت قيمة الواجب السوقيّة مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور ، أم زائدة عليها ، أم ناقصة عنها.

واستشكل ذلك في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من الفقير لقيمة المدفوع إليه ، كما لو كانت قيمة بنت اللبون المدفوعة إلى الفقير عن بنت المخاض يساوي عشرين درهما التي أخذ منها ، بل عن التذكرة عدم الإجزاء هنا (٢).

واستوجهه في المدارك (٣) ، ونفى عنه البعد في الذخيرة (٤).

وهو كذلك ؛ لأنّ النصّ وإن كان مطلقا بظاهره ، إلاّ أنّه ينصرف إلى الشائع المتعارف في ذلك الزمان بل جميع الأزمان ، فإنّ ندرة الفرض بل فقده قرينة حاليّة على إرادة غير هذه الصورة ، فتبقى تلك باقية تحت الأصل.

__________________

(١) كما في الذخيرة : ٤٣٨ ، والحدائق ١٢ : ٥٣.

(٢) التذكرة ١ : ٢٠٨.

(٣) المدارك ٥ : ٨٤.

(٤) الذخيرة : ٤٣٨.

١٢٣

و : مورد النّص والفتاوى ما إذا كان التفاوت في الأسنان بدرجة واحدة ، فلو كان بأكثر من سنّ لم يؤخذ بدل الفريضة مع تضاعف التقدير الشرعيّ بقدر تفاوت الدرجات ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل ـ الدالّ على لزوم الفريضة بعينها مع الإمكان وبدلها مع العدم وهو القيمة السوقيّة كائنة ما كان ـ على مورد النصّ.

وللشيخ قول بالجواز مع تضاعف الجبران (١) ، وهو المحكيّ عن الحلبي (٢) والفاضل في عدّة من كتبه (٣) ، فإنّ المساوي للمساوي مساو.

وفيه : منع التساوي من جميع الجهات ، حتى في تعلّق الحكم الشرعيّ به.

ومنه يظهر عدم إجزاء غير الأسنان الواردة في النصّ ـ أي ما فوق الجذع مع الجبران ـ بل لا يجزئ من غير جبر أيضا ، ولا بنت المخاض عن خمس شياه ، بل ولا عن شاة إلاّ بالقيمة.

ز : ولو حال الحول على النصاب ، وهو فوق الجذع ، فالظاهر وجوب تحصيل الفريضة من غيره لتعلّق التكليف بها ، فلا يجزئ غيرها إلاّ بالقيمة.

ولو حال الحول على نصاب ، وهي دون فريضة ، يجب تحصيل الفريضة من غيرها ؛ لما مرّ.

ولو كان تفاوته مع فريضة بدرجة ، جاز الدفع منه مع الجبر.

ح : الحكم مختصّ بالإبل ؛ للأصل ، فلا يثبت في غيرها الجبر ، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد الأدون أو الأعلى يخرج الفريضة بالقيمة ، والله العالم.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٩٥.

(٢) الكافي في الفقه : ١٦٧.

(٣) كالتذكرة ١ : ٢٠٨ ، والمختلف : ١٧٧.

١٢٤

المسألة الثانية : لا يزيد من الفريضة شي‌ء لما بين النصابين في جميع الأنعام الثلاثة ، بلا خلاف فيه يعرف ، بل بالإجماع.

ويصرّح به قوله عليه‌السلام في صحيحة الفضلاء في زكاة الإبل : « وليس على النيف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء » (١) ، ونحوه فيها في زكاة البقر (٢).

وفيها أيضا في زكاة الغنم : « وليس على ما دون المائة بعد ذلك شي‌ء ، وليس في النيف شي‌ء » (٣).

المسألة الثالثة : المشهور بين الأصحاب ـ على ما صرّح به جماعة (٤) ـ : أنّ الواجب في الشاة التي تؤخذ في الزكاة من الغنم والإبل يجب أن يكون أقلّه جذعا ـ بالفتحتين ـ من الضأن وثنيا من المعز ، بل قيل : إنّه لا خلاف فيه يعرف (٥) ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه (٦).

ونقل في الشرائع قولا بكفاية ما يسمّى شاة (٧) ، واختاره في المدارك والحدائق (٨) ، ونسبه في الأخير إلى جملة من أفاضل متأخّري المتأخّرين.

وهو الأصحّ ؛ لإطلاق الأخبار المتقدّمة في نصب الغنم والإبل الخالي عن المقيّد.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١١١ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٦.

(٢) كما في الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ ـ ٥٧ ، الوسائل ٩ : ١١٤ أبواب زكاة الأنعام ب ٤ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٨ ، الوسائل ٩ : ١١٦ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ١.

(٤) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٤٨٢ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٤٨٢ ، وصاحب الذخيرة : ٤٣٦.

(٥) كما في الرياض ١ : ٢٦٧.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٧) الشرائع ١ : ١٤٧.

(٨) المدارك ٥ : ٩٣ ، الحدائق ١٢ : ٦٦.

١٢٥

احتج الأولون بالإجماع المنقول.

وبما رواه سويد بن غفلة ، قال : أتانا مصدّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : نهينا أن نأخذ المراضع ، وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية (١).

وبرواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة : السخل متى يجب فيه الصدقة؟ قال : « إذا أجذع » (٢) ؛ حيث إنّ الحمل على إرادة ابتداء الحول من حين الأجذاع أو انتهائه به خلاف ما ثبت من الأدلّة ، فينبغي أن يراد منه بيان ما يصلح للإخراج.

وبتعلّق الفريضة بالعين مع وجوب حولان الحول على المال ، فلا يكون مع الأمرين ، إلاّ وجوب شاة سنّها سنة لا أقلّ منها ، ولكن لمّا لم تجب هذه بخصوصها في الجملة إجماعا تعيّن ما يقرب منها سنّا.

وبعدم انصراف الإطلاقات ، بل عدم معلوميّة صدق الشاة على أدنى ممّا عليه المشهور.

ويردّ الأول : بعدم الحجّية.

والثاني : به أولا أيضا ؛ لعدم كونه من روايات أصحابنا. ولا يفيد الانجبار بالشهرة ؛ لأنّه إنّما هو في الضعيف من روايات أصحابنا. إلاّ أن يقال بكفاية روايته في الكتب الفقهيّة لأصحابنا من غير تصريح منه بكونه عامّيا.

وثانيا : بأنّ الأمر فيها غير معلوم فلعلّه بعض أصحاب الرسول ، ولا يجري فيه ما يجري في مضمرات رواياتنا ، من أنّ المعلوم من حال الراوي‌

__________________

(١) لم نجد الحديث باللفظ المذكور في ما بأيدينا من كتب العامة ، نعم أورده الشيخ في الخلاف ٢ : ٢٤ ، وهو مرويّ بالمضمون في سنن النسائي ٥ : ٣٠ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٠٢ ـ ١٥٧٩ و ١٥٨١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٥ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٣٩ ، الوسائل ٩ : ١٢٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٩ ح ٣.

١٢٦

أنّه لا يروي إلاّ عن المعصوم ؛ لعدم معروفيّة حال المصدّق.

وثالثا : بعدم الدلالة ؛ لإجمال الرواية من وجهين :

أحدهما : عدم وجوب الجذع والثنية إجماعا ، بل هما أقلّ ما يجزئ عند المشهور ، والحمل على ذلك المعنى مجاز لا قرينة على تعيّنه ، وإذا انفتح باب المجاز اتّسعت دائرته ، فيصير مجملا.

وثانيهما : أنّها لكونها حكاية عن واقعة لا عموم فيها ولا إطلاق ، فلا يعلم أنّه كان مصدّق الإبل أو الغنم أو كليهما ، فلا يعلم أنّه أقلّ الواجب من زكاة أيّهما.

والقول بعدم الفرق غير مقبول ، بل الفرق موجود ، كيف؟! وخصّ المحقّق الثاني في حواشي القواعد والشرائع والإرشاد ـ على ما حكي ـ التقدير المذكور بزكاة الإبل ، وقال : أمّا الغنم فلا بدّ من مراعاة المماثلة فيها أو اعتبار القيمة.

هذا كلّه ، مع أنّها على التفصيل المشهور ـ من كون الجذع للضأن والثنية للمعز ـ غير دالّة.

والثالث : بعدم دليل على الحمل المذكور ، فالرواية مجملة ؛ مع أنّها على فرض الدلالة لا تثبت حكم الثنية ، بل تنفيه.

والرابع : بأنّ بعد عدم وجوب ما حال عليه الحول بخصوصه ـ أي ما جرى عليه إحدى عشر شهرا ـ لا دليل على تعيين ما يقرب سنّها منه أصلا ، لا في جهة الدنوّ ، كما في الجذع ، ولا في جهة العلوّ ، كما في الثنية ، بل يجب الرجوع إلى الإطلاق.

والخامس : بأنّه على فرض تسليم عدم صدق الشاة وعدم انصراف الإطلاقات إلى أقلّ من الجذع والثنية ، فمقتضاه الرجوع إلى الصدق العرفي ،

١٢٧

وهو لا يختلف باختلاف يوم أو يومين ، كما يختلف به صدق الجذع والثنية ، فيسقط اعتبارهما ويجب الرجوع إلى العرف .. ومقتضاه كفاية ما يسمّى شاة سواء كان جذعا أو ثنية ، أم لا.

نعم ، لمّا كان صدقها على السخلة وما يقرب منها سنّا غير معلوم ، ويجب تحصيل البراءة اليقينيّة ، فالاكتفاء بالأقلّ من الجذع غير محصّل للبراءة اليقينيّة ، بل حصولها بالجذع أيضا مشكل ، فاللازم اعتبار ما قطع بصدق الشاة عليه.

فرع : على القول المشهور ، اعلم أنّه قد اختلفت كلمات أهل اللغة في بيان سنّ الجذع من الضأن والثنية من المعز على أقوال في الأول ..

منها : أنّه ما له سنة كاملة ودخل في الثانية مطلقا ، ذكره في الصحاح والقاموس والمصباح المنير والنهاية الأثيريّة والمجمل (١).

ومنها : أنّه ما له ثمانية أشهر ، وأمّا السنة فإنّما هي في ولد المعز ، ذكره الأزهري ، وصاحب المغرب (٢) ، ونقل بعضهم عن الأخير القول الأول.

ومنها : أنّه ما له ستّة أشهر.

ومنها : سبعة.

ومنها : تسعة.

ومنها : عشرة.

ومنها : الفرق بين المتولّد من الشابّين فستّة أشهر إلى سبعة ، وبين الهرمين فثمانية إلى عشرة.

__________________

(١) الصحاح ٣ : ١١٩٤ ، القاموس ٣ : ١٢ ، المصباح المنير : ٩٤ ، النهاية الأثيرية ١ : ٢٥ ، المجمل ١ : ٤١٥.

(٢) قال صاحب المغرب ( ١ : ٧٨ ) : وعن الأزهري : الجذع من المعز لسنة ، ومن الضأن لثمانية أشهر.

١٢٨

وعلى قولين في الثاني :

أحدهما : أنّها ما دخلت في السنة الثالثة ، ذكره في الصحاح والقاموس والمغرب والنهاية (١).

وثانيهما : أنّها ما دخلت في الثانية ، ذكره في المجمل (٢).

ومنه ظهر أنّ المشهور في ما بين أهل اللغة القول الأول.

وأمّا الفقهاء فكلماتهم مختلفة ، ولعلّ المشهور عندهم في الفريضة الثانية : القول الثاني ، وفي الأولى : الثالث ، ومع هذا الاختلاف فالحكم بالتعيين مشكل ، وأصل البراءة مع الأقلّ (٣) ، وأصل الاشتغال والاحتياط مع الأكثر ، والله الموفّق.

المسألة الرابعة : قد صرّح الأصحاب من غير ذكر خلاف أنّه لا تكفي في الفريضة المريضة من الصحاح ، والهرمة من الفتيات ، وذات العوار من السليمة.

بل عليه دعوى الإجماع مستفيضة (٣) ، بل هو إجماع حقيقة ، فهو الدليل عليه ، مضافا إلى قوله سبحانه ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (٤) ، وصدق الخبيث على الأصناف الثلاثة وإن لم يكن معلوما لغة ، إلاّ أنّه يراد منه الردي‌ء من كلّ جنس بقرينة الأخبار الواردة في شأن نزول الآية ..

كموثّقة أبي بصير : في قول الله عزّ وجلّ : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا

__________________

(١) الصحاح ٦ : ٢٢٩٥ ، القاموس ٤ : ٣١١ ، المغرب ١ : ٦٩ ، النهاية الأثيرية ١ : ٢٢٦.

(٢) في « س » و « ح » : الأوّل.

(٣) مجمل اللغة ١ : ٣٧١.

(٤) كما في الرياض ١ : ٢٦٩ ، مفتاح الكرامة : ٣ : ٧٥.

(٥) البقرة : ٢٦٧.

١٢٩

مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أمر بالنخيل أن يزكّى تهيّأ قوم بألوان من التمرة وهو من أردأ التمر ، يؤدّونه عن زكاتهم تمرا » إلى أن قال : « وفي ذلك نزل ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) » الحديث (١).

ولا تعارضها روايته : في قوله ( أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ). فقال : « كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهليّة ، فلمّا أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدّقوا بها ، فأبى الله تعالى إلاّ أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا » (٢) ؛ لجواز أن يكون صدر الآية في ذلك وذيلها في الأول.

وقد يستدلّ أيضا بقوله : « ولا يؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلاّ أن يشاء المصدّق » في صحيحتي أبي بصير ومحمّد بن قيس (٣).

وفيه نظر ؛ لعدم صراحته في الحرمة ، مع ما فيه من الاستثناء المثبت لجواز الأخذ مع مشيّة المصدّق ، بكسر الدال ، كما هو المشهور ، أو بفتحها ، كما ذكره الخطابي ، قال : وكان أبو عبيدة يرويه : إلاّ أن يشاء المصدّق ، بفتح الدال ، يريد صاحب الماشية (٤) ، واحتمله في الذخيرة (٥).

والمرجع في صدق الأصناف إلى العرف.

ويشترط في العور ما ثبت فيه الإجماع وجرت فيه الآية ، فإنّ مثل العرج القليل أو مقطوع الاذن أو القرن ونحوهما لم يثبت فيه الإجماع ولم يعلم شمول الآية ؛ لأنّ الثابت من الأخبار ليس أزيد من استعمال الخبيث في الأردأ ، وأمّا كلّ ردي‌ء ولو قليلا فغير معلوم.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٢٠٥ أبواب زكاة الغلاّت ب ١٩ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨ ـ ١٠ ، الوسائل ٩ : ٤٦٥ أبواب الصدقة ب ٤٦ ح ١.

(٣) المتقدّمتين في ص ١٠٢ و ١١٣.

(٤) النهاية لابن الأثير ٣ : ١٨ ، لسان العرب ١٠ : ١٩٧.

(٥) الذخيرة : ٤٣٧.

١٣٠

وحيث كان المستند فيها منحصرا بالإجماع والآية ، فيجب الاقتصار في المنع على ما ثبت فيه الإجماع ودلّت الآية ، وهو ما إذا وجد في النصاب صحيح فتي ، فلو كان كلّه مريضا ـ مثلا ـ لم يكلّف شراء الصحيح ، ولعلّه إجماعيّ أيضا ، كما يظهر من المنتهى (١) وغيره (٢) ، فإنّه لا إجماع ها هنا ولا دلالة للآية ؛ لأنّ قوله تعالى ( مِنْهُ ) يدلّ على أنّ الخبيث بعض المال ، وكذا يظهر من قوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا ) ، فإنّ القصد إلى الخبيث ظاهر في وجود غيره أيضا.

المسألة الخامسة : لو حال على نصاب أحوال وكان يخرج فريضته من غيره ، تعدّدت الزكاة ؛ لعموم أدلّة الوجوب السالم عن المعارض.

ولو لم يخرج من غيره أخرج عن سنة لا غير ، سواء أخرجها من النصاب أو لم يخرج أصلا ؛ لنقصان ملكيّة النصاب ؛ لتعلّق الزكاة بالعين.

والظاهر اختصاص ذلك بما إذا كانت الفريضة من جنس النصاب لا غيره ، كما مرّ ، ووجهه ظاهر.

وإن كان المال الذي حال عليه الحول أزيد من نصاب ، تعدّدت الزكاة ، ويجبر من الزائد حتى ينقص النصاب.

المسألة السادسة : الضأن والمعز جنس واحد ، وكذا البخاتي والعراب ، والبقر والجاموس ، بلا خلاف يعرف ، كما في التذكرة والمنتهى والذخيرة (٣) ، وفي المدارك : إنّ الحكم مقطوع به بين الأصحاب (٤).

ويدلّ عليه دخول كلّ من صنفين تحت جنس واحد تعلّقت به‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٨٥.

(٢) كالرياض ١ : ٢٦٩.

(٣) التذكرة ١ : ٢١٠ ، المنتهى ١ : ٤٨٩ ، الذخيرة : ٤٣١.

(٤) المدارك ٥ : ١٠١.

١٣١

الزكاة ، فالأول يجمعهما الغنم والشاة ، والثاني الإبل ، والثالث البقر ، فيصدق اسم الغنم والإبل والبقر عرفا ، فالنصاب المجتمع من كلّ من الصنفين يجب فيه الزكاة.

وهل يخرج المالك من أيّهما شاء وإن تفاوت الغنم؟

أو يجب التقسيط والأخذ من كلّ بقسطه مطلقا؟

أو يناط بتفاوت الغنم؟

الأظهر : الأول ؛ لصدق امتثال إخراج ما يصدق عليه اسم الفريضة ، وعدم ما يدلّ على اعتبار القيمة.

والأشهر ـ كما قيل ـ : الثاني (١) ، والأحوط : الثالث ، وقيل : الثاني (٢).

وكذا إذا كانت للمالك أموال متفرّقة كان له إخراج الزكاة من أيّها شاء ، سواء تساوت القيمة أو اختلفت ؛ لما مرّ.

المسألة السابعة : اختلف الأصحاب في عدّ الأكولة وفحل الضراب.

فذهب الفاضلان في النافع والإرشاد والتبصرة والشهيدان في اللمعة والروضة إلى عدم عدّهما (٣) ، ونقل عن الحلبي في الأخير أيضا (٤) ؛ لصحيحة البجلي : « ليس في الأكيلة ولا في الربيّ ـ والربيّ التي تربّي اثنين ـ ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة » (٥).

وظاهر الأكثر عدّهما ؛ للإطلاقات.

وضعف دلالة الصحيحة ؛ لاحتمال أن يكون المراد عدم أخذهما‌

__________________

(١) كما في الحدائق ١٢ : ٧١.

(٢) كما في المدارك ٥ : ١٠٢.

(٣) النافع : ٧٩ ، الإرشاد ١ : ٢٨١ ، التبصرة : ٤٥ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢٧.

(٤) الكافي في الفقه : ١٦٧.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٥ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٤ ـ ٣٧ ، الوسائل ٩ : ١٢٤ أبواب زكاة الأنعام ب ١٠ ح ١.

١٣٢

للصدقة ، ولاشتمالها على الربيّ وشاة اللبن المعدّان اتّفاقا.

ولقرينة موثّقة سماعة : « لا تؤخذ الأكولة ـ والأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم ـ ولا والدة ، ولا كبش الفحل » (١).

مع أنّ الرواية مع صحّتها غير صالحة للحجّية ؛ لمخالفة الشهرة.

ويردّ الأول : بكونه خلاف الظاهر جدّا.

والثاني : بأنّ مخالفة جزء من الحديث لدليل لا يوجب ترك العمل بسائر أجزائه ، مع أنّ الاتفاق المدّعى غير ثابت ، بل نفى بعض متأخّري المتأخّرين البعد عن عدم عدّ سائر الأجزاء أيضا (٢).

والثالث : بعدم صلاحيّته للقرينة ؛ لعدم التنافي بين عدم الأخذ وعدم العدّ.

والرابع : بمنع الشهرة المخرجة للخبر عن الحجّية ، كيف؟! واقتصر بعضهم في نقل القول بعدّ الأكولة عن الشهيد الثاني في حواشي الإرشاد وابن فهد في المحرّر والموجز ، وقال : ونقل في الدروس قولا بالعدّ أيضا (٣) ، وبعدّ الفحل عن الحلّي والمختلف (٤).

والأولى ردّ الصحيحة بالإجمال :

أمّا في الأكيلة ؛ فلأنّها مفسّرة بالسمينة المعدّة للأكل في كلام بعض الفقهاء (٥) ، وفسّرها بها في النهاية الأثيريّة أيضا ، وفيها : وقيل : هي الخصيّ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٥ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٤ ـ ٣٨ ، الوسائل ٩ : ١٢٥ أبواب زكاة الأنعام ب ١٠ ح ٢.

(٢) كصاحب الحدائق ١٢ : ٧٠.

(٣) الدروس ١ : ٢٣٥.

(٤) الحلّي في السرائر ١ : ٤٣٧ ، المختلف : ١٧٧.

(٥) كما في الذخيرة : ٤٣٧ ، والرياض ١ : ٢٦٨.

١٣٣

والهرمة والعاقر من الغنم (١).

وفي القاموس : الأكولة العاقر من الشياة تعزل للأكل كالأكيلة (٢).

وفسّرها في الموثّقة بالكبيرة ، وهي أيضا مجملة ؛ لإمكان إرادة الكبير في السنّ ، فيوافق تفسيرها بالهرمة ، والكبير في الجسم فيوافق السمينة.

وعلى التقديرين ، تعارضها صحيحة محمّد بن قيس ، وفيها : « ويعدّ صغيرها وكبيرها » (٣).

وأمّا في الفحل ؛ فلأنّ إضافته إلى الغنم يمكن أن يكون بمعنى « اللام » ، فيراد به فحل الضراب ؛ لأنّه الفحل الذي يكون للغنم ، وأن يكون بمعنى « من » ، وحينئذ فإطلاقه يخالف الإجماع ، وتقييده يوجب تخصيص الأكثر.

إلاّ أنّه يحصل الإجمال حينئذ في المطلقات أيضا ، والعامّ المخصّص بالمجمل ليس بحجّة في موضع الإجمال.

وعلى هذا ، فيقوى القول الأول ، وهو عدم عدّ الصنفين ، بل لا يبعد عدم عدّ الربيّ بالمعنى المفسّر به في الصحيحة وشاة اللبن ـ أي المعدّة للبن ـ بل سائر محتملات معنى الأولين أيضا ، لو لا الاتّفاق على عدّ ما عدا المعدّة للأكل وفحل الضراب.

إلاّ أنّ الاتّفاق في غيرهما ـ ولا أقلّ من الشهرة العظيمة الموهنة لشمول الرواية له ـ يمنع من العمل بها في غيرهما ، بل الأحوط ترك العمل بها فيهما أيضا وعدّ الجميع.

المسألة الثامنة : صرّح جماعة بأنّه لا يجوز أخذ الربيّ ـ بضم الراء‌

__________________

(١) النهاية الأثيرية ١ : ٥٨.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٣٣٩.

(٣) تقدمت في ص ١١٣.

١٣٤

وتشديد الباء ، والألف المقصورة ـ ولا الأكولة ولا فحل الضراب بدون إذن المالك (١) ، على ما قطع به الأصحاب ، بل يظهر من بعضهم الاتّفاق عليه (٢).

وهو الموافق للأصل ؛ حيث إنّه سيأتي ـ إن شاء الله سبحانه ـ أنّه لا تخيير لغير المالك في أخذ شي‌ء ، ولا يجوز له مزاحمته.

وتؤيّده الموثّقة المتقدّمة (٣) ، والشهرة العظيمة ، بل الإجماع المنقول (٤) ، فلا محيص عنه.

وهل يجوز الأخذ مع رضاه ، أو يجوز له نفسه دفعه عن الفريضة لا بالقيمة ، أم لا؟

صرّح بعضهم ـ ومنهم : الفاضل في التذكرة ـ بالأول في الجميع (٥) ، بل نفى عنه الخلاف في المنتهى (٦).

وقيل بالثاني في الربيّ والفحل خاصّة (٧).

وذهب جدّي الفاضل ـ قدس‌سره ـ إلى الثاني في الأول ـ أي الربيّ ـ وإلى الأول في الثاني والثالث.

ولعلّ منشأ الخلاف : الخلاف في أنّ جهة المنع هل هي كونه من كرائم الأموال ونحوه ممّا يتضرّر به المالك ، أو المرض وفساد اللحم؟

والحقّ عدم صلاحيّة شي‌ء منهما للاستناد ، بل المستند الموثّقة ، وهي وإن كانت مطلقة شاملة لصورة إذن المالك وعدمه ، إلاّ أنّها لا تثبت أزيد من‌

__________________

(١) كالعلامة في المنتهى ١ : ٤٨٥ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٧٠.

(٢) كصاحب الرياض ١ : ٢٦٨.

(٣) في ص ١٣٣.

(٤) كما في الرياض ١ : ٢٦٨ ، والحدائق ١٢ : ٧٠.

(٥) التذكرة ١ : ٢١٥.

(٦) المنتهى ١ : ٤٨٥.

(٧) كما في المسالك ١ : ٥٤.

١٣٥

المرجوحيّة ، فعليها الفتوى ، ولكن بتبديل الربيّ بالوالدة ، كما هو مورد الرواية.

والظاهر أنّ المراد من الوالدة ذات الولد المشتغلة بإرضاعه وتربيته ، فإنّها التي تستعمل فيها الوالدة ، وعلى هذا فتطابق الربيّ على بعض تفاسيرها ، وأمّا الربيّ بالتّفسير المذكور في الصحيحة (١) فلا ، إلاّ من جهة صدق الوالدة عليها أيضا.

تنقيح : اعلم أنّه قد مرّ تفسير الأكولة في اللغة بالمسمنة للأكل والمعدّة له ـ وهما التفسيران اللذان ذكرهما الفقهاء ـ وبالخصيّ والهرمة والعاقر ، وفي الحديث بالكبيرة.

وأما الربيّ ، ففسّرت في الحديث بالتي تربّي الاثنين ، وفسّرها أكثر الفقهاء بالوالدة إلى خمسة عشر يوما (٢) ، وقيل إلى خمسين (٣).

وقال الجوهري : إنّها الشاة التي وضعت حديثا ، وقال الأموي : هي ما بين الولادة إلى شهرين (٤) ، وقيل : عشرون يوما (٥).

وفي النهاية الأثيريّة : إنّها التي تربّى في البيت من الغنم لأجل اللبن (٦).

ثمَّ إنّه تطلق الربيّ والأكولة في كلام الفقهاء تارة فيما لا يؤخذ ، واخرى فيما لا يعدّ.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٣٢.

(٢) كالشيخ في المبسوط ١ : ١٩٩ ، والمحقق في الشرائع ١ : ١٤٩ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٤٨٥.

(٣) حكاه في المبسوط ١ : ١٩٩.

(٤) الصحاح ١ : ١٣١ ؛ وحكاه عن الأموي أيضا.

(٥) حكاه ابن الأثير في النهاية ٢ : ١٨١.

(٦) النهاية الأثيرية ٢ : ١٨٠.

١٣٦

وأمّا الأخبار فلم تذكر فيها الاولى في الأول ، بل ذكر مقامها الوالدة.

والتحقيق : أنّ المحكوم بعدم أخذه من الربيّ هو قريب العهد بالولادة إلى خمسة عشر يوما بل إلى الخمسين ، سواء سمّيت ربّي أو الوالدة ؛ للمسامحة في مقام الكراهة ، فيكفي قول الفقيه فيه ، مضافا إلى صدق الوالدة الواردة في الموثّقة.

ومن الأكولة هي المعدّة للأكل ؛ لفتوى الجماعة (١) ، وإن كان المراد منها في الموثّقة غير ظاهر.

والمحكوم بعدم العدّ من الربيّ ـ لو قلنا به ـ هي ما تربّي الاثنين ؛ لأنّه الوارد في الصحيحة (٢).

ومن الأكولة أيضا المعدّة للأكل ؛ لظاهر الإجماع على عدّ غيرها ممّا قد يطلق عليه الأكولة.

المسألة التاسعة : قال جماعة : إنّه يجزئ الذكر والأنثى من الشاة في الفريضة للأغنام والإبل ، سواء كان النصاب كلّه ذكرا أو أنثى أو ملفّقا منهما ، تساوت قيمتهما أم اختلفت ؛ للإطلاقات (٣).

وخالف فيه في الخلاف ، فعيّن الإناث في الإناث من الغنم مطلقا (٤).

وعن المختلف ، فجوّز دفع الذكر إذا كان بقيمة واحدة من الإناث .. ووجّه بتعلق الزكاة بالعين ، فلا بدّ من دفعها منها أو من غيرها مع اعتبار القيمة (٥).

__________________

(١) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ١٩٩ ، والمحقق في الشرائع ١ : ١٤٩ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٤٨٥.

(٢) المتقدّمة في ص ١٣٢.

(٣) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ١٩٩ ، والمحقق في الشرائع ١ : ١٤٩ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٢١٣.

(٤) الخلاف ٢ : ٢٥.

(٥) المختلف : ١٩٢.

١٣٧

وردّ بأنّ الزكاة المتعلّقة بالعين ليس إلاّ مقدار ما جعله الشارع فريضة لا بعض آحادها بخصوصها ، وهي على ما وصلت إلينا من الشارع من جهة إطلاق الشاة بقول مطلق ، وهو يصدق على الذكر والأنثى لغة وعرفا.

وفيه : أنّه نفى تعلّق الزكاة بالعين بالمعنى الذي ذكروه ، ويرجعه إلى إرادة تعلّق الزكاة بجنس المال ، وهو غير مرادهم قطعا ، بل خلاف مقتضى أدلّة تعلّق الزكاة بالعين كما يأتي.

والحقّ ـ كما يأتي ـ تعلّقها ببعض آحادها بخصوصها.

وعلى هذا ، فالحقّ إجزاء الذكر عن النصاب الذكر والأنثى عن النصاب الأنثى ، وكلّ منهما عن الملفّق منهما ، وأمّا الذكر عن الأنثى وبالعكس فلا يجزئ إلاّ بالقيمة ؛ لما يأتي من تعلّق الزكاة أصالة بالعين.

ومن هذا يظهر أنّه لا يجوز دفع غير بعض آحاد الفريضة فيما يتعلّق بالعين إلاّ مع اعتبار القيمة ، فلا يدفع غير غنم البلد بل ولا غير الغنم الذي تعلّقت به الزكاة لفريضة الأغنام إلاّ بالقيمة.

المسألة العاشرة : لا يضمّ مال إنسان إلى مال غيره‌ وإن كانا في مكان واحد ، بل يعتبر النصاب في مال كلّ واحد ، بالإجماع كما في المدارك (١) ، وعن الخلاف والسرائر والمنتهى (٢) وغيرها (٣).

للأصل ، وانتفاء الدليل على الضمّ ، والنبويّ : « إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين فليس فيه صدقة ».

وفي آخر : « من لم يكن له إلاّ أربعة من الإبل فليس فيها صدقة » (٤) ،

__________________

(١) المدارك ٥ : ٦٦.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٥ ، السرائر ١ : ٤٥١ ، المنتهى ١ : ٥٠٤.

(٣) كالرياض ١ : ٢٦٩.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٢٤٩.

١٣٨

ونحوه المرتضويّ الخاصّي (١).

والمرويّ في العلل : قلت له : مائتا درهم بين خمسة إناث أو عشرة حال عليها الحول وهي عندهم ، أتجب عليهم زكاتها؟ قال : « لا ، هي بمنزلة تلك ـ يعني جوابه في الحرث ـ ليس عليهم شي‌ء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم » ، قلت : وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضة وجميع الأموال؟ قال : « نعم » (٢). وضعف السند ـ لو كان ـ ينجبر بالعمل.

وقد يستدلّ أيضا بما ورد في جملة من المعتبرة العامّية والخاصّية ، وفيها الصحيح : « لا يفرّق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرّق » (٣) بالحمل على المجتمع والمتفرّق في الملك ، على ما فهمه أصحابنا.

ولكن للخصم أن يردّه بعدم تعيّن إرادة الملك.

وخالف في ذلك جمع من العامّة ، وقالوا : إنّ الخلطة تجمع المالين مالا واحدا ، سواء كان خلطة أعيان ، كأربعين بين شريكين ، أو خلطة أوصاف ، كالاتّحاد في المرعى والمشرب والمراح مع تميّز المالين (٤).

وهو باطل ؛ لانتفاء الدليل عليه.

والاستدلال بقوله : « لا يفرّق بين مجتمع » مردود بما مرّ.

المسألة الحادية عشرة : لا يفرّق بين مالي المالك الواحد‌ ولو تباعد مكاناهما ؛ بالإجماع كما عن المنتهى والتذكرة (٥) ؛ للعمومات ، نحو قوله :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٩ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ ـ ٢٧٣ ، الوسائل ٩ : ١١١ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٥ ؛ وفي « ق » : الماضي ، بدل : الخاصّي.

(٢) العلل : ٣٧٤ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٥١ أبواب زكاة الأنعام ب ٥ ح ٢.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ١٠٤ ـ ١.

(٤) حكاه في المغني والشرح الكبير ٢ : ٤٧٦.

(٥) المنتهى ١ : ٥٠٥ ، التذكرة ١ : ٢١٢.

١٣٩

« في أربعين شاة شاة » (١) ، فتضمّ الثمار في البلاد المتباعدة وإن اختلفت في وقت الإدراك إذا كانا لعام واحد وإن اختلف وقتهما بشهر أو بشهرين أو أكثر ، وفي التذكرة : إجماع المسلمين على ذلك أيضا (٢) ، وفي الذخيرة : إنّ الظاهر أنّه لا خلاف فيه (٣).

وعلى هذا ، فلو كان المدرك أولا نصابا أخذت منه الزكاة ثمَّ يؤخذ من الباقي عند تعلّق الوجوب به قلّ أو كثر. وإن كان دون النصاب يتربّص إلى أن يدرك محلّ الوجوب ما يكمّل به نصابا ، فيؤخذ منه ثمَّ من الباقي.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١١٦ أبواب زكاة الأنعام ب ٦.

(٢) التذكرة ١ : ٢١٢.

(٣) الذخيرة : ٤٤٤.

١٤٠