مستند الشّيعة - ج ٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-83-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٤٨

إلاّ أنّها مع احتمال موافقتها لمذهب العامة ـ كما حكي عن الوسائل (١) يرد عليها أنّ غير الأخيرتين منها أعمّ مطلقا من صحيحة ابن سنان (٢) ، إذ مدلولها وجوب قصر المسافر قبل دخول البيت أو المنزل أو المصر مطلقا سواء بلغ موضع سماع الأذان أم لا ، ومدلول الصحيحة وجوب الإتمام في بعض خاصّ منه وهو ما بعد سماع الأذان فيجب تخصيصها به ، بل وكذلك الموثّقة الأخيرة لأعميّة جانب المصر عن موضع سماع الأذان.

ولا يضرّ عموم الصحيحة باعتبار الممثّل له ، حيث إنّ له أيضا فردين : وجوب القصر عند عدم سماع الأذان ، والإتمام عند سماعه ، بل إجمالها لتعدّد ما يحتمل التشبيه به فلعلّ التشبيه في الأوّل خاصّة بجعل المشار إليه هو الجزء الأخير وهو قوله : « إذا كنت في الموضع الّذي لا تسمع الأذان فقصّر ».

لبعد ذلك الاحتمال جدّا وظهور إرادة التشبيه في الحكمين ، مع أنّه يثبت المطلوب مع تخصيص التشبيه بالجزء الأخير أيضا ، إذ الجزء الأخير ليس هو وجوب القصر في موضع لا يسمع الأذان خاصّة بل جملة شرطيّة لها منطوق ومفهوم ، فيدلّ بالمفهوم على عدم القصر إذا لم يكن في موضع لا يسمع الأذان.

ومنه تظهر تماميّة دلالة الصحيحة على ما في بعض النسخ الغير المشهورة منها من إسقاط الشرطية الاولى في حكم الذهاب ، لكفاية الثانية في ذلك أيضا ، مع أنّ اشتهار النسخة المتضمنة للشرطين سيّما مع تقدم الإثبات على الإسقاط كاف في المطلوب.

فلم يبق إلاّ الموثّقة الاولى ، وهي غير صريحة بل ولا دالّة على المطلوب لعدم تصريح فيها على كون الرجل من أهل الكوفة إلاّ أن يتمسّك بعمومها الحاصل من ترك الاستفصال الواجب تخصيصه بالصحيحة أيضا لأخصّيتها مطلقة.

مع أنّها معارضة في ذلك الحكم مع الصحيحة المحاسنيّة المنجبرة في هذا‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٧٥ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ذيل الحديث ٦.

(٢) المتقدمة في ص ٢٩٢.

٣٠١

الحكم والموثقة الثانية ، الدالّتين على وجوب التمام بدخول الكوفة والمصر وإن لم يدخل البيت ، ومع صحيحة ابن بزيع المذكورة في بيان الوطن الدالّة على التمام بدخول الضيعة (١).

ومن ذلك ظهر قوة القول المشهور.

نعم ، يشكل الحكم فيما إذا كان مجتازا عن وطنه ولم يدخل بلده ونزل في جانبه في موضع سمع الأذان ، من حيث إنّ صدق القدوم من السفر حينئذ غير معلوم ، فلا يكون حكمه مستفادا من الصحيحة ولا من رواية أخرى ، فيكون عموم الموثقة خاليا عن المعارض المعلوم. إلاّ أن يتمسّك بعدم الفرق بين خارج البلد وداخله المعلوم حكمه بالأخبار الثلاثة المذكورة آنفا. إلاّ أنّ ثبوته مشكل ، وأمر الاحتياط بالقصر والإتمام هنا واضح.

وهل يعتبر في الإتمام هنا أيضا الأمران من خفاء البيوت والأذان كما هو المشهور ، بل قيل : بلا خلاف إلاّ عن بعض المتأخرين (٢)؟

أو الأذان خاصّة كما عزي إلى الشرائع والتحرير (٣) ، لاختصاص الصحيحة به ، وعدم دليل تامّ غيرها على حكم العود يشمل البيوت أيضا إلاّ ما قيل من عمومات الإتمام في الوطن (٤) المعارض لما دلّ على وجوب القصر حتى يدخل البيت ، أو عدم القول بالفرق الممنوع جدّا؟

نعم يسهل الأمر على ما ذكرنا من تلازم الأمرين غالبا ، لإرادة خفاء الهيئة والكلام ، وهما متقاربان.

فرع : هل يعتبر ذلك في بلد يراد فيه إقامة عشرة أيّام قبل الوصول إليه ، أم لا؟

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٨ ـ ١٣١٠ ، التهذيب ٣ : ٢١٣ ـ ٥٢٠ ، الاستبصار ١ : ٢٣١ ـ ٨٢١ ، الوسائل ٨ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١١.

(٢) الرياض ١ : ٢٥٥.

(٣) الشرائع ١ : ١٣٤ ، التحرير ١ : ٥٦.

(٤) الرياض ١ : ٢٥٤.

٣٠٢

الظاهر الثاني ، لاستصحاب وجوب التقصير ، وإطلاق كثير من الأخبار بلا معارض في المقام. وكون بلد الإقامة بمنزلة الوطن في جميع الأحكام ممنوع.

٣٠٣

الفصل الثاني

في بيان سائر أحكام صلاة القصر‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : إذا اجتمعت الشرائط المذكورة يجب القصر بحذف أخيرتي الرباعية‌

عزيمة لا رخصة ، بالضرورة من مذهب الإماميّة ، وعليه أكثر العامة (١) ، والنصوص به من طرقهم مستفيضة (٢).

فلا يجوز التمام إلاّ في أحد المواطن الأربعة : مكة والمدينة وجامع الكوفة وحائر الحسين عليه‌السلام ، فيجوز فيها الأمران ، بلا خلاف إلاّ من شاذّ يأتي ، بل بالإجماع كما عن غير واحد من الأصحاب (٣) ، وجعله بعضهم من منفردات الإماميّة (٤).

لظاهر الإجماع ، والأمر بالإتمام في المستفيضة وبالقصر في الأخرى.

فمن الأوّل : رواية إبراهيم بن شيبة الآمرة بإتمام الصلاة في الحرمين (٥) ، وعثمان بن عيسى الآمرة بإتمام الصلاة فيهما ولو صلاة واحدة (٦).

__________________

(١) انظر بداية المجتهد ١ : ١٦٦ ، واحكام القرآن للجصاص ٢ : ٢٥٣ ، وبدائع الصنائع ١ : ٩١.

(٢) صحيح مسلم ١ ٤٧٨ ب صلاة المسافر ، صحيح البخاري ٢ : ٥٣ ب التقصير.

(٣) السرائر ١ : ٣٤٦ ، الوسائل ٨ : ٥٣٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ذيل الحديث ٣٤.

(٤) روض الجنان : ٣٩٧.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢٤ الحج ب ٥٩ ح ١ ، التهذيب ٥ : ٤٢٥ ـ ١٤٧٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٠ ـ ١١٧٢ ، الوسائل ٨ : ٥٢٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٨.

(٦) الكافي ٤ : ٥٢٤ الحج ب ٩٥ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٥ ـ ١٤٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٠ ـ ١١٧٣ ، الوسائل ٨ : ٥٢٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٧.

٣٠٤

وصحيحة البجلي (١) ورواية عمر بن رياح (٢) الآمرتان بالإتمام في مكة ومدينة ، وصرّح في أولاهما بقوله : « ولو صلاة واحدة » وفي الثانية : « أمرّ على المدينة ».

وصحيحة مسمع الآمرة بالإتمام في مكة يوم تدخله (٣).

ورواية أبي شبل الآمرة بإتمام الصلاة في قبر الحسين عليه‌السلام ونسبة التقصير فيه إلى الضعفة (٤).

ورواية القندي الآمرة بالإتمام في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه‌السلام (٥).

ورواية قائد الحنّاط المرويّة في كامل الزيارة لابن قولويه الآمرة بإتمام الصلاة في الحرمين ولو مررت مارّا (٦).

ورواية سماعة بن مهران المرويّة في البحار عن كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي الآمرة بالإتمام في الحرمين مكة والمدينة (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٦ ـ ١٤٨١ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ـ ١١٧٧ ، الوسائل ٨ : ٥٢٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٦ ـ ١٤٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٠ ـ ١١٧٥ الوسائل ٨ : ٥٢٦ أبواب صلاة المسافر ٢٥ ح ٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٢٦ ـ ١٤٨٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٣١ ـ ١١٧٦ ، الوسائل ٨ : ٥٢٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٧.

(٤) الكافي ٤ : ٥٨٧ الزيارات ب ٢٣ ح ٦ ، التهذيب ٥ : ٤٣١ ـ ١٤٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٥ ـ ١١٩٣ ، الوسائل ٨ : ٥٢٧ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٣١ ـ ١٤٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٥ ـ ١١٩٢ ، الوسائل ٨ : ٥٢٧ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٣.

(٦) كامل الزيارات : ٢٥٠ ـ ٩ ، الوسائل ٨ : ٥٣٢ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣١.

(٧) كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي ( الأصول الستة عشر ) : ١١٥. البحار ٨٦ : ٦٥ ـ ١٩.

٣٠٥

وروايات حذيفة (١) وأبي بصير (٢) وعبد الحميد (٣) المجوّزة لإتمام الصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الكوفة وحرم الحسين عليه‌السلام.

ورواية ابن أبي البلاد المجوّزة له في المسجد الحرام ومسجد الرسول وعند قبر الحسين عليه‌السلام (٤) ـ وإنّما لم نجعلها آمرة لاشتمالها على الجملة الخبرية.

وصحيحتا ابن عمّار (٥) ومسمع (٦) المصرّحتان بأنّ من المذخور الإتمام في الحرمين.

وصحيحة حمّاد المصرّحة بأنّ من مخزون علم الله الإتمام في حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين عليهم‌السلام (٧).

ومرسلة الفقيه المصرّحة بأنّ من الأمر المذخور الإتمام بمكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر (٨).

ومن الثاني : صحيحة ابن بزيع الآمرة بالتقصير في مكة والمدينة ما لم يعزم‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٨٦ الزيارات ب ٢٣ ح ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٣١ ـ ١٤٩٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٥ ـ ١١٩٥ ، الوسائل ٨ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢٣.

(٢) الكافي ٤ : ٥٨٦ الزيارات ب ٢٣ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٣٢ ـ ١٥٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٥ ـ ١١٩٦ ، الوسائل ٨ : ٥٣١ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢٥.

(٣) الكافي ٤ : ٥٨٧ الزيارات ب ٢٣ ح ٥ ، التهذيب ٥ : ٤٣١ ـ ١٤٩٧ ، الوسائل ٨ : ٥٢٨ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٤.

(٤) الكافي ٤ : ٥٨٦ الزيارات ب ٢٣ ح ٤ ، كامل الزيارات : ٢٤٩ ـ ٢ ، الوسائل ٨ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢٢.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢٤ الحج ب ٩٥ ح ٥ ، التهذيب ٥ : ٤٢٩ ـ ١٤٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٤ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٨ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٢٦ ـ ١٤٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٠ ـ ١١٧٤ ، الوسائل ٨ : ٥٢٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٣٠ ـ ١٤٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٤ ـ ١١٩١ ، الوسائل ٨ : ٥٢٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١.

(٨) الفقيه ١ : ٢٨٣ ـ ١٢٨٤ ، الوسائل ٨ : ٥٣١ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢٦.

٣٠٦

على مقام عشرة (١).

وصحيحة ابن وهب المروية في العلل المشتملة على أنّ مكة والمدينة كسائر البلدان ، والمتضمنة لأنّ الأمر بالإتمام في المدينة بعد خمسة أيّام لأنّ أصحابكم كانوا [ يقدمون ] ويخرجون من المسجد عند الصلاة (٢).

وصحيحة ابن عمّار الآمرة بالتقصير في مكّة ما دام محرما (٣).

وصحيحة أبي ولاّد الحنّاط : إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيّام فأتمّ الصلاة ، ثمَّ بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتمّ أم أقصّر؟ فقال : « إن كنت [ حين ] دخلت المدينة صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتّى تخرج منها ، وإن كنت حين دخلتها على نيّتك المقام ولم تصلّ صلاة فريضة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا وأتمّ ، وإن لم تنو المقام عشرا فقصّر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة » (٤).

ورواية عليّ بن حديد الناطقة بأنّه لا يكون الإتمام في الحرمين إلاّ أن تجمع على إقامة عشرة (٥).

وصحيحة ابن وهب المتضمّنة بعد السؤال عن التقصير عن الحرمين لقوله : « لا تتمّ حتّى تجمع على مقام عشرة أيّام » ولأنّ الأمر بالتمام كان لأجل أنّ‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٣ ـ ١٢٨٥ ، التهذيب ٥ : ٤٢٦ ـ ١٤٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٣١ ـ ١١٧٨ ، الوسائل ٨ : ٥٣٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣٢.

(٢) علل الشرائع : ٤٥٤ ـ ١٠ ، الوسائل ٨ : ٥٣١ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢٧ ، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ : يصلون وما أثبتناه موافق للمصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٧٤ ـ ١٦٦٨ ، الوسائل ٨ : ٥٢٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٢١ ـ ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ـ ٨٥١ ، الوسائل ٨ : ٥٠٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ١. وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٢٦ ـ ١٤٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٣١ ـ ١١٧٩ الوسائل ٨ : ٥٣٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣٣.

٣٠٧

الأصحاب كانوا يصلّون ويخرجون ويراهم الناس كذلك (١).

ورواية الحضيني المتضمّنة بعد الاستيمار في الإتمام والتقصير لقوله : « إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيّام وأتمّ الصلاة » (٢).

وجه الاستدلال : أنّه تعارض الفريقان من الأخبار ، فيجب الجمع بينهما بالحمل على التخيير إمّا لأنّه المرجع عند التعارض وعدم الترجيح ، أو لشهادة الأخبار بذلك كرواية عليّ بن يقطين : عن التقصير بمكة فقال : « أتمّ ، وليس بواجب ، إلاّ أنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي » (٣).

وابن المختار : إنّا إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر؟ قال : « إن قصرت فذاك ، وإن أتممت فهو خير تزداد » (٤).

ورواية عمران : أقصّر في المسجد الحرام أو أتمّ؟ قال : « إن قصرت فلك ، وإن أتممت فهو خير وزيادة الخير خير » (٥).

وصحيحة ابن يقطين في الصلاة بمكة : « من شاء أتمّ ومن شاء قصّر » (٦).

مضافا إلى أنّ روايتي أبي بصير وعبد الحميد وما تعقّبهما من روايات الصنف الأوّل غير دالّة على وجوب الإتمام ، كما أنّ رواية عليّ بن حديد وما تعقّبها من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٨ ـ ١٤٨٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٢ ـ ١١٨١ ، الوسائل ٨ : ٥٣٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٧ ـ ١٤٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٢ ـ ١١٨٠ ، الوسائل ٨ : ٥٢٨ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٥.

(٣) الكافي ٤ : ٥٢٤ الحج ب ٩٥ ح ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٢٩ ـ ١٤٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٣ ـ ١١٨٤.

الوسائل ٨ : ٥٢٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٩.

(٤) الكافي ٤ : ٥٢٤ الحج ب ٩٥ ح ٦ ، التهذيب ٥ : ٤٣٠ ـ ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٤ ـ ١١٨٨ ، الوسائل ٨ : ٥٢٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٣٠ ـ ١٤٩٣ ، ٥ : ٤٧٤ ـ ١٦٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٤ ـ ١١٩٠ ، الوسائل ٨ : ٥٢٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١١.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٣٠ ـ ١٤٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٤ ـ ١١٨٩ ، الوسائل ٨ : ٥٢٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٠.

٣٠٨

الصنف الثاني لا تدلان على وجوب التقصير بل غايتهما الجواز الغير المنافي للتخيير.

خلافا للصدوق في الفقيه والخصال (١) ، فقال بمساواة هذه المواضع لغيرها في وجوب التقصير ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع ، وتبعه القاضي على ما حكي عنه (٢) ، بل الاستبصار والتهذيب على احتمال (٣).

للصنف الثاني من الأخبار بترجيحه على الصنف الأوّل باعتبار كونه أخصّ مطلقا منه ، لعموم الأوّل بالنسبة إلى قصد العشرة وعدمه واختصاص الثاني بقصدها ، وباعتبار كون الأوّل صادرا للتقية كما تدلّ عليه صحيحتا ابن وهب ، وباعتبار موافقة الثاني لعمومات القصر ، فبعد تعارضهما وعدم الترجيح ـ لو فرض ـ يرجع إليها ، ولعلّه يحمل الصنف الثالث على التخيير بين الإتمام والقصر باعتبار التخيير بين قصد الإقامة وعدمه.

ويردّ الاعتبار الأوّل ـ مضافا إلى بعد ذلك التخصيص في تلك الأخبار ـ بأنّه غير جار فيما أمر بالتمام بمجرّد المرور كما في روايتي قائد وابن رياح ، أو يوم الدخول كما في صحيحة مسمع ، أو ولو صلاة واحدة كما في صحيحة البجلي ورواية عثمان.

والثاني : بأنّه إن أراد أنّ الصنف الأوّل موافق للعامة ويصير لأجله مرجوحا ففيه : أنّه ليس كذلك ، لأنّ إيجاب التمام على ما هو مقتضى الأمر ليس مذهبا لأحد من العامة لأنّهم ما بين موجب للقصر مطلقا وهم أكثرهم ومنهم أبو حنيفة (٤) ، ومخيّر بينه وبين الإتمام كذلك وهو الشافعي وغيره (٥).

وإن أريد أنّ الأمر بالتمام كان لاتّقاء الأصحاب عن إتمام الصلاة قبل‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٣ ، الخصال : ٢٥٢.

(٢) المهذب ١ : ١٠٩.

(٣) الاستبصار ٢ : ٣٣٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٧ و ٤٢٨.

(٤) حكاه عن أبي حنيفة في بداية المجتهد ١ : ١٦٦ ، وأحكام القرآن للجصاص ٢ : ٢٥٢.

(٥) الام ١ : ١٧٩ ، وانظر المغني والشرح الكبير ٢ : ١٠٨ ، وبداية المجتهد ١ : ١٦٦.

٣٠٩

الناس كما تدلّ عليه صحيحتا ابن وهب المتقدّمتان ففيه ـ مضافا إلى أنّ المذكور في إحداهما أنّ الأمر بالتمام بعد خمسة أيّام لذلك ، حيث إنّ الإتمام بعدها مذهب الشافعي (١) ، ومنه يظهر تقييد الأخرى بذلك أيضا فلا يجري في الأخبار الآمرة بالتمام مع المرور ويوم الورود وصلاة واحدة ـ : أنّ غاية ما تدلاّن عليه أنّ الأمر بالتمام وإلزامه إنّما هو للتقيّة عن تخلّفهم عن الناس في الصلاة لا عن مخالفتهم في القصر والإتمام ولا في تجويز الإتمام دون تجويزه.

مع أنّهما معارضتان مع ما يدلّ على أنّ الأمر بالتمام ليس للتقية بل هو مخالف للعامة ، كما في صحيحة البجلي : إنّ هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين وذلك من أجل الناس ، قال : « لا ، كنت أنا ومن مضى من آبائي إذا وردنا مكّة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس » (٢).

ونحو ما يدلّ على أنّ الإتمام من الأمور المخزونة أو المذخورة كما في المستفيضة من الأخبار المتقدّمة ، فإنّ المخزون إنّما يكون فيما يخالف العامة.

ومع ذلك يدلّ أكثر تلك الأخبار على أنّ التمام أمر مخصوص بتلك الأماكن ولا وجه لتخصيص التقية بها ، لأنّ العامة إنّما يخيّرون بين القصر والإتمام أو يوجبون القصر وهو مذهب أبي حنيفة.

ومنه يظهر أنّ حمل أوامر التقصير على التقية أولى ـ كما صرّح به جماعة من أصحابنا (٣) ـ لاتّفاقهم على جواز القصر مع اشتهار مذهب أبي حنيفة قديما وحديثا.

وعلى هذا يكون الترجيح من هذه الجهة لأخبار التمام والتخيير ، مضافا إلى الترجيح باعتبار الأشهرية رواية وفتوى.

__________________

(١) الام ١ : ١٨٦ ، وحكاه عنه في بداية المجتهد ١ : ١٦٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٨ ـ ١٤٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٢ ـ ١١٨٢ ، الوسائل ٨ : ٥٢٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٦.

(٣) كصاحبي الحدائق ١١ : ٤٥٢ ، والرياض ١ : ٢٥٦.

٣١٠

فإن قيل : يستفاد من الأخبار اشتهار التقصير ما لم ينو المقام بين قدماء الأصحاب وهو أولى بالترجيح ، ففي صحيحة ابن مهزيار : إنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام والتقصير في الحرمين ، فمنها أن يتمّ الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها أن يقصّر ما لم ينو مقام عشرة أيّام ، ولم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا ، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيّام فصرت إلى التقصير ، وقد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك. فكتب إليّ بخطّه : « قد علمت ـ يرحمك الله ـ فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فأنا أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر وتكثر فيهما بالصلاة » إلى أن قال : فقلت : أيّ شي‌ء تعني بالحرمين؟ فقال : « مكّة والمدينة » (١).

وفي المروي في كامل الزيارة لابن قولويه ، عن سعد بن عبد الله قال : سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكة والمدينة والكوفة وقبر الحسين عليه‌السلام والّذي روي فيها ، فقال : أنا أقصّر وكان صفوان يقصّر وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصرون (٢).

قلنا : لا تدلّ هذه الأخبار على اشتهار وجوب التقصير ـ وهو المضعف لأخبار التمام والمعارض لاشتهار جوازه ـ بل غاية ما تدلّ عليه اشتهار فعله ، فلعلّه كان مع تجويز التمام أيضا ، وإنّما اختاروا ذلك الفرد لمصلحة من تقيّة ونحوها ، حيث إنّ الفرق بين الأماكن من مذهب الشيعة أغرب من حتم التقصير ، فهذه أيضا مخالفة جديدة للناس والقصر كان معروفا من مذهبهم.

مضافا إلى أنّ خبر كامل الزيارة ضعيف لا يصلح لإثبات شي‌ء ، بل الصحيحة أيضا وإن كانت حجّة إلاّ أنّ ثبوت حجّيتها إنّما هو في إثبات الأحكام الشرعية دون غيرها. مع أنّها وإن تضمّنت شهرة التقصير إلاّ أنّها تتضمّن حبّ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢٥ الحج ب ٩٥ ح ٨ ، التهذيب ٥ : ٤٢٨ ـ ١٤٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٣ ـ ١١٨٣ الوسائل ٨ : ٥٢٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٤.

(٢) كامل الزيارات : ٢٤٨ ـ ٧ ، المستدرك ٦ : ٥٤٥ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ٣.

٣١١

الإمام للتمام ، والعبرة به لا بغيره. هذا مع أنّ صدرها ظاهر في رجحان التمام عند راويه كما أنّ في رواية عليّ بن حديد : أنه كان ممّن يتم وأنّ ابن جندب كان يتمّ وأنّه كان محبّتي أن يأمرني بالإتمام (١).

هذا مع أنّه لو سلّم ثبوت اشتهار القصر عندهم فلا شك أنّه لا يبلغ حدّ الإجماع ، فيعارض باشتهار خلافه بين أصحابنا في زماننا وما تقدّم عليه إلى قرب زمان الإمام بحيث كاد أن يكون إجماعا ، بل هو إجماع صريحا كما في عبارة جماعة من أصحابنا.

والاعتبار الثالث (٢) بأنّ الرجوع بعد التعارض إلى العمومات إنّما هو إذا لم يكن مرجع آخر ، وهو هنا موجود ، وهو الصنف الثالث من الأخبار المصرّحة بالتخيير.

وحمله على ما مرّ خلاف الظاهر جدّا بل خلاف مقتضى الأصل وحقيقة اللفظ كما لا يخفى.

مع أنّ المرجع الثابت شرعا عند التعارض أيضا هو التخيير فلا وجه لرفع اليد عنه.

هذا كلّه مع أنّ الرجوع إلى وجوه الترجيح إنّما هو إذا لم يكن في المورد ترجيح خاصّ من الإمام ، وهو في المسألة موجود وهو ما ورد في صحيحة ابن مهزيار المتقدّمة بعد السؤال عن الاختلاف في المسألة من الجواب بأفضلية الإتمام.

فإن قلت : قد ورد هذا السؤال في رواية عليّ بن حديد أيضا وأجاب بأنّه لا يكون الإتمام ما لم يجمع العشرة.

قلت : مع أنّ الصحيحة أقوى من الرواية سندا واعتضادا بالعمل ، مرويّة عن أبي جعفر الثاني والرواية عن الرضا عليه‌السلام ، والترجيح للأخير الأحدث.

__________________

(١) تقدمت في ص ٣٠٧.

(٢) أي : ويردّ الاعتبار الثالث .. ، راجع ص ٣٠٩.

٣١٢

ثمَّ إنّ هاهنا خلافا آخر محكيّا عن السيّد والإسكافي (١) ، وهو لزوم التمام في المواطن المذكورة ، للصنف الأوّل من الأخبار المتقدّمة ، ولقوله سبحانه في المسجد الحرام ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (٢).

والجواب عن الآية بعدم الدلالة ، وعن الأخبار بأنّه كان صحيحا لو لا معارضة الصنفين الآخرين وتصريح بعضها بعدم وجوب الإتمام ، مع أنّه قول شاذ نادر ، بل كونه مذهبا لمن حكي عنه غير ظاهر ، لاحتمال إرادته الاستحباب كما عن السرائر (٣).

فروع :

أ : بعض هذه الأخبار وإن اختص بالحرمين إلاّ أنّ كثيرا منها كما عرفت يتضمّن الإحرام الأربعة‌ ، وبذلك صرّح في الرضوي أيضا قال : « في أربعة مواضع لا يجب أن تقصر : إذا قصدت مكة والمدينة ومسجد الكوفة والحيرة (٤) » (٥).

ومع ذلك انعقدت الشهرة على الأربعة فلا مناص عن الحكم في الجميع.

ب : قد وقع الخلاف في تحديد محلّ التخيير من المواطن الأربعة إلى أقوال :

الأوّل : ما حكي عن المبسوط والنهاية (٦) على وجه ، وابن حمزة ويحيى بن سعيد والمحقّق في كتاب له في السفر (٧) ، وهو محتمل السيّد والإسكافي (٨) حيث عبّرا بالمشاهد ، وهو : أنّه البلدان الأربعة.

__________________

(١) السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٤٧ ، عن الإسكافي في المختلف : ١٦٨.

(٢) الحج : ٢٥.

(٣) السرائر ١ : ٣٤٣.

(٤) كذا في النسخ والمصدر ، ولعلّه مصحّف الحير أو الحائر.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦١ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٤٤ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ٢.

(٦) المبسوط ١ : ١٤١ ، النهاية : ١٢٤.

(٧) لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة ، يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٩٣ ، وحكى الشهيد عن المحقق في الذكرى : ٢٥٦.

(٨) حكاه عنهما في المختلف : ١٦٨.

٣١٣

والثاني : ما نسب إلى الأوّلين على وجه آخر ، والخلاف والمعتبر والشرائع والنافع والمنتهى والتحرير وظاهر الإرشاد والتبصرة والنفلية (١) ، وهو : أنّه البلدان مكة والمدينة ، مع جامع الكوفة والحائر.

والثالث : ما عزي إلى التهذيب والاستبصار (٢) ، وهو : أنّه البلاد الثلاثة : مكّة والمدينة والكوفة ، مع الحائر ، واختاره في الذكرى (٣).

والرابع : ما قاله السيّد في الجمل والإسكافي (٤) ، وهو : أنّه بلد مكّة ومسجد الرسول ومسجد الكوفة والمشاهد.

والخامس : ما اختاره في السرائر والمختلف واللمعة والدروس والبيان (٥) ، والشهيد الثاني في كتبه (٦) ، وهو : أنّه المساجد الثلاثة والحائر.

دليل الأوّلين : أمّا على تحديد الأوّلين بالبلدين فللتصريح بهما في كثير من الأخبار المتقدّمة ، وبالحرمين المفسّرين في صحيحة ابن مهزيار بالبلدين (٧) ، وفي صحيحة ابن عمّار : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ مكّة حرم الله ، وإنّ المدينة حرمي ، وإنّ ما بين لابتيها حرم » (٨).

وأمّا على تحديد الثالث بالبلد فللتصريح به في رواية القندي السابقة (٩) ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤١ ، النهاية : ١٢٤ ، الخلاف ١ : ٥٧٦ ، المعتبر ٢ : ٤٧٦ ، الشرائع ١ : ١٣٥ ، النافع : ٥١ ، المنتهى ١ : ٢٩٤ ، التحرير ١ : ٥٥ ، الإرشاد ١ : ٢٧٦ ، التبصرة : ٤١ ، النفلية : ٣٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٦.

(٣) الذكرى : ٢٥٦.

(٤) السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٤٧ ، عن الإسكافي في المختلف : ١٦٨.

(٥) السرائر ١ : ٣٤٢ ، المختلف : ١٦٧ ، اللمعة ( الروضة البهية ١ ) : ٣٧٥ ، الدروس ١ : ٢٠٩ ، البيان : ١٥٩.

(٦) الروضة ١ : ٣٧٥ ، المسالك ١ : ٤٩ ، روض الجنان : ٣٩٧.

(٧) راجع ص ٣١١.

(٨) الكافي ٤ : ٥٦٤ الزيارات ب ١١ ح ٥ ، التهذيب ٦ : ١٢ ـ ٢٣ ، الوسائل ١٤ : ٣٦٢ أبواب المزار ب ١٧ ح ١.

(٩) في ص ٣٠٥.

٣١٤

وفي صحيحة حمّاد السابقة المصرّحة بالإتمام في الإحرام الأربعة : حرم الله ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين ، وحرم الحسين (١).

ونطقت الروايات بأنّ الكوفة حرم أمير المؤمنين ، ففي رواية حسّان بن مهران عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « مكة حرم الله ، والمدينة حرم رسول الله ، والكوفة حرمي » (٢).

وفي رواية خالد القلانسي : « الكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين » (٣).

وفي الموثّق المروي في الأمالي : « مكة حرم الله ، والمدينة حرم محمّد رسول الله ، والكوفة حرم علي بن أبي طالب » (٤).

وأمّا على التحديد الرابع بالبلد فلصحيحة حمّاد المصرّحة بالإتمام في حرم الحسين عليه‌السلام ، والبلد حرمه قطعا إذ ورد في بعض الروايات : « إنّ حريم الحسين خمسة فراسخ » (٥).

وفي مرسلة محمّد بن إسماعيل البصري : « فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر » (٦).

ونحوه المروي في كامل الزيارة (٧) ، وصحيفة الرضا عليه‌السلام.

ولذا وقع الخلاف في أنّ حرم الحسين خمسة فراسخ أو أربعة أو فرسخ ، وقال‌

__________________

(١) راجع ص ٣٠٦.

(٢) الكافي ٤ : ٥٦٣ الزيارات ب ١١ ح ١ ، التهذيب ٦ : ١٢ ـ ٢١ ، الوسائل ١٤ : ٣٦٠ أبواب المزار ب ١٦ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٥٨٦ الزيارات ب ٢٣ ح ١ ، التهذيب ٦ : ٣١ ـ ٥٨ ، الوسائل ٥ : ٢٥٦ أبواب أحكام المساجد ب ٤٤ ح ١٢ ، و ١٣.

(٤) أمالي الطوسي : ٦٨٢ وفيه : مكة حرام إبراهيم ، البحار ٩٧ : ٣٩٩ ـ ٤٣.

(٥) التهذيب ٦ : ٧١ ـ ١٣٢ ، كامل الزيارات : ٢٧٢ ـ ٣ ، الوسائل ١٤ : ٥١٠ أبواب المزار ب ٦٧ ح ١.

(٦) التهذيب ٦ : ٧١ ـ ١٣٣ ، الوسائل ١٤ : ٥١٠ أبواب المزار ب ٦٧ ح ٢.

(٧) كامل الزيارات : ٢٧١ ـ ٢.

٣١٥

الشيخ نجيب الدين (١) : والكلّ حرم وإن تفاوتت في الفضيلة.

ولا يعارض ما ذكرنا الأخبار المتضمّنة لذكر المساجد والحائر بخصوصها ، إذ استحباب الإتمام أو التخيير فيها لا يمنع منه في غيرها ولا دلالة فيها على النفي في غيرها ، غاية الأمر أن ينزّل الاختلاف على التفاوت في الفضل بحسب التفاوت في الشرف ، بل مقتضى ما ذكر استحباب الإتمام في الإحرام الأربعة كما نصّ عليه ابن حمزة وابن سعيد (٢).

ودليل الثاني : أمّا في تحديد الأوّلين بالبلدين فما مرّ من التفسير في الأخبار الصحيحة.

وأمّا في تحديد الثانيين بالمسجد والحائر فللاقتصار فيهما على القدر المتيقّن ، حيث إنّ الروايات المفسّرة للحرمين بما مرّ ضعيفة سندا.

ودليل الثالث على تحديد الأوّلين : ما مرّ. وعلى الثالث بالبلد فلرواية القندي (٣) ، وعدم الفصل بين حرم الرسول وحرم أمير المؤمنين ، قال في التهذيب : لم يفرّق أحد بين الحرمين (٤) ، وعلى الرابع بالحائر الاقتصار على المتيقّن.

ودليل الرابع : التصريح في الأخبار بخصوص مكة ، والاقتصار في البواقي على المتيقّن.

ودليل الخامس : الاقتصار في الجميع على المتيقّن ، وجعل التعبير في بعض الأخبار بالمساجد والحائر قرينة على إرادتها من الحرم.

أقول : بعد ما عرفت من عدم التعارض بين ما ذكر المساجد والحائر بخصوصها وبين ما ذكر البلد أو الحرم يعرف ضعف الاستدلال على التخصيص بهذه الأخبار ، وكذا يظهر ضعف التمسّك بالاقتصار على المتيقّن بحصول التيقّن‌

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ٢٥٦.

(٢) لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٩٣.

(٣) المتقدمة في ص ٣٠٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣٢.

٣١٦

بالأخبار المذكورة. وضعف سند بعضها بعد وروده في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتبرة غير ضائر.

فأقوى الأقوال هو الأوّل ، بل لو لا الشهرة العظيمة لقلنا بالتخيير في مجموع الإحرام الأربعة كما قاله ابنا حمزة وسعيد.

ومنه يظهر جواز الإتمام في تمام بلدة كربلاء والمدينة ومكة الموجودة اليوم ، لكونها جزءا من الحرم ، أمّا مكة فظاهر ، وأمّا المدينة فلما صرّح بأنّ ما بين لابتيها حرم الرسول ، وأمّا كربلاء فلما عرفت من أنّ حرم الحسين عليه‌السلام فرسخ في فرسخ ، فلا حاجة إلى بيان تحديد البلاد الثلاثة في زمان الأئمة عليهم‌السلام.

نعم ، لمّا لم يرد تحديد في الكوفة فيقتصر فيها على ما تيقّن دخوله في البلد في زمان عمارته ، وكذلك المساجد والحائر على القول بالاختصاص ، وقد وردت في بيان التغيير في المساجد وعدمها أخبار لا يهمّنا ذكرها. ومنهم من تعدّى في الكوفة إلى الغري والنجف أيضا (١). ولا دليل تامّا عليه.

ج : مقتضى الأصول والأصول المخالفة لها بإثبات التمام في المواطن الأربعة اختصاصه بالصلاة‌ وعدم التعدية إلى الصوم كما عليه الأصحاب ، بل هو إجماع ظاهرا كما قيل (٢).

وتشعر به أيضا رواية عثمان بن عيسى حيث سئل فيها عن إتمام الصلاة والصيام ، فأجاب عن الصلاة خاصة على ما في أكثر النسخ من تأنيث الضمير (٣).

بل تدلّ عليه صحيحة البزنطي : عن الصيام بمكة والمدينة ونحن [ في ] سفر ، فقال : « فريضة؟ » فقلت : لا ولكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة ، فقال : « تقول : اليوم وغدا؟ » قلت : نعم ، فقال : « لا تصم » (٤).

__________________

(١) كما يظهر من المبسوط ١ : ١٤١.

(٢) الرياض ١ : ٢٥٦.

(٣) راجع ص ٣٠٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ـ ٦٩٠ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ ـ ٣٣٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٢ أبواب من يصح منه

٣١٧

فإنّ المنع عن التطوع يستلزمه في غيره بطريق أولى.

وأمّا ما في بعض الروايات من قوله : « إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت » (١) فيمكن أن يكون المراد به الحتم على القصر إمّا لأنّه الغالب ـ كما قيل (٢) ـ أو لاحتمال الجملة الخبرية له.

د : لا يلحق غير المواطن الأربعة بها ، للأصل.

خلافا للسيّد والإسكافي فطرّدا حكمها في جميع المشاهد الشريفة (٣) ، لشرف المكان ، والتعليل المستفاد من قوله : « قد علمت يرحمك الله .. » في صحيحة ابن مهزيار المتقدمة (٤).

ويردّ الأوّل : بمنع كونه علّة تامة.

والثاني : بأنّه يحتمل أن تكون العلّة فضل الصلاة على مطلق غيرهما كما هو المصرّح به فيها دون مطلق فضل الصلاة ، أو فضلها على بعض ما هو غيرهما ولم يعلم ذلك في سائر المشاهد.

وقد يتوهّم دلالة الرضوي عليه حيث قال : « إذا بلغت موضع قصدك من الحج والزيارة والمشاهد وغير ذلك مما قد بيّنته لك فقد سقط عنك السفر ووجب عليك الإتمام ».

وهو غلط ، لأنّ صدره هذا : « والسفر الّذي يجب فيه التقصير في الصوم والصلاة هو سفر في الطاعة ، مثل الحج والغزو والزيارة وقصد الصديق والأخ وحضور المشاهد وقصد أخيك لقضاء حقه والخروج إلى ضيعتك أو مال تخاف تلفه أو متجر لا بدّ منه ، فإذا سافرت في هذه الوجوه وجب عليك التقصير ، وإن‌

__________________

الصوم ب ١٢ ح ٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(١) الفقيه ١ : ٢٨٠ ـ ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٨ : ٥٠٣ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧.

(٢) البحار ٨٦ : ٩١.

(٣) راجع ص ٣١٤ ، الرقم (٤).

(٤) في ص ٣١١.

٣١٨

كان غير هذه الوجوه وجب عليك الإتمام ، وإذا بلغت » (١) إلى آخر ما مرّ.

فقوله : « وغير ذلك ممّا قد بيّنته » إشارة إلى جميع الأسفار المذكورة ، وظاهر أنه لم يرد الإتمام فيها فالمراد [ من ] (٢) : « إذا بلغت موضع قصدك » أنّه إذا انتهى سفرك ودخلت موضع قصدك الإقامة فيه.

هـ : صرّح جماعة بأنّه لا يعتبر في الصلاة في تلك المواطن التعرض لنية القصر أو الإتمام (٣).

فإن أرادوا أنّه لا يتعيّن عليه أحدهما بنيته ، فلو نوى الإتمام جاز له الرجوع إلى القصر ما لم يتجاوز المحلّ ولا يتعيّن عليه المضي على الإتمام ، وكذا لو نوى القصر جاز له العدول إلى التمام ما لم يسلّم على الركعتين ، فهو صحيح.

وكذا إن أرادوا أنّه لو لم يلتفت أوّلا إلى أحدهما ونوى الصلاة ثمَّ عيّن أحدهما في النية قبل إتمام الصلاة ، أو لم يعيّن أحدهما أيضا بل أتمّ أو قصّر مستصحبا لنية الصلاة ، لتعيّن الفعل بما يفعله من القصر أو الإتمام.

وإن أرادوا الإطلاق حتّى أن يصحّ لو دخل بنية الإتمام ثمَّ سلّم على الركعتين ساهيا أو بنيّة القصر ثمَّ صلّى الركعتين الأخيرتين ساهيا ، فالحكم بالصحة مشكل ، وإن أمكن القول بها حينئذ أيضا للأصل ، إلاّ أن يستشكل بعدم قصد التقرب في الركعتين الأخيرتين حينئذ إن نوى أوّلا القصر ، والأحوط عدم الاجتزاء بما فعل حينئذ.

وقد يقال باعتبار النية لتغاير الماهيتين.

وفيه : عدم استلزام التغاير مطلقا لوجوب التعيين في النية سيّما مع حصول التعيين بما يلحقه من الأجزاء.

و : قد صرّح جماعة من المتأخّرين منهم الشهيد في الذكرى والأردبيلي‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٠ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٣١ أبواب صلاة المسافر ب ٦ ح ٢.

(٢) أضفناه لاستقامة المعنى.

(٣) انظر المعتبر ٢ : ١٥٠ ، والمدارك ٤ : ٤٧٠ ، والبحار ٨٦ : ٩١.

٣١٩

والسبزواري والمجلسي والكاشاني وغيرهم (١) بجواز فعل النافلة الساقطة في السفر في هذه الأماكن سواء اختار القصر أو الإتمام.

وهو كذلك ، للتحريض والترغيب على كثرة الصلاة فيها ، ولما في بعض الأخبار المتقدّمة أنّ الزيادة في الصلاة خير وزيادة الخير خير (٢) ، وفي بعض آخر : صلّ النافلة ما شئت (٣).

ويدلّ عليه أيضا ما في بعض الروايات من أنّه لو صلحت النافلة في السفر لتمت الفريضة (٤).

ويدل عليه أيضا ما روي في كامل الزيارة : عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسين عليه‌السلام ومشاهد النبي والحرمين تطوّعا ونحن نقصّر ، قال : « نعم ، ما قدرت عليه » (٥).

وفيه أيضا : عن التطوع عند قبر الحسين وبمكة والمدينة وأنا مقصّر ، قال : « تطوّع عنده وأنت مقصّر بما شئت » (٦).

ولا تعارض شيئا منها أخبار سقوط النوافل في السفر (٧) ، لاحتمال اختصاصها بما إذا تعيّن القصر وتحتّم فإنّها مصرّحة بأنه لا نافلة مع الركعتين.

ز : لو فاتت صلاة في هذه المواضع فالظاهر بقاء التخيير في قضائها‌ وإن لم‌

__________________

(١) الشهيد في الذكرى : ٢٦ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٤٢٧ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤١٣ ، والمجلسي في البحار ٨٦ : ٩١ ، والكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٤ ، وانظر الحدائق ١١ : ٤٦٩.

(٢) راجع ص ٣٠٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٢٦ ـ ١٤٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٣١ ـ ١١٧٩ ، الوسائل ٨ : ٥٣٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٥ ـ ١٢٩٣ ، التهذيب ٢ : ١٦ ـ ٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٢١ ـ ٧٨٠ ، الوسائل ٤ : ٨٢ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ٤.

(٥) كامل الزيارات : ٢٤٦ ـ ١ ، الوسائل ٨ : ٥٣٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢٦ ح ١.

(٦) كامل الزيارات : ٢٤٧ ـ ٢ ، الوسائل ٨ : ٥٣٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢٦ ح ٢.

(٧) الوسائل ٤ : ٨١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١.

٣٢٠