مستند الشّيعة - ج ٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-83-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٤٨

مطلقا امتنع.

فلو نوى الايتمام بالاثنين وأتمّ الصلاة جماعة إمّا بأنّ يتّفق الاثنان في الأفعال كأن يكونا إماما ومأموما ، أو بأن يتابع أحدهما بطلت صلاته ؛ لتركه الواجبات (١) في غير الجماعة المشروعة.

وكذا لو أتى بالأفعال معتقدا عدم مشروعيّتها ؛ لانتفاء القربة فيها.

ولو أتى بها معتقدا مشروعيّتها جهلا أو تقليدا لمن يجوّزه ، فالظاهر صحّة الصلاة ـ وإن بطلت الجماعة ـ إذا قصد بأصل الصلاة القربة ؛ إذ غايته زيادة نيّة فاسدة ، وإفسادها الفعل غير معلوم.

ويجب أيضا كون الواحد معيّنا حال النية.

فلو لم يتعيّن مطلقا كأحد هذين ، أو تعيّن بعد ذلك كالسابق بالركوع أو الجاهر صوته بالذكر بعد ذلك ، لم تصحّ الجماعة.

لا لما قيل من عدم دليل على الصحّة حينئذ (٢) ؛ لكفاية المطلقات أدلّة.

بل للأدلّة المذكورة.

والكلام في صلاته كما مرّ في تعدّد الإمام.

والقدر اللازم في التعيين هو التعيّن في الواقع مع إمكان المتابعة من المأموم ولو لم يتعيّن على المأموم ظاهرا ؛ لأنّه القدر المسلّم من الإجماع.

فلو نوى الاقتداء بزيد ولم يعرفه بعينه من بين الأشخاص المتعدّدة ، صحّت صلاته إذا أمكن متابعته بأن يكون هو إماما أو علم توافقهم. بخلاف ما لو كان بين جماعة منفردين ؛ لعدم إمكان المتابعة.

وكذا لو نوى الاقتداء بإمام هذه الجماعة إذا علم استجماعه للشرائط وإن لم يعرفه بعينه أو المصلّي جهرا إذا صلّى جماعة في ظلمة وجهر أحدهم بالصلاة.

ومنه تظهر كفاية الإشارة الذهنيّة ، كما إذا اقتدى خلف صفوف عديدة لا‌

__________________

(١) في « ق » : الواجب.

(٢) الرياض ١ : ٢٣٣.

٢١

يرى الإمام. والخارجية بطريق أولى ؛ للتعيّن الواقعي والظاهري.

ويظهر أيضا مراد القوم من قولهم بلزوم التعيين اسما أو وصفا أو ذهنا أو إشارة ، فإنّ مرادهم من الأوّلين ما إذا لم يتعيّن في الذهن أو الخارج عنده وإلاّ لم يحسن المقابلة وأمكن المتابعة وهو ظاهر ، فما عبّرنا به أحسن.

ولو اقتدى بمعيّن جامع للشرائط على أنّه زيد فبان أنّه عمرو ، ففي الروضة : البطلان (١) ، وفي الذخيرة : الصحّة (٢) ، وفي الحدائق : التردّد (٣).

والوجه : التفصيل بأنّه إن نوى الاقتداء والمتابعة لهذا الحاضر وإن ظنّ أنّه زيد من غير قصد زيد و(٤) لهذا الحاضر الّذي هو زيد ، صحّ الايتمام ؛ للمطلقات ، وعدم ثبوت إيجاب هذا الاختلاف للفساد.

وإن نوى الاقتداء بزيد وإن ظنّ أنّه الحاضر لم يصحّ ؛ لأنّ من اقتدى به لم يتابعه ومن تابعه لم يقتد به.

ولو شكّ في أثناء الصلاة أو بعدها فيما نوى من هذه الأقسام صحّت صلاته ؛ للشك في تحقّق ما يجب عليه بعد الانتقال عن المحلّ.

هذا في المأموم.

وأمّا الإمام فإن كانت الجماعة واجبة تجب عليه نيّتها كما مرّ في صلاة الجمعة.

وإن كانت مندوبة فلا تشترط في صحّة صلاته بالإجماع كما في التذكرة (٥) وكلام بعض الأجلّة ؛ للأصل ، وعدم تفاوت أفعاله مع المنفرد ، ولجواز الاقتداء به في أثناء الصلاة وهو لا يعلم اتّفاقا ، واقتداء الخثعميّة الّتي رأت النبي صلّى الله‌

__________________

(١) الروضة ١ : ٣٨٢.

(٢) الذخيرة : ٣٩٩.

(٣) الحدائق ١١ : ١١٩.

(٤) في « ق » و « ح » : أو.

(٥) التذكرة ١ : ١٧٤.

٢٢

عليه وآله مصليا وحده وعدم اطّلاعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ بعد غشيتها بقراءته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية من سورة الحجر (١).

ولا في إمامته ؛ لما ذكر أيضا ، لأنّها أمر لا يتوقّف تحقّقها منه على النيّة.

ولا في دركه ثواب الجماعة ، وفاقا لجماعة ، منهم : الفاضل والشهيدان والأردبيلي (٢) ؛ لمطلقات ترتب الثواب عليها ، وإنّما المتوقّف حصوله على النيّة ما توقف صحّته على القربة ، أو كان ذا وجهين ولم يرد الثواب على مطلقه كالأكل والشرب.

وقيل بالاشتراط فيه ؛ لقوله : « لكلّ امرئ ما نوى ».

وفيه : أنّه لا يدلّ على أنّه ليس له ما لم ينو.

نعم لو قصد بالايتمام جاها أو مالا أو كان مكرها فيه فالظاهر الإجماع على عدم الثواب ، ويدل عليه أيضا الخبر المذكور أيضا في الجملة.

وهل تصح صلاته وصلاة المأمومين إذا اطّلعوا على قصده؟

الظاهر نعم إذا قصد بأصل صلاته القربة ؛ لكون الجماعة خارجة عن الصلاة بالمرّة.

ولو صلّى اثنان وقال كلّ منهما بعد الفراغ : كنت مأموما لك ، أعادا الصلاة وجوبا. ولو قال : كنت إماما ، صحّت صلاتهما ؛ لرواية السكوني (٣) المصرّحة بالقسمين ، المنجبرة بعمل الأصحاب كافّة ، كما صرّح به جماعة مشعرين بدعوى الإجماع عليه (٤) ، والمعتضدة بالاعتبار.

__________________

(١) انظر الجامع لأحكام القران للقرطبي ١٠ : ٣١.

(٢) الفاضل في نهاية الاحكام ٢ : ١٢٧ ، الشهيد الأوّل في الذكرى : ٢٧١ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٧٦ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٣١٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٥ الصلاة ب ٥٦ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٠ ـ ١١٢٣ مرسلا ، التهذيب ٣ : ٥٤ ـ ١٨٦ ، الوسائل ٨ : ٣٥٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٩ ح ١.

(٤) روض الجنان : ٣٧٥ ، ومجمع الفائدة ٣ : ٣١٩ ، والذخيرة : ٣٩٩ ، والحدائق ١١ : ١٢١.

٢٣

واستشكال بعضهم في الأوّل لبعض التعليلات (١) ، غير صحيح بعد النصّ الكذائي.

* * *

__________________

(١) انظر جامع المقاصد ٢ : ٥٠٠.

٢٤

الفصل الثالث :

في شرائط الجماعة وآدابها ولوازمها‌

والكلام إمّا في الشرائط المختصّة بالإمام أو في غيرها ، فهاهنا بحثان.

البحث الأوّل : في الشرائط المختصّة بالإمام. وهي إمّا واجبة أو مستحبّة ، فهاهنا مقامان.

المقام الأوّل :

في شرائط الإمام الواجبة ، وهي أمور :

الأوّل : العقل ، فلا تصحّ إمامة المجنون المطبق ولا ذي الأدوار حال الجنون ، اتّفاقا ؛ له ، ولصحيحة زرارة : « لا يصلينّ أحدكم خلف المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، والمحدود ، وولد الزنا ، والأعرابي لا يؤمّ المهاجرين » (١).

ونحوها مرسلة الفقيه ؛ (٢).

وأبي بصير : « خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي » (٣).

ولا يضرّ اشتمالها على الجملة الخبرية أو المحتملة لها بعد الاتفاق على الحرمة ، فإنّها قرينة على إرادتها هنا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٥ الصلاة ب ٥٦ ح ٤ ، الوسائل ٨ : ٣٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٦ ، الوسائل ٨ : ٣٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٥ الصلاة ب ٥٥ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ ـ ١٦٢٦ ، الوسائل ٨ : ٣٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٥.

٢٥

وتصحّ من الأخير في حال الإفاقة ؛ للأصل ، والعمومات.

والمشهور كراهته ؛ لإمكان عروضه حال الصلاة ، وعدم أمنه عن الاحتلام حال الجنون ، بل روي أنّ المجنون يمني حال جنونه (١) ، ولذا قيل باستحباب الغسل له حال الإفاقة (٢).

وعن بحث الجمعة من التذكرة المنع لذلك (٣). وضعفه ظاهر.

الثاني : الإيمان بالمعنى الخاصّ‌ ، بالإجماع المحقّق والمحكي مستفيضا (٤) ، والنصوص المستفيضة ، وفي رواية زرارة : عن الصلاة خلف المخالفين ، فقال : « ما هم عندي إلاّ بمنزلة الجدر » (٥).

مضافة إلى عموم ما دلّ على بطلان عبادة المخالف (٦) ، وعدم الاعتداد بالصلاة خلفه والنهي عنها وأمر المؤتمّ به بالقراءة خلفه (٧) ، وفحوى ما دلّ على اعتبار العدالة بل صريحه على القول بفسق المخالف.

الثالث : العدالة ، بالإجماعين (٨) ، بل نقل بعض المخالفين إجماع أهل البيت عليه (٩).

وهو الحجّة في اشتراطها ، لا آية الركون (١٠) ؛ لعدم معلوميّة كون الايتمام‌

__________________

(١) لم نجد الرواية في كتب الأخبار ، ورواها مرسلة في الذخيرة : ٣٠٢ ، والحدائق ١٠ : ٤ ، واستدل العلامة في النهاية ١ : ١٧٩ لاستحباب الغسل للمجنون بقوله : لما قيل إنّ من زال عقله أنزل.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ١٧٩.

(٣) التذكرة ١ : ١٤٤.

(٤) كما في الخلاف ١ : ٥٤٩ ، والمعتبر ٢ : ٤٣٢ ، والتذكرة ١ : ١٧٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٣ الصلاة ب ٥٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦٦ ـ ٧٥٥ ، الوسائل ٨ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ١.

(٦) انظر الوسائل ١ : ١١٨ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩.

(٧) الوسائل ٨ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠.

(٨) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٠ ، والتذكرة ١ : ١٧٦.

(٩) هو أبو عبد الله البصري على ما ذكره الشيخ في الخلاف ١ : ٥٦٠ نقلا عن السيّد المرتضى ، ولم نجده في كتب العامّة الموجودة عندنا.

(١٠) هود : ١١٣.

٢٦

ركونا ، ومنع كون غير العادل مطلقا ظالما. ولا يدلّ قوله سبحانه ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (١) إلاّ على ظلم من تعدّى جميع الحدود أو أكثرها ، مع أنّها لو دلّت لدلت على النهي عن الايتمام بمن علم تعدّيه دون المجهول حاله وهو أخصّ من المدّعى.

ولا الأخبار ؛ إذ لم نعثر إلى الآن على خبر يتضمّن ذكر اشتراط العدالة فيه أو مانعيّة الفسق ، حتّى يمكن إثبات اشتراط العدالة بها بضميمة أصالة الفسق أو توقّف العلم بعدم المانع على ثبوت العدالة.

وإنّما المستفاد من الأخبار المنع عن الايتمام بالعاقّ للأبوين القاطع كما في صحيحة عمر بن يزيد (٢) ، أو المجاهر بالفسق والمجهول المحتمل لمجهول المذهب والاعتقاد بل فسّره به جماعة (٣) كمرسلتي حمّاد (٤) والفقيه (٥) ، أو المقارف للذنوب كرواية سعد بن إسماعيل عن أبيه (٦) ، أو المحدود كالمستفيضة (٧) ، أو شارب الخمر المحدود كالمروي في تفسير العيّاشي (٨) ، أو من لا يثق بدينه وأمانته كرواية أبي عليّ ابن راشد (٩) ، أو من لا يثق به من غير قيد كرواية المرافقي والنصري (١٠) ، أو من لا‌

__________________

(١) الطلاق : ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٨ ـ ١١١٤ ، التهذيب ٣ : ٣٠ ـ ١٠٦ ، الوسائل ٨ : ٣١٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ١.

(٣) منهم الفيض ره في الوافي ٨ : ١١٨٢ ، والمجلسي ره في البحار ٨٥ ـ ٢٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١٠٩ ، الوسائل ٨ : ٣١٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٦.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٨ ـ ١١١١ ، الوسائل ٨ : ٣١٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ٤.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٩ ـ ١١١٦ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٠ ، الوسائل ٨ : ٣١٦ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ١٠ ؛ بتفاوت يسير.

(٧) الوسائل ٨ : ٣٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٦ ، وص ٣٢٤ ب ١٥ ح ٣ ، و ٦.

(٨) لم نجد الرواية في تفسير العياشي.

(٩) الكافي ٣ : ٣٧٤ الصلاة ب ٥٥ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦٦ ـ ٧٥٥ ، الوسائل ٨ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(١٠) التهذيب ٣ : ٣٣ ـ ١٢٠ ، الوسائل ٨ : ٣٠٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦ ح ٥.

٢٧

لا يثق بدينه وتديّنه كالرضوي المنجبر (١) ، أو غير المأمون على قراءته الإخفاتية كصحيحة ابن سنان (٢).

ولا تثبت مانعيّة الفسق مطلقا من حسنة زرارة : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام صلّى خلف فاسق فلمّا سلّم وانصرف قام أمير المؤمنين عليه‌السلام فصلّى أربع ركعات لم يفصل بينهنّ بتسليم » الحديث (٣).

ولا من المروي عن أبي ذر : إمامك شفيعك إلى الله ، فلا تجعل إمامك سفيها ولا فاسقا (٤).

لمنع العموم أو الإطلاق في الفاسق في الأول حتّى يشمل الفاسق بواسطة الأصل أيضا فإنّه قضيّة في واقعة فلعلّه المجاهر أو المقارف للذنب ، مضافا إلى عدم صحّة صلاة من يتقدّم الحجّة.

ومنع إرادة إمام الجماعة من الإمام والنهي من قوله : « فلا تجعل » في الثاني. مع أنّه قول أبي ذر ولا حجّية فيه إلاّ إذا أخبر ، وإن ورد أنّه ليس أصدق لهجة منه (٥).

ولا من رواية زيد بن علي : « الأغلف لا يؤمّ القوم وإن كان أقرأهم لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها » (٦).

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٤ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٦٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٥ ـ ١٢٤ ، الوسائل ٨ : ٣٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٤ الصلاة ب ٥٥ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٦٦ ـ ٧٥٦ الوسائل ٧ : ٣٥٠ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٩ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٣ ، التهذيب ٣ : ٣٠ ـ ١٠٧ ، الوسائل ٨ : ٣١٤ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ٢.

(٥) البحار ٢٢ : ٣٢٩.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٨ ـ ١١٠٧ ، التهذيب ٣ : ٣٠ ـ ١٠٨ ، الوسائل ٨ : ٣٢٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٣ ح ١.

٢٨

حيث إنّ عموم التعليل يقتضي عدم جواز إمامة كلّ من ضيّع السنّة ومنه الفاسق.

لمنع الدلالة على الحرمة أوّلا ، وتقيّدها بتضييع أعظم السنّة ثانيا.

ولا من رواية إبراهيم بن شيبة : عن الصلاة خلف من يتولّى أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يرى المسح على الخفّين ، أو خلف من يحرّم المسح وهو يمسح ، فكتب إليّ : « إن جامعك وإيّاهم موضع فلم تجد بدّا من الصلاة فأذّن لنفسك وأقم فإن سبقك إلى القراءة فسبّح » (١). حيث دلّت على عدم جواز الصلاة خلف من يحرّم المسح على الخفّين وهو يمسح لقلّة (٢) مبالاته بالدين.

لجواز أن يكون ذلك لبطلان صلاته ببطلان طهارته.

ولا اشتراط العدالة (٣) من مرسلة الفقيه : « إمام القوم وافدهم فقدّموا أفضلكم » (٤).

والأخرى : « إن سركم أن تزكو صلاتكم فقدّموا خياركم » (٥).

وصحيحة زرارة : أصلّي خلف الأعمى؟ قال : « نعم إذا كان [ له ] من يسدّده وكان أفضلهم » (٦). حيث دلّت على وجوب تقديم الأفضل والخيار ومنع التقديم مع عدم الأفضليّة ، خرج ما أجمعوا فيه على عدم الوجوب فيبقى الباقي ومنه العادل الّذي هو أفضل من المجهول والفاسق.

لتوقّف تماميّته على ترجيح التخصيص من حمل الأمر على الندب وهو ممنوع. مع ما في الأوّل من الإجمال في معنى الإمام ، وما في الثاني من عدم الصراحة في‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٦ ـ ٨٠٧ ، الوسائل ٨ : ٣٦٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ٢.

(٢) في ه‍ : لعدم.

(٣) أي : ولا يثبت اشتراط العدالة ..

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٠ ، الوسائل ٨ : ٣٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٦ ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠١ ، الوسائل ٨ : ٣٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٦ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٥ الصلاة ب ٥٦ ح ٤ ، الوسائل ٨ : ٣٣٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٢١ ح ٥ ؛ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٢٩

الوجوب المطلق ، للتعليق على ما يمكن منع وجوبه. مع أنّه قد يكون المجهول أو الفاسق أعلم وأقرأ ، ومفضوليّته عن العادل الفاقد للوصفين غير مسلّم.

ولا مانعيّة الأوّل واشتراط الثاني بوجوب الاقتصار فيما يخالف أصالة عدم وجوب المتابعة وسقوط القراءة ونحوها بالقدر المتيقن ، وباقتضاء الشغل اليقيني بالصلاة البراءة اليقينيّة الغير الحاصلة من الاقتداء بغير العادل ، وبورود المنع عن إمامة بعض المبتلين بالعيوب الجسمية فالمبتلى بالنفسانية منها أولى بالمنع.

لزوال الأصل وحصول اليقين بالمطلقات بل العمومات ، ومنع الأولويّة المدّعاة.

والحاصل : أنّه لا يثبت من الأخبار سوى اشتراط انتفاء عقوق الوالدين وقطيعة الرحم والمجاهرة بالفسق والمقارفة للذنوب ، ووجود الوثوق بالدين والتديّن به والأمانة.

ومساوقة الأخير للعدالة ـ كما قيل (١) ـ غير ثابتة ؛ إذ المعلوم منه الاطمئنان بمذهبه وبتمسّكه به وبالأمانة دون الزائد منه.

فلم يبق إلاّ الإجماع ، والثابت منه أيضا ليس إلاّ ما هو المتّفق عليه بين الكلّ في اشتراطه في العدالة دون ما هو معنى ذلك اللفظ ؛ إذ لم يثبت الاتّفاق على اشتراط ما هو معناه ، ولم يذكر أكثر المتقدّمين خصوص ذلك اللفظ سيّما في هذا المقام.

ومن جميع ما ذكر يظهر أنّه لا تترتّب ثمرة على تحقيق معنى العدالة وما به تعرف في ذلك المورد وإن أثمر في موضع آخر ، بل اللازم الأخذ بالمجمع على اشتراطه. والظاهر تحقّقه بمن جمع فيه ما مرّت استفادته من الأخبار ، فهو الشرط في إمام الصلاة ، كما صرّح به بعض المتأخّرين منّا بل جعله الحزم في الدين ، قال : والحزم أن لا تصلّي خلف من لا تثق بدينه وأمانته (٢). انتهى.

__________________

(١) انظر مجمع الفائدة ٢ : ٣٥٧.

(٢) المفاتيح ١ : ١٩.

٣٠

وحاصله أن لا يكون مجاهرا بالفسق ، أي معلنا بالمعصية من ترك واجب أو فعل محرّم عاصيا جهرا. ولا مقارفا للذنوب أي جنسها المتحقّق بمقارفة ذنوب متعدّدة ، ضرورة أنّ المراد منها ليس ما هو معنى الجمع المحلّى من مقارفة جميع الأفراد ، لعدم الإمكان ، واشتهار استعمال مثل ذلك اللفظ فيمن يصدر عنه معاصي متعددة. ولا غير موثوق به أصلا أي لم يتحقّق نوع من الوثوق به. ولا غير موثوق بدينه وأمانته بخصوصه. ومأمونا على قراءته.

والشرط عدم العلم بالمجاهرة ولا المقارفة ولو بعد الفحص ، وحصول الوثوق بما يحصل به.

ولا تنافيه رواية القصير : « إذا كان الرجل لا تعرفه يؤمّ الناس ويقرأ القرآن فلا تقرأ خلفه واعتدّ بصلاته » (١).

لأنّ شهادة لسان حال المأمومين كافية في تعريفه وتوثيقه.

ولا ما دلّ على الاكتفاء في الشاهد أو معرفة العدالة بأقلّ من ذلك ؛ لعدم الملازمة.

ولا يخفى أنّ ما ذكرناه لا يقصر عن العدالة سيّما ببعض معانيها الّذي اعتبره أكثر الطبقتين الاولى والثالثة من ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق كالأولى (٢) ، أو حسن الظاهر كالثانية (٣). بل يزيد بعد اشتراط الفحص الممكن. وغرضنا أنّه لا حاجة إلى تحقيق معنى العدالة وما تعرف به في هذا المقام. وطريق الاحتياط واضح وقد أفلح من سلكه.

الرابع : طهارة المولد ، بأن لا يعلم كونه ولد الزنا ، بالإجماع ؛ وهو الدليل عليه.

وتدلّ عليه الصحيحتان والمرسلة المتقدّمة في الشرط الأوّل. ولا يضرّ‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٥ ـ ٧٩٨ ، الوسائل ٨ : ٣١٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٢ ح ٤.

(٢) انظر الإشراف ( مصنفات الشيخ المفيد ٩ ) : ٢٥ ، والشيخ في الاستبصار ٣ : ١٤ ، والخلاف ٢ : ٥٩١.

(٣) منهم صاحب المدارك ٤ : ٦٦ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٠٢ ، والكفاية : ٢٩.

٣١

اشتمالها على الجملة الخبرية ؛ لأنّها فيها للحرمة لتضمّنها المجنون المحرّم إمامته إجماعا ، فلا يمكن التجوّز بالمرجوحيّة الإضافيّة أو أقليّة الثواب ، وعدم إمكان إرادة المرجوحيّة المطلقة لكونها عبادة ، ويأتي توضيحه أيضا في مسألة المجذوم والأبرص.

وتؤيّده صحيحة محمّد : « خمسة لا يؤمّون الناس ولا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة : الأبرص ، والمجذوم ، وولد الزنا ، والأعرابي حتّى يهاجر ، والمحدود » (١).

والمرويان في السرائر وتفسير العيّاشي :

الأوّل : « لا ينبغي أن يؤمّ الناس ولد الزنا » (٢).

والثاني : « لا يؤمّ ولد الزنا بالناس ، لم يحمله نوح في السفينة وقد حمل فيها الكلب والخنزير » (٣).

ولا بأس بإمامة من تناله الألسن ، ولا ولد الشبهة ، ولا مجهول الأب ؛ للأصل وإن كره جماعة إمامة هؤلاء (٤).

الخامس : البلوغ‌ ، فلا تصحّ إمامة الطفل لغيره ؛ للأصول المتقدّمة. إن كان غير مميّز بالاتّفاق ، وإن كان مميّزا على الأظهر الأشهر ، وعن صوم المنتهى نفي الخلاف عنه (٥).

لأنّه لا يؤمن أن يخلّ بشي‌ء من الشروط أو الواجبات وإن كان ثقة ، لعلمه بعدم تكليفه ، ولأنّ الإمام ضامن ولا يصلح للضمان إلاّ المكلّف ، ولرواية إسحاق ابن عمّار المنجبر ضعفها ـ لو كان ـ بما مرّ : « لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٥ ، الوسائل ٨ : ٣٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٤.

(٢) مستطرفات السرائر : ١٤٥ ـ ١٧ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٦. بتفاوت يسير.

(٣) تفسير العياشي ٢ : ١٤٨ ـ ٢٨ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٦٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٣ ح ٥.

(٤) كما في التذكرة ١ : ١٧٧ ، ونهاية الأحكام ٢ : ١٤٣ ، والذكرى : ٢٣١ ، والمدارك : ٤ : ٧٠.

(٥) المنتهى ١ : ٣٢٤.

٣٢

ولا يؤمّ حتى يحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه » (١).

ويؤيّده اشتراط بعض الصفات الغير المعلوم تحقّقه في الصبي ، ونزول مرتبته عن القيام بهذا المنصب الجليل ، وعدم شرعيّة صلاته على المشهور.

خلافا للمحكي عن الخلاف والمبسوط (٢) ، فأجاز إمامته إذا كان مراهقا عاقلا ، مدّعيا عليه الإجماع ، وعن التنقيح حكاية القول به عن السيّد (٣) ، واختاره في الحدائق (٤) ، ومال إليه الأردبيلي والسبزواري (٥) بعض الميل.

للإجماع المنقول ، والمطلقات ، ولرواية غياث : « لا بأس بالغلام الّذي لم يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم » (٦). وطلحة : « لا بأس أن يؤذّن الغلام الّذي لم يحتلم [ و ] أن يؤمّ » (٧).

وموثّقه سماعة : « يجوز صدقة الغلام ، وعتقه ، ويؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين » (٨).

وإجماعهم موهون بالمعارضة بالمثل ومصير الأكثر حتّى الشيخ في التهذيبين والنهاية والاقتصاد إلى الخلاف (٩) مع أنّه ليس بحجّة.

والمطلقات بما مرّ مقيّدة ، مع أنّ المتبادر منها البالغ.

والأخبار بالشذوذ فلا تصلح لمقابلة ما مرّ.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٦٩ ، التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ١٦٣٢ ، الوسائل ٨ : ٣٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٧.

(٢) الخلاف ١ : ٥٥٣ ، المبسوط ١ : ١٥٤.

(٣) التنقيح ١ : ٢٧٤.

(٤) الحدائق ١٠ : ٤.

(٥) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٢٤٤ ، السبزواري في الكفاية : ٢٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٦ الصلاة ب ٥٦ ح ٦ ، الوسائل ٨ : ٣٢١ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٣.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ١٠٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ ـ ١٦٣٣ ، الوسائل ٨ : ٣٢٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٨ ؛ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٨) الفقيه ١ : ٣٥٨ ـ ١٥٧١ ، الوسائل ٨ : ٣٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٥.

(٩) التهذيب ٣ : ٢٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ ، النهاية : ١١٣.

٣٣

مع أنّ المذكور في الأوليين الغلام الغير المحتلم ، وهو لا يستلزم عدم البلوغ ، لجواز حصوله بالإنبات أو السنّ. وهذا وإن كان جاريا في رواياتنا إلاّ أنّها محمولة على غير البالغ إجماعا.

وأيضا المذكور فيهما نفي البأس فلعلّه عن الغلام إذ ليس عليه تكليف ، والإمامة في الثانية مطلقة فلعلّها للأطفال.

والثالثة مخالفة للإجماع ؛ إذ لم يقل أحد منّا بهذا التقدير فلا يفيد. بل وكذا عموم الأوليين ؛ لتقييد المخالف بالمراهق.

وللمحكي عن القواعد والدروس والذكرى (١) ، فأجازا إمامته في النوافل خاصّة لبعض الوجوه الاعتبارية. وعموم النصّ يدفعه.

وهل تجوز إمامته لمثله؟

جوّزه جماعة (٢) ، ولا بأس به.

وعن الإسكافي وفخر المحقّقين في إشكالاته (٣) وابن فهد في موجزه : أنّ غير البالغ إذا كان مستخلفا للإمام الأكبر كالولي لعهد المسلمين يكون إماما وليس لأحد أن يتقدّمه فتجوز إمامته.

قيل : لأنّ هذا الصبي يكون بمنزلة الإمام وهو صالح للرئاسة العامّة وهو معصوم ، فلأن يكون إماما في الصلاة أولى ، وكأنّ من لم يستثنه عوّل على الظهور. انتهى.

ولا يخفى أنّه غير المتنازع فيه ، فإنّ الكلام في الرعيّة ، وليس علينا التكلّم في أحكام الإمام.

السادس : الذكورة إذا كان المأموم ذكرا أو ذكرا وأنثى ، فلا تجوز إمامة المرأة‌

__________________

(١) القواعد ١ : ٤٥ ، الدروس ١ : ٢١٩ ، الذكرى : ٢٦٦.

(٢) كما في الدروس ١ : ٢١٩ ، وروض الجنان : ٣٦٤.

(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٥٣ ، فخر المحققين في الإيضاح ١ : ١٤٩.

٣٤

لرجل ، باتفاق العلماء كما عن المعتبر (١) ، بل بالإجماع المحقّق والمحكي في التذكرة والمفاتيح وشرحه وعن المنتهى وروض الجنان والذكرى (٢) ، وغيرها (٣) ؛ وهو الدليل عليه.

مضافا إلى التأيّد بالنبوي المشهور (٤) والمرتضوي المروي في الدعائم (٥) ـ اللذين ضعفهما بالعمل مجبور ـ : « لا تؤمّ المرأة رجلا ».

وإنّما جعلناهما مؤيّدين لاحتمال الجملة المنفية الغير الصريحة في التحريم.

قيل : مجازها إمّا نفي الجواز أو الاستحباب أو وجود الكراهة المصطلحة ، والثلاثة يستلزم الحرمة ، وأمّا إرادة المرجوحية الإضافيّة أو أقليّة الثواب فهي مجاز مرجوح غير متبادر إلى الذهن أصلا ، فلا معنى لحمل اللفظ عليه بدون قرينة مجوّزة لا أقلّ.

وفيه : شيوع هذا التجوّز في الأوامر والنواهي والجملة الخبرية المستعملة في العبادات. نعم لو كانت الجملة واردة في مورد السؤال لأمكن القول ببعد هذا التجوز كما يأتي.

وأمّا إمامتها للمرأة فجائزة في النوافل الجائزة فيها الجماعة بلا خلاف أجده ، بل بالإجماع كما عن جماعة (٦) ؛ وتدل عليه النصوص المستفيضة العامّة والخاصّة الآتية.

وفي الفرائض على المشهور كما صرّح به جماعة (٧) ، بل عن صريح الخلاف‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٣٨.

(٢) التذكرة ١ : ١٧٧ ، المفاتيح ١ : ١٦٠ ، المنتهى ١ : ٣٧٣ ، الروض : ٣٦٥ ، الذكرى : ٢٦٧.

(٣) كالرياض ١ : ٢٣٦.

(٤) سنن البيهقي ٣ : ٩٠ بتفاوت يسير.

(٥) الدعائم ١ : ١٥٢ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٦٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ١ ، ( بتفاوت يسير ).

(٦) الشيخ في الخلاف ١ : ٥٦٢ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٧ ، البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٧) العلاّمة في المختلف : ١٥٤ ، الشهيد الأوّل في البيان : ٢٣١ ، الشهيد الثاني في روض الجنان :

٣٥

والتذكرة وظاهر المعتبر والمنتهى الإجماع عليه (١).

للمطلقات ، والمستفيضة الصريحة أو الظاهرة في خصوص المسألة :

منها : النبوي العامي : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أمّ ورقة أو تؤمّ أهل دارها وجعل لها مؤذّنا (٢).

ورواية الصيقل : كيف تصلّي النساء على الجنائز إذا لم يكن معهنّ رجل؟ قال : « يقمن جميعا في صفّ واحد ولا تتقدّمهنّ امرأة » قيل : ففي صلاة مكتوبة أيؤمّ بعضهنّ بعضا؟ قال : « نعم » (٣).

ومرسلة ابن بكير : عن المرأة تؤمّ النساء؟ قال : « نعم تقوم وسطا بينهنّ ولا تتقدّمهنّ » (٤).

وموثقة سماعة : عن المرأة تؤمّ النساء؟ قال : « لا بأس به » (٥).

وصحيحة علي : عن المرأة تؤمّ النساء ، ما حدّ رفعها صوتها بالقراءة؟ قال : « قدر ما تسمع » (٦).

ونحوها رواية ابن يقطين (٧) ، والمروي في قرب الإسناد وزاد فيه : عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة والنافلة؟ قال : « لا إلاّ أن تكون امرأة تؤمّ‌

__________________

٣٦٧.

(١) الخلاف ١ : ٥٦٢ ، التذكرة ١ : ١٧١ ، المعتبر ٢ : ٤٢٧ ، المنتهى ١ : ٣٦٨.

(٢) كنز العمال ٨ : ٣٠٦ ـ ٢٣٠٤٤.

(٣) الفقيه ١ : ١٠٣ ـ ٤٧٩ ، الوسائل ٣ : ١١٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٥ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٥ ، الوسائل ٨ : ٣٣٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٠.

(٥) التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١١ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٤ ، الوسائل ٨ : ٣٣٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١١.

(٦) الفقيه ١ : ٣٦٣ ـ ١٢٠١ ، التهذيب ٣ : ٢٦٧ ـ ٧٦١ ، الوسائل ٨ : ٣٣٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٧ ؛ بتفاوت يسير.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٦٧ ـ ٧٦٠ ، الوسائل ٦ : ٩٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣١ ح ١.

٣٦

النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها » (١).

خلافا للمحكي عن الإسكافي والجعفي والسيّد (٢) ، فمنعوا فيها ـ وقد ينسب إلى الأخيرين المنع مطلقا (٣) ـ واختاره بعض الأجلّة كما قيل ، وهو ظاهر الصدوق بل الكليني (٤) ، وعن المختلف نفي البأس عنه (٥) ، وفي المدارك نوع ميل إليه (٦) ، وفي الاستبصار احتماله (٧).

وهو المختار ؛ للمستفيضة من الأخبار كصحيحة هشام : عن المرأة هل تؤمّ النساء؟ فقال : « تؤمّهنّ في النافلة ، فأمّا في المكتوبة فلا ، ولا تتقدّمهنّ ، ولكن تقوم وسطهنّ » (٨).

وبمضمونها صحيحة سليمان بن خالد (٩).

ورواية الحلبي : « المرأة تؤمّ النساء في الصلاة تقوم وسطا منهنّ ويقمن عن يمينها وشمالها ، تؤمّهنّ في النافلة ولا تؤمّهنّ في المكتوبة » (١٠).

وصحيحة زرارة : المرأة تؤمّ النساء؟ قال : « لا ، إلاّ على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها » (١١).

__________________

(١) قرب الاسناد : ٢٢٣ ـ ٨٦٧ ، الوسائل ٦ : ٩٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣١ ح ٣.

(٢) حكاه في المختلف : ١٥٤ ، عن الإسكافي والسيد ، وفي المفاتيح ١ : ١٦٠ عن الجعفي.

(٣) انظر الكفاية : ٣٠ للمحقّق السبزواري.

(٤) الصدوق في الفقيه ١ : ٢٥٩ ، الكليني في الكافي ٣ : ٣٧٦ الصلاة ب ٥٧.

(٥) المختلف : ١٥٤.

(٦) المدارك ٤ : ٣٥٣.

(٧) الاستبصار ١ : ٤٢٧.

(٨) الفقيه ١ : ٢٥٩ ـ ١١٧٦ ، التهذيب ٣ : ٢٠٥ ـ ٤٨٧ ، الوسائل ٨ : ٣٣٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١.

(٩) الكافي ٣ : ٣٧٦ الصلاة ب ٥٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ ـ ٧٦٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٦ ، الوسائل ٨ : ٣٣٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٢.

(١٠) التهذيب ٣ : ٢٦٨ ـ ٧٦٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٧ ـ ١٦٤٧ ، الوسائل ٨ : ٣٣٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٩.

(١١) التهذيب ٣ : ٢٦٨ ـ ٧٦٦ ، الوسائل ٨ : ٣٣٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٣.

٣٧

والمروي في الدعائم : « لا تؤمّ المرأة بالرجال ولا تصلّي بالنساء » (١).

وحملها على الكراهة فاسد ؛ لعدم تعقّلها بالمعنى المصطلح في العبادة بل عدم قول بها بالمرّة ، لأنّ المجوّزين يستحبّونها كلا كما صرّح به في الخلاف والمنتهى (٢).

وإرادة المرجوحيّة الإضافيّة أو أقليّة الثواب في المقام بعيدة ، بل هي عند الذهن السليم غير محتملة ، فإنّ السؤال عن مثل ذلك غير معهود.

وجعل النافلة والمكتوبة صفة للجماعة خلاف الظاهر المتبادر بل بعيد غايته ، مع أنّه في الأخيرين غير محتمل أصلا.

فهذه لما مرّ معارضة وهي من غير الأوليين منه خاصّة مطلقة سواء قلنا فيه بالإطلاق أو العموم من جهة ترك الاستفصال ، فتخصيصه بها لازم. مع أنّ الثلاثة الأخيرة منه ليس بمطلق أيضا كما لا يخفى ، بل وكذا السابقتين عليهما ، لعدم اشتمالهما على لفظ الصلاة حتى تكون مطلقة بالنسبة إلى النافلة والفريضة بل جوّز الإمامة وهي بالنسبة إليهما مجملة فيحكم بالمفصّلة.

وجعل الزيادة في الأخير مشعرة أو دالّة على العموم ـ كما قيل (٣) ـ باطل ؛ إذ لا إشعار فيها أصلا ، فإنّ السؤال عن جهرهنّ في الفريضة والنافلة ، والجواب بنفيه إلاّ إذا كان إماما لا يشعر بجواز الإمامة فيهما بوجه.

ونفي أعمّية أخبار الجواز وإجمالها لظهورها في الفريضة لكونها أظهر الأفراد فتختصّ بها ، مردود بأنّه إنّما هو إذا تضمّنت لفظ الصلاة حتى ينصرف إلى أظهر أفرادها وليس كذلك.

سلّمنا ، ولكن نمنع الظهور المدّعى ، كيف؟! والنافلة أكثر من الفريضة.

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٥٢ وفيه : لا تؤم المرأة الرجال وتصلّي بالنّساء .. ورواها في المستدرك ٦ : ٤٦٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ١.

(٢) الخلاف ١ : ٥٦٢ وفيه : يستحلّ للمرأة .. ، ولكن بدله في الطبعة المحقّقة ج ١ ص ٥٦٢ : يستحبّ .. ؛ المنتهى ١ : ٣٦٨.

(٣) الرياض ١ : ٢٣٦.

٣٨

وممّا ذكر ظهر رفع توهّم عدم جواز هذا التخصيص لإيجابه خروج أكثر الأفراد ، حيث إنّه لا يبقى إلاّ النافلة المجوّزة فيها الجماعة كالعيدين والاستسقاء والغدير على قول. مع أنّ بطلان خروج الأكثر عن المطلق ليس بمعلوم.

ثمَّ مع تسليم الجميع غايته التعارض بالتساوي. فإن رجّحنا المانعة بالأصحيّة سندا والأصرحيّة دلالة والمخالفة للعامة كما يأتي ، وإلاّ فيرجع إلى الأصول. وهي مع المنع دون الجواز ؛ لمنع عموم شامل للامرأة أيضا ، بل المذكور في الأخبار إمّا الرجل أو ما بمعناه أو الإمام المتوقّف صدقه على المرأة على جواز إمامتها.

ومنه يظهر ضعف الاستدلال بالمطلقات.

كما أنّ منه ومن سابقة يظهر الجواب عن الأوليين ، فإنّ غايتهما التعارض مع دليل المنع والرجوع إلى الأصل لعدم الترجيح أو تحقّقه للمانع.

وترجيح المجوّز بالاعتضاد بالشهرة ، والإجماعات المنقولة ، والمخالفة لأكثر العامّة ، واتّصاف المانع بالشذوذ والندرة ، ودلالته على تجويز الجماعة في مطلق النافلة وهي باطلة إلاّ بالتخصيص بما تجوز فيه الجماعة وهي نادرة غاية الندرة ، باطل.

لعدم صلاحيّة الأوّلين للترجيح.

ومنع الثالث ، بل الأمر بالعكس ، لأنّ الجواز قول الأئمّة الأربعة (١) ، ونقل عن عائشة وأمّ سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور ونافع وعمر بن عبد العزيز (٢) ، إلاّ أنّ بعضهم قال بالكراهة وهي للجواز ونفي البأس غير منافية بل المنع ينافيها ؛ ولم ينقل المنع في الفرائض إلاّ عن الشعبي والنخعي وقتادة (٣) ، فمن يتّقى عنه في طرف الجواز مع الكراهة أو بدونها.

__________________

(١) انظر الام ١ : ١٦٤ ، وبداية المجتهد ١ : ١٤٥ ، وبدائع الصنائع ١ : ١٥٧.

(٢) كما في المغني ٢ : ٣٦ ، والام ١ : ١٦٤.

(٣) المغني ٢ : ٣٦.

٣٩

ومنع الرابع جدّا ، كيف؟! مع أنّ مثل الفحول المذكورين إمّا يفتون بمقتضاها أو يجوّزون الفتوى به ، ومثل ذلك بعيد عن حيّز الشذوذ بمراحل عديدة ، بل لا نعلم من القدماء في الطرف الآخر أكثر منهم.

ولزوم الخامس لو كان الأخبار منساقة لبيان ما تجوز فيه الجماعة من النافلة ، وليس كذلك ، بل هي شارحة لمن يصلح للإمامة ، فلا حكم فيها لإطلاق النافلة.

هذا كلّه مع ما في النبوي من الضعف لأجل العامية ـ والانجبار بالعمل لا يفيد إلاّ في أخبارنا المروية ـ وكونه قضيّة في واقعة فلا يعلم شموله للفريضة ولعلّها كانت في صلاة العيد. وجعل المؤذّن لها لا يفيد ؛ لأنّ الأذان لغة الإعلام ، وثبوت الحقيقة الشرعية في هذا الوقت غير معلوم ، فلعلّ المراد به ما يؤذن به لصلاة العيد من قول المؤذّن : « الصلاة » ألا ترى أنّه ورد في الأحاديث وكلمات الفقهاء أنّ المؤذّن يقول : « الصلاة » ثلاثا (١) ، وأنّ المؤذّنين يمشون بين يدي الإمام في الاستسقاء (٢).

بل يمكن منع العموم أو الإطلاق في رواية الصيقل أيضا ؛ لاحتمال كون إضافة الصلاة إلى المكتوبة للعهد وإرادة صلاة الجنازة بقرينة تقدّم السؤال عنها ، حيث إنّه عليه‌السلام لمّا أجاب بما يظهر منه جواز إمامة النساء في الجنائز مع أنّها صلاة مكتوبة أي واجبة استدرك السائل وقال : أفي هذه الصلاة الواجبة؟

السابع : تمكّنه من القيام في الصلاة إن كان المأمومون قائمين‌ ، فلا تجوز إمامة القاعد للقائم ، إجماعا محقّقا ومحكيّا عن الخلاف والسرائر والتذكرة وظاهر المنتهى وصريح الحدائق (٣) ؛ وهو الدليل عليه.

وتؤيّده مرسلة الفقيه : « صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأصحابه‌

__________________

(١) الوسائل ٧١ : ٤٢٨ أبواب صلاة العيد ب ٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٥ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١.

(٣) حكاه عنهم في الرياض ١ : ٢٣٥ وهو في الخلاف ١ : ٥٤٤ ، وانظر السرائر ١ : ٢٨١ ، التذكرة ١ : ١٧٧ ، المنتهى ١ : ٣٧١ ، الحدائق ١١ : ١٩٣.

٤٠