مستند الشّيعة - ج ٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-013-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٥٢

وبنت المخاض ما استكملت الحول ودخلت في الثانية فهي زكاة النصاب السادس.

إلى أن تبلغ السابع ، وهو ستّ وثلاثون ، وفيها بنت لبون ـ بفتح اللام ـ أي بنت ذات لبن ولو بالصلاحية ، وهي ما استكملت السنتين ودخلت في الثالثة ، فإنّ أمّها صالحة لوضع حمل غيرها فصار لها لبن ، وهي نصاب السابع.

إلى أن تبلغ الثامن ، وهو ستّ وأربعون ، وفيها حقّة ـ بكسر الحاء ـ وهي ما استكملت الثلاث ودخلت في الرابعة ، سمّيت بها لاستحقاقها الفحل والحمل.

إلى أن تبلغ التاسع ، وهو إحدى وستون ، وفيها جذعة ـ بفتح الجيم ـ وهي ما دخلت الخامسة ، سمّيت بها لشبابها ، وحداثة سنّها. وقيل : لأنّ فيها يجذع مقدّم أسنانها (١) ـ أي يسقط ـ وردّه بعضهم.

ثمَّ هي الزكاة إلى أن تبلغ العاشر ، وهو ستّ وسبعون ، وفيها بنتا لبون.

إلى أن تبلغ الحادي عشر ، وهو إحدى وتسعون ، وفيها حقّتان.

إلى أن تبلغ الثاني عشر ، وهو مائة وإحدى وعشرون ، وحينئذ ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون.

وإنّما كلّ ذلك على المشهور المنصور ، بل عليه الإجماع عن الخلاف والانتصار والغنية (٢).

وأمّا ما في المبسوط والجمل والوسيلة والتذكرة ـ من أنّ النصب ثلاثة عشر وجعل الثالث عشر في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون (٣) ـ

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٢٦٥.

(٢) الخلاف ٢ : ٦ و ٧ ، الانتصار : ٨٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧.

(٣) المبسوط ١ : ١٩١ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٩٩ ، الوسيلة : ١٢٤ ، التذكرة ١ : ٢٠٥.

١٠١

فالتعبير لفظي ؛ لرجوعه إلى المشهور ، بل الظاهر أنّ الإجماع محقّق ، فهو الدليل عليه مع النصوص المستفيضة.

منها : صحيحة البجلي المتضمّنة لجميع هذه النصب ، وقدر زكاتها كما ذكر ، إلى أن بلغ عشرين ومائة قال : « فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّه » (١).

وصحيحة أبي بصير ، وهي قريبة من سابقتها (٢).

وصحيحة زرارة : وهي نحو سابقتها إلى قوله عشرين ومائة ، ثمَّ قال : « فإن زادت على العشرين ومائة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة وفي كلّ أربعين ابنة لبون » (٣).

ونحو الصحيحة الأخيرة موثّقة ابن بكير وزرارة (٤).

خلافا للمحكيّ عن العماني ، فجعل النصاب أحد عشر (٥) ، بإسقاط سادس المشهور ، وهو ستّ وعشرون ، وأوجب بنت المخاض في خمس وعشرين ، فخلافه معهم في عدد النصب وزكاة نصاب الخامس.

لصحيحة الفضلاء الخمسة ، وهي مثل ما مرّ من الأخبار إلى قوله : « إلى أن يبلغ خمسا وعشرين » ، قال : « فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، وليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وثلاثين » ، وأسقط فيها الواحدة من كلّ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٢ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١ ـ ٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٩ ـ ٥٧ ، الوسائل ٩ : ١١٠ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠ ـ ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ ـ ٥٦ ، الوسائل ٩ : ١٠٩ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ١٢ ـ ٣٢ ، الوسائل ٩ : ١٠٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١ ـ ٥٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ ـ ٥٨ ، الوسائل ٩ : ١٠٩ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٣.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ١٧٥.

١٠٢

نصاب إلى عشرين ومائة.

ثمَّ قال : « فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها حقّتان طروقتا الفحل ، فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ، ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون » (١).

والجواب عنها : بتضعيفها ؛ لمخالفتها عمل الأصحاب كلاّ ، حتى العماني في النصب المتأخّرة عن الخامس ، وموافقتها لمذهب العامّة في النصاب الخامس (٢) ؛ حيث إنّ ما تضمّنه موافق للعامّة ، كما صرّح به الأصحاب (٣).

وتدلّ عليه الصحيحة الأولى ، فإنّ فيها ـ على ما في الكافي ـ بعد قوله : « وفي ست وعشرين ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين » قال : وقال عبد الرحمن : هذا فرق بيننا وبين الناس (٤).

مع أنّ صحيحة الفضلاء مرويّة في الوسائل (٥) عن بعض نسخ معاني الأخبار الصحيحة بما يوافق سائر الأخبار.

وللمحكيّ عن الإسكافي في قدر زكاة النصاب الخامس ، فإنّه قال : في خمسة وعشرين ابنة مخاض ، فإن تعذّر فابن لبون ، فإن لم يكن فخمس شياه ، فإن زادت على خمس وعشرين ففيها ابنة مخاض (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ ـ ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ ـ ٥٩ ، معاني الأخبار : ٣٢٧ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١١١ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٦.

(٢) انظر : المغني والشرح الكبير ٢ : ٤٤١ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، وكتاب الام ٢ : ٥.

(٣) انظر : التهذيب ٤ : ٢٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٢ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١١٠ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٤.

(٥) الوسائل ٩ : ١١٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٧.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ١٧٥ ، والانتصار : ٨٠.

١٠٣

ولم نعثر له على مستند تامّ له في الأخبار ، نعم قال في الانتصار : إنّ ابن الجنيد عوّل في هذا المذهب على بعض الأخبار المرويّة عن أئمّتنا (١).

ولا يخفى أنّ مثل ذلك لا يصير حجّة لنا.

وللمحكيّ عن الصدوق في الهداية ، ووالده في الرسالة ، في النصاب العاشر ، فبدّلاه بالإحدى والثمانين ، وقالا : إنّ فيها شيئا (٢) ؛ ومستندهما عبارة الفقه الرضوي ، فإنّها مصرّحة بذلك (٣).

والجواب عنها : بضعفها بنفسها ، وبمعارضتها للأخبار الصحيحة ، ومخالفتها لعمل معظم الطائفة.

وللانتصار في النصاب الأخير ، فجعله مائة وثلاثين ، وقال : فيها حقّة وابنتا لبون ؛ مستدلا عليه بالإجماع (٤).

وهو غير حجّة في مقام النزاع ، سيّما مع دعواه الإجماع على خلافه في الناصريّات (٥).

فروع :

أ : هل التقدير بالأربعين والخمسين في النصاب الأخير على التخيير مطلقا ، كما اختاره جماعة من المتأخّرين (٦) ، ونسبه في فوائد القواعد إلى ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب؟

__________________

(١) الانتصار : ٨١.

(٢) الهداية : ٤٢ ، ونقله عن والده في المختلف : ١٧٦.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١٩٦ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٥٩ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٣.

(٤) الانتصار : ٨١.

(٥) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٥.

(٦) منهم المحقق في المختصر النافع : ٥٤ ، والعلاّمة في التبصرة : ٤٤ ، وصاحب المدارك ٥ : ٥٨.

١٠٤

أم يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب ، فإن أمكن بهما تخيّر ، وإن لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا حتى لو كان التقدير بهما وجب الجمع ، فيجب تقدير أول هذا النصاب ، وهو المائة وإحدى وعشرين بالأربعين ، والمائة والثلاثين والمائة والأربعين بهما ، والمائة والخمسين بالخمسين ، ويتخيّر في المائتين ، وفي الأربعمائة يتخيّر بين اعتباره بهما وبكلّ واحد منهما ، كما هو صريح المبسوط والخلاف والسرائر والوسيلة والنهاية والتذكرة والمنتهى (١) ، وظاهر المحقّق (٢) ، بل في الخلاف : إنّه مقتضى المذهب ، وفي السرائر : إنّه المتّفق عليه ، وفي المنتهى نسبه إلى علمائنا ، وكلام التذكرة يشعر بكونه اتّفاقيّا عندنا؟

دليل الأول : الأصل ؛ لانحصار القول فيه وفي الثاني وعدم الترجيح ، فيجب الاكتفاء بمقتضى الأصل.

وإطلاق قوله : « ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون » في صحيحتي الفضلاء وزرارة وموثّقة زرارة وابن بكير (٣) ، وباعتبار التقدير بالخمسين خاصّة في صحيحة البجلي (٤) ، ولو كان التقدير بالمستوعب تعيّن أربعين في المائة وإحدى وعشرين.

وفيهما نظر ، أمّا في الأول : فلمنع كون التخيير مقتضى الأصل ، بل الأصل عدم تعلّق الحكم بالفرد الآخر في موضع الانطباق على أحد الفردين.

وأمّا الثاني : فلأنّ الاستدلال بما في الصحيحين إنّما يتمّ لو جعلت‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٩٢ ، الخلاف ٢ : ٧ ، السرائر ١ : ٤٤٩ ، الوسيلة : ١٢٥ ، نهاية الإحكام ٢ : ٣٣٣ و ٣٢٢ ، التذكرة ١ : ٢٠٧ ، المنتهى ١ : ٤٨١.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٠١.

(٣) المتقدّمة في ص ١٠٢.

(٤) المتقدمة في ص ١٠٢.

١٠٥

لفظة الواو في قوله : « وفي كلّ أربعين » بمعنى أو ، وكما أنّه محتمل يحتمل أن يخصّ قوله : « في كلّ خمسين حقّة » بما يعدّه الخمسون خاصّة ، وقوله : « وفي كلّ أربعين » بما يعدّه الأربعون مع الأربعين الزائدة على الخمسين ، وإذ لا ترجيح فلا دلالة للإطلاق.

وأمّا ما في صحيحة البجلي من قوله : « في كلّ خمسين حقّة » يحتمل معنيين ، أحدهما : أنّه يكفي في كلّ خمسين حقّة ، وثانيهما : أنّه يجب في كلّ خمسين حقّة ، ويختصّ حينئذ بكلّ ما يعدّه الخمسون ، أو يكون الخمسون أقلّ عفوا ؛ لعدم الوجوب العيني في غيره إجماعا.

والاستدلال إنّما يتمّ على الأول ، ولا دليل على تعيّنه سوى عدم الاستيعاب في بعض الصور ، ويعالج ذلك بالتخصيص ، وهو وإن كان خلاف الأصل إلاّ أنّ الحمل على الكفاية أيضا كذلك.

حجّة القول الثاني : الاحتياط.

ومراعاة حقّ الفقراء.

والإجماع المحكيّ.

وأنّ التخيير يقتضي جواز الاكتفاء بالحقّتين في النصاب الأخير مع أنّهما واجبتان في ما دونه ، فلا فائدة في جعله نصابا آخر.

واستدلّ له أيضا في المبسوط بعموم الأخبار (١) ، ووجّه بأنّها دلّت على أنّ في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون ، فيشمل العموم الأول كلّ ما يطابق الخمسين دون الأربعين فلا بدّ من عدّه بها ، والعموم الثاني كلّ ما يطابق الأربعين دون الخمسين فيجب عدّه بها.

ونجيب عن الأولين : بعدم وجوبهما.

وعن الثالث : بعدم حجّيته.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٩٢.

١٠٦

وعن الرابع : بإمكان كون الفائدة جواز العدول عن الحقّتين إلى ثلاث بنات لبون على وجه الفريضة لا القيمة.

وعن الخامس : بما مرّ من أنّ ذلك تخصيص ليس بأولى من جعل لفظة الواو بمعنى أو.

ويمكن الاستدلال لهذا القول باستصحاب بقاء الاشتغال إلى أن يؤدّي فريضة العدد المطابق ، ولا دافع له.

ولكن يعارضه استصحاب عدم شغل الذمّة بالزائد ، وإذ لا دليل على شي‌ء منهما معيّنا فيحكم العقل في مثله بالتخيير ؛ لعدم قول بتعيّن الأقلّ ، الذي هو موافق الأصل ، ولا مرجّح لشي‌ء منهما ، فتعيّن التخيير.

ب : لو كانت الزيادة بجزء من بعير لم يتغيّر به الفرض إجماعا ؛ لأنّ الأحاديث تضمّنت اعتبار الواحدة.

ج : هل الواحدة الزائدة على المائة والعشرين جزء من النصاب؟

أو شرط في الوجوب فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شي‌ء ، كما لا يسقط في الزائد عنها ممّا ليس بجزء؟

وجهان ، بل قولان :

الأول : للنهاية (١) ؛ لاعتبارها في النصّ ، وهو موجب للجزئيّة.

والثاني : لجملة من المتأخّرين (٢) ؛ لإيجاب الفريضة في كلّ من الخمسين والأربعين الظاهر في خروجها.

ولتكافؤ الدليلين توقّف في البيان (٣) ، وهو في موقعه ، وإن كان الأخير أظهر ؛ لما مرّ ، حيث إنّه أثبت الفريضة في الخمسين والأربعين دون المجموع ، والله العالم.

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ٣٣٣.

(٢) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٨ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٦٥.

(٣) البيان : ٢٨٧.

١٠٧

المقام الثاني : في نصاب البقر وقدر فريضته.

ونصابه أحد العددين من الثلاثين والأربعين دائما ، بمعنى : أنّه إذا بلغ أحدهما تتعلّق به فريضته.

ومعنى الدوام : أنّ الحكم كذلك في ما بعد أحدهما أيضا ، أي يزيد بزيادة أحد النصابين على أحدهما فريضة النصاب الزائد وبزيادة أحدهما على الزائد فريضته ، وهكذا.

فإذا بلغت ثلاثين تجب فريضتها ، ولو بلغت أربعين تجب فريضتها ، ولو بلغت ستّين تزيد على الثلاثين ثلاثون اخرى ، فتجب اثنتان من فريضة الثلاثين ، ولو بلغت سبعين تزيد عليها أربعون ، فتجب فريضة الثلاثين وفريضة الأربعين ، ولو بلغت ثمانين تزيد على الأربعين أربعون أخرى ، فتجب اثنتان من فريضة الأربعين ، وإذا بلغت تسعين تزيد على الستّين ثلاثون ، فتجب ثلاث من فريضة الثلاثين ، وإذا بلغت مائة تزيد على السبعين ثلاثون ، فتزيد فريضة الثلاثين على فريضة السبعين ، وهكذا.

وما يعدّه العددان كالمائة والعشرين ، يتخيّر في تكرير فريضة أيّ من العددين.

كلّ ذلك بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ مستفيضا (١) ، والنصّ ، وهو صحيحة الفضلاء الخمسة المصرّحة بذلك (٢) ، إلاّ أنّ المصرّح به فيها فيما يعدّه العددان كالمائة والعشرين تعيّن تكرير فريضة الأربعين ، ولكن الإجماع أوجب حمله على أحد فردي المخيّر.

ثمَّ فريضة الأربعين : مسنّة ـ وهي بقرة أنثى سنّها ما بين سنتين إلى‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٢٦٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١١٤ أبواب زكاة الأنعام ب ٤ ح ١.

١٠٨

ثلاث ـ إجماعا محقّقا ، ومحكيّا في المنتهى (١) وغيره (٢) ، ونفى عنه الخلاف جدّي الفاضل ـ قدس‌سره ـ في رسالته الزكويّة ؛ له ، وللتصريح به في الصحيحة ، وإن كان في دلالتها على الوجوب والتعيين نظر.

وفريضة الثلاثين : تبيع حوليّ ـ أي بقرة ذكر تتبع أمّها في المرعى ولها حول كامل ـ للصحيحة المذكورة.

وهل يتعيّن التبيع ، كما عن العماني (٣) وابني بابويه ، حيث خصّوه بالذكر اتباعا للنصّ (٤)؟

أو يتخيّر بينه وبين التبيعة ، كما هو المشهور ، بل يظهر من جماعة الإجماع عليه (٥)؟

وفي المنتهى : لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين (٦) ؛ لأولويّتها من التبيع ، ولما رواه في المعتبر والنهاية من الرواية المصرّحة بالتخيير (٧) المنجبرة بالشهرة العظيمة ، بل لإشعار الصحيحة المذكورة بأنّ ذكر التبيع ليس على التعيين ، حيث قال : « في التسعين ثلاث تبايع » [ بتذكير ] (٨) الثلاث الظاهر في إرادة الأنثى.

بل الظاهر أنّ مراد المخالفين أيضا ليس التعيّن ، انظر إلى كلام الصدوق في الهداية والمقنع حيث قال : إذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع حولي‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٨٧.

(٢) كما في التذكرة ١ : ٢٠٩.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٧٧.

(٤) كما في المقنع : ٥٠ ، وحكاه عن أبيه في المختلف ١ : ١٧٧.

(٥) منهم الشيخ في الخلاف ٢ : ١٨ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٦) المنتهى ١ : ٤٨٧.

(٧) المعتبر ٢ : ٥٠٢ ، النهاية : ١٨١.

(٨) في النسخ : بتأنيث ، والصحيح ما أثبتناه.

١٠٩

ـ إلى أن قال : ـ فإذا بلغت ستّين ففيها تبيعتان بالتأنيث (١).

مع أنّ دلالة الصحيحة على تعيّن التبيع غير معلومة ؛ لعدم صراحتها في كون ذلك على سبيل الوجوب ، والله العالم.

المقام الثالث : في نصاب الغنم وقدر فريضته.

وللغنم خمسة نصب : أربعون ، وفيها شاة.

ثمَّ مائة وإحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

ثمَّ مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

ثمَّ ثلاث مائة وواحدة ، وفيها أربع شياه.

ثمَّ أربعمائة ، ففي كلّ مائة شاة ، وهكذا دائما.

على الحقّ الموافق للمحكيّ عن المقنعة والشيخ والإسكافي والحلبي والقاضي والصهرشتي وابني زهرة وحمزة (٢) والفاضل في غير المنتهى والتحرير (٣) والإيضاح لولده (٤) والبيان واللمعة والذخيرة (٥) ، واختاره جدّي الفاضل نصير الدين القمّي في رسالته الزكويّة.

بل هو الأشهر ، كما في الشرائع والنافع والروضة (٦) وعن المعتبر (٧) ،

__________________

(١) الهداية : ٤٢ ، المقنع : ٥٠ ، وفيهما : تبيعان ، بالتذكير.

(٢) المقنعة : ٢٣٨ ، الشيخ في المبسوط ١ : ١٩٨ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٧٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٦٧ ، القاضي في شرح جمل العلم : ٢٥٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٢٦.

(٣) كالتذكرة ١ : ٢١٠ ، والقواعد ١ : ٥٣.

(٤) الإيضاح ١ : ١٧٧.

(٥) البيان : ٢٩١ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٩ ، الأخيرة : ٤٣٥.

(٦) الشرائع ١ : ١٤٣ ، النافع : ٥٥ ، الروضة ٢ : ١٩.

(٧) المعتبر ٢ : ٥٠٣.

١١٠

بل في الخلاف : الإجماع عليه مطلقا (١) ؛ كما عن جماعة الإجماع على النصب الثلاثة الأولى.

لصحيحة الفضلاء الخمسة : « في الشاة : في كلّ أربعين شاة شاة ، وليس في ما دون الأربعين شي‌ء ، ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثمَّ ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة كان على كلّ مائة شاة ، وسقط الأمر الأول ، وليس على ما دون المائة بعد ذلك شي‌ء وليس في النيف شي‌ء » (٢).

خلافا للمحكيّ عن الصدوق في الفقيه والمقنع ، بل عن أبيه في النصاب الأول ، حيث جعلاه واحدة وأربعين (٣) ؛ لما في الفقه الرضوي (٤).

وهو ـ مع ضعفه بنفسه جدّا ، بل ظنّي أنّه ليس إلاّ رسالة والد الصدوق ـ شاذّ واجب الطرح ؛ لمخالفته عمل الطائفة ، سيّما مع معارضته مع الصحاح المعتضدة بالشهرة.

وأمّا ما في الفقيه من قوله : وروى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : قلت له : في الجواميس شي‌ء؟ قال : « مثل ما في البقر ، وليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين شاة ، فإذا بلغت أربعين شاة وزادت واحدة‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١١٦ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ١ ، ورواها في التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٨ ، والاستبصار ٢ : ٢٢ ـ ٦١.

(٣) الفقيه ٢ : ١٤ ، المقنع : ٥٠ ، وحكاه عن أبيه في المختلف : ١٧٧.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٦ ، المستدرك ٧ : ٦٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٥ ح ٣.

١١١

ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين ، فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا كثر الغنم أسقط هذا كلّه واخرج من كلّ مائة شاة » (١).

فالظاهر أنّ الكلّ ليس من الخبر ، بل من قوله : « وليس في الغنم شي‌ء » من كلام الصدوق ، ويؤيّده أنّ خبر زرارة مرويّ في الكافي وليست فيه هذه الزيادة (٢).

وللمحكيّ عن الصدوق والعماني والجعفي والسيّد والديلمي والحلّي والمنتهى والتحرير (٣) ، ونسبه الحلّي إلى المفيد ، وأنكره في المختلف وتعجّب منه وقال : إنّ المفيد قد صرّح في المقنعة بالأول (٤).

أقول : قال المفيد : وإذا كملت مائتين وزادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا بلغت ذلك تركت هذه العدّة واخرج من كلّ مائة شاة (٥). انتهى.

ولا يخفى أنّ ظاهر هذه العبارة : أنّه يجعل النصاب الأخير ثلاثمائة لا بزيادة واحدة ، فيكون كلامه مخالفا للنسبتين وللقولين ، بل يجعل النصاب أربعة ويجعل الرابع ثلاثمائة ، فيكون ذلك قولا ثالثا ، ونسب في المختلف والمهذّب القول الثاني إلى ابن حمزة أيضا (٦).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٤ ـ ٣٦ ، الوسائل ٩ : ١١٥ أبواب زكاة الأنعام ب ٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١١٥ أبواب زكاة الأنعام ب ٥ ح ١.

(٣) الصدوق في الفقيه ١ : ١٤ ، حكاه عن العماني في المختلف : ١٧٧ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٧ ، الديلمي في المراسم : ١٣١ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٣٦ ، المنتهى ١ : ٤٨٩ ، التحرير ١ : ٦١.

(٤) المختلف : ١٧٧.

(٥) المقنعة : ٢٣٨.

(٦) المختلف : ١٧٧ ، المهذّب البارع ١ : ٥١١.

١١٢

أقول : قال ابن حمزة : النصاب فيها أربعة ، والعفو كذلك ، والفريضة جنس واحد ، وهو في كلّ نصاب واحد من جنسه ، وباختلاف الغنم في البلد لا يتغيّر الحكم ، والنصاب الأول أربعون ، والثاني مائة وإحدى وعشرون ، والثالث مائتان وواحدة ، والرابع ثلاثمائة وواحدة ، فإذا زاد على ذلك تغيّر هذا الحكم وكان في كلّ مائة شاة (١). انتهى.

وحصره النصب في الأربعة وإن كان يوهم موافقته للقول الثاني ، إلاّ أنّ الظاهر منه وجوب أربع شياه في ثلاثمائة وواحدة ، كما هو القول الأول ، فيكون جعل النصب أربعة من باب المسامحة ، إلاّ أنّه أجمل الزائد على الثلاثمائة وواحدة ، فيشمل ما فوقها إلى الأربع مائة أيضا كما فعل ابن زهرة (٢).

ولذا جعل في الذخيرة قوله قولا ثالثا ، قال : وفيها قول ثالث ، قاله ابن زهرة في الغنية ، وهو أنّ في ثلاثمائة وواحدة أربع شياه ، فإذا زادت على ذلك سقط هذا الاعتبار واخرج من كلّ مائة شاة ، ونقل عليه إجماع الفرقة (٣).

والظاهر أنّ مرادهما من الزائد زيادة مائة ، وإلاّ فيكون قولهما قولا ثالثا.

ونسب في الإيضاح هذا القول الثاني إلى نهاية والده (٤) ، وما رأيناه من نسخه صريحة في الأول.

وكيف كان ، فدليل هذا القول ما رواه الشيخ ، عن محمّد بن قيس ،

__________________

(١) الوسيلة : ١٢٥.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٣) الذخيرة : ٤٣٥.

(٤) الإيضاح ١ : ١٧٨.

١١٣

عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس في ما دون الأربعين من الغنم شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة » (١).

وأجيب عنها : بأنّها ضعيفة السند ؛ لأنّ محمّد بن قيس مشترك بين أربعة ، أحدهم ضعيف ، فلعلّه إيّاه (٢).

وردّ : بأنّ المستفاد من كلام الشيخ والنجاشي أنّه البجلي ، بقرينة رواية عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عنه ، فيكون الخبر صحيحا معارضا للرواية الاولى (٣).

فلا بدّ من الرجوع إلى الترجيح ، فمنهم من رجّح الثاني بالسند والمتن والخارج.

أمّا الأول : فلأنّه الصحيح والأولى حسنة.

وأمّا الثاني ، فلما في متن الاولى ممّا يخالف الأصحاب طرّأ في النصاب الثاني ، وذلك ممّا يضعّف الحديث.

وأمّا الثالث : فلموافقته للأصل.

ويرد على الأول : أنّ حسن الأولى إنّما هو باعتبار إبراهيم بن هاشم ، والحقّ أنّه لا يقصر عن الصحّة ، سيّما مع ما في صحّة الثانية من التأمّل من جهة تعيين محمّد بن قيس.

وعلى الثاني : أنّ مخالفة الرواية الأولى للمعمول بينهم في النصاب‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٦٢ ، الوسائل ٩ : ١١٦ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ٢.

(٢) كما في المختلف : ١٧٧.

(٣) انظر : المدارك ٥ : ٦٢.

١١٤

الثاني إنّما هي على ما نقله الفاضل في المنتهى وفاقا لبعض نسخ التهذيب ، حيث قال : « فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها شاتان ».

وأمّا على الوجه الذي أوردنا الخبر نقلا عن الكافي ـ وعليه أورده الشيخ في الاستبصار ، والفاضل في التذكرة ، وصاحب المنتقى ، ويوافقه بعض نسخ التهذيب ـ فلا يلزم محذور أصلا.

مضافا إلى أنّه يرد مثل ذلك على الرواية الثانية ؛ لتصريح آخرها باختيار المصدّق في أخذ الهرمة وذات العوار ، فهو مخالف لما عليه الأصحاب ، مع أنّ ردّ جزء من الخبر لا يؤثّر في الجزء الآخر.

مع أنّ مثل هذين الوجهين ليس من المرجّحات الشرعيّة عند أهل التحقيق من الفقهاء.

وأمّا الثالث : فلأنّ الأصل ليس مرجّحا حقيقة ، بل هو المرجع لو لا الترجيح ، فاللازم أولا ملاحظة وجوه التراجيح.

ومنهم من رجّح الاولى بأكثريّة الرواة وفضلهم ولو في بعض المراتب ، وروايتها عن إمامين ، فإنّ احتمال السهو من الراوي حينئذ أبعد.

والتحقيق : أنّ مثل ذلك أيضا لا يصلح للترجيح ، بل الصواب في الجواب أن يقال : إنّ بين الروايتين عموما وخصوصا مطلقا ؛ لأنّ قوله في الثانية : « فإذا كثرت الغنم » ومفهوم الغاية ـ وهو ما تجاوز عن ثلاثمائة ـ أعمّ من أن يبلغ الأربعمائة أو لا ، والأولى مخصوصة مفصّلة فيجب التخصيص بها ، غاية الأمر أنّ حكم ما زاد على الثلاثمائة إلى الأربعمائة لا يكون مستفادا من الثانية ، تركه لمصلحة ، ومثله ليس في الأخبار بعزيز ، سيّما مع ظهور المصلحة وهي التقيّة ، فإنّ عمومها موافق للعامّة ، كما صرّح به جماعة ، منهم : المعتبر والمختلف والمنتهى والتذكرة والذخيرة (١) وجدّي‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٠٣ ، المختلف : ١٧٧ ، المنتهى ١ : ٤٨٩ ، التذكرة ١ : ٢١٠ ،

١١٥

الفاضل طاب ثراه ، وغيرهم (١).

ومنه يظهر أنّه لو تحقّق التعارض بين الروايتين لكان الترجيح للأولى ؛ لأنّ مخالفة العامّة من المرجّحات المنصوصة.

وأمّا ما قيل من أنّ صدر هذه الصحيحة كانت موافقة للعامّة (٢) في النصاب الخامس للإبل فكيف يصرّح بخلافهم فيها؟! ففيه : أنّ أصحاب الكتب الأربعة أخذوا الروايات من كتب أصحاب الأصول ، وما في كتبهم لم يأخذوه عن المعصوم في وقت واحد ، فلعلّهم أخذوا صدرها في زمان يقتضي التقيّة دون ما بعده.

ثمَّ إنّه قد ظهر بما ذكرنا أنّ في المسألة قولين آخرين أيضا :

أحدهما : ما تثبته عبارة المفيد ، وهو كون نصاب الرابع ثلاثمائة ، وأنّ فيها يرجع إلى المئات (٣).

ويحتمله كلام الصدوق والسيّد أيضا ، حيث إنّهما قالا : ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا كثر ففي كلّ مائة شاة (٤).

ويمكن أن يكون المراد من الكثرة بلوغ الثلاثمائة ، بل إرادة زيادة الواحدة من الكثرة بعيدة ، فعباراتهم في مخالفة القولين ظاهرة ، وتوافق كلامهما الرواية الثانية ، فتكون هي دليلا لهم.

والجواب ما مرّ أيضا ، مع ما يحصل لها حينئذ من الإجمال المانع عن الاستدلال ؛ إذ يكون قوله فيها : « فإذا كثرت الغنم » محتملا لوجهين :

__________________

الذخيرة : ٤٣٥.

(١) كصاحب الرياض ١ : ٢٦٦.

(٢) كما في المدارك ٥ : ٦٣ ، والحدائق ١٢ : ٦١.

(٣) المقنعة : ٢٣٨.

(٤) الصدوق في المقنع : ٥٠ ، والسيّد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٧.

١١٦

إرادة بلوغ الثلاثمائة ، أو التجاوز عنها.

وثانيهما : ما نسبه في الذخيرة إلى ابن زهرة (١) ، ومثله كلام ابن حمزة (٢) ، وهو جعل النصاب الزائد على ثلاثمائة وواحدة مطلقا ، لا خصوص أربعمائة.

وهو لو كان قولا لهما لكان مردودا بالشذوذ وعدم الدليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

ثمَّ إنّ ها هنا سؤالا ، وهو : أنّه إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة ، فأيّ فائدة في جعلهما نصابين؟

وأجيب : بأنّها تظهر في محلّ الوجوب والضمان مع التلف بعد الحول بدون تفريط ، فإنّه لو تلفت واحدة من الأربعمائة سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة ، ولو كانت ناقصة عنها لم يسقط ما دامت الثلاثمائة وواحدة باقية (٣).

وأورد على ذلك : بأنّ الزكاة تتعلّق بالعين ، فتكون الفريضة حقّا شائعا في المجموع ، ومقتضاه توزيع التالف على المجموع وإن كان الزائد على النصاب عفوا (٤).

وردّه في الحدائق : بأنّه إن أريد بالمجموع مجموع النصاب والزائد ، فالتعلّق بعينه والإشاعة فيه ممنوع ، وإن أريد عين النصاب فمسلّم ، ولكن لا يلزم منه سقوط شي‌ء ، واختلاط النصاب بالعفو وعدم تميّزه منه لا يستلزم تقسيط التالف في ما كان عفوا وإن كان النصاب شائعا فيه (٥).

__________________

(١) الذخيرة : ٤٣٥.

(٢) الوسيلة : ١٢٦.

(٣) انظر : الشرائع ١ : ١٤٣.

(٤) كما في الذخيرة : ٤٣٥.

(٥) الحدائق ١٢ : ٦٤.

١١٧

وفيه ما لا يخفى ؛ إذ شيوع الحقّ في النصاب وشيوع النصاب في المجموع يستلزم شيوع الحقّ في المجموع ، ولازمه تقسيط التالف.

ألا ترى أنّه لو باع من له أربعمائة غنم ثلاثة أغنام شائعة من ثلاثمائة أغنام شائعة من أغنامه ، وبعبارة أخرى : واحدة من مائة من ثلاثمائة من أغنامه وتلفت واحدة من أربعمائة ، يقسّط التالف على المجموع قطعا.

نعم ، لو منعت الإشاعة مطلقا وقيل : إنّ الواجب إخراج واحد غير معيّن من النصاب والعفو كما هو الظاهر ، لم تظهر الفائدة كما يجي‌ء بيانه في مسألة تعلّق الزكاة بالعين.

١١٨

البحث الثاني

في ما يتعلّق بهذا الفصل من الأحكام‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : من وجب عليه سنّ من الإبل وليست عنده ، وعنده أعلى منها بدرجة من الدرجات المعتبرة في الفريضة ، دفعها وأخذ من الفقير أو المصدّق شاتين أو عشرين درهما .. ولو كان عنده الأدون منها بدرجة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما .. بالإجماع ، كما عن التذكرة والمنتهى (١) وغيرهما (٢).

لصحيحة زرارة المرويّة في الفقيه : « كلّ من وجبت عليه جذعة ولم تكن عنده وكانت عنده حقّة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه حقّة ولم تكن عنده وكانت عنده جذعة دفعها وأخذ من المصدّق شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه حقّة ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده وكانت عنده حقّة دفعها وأعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة مخاض دفعها وأعطى معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها وأعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكان عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون وليس يدفع‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٠٨ ، المنتهى ١ : ٤٨٣.

(٢) كما في مجمع الفائدة ٤ : ٨٢.

١١٩

معها شيئا » (١).

ونحوها رواية محمّد بن مقرن ، عن جدّه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) ، وضعف سند الأخيرة مع صحّة الأولى غير ضائر ، مع أنّه بالعمل أيضا منجبر.

وأمّا قول الصدوقين ـ بأنّ التفاوت بين بنت المخاض وبنت اللبون شاة (٣) ؛ استنادا إلى الرضوي (٤) ـ شاذّ ، ومستندهما ضعيف.

فروع :

أ : يجزئ ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض مع عدمها ، وإن كان أدون قيمة من غير جبر مطلقا ، بغير خلاف يعرف ، كما في الذخيرة (٥) وغيرها (٦) ، وعن التذكرة أنّه موضع وفاق (٧).

لآخر صحيحة زرارة ، ورواية محمّد بن مقرن ، المتقدّمتين ، ولقوله في صحيحة أبي بصير بعد النصاب الخامس : « فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر » (٨) ، ونحوها في روايته.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢ ـ ٣٣ ، الوسائل ٩ : ١٢٧ أبواب زكاة الأنعام ب ١٣ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٩ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ ـ ٢٧٣ ، الوسائل ٩ : ١١١ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٥.

(٣) المقنع : ٤٩ ، وحكاه عن والده في المختلف : ١٧٦.

(٤) فقه الرضا (ع) : ١٩٦ و ١٩٧ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٥٩ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٣.

(٥) الذخيرة : ٤٣٨.

(٦) كالرياض ١ : ٢٦٨.

(٧) التذكرة ١ : ٢٠٨.

(٨) تقدمت مصادرها في ص ١٠٢.

١٢٠