مستند الشّيعة - ج ٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-83-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٤٨

وجوب الإنصات إلى ابن حمزة خاصّة ، قال : والباقون سنّوه (١). وهو ظاهر في دعوى الاتّفاق وصريح في ادّعاء الشهرة على عدم وجوبه ، وبذلك تخرج أخباره عن صلاحيّة تأسيس الحكم. وقال : لا تفيد موافقتها للكتاب ، للإجماع ـ على ما حكاه بعض الأصحاب ـ على عدم وجوب الإنصات للقراءة على الإطلاق كما هو ظاهر الآية ، فإطلاقها للاستحباب قطعا ، وبه يخرج الأمر بالإنصات في الأخبار عن إفادة الوجوب أيضا ، لتعليله بالأمر به في الآية ، فيكون الأمران متوافقين.

ولكن يخدشه أنّ صحيحة زرارة الثانية صريحة في اختصاص الآية بالفريضة خلف الإمام ، ولا إجماع على عدم الوجوب فيها ، والإجماع على الاستحباب في غيرها لا ينافي الوجوب فيها ، فيكون الأمر في الآية للوجوب وبه يتقدّم موافقها على غيره ، ولا تخرج الأخبار الآمرة بالإنصات عن حقيقتها بسبب التعليل.

وأمّا في الثاني (٢) : فلأنّه ليس صريحا في الوجوب ؛ لشيوع ورود أمثال ذلك في المكروهات. مع أنّه ليس باقيا على حقيقته قطعا ، سيّما مع شمول الرواية للإخفاتية المصرّحة في الأخبار بجواز القراءة فيها ، فهي على المبالغة محمولة.

وأمّا في الثالث : فلضعفه الخالي عن الجابر. مع أنّ الظاهر أنّه ليس رواية مخصوصة ، بل نقل لما فهمه من الأخبار المتضمّنة لمثل قوله : « لا تقرأ » ويأتي ضعف دلالتها.

وأمّا في الرابع : فلعدم صراحة غير رواية القصير (٣) ـ على بعض النسخ الّذي لا يفيد لأجل الاختلاف ـ في النهي المفيد للحرمة ، لاحتمال النفي أيضا ، وهو لا يثبت سوى المرجوحيّة. بل في إثباتها هنا أيضا نظر ؛ لكون المقام ممّا يحتمل أن يكون مجازه نفي الوجوب.

مع أنّ أكثر هذه الروايات شاملة للإخفاتية ، المجوّزة فيها القراءة في الأخبار‌

__________________

(١) التنقيح ١ : ٢٧٢.

(٢) أي : وأمّا وجه الضعف في الدليل الثاني على حرمة القراءة للمأموم ، راجع ص ٧٨.

(٣) المتقدّمة في ص ٧٥.

٨١

كما يأتي ، وتخصيصه بالجهريّة ليس بأولى من الحمل على المرجوحيّة أو نفي الوجوب.

ومنه يظهر ضعف رواية القصير على تلك النسخة أيضا.

هذا كلّه مع ما في النهي الوارد في مقام توهّم الوجوب وبعد ثبوته من كلام المشهور.

وأمّا في الخامس : فلعدم كون هذا التسبيح واجبا.

المسألة الثانية : الحقّ المشهور ـ بل نسب إلى الكلّ عدا الحلّي (١) ـ جواز القراءة في الجهريّة‌ مع عدم سماع صوت الإمام وهمهمته ؛ لصحاح الحلبي والبجلي وقتيبة ، وموثّقة سماعة ، ورواية عبيد والرضوي المتقدّمة (٢)

وإنّما خصّصنا الحكم بعدم سماع الصوت والهمهمة دون ما يعمّ سماع القراءة الظاهرة في سماع الكلمات والحروف ، لأنّ الأخبار بين متضمّن للفظ : « لم تسمع » مطلقا ، وللفظ : « لا تسمع قراءته » ولقوله : « إذا لم يسمع صوته » ولقوله : « إن سمع الهمهمة ».

واختصاص الأخيرين ظاهر. وكذا الثاني ؛ لأنّه وإن عبّر بقوله : « فلا تسمع قراءته » ولكن قوله بعده : « فإن كنت تسمع الهمهمة » صريح في إرادة عدم سماع الهمهمة من الأوّل أيضا.

والأوّل مجمل ؛ لأنّ ما لا يسمع غير معلوم هل هو القراءة أو الهمهمة ، والقدر المتيقّن خروج عدم سماع الهمهمة ، إذ الحكم الثابت لعدم سماع القراءة ثابت له أيضا ولا عكس ، فعدم سماع الهمهمة مراد قطعا. مع أنّ المجمل يحمل على المفصّل. وجعل عدم السماع من باب الإطلاق غلط ؛ إذ لا معنى لتعليق الحكم لمطلق عدم السماع ومهيّته ، مع أنّه على فرضه يجب حمله على المقيّد.

__________________

(١) نسبه صاحب الرياض ١ : ٢٣١.

(٢) جميعا في ص ٧٥ ، ٧٦.

٨٢

خلافا لظاهر المقنع والخلاف والحلّي والتبصرة (١) ، حيث أطلقوا عدم جوازها في الجهريّة ؛ ولعلّه لإطلاق روايات عدم القراءة خلف الإمام مطلقا أو في الأوليين أو في الجهريّة.

ويجاب عنها ـ مضافا إلى منع صراحتها في التحريم كما مرّ ـ بوجوب تقييد الكلّ ، لأخصيّة ما مرّ عن جميع ما ذكر حتّى صحيحة الحلبي المتضمّنة لقوله : « سمعت قراءته أو لم تسمع » (٢) لشمولها الإخفاتية وسماع الهمهمة. مع أنّ الظاهر أنّ المراد فيها بقوله : « لم تسمع » الصلاة الإخفاتية بقرينة صحيحته الثانية (٣) ، فإنّها صريحة في أنّ المراد بـ : « ما لم تسمع » السريّة.

وهل هو على الوجوب؟ كما هو ظاهر السيّد والمبسوط والنهاية والوسيلة والواسطة وصريح التهذيب والاستبصار (٤) ، ومحتمل جمع آخر.

أو الاستحباب؟ كالمعتبر والمختلف والتذكرة والنهاية والتحرير والإرشاد والبيان والموجز والمحرّر وشرح الإرشاد لفخر المحقّقين والنفلية (٥) ومحتمل بعض آخر.

أو الإباحة؟ كما هو ظاهر الراوندي وابن نما وعن القاضي (٦) ومحتمل طائفة أخرى.

أو الكراهة؟ كما عن الديلمي (٧).

__________________

(١) المقنع : ٣٦ ، الخلاف ١ : ٣٣٩ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٨٤ ، التبصرة : ٣٨.

(٢) تقدمت في ص ٧٤.

(٣) المتقدمة في ص ٧٤.

(٤) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٤٠ ، المبسوط ١ : ١٥٨ ، النهاية : ١١٣ ، الوسيلة : ١٠٦ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٢١ ، المختلف : ١٥٨ ، التذكرة ١ : ١٨٤ ، نهاية الاحكام ٢ : ١٦٠ ، التحرير ١ : ٥٢ ، الإرشاد ١ : ٢٧٢ ، البيان : ٢٢٦ ، النفلية : ٤١.

(٦) الراوندي في فقه القرآن : ١٤١ ، القاضي في المهذب ١ : ٨١.

(٧) المراسم : ٨٧.

٨٣

الحقّ هو الأوّل ؛ لصريح الأمر ـ الّذي هو حقيقة في الوجوب ـ به في الصحاح. ووروده في محلّ توهّم المنع ممنوع ، كيف؟! وهو موقوف على ثبوت تقدّم المطلقات المانعة عن القراءة خلف الإمام بدون القرينة المقيّدة ، على صدور الأخبار المفصّلة ، ومن أين علم ذلك؟! مع أنّ صرف الأمر عن حقيقته بوروده في المحلّ المذكور ممنوع عند أهل التحقيق وإن قال به جماعة.

دليل المخالف : صحيحة ابن يقطين السابقة (١) ، الظاهرة في تساوي الطرفين في الراجحية والمرجوحيّة ، فبها تخرج الأوامر عن حقيقتها لو أفادت الوجوب ، مع أنّها ـ لما مرّ ـ ممنوعة.

وزاد القائل بالاستحباب أنّه يتحمّل المسامحة ، فيثبت الرجحان باشتهاره ولو في ضمن الإيجاب عند الطائفة.

ويضعّف : بأنّ الصحيحة متضمّنة للفظ سماع القراءة الّذي هو بدون القرينة ظاهر في سماع الكلمات والحروف بل حقيقة فيه ، فعدمه أعمّ من سماع الهمهمة وعدمه ، فهي أعمّ من أخبار الوجوب فتخصّص بها قطعا ، ويحمل الجواز مع التساوي أو الرجحان على صورة عدم سماع القراءة وسماع الهمهمة خاصّة ، كما فعله في المبسوط والنهاية والتهذيب والاستبصار (٢) ، والواسطة والشيخ ابن نما.

ومنع إفادتها الوجوب لما مرّ ضعيف ، كما مرّ.

فرع : هل يجب أن يجهر المأموم بالقراءة‌ حينئذ وكذا فيما إذا قرأ مع سماع القراءة ، أم لا؟

الظاهر : التخيير ، إذ لا تجري أدلّة الجهر في جميع مواضعه الّتي منها هنا إلاّ بالإجماع المركّب ، وتحقّقه هنا غير معلوم.

الثالثة : لا تجب القراءة في أوليي الصلاة الإخفاتية أيضا‌ ، إجماعا محقّقا ومحكيّا عن جميع من سبق في الجهريّة فتوى ونصّا ؛ ويدلّ عليه جميع ما تقدّم فيها‌

__________________

(١) في ص ٢٣٣٤.

(٢) المبسوط ١ : ١٥٨ ، النهاية : ١١٣ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩.

٨٤

من الأخبار.

وفي حرمتها ، كأكثر من قال بها في الجهرية (١).

أو كراهتها ، كأكثر من قال بها فيها (٢).

أو إباحتها ، كما حكي عن بعضهم (٣).

أو استحبابها بالحمد خاصّة ، كما نسب إلى النهاية والمبسوط وجماعة (٤) ، لكن صرّح في الكتابين بعدم الجواز أوّلا وإن صرّح بعده باستحباب الحمد ، ويمكن حمل الأخير على الجهريّة عند عدم سماع الهمهمة دفعا للتناقض وإن كان بعيدا غايته.

أقوال. أقواها ثانيها.

أمّا المرجوحيّة فلعموم صحيحة زرارة الاولى (٥) وخصوص صحيحة الأزدي : « إنّي لأكره للمؤمن أن يصلّي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنّه حمار » قال : قلت : جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال : « يسبّح » (٦).

مضافا إلى الشهرة العظيمة الّتي كادت أن تكون إجماعا ، والفرار عن مخالفة فحول القدماء القائلين بالحرمة.

وأمّا انتفاء الحرمة فلما مرّ في الجهريّة من الأصل السالم عمّا يصلح لإثباتها حتى عن كثير ممّا يظنّ ثبوتها به في الجهريّة كأوامر الإنصات والمرسلة (٧).

__________________

(١) كما في التهذيب ٣ : ٣٢ ، والتحرير ١ : ٥٢ ، والمدارك ٤ : ٣٢٣.

(٢) كما في المعتبر ٢ : ٤٢٠ ، والإرشاد ١ : ٢٧٢ ، والدروس ١ : ٢٢٢.

(٣) كالشهيد في اللمعة ( الروضة ١ ) : ٣٨١.

(٤) النهاية : ١١٣ ، المبسوط ١ : ١٥٨ ، وانظر المهذّب ١ : ٨١ ، والجامع للشرائع : ١٠٠ ، والقواعد ١ : ٤٧.

(٥) المتقدمة في ص ٧٥.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٦١ ، التهذيب ٣ : ٢٧٦ ـ ٨٠٦ ، قرب الإسناد : ٣٧ ـ ١٢٠ ، الوسائل ٨ : ٣٦٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ١.

(٧) المتقدمة في ص ٧٥ ـ ٧٧.

٨٥

مضافا إلى معاضدته برواية المرافقي السابقة (١) ، المنجبرة ، المصرّحة بأنّه إن أحبّ أن يقرأ فيقرأ فيما يخافت فيه.

وصحيحة [ ابن ] (٢) يقطين : عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال : « إن قرأت فلا بأس وإن سكتّ فلا بأس » (٣).

وسليمان بن خالد : عن الرجل في الاولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنّه يقرأ ، فقال : « لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلى الإمام » (٤).

حيث إنّ الظاهر من قوله : « لا ينبغي » والشائع استعماله فيه هو الكراهة.

ولكن الاعتضاد بالأخيرتين محلّ نظر وإن قاله بعضهم (٥) ؛ لاحتمال الأوّل للأخيرتين ، بأن يكون المراد بالصمت ترك القراءة ، كما ذكره في الوافي (٦) ؛ وظهور الثاني فيهما ، لأنّهما اللتان لا يعلم بالقراءة فيهما.

الرابعة : الأقوى عدم وجوب شي‌ء من القراءة والتسبيح في أخيرة الثلاثية‌ وأخيرتي الرباعية على المأموم ، كما لا يجب تركهما فيها أيضا.

وفاقا في الأوّل لظاهر السيّد حيث قال : وأمّا الآخرتان فالأولى أن يقرأ فيهما أو يسبّح ، وروي أنّه ليس عليه ذلك (٧). وابن حمزة حيث قال في الواسطة : وفي الأخيرتين إن قرأ كان أفضل من السكوت. وصريح الحلّي حيث قال : فأمّا الركعتان الآخرتان فقد روي أنّه لا قراءة فيهما ولا تسبيح ، وروي أنّه يقرأ فيهما أو‌

__________________

(١) في ص ٧٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٦ ـ ١١٩٢ ، الوسائل ٨ : ٣٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٣ ـ ١١٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ـ ١٦٥٤ ، الوسائل ٨ : ٣٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٨.

(٥) الرياض ١ : ٢٣١.

(٦) الوافي ٨ : ١٢٠٤‌

(٧) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤١.

٨٦

يسبّح ، والأوّل أظهر (١). واختاره بعض أجلّة المتأخّرين (٢).

لعموم عشر من الروايات المصدّرة بها المسألة الاولى (٣) ، وخصوص واحدة منها وهي صحيحة زرارة الثانية ، ومرسلتي السيّد والحلّي المتقدّمتين آنفا ، وصريح صحيحة [ ابن ] يقطين السالفة في المسألة السابقة ، بل ظاهر صحيحة سليمان حيث إنّ سياقها ـ كما صرّح به بعضهم ـ صريح في أنّ المراد بالقراءة المنفيّة ما يعمّ التسبيح أيضا ، ومفهوم صحيحة زرارة : « لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام » قلت : فما أقول؟ قال : « إن كنت إماما أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ثلاث مرّات » (٤).

ولا يجوز إرجاع غير الواجب أو المستحب في المفهوم إلى العدد أو خصوص الذكر ؛ للإجماع على اتّحاد الوظيفة في التسبيح أينما كانت وظيفة.

وتخصيص العمومات النافية للقراءة خلف الإمام بالقراءة المتعيّنة لا مطلقا ـ وليست إلاّ في الأوليين ، لأنّ وظيفة الأخيرتين القراءة المخيّرة بينها وبين التسبيح ـ لا وجه له ، ودعوى تبادرها ممنوعة.

نعم ، يمكن أن يقال باختصاص دلالتها بانتفاء قراءة الفاتحة لا ما يعمّ التسبيح أيضا ، كما يستفاد من تتبّع النصوص والفتاوى.

ولكنّه غير ضائر ؛ إذ الثابت أوّلا ـ الّذي هو الأصل ـ وجوب أحد الأمرين ، فبعد انتفاء وجوب أحدهما يحتمل تعيّن الآخر وبدليّة السكوت عن الأوّل ، ونسبة الأصل إليهما على السواء ، فتبقى أصالة جواز السكوت خالية عن المعارض.

وبعبارة أخرى : الثابت من أدلّة التسبيح وجوبه التخييري ، فإذا انتفى‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٨٤.

(٢) المحقق السبزواري في الكفاية : ٣١.

(٣) المتقدّمة في ص ٧٤ ، ٧٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٥٨ ، الوسائل ٦ : ١٢٢ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١.

٨٧

ذلك بهذه العمومات ينفى تعيّنه أيضا بالأصل.

ولا تعارضها رواية أبي خديجة وفيها : « فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الّذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب وعلى الإمام التسبيح » (١).

لأنّها ظاهرة في عدم إرادة الوجوب بقرينة مقابلته مع قوله : « وعلى الإمام » وبشهادة سائر الأخبار المتقدّمة. مع أنّه لا قائل بوجوب الفاتحة على المأموم قطعا ، فعلى فرض دلالتها عليه تكون شاذّة مطروحة. ومع ذلك كلّه فهي مجملة ، لاحتمال كون المستتر في : « كان » للايتمام ويكون بيانا لحكم المسبوق ، كما مرّ في بحث القراءة.

خلافا للمقنع والحلبي وابن زهرة والمختلف والذخيرة (٢) ، فأوجبوا أمّا التسبيح مطلقا كالأوّل ؛ لصحيحة ابن عمّار : عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : « الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ومن خلفه يسبّح » (٣).

وصحيحة الأزدي السابقة (٤). وهي وإن كانت ظاهرة في الأوليين من الإخفاتية ، إلاّ أنّ قوله : « فيقوم كأنّه حمار » ظاهر في مكروهيّة السكوت مطلقا. والكراهة وإن كانت إمّا مقابلة للحرمة أو أعمّ منها ، إلاّ أنّ الأمر بالتسبيح يعيّن إرادة الحرمة.

مضافا إلى صحيحة الحلبي : « إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٥ ـ ٨٠٠ ، الوسائل ٨ : ٣٦٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ٦.

(٢) المقنع : ٣٦ ، الحلبي في الكافي : ١٤٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، المختلف : ١٥٨ ، الذخيرة : ٢٧١.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٩ الصلاة ب ٢٣ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٤ ـ ١١٨٥ ، الوسائل ٨ : ٣٦١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ٥.

(٤) راجع ص ٨٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٩ ـ ٣٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٢ ـ ١٢٠٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥١ ح ٧.

٨٨

أو أحدهما كذلك كالثانيين ؛ للأصل ، وعموم ما دلّ على وجوب وظيفتهما.

أو الثاني (١) في الإخفاتية خاصّة كالرابع ؛ لصحيحة ابن سنان المتقدّمة في صدر المسألة الأولى (٢) ، حيث صرّحت في الأخيرتين من الإخفاتية بإجزاء التسبيح المشعر بوجوب أحد الشيئين وكفاية التسبيح وليس الشي‌ء الآخر إلاّ الفاتحة ، مضافا إلى تصريحها أخيرا بأنّه عليه‌السلام كان يقرأ الفاتحة فيكون مخيّرا بينهما. وصحيحة الحلبي المتقدّمة آنفا حيث دلّت على وجوب أحد الأمرين من القراءة والتسبيح مطلقا.

أو الجهريّة كذلك كما نسب إلى الخامس ؛ لثبوت حرمة القراءة في الإخفاتية مطلقا وعدمه في الجهريّة إلاّ إذا سمع الهمهمة ؛ فيبقى غيره تحت الأصل والعمومات.

ويضعّف دليل الأوّل : أمّا الصحيحان الأوّلان فلعدم دلالة قوله : « يسبّح » على الوجوب ، غايته الجواز أو الاستحباب ، وليس كلامنا فيه. مع أنّه لو دلّ على الوجوب لزم إمّا حمله على ما ذكر لمعارضته مع ما سبق وما دلّ على جواز قراءة الفاتحة أيضا ، أو طرحه لشذوذ القول به وندرته بحيث يخرج معه الخبر عن الحجّيّة.

وأمّا الصحيح الآخر باحتمال كون جملة : « لا تقرأ فيهما » حاليّة فلا يثبت وجوب التسبيح مطلقا.

ودليل الثاني : باندفاع الأصل وتخصيص العمومات بما مرّ.

ودليل الثالث : أمّا صحيحته الاولى فبجواز إرادة الإجزاء عن الأمر الاستحبابي ، ولا دليل على إرادة الوجوبي منه. مع أنّ الظاهر من التسبيح مطلقه لا خصوص التسبيح الّذي هو وظيفة الركعتين ، ولم يقل أحد بوجوب غير الوظيفة ، وتخصيصه ليس بأولى من التجوّز في الإجزاء لو كان ظاهرا فيما ظنّه.

__________________

(١) في ص ٧٦.

(٢) أي : القول الثاني ، وهو التخيير بين القراءة والتسبيح.

٨٩

وأمّا قراءة الإمام عليه‌السلام فلا تصلح استنادا لشي‌ء ، لأنّه لا يقتدي بمن يجوز الاقتداء به ، وأمّا غيره فلا كلام فيه بل لا تسقط معه الوظيفة قطعا.

وأمّا صحيحته الثانية فلجواز كون جملة : « لا تقرأ فيهما » وصفيّة ، وحينئذ يكون الأمر بالتسبيح للجواز أو الاستحباب جزما.

ويظهر ضعف دليل الرابع بما ذكر في الثاني.

ووفاقا في الثاني (١) لغير الحلّي ؛ لأصالة عدم وجوب ضدّ القراءة والتسبيح ، وعدم نهوض شي‌ء من الأخبار لإثبات الحرمة كما مرّ ، والأخبار المتقدّمة المصرّحة بجواز القراءة أو التسبيح في الأخيرتين ، وفحوى الصحاح المستفيضة وغيرها المتقدّمة (١) ، الدالّة على جواز القراءة بل استحبابها في أوليي الجهريّة مع عدم سماع الهمهمة ، وحيث ثبت جواز القراءة ثبت جواز التسبيح أيضا لعدم قول بالفرق من هذه الجهة.

خلافا لمن ذكر (٣) ، فظاهره وجوب ترك القراءة والتسبيح ؛ لظواهر بعض الأخبار المتقدّمة مع ما يجيب عنها.

ومنه يظهر عدم حرمة خصوص القراءة فيهما أيضا ، كما هو مذهب المقنع والخلاف والحلّي والتبصرة (٤) وغيرها ، صريحا في بعض وظاهرا في آخر ؛ لقصور الأخبار عن إثباتها ، مع دلالة بعضها على جوازها.

وهل تكره؟ كما عن الديلمي والشرائع والنافع والشهيد (٥) ، وابن فهد وفخر المحققين.

أو تستحب؟ كما عن المبسوط والنهاية (٦).

__________________

(١) وهو : عدم وجوب ترك القراءة والتسبيح في الركعة الثالثة والرابعة ، راجع ص ٢٣٤٢.

(٢) في ص ٧٤ و ٧٥ ـ ٧٧.

(٣) وهو الحلّي في السرائر ١ : ٢٨٤.

(٤) المقنع : ٣٦ ، الخلاف ١ : ٣٣٩ ، الحلي في السرائر : ٦١ ، التبصرة : ٣٨.

(٥) الديلمي في المراسم : ٨٧ ، الشرائع ١ : ١٢٣ ، النافع : ٧١ ، الشهيد في البيان : ٢٢٦.

(٦) المبسوط ١ : ١٥٨ ، النهاية : ١١٣.

٩٠

أو تباح؟ كما عن بعضهم (١).

الظاهر هو الأوّل ؛ للعمومات النافية للقراءة ، وخصوص صحيحة زرارة الثانية وسليمان وابن عمّار والأزدي السابقة (٢) ، ورواية جميل : عمّا يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة ، فقال : « بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الّذين خلفه » (٣).

دليل المخالف الأوّل : قراءة الإمام الفاتحة كما صرّح به في صحيحة ابن سنان (٤) ، ورواية أبي خديجة السالفة (٥). ومرّ دفعهما.

وعمومات أفضليّة القراءة للتسبيح ، ولا يفيد للمقام إلاّ بعد ثبوت أفضليّة التسبيح عن السكوت أو مساواتها له ، مع أنّ العامّ لا يعارض الخاصّ.

ودليل الثاني : عمومات مساواة القراءة والتسبيح المتقدّمة في بحث القراءة.

وجوابها ظاهر.

الخامسة : لا شكّ في استحباب التسبيح للمأموم في السبع ركعات الأخيرة‌ ؛ وتدل عليه صحاح ابن سنان وابن عمّار والأزدي.

والظاهر استحبابه له حال قراءة الإمام في الأوليين من الإخفاتية أيضا ، كما ذكره جمع من الأصحاب (٦) ؛ لرواية أبي خديجة وصحيحة الأزدي ، وصحيحة عليّ ابن جعفر المرويّة في كتابه : عن الرجل يكون خلف الإمام يقتدي به الظهر والعصر يقرأ خلفه؟ قال : « لا ولكن يسبّح ويحمد الله ويصلّي على النبي وأهل بيته » (٧).

__________________

(١) كالشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ١ ) : ٣٨١.

(٢) راجع ص ٧٥ ، ٨٥ ، ٨٦ ، ٨٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ـ ١١٨٦ ، الوسائل ٦ : ١٠٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٢ ح ٤.

(٤) المتقدمة في ص ٧٦.

(٥) في ص ٨٨.

(٦) منهم الشيخ في التهذيب ٣ : ٣٢ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٣٠٢ ، وصاحب الحدائق ١١ : ١٣٦.

(٧) مسائل علي بن جعفر : ١٢٨ ـ ١٠٢ ، قرب الإسناد : ٢١١ ـ ٨٢٦ الوسائل ٨ : ٣٦١ ، أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ٣.

٩١

وذكر جمع من المتأخّرين (١) استحبابه في أوليي الجهرية أيضا. وهو كذلك ؛ لإطلاق رواية أبي خديجة ، ومرسلة الفقيه السابقة (٢).

ولا ينافيه الأمر بالإنصات ؛ لما مرّ من عدم منافاة الذكر للإنصات سيّما إذا كان خفيّا بل الظاهر عدم المنافاة ولو فسّر الإنصات بالسكوت ؛ لأنّ المراد منه العرفي ، ولا ينافي السكوت العرفي مع الذكر الخفي سيّما إذا كان بمثل تحريك اللسان في اللهوات.

ولا قوله : « سبّح في نفسك » (٣) لعدم التعارض. مع أنّ الظاهر أنّ التسبيح في النفس هو التسبيح الخفي دون الذكر القلبي ، أو يعمّ الأمرين معا.

السادسة : ما ذكر من سقوط القراءة إنّما هو إذا كان الاقتداء بالإمام المرضي.

وأمّا لو اقتدى بغيره لم تسقط بل تجب القراءة ، بلا خلاف يعرف كما صرّح به في طائفة من كتب الأصحاب (٤) ؛ لانتفاء القدوة فهو في حكم المنفرد ، وللمستفيضة من المعتبرة (٥).

ولا تنافيها المعتبرة الآمرة بالإنصات والاستماع لقراءته في الجهريّة (٦) ؛ لما مرّ من إمكان الاجتماع. مضافا إلى احتمالها للاختصاص بخصوص السائلين حيث كان عليه‌السلام عالما بلحوق الضرر بهم ، كما ورد مثله في قضيّة إسحاق بن‌

__________________

(١) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٣٠٢ ، وصاحب الحدائق ١١ : ١٣٦.

(٢) في ص ٨٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٧ الصلاة ب ٥٨ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ـ ١١٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ـ ١٦٥١ ، الوسائل ٨ : ٣٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٦.

(٤) منها السرائر ١ : ٢٨٤ ، والمنتهى ١ : ٣٧٨ ، والرياض ١ : ٢٣٢.

(٥) الوسائل ٨ : ٣٦٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣.

(٦) الوسائل ٨ : ٣٦٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ٢ و ٣.

٩٢

عمّار في صلاة الجماعة معهم (١) ، وعليّ بن يقطين (٢) وداود بن زربي (٣) في الوضوء ثلاثا ، أو لشدّة التقية فحينئذ ينصت ويقرأ فيما بينه وبين نفسه سرّا.

ولا يجب الجهر بالقراءة في الصلاة الجهريّة ؛ لصحيحة علي بن يقطين (٤) ، ومرسلة محمّد بن إسحاق (٥) بل ولا سماع نفسه القراءة ؛ لهاتين الروايتين.

وتجزيه الفاتحة وحدها مع تعذّر قراءة السورة وإن كانت واجبة ، بلا خلاف ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه (٦) ؛ للمعتبرة من الأخبار.

ولو ركع الإمام قبل إكمال المأموم الفاتحة سقطت أيضا ؛ لمكان الضرورة ، وتصريح المعتبرة. ووجوب إتمامها في الركوع ـ كما قيل (٧) ـ لا مستند له.

ولو ألجأته التقيّة إلى ترك التشهد في محلّه يتركه ويتشهّد قائما ، كما ورد في بعض الأخبار (٨).

ثمَّ لا يخفى أنّ هذه طريقة الصلاة معهم إذا دعت التقية لها ولم يمكن تداركها من تقديم الصلاة الصحيحة أو إعادتها ، وإلاّ وجبت الصحيحة. والظاهر من الأخبار أنّ هذه تحسب له نافلة ؛ أو تكون محض المتابعة تترتب عليها المثوبات الكثيرة ولو لم يكن ملجأ إلى الصلاة معهم ؛ للأخبار الكثيرة (٩) ، وتأليف‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٨ ـ ١٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤٣١ ـ ١٦٦٦ ، الوسائل ٨ : ٣٦٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ٤.

(٢) إرشاد المفيد ٢ : ٢٢٧ ، الوسائل ١ : ٤٤٤ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٨٢ ـ ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ٧١ ـ ٢١٩ ، الوسائل ١ : ٤٤٣ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٦ ـ ١٢٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٠ ـ ١٦٦٣ ، الوسائل ٨ : ٣٦٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٠ ـ ١١٨٥ ، التهذيب ٣ : ٣٦ ـ ١٢٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٠ ـ ١٦٦٢ ، الوسائل ٨ : ٣٦٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ٤.

(٦) كصاحب المدارك ٤ : ٣٢٥.

(٧) الرياض ١ : ٢٣٢.

(٨) المحاسن : ٣٢٥ ـ ٧٠ ، الوسائل ٦ : ٣٩٢ أبواب التشهد ب ٢ ح ١.

(٩) الوسائل ٨ : ٣٠٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٦.

٩٣

القلوب الشقيّة. بل يظهر من بعض الأخبار عدم وجوب الصحيحة حينئذ أيضا ، وقد مرّ تحقيقه.

السابعة : وكذا يختصّ ما ذكر من سقوط القراءة بما إذا لم يكن المأموم مسبوقا‌. وأمّا إذا كان كذلك فتجب عليه القراءة كما يأتي في فصل الأحكام.

ومنها : متابعة المأموم للإمام.

وتحقيق الحال في ذلك المجال أنّه تجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال ـ أي الركوع والسجود والرفع منهما والقيام بعد السجود ـ إجماعا محقّقا ومحكيّا في المعتبر والمنتهى والمدارك والمفاتيح وشرحه (١) ، ونفى عنه الخلاف في الذخيرة (٢) ؛ وهو الحجّة عليه.

مضافا إلى النبويّين المرويّين في مجالس الصدوق وغيره من كتب أصحابنا ، المنجبرين بالاشتهار والعمل.

أحدهما : « إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا » (٣).

وثانيهما : « أما يخشى الّذي يرفع رأسه والإمام ساجد أن يحوّل الله رأسه رأس حمار؟ » (٤).

والنصوص المتضمّنة للفظ الإمامة أو القدوة (٥) ، لعدم صدقهما بدون المتابعة.

وما يأتي من الأخبار الآمرة بالعود لو رفع رأسه قبل الإمام من الركوع أو‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٢١ ، المنتهى ١ : ٣٧٩ ، المدارك ٤ : ٣٢٦ ، المفاتيح ١ : ١٦٢.

(٢) الذخيرة : ٣٩٨.

(٣) مجالس الصدوق : ٢٦٤ ـ ١٠ بتفاوت ، وأيضا في عوالي اللئالي ٢ : ٢٢٥ ـ ٤٢.

(٤) لم نجده في مجالس الصدوق ، وهو موجود في صحيح مسلم ١ : ٣٢٠ ـ ٤٢٧ بتفاوت يسير.

(٥) الوسائل ٨ : ٣٤٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٦ و ٢٧.

٩٤

السجدة (١).

وما صرّح بانتظار الإمام لو فرغ المأموم عن القراءة ، إمّا لجوازها مطلقا كما هو المختار ، أو فيما يجوز كالمسبوق أو الّذي لا يسمع الهمهمة ، كموثّقة زرارة : عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ ، قال : « فأمسك آية ومجّد الله وأثن عليه ، فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع » (٢).

وعمر بن أبي شعبة : أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ عن قراءته ، قال : « فأتمّ السورة ومجّد الله وأثن عليه حتّى يفرغ » (٣).

واختصاص الأخبار ببعض الأفعال غير ضائر ؛ لعدم القائل بالفرق على الظاهر.

وكذا تجب المتابعة في تكبيرة الإحرام إجماعا ؛ له ، ولأوّل النبويين ، والمروي في قرب الإسناد : عن الرجل يصلّي ، إله أن يكبّر قبل الإمام؟ قال : « لا يكبّر إلاّ مع الإمام ، فإن كبّر قبله أعاد التكبير » (٤).

وضعفهما بما مرّ منجبر.

وكون الجواب في الثاني أخبارا غير ضائر ؛ لأنّ قصد الوجوب منه ظاهر ، لظهور كون السؤال عن الجواز ، وبطلان الصلاة بإعادة تكبيرة الإحرام لو لا بطلان الاولى.

ولا تجب المتابعة في سائر الأذكار من القراءة ـ حيث تجوز أو تجب ـ وذكر الركوع والسجود والتشهد والأذكار المستحبّة ، على الأظهر الأشهر كما صرّح به جمع ممّن تأخر (٥) ؛ للأصل ، وحصول الامتثال ، والتقرير في الموثّقتين المتقدّمتين ،

__________________

(١) انظر : ص ١٠٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٣ الصلاة ب ٥٥ ح ١ وفيه : فأبق آية ، التهذيب ٣ : ٣٨ ـ ١٣٥ ، المحاسن : ٣٢٦ ـ ٧٣ ، الوسائل ٨ : ٣٧٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٨ ـ ١٣٤ ، الوسائل ٨ : ٣٧٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ٣.

(٤) قرب الإسناد ٢١٨ ـ ٨٥٤ ، الوسائل ٣ : ١٠١ أبواب صلاة الجنازة ب ١٦ ح ١.

(٥) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٣٠٦ ، والكاشاني في المفاتيح ١ : ١٦٢ ، وصاحب الرياض

٩٥

وإيجابها إمّا وجوب الجهر على الإمام مطلقا ، أو تكليف المأمومين بتأخير الذكر إلى أن يعلم وقوعه من الإمام ولم يقل بشي‌ء منهما أحد ، واستلزامها لزوم اختيار ما يختاره الإمام من الأذكار وليس كذلك ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها المصرّحة بجواز إتمام المأموم التشهد والتسليم قبل الإمام إذا أطال الإمام التشهد (١).

خلافا للمحكي عن الشهيد فأوجبها فيها أيضا (٢) ؛ للنبوي الأوّل.

ويردّ بعدم انجباره في المقام بالعمل. مع أنّ مطلق الايتمام بالمتابعة في الأفعال قد حصل ولم يثبت وجوب الزائد منها من هذه الرواية ولا سائر الروايات المتضمّنة للايتمام والاقتداء.

والمراد بالمتابعة الواجبة في الأفعال والتكبيرة عدم تقدّم المأموم على المشهور ، بل لم أعثر على مصرّح بخلافه في الأفعال ، بل عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين الإجماع عليه فيها. فتجوز المقارنة وإن انتفت معها فضيلة الجماعة عند بعضهم (٣) ، ونقصت عند آخر (٤) ، ولكن عن بعض آخر عدم النقص أيضا (٥).

للأصل ، وصدق الامتثال ، وعدم ثبوت الزائد عنه من الإجماع ولا غيره من أدلّة المتابعة.

وتعاضده رواية السكوني (٦) الواردة في مصلّيين قال كلّ منهما : كنت إماما أو مأموما ، المصرّحة بصحّة صلاتهما في الصورة الأولى ؛ إذ لو لا جواز المقارنة لما تصوّرت فرض المسألة غالبا.

__________________

١ : ٣٢.

(١) الوسائل ٨ : ٤١٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤.

(٢) البيان : ٢٣٨.

(٣) الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٨٤.

(٤) المحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٩٨.

(٥) الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٦٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٥ الصلاة ب ٥٦ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٠ ـ ١١٢٣ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ـ ١٨٦ ، الوسائل ٨ : ٣٥٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٩ ح ١.

٩٦

ورواية قرب الإسناد المتقدّمة ، فإنّ ظاهر المعيّة المقارنة سيّما مع تفريع التكبير قبله خاصّة بعده عليه. وإذا جازت في التكبيرة جازت في غيرها ، لعدم القائل بالفرق بينهما جوازا فيها ومنعا في غيرها وإن وجد القائل بالعكس.

وتدلّ عليه أخبار أخر مصرّحة بالركوع أو السجود مع الإمام لو رفع رأسه قبله ، كما يأتي (١).

خلافا في تكبيرة الإحرام خاصّة للمحكي عن المنتهى والشهيدين والمدارك والذخيرة (٢) فأوجبوا تأخّر المأموم فيها ، وعن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين الإجماع عليه ، بل قيل : ولم أعرف القائل بخلافه منّا وإن أشعرت به عبارات جماعة (٣). وتردّد الفاضل في النهاية والتذكرة كما حكي (٤).

للإجماع المنقول.

وللنبوي المذكور المجبور ضعفه في المقام أيضا بما عرفت ، فإنّ الفاء تفيد التعقيب.

ولأنّ الائتمام إنّما يكون بالمصلّي ، ولا يكون الإمام مصلّيا إلاّ بعد أن يكبّر.

أو للشكّ في تحقّق الايتمام والجماعة الموجب للشك في حصول البراءة عن الشغل اليقيني.

ويضعّف الأول : بعدم الحجية.

والثاني : بجواز كون الفاء للمقارنة ، كما في قوله سبحانه : ( فَاسْتَمِعُوا ) (٥). مع أنّ الفاء جزائيّة ، وهي في العرف قد تمحّضت لربط الجزاء بالشرط.

__________________

(١) في ص ١٠١.

(٢) المنتهى ١ : ٣٧٩ ، الشهيد في الذكرى : ٢٧٦ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٨٤ ، المدارك ٤ : ٣٢٧ ، الذخيرة : ٣٩٨.

(٣) الرياض ١ : ٢٣٢.

(٤) نهاية الاحكام ٢ : ١٣٥ ، التذكرة ١ : ١٨٥.

(٥) الأعراف : ٢٠٣.

٩٧

والثالث : بأنّ اللازم كون الإمام مصلّيا حال كون المأموم مقتديا ، وهو بعد فراغهما من التكبير ، وحينئذ فهو مصلّ.

والرابع : بمنع الشك ، لصدقه عرفا.

ومع ذلك فالأحوط عدم المقارنة في التكبير بل في سائر الأفعال أيضا ، لأنّها في معرض المقارنة (١) غالبا. فالأولى تأخّر المأموم في التحريمة والأفعال بمعنى شروعه بعد شروعه وإن كان قبل فراغه وفراغه قبل فراغه. لا شروعه بعد فراغه كما قيل ، لعدم الدليل.

فروع :

أ : لو خالف المأموم فيما يجب عليه من المتابعة وتقدّم واستمرّ على المخالفة‌ بأن يمضي في صلاته كذلك ، فإن كان مع قصده العدول عن الايتمام ، فإن صحّ ذلك صحّت صلاته وإلاّ لم تصح.

وإن كان مع الايتمام بطلت ؛ لأنّ مقتضى وجوب المتابعة حرمة الإتيان بأفعال الصلاة مقدّما على الإمام ، لأنّ الأمر بالشي‌ء نهي عن ضدّه ، فتكون الأفعال المأتية منهيّا عنها ، والنهي مفسد للعبادة.

ولو لم يستمرّ عليها بل إنّما خالفه في فعل ، كأن يتقدّم عليه في ركوع أو سجود أو رفع منه أو قيام ، فقيل : مقتضى وجوب المتابعة فساد الصلاة مع المخالفة مطلقا ، إذ معها لا يعلم كونها العبادة المطلوبة (٢).

وفيه : أنّ مقتضاها العود إلى الحالة الاولى وتحصيل المتابعة دون فساد الصلاة ، إذ معه تحصل المتابعة ويعلم كونها عبادة مطلوبة بعمومات الجماعة ، وأصالة عدم بطلان الصلاة بمجرّد المخالفة في فعل تتبعها المتابعة الواجبة فيه. إلاّ أن تضمّ معها مقدّمة أخرى ثابتة قد تقدّمت مفصّلة مبرهنة ، وهي : قاعدة بطلان الصلاة بالزيادة.

__________________

(١) كذا ، والظاهر أنّ الصحيح : المسابقة أو ما يفيد معناها ، والمراد أنّ المقارنة في معرض المسابقة.

(٢) الرياض ١ : ٢٣٢.

٩٨

فيقال : إنّه لو تقدّم في فعل فالبقاء عليه حتّى يلحق الإمام سبب لانتفاء المتابعة الواجبة ، وسبب الحرام حرام. أو هو ضدّ للمتابعة وضدّ الواجب منهيّ عنه. وعدم البقاء ـ الذي هو العود واللحوق بالإمام ـ سبب لحصول الزيادة في الصلاة ، وهي أيضا محرّمة ، فهو أيضا حرام ، فلم يبق إلاّ إعادة الصلاة.

لا يقال : إنّها موقوفة على قطعها ، وهو أيضا حرام.

لمنع عموم على حرمته يشمل المقام. مع أنّا نقول : إنّها قد قطعت شرعا ، لأنّ إتمامها منهيّ عنه إذ ليس إلاّ بارتكاب أحد المحرّمين.

ولعلّ هذا أيضا مراد ذلك القائل ، وترك ذكر هذه المقدّمة لظهورها ، وأراد أنّ مع ارتكاب أحد الأمرين لا يعلم أنّها العبادة المطلوبة ، لاستلزام أحدهما الزيادة والآخر المخالفة.

وحينئذ يتمّ ما ذكره ، إلاّ أنّه يتوقّف على ثبوت المقدّمة الاولى ، وهي وجوب المتابعة مطلقا حتّى في هذا الفعل الّذي تقدّم فيه سهوا أو عمدا بعد التقدّم بأن يرجع ويتابع.

وهو ممنوع جدّا ؛ إذ عمدة أدلّتها الإجماع ، وانتفاؤه هنا واضح. وصدق الايتمام وعدم انتفائه بمجرّد هذا التقدّم اليسير المتعقّب للمتابعة ظاهر. وخبرا المجالس (١) ضعيفان ، وانجبارهما في المقام غير معلوم ، مع أنّ ثانيهما لا يدلّ إلاّ على حرمة التقدّم عمدا ، وهو مسلّم ، والكلام في وجوب المتابعة فيما تقدّم بعده. والخبران الآخران (٢) موردهما غير هذه الصورة ، لأنّهما وردا لحكم من فرغ قبل الإمام عن القراءة ولم يركع بعد. بل الظاهر من النبوي الأوّل أيضا ذلك ، فإنّ المتبادر عنه أنّه إن لم تركعوا فاركعوا مع الإمام. مع أنّ هذه الروايات لا تشمل الرفع والقيام في المسألة أيضا.

وبالجملة : لا دليل على وجوب المتابعة في فعل حصل فيه التقدّم أصلا ،

__________________

(١) راجع ص ٩٤.

(٢) وهما موثّقتا زرارة ، وعمر بن أبي شعبة ، راجع ص ٩٥.

٩٩

وعلى هذا فلا يكون لفساد الصلاة وجه أصلا.

بل هاهنا كلام آخر ، وهو : أنّ الظاهر الإجماع على عدم البطلان مطلقا ، إذ صرّح الكل بصحة الصلاة ولم ينقل من أحد القول ببطلانها حينئذ إلاّ ما حكي عن المبسوط أنّه قال : من فارق الإمام من غير عذر بطلت صلاته (١).

ومراده ما إذا فارقه رأسا وأتمّ الصلاة مفارقا له ؛ إذ هو معنى المفارقة ، أو مع عدم تمام القراءة ، لأنّه قال فيه بعد ذلك : وينبغي أن لا يرفع رأسه عن الركوع قبل الإمام ، فإن رفع رأسه ناسيا عاد إليه يكون رفعه مع رفع الإمام ، وكذلك القول في السجود ، وإن فعل ذلك متعمّدا لم يجز له العود إليه أصلا بل يقف حتّى يلحقه الإمام (٢). انتهى.

ومثله الصدوق (٣).

وعلى هذا فلا يصحّ الحكم ببطلان الصلاة ، بل اللازم الحكم بالتخيير بين العود والاستمرار إن قلنا بوجوب المتابعة حتّى في المقام ، وبوجوب الاستمرار إن قلنا بعدم ثبوته ، كما هو كذلك.

وتوضيح ذلك : إنّا لو سلّمنا هذه المقدّمة وضممناها مع المقدّمة السابقة وهي حرمة الزيادة ، فمقتضى المقدّمتين كما مرّ بطلان الصلاة مطلقا ووجوب الإعادة ، إلاّ أنّ الإجماع دلّنا على ارتفاع أحد المحذورين ووجوب أحد الأمرين من الاستمرار حتى يلحق الإمام أو العود للّحوق به ، ولعدم تعيّنه علينا يحكم بالتخيير.

هذا في غير التقدّم في القيام. وأمّا فيه فالحكم التخيير مطلقا مع قطع النظر عن الإجماع أيضا ، لعدم ثبوت البطلان بزيادته ، كما يظهر وجهه ممّا ذكر في تحقيق الزيادة المبطلة في محلّه. ولا بهذا القدر من التقدّم فيه ، لعدم ذكره في أخبار‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٢) المبسوط ١ : ١٥٩.

(٣) لا يوجد في كتبه الموجودة بأيدينا ، وانظر ما حكاه عنه في الذكرى : ٢٧٩.

١٠٠