مستند الشّيعة - ج ٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-83-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٤٨

ولا في زيادة الصفّ المستطيل الثاني إذا لم يكن الجدار الّذي فرضه حائلا بينه وبين جميع أهل الصفّ المتقدّم ، وإن كان حائلا يعترف ببطلان صلاتهم البتة.

ولا في الواقف بين الأساطين إذا يرى بعض من تقدّمه ، ولو لم ير أحدا منهم نقول بالبطلان ، ولا تنافيه صحيحة الحلبي كما لا يخفى.

وأمّا إرادة الصفّ من قوله : « من كان بحيال الباب » فبعيد غايته ، ولا دلالة لقوله : « وأيّ صف » عليه أصلا ، لتقييده بقوله : « أهله » فمعناه : إذا كان بين أهل صفّ وأهل صفّ تقدّمه ستر تبطل صلاتهم إلاّ من كان بحيال الباب من أهل الصفّ ، مع أنّه لا يصدق على جميع هذا الصفّ أنّه بحيال الباب ، مع أنّه لو كان كما توهّم لم يحسن الاستثناء.

ثمَّ بما ذكرناه هنا يظهر الحكم في أكثر الفروع المتعلّقة بالمقام.

ج : المستفاد من إطلاق الصحيحة منع الحائل عن صحّة الجماعة مطلقا ، سواء كان في تمام الصلاة أو بعضها ، وسواء كان الساتر مستقرا كجدار ، أو لا كثوب ترفعه الريح تارة وتضعه أخرى ، أو مصلّ يقوم تارة ويجلس اخرى.

ومنه يظهر أنّه كما أنّه يشترط انتفاء الحائل ابتداء يشترط استدامة أيضا ، وانّه لو عرض في أثناء الصلاة تبطل الجماعة وإن لم يكن اختياريا ، لأنّه حكم وضعي لا يتوقّف على الاختيار. ويلزمه بطلان جماعة صفّ تقدّمه صفّ آخر غير مأمومين ولو علم بذلك في الأثناء أو تمّت صلاتهم كالمسافرين إذا اشتغلوا بعد الركعتين بنافلة حتى يحصل الستر.

نعم ، يشترط شي‌ء من الاستمرار له حتى يصدق أنّ بينهم سترا ، فلا بأس بعبور شخص بينهم وإن ستر في الجملة حال العبور.

وكذا يشترط كونه بحيث يصدق الساتر به عرفا ، فلا يضرّ شي‌ء قصير يحول حال السجود خاصّة مثلا ، لعدم صدق الستر بينهما عرفا. فتأمّل.

د : لا يتوهّمنّ أنّ مقتضى اشتراط انتفاء الساتر‌ أن يتوقّف في صحّة صلاة‌

٦١

الصفّ المتأخّر ودخوله في الصلاة [ قبل ] (١) دخول من تقدّم عليه كلا أو المحاذي له في الصلاة ، حيث إنّه قبله ساتر وليس بمأموم.

لأنّ الشرط انتفاء الساتر بينه وبين الصفّ المتقدّم عليه كما هو صريح النصّ ، ولا يشترط في صدق الصفّ دخول أهله في الصلاة بل اللازم صفّهم للصلاة جماعة وكونهم معدودين من المأمومين قاصدين للايتمام ، إذ بذلك يصدق الصف المتقدّم عرفا ولم يثبت توقّف صدقه على شي‌ء آخر.

هـ : هذا الشرط مخصوص بما إذا كان المأموم رجلا أو امرأة اقتدت بامرأة ، وأمّا إذا اقتدت برجل فلا يضرّ الحائل إذا عرفت انتقالات الإمام ، على الأظهر الأشهر ، بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا (٢) مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وقيل : بلا خلاف إلاّ ممّن يأتي (٣).

للأصل ، والعمومات ، وموثقة عمّار : عن الرجل يصلّي بالقوم وخلفه دار فيها نساء ، هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟ قال : « نعم إن كان الإمام أسفل منهنّ » ، قلت : فإنّ بينهنّ وبينه حائطا أو طريقا ، قال : « لا بأس » (٤).

ويؤيّده أنّهنّ عورة لا ينبغي لهنّ مخالطة الرجال ، مع أنّ فضيلة الجماعة عامّة.

وقد يستدلّ أيضا بعدم شمول الصحيحة (٥) لهنّ ، ولعلّه لتذكير الضمير.

وفيه ما فيه ، مع أنّ هذا المستدلّ يمنع عن الحائل إذا كان إمامها امرأة للصحيحة.

خلافا للمحكي عن الحلّي (٦) ؛ لضعف الرواية تارة. وهو ممنوع. ولو سلّم‌

__________________

(١) أضفناه لتصحيح المتن.

(٢) التذكرة ١ : ١٧٤.

(٣) الرياض ١ : ٢٢٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٣ ـ ١٨٣ ، الوسائل ٨ : ٤٠٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٠ ح ١.

(٥) المتقدمة في ص ٥٥.

(٦) السرائر ١ : ٢٨٩.

٦٢

فمجبور. وباحتمالها للحائط القصير اخرى. وهو بالإطلاق مدفوع.

نعم يصحّ ذلك فيما إذا كان إمامها امرأة فيما يجوز ؛ لاختصاص الموثّقة ، وعموم الصحيحة.

ومنها : عدم كون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم ، فلو كان أعلى لم تصحّ صلاة المأموم ، على الحقّ المشهور كما صرّح به جماعة (١) ، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا (٢) مؤذنا بالإجماع.

لعموم مفهوم موثقة عمّار المتقدّمة آنفا ، خرجت منه صورة التساوي فيبقى العلوّ مبطلا.

وموثقته الأخرى : عن الرجل يصلّي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الّذي يصلّي فيه ، فقال : « إن كان الإمام على شبه الدكّان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم » (٣).

خلافا للمحكي عن الخلاف ، فقال بالكراهة مدّعيا عليها إجماع الطائفة (٤) ، واختاره في المدارك (٥) ، وتردّد في المعتبر والشرائع والنافع (٦) ، وهو ظاهر الكفاية والذخيرة (٧).

لدعوى الإجماع ، والأصل ، والعمومات ، مع ضعف الرواية سندا وتهافتها متنا واختلافها نسخا.

__________________

(١) منهم العلاّمة في المختلف : ١٦٠ ، والكاشاني في المفاتيح ١ : ١٦١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٣٩٤.

(٢) التذكرة ١ : ١٧٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٦ الصلاة ب ٦٢ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ ـ ١١٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٣ ـ ١٨٥ ، الوسائل ٨ : ٤١١ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٣ ح ١.

(٤) الخلاف ١ : ٥٥٦.

(٥) المدارك ٤ : ٣٢٠.

(٦) المعتبر ٢ : ٤٢٠ ، الشرائع ١ : ١٢٣ ، النافع : ٤٦.

(٧) الكفاية : ٣١ ، الذخيرة : ٣٩٤.

٦٣

والأوّل غير ثابت ، ومنقوله غير حجّة سيّما مع عدم ظهور موافق له من قدماء الفرقة. مع أنّه ـ كما صرّح به في المختلف (١) ـ إرادة الحرمة من الكراهة كما شاعت في الصدر الأوّل محتملة ، بل قيل : عبارة الخلاف بها أيضا شاهدة (٢). فلا يكون الشيخ مخالفا في المسألة ، ولا إجماعه منافيا للحرمة.

والثانيان مندفعان بالموثقتين. وضعفهما ممنوع ، كيف؟! وهما من الموثّقات وهي في نفسها حجّة ، ومع ذلك بالشهرة العظيمة من الجديدة والقديمة منجبرتان.

والتهافت والاختلاف لو سلّم ففي الأخيرة ، والاولى عنهما سالمة ، مع أنّهما فيها أيضا لا يتعلّقان بما يفيد ذلك الحكم ، وإنّما هما في بيان قدر العلوّ ، وهو غير المسألة.

فروع :

أ : اشتراط عدم العلوّ إنّما هو في غير الأرض المنحدرة‌. وأمّا فيها فلا يضر علوّ الإمام مطلقا ، بلا خلاف فيه كما قيل (٣) ؛ لذيل الموثقة الأخيرة : « وإن كان أرضا مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع ، فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلاّ أنّهم في موضع منحدر ، فلا بأس ».

ب : اختلفوا في قدر العلوّ المانع‌ ، فحوّله الحلّي (٤) ، وجماعة (٥) ، بل الأكثر إلى العرف والعادة.

وقدّره في النهاية والتذكرة والدروس والبيان والمسالك وروض الجنان (٦) بما لا‌

__________________

(١) المختلف : ١٦٠.

(٢) الرياض ١ : ٢٣٠.

(٣) الرياض ١ : ٢٣٠.

(٤) السرائر ١ : ٢٨٣.

(٥) منهم الشهيد في الذكرى : ٢٧٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٨٠ ، وصاحب الحدائق ١١ : ١١١.

(٦) نهاية الاحكام ٢ : ١٢٤ ، التذكرة ١ : ١٧٤ ، الدروس ١ : ٢٢٠ ، البيان : ٢٣٦ ، المسالك ١ : ٤٣ ،

٦٤

يتخطّى.

وبعض آخر بشبر (١) والأظهر : الأوّل ؛ لأنّه المرجع حيث لا تقدير في الشرع كما هنا ، إذ ليس ما يتوهّم منه ذلك إلاّ صحيحة زرارة ـ السابقة (٢) في مسألة الحائل ـ المقدّرة له بما لا يتخطّى ، وهو دليل الثاني ، وبعض نسخ التهذيب في الموثقة الأخيرة المقدّر له بالشبر ، وهو دليل الثالث.

والأوّل مردود : باحتمال إرادة هذا المقدار في البعد دون اختلاف الموقف كما يأتي. مع أنّه على تقدير الشمول لذلك أيضا بإطلاقه يدلّ على مانعيّة هذا القدر ـ وهو يوافق العرف ـ دون اغتفار ما دونه إلاّ بمفهوم الوصف الضعيف أو إدخاله في مفهوم الشرط بتكلّف بعيد.

والثاني : بأنّه لا يصلح للاستناد ، لمكان الاختلاف.

ثمَّ لا شكّ في دخول ما لا يتخطّى في العلوّ عرفا ، ولا في خروج الشبر وما دونه عنه. ويؤكّده ما في التذكرة من الإجماع على عدم مانعيّة اليسير (٣). والأحوط بل الأظهر الاجتناب ( عن ما بينهما ) (٤).

ج : لا يضرّ علوّ المأموم من الإمام مطلقا‌ بالإجماع ، كما عن المنتهى (٥) وغيره (٦) ؛ للأصل ، والعمومات ، وخصوص منطوق الموثقة الاولى ، وعموم مفهوم صدر الثانية ، وصريح ذيلها : قال : وسئل : فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه ، قال : « لا بأس » وقال : « إن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكّانا‌

__________________

روض الجنان : ٣٧٠.

(١) حكاه في الروضة ١ : ٣٨٠.

(٢) في ص ٥٥.

(٣) التذكرة ١ : ١٧٤.

(٤) ما بين القوسين موجود في « ح » فقط.

(٥) المنتهى ١ : ٣٦٦.

(٦) كالمدارك ٤ : ٣٢٠.

٦٥

أو غيره وكان الإمام على الأرض أسفل منه جاز أن يصلّي خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع منه بشي‌ء كثير ».

وأمّا قوله في رواية محمّد بن عبد الله : « يكون مكانهم مستويا » (١) ، فلا يثبت وجوب التساوي ، بل غايته الاستحباب. ولا بأس به.

ومنها : عدم تباعد المأموم عن الإمام أو الصفّ الّذي يتقدّمه‌ ، بالإجماع المحقّق والمحكي في عبارات جمع من الأصحاب ، منهم : المدارك والذخيرة (٢) وغيرهما (٣).

وهو الحجّة المخرجة عن الأصل المخصّصة للعمومات ، دون غيره من صحيحة زرارة المتقدمة (٤) ، ورواية الدعائم : « ينبغي للصفوف أن تكون متواصلة ، ويكون بين كلّ صفين قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد ، وأيّ صف كان أهله يصلّون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الّذي يتقدمهم أزيد من ذلك فليس تلك الصلاة لهم بصلاة » (٥).

لإجمال الاولى ، وضعف الثانية.

أمّا الأوّل فبيانه أنّ موضع الاستدلال من الصحيحة اشتراط ما لا يتخطّى ، والمحتمل إرادته من هذا اللفظ ـ كما يستفاد من كلام الأصحاب ـ معان ثلاثة : ما لا يتخطّى من الحائل ، أو من العلوّ ، أو من البعد.

وظاهر الأكثر عدم حمله على الأخير حيث لم يستندوا إليه في مقدار البعد. وحمله جماعة على الثاني حيث اعتبروا هذا القدر في العلوّ.

وليس احتماله لهذه المعاني من باب الإطلاق الشامل للجميع حتّى تصحّ‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٨٢ ـ ٨٣٥ ، الوسائل ٨ : ٤١٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٣ ح ٣.

(٢) المدارك ٤ : ٣٢٢ ، الذخيرة : ٣٩٤.

(٣) كالتذكرة ١ : ١٧٣.

(٤) في ص ٥٥.

(٥) دعائم الإسلام ١ : ١٥٦ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٩٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ١.

٦٦

إرادة الشامل للجميع في استعمال واحد ، إذ ما لا يتخطّى على الأوّل معنى غيره على الأخيرين ، فإنّه على الأوّل شي‌ء مانع عن التخطّي ، وعلى الأخيرين شي‌ء لا يصير خطوة.

ثمَّ إنّ هذا اللفظ قد تكرّر في الصحيحة في أربعة مواضع :

أمّا الموضع الأوّل فعلى حمله على الحائل يكون معنى لا يتخطّى نحو : لا يمكن التخطّي أولا يصلح أو ليس من شأنه ، ويلزم تقدير نحو لفظة : « منه » أي ما لا يتخطّى منه ، وهو خلاف أصل.

وعلى حمله على العلوّ يفسّر إمّا كالسابق ، أو يكون المعنى : ما لا تقطعه الخطوة ولا يصير محل التخطّي مطلقا لا بخطوة واحدة ولا أكثر ، فإنّ العلوّ المفرط لا يتخطّى من حيث هو وإن أمكن تخطّيه بالدّرج ، وهو أمر خارج عن نفس العلوّ ، فالمرتفع كثيرا لا يصير محلا للتخطّي مطلقا إلاّ بتقليله شيئا فشيئا وجعله مدرجا ، كما أنّ الحائل لا يتخطّى منه كذلك إلاّ برفعه. وعلى هذا لا يستلزم خلاف أصل.

وعلى حمله على البعد يكون المعنى : ما ليس من شأنه أن يتخطّى.

ويلزم حمل التخطّي على الخطوة الواحدة ، أي ما لا يتخطّى بخطوة واحدة ، ضرورة إمكان قطع المسافة وإن بعدت بخطوات كثيرة. وهذا مخالف للأصل ؛ لأنّ التخطّي هو قطع المسافة بالخطوة واحدة كانت أم متعددة.

وكذا يلزم التخصيص بالصفّ الأوّل ، أو التجوّز في الإمام بإرادة من تقدّم على المأموم إماما كان أو مأموما آخر ، ضرورة عدم اشتراط انتفاء هذا البعد بين كلّ مأموم والإمام. وهذا خلاف أصل آخر.

ويلزم أيضا تخصيص أهل الصفّ الأوّل بمن في خلف الإمام خاصّة أو مع من يليه ، أو إرادة محاذاة الإمام من لفظ : « الإمام » ضرورة عدم اشتراط انتفاء هذا البعد بينه وبين نفس الإمام في طرفي الصفّ. وهذا خلاف أصل ثالث ، بل غير جائز ، لاستلزامه عدم بقاء غير واحد أو اثنين أو ثلاثة من الأفراد الغير العديدة بل من أزيد من عشرة آلاف في بعض الأوقات.

٦٧

فإرادة البعد من : « ما لا يتخطّى » في هذا الموضع مرجوح غايته.

وأمّا الموضع الثاني ففي حمله على أحد الأوّلين كالموضع السابق.

وأمّا في الثالث فينتفي المحذوران الآخران ويبقى الأوّل خاصة ، ومن هذه الجهة يساوي المعنى الأوّل ، لأنّه أيضا يستلزم خلاف أصل واحد ، إلاّ أنّه يصير مرجوحا عنه بملاحظة قوله : « فإن كان بينهم ستر » إلى آخره ، فإنّ الظاهر من لفظة : « الفاء » أنّه حكم مترتّب متفرّع على سابقة ولا يلائم غيره ، فيكون المراد ما لا يتخطّى من الحائل وإن كانت إرادته مرجوحة هنا من جهة إقحام لفظ : « القدر » ولكن التأويل فيه أسهل منه في لفظة : « الفاء ».

ومنه يظهر عدم رجحان إرادة البعد في هذا الموضع أيضا.

وأمّا الموضع الثالث فهو أيضا كالثاني في انتفاء المحذورين عن المعنى الثالث بل محذور التفريع أيضا ، ويلائم هذا المعنى ما تعقّبه من قوله : « ويكون قدر ذلك » بل هو بنفسه كاف في إفادة هذا المعنى ولو كان جملة مستأنفة. إلاّ أنّه عن دلالة الاشتراط خال ، بل ظاهر لفظ : « ينبغي » الاستحباب ، فلا يصلح حجّة للاشتراط.

وأمّا الموضع الرابع فيزيد المحذور فيه للمعنى الأوّل بعدم اشتراط انتفاء الحائل في المرأة ولكن المحذورات الثلاثة للمعنى الثالث فيه مجتمعة ، وليس ارتكابها بأسهل من حمل نفي الصلاة مع الحائل في المرأة على ضرب من الكراهة أو إرادة انتفاء العلوّ.

هذا كلّه مع ما في إرادة البعد من المخالفة للشهرة العظيمة حيث إنّه لم ينقل التحديد بهذا القدر إلاّ عن الحلبي وابن زهرة (١).

والمعارضة مع إطلاق موثقة عمّار المتقدّمة (٢) في بيان جواز اقتداء المرأة مع الحائل ، بل ظاهرها حيث إنّ الطريق يكون ممّا لا يتخطّى غالبا.

__________________

(١) الحلبي في الكافي : ١٤٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٢) في ص ٦٢.

٦٨

والإجمال من حيث المبدإ ، فإنّ مبدأه لا يتعيّن هل هو من الموقف أو المسجد. ولا يفيد قوله : « إذا سجد » في الصحيحة ؛ لاحتمال تعلّقه بقوله : « قدر ذلك » كما يحتمل التعلّق بالجسد.

مع ما في الأوّل من الاستبعاد الواضح ـ كما صرّح به في المعتبر (١) ـ بل الامتناع ، إذ مع تقارب الموقفين بهذا القدر الّذي لا يزيد على شبرين غالبا لا يتمكّن المصلّي عن السجدة بل يكون مسجده محلّ ركبته أو ملاصقا معه.

وما في الثاني من عدم القائل ظاهرا ، فإنّ الظاهر أنّ من اعتبره اعتبره من الموقف. فتأمّل.

مع أنّ في الحمل على هذا المعنى إجمالا من جهة أخرى أيضا ، فإنّ معنى : « ما لا يتخطّى » ما لا يعتاد تخطّيه أو ما ليس من شأنه ذلك ، وهذا كما يمكن أن يكون من جهة الإفراط يمكن أن يراد من جهة التفريط ويكون المعنى : إذا كان بينهم ما لا يتخطّى من القلّة فلا صلاة لهم ، لعدم إمكان السجدة.

وظهر من جميع ذلك سرّ عدم اعتناء الأكثر في اعتبار مقدار البعد إلى الصحيحة.

وأمّا الثانية (٢) فلعدم العلم بصحّة روايات الدعائم وعدم انجبار هذه الرواية أيضا ، مضافا إلى قصور دلالتها أيضا لبعض ما تقدّم.

وإذ قد عرفت أنّ المستند في المسألة هو الإجماع خاصّة فاللازم فيما يتفرّع عليها الاقتصار على ما ثبت انعقاده عليه.

ومنه : مقدار البعد المبطل ، فيجب تحديده بما ثبت الإجماع على اشتراط انتفائه.

ولا يبعد انعقاده على ما يقال في العرف : إنّ هذا الصفّ بعيد كثيرا عن ذلك الصفّ ، إذ لا خلاف في البطلان به ، إلاّ ما حكي عن المبسوط من حكمه‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤١٩.

(٢) مراده (ره) من الثانية رواية الدعائم الّتي استدلّوا بها لمسألة عدم التباعد ، راجع ص ٦٦.

٦٩

بجواز التباعد بثلاث مائة ذراع (١) ، وعن الخلاف من تحديده البعد الممنوع منه بما يمنع من مشاهدة الإمام والاقتداء بأفعاله (٢). ومجرّد ذلك غير قادح في حكم الحدس بالإجماع. مع أنّ كلامهما كما صرّح به جماعة (٣) غير صريح بل ولا ظاهر في المخالفة ، فيكون البطلان به مجمعا عليه.

وهو الدليل له ، دون ما قيل من الأصل ، وعدم مصحّح للعبادة معه ؛ لأنّ الأصل يندفع بالإطلاقات ، وهي أيضا كافية في التصحيح.

والقول بعدم انصرافها إلى من يبعد بهذه المثابة واه ؛ لأنّ التحديد في ذلك موكول إلى الشرع ولا مدخليّة لغيره فيه ، فلا انصراف إلى حدّ قبل تحديده.

ولا يبطل بما دونه ؛ لما مرّ من الأصل والإطلاق المؤيّدين بالشهرة العظيمة الّتي ـ كما قيل ـ كادت أن تكون إجماعا (٤).

خلافا للمحكي عن الحلبي وابن زهرة (٥) ، فمنعا عن البعد بما لا يتخطّى ؛ للصحيحة والرواية المتقدّمتين (٦).

وقد عرفت ما في الاستناد إليهما من الإجمال في هذا اللفظ.

ولو استندا في التقدير فيهما بمسقط جسد الإنسان لأجبنا بعدم دلالة الصحيحة على وجوبه ؛ لإتيانه فيه بالجملة الخبرية. بل في الإتيان بقوله : « ينبغي » وضمّه مع تواصل الصفوف وتماميّتها دلالة واضحة على الاستحباب ، بل ـ كما قيل (٧) ـ هي أظهر من دلالة : « لا صلاة » على الفساد. مع أنّه إذا جعل المبدأ المسجد فلا يكون لهما كثير مخالفة مع المختار ـ سيّما مع احتمال إرادة مسقط تمام‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٦.

(٢) الخلاف ١ : ٥٥٩.

(٣) منهم الشهيد في الذكرى : ٢٧٢ ، وصاحبا الحدائق ١١ : ١٠٥ ، والرياض ١ : ٢٣٠.

(٤) الرياض ١ : ٢٣٠.

(٥) الحلبي في الكافي : ١٤٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٦) في ص ٥٥ ، و ٦٦.

(٧) الرياض ١ : ٢٣٠.

٧٠

جسد الإنسان حيث ينام مادّا رجليه ـ على أن يكون « إذا سجد » متعلّقا بالقدر.

ومنه : ما ذكروه من أنّه هل يشترط ذلك مطلقا كما عن الشهيدين (١) ، أم يختصّ بابتداء الصلاة خاصّة حتّى لو انتفى بخروج الصفوف المتخلّلة عن الاقتداء بظهور عدم اقتدائهم أوّلا أو عدولهم إلى الانفراد ثانيا أو انتهاء صلاتهم لم ينفسخ الاقتداء كما عليه جماعة (٢)؟

فيحكم بالثاني ، لأنّه المجمع عليه دون غيره.

ومنه : أنّه هل يجب على البعيد من الصفوف أن لا يحرم بالصلاة حتّى يحرم بها قبله من يزول معه التباعد ، أم لا ، بل يجوز لكلّ أحد من المأمومين الإحرام قبل كلّ من تقدّمه؟

فالمختار وفاقا لصريح جماعة (٣) وظاهر الأكثر : الثاني ؛ لعدم ثبوت الإجماع على مضرّة مثل ذلك البعد المشغول بمن يريد الاقتداء والمظنون انتفاؤه قبل الركوع أيضا ، مضافا إلى عدم تسميته بعدا عرفا ، وعدم دلالة الصحيحة على اشتراط انتفاء مثل ذلك أيضا لصدق الصفّ كما مرّ في الحائل ، واستمرار عمل الناس كلا سلفا وخلفا عليه وعدم انتظار كلّ لا حق من الصفوف لإحرام سابقة.

ومنه : ما إذا تجاوز طرف الصفّ المتأخّر عن مقابلة المتقدّم ، فيخلو مقابله عن المأموم إمّا مطلقا أو في مجرّد ذلك الصفّ ، أو كان وسط المتقدّم منقطعا بحوض أو أسطوانة أو نحوهما ، فهل تبطل صلاة من في طرف الصفّ أو مقابل الحوض من الصفّ المتأخّر؟

والحكم عدم البطلان ؛ لأنّ الثابت من الإجماع اشتراط انتفاء هذا البعد بين الصفّ المتأخّر والمتقدّم ولو كان المتقدّم أقلّ من المتأخّر ، بل ولو كان شخصا واحدا فيكون حكمه حكم الإمام ويكون قرب بعض من الصفّ المتأخّر إليه‌

__________________

(١) الشهيد الأول في البيان : ٢٣٥ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٧٠.

(٢) منهم السبزواري في الذخيرة : ٣٩٤ ، وصاحبا المدارك ٤ : ٣٢٣ ، والحدائق ١١ : ١٠٨.

(٣) منهم الشهيد في البيان : ٢٣٥ ، والشهيد الثاني في الروض : ٣٧٠ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٣١.

٧١

كافيا.

مضافا إلى ما مرّ من الصحيح (١) الدالّ على جواز الصلاة بين الأساطين الغير المنفكّة عن مثل ذلك غالبا ، واستمرار الأمّة عليه من جهة تخلّل الأساطين بين الصفوف.

ومنه : ما إذا توسّط بين الإمام والمأموم أو المأمومين بعضهم مع بعض ما يمنع التخطّي وكان أقلّ من البعد الممنوع ، كنهر أو بئر ، أو كان أحدهما في سطح وآخر في سطح آخر فلا يضرّ على المختار.

إلى غير ذلك من الفروع.

ومنها : عدم تقدّم المأموم على الإمام‌ بمعنى أن يكون أقرب إلى القبلة منه ، بالإجماع المحقّق والمحكي مستفيضا (٢) ، المؤيّد بطريقة الحجج وعمل الأمّة والشواهد الاعتبارية ، وتضمّن الأخبار الواردة في الجماعة قيام المأموم خلف الإمام أو جنبه (٣) ، فلو تقدّم المأموم بطلت صلاته.

ولا يجب تأخّره عنه ، على الحقّ المشهور ، بل عن التذكرة الإجماع عليه (٤) ؛ للأصل ، والإطلاقات ، ورواية السكوني المتقدّمة المصرّحة بصحّة صلاة كلّ من الشخصين الناويين أنّه إمام (٥) ، فإنّ مع اشتراط التأخّر لا يتصور ذلك.

وصحيحة محمّد : « الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه » (٦).

وغيرها ممّا يدل على استحباب وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام ، فإنّ القيام عن اليمين أعمّ من التساوي.

__________________

(١) المتقدم في ص ٦٠.

(٢) كما في التذكرة ١ : ١٧١ ، والمدارك ٤ : ٣٣٠ ، والمفاتيح ١ : ١٦١.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٤١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣.

(٤) التذكرة ١ : ١٧١.

(٥) راجع ص ٢٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٨٩ ، الوسائل ٨ : ٣٤١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١.

٧٢

ولا ينافيه جزؤها الآخر المتضمّن لقيام الأكثر من الواحد خلفه ؛ إذ لا يثبت من شي‌ء من روايته الزائد من الرجحان لمكان الجملة الخبرية. مضافا إلى أنّ المخالف في المقام أيضا لا يحمله على الوجوب بل يجعله من مستحبّات الموقف.

خلافا للمحكي عن الحلّي (١) ، فأوجب التأخّر بقليل ، لدليل عليل.

ثمَّ المعتبر في التقدّم والتساوي هو ما كان موردا للإجماع حيث إنّه دليل المسألة. والظاهر الإجماع على حصول التقدّم بتقدّم الأعقاب والأصابع جميعا حال القيام ، والركبتين والأليتين حال الجلوس ، والبطن والصدر في الحالين بمعنى اعتبار الجميع. ويساعده العرف والعادة اللذان حكّمهما جماعة (٢) في المقام للخلوّ عن البيان الشرعي ، فتجب مجانبة المأموم عن التقدّم بمجموع هذه ، ولا يضرّ التقدّم بالبعض.

ولا يضرّ تقدّم رأسه حالتي الركوع والسجود لطول قامته واستطالته في حال السجود ، أو الأعقاب خاصّة أو الأصابع أو الركبتين أو الأليتين كذلك ، أو تقدّم البطن أو الصدر.

خلافا لجماعة ، منهم : الذكرى والبيان والدروس والروضة (٣) ، فاعتبروا الأعقاب خاصة.

ولأخرى ، منهم : النهاية والمسالك وروض الجنان (٤) ، فاعتبروا الأعقاب والأصابع معا من غير التفات إلى غيرهما.

ولا دليل على شي‌ء منهما وإن كان الأخير أقرب إلى العرف.

فرع : تجوز استدارة المقتدين بإمام واحد حول الكعبة‌ بشرط أن لا يكونوا‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٧٧.

(٢) منهم السبزواري في الذخيرة : ٣٩٤ ، وصاحبا المدارك ٤ : ٣٣١ ، والرياض ١ : ٢٣٣.

(٣) لم نعثر عليه في الذكرى ، ولكنه موجود في التذكرة ١ : ١٧١ ، البيان : ٢٣٤ ، الدروس ١ : ٢٢٠ ، الروضة ١ : ٣٨١.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ١١٧ ، المسالك ١ : ٤٤ ، روض الجنان : ٣٧١.

٧٣

أقرب إلى الكعبة من الإمام ، وفاقا للمحكي عن الإسكافي والذكرى (١) مدّعيا عليه الأخير الإجماع ؛ للأصل والإطلاقات.

وخلافا للفاضل في جملة من كتبه (٢) ، فأوجب وقوف المأموم في الناحية الّتي فيها الإمام ، لوجه غير تامّ.

ومنها : أي من لوازم صلاة الجماعة : سقوط وجوب القراءة عن المأموم‌ في الجملة.

وتحقيق الحال فيها يستدعي بسط المقال برسم مسائل :

المسألة الأولى : لا قراءة واجبة على المأموم‌ الغير المسبوق في الأوليين من الصلوات الجهرية إذا سمع صوت الإمام.

إجماعا فتوى محقّقا ومحكيّا في الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة (٣) ، وفي السرائر نفي الخلاف عن ضمان الإمام القراءة (٤).

واتفاقا نصّا ، ففي صحيحتي الحلبي : « إذا صلّيت خلف إمام يؤتمّ به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع » (٥).

وزاد في إحداهما : « إلاّ أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ » (٦).

وعمر بن يزيد : عن إمام لا بأس به ، قال : « لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا » (٧).

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٦٠ ، الذكرى : ١٦٢.

(٢) منها التذكرة ١ : ١٧١ ، والقواعد ١ : ٤٦.

(٣) الخلاف ١ : ٣٣٩ ، المعتبر ٢ : ٤٢٠ ، المنتهى ١ : ٣٧٨ ، التذكرة ١ : ١٨٤.

(٤) السرائر ١ : ٢٨٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٤ ـ ١٢١ ، الوسائل ٨ : ٣٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٧ الصلاة ب ٥٨ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٥٥ ـ ١١٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ـ ١٦٥٠ ، الوسائل ٨ : ٣٥٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١.

(٧) الفقيه ١ : ٢٤٨ ـ ١١١٤ ، التهذيب ٣ : ٣٠ ـ ١٠٦ ، الوسائل ٨ : ٣١٣ أبواب صلاة الجماعة

٧٤

والبجلي : « أمّا الصلاة الّتي لم تجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه ، وأمّا الصلاة الّتي تجهر فيها فإنّما أمر بالجهر لينصت من خلفه ، فإن سمعت فأنصت وإن لم تسمع فاقرأ » (١).

وزرارة : « من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة » (٢).

واخرى : « وإن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئا في الأوليين ، وأنصت لقراءته ، ولا تقرأنّ شيئا في الأخيرتين ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول للمؤمنين ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ) يعني في الفريضة خلف الإمام ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) (٣) والأخيرتان تبع للأوليين » (٤).

وثالثة : « إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت وسبّح في نفسك » (٥).

ورواية المرافقي وأبي أحمد : « إذا كنت خلف الإمام تولاّه وتثق به فإنّه تجزيك قراءته ، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه ، فإذا جهر فأنصت ، قال الله سبحانه ( وَأَنْصِتُوا ) (٦).

والقصير : « إذا كان الرجل لا تعرفه يؤمّ الناس فقرأ القرآن فلا تقرأ واعتدّ بصلاته » (٧).

__________________

ب ١١ ح ١.

(١) الكافي ٣ : ٣٧٧ الصلاة ب ٥٨ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ـ ١١٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٧ ـ ١٦٤٩ ، الوسائل ٨ : ٣٥٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٧ الصلاة ب ٥٨ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٥٥ ـ ١١٥٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ ـ ٧٧٠ ، المحاسن : ٧٩ ـ ٣ ، مستطرفات السرائر : ٧٥ ـ ٢ ، الوسائل ٨ : ٣٥٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٤.

(٣) الأعراف : ٢٠٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٦٠ ، الوسائل ٨ : ٣٥٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٧ الصلاة ب ٥٨ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ـ ١١٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ـ ١٦٥١ ، الوسائل ٨ : ٣٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٦.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٣ ـ ١٢٠ ، الوسائل ٨ : ٣٥٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٥.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٧٥ ـ ٧٩٨ ، الوسائل ٨ : ٣١٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٢ ح ٤.

٧٥

وفي بعض النسخ : « فلا تقرأ واعتدّ بقراءته » مكان قوله : « فلا تقرأ واعتدّ بصلاته » والأوّل أصحّ.

وابن بشير : عن القراءة خلف الإمام قال : « لا ، إنّ الإمام ضامن ، وليس الإمام يضمن صلاة الّذين خلفه وإنّما يضمن القراءة » (١).

وموثقة يونس وفيها : « من رضيت به فلا تقرأ خلفه » (٢).

وصحيحة ابن سنان : « إن كنت خلف الإمام في صلاة لا تجهر فيها حتّى تفرغ وكان الرجل مأمونا على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأوليين » قال : « ويجزيك التسبيح في الأخيرتين » قلت : أيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال : « أقرأ فاتحة الكتاب » (٣).

وقتيبة : « إذا كنت خلف إمام ترضى به في صلاة تجهر فيها فلا تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك ، وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ » (٤).

وموثقة سماعة : عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته ولا يفهمون ما يقول ، فقال : « إذا سمع صوته فهو يجزيه ، وإذا لم يسمع قرأ لنفسه » (٥).

ورواية عبيد : « إن سمع الهمهمة فلا يقرأ » (٦).

والرضوي : « إذا صلّيت خلف إمام يقتدى به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أم لم تسمع ، إلاّ أن تكون صلاة تجهر فيها فلم تسمع فاقرأ » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٩ ـ ٨٢٠ ، وفي الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٤ ، والوسائل ٨ : ٣٥٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٣ ـ ١١٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ـ ١٦٥٣ ، الوسائل ٨ : ٣٥٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٥ ـ ١٢٤ ، الوسائل ٨ : ٣٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٧ الصلاة ب ٥٨ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٣ ـ ١٧٧ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ـ ١٦٥٢ ، الوسائل ٨ : ٣٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٤ ـ ١٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩ ـ ١٦٥٦ ، الوسائل ٨ : ٣٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٠.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٥٧ ، الوسائل ٨ : ٣٥٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٢.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٢٤ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٧ ح ١.

٧٦

وما ذكره الديلمي مرسلا قال : وروي « أنّ ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الإمام واجب » (١). إلى غير ذلك.

وكذا لا قراءة راجحة في الأوليين منها مع سماع الصوت بالإجماع ، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع (٢). بل الظاهر عدم الخلاف في مرجوحيّتها أيضا ، كما حكي عن التنقيح وروض الجنان (٣).

ويدلّ عليه عموم صحيحة زرارة الاولى ، وخصوص مرسلة الديلمي ، وضعفها منجبر بما ذكر ، وإن كان في دلالة البواقي نظر يظهر وجهه.

وهل هي على الحرمة؟ كما هو صريح المقنع والمبسوط والنهاية والتهذيب والاستبصار والوسيلة والغنية وآيات الأحكام للراوندي (٤) ، وابن نما والمسائل المهنّائية للفاضل وتحريره ومختلفه والمدارك والذخيرة (٥) ، وظاهر السيّد والخلاف والواسطة لابن حمزة والقاضي والحلّي والقواعد والتبصرة (٦) ، بل هي المشهور عند الطبقة الثالثة.

أم الكراهة؟ كما هي مختار الديلمي والمعتبر والشرائع والنافع والإرشاد (٧) والموجز والمحرّر والبيان واللمعة والنفلية (٨). وعن الدروس والروضة (٩) عليها‌

__________________

(١) المراسم : ٨٧.

(٢) التذكرة ١ : ١٨٤.

(٣) التنقيح ١ : ٢٧٢ ، روض الجنان : ٣٧٣.

(٤) المقنع : ٣٦ ، المبسوط ١ : ١٥٨ ، النهاية : ١١٣ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩ ، الوسيلة : ١٠٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، آيات الأحكام ١ : ١٤١.

(٥) المسائل المهنائية : ١٣٠ ، التحرير ١ : ٥٢ ، المختلف : ١٥٨ ، المدارك ٤ : ٣٢٣ ، الذخيرة : ٣٩٦.

(٦) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٤٠ ، الخلاف ١ : ٣٣٩ ، القاضي في المهذّب ١ : ٨١ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٨٤ ، القواعد ١ : ٤٥ ، التبصرة : ٣٨.

(٧) الديلمي في المراسم : ٨٧ ، المعتبر ٢ : ٤٢٠ ، الشرائع : ١ : ١٢٣ ، النافع : ٧١ ، الإرشاد ١ : ٢٧٢.

(٨) البيان : ٢٢٦ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٣٨١ ، النفلية : ٤١.

(٩) الدروس ١ : ٢٢٢ ، الروضة ١ : ٣٨١.

٧٧

دعوى الشهرة. وظاهر الفاضل في النهاية والمنتهى والتذكرة (١) وابنه في شرح الإرشاد والشهيد في جملة من كتبه : التردّد.

الحقّ هو الثاني.

لا لما قيل من ظهور التعبير في موثّقة سماعة المتقدّمة بالإجزاء في عدم المنع عن القراءة أصلا ، أو عدم كونه للحرمة ، فهي قرينة مقرّبة لاحتمال إرادة الاستحباب ممّا ظاهره الوجوب (٢) ؛ لمنع الظهور المذكور. ولو سلّم فإنّما هو في مثل قوله : يجزيك أن تفعل كذا ، لا في مثل : يجزيك فعل فلان.

ولا لصحيحة ابن يقطين : عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة ، قال : « لا بأس إن صمت وإن قرأ » (٣).

لكونها غير المسألة.

بل للأصل السالم عن معارضة ما يصلح لإثبات الحرمة بالمرّة ؛ لضعف دلالة ما جعلوه عليها حجّة. وهو : ما استدلّ به المخالف القائل بالحرمة.

وهو : الأمر بالإنصات المنافي للقراءة في الآية الكريمة ، وأربعة من الأخبار المتقدّمة.

والتصريح بأنّ القراءة موجبة للبعث على غير الفطرة في الصحيحة (٤) وبوجوب تركها في المرسلة (٥).

والنهي ـ الّذي هو حقيقة في التحريم ـ في باقي الأخبار السالفة.

ورواية ابن أبي خديجة الآتية الآمرة بالتسبيح.

المؤيّد كلّ ذلك بأدلّة الاحتياط وضمان الإمام للقراءة.

__________________

(١) نهاية الاحكام ٢ : ١٦٠ ، المنتهى ١ : ٣٧٨ ، التذكرة ١ : ١٨٤.

(٢) الرياض ١ : ٢٣١.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٤ ـ ١٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩ ـ ١٦٥٧ ، الوسائل ٨ : ٣٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١١.

(٤) وهي صحيحة زرارة الأولى ، المتقدّمة في ص ٧٥.

(٥) وهي مرسلة الديلمي ، المتقدّمة في ص ٧٧.

٧٨

ووجه الضعف : أمّا في الأوّل : فلعدم منافاة وجوب الإنصات لجواز القراءة ؛ لأنّه هو الاستماع للحديث ، كما ذكره أهل اللغة ، قال في الصحاح : الإنصات : السكوت واستماع الحديث (١).

وقال الثعلبي في تفسيره : وقد يسمّى الرجل منصتا وهو قارئ أو مسبّح إذا لم يكن جاهرا به ، ألا ترى أنّه قيل للنبي : ما تقول في إنصاتك؟ قال ، أقول : اللهم اغسلني من خطاياي. انتهى.

وأيضا فسّره به في الآية في الصحيحة (٢).

وهو يتحقّق مع القراءة أيضا ، سيّما إذا كانت خفيّة.

ولا ينافيه ما في صحيحة معاوية بن وهب : « إنّ عليّا كان في صلاة الصبح فقرأ ابن الكوّاء ـ وهو خلفه ـ آية ، فأنصت عليّ عليه‌السلام تعظيما للقرآن حتّى فرغ من الآية ، ثمَّ عاد في قراءته ، ثمَّ أعاد ابن الكوّاء فأنصت عليّ أيضا ثمَّ قرأ ، فأعاد ابن الكوّاء فأنصت عليّ » (٣).

فإنّه لو لم يكن الإنصات سكوتا لما كان يترك القراءة.

فإنّ القراءة لمّا كانت جهريّة لصلاة الصبح كانت منافية للاستماع ، فلعلّه لذلك قطع القراءة.

وكذا لا تنافيه مقابلته مع الأمر بالقراءة مع عدم السماع في صحيحة البجلي ، أو في الإخفاتية في رواية المرافقي ، أو مقارنته مع النهي عن القراءة سيّما مع تعليل النهي عنها بالأمر به في إحدى صحاح زرارة ، أو مع الأمر بالتسبيح في النفس في الأخرى ، كما قاله بعض الأجلّة. وجعل بعض هذه الأمور قرينة على إرادة السكوت من الإنصات وترك القراءة.

لأنّ مقتضى المقابلة عدم وجوب القراءة أو رجحانها مع السماع وفي‌

__________________

(١) الصحاح ١ : ٢٦٨.

(٢) وهي صحيحة زرارة الثانية ، المتقدّمة في ص ٧٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٥ ـ ١٢٧ ، الوسائل ٨ : ٣٦٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ٢.

٧٩

الجهريّة ، لا عدم جوازها ، فيكون المعنى : الراجح أو الواجب في الجهريّة مع السماع الاستماع سواء كان مع القراءة أو بدونها ، وفي الإخفاتيّة أو مع عدم السماع القراءة.

والمقارنة الأولى كانت مفيدة لو كان القرين نهيا مفيدا للحرمة ، وهو غير معلوم ، كما يأتي. فيمكن أن يكون المراد بيان كراهة القراءة أو عدم وجوبها ووجوب الإنصات. وكون التعليل للنهي غير معلوم ، فلعلّه للأمر بالإنصات بل هو كذلك. مع أنّ تعليل كراهة القراءة بوجوب الإنصات المتوقّف كماله على السكوت لا ضير فيه.

والثانية كذلك (١) لو كان الأمر بالتسبيح للوجوب ، وهو ليس كذلك لعدم وجوبه إجماعا.

فيمكن جمع القراءة مع الإنصات من دون تضادّ ومنافاة.

ويدلّ عليه أيضا ما يصرّح بجواز الذكر والدعاء في الركعتين الأوليين ، إمّا مطلقا كرواية أبي خديجة : « إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوليين ، وعلى الّذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر » (٢).

أو في خصوص الجهريّة كمرسلة الفقيه : أكون خلف الإمام وهو يجهر بالقراءة فأدعو وأتعوّذ؟ قال : « نعم فادع » (٣).

فإنّه لا تفاوت بين الذكر والدعاء وبين القراءة في المنافاة (٤) وعدمها.

ولذا جعل من يظنّ منافاة الإنصات للقراءة أخباره معارضة لهاتين الروايتين وبه أجاب عنها (٥) ، ثمَّ ردّ ضعفهما ـ لو كان ـ بأنّه ينجبر بما عن التنقيح من نسبة‌

__________________

(١) أي : والمقارنة الثانية ـ وهي مقارنة الإنصات مع الأمر بالتسبيح ـ كانت مفيدة لو كان ..

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٥ ـ ٨٠٠ ، الوسائل ٨ : ٣٦٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٤ ـ ١٢٠٨ ، الوسائل ٨ : ٣٦١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ٢.

(٤) في جميع النسخ توجد زيادة : للذكر والدعاء.

(٥) أي : وبهذا التعارض أجاب عن أخبار الإنصات.

٨٠