مستند الشّيعة - ج ٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-83-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٤٨

يقض فيها ، لعموم قوله : « من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته » (١). ولأصالة عدم التعيين.

ولا يتخير في هذه الأماكن في قضاء ما فاتته في غيرها ، لما مرّ ، ولاختصاص التخيير بحكم التبادر بالصلوات الأدائية.

ح : الأفضل في المواطن الأربعة الإتمام ، كما يستفاد من الأخبار المذكورة تصريحا وتلويحا.

المسألة الثانية : لو أتمّ من يجب عليه التقصير عالما بوجوب التقصير عامدا في الإتمام تجب عليه الإعادة‌ مطلقا سواء كان في الوقت أو خارجه. والظاهر أنّه متّفق عليه بين الأصحاب ، ونقل في التذكرة اتّفاقهم عليه أيضا (٢).

ويدلّ عليه عدم صدق الامتثال ، وصحيحة زرارة ومحمّد : رجل صلّى في السفر أربعا ، أيعيد أم لا؟ قال : « إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعا أعاد ، وإن لم يكن قرئت [ عليه ] ولم يعلمها فلا إعادة عليه » (٣).

وصحيحة الحلبي : صلّيت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر ، فقال : « أعد » (٤).

وظهورها في النسيان لكون الحلبي أجلّ شأنا من أن يفعل ذلك عمدا غير ضائر ، إذ وجوب الإعادة مع النسيان يستلزمها مع العمد بالطريق الأولى.

ومفهوم صحيحة ليث المرادي : « إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر ، فإن صامه بجهالة لم يقضه » (٥).

وفي المروي في الخصال : « ومن لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته لأنّه قد زاد‌

__________________

(١) عوالي اللئالي ٢ : ٥٤ ـ ١٤٣ ، وج ٣ : ١٠٧ ـ ١٥٠.

(٢) التذكرة ١ : ١٩٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٦ ـ ٥٧١ ، الوسائل ٨ : ٥٠٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٤ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٢ : ١٤ ـ ٣٣ ، الوسائل ٨ : ٥٠٧ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٨ الصيام ب ٥٠ ح ٣ ، الوسائل ١٠ : ١٨٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٦.

٣٢١

في فرض الله عزّ وجلّ » (١).

والرضوي « وإن كنت صلّيت في السفر صلاة تامّة فذكرتها وأنت في وقتها فعليك الإعادة ، وإن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شي‌ء عليك ، وإن أتممتها بجهالة فليس عليك فيما مضى شي‌ء ولا إعادة عليك إلاّ أن تكون قد سمعت الحديث » (٢).

وضعفه غير ضائر ، لانجباره بالشهرة العظيمة.

وإن لم يكن عامدا فإمّا يكون جاهلا أو ناسيا ، فهاهنا مقامان.

المقام الأوّل : أن يكون جاهلا.

فالحقّ المشهور بين الأصحاب عدم وجوب الإعادة مطلقا لا في الوقت ولا في خارجه ، بل عليه الإجماع عن ظاهر جملة من عبارات الأصحاب (٣) ، لصحيحتي زرارة ومحمّد وليث المتقدّمة.

خلافا للعماني (٤) فيعيد مطلقا ، للأصول ، وإطلاق صحيحة الحلبي ورواية الخصال المتقدّمتين.

ويجاب عن الجميع بأعمّيته ممّا مرّ مطلقا فيجب تخصيصه به ، مضافا إلى ظهور صحيحة الحلبي في الناسي.

وللمحكي عن الإسكافي والحلبي (٥) فيعيد في الوقت خاصة ، لإطلاق صحيحة العيص : عن رجل صلّى وهو مسافر فأتمّ الصلاة ، فقال : « إن كان في وقت فليعد ، وإن كان الوقت قد مضى فلا » (٦).

__________________

(١) الخصال : ٦٠٤ ، الوسائل ٨ : ٥٠٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٨.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٢ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٣٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ٢.

(٣) حكاه في الرياض ١ : ٢٥٧.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٦٤.

(٥) عن الإسكافي في المختلف : ١٦٤ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١١٦.

(٦) الكافي ٣ : ٤٣٥ الصلاة ب ٨٣ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ١٦٩ ، ٣٧٢ ، ٣ : ٢٢٥ ـ ٥٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ـ ٨٦٠ ، الوسائل ٨ : ٥٠٥ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ١.

٣٢٢

ويجاب عنه : بأنّها وإن كانت أعمّ من وجه من صحيحة زرارة ومحمّد باعتبار اختصاص الاولى بالإعادة في الوقت واختصاص الثانية بالجاهل ، إلاّ أنّها أعمّ مطلقا من الرضوي المنجبر الناصّ بعدم الإعادة في الوقت باعتبار التفصيل القاطع للشركة فيجب تخصيصها به.

بل نقول : إنّه يجمع بين الصحيحتين أيضا بتخصيص الاولى بالناسي بشهادة الرضوي.

هذا إذا حملنا الإعادة على اللغوية ، ولو حملناها على مصطلح الأصوليين لكانت أعم مطلقا من صحيحة زرارة ومحمّد أيضا ويجب تخصيصها بها.

هذا مضافا إلى ندرة هذا القول وشذوذه الموجب لخروج ما يدلّ عليه من الحجيّة.

فرعان :

أ : هل الحكم يختص بالجاهل بوجوب التقصير عن أصله ، أو يتعدّى إلى الجاهل ببعض أحكام السفر‌ ككثير السفر المنقطع كثرة سفره بالإقامة أو العاصي بسفره الراجع عن العصيان في الأثناء ونحوهما؟

الظاهر : الأوّل وفاقا لأكثر من صرّح بالمسألة ، للأصل ، واختصاص الصحيحة به ، بل دلالة عموم قوله : « إن كان قرئت عليه .. » على الإعادة في غير الجاهل بالأصل.

وبذلك يخصّ عموم الجهالة لو قلنا به في صحيحة ليث والرضوي ، مع أنّ الرضوي ضعيف غير مجبور في المورد.

فتوقّف الفاضل في النهاية لا وجه له (١) ، وكذا ما نقله في الحدائق (٢) عن بعض مشايخه المحقّقين في شرحه على المفاتيح من معذورية الجاهل في جميع ما يتعلّق بالقصر والإتمام ، لعدم الدليل.

__________________

(١) نهاية الاحكام ٢ : ١٨٤.

(٢) الحدائق ١١ : ٤٣٦.

٣٢٣

والاشتراك في العلّة وهو الجهل يضعّف بعدم معلومية كونه فقط علّة ، ولذا لا يعذرونه في غير المورد.

ب : لو صلّى من فرضه التمام قصرا جهلا أعاد وجوبا وقتا وخارجا‌ ، لعدم صدق الامتثال.

ونسب في الحدائق (١) إلى بعض مشايخه القول بالصحة وبالمعذورية هنا مطلقا أيضا ، لصحيحة منصور : « إذا أتيت بلدة وأزمعت المقام عشرة فأتم الصلاة ، فإن تركه [ رجل ] جاهلا فليس عليه الإعادة » (٢).

وصحيحة محمّد بن إسحاق : عن امرأة كانت معنا في السفر وكانت تصلّي المغرب ركعتين ذاهبة وجائية ، قال : « ليس عليها قضاء » أو : « إعادة » (٣) على اختلاف الروايات.

ولا يخفى أنّ الثانية ـ مع اختصاصها بصلاة المغرب ـ شاذّة كما صرّح به الشيخ ولم ينقل القول بمدلولها عن متقدّم ولا متأخّر ، ونسبة الذخيرة (٤) القول بمعذورية المقصّر في موضع التمام إلى الجامع غير ثابت فطرحها أو تأويلها لازم.

وأمّا الأولى وإن عمل بمدلولها صاحب الجامع كما في الحدائق واستوجهه بعينه ، واستحسن العمل بها في موردها في الذخيرة (٥) ، إلاّ أنّها مخصوصة بما لو قصّر جهلا بعد نيّة الإقامة الموجبة للتمام ، فالتعدّي إلى غير هذه الصورة لا وجه له. نعم لا بأس في العمل بها في هذه الصورة المخصوصة ، لعدم وجود معارض لها. والأحوط القضاء حينئذ أيضا ، لعدم نسبة القول بمضمونها إلى غير من ذكر.

__________________

(١) الحدائق ١١ : ٤٣٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢١ ـ ٥٥٢ ، الوسائل ٨ : ٥٠٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٣. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الفقه ١ : ٢٨٧ ـ ١٣٠٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٦ ـ ٥٧٢ ، ٣ : ٢٣٥ ـ ٦١٨ ، الاستبصار ١ : ٢٢٠ ـ ٧٧٩ ، الوسائل ٨ : ٥٠٧ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٧.

(٤) الذخيرة : ٤١٤.

(٥) الحدائق : ١١ : ٤٣٦ ، الذخيرة : ٤١٤.

٣٢٤

المقام الثاني : أن يكون ناسيا للقصر فأتمّ نسيانا.

وهو يعيد في الوقت خاصة لا مع خروجه ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع في ظاهر التذكرة (١) ، وعن صريح الانتصار والخلاف والسرائر (٢) ، وفي الأخير زاد دعوى تواتر الأخبار عليه ، ونحن لم نقف منها إلاّ على الرضوي الدالّ على المطلوب صريحا كما تقدّم ، وصحيحة العيص السابقة المثبتة له إطلاقا أو عموما ، ورواية أبي بصير : عن الرجل ينسى فصلّى في السفر أربع ركعات ، قال : « إن ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وإن لم يذكر حتّى يمضي اليوم فلا إعادة عليه » (٣).

وهذه الأخبار كافية في المقام.

ولا يضرّ ضعف الأوّل ولا شمول الثاني للعامد والجاهل أيضا ، لانجبار الأوّل بما ذكر ، واختصاص عموم الثاني بغيرهما بما سبق فيهما.

كما لا يضرّ ما أورد على الثالث من أنّ المراد بذلك اليوم إن كان بياض النهار خاصة يكون حكم العشاء مهملا ، وإن كان النهار والليل كان مخالفا للمشهور.

لأنّا نقول : إنّ مقتضى الحقيقة الأوّل والإشارة ليوم الفعل أي في اليوم الّذي فعل كذا ، ولا يجب بيان حكم جميع الصلوات في جميع الروايات غاية الأمر استفادة حكم صلاة العشاء من غير تلك الرواية من الأخبار أو الإجماع المركّب ، مع أنّ كون التعبير بـ : « ذلك اليوم » كناية عن الوقت ممكن كما قيل (٤).

خلافا للمحكي عن والد الصدوق والمبسوط (٥) ، فقالا : يعيد مطلقا ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٩٣.

(٢) الانتصار : ٥٢ ، الخلاف ١ : ٥٨٦ ، السرائر ١ : ٣٢٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨١ ـ ١٢٧٥ ، التهذيب ٣ : ١٦٩ ـ ٣٧٣ ، ٣ : ٢٢٥ ـ ٥٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ـ ٨٦١ ، الوسائل ٨ : ٥٠٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٢.

(٤) الحدائق ١١ : ٤٣٣.

(٥) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ١٦٤ ، وقال في المبسوط ١ : ١٣٨ : إذا صلّى المسافر فسها فصلّى أربعا بطلت صلاته ، ولكن قال في ص ١٣٧ : ومن نسي في السفر فصلّى صلاة مقيم لم يلزمه‌

٣٢٥

لإطلاق صحيحة الحلبي السابقة أو عمومه الحاصل من ترك الاستفصال.

وأجيب تارة بالحمل على العامد ، واخرى بالتقييد بالوقت.

وردّ الأوّل باستبعاده عن مثل الحلبي ، والثاني بأنّ السؤال عن الترك في السفر والجواب بعد السفر ، فهو خارج الوقت قطعا.

ويمكن دفعه بأنّه إذا حملت على السؤال عن الواقعة الحادثة ، ولو حملت على المفروضة ـ كما هو الشائع في الأخبار ـ فلا يرد شي‌ء منهما.

والأولى أن يجاب أنّها معارضة في خارج الوقت مع ما مرّ ، وهو راجح بالأشهرية رواية وفتوى والأصرحية والأحدثية ، لأنّ الرضوي متأخّر.

وللمقنع ، فيعيد إن ذكر في يومه ، فإن مضى اليوم فلا إعادة (١) ، لرواية أبي بصير المتقدّمة.

فإن أراد باليوم الوقت ـ كما احتمله بعضهم (٢) ـ فلا خلاف ، وإن أراد الأعم فلا دلالة للرواية على مطلوبة لأنّها إمّا ظاهرة في المشهور أو مجملة ، فلا تفيد.

ولا يلحق من نسي الإتمام الواجب عليه فقصّر بذلك ، للأصل ، وخصوص الرضوي : « وإن قصّرت في قريتك ناسيا ثمَّ ذكرت وأنت في وقتها أو غير وقتها فعليك قضاء ما فاتك منها » (٣).

والظاهر عموم حكم الناسي لجميع من فرضه القصر فأتمّ سواء كان ناسيا للحكم أو للسفر أو لبعض أحكام السفر كالمكاري المقيم عشرة ، لإطلاق الروايات.

المسألة الثالثة : لو دخل الوقت في الحضر وكان المصلّي قادرا على الصلاة‌

__________________

الإعادة إلاّ إذا كان الوقت باقيا فإنه يعيد.

(١) المقنع : ٨٣.

(٢) انظر الحدائق ١١ : ٤٣٣.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٣.

٣٢٦

تماما ولم يصلّ وسافر قبل خروج الوقت بحيث أدرك منه ركعة فصاعدا ، قصّر اعتبارا لحال الأداء ، على المنصور المشهور كما صرّح به جماعة (١) ، وعن السرائر الإجماع عليه (٢) ، وهو مذهب السيّد في المصباح وعليّ بن بابويه والمفيد والحلّي والمحقّق (٣).

للعمومات الكثيرة الكتابية والخبرية ، وخصوص صحيحة إسماعيل بن جابر : يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أصلّي حتّى أدخل أهلي ، فقال : « صلّ وأتمّ الصلاة » ، قلت : فدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلّي حتّى أخرج ، فقال : « صلّ وقصّر وإن لم تفعل فقد خالفت ـ والله ـ رسول الله » (٤).

وصحيحة محمّد : الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس ، قال : « إذا خرجت فصلّ ركعتين » (٥).

ورواية الوشّاء : « إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتمّ ، فإذا خرجت بعد الزوال فقصّر العصر » (٦).

دلّت على وجوب قصر العصر بالخروج بعد الزوال وإن دخل وقته.

والاحتجاج بهذه الرواية للقول الثاني ـ كما فعله بعضهم (٧) ـ غريب ، إذ‌

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) السرائر ١ : ٣٣٣.

(٣) كما نقله الحلي في السرائر ١ : ٣٣٤ ، وحكاه عن علي بن بابويه والمفيد في المختلف : ١٦٥ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٣٤ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٤٨٠.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٣ ـ ١٢٨٨ ، التهذيب ٣ : ١٦٣ ـ ٣٥٣ ، ٣ : ٢٢٢ ـ ٥٥٨ ، ٢ : ١٣ ـ ٢٩ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ ـ ٨٥٦ ، الوسائل ٨ : ٥١٢ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٣٤ الصلاة ب ٨٢ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٧٩ ـ ١٢٦٧ ، التهذيب ٣ : ٢٢٤ ـ ٥٦٦ ، الوسائل ٨ : ٥١٢ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٣٤ الصلاة ب ٨٣ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٦١ ـ ٣٤٨ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ ـ ٨٥٤ ، الوسائل ٨ : ٥١٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ١٢.

(٧) كالعلامة (ره) في المختلف : ١٦٦.

٣٢٧

ليس فيها إلاّ الأمر بإتمام الظهر ، ولكنّه إنّما هو حال كونه في المصر حين إرادة السفر في العصر.

والرضوي : « وإن خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة ولم تصلّ حتّى خرجت فعليك بالتقصير ، وإن دخل عليك وقت الصلاة وأنت في السفر ولم تصلّ حتّى تدخل أهلك فعليك التمام » (١).

خلافا للمحكي عن العماني والمقنع والفاضل في جملة من كتبه وفخر المحقّقين والمسالك والروضة ونسبه في روض الجنان إلى المشهور بين المتأخّرين (٢) ، فيجب عليه الإتمام.

للاستصحاب ، وتحصيل البراءة اليقينية ، وصحيحة محمّد : عن رجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق قال : « يصلّي ركعتين ، وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعا » (٣).

ورواية النبّال : « لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعا غيري وغيرك ، وذلك أنّه قد دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج » (٤).

وموثقة الساباطي : إذا زالت الشمس وهو في منزله ثمَّ يخرج في سفر قال : « يبدأ بالزوال فيصلّيها ثمَّ يصلّي الاولى بتقصير ركعتين ، لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضره الاولى » وسئل : فإن خرج بعد ما حضرت الاولى ، قال : « يصلّي‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٢ ـ ١٦٣ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٤١ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١.

(٢) المختلف : ١٦٥ عن العماني ، المقنع : ٣٧ ، الفاضل في المختلف : ١٦٥ ونهاية الإحكام ٢ : ١٦٤ ، والتحرير ١ : ٥٧ ، فخر المحققين في الإيضاح ١ : ١٥٨ ، المسالك ١ : ٥٠ ، الروضة ١ : ٣٧٦ ، روض الجنان : ٣٨٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٤ ـ ١٢٨٩ ، التهذيب ٣ : ٢٢٢ ـ ٥٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٩ ـ ٨٥٣ ، الوسائل ٨ : ٥١٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٤ الصلاة ب ٨٣ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ١٦١ ـ ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ ـ ٨٥٥ ، الوسائل ٨ : ٥١٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ١٠.

٣٢٨

[ الأولى ] أربع ركعات ثمَّ يصلّي بعد النوافل ثمان ركعات لأنّه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى ، فإذا حضرت العصر صلّى العصر بتقصير وهي ركعتان لأنّه خرج في السفر قبل أن تحضر العصر » (١).

والمروي في مستطرفات السرائر عن كتاب جميل : في رجل نسي الظهر والعصر في السفر حتّى دخل أهله ، قال : « يصلّي أربع ركعات » وقال لمن نسي الظهر والعصر وهو مقيم حتّى يخرج قال : « يصلّي أربع ركعات في سفره » وقال : « إذا دخل على الرجل وقت صلاة وهو مقيم ثمَّ سافر صلّى تلك الصلاة الّتي دخل وقتها عليه وهو مقيم أربع ركعات في سفره » (٢).

والمروي في البحار عن كتاب محمّد الحضرمي : إذا خرج الرجل مسافرا وقد دخل وقت الصلاة كم يصلّي؟ قال : « أربعا » قال ، قلت : فإن دخل وقت الصلاة وهو في السفر؟ قال : « يصلّي ركعتين قبل أن يدخل أهله ، وإن وصل المصر فليصلّ أربعا » (٣).

وللمحكي عن الصدوق في الفقيه ونهاية الشيخ وموضع من المبسوط (٤) ، فقالا بالتفصيل بين ضيق الوقت عن التمام فالأوّل وسعته فالثاني.

للجمع بين الفريقين ، وموثّقة إسحاق بن عمّار (٥) ، ومرسلة الحكم بن مسكين : في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال : « إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتمّ ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨ ـ ٤٩ ، الاستبصار ١ : ٢٢٢ ـ ٧٨٥ ، الوسائل ٤ : ٨٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٣ ح ١. وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) مستطرفات السرائر : ٤٦ ـ ٥ ، الوسائل ٨ : ٥١٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ١٣ و ١٤.

(٣) البحار ٨٦ : ٥٥ ـ ١٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٤ ذيل الحديث ١٢٨٩ ، النهاية : ١٢٣ ، المبسوط ١ : ١٤١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٢٣ ـ ٥٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ ـ ٨٥٧ ، الوسائل ٨ : ٥١٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٦.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٤ ـ ١٢٩٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٣ ـ ٥٦٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ـ ٨٥٨ ، الوسائل

٣٢٩

وكون موردهما صورة دخول الوقت في السفر وإيقاع الصلاة في الحضر لا يضرّ ، لاشتراك العلّة المستفادة من التفصيل بين عدم خوف الخروج وخوفه.

وللمحكي عن الخلاف ، فخيّر مع استحباب التمام (١) ، ونسبه بعضهم إلى الإسكافي أيضا ولكن من غير استحباب التمام ، واحتمله في كتاب الحديث (٢).

للجمع بين روايات المسألة ، ولأنّه القاعدة بعد التعادل وعدم الترجيح ، ولصحيحة منصور : « إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتّى يدخل أهله فإن شاء قصّر وإن شاء أتمّ ، والإتمام أحبّ إليّ » (٣).

وظاهر الذخيرة وبعض آخر التوقّف بين القولين الأوّلين (٤) ، لتعارض الصحيحين فيهما واحتمال حمل كلّ منهما على الآخر.

أقول : لا يخفى أنّه لو سلّم تعارضهما وتكافؤهما من جميع الوجوه يلزم المصير إلى التخيير ، لأنّه القاعدة عند المجتهدين عند التعادل.

ومنه يظهر سقوط الخلاف الأخير.

كما يسقط القول المتقدّم عليه بقصور أدلّته جدّا.

أمّا الأوّل فلعدم انحصار وجه الجمع بذلك كما يأتي ، مع أنّه ينافي ذلك الجمع ما في صحيحة ابن جابر المتقدّمة من الحلف بالله أنّه لو لم يقصّر فقد خالف رسول الله.

وأمّا الثاني فلأنّ الرجوع إلى التخيير إنّما هو بعد اليأس عن الترجيح ، ولا يأس هنا كما يأتي ، مع أنّه لا يقتضي استحباب التمام.

وأمّا الثالث فلأنّ مورده المسألة الآتية ، أعني القدوم عن السفر ، دون ما‌

__________________

٨ : ٥١٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٧.

(١) الخلاف ١ : ٥٧٨.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢٣ ذيل الحديث ٥٦٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٣ ـ ٥٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ـ ٨٥٩ ، الوسائل ٨ : ٥١٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٩.

(٤) الذخيرة : ٤١٥ ، وانظر الحدائق ١١ : ٤٨٠.

٣٣٠

نحن فيه ، وتلازمهما حكما غير معلوم. مع أنّها في موردها أيضا غير تامّة كما يأتي.

مع تجويز إرادة أنّه إن شاء صلّى في الطريق فقصّر وإن شاء صلّى في الأهل فأتمّ ، كما حمله عليها الفاضل (١) ، ويقربها صحيحة محمّد : في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة ، فقال : « إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل فليتمّ ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ وليقصّر » (٢).

واحتماله التقية ، لأنّه ـ كما نقله في الحدائق عن بعض مشايخه (٣) ـ مذهب بعض العامة.

ويظهر من بعض ما ذكر قصور دليل القول المتقدم على ذلك القول أيضا ، لعدم انحصار الجمع بما ذكراه ، وورود الموثّقة في عكس المسألة ، وعدم دلالة الشرط على كونه فقط هو العلّة فلعلّه علّة في مورد الموثّقة فإنّ الشرط مغاير للسبب ، هذا مع احتمالها ما دلّت عليه صحيحة محمّد السابقة من التفصيل بين الصلاة في الطريق والمنزل بل ذلك الاحتمال مساو مع الاحتمال الآخر ، لعدم دلالتها على الأزيد من إرادة القدوم لا حصوله.

ومنه يظهر سقوط ذلك القول أيضا فبقي القولان الأوّلان.

وقد يرجّح الثاني بكون أخباره أخص مطلقا من أخبار الأوّل ، إذ أخبار الأوّل أعم من أن يدخل وقت الصلاة ويمضي كاملة الشرائط في الحضر ليحصل استقرارها في الذمة ـ كما هو محلّ البحث ومحطّ أنظار أرباب القول الأوّل ـ أو يدخل الوقت من غير أن يمضي ذلك المقدار ، وأخبار الثاني مخصوص بالأوّل ضرورة عدم وجوب التمام لو لم يمض هذا القدر فيجب تخصيص الأوّل بالثاني. مع أنّ صحيحة محمّد مخصوصة بنفسها بذلك ، لأنّه الظاهر من قوله : « حين تزول‌

__________________

(١) المختلف : ١٦٥.

(٢) التهذيب ٣ : ١٦٤ ـ ٣٥٤ ، الوسائل ٨ : ٥١٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٨.

(٣) الحدائق ١١ : ٤٨٠.

٣٣١

الشمس ».

وفيه ـ بعد منع خصوصيّة أخبار الثاني من هذه الجهة ، لأنّها أيضا أعمّ من الخروج قبل مضي وقت الصلاة كاملة الشرائط ، والاختصاص بدليل من خارج لا يقتضي خصوصية الخبر ـ : أنه لو سلّم عموم الأوّل من هذه الجهة فلا شك أنّ الثاني أيضا عام من جهة الخروج عن محل الترخّص وعدمه ، فيتعارضان بالعموم من وجه دون المطلق ، بل يظهر من ذلك أنّ الأوّل أخص مطلقا لأنّ إخباره صريحة في دخول الوقت في المنزل ، ولا شكّ أنّ الخروج إلى محل الترخّص بعد دخول الوقت في المنزل يستلزم مضيّ وقت الصلاتين غالبا بل وأكثر ، ولا أقلّ من إحداهما قطعا ، مع أنّ قوله في صحيحة ابن جابر : « فلا أصلّي حتّى أخرج » كالصريح في تمكّنه قبل الخروج من الصلاة.

مع أنّ التخصيص المذكور لا يلائم تأكيد الحكم بالقسم في الصحيحة ، لأنّ الظاهر منه رفع ما يتوهّم من وجوب التمام أو جوازه ، وليس هو إلاّ بعد مضي وقت الصلاة كاملة الشرائط.

وعلى هذا فيكون الأوّل أخصّ مطلقا من الثاني فيجب تخصيصه به ، مضافا إلى ترجيح الأوّل بموافقة عموم قوله سبحانه ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ) (١) وبالأحدثية ، لاشتماله على الرضوي ورواية الوشّاء عن الرضا عليه‌السلام ، وهما من المرجّحات المنصوصة ، وبنقل الإجماع ، والأشهريّة فتوى كما صرّح به جماعة منهم المحقّق (٢) ، بل رواية لعدم تماميّة غير صحيحة محمّد حجّة للقول الثاني : أمّا رواية النّبال فلعدم معلوميّة محل الخروج ، فلعلّ موضع تكلّمه عليه‌السلام ـ أي الشجرة ـ كان ما دون حدّ الترخّص ، ولعلّه كان هناك شجرة معهودة وأراد أنّا لم نخرج عن حدّ الترخص ونريد الصلاة حينئذ فيجب علينا الأربع بخلاف الباقين فإنّهم قد تجاوزوا ، وحمل الشجرة على مسجد الشجرة لا دليل‌

__________________

(١) النساء : ١٠١.

(٢) النافع : ٥٢ ، المعتبر ٢ : ٤٨٠.

٣٣٢

عليه.

وأمّا الثلاثة المتعقّبة لها فلعدم دلالتها على الوجوب ، مضافا إلى تفرقة الموثقة بين وقتي الفضيلة والإجزاء أو الإجزاء والاختيار ، وهي في أحد حكميها موافقة للقول الأوّل وفي الآخر للثاني فلا ترجيح لجعلها دليلا على الثاني.

وضعف الأخيرتين سندا. فتبقى أدلّة القول الأوّل سليمة عن المعارض المقاوم. وبها يخرج عن الاستصحاب أيضا.

وقد يدفع أيضا بأنّه إن أريد استصحاب نفس الحضر فهو قد انقطع ، وإن أريد استصحاب حكمه فتعلّق الإتمام به عينا ممنوع ، ومخيّرا في إيقاعها في أجزاء الوقت يستلزم تخييره بين ما يستتبعه كلّ جزء ، فقد يصير تكليفه الصلاة بالتيمم وغير ذلك (١).

وفيه : أنّ المستصحب هو وجوب التمام التخييري بين أجزاء الزمان ، وهو وإن استلزم التخيير بين ما يستتبعه ولكن الشك فيما يستتبعه.

وأمّا الاستدلال بحصول اليقين بالتمام ففساده ظاهر ، لأنّ القصر والإتمام ماهيتان مختلفتان.

ومن ذلك يظهر سقوط القول الثاني أيضا ، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله في صحيحة محمّد : « يدخل من سفره » أي يشرف عليه وكأنّ في الإيراد بصيغة المضارع إعانة على ذلك ، وكذلك المراد من : « خرج إلى سفره » أراد الخروج وأشرف عليه.

المسألة الرابعة : لو دخل عليه الوقت في السفر ولم يصلّ حتى دخل منزله فالمشهور بين المتأخّرين بل مطلقا ـ كما قيل ـ وجوب الإتمام‌ ، وهو الأقوى ، فيعتبر أيضا حال الأداء ، وبه قال جمع ممّن قال في المسألة السابقة باعتبار حال الوجوب ، أو توقّف كالفاضل والشهيدين وصاحب الذخيرة (٢).

__________________

(١) انظر : غنائم الأيام : ١١٨.

(٢) الفاضل في المختلف : ١٦٧ ، والشهيدين في البيان : ٢٦٤ ، والروض : ٣٩٨ ، الذخيرة : ٤١٥.

٣٣٣

لصحيحة إسماعيل والرضوي وصحيحة محمّد الثالثة المتقدّمة جميعا (١) ، وصحيحة العيص : عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثمَّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها ، قال : « يصلّيها أربعا » وقال : « لا يزال يقصّر حتى يدخل بيته » (٢).

ويدلّ عليه أيضا مفهوم الغاية في الأخبار المتكثرة من الصحاح وغيرها الناطقة بأنّ المسافر يقصّر حتى يدخل بيته أو أهله أو منزله (٣).

والأقوال المخالفة في هذه المسألة أيضا كسابقها.

فقيل : يقصّر ، ولكنه مجهول القائل بل غير معلوم الوجود إذ نقله الشهيد في الذكرى ، وفي كلامه دلالة واضحة على أنّ فيه سهوا منه أو من النسّاخ (٤).

وقيل بالتخيير (٥).

وقيل باعتبار المواسعة والمضايقة (٦).

دليل التقصير : صحيحة محمّد الثانية (٧).

ولا دلالة لها ، إذ المذكور فيها : « يدخل من سفره » بصيغة المضارع ولا دلالة لها على حكم بعد الدخول.

ورواية زرارة (٨) في قضاء هذه الصلاة لو لم يفعلها في المنزل أيضا.

وهي خارجة عن المقصود ، لمنع التلازم بين حكم الأداء والقضاء لو سلّم في القضاء.

__________________

(١) في ص ٣٢٧ و ٣٢٨ و ٣٣١.

(٢) التهذيب ٣ : ١٦٢ ـ ٣٥٢ ، الوسائل ٨ : ٥١٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٧٤ أبواب صلاة المسافر ب ٧.

(٤) الذكرى : ٢٥٦.

(٥) حكاه عن ابن الجنيد في الذكرى : ٢٥٦.

(٦) كما في النهاية : ١٢٣.

(٧) المتقدمة في ص ٣٢٨.

(٨) الآتية في ص ٣٣٦.

٣٣٤

وحجّة التخيير : صحيحة منصور السالفة (١).

وهي كانت دالة لو قال : فسار حتّى دخل أهله ، إلاّ أنّ فيها : « حتى يدخل أهله » فلا دلالة لها على وصول المنزل ، ولا شك أنّه في الطريق مخيّر بين أن يقصّر بأن يصلّي في الطريق أو يتم بأن يدخل المنزل.

ومستند التفصيل : موثقة إسحاق بن عمّار ومرسلة الحكم المتقدّمتان (٢).

وفيهما : أنّهما كانتا تدلاّن لو كان : « قدم » بدل : « يقدم » وأمّا مع قوله : « يقدم » فلا يدل ، لأنّه بعد في الطريق ولا شك في أنّه مع خوف الفوات يجب عليه التقصير بالإتيان بالصلاة في السفر قطعا.

المسألة الخامسة : لا شكّ في أنّ المعتبر في القصر والإتمام حال الفوات‌ دون الفعل ، وفي المدارك : أنّه مذهب العلماء كافّة إلاّ من شذّ (٣) أي من العامة.

وتدل عليه ـ مع الإجماع ـ صحيحة زرارة : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر ، فذكرها في الحضر ، فقال : « يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فيقضي في السفر صلاة الحضر كما فاتته » (٤).

وروايته : « إذا نسي الرجل صلاته أو صلاّها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر ، فذكرها ، فليقض الّذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص ، ومن نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما ، وإن نسي ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما » (٥).

__________________

(١) في ص ٣٣٠.

(٢) في ص ٣٢٩.

(٣) المدارك ٤ : ٣٠٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٥ الصلاة ب ٨٣ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ١٦٢ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ٨ : ٢٦٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٨٢ ـ ١٢٨٣ ، التهذيب ٣ : ٢٢٥ ـ ٥٦٨ ، الوسائل ٨ : ٢٦٩ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٤.

٣٣٥

ولو اختلف حال الوجوب وحال الفوات ، كمن دخل عليه الوقت في الحضر فسافر قبل الصلاة ونسيها أو عكس ذلك ، فالمشهور اعتبار حال الفوات لا حال الوجوب ، فيقضي ـ على المختار في المسألتين السابقتين ـ قصرا في الاولى وتماما في الثانية ، للصحيحة المتقدّمة ، وعموم قوله : « فليقض ما فاته كما فاته » ولبعض الوجوه الاعتبارية الضعيفة.

خلافا للمحكي عن والد الصدوق والسيّد (١) ، والشيخ والإسكافي والحلّي (٢) مدّعيا عليه الإجماع.

وتدلّ عليه رواية زرارة : عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر ، فأخّر الصلاة حتّى قدم ، فهو يريد أن يصلّيها إذا قدم إلى أهله ، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها ، قال : « يصلّيها ركعتين ، لأنّ الوقت دخل وهو مسافر فكان ينبغي أن يصلّي عند ذلك » (٣).

وهي صريحة في مطلوبهم ومع ذلك معتبرة ، وبنقل الإجماع وفتوى الأعيان مجبورة ، وأخص مطلقا ممّا مرّ ، فرفع اليد عنها بالمرة لا وجه له.

وردّها بأنّها مبنيّة على اعتبار حال الوجوب لا الأداء في حال الأداء وهو باطل (٤) ، كلام سخيف في غاية السخافة.

إلاّ أنّها مخصوصة بأحد شقيّ المسألة ، ومع ذلك دلالتها على الوجوب غير واضحة لمكان الجملة الخبرية ، فغايتها إثبات الرجحان ، إلاّ أن يجبران بالإجماع المركب ، مضافا في الأوّل إلى عموم العلّة ظاهرا ، ولكن في ثبوت ذلك الإجماع تأمّلا ، والاحتياط لا ينبغي أن يترك ، وهو بالقصر والإتمام معا ، أو اعتبار حال‌

__________________

(١) حكاه عنهما في السرائر ١ : ٣٣٥.

(٢) الشيخ في التهذيب ٣ : ١٦٣ ، وحكى المحقق في المعتبر ٢ : ٤٨٠ عن الإسكافي ، والحلي في السرائر ١ : ٣٣٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٥ ـ ٥٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٦٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٣.

(٤) انظر : غنائم الأيام : ٢٧٦.

٣٣٦

الفوات كما هو المشهور ، حيث إنّ صراحة الرواية المخالفة في وجوب خلافه غير معلومة.

المسألة السادسة : يستحبّ جبر الصلوات المقصورات بذكر التسبيحات الأربع‌ المشهورة في عقيبها ثلاثين مرّة ، لرواية المروزي : « يجب على المسافر أن يقول في دبر كلّ صلاة يقصّر فيها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، ثلاثين مرة » (١).

وظاهر الرواية وإن كان الوجوب إلاّ أنّه لا قائل به ، فيحمل على مطلق الثبوت أو تأكّد الاستحباب.

اللهم اجبر تقصيراتنا بعفوك يا جبّار ، واغفر خطيئاتنا برحمتك يا غفّار.

هذا آخر كتاب الصلاة من كتاب مستند الشيعة في أحكام الشريعة ، وبتمامه تمَّ المجلّد الثاني ، والحمد لله على توفيقه للإتمام ، والصلاة على سيّد الأنام وآله الغرّ الأماجد الكرام.

كتبه مؤلّفه الفقير المعترف بكثرة الخطايا والتقصير أحمد بن محمّد مهدي النراقي تجاوز الله عن سيّئاتهما.

وكان الفراغ ببلدة كاشان في يوم الجمعة عاشر شهر شعبان المعظّم من السنة الرابعة والثلاثين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية على هاجرها ألف صلاة وتحيّة.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٠ ـ ٥٩٤ ، الوسائل ٨ : ٥٢٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢٤ ح ١.

٣٣٧
٣٣٨

فهرس الموضوعات

في صلاة الجماعة‌

فضل صلاة الجماعة......................................................... ٧

عدم وجوب الجماعة...................................................... ١١

ما تجوز فيه الجماعة :

عدم وجوب الجماعة في غير الجمعة والعيدين................................. ١٣

استحباب الجماعة في الفرائض.............................................. ١٣

عدم جواز الجماعة في النوافل............................................... ١٤

شرائط تحقق الجماعة :

العدد.................................................................... ١٩

نية الاقتداء............................................................... ٢٠

لو شك في أنه نوى الانفراد أو الجماعة...................................... ٢٠

وجوب كون المنوي إماما واحدا معينا....................................... ٢٠

هل تجب على الامام نية الجماعة؟........................................... ٢٢

شرائط إمام الجماعة :

العقل.................................................................... ٢٥

٣٣٩

الايمان................................................................... ٢٦

العدالة................................................................... ٢٦

طهارة المولد.............................................................. ٣١

البلوغ................................................................... ٣٢

الذكورة................................................................. ٣٤

هل تجوز إمامة المرأة لمثلها؟................................................. ٣٥

التمكن من القيام إن كان المأموم قائما....................................... ٤٠

عدم كونه أميا............................................................ ٤١

الشرائط المستحبة للامام :

عدم كونه أجذم ولا أبرص................................................ ٤٣

عدم كونه محدودا......................................................... ٤٥

عدم كونه الأغلف........................................................ ٤٦

عدم كراهة المأمومين إمامته................................................ ٤٦

مسائل ثلاث :

الأولى : أولوية صاحب المسجد وصاحب المنزل بالإمامة....................... ٤٧

أولوية الهاشمي............................................................ ٤٨

أولوية الأقرأ والأكبر والأعلم.............................................. ٤٨

هل المستحب تقدم الامام الراجح أو تقديم المأموم له؟......................... ٥٠

هل تنتفي الأولوية بإذن الراجح؟........................................... ٥١

اختصاص أولوية تقديم الراجح بصورة حضوره............................... ٥١

استحباب ايتمام غير الراجح بالراجح........................................ ٥١

الثانية : حكم تشاح الأئمة................................................ ٥٢

الثالثة : مطلوبية الاقتداء بالمخالفين عند التقية................................ ٥٢

شرائط صحة الجماعة :

اشتراط عدم الحائل بين الامام والمأموم....................................... ٥٥

حكم الحائل القصير....................................................... ٥٦

٣٤٠