مستند الشّيعة - ج ٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-83-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٤٨

وعلى كون الصلاة فريضة ، فلا تكفي النافلة التي تسقط في السفر.

وأن تكون الصلاة بتمام ، فلا تكفي الفريضة الغير المقصورة ، ولا المقصورة إذا أتممت لشرف البقاع.

ويمكن الخدش فيه بأنّ من صلّى المغرب أو الصبح مثلا يصدق أنّه صلّى فريضة بتمام ، وتقييدها بالمقصورة لا دليل عليه ، وتبادر أنّ الإتمام لنيّة الإقامة ممنوع. نعم يتبادر أن تكون الصلاة تامّة مع الاختيار والقصد ، فلو تمَّ المقصورة بغير نيّة الإقامة سهوا لم يكن كافيا. وبالجملة مقتضى الصحيحة كفاية الصلاة التامة الواقعة بقصد المكلّف كيف ما كان ، والتقييد بتامّة مخصوصة لا دليل عليه.

وعلى هذا فلو ترك الصلاة حتى مضى وقتها بنيّة الإقامة ، ثمَّ قضاها تامة ثمَّ رجع لا يقصر.

ثمَّ إنّه بعد إيقاع الصلاة الواحدة تامة لو رجع ، كما يصلّي باقي الصلوات تامة يصوم أيضا ، لمفهوم قوله : « إذا قصّرت أفطرت » (١) ويجبر عدم دلالته على الوجوب بالإجماع المركب.

المسألة الثالثة : في بيان قطع السفر بالتردّد شهرا في موضع‌ ، بمعنى أنه لو تردّد في الإقامة عشرة في موضع قصّر ما بينه وبين شهر ، فإذا تمَّ الشهر أتمّ الصلاة ولو صلاة واحدة ، بلا خلاف فيه ، بل عليه الإجماع في كلمات جملة من الأصحاب (٢) ، بل هو إجماعي محققا ، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى المستفيضة من الصحاح وغيرها ، منها : صحاح زرارة والخزّاز وابن وهب ورواية أبي بصير المتقدّمة (٣) ، وصحيحة أبي ولاّد الآتية في بيان حكم المواطن الأربعة (٤).

__________________

(١) انظر الوسائل ١٠ : ١٨٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤.

(٢) كصاحب المدارك ٤ : ٤٦٣.

(٣) في ص ٢٤٣ ، ٢٤٤.

(٤) انظر ص ٣٠٧.

٢٦١

وهل المعتبر الشهر الهلالي الحاصل برؤية الهلال إلى رؤيته ، كما هو الوارد في أكثر الروايات المتضمنة للفظ الشهر؟

أو الثلاثون يوما كما في صحيحة الخزاز؟

أطلق الأكثر الأول تبعا لأكثر الروايات.

وقال الفاضل والشهيدان بالثاني (١) ، حملا للمجمل على المبين أو المطلق على المقيد.

والحق هو الثاني ، لا لما ذكر ، لمنع كون الشهر مجملا أو مطلقا ، بل الظاهر كونه حقيقة شرعا في الهلالي.

بل لأنّ الحكم بالإتمام إذا تمَّ الشهر في رواياته عامّ يشمل ما قبل تمام الثلاثين وما بعده ، وصحيحة الخزّاز خاصّة بالنسبة إلى الأول ، فيجب التخصيص بها ، ويدلّ عليه استصحاب حكم القصر أيضا إلى أن يعلم حصول سبب التمام. ومنه يعلم وجوب البناء على الثلاثين أيضا لو قلنا بتعارض الروايات.

وحكم الخروج إلى ما دون المسافة هنا وتلفيق اليومين كما مرّ في إقامة العشرة بعينه.

الشرط الرابع : أن يكون السفر سائغا غير محرّم‌ ، بلا خلاف بين الأصحاب كما في الذخيرة (٢) ، بل بالإجماع كما صرّح به جماعة منهم المحقّق في المعتبر والفاضل في جملة من كتبه (٣) ، بل هو إجماع محقّقا ، له ، وللمستفيضة من الأخبار كصحيحة ابن مروان : « من سافر قصّر وأفطر ، إلاّ أن يكون رجلا سفره إلى صيد ، أو في معصية الله ، أو رسولا لمن يعصي الله ، أو في طلب شحناء أو‌

__________________

(١) الفاضل في التذكرة ١ : ١٩٠ ، الشهيد الأول في الذكرى : ٢٥٦ ، الشهيد الثاني في الروض : ٣٧٨.

(٢) الذخيرة : ٤٠٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٧٠ ، وانظر المنتهى ١ : ٣٩٢ ، والتذكرة ١ : ١٩١.

٢٦٢

سعاية أو ضرر على قوم مسلمين » (١).

ورواية ابن بكير : عن الرجل يتصيد اليوم واليومين والثلاثة أيقصر الصلاة؟ قال : « لا : إلاّ أن يشيّع الرجل أخاه في الدين ، وإنّ التصيّد مسير باطل لا يقصر الصلاة فيه » (٢).

وموثّقة عبيد : عن الرجل يخرج إلى الصيد يقصر أم يتمّ؟ قال : « يتمّ لأنّه ليس بمسير حقّ » (٣).

ومرسلة الفقيه : « لا يقصر الرجل في شهر رمضان إلاّ بسبيل حق » (٤).

وصحيحة حمّاد وفيها في باغي الصيد والسارق : « وليس لهما أن يقصرا في الصلاة » (٥).

وزرارة : عمن يخرج عن أهله بالصقور والبزاة والكلاب مسيرة الليلة أو الليلتين والثلاث هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال : « إنّما خرج في لهو لا يقصر » (٦).

وموثّقة سماعة : « ومن سافر قصّر الصلاة وأفطر إلاّ أن يكون رجلا مشيّعا لسلطان جائر أو خرج إلى صيد » (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٩ الصيام ب ٥٠ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٩ ـ ٦٤٠ ، بتفاوت يسير ، الوسائل ٨ : ٤٧٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٧ الصلاة ب ٨٥ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ـ ٥٣٦ ، الاستبصار ١ : ٢٣٥ ـ ٨٤١ ، الوسائل ٨ : ٤٨٠ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٨ الصلاة ب ٨٥ ح ٨ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ـ ٥٣٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ ـ ٨٤١ ، الوسائل ٨ : ٤٧٩ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤١٠ ، الوسائل ٨ : ٤٧٦ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٤٣٨ الصلاة ب ٨٥ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ـ ٥٣٩ ، الوسائل ٨ : ٤٧٦ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٢١٨ ـ ٥٤٠ ، ٤ : ٢٢٠ ـ ٦٤١ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ ـ ٨٤٢ ، الوسائل ٨ : ٤٧٨ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ١.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٠٧ ـ ٤٩٢ ، ٤ : ٢٢٢ ـ ٦٥٠ ، الاستبصار ١ : ٢٢٢ ـ ٧٨٦ ، الوسائل ٨ : ٤٧٧ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٤.

٢٦٣

ورواية أبي سعيد الخراساني : في رجلين سألاه عن التقصير ـ إلى أن قال ـ : وقال للآخر : « وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان » (١).

ورواية إسماعيل بن أبي زياد : « سبعة لا يقصرون الصلاة » إلى أن قال : « والرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب الّذي يقطع السبيل » (٢).

ثمَّ إنّ صريح هذه الأخبار عدم التقصير في السفر الّذي تكون غايته حراما أي يقصد بسفره أمرا محرّما. ولا ريب فيه.

ومقتضى فتاوى الأصحاب والإجماعات المنقولة الإتمام فيه وفيما إذا كان السفر نفسه معصية حراما أيضا وإن لم تكن غايته كذلك كالناشزة المسافرة إلى صلة الأرحام ، وقد صرّح بذلك جماعة (٣).

واستدلّوا له بعموم صحيحة ابن مروان ، وعموم التعليل في الروايتين المتعقّبتين لها ، وبالاستثناء في المرسلة ، وبأنّ التقصير تخفيف من الله سبحانه ورحمة منه وتعطّف لموضع سفره وتعبه ونصبه واشتغاله بظعنه وإقامته كما صرّح به في مرسلة الفقيه (٤) ، ولا شكّ أنّ التخفيف والرحمة والتعطّف للعاصي لا يناسب الحكمة ، وبأنّ المنع عن التقصير لمن غاية سفره معصية يقتضي منعه لمن نفس سفره معصية بالطريق الأولى.

أقول : تحقيق المقال إنّ السفر الّذي يعصى فيه على أقسام أربعة :

الأول : أن تكون غايته معصية أي يكون المقصود منه كلا أو جزءا معصية ، بمعنى أن يكون سفره لأجل الوصول إلى المعصية.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٠ ـ ٦٤٢ ، الاستبصار ١ : ٢٣٥ ـ ٨٣٨ ، الوسائل ٨ : ٤٧٨ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٢ ـ ١٢٨٢ ، التهذيب ٤ : ٢١٨ ـ ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ ـ ٨٢٦ ، الوسائل ٨ : ٤٧٧ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٥.

(٣) منهم صاحب المدارك ٤ : ٤٤٦ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٩ ، وصاحبا الرياض ١ : ٢٥٢ ، والحدائق ١١ : ٣٨١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩٠ ـ ١٣٢٠ ، الوسائل ٤ : ٨٧ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٤ ح ٥.

٢٦٤

والثاني : أن لا تكون الغاية حراما ولكن يكون أصل السفر منهيّا عنه شرعا ذاتا ، خصوصا كالفرار من الزحف ، أو عموما كالإباق من المولى ، والنشوز عن الزوج ، وسفر الولد بدون إذن الوالد ، وسلوك السبيل المخوف ، أو مع المرض المضرّ معه السفر ونحو ذلك.

ومن هذا القسم ما كان السفر تصرّفا في ملك الغير فإنّه يكون هذا السفر منهيّا عنه ، لأنّ النهي عن تصرّف ملك الغير نهي عن جميع أفراد التصرّف منها الحاصل بسبب السفر ، كالسفر بركوب الدابة المغصوبة ، فإنّ الحركة السفرية عين التصرّف في الدابة ، وكالسفر بالنعل الغصبي.

والثالث : أن لا يكون الغاية محرّمة ولا السفر منهيّا عنه ذاتا وأصالة ، ولكن كان مستلزما لمحرّم وعلّة وسببا له حتّى يكون السفر محرّما بالتبع ، ومن هذا القسم ما كان ضدّا خاصا لواجب مضيّق يستلزم السفر تركه.

والرابع : أن لا يكون الغاية محرّمة ولا السفر علّة لمحرّم ، ولكن تصاحبه المعصية ولا ينفكّ فيه عن معصية ، كأن يكون مشغولا بغيبة شخص أو بالملاهي الّتي كان مشغولا بها في الحضر أيضا.

ولا شكّ في عدم الترخّص في كلّ ما كان من القسم الأوّل ، والإجماع عليه منعقد والأخبار به ناطقة.

كما أنّه لا شكّ في الترخّص في ما كان من القسم الرابع ، لعمومات السفر ، وكونه جائزا قطعا ، وأصالة عدم حرمته.

وإنّما وقع الخلاف في الثانيين عن ثاني الشهيدين (١) ، فرخّص فيهما أيضا ، لاختصاص الأخبار بالأوّل.

وممّن لحقه من فرّق بين القسمين فلم يرخّص في الثاني ورخّص في الثالث (٢) ، نظرا إلى عدم جعله الحرام التبعي معصية ، أو عدم قوله بكون مسبّب‌

__________________

(١) في روض الجنان : ٣٨٨.

(٢) المدارك ٤ : ٤٤٧ ، الذخيرة : ٤٠٩.

٢٦٥

الحرام وملزومه حراما ، أو عدم جعله الأمر بالشي‌ء نهيا عن ضدّه الخاص ، كما قال بكل بعض من لا حظّ له من التحقيق.

وظاهر الأكثر بل صريحهم ـ كما عرفت ـ ومقتضى إطلاقات إجماعاتهم المنقولة عدم الترخّص فيهما أيضا ، لما نقلنا عنهم من الوجوه.

أقول : بعض ما ذكروه من الوجوه وإن كان محلّ نظر كعموم صحيحة ابن مروان ، إذ عمومها إنّما هو لو جعلت لفظة : « في » بمعنى المصاحبة أو الباء ، وأمّا لو جعلت للتعليل أو السببيّة أو بمعنى : « إلى » فلا يكون لها عموم. وكعدم ملاءمته لعلّة شرعيّة التقصير ، فإنّ مقتضاها وجود المعلول كلّما وجدت العلّة وأمّا انتفاؤه مع انتفائها فإنّما هو يقتضيه الأصل الّذي لا أثر له هنا مع وجود إطلاقات الترخّص. وكالقياس بالطريق الأولى ، فإنّه موقوف على العلم بالعلّة وهو هنا محل كلام.

إلاّ أنّ إثبات المطلوب بعموم التعليل الوارد في الرواية والموثّقة حسن سيّما الموثّقة ، إذ لا شك أنّ الحقّ هنا إنّما هو بمعنى الحقيق واللائق أو الواجب ، وكلّ ما كان فليس السفر المحرّم بنفسه أصلا أو تبعا منه ، لأنّ المنهي عنه كيف ما كان لا يكون حقّا ، بل بأيّ من المعاني الصالحة للمقام من معانيه أخذ لا يكون المحرّم منه قطعا.

ومنه يظهر دلالة مرسلة الفقيه أيضا.

ويدلّ عليه أيضا الرضوي المنجبر بما مرّ : قال : « في أربعة مواضع لا يجب أن تقصر : إذا قصدت مكّة ومدينة ومسجد الكوفة والحيرة ، وسائر الأسفار التي ليست بطاعة مثل طلب الصيد والنزهة ومعاونة الظالم ، وكذلك الملاّح والفلاّح والمكاري » (١).

ولا شكّ أنّ كلّ سفر منهي عنه ولو تبعا ليس بطاعة ، والتمثيل بما مثّل لا يوجب التخصيص ، وأصرح منه ما قاله بعد كلام : « ولا يحلّ التمام في السفر إلاّ‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦١ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٤٤ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ٢.

٢٦٦

لمن كان سفره لله جلّ وعزّ معصية أو سفرا إلى صيد ».

وتعضده إطلاقات الفتاوى والإجماعات المنقولة بل المحقّق على الظاهر أيضا ، وعدم مناسبة علّة الترخص له ، ومظنونيّة علّة عدم إتمام من غاية سفره الحرام ، فلا ينبغي الريب في ثبوت الحكم للقسمين أيضا.

فروع :

أ : مقتضى إطلاق أكثر الروايات المتقدّمة وإن كان عدم الترخّص في الصلاة ولا الصوم للصائد مطلقا‌ ، إلاّ أنّه خصّ بما إذا كان الصيد للهو ، دون ما إذا كان لقوته وقوت عياله مع الحاجة إليه ، بلا خلاف فيه على ما صرّح به جماعة (١) ، بل بالإجماع كما عن المنتهى والتذكرة (٢) ، ودون ما إذا كان للتجارة إجماعا أيضا في الإفطار ، وعلى الأشهر بين المتأخّرين بل كما قيل : عليه كافتهم (٣) ، وفاقا للمحكي عن السيّد والعماني والديلمي (٤) من المتقدّمين ، في قصر الصلاة أيضا.

إمّا جمعا بين ما ذكر وبين صحيحة ابن سنان : عن الرجل يتصيّد ، قال : « إن كان يدور حوله فلا يقصر ، وإن كان تجاوز الوقت فليقصر » (٥) أي بلغ حدّ الرخصة.

بشهادة صحيحة زرارة ورواية إسماعيل بن أبي زياد المتقدمتين ، بل التعليل المذكور في موثقة عبيد أيضا.

أو لرفع اليد عن المتعارضين للتعارض وبقاء ما مرّ ممّا اختص بالمنع عن التقصير في صيد اللهو بلا معارض مقاوم.

__________________

(١) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ١ ٢٨٨ ، وصاحب المدارك ٤ : ٤٤٨ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٩ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٥٢.

(٢) المنتهى ١ : ٣٩٢ ، التذكرة ١ : ١٩٢.

(٣) الرياض ١ : ٢٥٢.

(٤) السيد في الانتصار : ٥١ ، المختلف : ١٦١ عن العماني ، الديلمي في المراسم : ٧٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢١٨ ـ ٥٤١ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ ـ ٨٤٣ ، الوسائل ٨ : ٤٧٩ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٢.

٢٦٧

مضافا فيما إذا كان للقوت إلى مرسلة محمّد بن عمران : الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين يقصر أو يتمّ؟ قال : « إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر ويقصر ، وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة » (١).

والرضوي : « وإذا كان ممّا يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم » (٢).

بل هما يدلاّن على التقصير في التجارة أيضا ، إذ الصيد للقوت أعمّ من أن يتقوّت به نفسه أو يتّجر به للقوت. هذا مع ما ورد في الصحاح وغيرها : « إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت » (٣).

خلافا في الصلاة فيما إذا كان الصيد للتجارة فيتمّها للمحكي عن المفيد ونهاية الشيخ والمبسوط وعليّ بن بابويه والقاضي وابن حمزة والحلّي (٤) ، بل أكثر القدماء كما قيل (٥) ، بل ادّعى الأخير الإجماع عليه ، وادّعى بعض مشايخنا عليه الشهرة القديمة المحقّقة القريبة من الإجماع ، بل قال : لم ينقل مخالف فيه من القدماء عدا السيّد ومن مرّ ، وهم لم ينصّوا على المسألة بل حكموا بالقصرين في السفر المباح وبتلازم القصرين ، فلعلّهم أرادوا التخصيص (٦).

وهو الأظهر ، لمرسلة المبسوط حيث قال : وإن كان للتجارة دون الحاجة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٨ الصلاة ب ٨٥ ح ١٠ ، الفقيه ١ : ٢٨٨ ـ ١٣١٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ـ ٥٣٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ ـ ٤٨٥ ، الوسائل ٨ : ٤٨٠ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٥.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٢ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٣٣ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ٢.

(٣) كما في صحيحة معاوية بن وهب ، انظر : الفقيه ١ : ٢٨٠ ـ ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٨ : ٥٠٣ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧.

(٤) المفيد في المقنعة : ٣٤٩ ، النهاية : ١٢٢ ، المبسوط ١ : ١٣٦ ، المختلف : ١٦١ عن علي بن بابويه القاضي في المهذب ١ : ١٠٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٠٩ ، ولكن الموجود فيها لزوم التقصير في الصلاة دون الصوم ، الحلي في السرائر ١ : ٣٢٧.

(٥) الرياض ١ : ٢٥٢.

(٦) الرياض ١ : ٢٥٢.

٢٦٨

روى أصحابنا أنّه يتمّ الصلاة ويفطر الصوم (١).

ومرسلة السرائر حيث قال : وروى أصحابنا بأجمعهم أنّه يتمّ الصلاة ويفطر الصوم (٢).

والرضوي : « وإذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والقصر في الصوم » (٣).

وضعفها غير ضائر ، لأنّ ما مرّ من دعوى الإجماع والشهرة بل تحققها (٤) لها الجابر ، مع أنّ المبسوط والسرائر من الكتب المعتبرة والمروي فيهما لا يخلو عن اعتبار وحجيّة سيّما مع ظهور الأوّل وصراحة الثاني في كون الرواية مجمعا عليها. ولا يوجب دعوى الشهرة المتأخّرة بل ولا المطلقة ـ كما عن التذكرة (٥) ـ وهنا في حجّية ما انجبر بالشهرة القديمة ، لعدم التعارض. ولا يعارضها شي‌ء ممّا مرّ ، لأعمّيتها عنها مطلقا فيخصّ بها.

وهل المراد بالتجارة الّتي قلنا فيها بإتمام الصلاة مطلق التكسب والبيع ولو كان لأجل القوت ، أو المراد بها ما لم يكن للقوت ولو بالمعاوضة والمبايعة بل كان الغرض زيادة المال؟

الظاهر : الثاني : لمقابلة التجارة في مرسلة المبسوط بقوله : « دون الحاجة » واحتمال ذلك في مرسلة السرائر أيضا ، لعدم معلومية المرجع ، بل لعدم ثبوت الانجبار المتوقّف حجّية الأخبار عليه فيما إذا كان للحاجة ولو بالمعارضة.

وهنا روايتان أخريان :

إحداهما : الرضوي المذكور في كتاب الصوم قال : « وصاحب الصيد إذا‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٣٦.

(٢) السرائر ١ : ٣٢٧.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٢ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٣٣ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ٢.

(٤) في « ه‍ » و « ح » : تحققهما.

(٥) لم نجدها في التذكرة ، لكن نقلها عنها في الرياض ١ : ٢٥٢.

٢٦٩

كان صيده بطرا فعليه التمام في الصلاة والصوم ، وإذا كان للتجارة فعليه التمام في الصلاة والصوم » (١).

وثانيتهما : المروي في كتاب النرسي ، قال في حكم الصائد : « فإن كان ممّن يطلبه للتجارة وليست له حرفة إلاّ من طلب الصيد فإنّ سعيه حقّ وعليه التمام في الصلاة والصيام ، لأنّ ذلك تجارته فهو بمنزلة صاحب الدور الّذي يدور في الأسواق في طلب التجارة والمكاري والملاّح » (٢).

ومقتضى الأوّل عدم ترخّص التاجر بالصيد في شي‌ء من الصلاة والصوم ، ومقتضى الثاني التفصيل فيه بين ما إذا كان الصيد حرفته وعمله وعدمه.

ولكنّهما ضعيفان ، ولقول الفرقة مخالفان ، فلا يصلحان لإثبات حكم.

ب : كما يعتبر هذا الشرط ابتداء يعتبر استدامة أيضا‌ ، فلو عرض قصد المعصية في الأثناء انقطع الترخّص حينئذ وبالعكس ، بلا خلاف يعلم من الأصحاب في الموضعين كما في الذخيرة (٣).

ويشترط على الثاني كون الباقي مسافة ، ذهابا على ما قيل (٤) ، لأنّه ابتداء السفر المسوّغ للقصر ، ولاستصحاب الإتمام. ولو كان مع العود مسافة جاز قصره في بقية الذهاب ، كما مرّ وجهه في المسائل المتقدّمة.

وعلى الأوّل لو عاد ثانيا إلى قصد الطاعة فإن كان الباقي مسافة ـ ولو كان مع ضمّ العود ـ جاز القصر قطعا ، بل وجب لو كان العود في اليوم ، كما أنّه لو كان كذلك بنفسه وجب أيضا كذلك.

ولو لم يكن بنفسه مسافة فعن القواعد (٥) عدم وجوب القصر وعدم ضمّ ما‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠٨ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٣٣ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ٢.

(٢) كتاب زيد النرسي ( الأصول الستة عشر ) : ٥٠ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٣٢ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ١.

(٣) الذخيرة : ٤٠٩.

(٤) الرياض ١ : ٢٥٢.

(٥) القواعد ١ : ٥٠.

٢٧٠

قبل المعصية مع ما بعده ، للأصل.

وعن الذكرى وظاهر المعتبر والمنتهى وجوبه (١) ، بل هو ظاهر الصدوق والشيخ في المبسوط والنهاية والسرائر (٢) ، لإطلاق مرسلة السيّاري : « إنّ صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة ، فإذا عدل عن الجادة أتمّ ، فإذا رجع إليها قصر » (٣).

وعن التذكرة والنهاية والتحرير والمسالك وروض الجنان : التردّد (٤).

والأظهر : الثاني ، لأنّه قصد أوّلا الثمانية فكان عليه القصر في جميع هذه المسافة ، خرج عنه ما خرج لقصد المعصية ، فيبقى الباقي.

ومنه يظهر القصر لو لم يكن الباقي مع ما قبل قصد المعصية مسافة أيضا إذا كان المجموع مسافة. فتأمل.

ج : لو انتهى سفره عصيانا وأراد العود إلى منزله فإن كان سائغا قصر‌ ، لأنّه مسير حقّ. وإلاّ لم يقصر كما إذا قصد بالعود تصرّفا في مال الغير أو ظلما أو حكومة باطلة.

د : قد عرفت أنّ السفر الموجب للإتمام هو ما كان منهيّا عنه ، سواء كان لأجل أنّ المقصود منه المعصية أو نفس السفر معصية ذاتا أو تبعا لسببيته لمعصية ، وأنّه لا يتم لو كانت المعصية مقارنة للسفر لا مسبّبة عنه.

وسفر المعصية ذاتا ما تعلّق به النهي خصوصا أو عموما كما عرفت ، وتبعا ما تعلّق به النهي بتبعيّة غيره ، وهو يكون بكونه ضدّا خاصّا لواجب أي كان مانعا عن فعل واجب مضيّق ، أو ملزوما لحرام لزوما عقليا أو عاديا ، أو سببا له سببيّة‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٥٨ ، المعتبر ٢ : ٤٧٠ ، المنتهى ١ : ٣٩٢.

(٢) الصدوق في الفقيه ١ : ٢٨٨ ، المبسوط ١ : ١٤٢ ، النهاية : ١٢٤ ، السرائر ١ : ٣٤٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١٨ ـ ٥٤٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٧ ـ ٨٤٦ ، الوسائل ٨ : ٤٨٠ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٦.

(٤) التذكرة ١ : ١٩١ ، نهاية الإحكام ٢ : ١٨١ ، التحرير ١ : ٥٦ ، المسالك ١ : ٤٩ ، روض الجنان : ٣٨٨.

٢٧١

عقلية أو عادية بمعنى أنّه يوجب من وجوده الوجود.

ولا يحرم غير ذلك وإن قارن السفر أو كان مشروطا بالسفر ، إذ شرط الحرام ليس بحرام ، فلا يحرم السفر المستصحب فيه دابّة الغير من غير ركوبها ولو حملت عليه الآلات ، أو الخمية المغصوبة ، أو الّذي ينزل فيه منزلا مغصوبا ، أو يتضرّر به الغير إذا لم يكن التضرر لازما عقليا أو عاديا للسفر بل كان بإرادة المكلّف ، ونحو ذلك.

وبالجملة : المناط في الإتمام العصيان بالسفر دون العصيان في السفر.ومعنى العصيان بالسفر كون السفر معصية ، والمناط في كونه معصية كونه بخصوصه منهيا عنه أو من أفراد المنهي عنه ، أو ملزوما وسببا لحرام لزوما وسببية عقلية أو عرفية بحيث لا يمكن تخلّفه عنه عقلا أو عادة ، لا أن يكون لأجل اختيار المكلّف وإن كان ذلك الحرام ترك واجب.

هـ : لو كان المسافر سفر المعصية مكرها على السفر‌ إكراها يزيل الحظر كما فيه خوف على النفس أو المال المحترم أو العرض ونحو ذلك يجب عليه التقصير ، إذ مع ذلك لا يكون السفر منهيا عنه ولو كان ارتكاب المعصية في السفر اختياريا غير مكره عليها.

ولو كان مكرها على المعصية دون السفر بمعنى أن علم أنّه لو سافر يكره على المعصية كالركوب على الدابة المغصوبة أتمّ ، لكون السفر معصية لوجوب ترك هذه المعصية الموقوف على ترك السفر ، فيكون تركه واجبا فيكون فعله حراما. وما يقول من أنّ الامتناع بالاختيار ينافي الاختيار يريد منه أنّه ينافي الاختيار حال الامتناع لا مطلقا.

و : لو كان سفر المعصية مكرهة ولكن كان الإكراه على نفس السفر دون وقته ، كأن يتمكّن من التأخير يوما أو بعض يوم ولو بتمارض ونحوه وجب التأخير. ولو سافر قبل ما لا يتمكّن من التأخير إليه يجب عليه الإتمام إلى وصول زمان لا يتمكّن من التأخير عنه ، إذ ليس مكرها حال السفر لو قدّم.

٢٧٢

ز : الشاك في صدور المعصية في السفر وعليّته لها يقصر‌ ، لعدم عصيانه بالسفر. بل وكذا الظانّ.

ح : التابع للغير كالخادم والعسكر إن علم بصدور معصية موجبة لعدم الترخص عنه أي معصية تجعل السفر معصية ولو تبعا لمتبوعه ، يتمّ‌ إذا لم يكن مكرها على السفر.

الشرط الخامس : أن لا يكون السفر عمله وصناعته ، فإن كان كذلك لم يقصر صلاة ولا صياما ، بلا خلاف إلاّ عن العماني (١) ، بل بالإجماع كما عن الانتصار والخلاف والسرائر والتذكرة ونهاية الإحكام (٢) ، له ، وللمستفيضة كصحيحة زرارة : « أربعة قد يجب عليهم التمام في السفر كانوا أو في الحضر : المكاري ، والكريّ ، والراعي ، والأشتقان ، لأنّه عملهم » (٣).

ومرفوعة ابن أبي عمير المرويّة في الخصال : « خمسة يتمّون ، في السفر كانوا أو الحضر : المكاري ، والكريّ ، والراعي ، والأشتقان وهو البريد ، والملاّح ، لأنّه عملهم » (٤).

والرضوي : « والذي يلزمه التمام للصلاة والصوم في السفر : المكاري ، والبريد ، والراعي ، والملاّح ، والرابح ، لأنّه عملهم » (٥).

وصحيحة هشام : « المكاري والجمّال يختلف وليس له مقام يتمّ الصلاة ويصوم شهر رمضان » (٦).

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ١٦٣.

(٢) الانتصار : ٥٣ ، الخلاف ١ : ٥٧٦ ، السرائر ١ : ٣٣٦ ، ولم نعثر على ادّعاء الإجماع في التذكرة ونهاية الاحكام.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٦ الصلاة ب ٨٥ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٨١ ـ ١٢٧٦ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ـ ٥٢٦ ، الخصال : ٢٥٢ ـ ١٢٢ ، الوسائل ٨ : ٤٨٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٢.

(٤) الخصال : ٣٠٢ ـ ٧٧ ، الوسائل ٨ : ٤٨٧ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ١٢.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠٨ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣٧٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ١٢٨ الصيام ب ٥٠ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٢١٨ ـ ٦٣٤ ، الوسائل ٨ : ٤٨٤ ، أبواب صلاة

٢٧٣

ومحمّد بن جزك : إنّ لي جمالا ولي قوّاما عليها ولست أخرج فيها إلاّ إلى طريق مكة لرغبتي في الحج أو في الندرة إلى بعض المواضع ، فما يجب عليّ إذا أنا خرجت معهم أن أعمل ، أيجب عليّ التقصير في الصلاة والصيام في السفر أو التمام؟ فوقّع عليه‌السلام : « إذا كنت لا تلزمها ولا تخرج معها في كلّ سفر إلاّ إلى مكّة فعليك تقصير وفطور » (١).

ومحمّد : « ليس على الملاّحين في سفينتهم تقصير ، ولا على المكاري والجمّال » (٢).

ورواية إسحاق : عن الملاّحين والأعراب هل عليهم تقصير؟ قال : « لا ، بيوتهم معهم » (٣).

وقريبة منها مرسلة الجعفري (٤).

ورواية إسماعيل بن أبي زياد : « سبعة لا يقصرون الصلاة : الجابي الّذي يدور في جبايته ، والأمير الّذي يدور في إمارته ، والتاجر الّذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، والراعي ، والبدوي الّذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر » (٥) إلى غير ذلك.

وتحقيق الكلام في ذلك المقام برسم مسائل :

الأولى : اعلم أنّ الحكم في تلك الأخبار وغيرها معلّق على أشخاص‌

__________________

المسافر ب ١١ ح ١.

(١) الكافي ٣ : ٤٣٨ الصلاة ب ٨٥ ح ١١ ، الفقيه ١ : ٢٨٢ ـ ١٢٨٠ ، التهذيب ٣ : ٢١٦ ـ ٥٣٤ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ ـ ٨٣٥ ، الوسائل ٨ : ٤٨٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٧ الصلاة ب ٨٥ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٨١ ـ ١٢٧٧ ، الوسائل ٨ : ٤٨٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٨ الصلاة ب ٨٥ ح ٩ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ـ ٥٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٣ ـ ٨٢٩ ، الوسائل ٨ : ٤٨٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٧ الصلاة ب ٨٥ ح ٥ ، الوسائل ٨ : ٤٨٦ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٦.

(٥) الفقيه ١ : ٢٨٢ ـ ١٢٨٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٤ ـ ٥٢٤ ، ٤ : ٢١٨ ـ ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ ـ ٨٢٦ ، الوسائل ٨ : ٤٨٦ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٩.

٢٧٤

معيّنين ، وهم بعد ردّ المترادفة منها بعضها إلى بعض عشرة : المكاري ، والكريّ ، والراعي ، والأشتقان ، والملاّح ، والبريد ، والأعراب ، والجابي ، والأمير ، والتاجر.

وقد يستفاد العلّة من بعض هذه الأخبار أيضا كاستفادة كون السفر عملا لهم من التعليل في الثلاثة الاولى ، واستفادة الاختلاف وعدم المقام من الوصف المشعر بالعلّية في صحيحة هشام ، والإلزام والخروج في كلّ سفر من الشرط المشعر بالعليّة في صحيحة ابن جزك ، وكون بيوتهم ومنازلهم معهم من التعليل في رواية إسحاق ، وكثرة الدوران والسفر أي التكرر المستفاد من صيغة المضارع الدالّة على التجدّد الاستمراري في رواية إسماعيل من اشتراك الجميع في هذا الوصف ، وغير ذلك ممّا قد يستنبط من تلك الأخبار.

ولذا ترى الأصحاب مختلفين في التعبير عن المسألة وعنوانها :

فمنهم من يعنونها بالأشخاص على اختلاف منهم في تعدادهم. فعلّق الصدوق الحكم في المقنع والأمالي على خمسة : المكاري ، والكريّ ، والاشتقان ، والراعي ، والملاّح (١). والفاضلان على الخمسة المذكورين في رواية إسماعيل (٢).

وابن حمزة على ثمانية هم بزيادة المكاري ، والملاّح ، والبريد (٣). والبيان على تسعة هؤلاء بزيادة الجمّال (٤). وهكذا.

ومنهم من عنونها بالعلّة المنصوصة ، فعلّقه على من كان السفر عملا وحرفة له (٥).

ومنهم من عنونها بكثير السفر كجماعة (٦).

__________________

(١) لم نجده في المقنع بل وجدناه في الهداية : ٣٣ وفيه بدل الاشتقان : البريد ، الأمالي : ٥١٤.

(٢) المحقق في المعتبر ٢ : ٤٧٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٩١.

(٣) الوسيلة : ١٠٨.

(٤) البيان : ٢٦٤.

(٥) كما في الحدائق ١١ : ٣٩٠ ، والرياض ١ : ٢٥٢.

(٦) منهم الشهيد الأول في الدروس ١ : ٢١١ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٧٣ ، وصاحب المدارك ٤ : ٤٤٩.

٢٧٥

ومنهم من عنونها بمن يكون سفره أكثر من حضره ، كالشيخين والسيّد والديلمي والحلّي والشرائع والقواعد والتحرير والإرشاد والتبصرة (١) ، بل ادّعى على ذلك العنوان الإجماع. إلى غير ذلك.

ولعلّ نظر الأوّلين إلى عدم دليل تامّ على غير خصوص هؤلاء المعدودين في النصوص : أمّا كون السفر عملا لهم فلأنّه إنّما يتمّ لو ارجع الضمير المنصوب إلى السفر ، وهو غير متعيّن ، لإمكان إرجاعه إلى مبادئ الأوصاف المذكورة في الروايات. وأمّا العنوانان الأخيران فلعدم ذكر منهما في شي‌ء من الأخبار.

ونظر الثاني إلى العلّة المنصوصة.

ونظر الأخيرين إلى استفادة هذين العنوانين من تعليق الحكم على هؤلاء الأشخاص لأنّهما الوصف المشترك بينهم.

أقول : لا يخفى أنّ التعبير عن المسألة بالعنوانين الأخيرين وإن لم يكن جيّدا لعدم دليل عليهما سوى العلّة المستنبطة الّتي هي عندنا ليست بحجّة ، وأمّا العنوان المتقدّم عليهما وهو كون السفر عملا وشغلا وحرفة له فهو ممّا نصّت عليه الروايات ، وإرجاع الضمير إلى السفر هو الظاهر المتبادر منها بل لا مرجع له غيره في الكلام مذكورا ، والإرجاع إلى غير المذكور خلاف الأصل والظاهر ، فلا مفرّ من اعتباره وصحة عنوان المسألة به. وكذا يلزم عنوان آخر أيضا ، وهو عدم كونهم ممّن منازلهم معهم كما علّل به في الرواية والمرسلة ، وهما ليسا بمتّحدين ، إذ الظاهر عدم عدّ السفر شغلا ولا حرفة للذين منازلهم معهم.

وأمّا العنوان بالأشخاص وإن كان صحيحا إلاّ أنّ بعد ملاحظة التعليلين يكون أخصّ من مناط الحكم ومتعلّقه ، إذ لا ينحصر من يكون السفر عمله لهؤلاء‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٣٤٨ ، والشيخ في النهاية : ١٢٢ ، السيد في الانتصار : ٥٣ ، الديلمي في المراسم : ٧٤ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٣٨ ، الشرائع ١ : ١٣٤ ، القواعد ١ : ٥٠ ، التحرير ١ : ٥٦ ، الإرشاد ١ : ٢٧٥ ، التبصرة ٤١.

٢٧٦

الأشخاص ، إلاّ أنّ الغالب في هذه الحرفة أنّه لا يخرج عن واحد من هؤلاء وإن أمكن فرض غيرهم أيضا نادرا إلاّ أنّه غير شائع. ويمكن أن يكون نظر المكتفين بالأشخاص إلى ذلك أيضا ، ولكنّ الأولى العنوان بمقتضى العلّتين.

فإن قلت : لا شكّ أنّ من يكون السفر عمله أعمّ من هؤلاء الأشخاص من وجه ، وكذلك هؤلاء أعمّ منه من وجه ، إذ من له دوابّ اشتراها للبيع أو شغل آخر إذا كاراها مكرّرا يصدق عليه المكاري وإن لم يقصد التحرّف به ، وكذا يطلق البريد على من سافر مرّات في الرسالة وإن لم يتخذ ذلك شغلا له ، وعلى هذا فالأولى العنوان بهما معا كما فعله جماعة.

قلنا : لو سلّمنا أنّ ذلك الاستعمال على عنوان الحقيقة نقول : إنّ تعليل إتمامهم بأنّ سفرهم لأجل أنّه عملهم يخصّصهم بذلك.

نعم ، يشكل الأمر فيما لم يذكر فيه تلك العلّة ، وهو الجابي والأمير والتاجر ، إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ قوله : « يدور » في هؤلاء الثلاثة ليس باقيا على معناه الاستقبالي فالمراد إمّا أن يكون من شأنه ذلك أو قصده ذلك أو من عمله ذلك ، وعلى التقادير يتوقّف على التحرّف به. ولو سلّم فيكون محتملا للمجموع مجملا فلا يثبت الحكم في غير من كان ذلك عمله. ومنه يظهر أنّ جعل أحد هؤلاء قسيما ومقابلا لمن يكون السفر عمله غير جيّد.

فروع :

أ : يشترط في صدق المناط المذكور وهو كون السفر شغلا وعملا له أمران :

أحدهما : اتّخاذ السفر لأجل بعض تلك الحرف شغلا لنفسه ، أي قصد التصنع والاستحراف والاشتغال به والبناء على ذلك ، فلو لم يقرّره ولم يتخذه حرفة له لا يتمّ ولو سافر أزيد من عشرين سفرا.

وثانيهما : التكسب به أي الشروع في العمل وتحقّق السفر وصدوره عنه ، فإنّ قاصد الكراء وغيره والموطّن نفسه عليه ما لم يشتغل بالسفر لا يقال : إنّه حرفته ، بل يقال : إنّه مريد له ، وإن استعمل اللفظ في حقّه يكون من باب مجاز‌

٢٧٧

المشارفة.

ب : لا يشترط في صدق المناط المذكور كون العمل ممّا لا يتأتّى إلاّ بالسفر‌ كالمكاري والملاّح والبريد ، بل يكفي في الصدق قصده على أن يسافر بالعمل.

بيان ذلك : إنّ الأعمال على قسمين.

أحدهما : ما يكون السفر جزءا لمفهومه وداخلا في حقيقته كالثلاثة المذكورة.

وثانيهما : ما ليس كذلك بل يمكن في السفر والحضر ، كالطبيب والجرّاح والتاجر والبيطار والراثي والواعظ ونحوها.

فما كان من الأوّل يكفي فيه قصد الشغل والشروع ، وما كان من الثاني يشترط فيه مع ذلك قصد اتخاذ ذلك شغلا له في السفر أي يوطّن نفسه على المسافرة إلى البلاد المختلفة لذلك وقرّر شغله في المسافرة.

لا يقال : الظاهر من كون السفر عمله هو ما كان من الأوّل ، إذ الشغل والعمل في الثاني ليس إلاّ التجارة والطبابة ونحوهما غاية الأمر أنّهما تقارنان السفر فليس السفر شغلا وعملا.

لأنّا نقول : الشغل والعمل ليس شيئا معيّنا لا يختلف ، فكما أنّ التجارة شغل والطبابة شغل ، كذلك التجارة السفرية والطبابة السفرية أيضا شغل ، ولا شك أنّ السفر جزء حقيقة ذلك الشغل.

ج : إذ قد عرفت أنّه يحصل صدق المناط المذكور بالاتّخاذ والقصد والشروع‌ يعلم أنّه لا يتوقّف إتمام من هذا شأنه على تكرّر سفر ، بل يتمّ في السفر الأوّل ، كما هو ظاهر جماعة من المعنونين لهؤلاء الأشخاص ، وصريح بعض من عنون بالعنوان المذكور (١).

إلاّ أنّه لما يشترط في إتمام بعض هؤلاء عدم إقامة العشرة ـ كما يأتي ـ فيجب مع الصدق تحقيق هذا الشرط أيضا لا لأجل اشتراط التكرار. فلو دخل أحد منزله‌

__________________

(١) كالحلي في السرائر ١ : ٣٤٠.

٢٧٨

أو بلدا آخر من سفر ثمَّ قرّر نفسه على الكراء واشترى دوابا وخرج قبل العشرة أيضا يتمّ ولو خرج بعدها يقصر.

نعم ، لو عنونت المسألة بأحد العنوانين الأخيرين فالظاهر توقّف الإتمام على التكرّر ، لعدم صدق كثير السفر ولا أنّ سفره أكثر من حضره بدون التكرّر. ولكن يرد حينئذ أنّ صدق العنوانين بالثلاثة ممنوع ، واشتراط الزائد عليها بالإجماع مدفوع ، فيبقى اشتراط الثلاثة أو الاثنين بلا دليل ، وليس من قبيل اللفظ العام حتّى يبقى غير ما خرج بالدليل.

ولو كان العنوان أحد هؤلاء فإن كان المراد بهذه الألفاظ أهل حرفتها كما يستعمل كثيرا في الحرفة فلا يحتاج إلى التكرّر ، وإن كان ذوي ملكاتها كما هو أيضا من الاستعمالات الشائعة فالظاهر التوقّف على التكرّر بل أزيد ممّا ذكروه من ثلاثة أسفار ، وإن لم يعلم المراد فالواجب في غير المتكرّر الرجوع إلى عمومات القصر في السفر إلاّ أنّها حينئذ تكون عمومات مخصّصة بمجملات فلا تكون حجّة في موضع الإجمال ويرجع إلى أصل التمام.

وهنا احتمال ثالث وهو إرادة المتلبس بالمبدإ أيضا ، وعليه أيضا يكفي المرّة في مثل المكاري والبريد الخاليين عن المبالغة.

قيل : لو جعل العنوان والمناط كون السفر عملا أو أحد هؤلاء ولو بمعنى المتحرّف بهذه الحرفة يلزم التكرر أيضا ولو لم نقل باشتراط في الصدق ، للزوم حمل المطلقات على الغالب الشائع المتبادر منها وليس هو إلاّ من تكرّر منه السفر ثلاثا فصاعدا لا من يحصل منه في المرّة الاولى (١).

وفيه : منع التبادر أولا ، ولو سلّم فلا تفاوت بين المرة الاولى والثالثة في عدم التبادر والغلبة وهم لا يشترطون أزيد من الثلاثة ، فإذا لم يحمل على الغالب فيحمل على الحقيقة.

المسألة الثانية : يشترط في وجوب التمام على من ذكر عدم إقامته عشرة أيّام‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٥٢.

٢٧٩

في بلده ولا بلد آخر ، فلو أقام كذلك قصر ، على المعروف من مذهب الأصحاب ، بل هو مقطوع به عندهم ، وعن المعتبر نفي الخلاف فيه (١).

لا للتقييد بالّذي يختلف وليس له مقام ، في صحيحة هشام المتقدمة (٢) ـ كما قيل ـ حيث إنّ المراد بالإقامة فيها الإقامة عشرة بشهادة التتبع ، مع أنّ الإقامة دونها حاصلة لكلّ كثير السفر لصدقها على نحو يوم بل ساعة ولا يخلومنها أحد ، فيوجب التقييد عدم وجود كثير السفر الّذي يلزمه التمام (٣).

إذ لو تمَّ ذلك لكان بمفهوم الوصف وهو غير معتبر ، سيّما مع جواز كون الشرط واردا مورد الغالب كما هو الأكثر في المكاري ، على أنّه يمكن أن يكون المراد بالمقام محل الإقامة العرفية الّتي صدقها على إقامة العشرة غير معلوم.

بل لمرسلة يونس : عن حدّ المكاري الّذي يصوم ويتمّ ، قال : « أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الّذي يدخله أقلّ من عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبدا ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الّذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإفطار » (٤).

ورواية ابن سنان : « المكاري إن لم يستقرّ في منزله إلاّ خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار وأتمّ بالليل وعليه صوم شهر رمضان ، وإن كان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر قصّر في سفره وأفطر » (٥).

ونحوها صحيحته إلاّ أنّه زاد فيها بعد قوله : « أو أكثر » : « وينصرف إلى منزله‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٧٢.

(٢) في ص ٢٧٣.

(٣) الرياض ١ : ٢٥٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٩ ـ ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ ـ ٨٣٧ ، الوسائل ٨ : ٤٨٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢١٦ ـ ٥٣١ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ ـ ٨٣٦ ، الوسائل ٨ : ٤٩٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ٦.

٢٨٠