مستند الشّيعة - ج ٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-83-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٤٨

قبل الإمام لعذر أو مع نية الانفراد ، بلا خلاف ظاهر ، بل هو المقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك والذخيرة (١) ، بل بالإجماع كما عن المنتهى (٢).

للأصل ، وخصوص الأخبار ، كصحيحة علي : عن الرجل يكون خلف الإمام فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي‌ء أن يفوت أو يعرض له وجع ، كيف يصنع؟ قال : « يسلّم وينصرف ويدع الإمام » (٣).

وأبي المعزى : عن الرجل يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل الإمام ، قال : « ليس عليه بذلك بأس » (٤).

والحلبي : في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد ، قال : « يسلّم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحبّ » (٥).

ومقتضى إطلاق الأخيرتين الجواز بدون العذر أيضا وإن لم ينو الانفراد ، كما نسبه في روض الجنان والذخيرة (٦) إلى ظاهر الأصحاب والجماعة مشعرين بدعوى الإجماع عليه.

وهو الأقوى ، لما ذكر ، ولعدم ثبوت وجوب متابعة الإمام في الأقوال ، فلا ينافي ذلك التقديم الايتمام.

خلافا لظاهر النافع والمحكي عن الذكرى (٧) ، فاعتبروا العذر أو نيّة الانفراد.

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٨٧ ، الذخيرة : ٤٠٢.

(٢) راجع المنتهى ١ : ٣٨٤ و ٣٨٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦١ ـ ١١٩١ ، التهذيب ٣ : ٢٨٣ ـ ٨٤٢ ، قرب الإسناد ٢٠٧ ـ ٨٠٣ ، الوسائل ٨ : ٤١٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٥ ـ ١٨٩ ، الوسائل ٨ : ٤١٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٧ ـ ١١٦٣ ، التهذيب ٣ : ٣٤٩ ـ ١٤٤٥ ، الوسائل ٨ : ٤١٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٣.

(٦) في روض الجنان : ٣٧٩ ، الذخيرة : ٤٠٢.

(٧) النافع : ٤٨ ، نقله عن الذكرى في الروض : ٣٧٩.

١٦١

وليس له وجه ظاهرا سوى وجوب المتابعة في الأقوال ، وهو ممنوع. أو عدم جواز المفارقة من غير نيّتها في غير تلك الحال ، وهو غير مفيد للمطلوب في ذلك المجال.

ويستفاد من إطلاق تلك الأخبار بل عمومها الحاصل من ترك الاستفصال سيّما الثانية : عدم توقّف جواز التقدّم على الإمام والتسليم قبله على كونه بعد السجدة الأخيرة ، بل جوازه في أثناء الصلاة مطلقا من غير ضرورة ، كما حكي عن الأكثر (١) ، بل عن الخلاف وظاهر المنتهى وصريح التذكرة والنهاية (٢) : الإجماع عليه.

واستدلّ له أيضا : بالإجماعات المنقولة.

وبخروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صلاته جماعة يوم ذات الرقاع وإتمامها منفردا (٣).

وبعدم وجوب الجماعة ابتداء فكذا استدامة.

وبأن الغرض من الايتمام تحصيل الفضيلة فتركه مفوّت لها دون الصحّة.

وبأصالة عدم وجوب استمرار الايتمام.

وفي الكلّ نظر :

أمّا الإطلاقات فلظهورها في التقدّم في التسليم خاصّة دون سائر الأفعال ، فإنّ ذكر التقدّم فيه خاصّة مشعر بعدم التقدّم في غيره. مع أنّ جواز التقدّم في التسليم لا يدلّ على جواز التقدّم في غيره مع ثبوت وجوب المتابعة ممّا مرّ من أدلّتها سيّما أخبار الفراغ قبل قراءة الإمام.

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٤٣.

(٢) الخلاف ١ : ٥٥٢ ، غير أنه لم يصرح فيه بالإجماع ، المنتهى ١ : ٣٨٤ ، التذكرة ١ : ١٧٥ نهاية الإحكام ٢ : ١٢٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٦ الصلاة ب ٩١ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٩٣ ـ ١٣٣٧ ، التهذيب ٣ : ١٧٢ ـ ٣٨٠ ، الوسائل ٨ : ٤٣٥ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٢ ح ١.

١٦٢

وأمّا الثاني فلعدم حجّيّتها.

وأمّا الثالث فلأنّه لو ثبت فإنّما هو للعذر ولا أقلّ من احتماله. ولا إطلاق له لكونه قضيّة في واقعة.

وأمّا الرابع فلكونه قياسا باطلا في مذهبنا.

وأمّا الخامس فلأنّ الايتمام كما يحصّل الفضيلة يحصّل الصحة أيضا. مع احتمال كون تركه أوّلا مفوّتا لأمر وآخرا لآخر.

وأمّا السادس فلاندفاعه باستصحاب الاشتغال بالصلاة الموقوفة البراءة عنها على الأخذ بالمتيقّن من أحد الأمرين المختلفين في أمور كثيرة ـ كوجوب المتابعة على الاقتداء ، أو القراءة في الأوليين والتسبيح في الأخيرتين على الانفراد ـ وهو الايتمام.

ولذا ذهب بعضهم إلى عدم جواز المفارقة من دون عذر عن الإمام مطلقا الشامل لما إذا نوى المفارقة أم لا. وهو ظاهر الناصريّات والمبسوط (١) ، وقوّاه في الذخيرة والحدائق (٢) ، وهو الأقوى.

لا للأخبار الآمرة باستنابة الإمام الّذي عرض له حادث وتصريح بعض الصحاح منها بأنّه لو لم يستنب لا صلاة لهم (٣) ، لأنّها ـ كما يأتي ـ محمولة على الفضيلة. مع أنّه مع عدم استنابته يكون من الأعذار المسوّغة للمفارقة بالإجماع سيّما إذا لم يمكن الاستنابة ، كما إذا لم يوجد غير المأموم الواحد أو كان الجميع فسّاقا.

بل للاستصحاب المذكور ، فإنّا نعلم قطعا وجوب أحد الأمرين عليه وليس بينهما قدر مشترك لم يعلم الزائد عليه ، فيجري أصل الاشتغال الغير المندفع إلاّ باستمرار الايتمام. وشمول أخبار أحكام المنفرد لمثل ذلك الفرد النادر الملفّق من‌

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) ٢٠١ ، المبسوط ١ : ١٦٠.

(٢) الذخيرة : ٤٠٢ ، الحدائق ١١ : ٢٤٠.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٢٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢.

١٦٣

الأمرين غير معلوم. فالأقوى وجوبه وعدم جواز نيّة الانفراد إلاّ لعذر. والتجويز مع العذر وإن كان أيضا مخالفا للأصل المذكور إلاّ أن الإجماع حينئذ قد رفعه.

فروع :

أ : ما مرّ من جواز الانفراد مطلقا أو مع عذر فإنّما هو في الجماعة المستحبّة. أمّا الواجبة فلا يجوز فيها الانفراد بل يجب الإتمام بدون العذر ، وقطع الصلاة معه لو كان مسوّغا له.

ب : حيث جاز الانفراد فإن كان قبل القراءة أتى بها.

وإن كان في أثنائها ففي البناء على قراءة الإمام ، أو إعادة السورة التي فارق فيها ، أو استئناف القراءة من أوّلها ، أقوال. أقربها الأوّل ، للأصل.

والأولى بالأجزاء ما لو كان الانفراد بعد تمام القراءة قبل الركوع.

ج : هل يجوز عدول المنفرد إلى الايتمام في أثناء الصلاة؟

فيه قولان ، أقربهما العدم وفاقا للذخيرة (١) ، لعدم ثبوت التعبّد بمثله ، واستصحاب الشغل المتقدّم.

وجوّزه الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع (٢) ، ونفى عنه البأس في التذكرة (٣).

د : لو كان يصلّي مع جماعة فحضرت طائفة أخرى يصلّون جماعة ، فهل يجوز له أن يخرج نفسه من متابعة إمامه‌ ويوصل صلاته بصلاة الإمام الآخر؟

فيه وجهان ، أقربهما العدم ، لما ذكر. واستوجه في التذكرة الجواز (٤).

هـ : لو زادت صلاة المأموم عن الإمام بأن كان حاضرا أو مسبوقا ، فهل يجوز اقتداؤه في التتمّة‌ بأحد المؤتمين أو منفرد أو إمام آخر؟

__________________

(١) الذخيرة : ٤٠٢.

(٢) الخلاف ١ : ٥٥٢.

(٣) التذكرة ١ : ١٧٥.

(٤) التذكرة ١ : ١٧٥.

١٦٤

فيه الوجهان. والترك أحوط بل الأقرب ، لما مرّ.

المسألة السابعة : لو عرض للإمام عارض يمنعه من إتمام الصلاة‌ من تذكّر حدث أو صدوره أو رعاف لم يمكن غسله بدون المنافي ، أو وجع شديد لا يتمكّن معه من إتمامها ، قطع صلاته ويدع القوم في صلاتهم ، إجماعا فيهما فتوى ونصّا.

ومن هذه النصوص صحيحة زرارة : عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبرهم أنّه ليس على وضوء. قال : « يتمّ القوم صلاتهم » (١).

ثمَّ فإن لم يمكن استنابة إمام آخر لوحدة المأموم أو عدم حضور من يصلح للإمامة أتمّوا منفردا بمقتضى الصحيحة.

وإن أمكنت الاستنابة يستنيب الإمام من يؤمّهم ، بالإجماع والمستفيضة (٢).

ولو لم يستنب تقدّم بعضهم وصلّى لهم ، لصحيحة علي (٣). أو يقدّمون رجلا ويأتمّون به.

وكذا إن مات الإمام أو أغمي عليه.

كلّ ذلك استحبابا وإن كان مقتضى الأمر الواقع في أكثر تلك الأخبار سيّما استنابة الإمام الوجوب ، ولكن الإجماع على عدم وجوبه أوجب صرف تلك الأوامر عن مقتضى حقائقها.

وقد يستند في نفي الوجوب إلى الصحيحة المتقدّمة ، فإنّها ظاهرة في جواز الإتمام منفردين.

وفيه نظر ، لأنّ إتمامهم صلاتهم أعمّ من أن يكون بالايتمام أو الانفراد ، فالصارف هو الإجماع.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٨ الصلاة ب ٥٩ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٦٤ ـ ١٢٠٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ ـ ٧٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤٠ ـ ١٦٩٥ ، الوسائل ٨ : ٣٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٢٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٢ ـ ١١٩٦ ، التهذيب ٣ : ٢٨٣ ـ ٨٤٣ ، الوسائل ٨ : ٤٢٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢ ح ١.

١٦٥

فروع :

أ : ومن موارد استحباب الاستنابة كون الإمام مسافرا والمأمومين حاضرين ، كما صرّح به في موثّقة البقباق (١).

ب : لو مات الإمام في الأثناء أو أغمي عليه استناب المأمومون استحبابا ، كما ورد في الأخبار (٢).

ج : تكره استنابة المسبوق ، لورود المنع عنه في بعض الروايات (٣) ، إلاّ أنّه يقصر عن إفادة الحرمة ، مع أنّه يدلّ بعض آخر على الجواز أيضا (٤) ، فلا يثبت سوى الكراهة.

وقد ذكروا للمسألة فروعا كثيرة لا اهتمام بشأنها ، لكونها ممّا يندر وقوعها سيّما ما يتعلّق باستنابة المسبوق ، فالإعراض عنها والاشتغال بما هو أهمّ منها أولى وبمحافظة الوقت أحرى.

المسألة الثامنة : الحقّ المعروف من مذهب الأصحاب جواز اقتداء المفترض بمثله‌ في فروض الصلوات اليومية وإن اختلفت في التسمية أو في الكميّة ، بل في المنتهى : إنّه قول علمائنا أجمع (٥).

وعن الصدوق الخلاف في الموضعين ، فقال : إنّه لا يصلّي العصر خلف من يصلّي الظهر إلاّ أن يظنّها العصر ، وإنّه يشترط في الصحة اتّحاد الكميّة (٦).

ولكن المنقول عنه غير ثابت كما صرّح به بعضهم (٧).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٦٤ ـ ٣٥٥ ، ٣ : ٢٢٦ ـ ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٣ ، الوسائل ٨ : ٣٣٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٣.

(٣) راجع الوسائل ٨ : ٣٧٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤١.

(٤) راجع الوسائل ٨ : ٣٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠.

(٥) المنتهى ١ : ٣٦٧.

(٦) نقله عنه الشهيد الأوّل في الذكرى : ٢٦٦ ، والشهيد الثاني في الروض : ٣٧٦.

(٧) الحدائق ١١ : ١٤٩.

١٦٦

لنا على الحكمين : الإجماع المحقّق لعدم قدح المخالفة المذكورة ولو ثبتت ، وعمومات الجماعة.

مضافا في الأوّل إلى صحيحة حمّاد : عن رجل إمام قوم يصلّي العصر وهي لهم الظهر ، قال : « أجزأت عنه وأجزأت عنهم » (١).

وموثقة الفضل في اقتداء الحاضر بالمسافر وعكسه ، وفيها : « وإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوليين الظهر والأخيرتين العصر » (٢).

وصحيحة محمّد في صلاة المسافر خلف الحاضر : « وإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوليين الظهر والأخيرتين العصر » (٣).

وفي الأخير إلى الأخيرتين ، وسائر ما يدلّ على جواز اقتداء المسافر بالحاضر وعكسه.

احتجّ للصدوق في الأوّل بوجه اعتباري غير تامّ ، وصحيحة علي (٤) في اقتداء المرأة عصرها بإمام يصلّي الظهر الغير المثبتة لمطلوبه بوجوه كثيرة.

وكذا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفّل كائتمام من لم يصلّ بمعيد الصلاة ، وعكسه كاقتداء الصبي بالبالغ ومعيد الصلاة بمن لم يصلّ ، بلا خلاف فيهما كما صرّح به غير واحد (٥) ، بل بالإجماع صرّح في الخلاف والمنتهى (٦) ، وتدلّ عليهما العمومات السليمة عن المعارض ، بل النصوص المذكورة في مواضعها.

وكذا اقتداء المتنفّل بالمتنفّل في الاستسقاء والعيد مع فقد شرائط الوجوب.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤٣٩ ـ ١٦٩١ ، وفيهما عن رجل يؤمّ بقوم .. الوسائل ٨ : ٣٩٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ١٦٤ ـ ٣٥٥ ، ٣ : ٢٢٦ ـ ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٣ الوسائل ٨ : ٣٣٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٧ ـ ١٣٠٨ ، الوسائل ٨ : ٣٢٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٧٣ ، الوسائل ٨ : ٣٩٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ٢.

(٥) منهم المحقّق في المعتبر ٢ : ٤٢٥ والعلامة في التذكرة ١ : ١٧٥ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٣٤.

(٦) الخلاف ١ : ٥٤٦ ، المنتهى ١ : ٣٦٧.

١٦٧

كلّ ذلك مع توافق الصلاتين نظما وهيئة ، وإلاّ فلا يجوز الاقتداء في أحدهما بالآخر إجماعا ، فلا يقتدى في الخمس مثلا بصلاة الجنازة والكسوفين والعيدين ، ولا العكس ، لعدم إمكان المتابعة المشترطة نصّا وفتوى.

المسألة التاسعة : تستحبّ إعادة المصلّي منفردا صلاته جماعة‌ إذا وجدت الجماعة بعدها ، سواء كان ذلك المنفرد إماما ثانيا أو مأموما ، بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما صرّح به جماعة (١) ، بل بالإجماع كما حكي مستفيضا (٢) ، له ، وللمستفيضة من الصحاح كصحيحة ابن بزيع : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : إنّي أحضر المساجد مع جيراني وغيرهم ، فيأمروني بالصلاة بهم وقد صلّيت قبل أن آتيهم ـ إلى أن قال ـ : فكتب : « صلّ بهم » (٣).

والحلبي : « إذا صلّيت صلاة وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة فإن شئت فاخرج وإن شئت صلّ بهم واجعلها سبحة » (٤).

والبختري : في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثمَّ يجد جماعة قال : « يصلّي معهم ويجعلها الفريضة » (٥).

ونحوها صحيحة هشام إلاّ أنّه زاد في آخرها : « إن شاء » (٦).

ورواية أبي بصير : أصلّي ثمَّ أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صلّيت ،

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٣٦٧ ، وصاحب الحدائق ١١ : ١٦٢.

(٢) المدارك ٤ : ٣٤١ ، المعتبر ٢ : ٤٢٨ ، المنتهى ١ : ٣٧٩ ، التذكرة ١ : ١٧٥ ، الرياض ١ : ٢٣٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٠ ، الصلاة ب ٦٠ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٥٠ ـ ١٧٤ ، الوسائل ٨ : ٤٠١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٥ ـ ١٢١٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧٩ ـ ٨٢١ ( بتفاوت يسير ) الوسائل ٨ : ٤٠٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ٨.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٩ الصلاة ب ٦٠ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٥٠ ـ ١٧٦ ، الوسائل ٨ : ٤٠٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ١١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥١ ، ١١٣٢ ، الوسائل ٨ : ٤٠١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ١.

١٦٨

فقال : « صلّ معهم ، يختار الله تعالى أحبّهما إليه » (١).

والساباطي : عن الرجل يصلّي الفريضة ثمَّ يجد قوما يصلّون جماعة ، أيجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال : « نعم وهو أفضل » قلت : فإن لم يفعل؟ فقال : « لا بأس » (٢).

وورود الأمر الدالّ على الوجوب في بعض تلك الأخبار لا ينفع في إثباته ، للإجماع على عدم الوجوب. مضافا إلى التصريح بالتخيير النافي للوجوب في بعضها. وظاهره وإن كان إفادة الإباحة المحضة ـ كما لا يستفاد ممّا وقع فيه الأمر جوابا عن السؤال عنها أيضا أزيد من ذلك ، لاحتمال كون السؤال عن أصل الرخصة ـ إلاّ أنّ التصريح في الأخير بالأفضليّة يثبت الاستحباب. مضافا إلى ورود الأمر في بعضها خاليا عن السؤال أو ذكر التخيير. مع الأمر في البعض بجعلها سبحة فإنّه أيضا قرينة على الاستحباب. مع أنّ الرخصة في الإعادة مستلزمة لاستحباب المعادة ، لأنّها عبادة وهي لا تكون إلاّ بفضيلة.

وهل تتعيّن في المعادة نيّة الندب ـ على القول باشتراط نيّة الوجه ـ أو الوجوب ، أو يتخيّر؟

الظاهر : الأوّل كما حكي عن الأكثر (٣) ، لخروجه بالأولى عن العهدة قطعا ، فلا معنى لقصد الوجوب. مضافا إلى الأمر بجعلها سبحه في الصحيحة المتقدّمة ، وفي الرضوي وفيه بعد ذكر الاستحباب : « صلّ معهم تطوّعا واجعلها تسبيحا » (٤).

خلافا للمحكي عن الشهيدين (٥) ، فجوّزا بنيّة الفرض أيضا ، لصحيحتي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٩ الصلاة ب ٦٠ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٣٧٠ ـ ٧٧٦ ، الوسائل ٨ : ٤٠٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٣ : ٥٠ ـ ١٧٥ ، الوسائل ٨ : ٤٠٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ٩.

(٣) الرياض ١ : ٢٣٤.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٢٥.

(٥) نقله عنهما صاحب الرياض ١ : ٢٣٤.

١٦٩

البختري وهشام السابقتين الآمرتين بجعلها الفريضة ، ورواية أبي بصير السابقة المصرّحة بأنّ الله تعالى يختار أحبّهما.

ودلالة الأوليين ليست بواضحة ، لاحتمال الفريضة فيها الفائتة دون التي يراد فيها الإعادة ، أو المراد أنّه يجعل الصلاة المعادة هي الفريضة التي صلاّها أوّلا دون غيرها من الفرائض ، أو المراد إدراك الجماعة في أثناء الأولى فيجعلها نافلة والثانية المعادة هي الفريضة كما يستفاد من الأخبار المعتبرة.

ولا دلالة للأخيرة أصلا ، لأنّ اختياره سبحانه للأحبّ والأفضل لا يجعلها فرضا تصحّ نيّته فيها.

وهل يختصّ استحباب الإعادة بالمنفرد ، أو يشمل الجامع أيضا كمن صلّى فريضة جماعة ثمَّ وجدت جماعة أخرى سيّما إذا كانت الثانية متضمّنة لمزيّة أو مزايا؟

فيه قولان ناشئان من إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة ، بل عمومه الحاصل من ترك الاستفصال ، فيشمل الجامع أيضا.

ومن ظهورها في المنفرد ، لأنّ الظاهر من قوله : « وأقيمت الصلاة » أو : « فتقام » أو : « ثمَّ يجد جماعة » عدم تحقّقها أوّلا فلا شمول في غير الاولى (١) ، وأمّا هي وإن لم تتضمّن مثل تلك العبارة إلاّ أنّها ظاهرة في كون صلاتها الاولى في البيت ، والشائع فيه الفرادى.

وما ذكر في نفي الشمول لغير الاولى ليس ببعيد ، وأمّا ما ذكر لنفي شمولها ففيه منع ظهور كونها في البيت.

فلا بعد في القول الثاني ، إلاّ أنّ الأوّل أحوط ، سيّما مع شهرته الجابرة لما روي عنهم من قولهم : « لا تصلّ صلاة في يوم مرّتين » (٢).

وكذا الكلام فيما لو صلّى اثنان فرادى ، فإنّ في استحباب الصلاة لهما جماعة‌

__________________

(١) أي الرواية الاولى ، وهي صحيحة ابن بزيع وفيها : « .. وقد صلّيت قبل أن آتيهم ».

(٢) عوالي اللئالي ١ : ٦٠ ـ ٩٤ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠٢ ، مسند أحمد ٢ : ١٩ ، و ٤١.

١٧٠

وجهين. أظهرهما العدم ، لعدم استفادة هذه الصورة من النصوص ، وتوقّف العبادة على التوقيف.

المسألة العاشرة : لو علم المأموم نجاسة ثوب الإمام أو بدنه في أثناء الصلاة لم يجب عليه الإعلام‌ ، ولم يجز له ترك الايتمام ، وفاقا لطائفة من الأعلام (١) ، فتصحّ صلاته.

أمّا الأوّل فللأصل الخالي عن المعارض ، المعاضد برواية محمّد : عن رجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلّي ، قال : « لن يؤذنه حتّى ينصرف » (٢).

والمروي في قرب بالإسناد : عن رجل أعار رجلا ثوبا يصلّي فيه وهو لا يصلّي فيه ، قال : « لا يعلمه » (٣).

وصحيحة ابن سنان : إنّ مولانا الباقر عليه‌السلام اغتسل وبقيت لمعة من جسده لم يصبها الماء فقيل له ، فقال : « ما [ كان ] عليك لو سكتّ؟! » (٤).

وأمّا الثاني فللاستصحاب ، وعمومات صحّة الايتمام الخالية عن المخصّص سوى ما توهم ممّا يذكر فساده.

خلافا في الأوّل للفاضل في جواب المسائل المهنّائية ، فأوجب الإعلام من باب الأمر بالمعروف (٥).

وضعفه ظاهر ، لأنّ أدلّة الأمر بالمعروف لا تشمله ، لعدم توجّه الخطاب إلى الجاهل والذاهل والناسي ، فلا معروف ولا منكر بالنسبة إليهم. ولو كان من ذلك‌

__________________

(١) منهم المحدّث البحراني في الحدائق ١١ : ٢٤٢ ، ونقل في مفتاح الكرامة ٣ : ٤٧٣ عن نهاية الإحكام والموجز الحاوي وكشف الالتباس.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٦ الصلاة ب ٦٦ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٦١ ـ ١٤٩٣ ، الوسائل ٣١ : ٤٧٤ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ١.

(٣) قرب الإسناد ١٦٩ ـ ٦٢٠ ، الوسائل ٣ : ٤٨٨ أبواب النجاسات ب ٤٧ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥ الطهارة ب ٢٩ ح ١٥ ، الوسائل ٣ : ٢٥٩ أبواب الجنابة ب ٤١ ح ١ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) أجوبة المسائل المهنائية : ٤٩.

١٧١

الباب للزم كون ذلك الجاهل آثما معاقبا ، وهو خلاف الإجماع.

وإن أراد من قوله : من باب الأمر بالمعروف ، كونه من باب الإرشاد فوجوبه بل رجحانه إنّما يسلّم في الأحكام دون الموضوعات.

وفي الثاني للمحكي عن المحقّق الشيخ علي وبعض العلماء البحرانيين (١) ، فمنعا من الايتمام وأوجبا الانفراد مبنيّا على صلاة الإمام ، لأنّ طهارة الثوب والبدن واجبة في الصلاة ولا تصحّ الصلاة مع العلم بالنجاسة ، وصلاة الإمام متّحدة مع صلاة المأموم ، فتكون كأنّها في ثوبه أو بدنه.

وفيه : منع الاتّحاد. وكونه بمنزلة كون النجاسة في ثوبه وبدنه ممنوع. مع أنّ الثابت من أدلّة اشتراط الطهارة ليس إلاّ اشتراطها في ثوبه وبدنه بنفسه ، لا ما هو بمنزلته.

وقد يستدلّ أيضا بأنّ صلاة الإمام فاسدة واقعا صحيحة ظاهرا ، والمأموم عالم بفساده الواقعي ، فلا يصحّ الايتمام به.

وفيه : منع الفساد واقعا ، إذ ليس الفساد إلاّ عدم الموافقة للمأمور به ، ولا أمر إلاّ بالمعلوم.

المسألة الحادية عشرة : يصحّ اقتداء أحد المجتهدين أو مقلّده بالمجتهد الآخر أو مقلّده‌

وإن علم المأموم مخالفة الإمام له في كثير من أحكام الصلاة ومقدّماتها وشرائطها ، وفاقا لبعض الأجلّة.

لأصالة عدم اشتراط الاتّحاد في الفروع مع القدوة.

وإجماع الأمّة ، لأنّ بناء السلف والخلف على ذلك من غير تفتيش عن اجتهاد الإمام والموافقة والمخالفة في المجتهد ، مع عدم ثبوت أصل يقتضي الموافقة ، واقتداء المجتهدين بعضهم ببعض وكذا المقلّدين مع العلم العادي بالاختلاف حتّى فيما تبطل به الصلاة في حقّ واحد دون الآخر ، وكذا اقتداء أصحاب الأئمة‌

__________________

(١) انظر الحدائق ١١ : ٢٦١.

١٧٢

عليهم‌السلام وتقرير الأئمة لهم ، مع اختلافهم كثيرا في الفروع باختلاف الأخبار كما يظهر من أصولهم.

ولأنّها صلاة صحيحة عند الإمام والمأموم فالإمام يصلّي صلاة صحيحة باتّفاقهما ، فتشمله عمومات الجماعة طرّا من غير مخصّص.

ولا يضرّ بطلان الصلاة في بعض الصور في حقّ المأموم بمعنى أنّه لو فعلها نفسها كذلك مع ما عليه من الرأي عليه تكون باطلة.

لأنّه بطلان فرضي ، أي لو فرض صدورها من المأموم كذلك تكون باطلة ، فإنّها لم تصدر حينئذ منه بل من الإمام ، والصلاة الواقعة صحيحة عندهما ، فلا وجه لعدم جواز الاقتداء ، ولذا لو نذر المأموم أن يعطي من صلّى صلاة صحيحة باعتقاد ذلك المأموم درهما يبرأ بإعطائه ذلك الإمام ، لأنّ صلاته صحيحة باعتقاد المأموم وإن كان لو صدر مثل ذلك عن المأموم يكون باطلا.

وقيّد بعضهم الصحّة بما إذا لم تكن صلاة الإمام باطلة عند المأموم.

فإن أراد البطلان عنده في حقّ الإمام أيضا ، كأن يزعم تقصيره في الاجتهاد أو عدم كون مجتهده جائز الاتّباع مع تقصير المقلّد في معرفة حاله ، فهو كذلك ونحن نقول به ووجهه ظاهر.

وإن أراد البطلان عنده في حقّ نفسه لو فعلها كذلك فهو غير صحيح ، لما ذكر ، وليست صلاة الإمام صلاة المأموم حقيقة بل ولا بمنزلتها حتّى تكون باطلة في حقّ المأموم حينئذ أيضا.

ثمَّ على ما ذكرنا لو كانت المخالفة فيما لا يجب على المأموم فعله أو تركه بل كان ساقطا عنه ، فلا يفعله المأموم ولا شي‌ء عليه لو فعله الإمام ، كما إذا كان مذهب الإمام عدم وجوب السورة ولم يقرأها ، أو جواز القران في الفريضة وقرن ، أو جواز قراءة العزيمة وقرأها ، فلا شي‌ء على المأموم ، وكذا لو رأى المأموم شيئا ناقضا للوضوء أو الغسل ولم يره الإمام كذلك وبنى على الطهارة السابقة عليه فإنّ الإمام متطهّر عندهما.

١٧٣

ولو كانت فيما يجب على المأموم فعله ولم يجب عليه البناء فيه على فعل الإمام ، فيبني على اجتهاد نفسه أو مجتهده. فلو رأى الإمام جواز المسح بالبلّة الجديدة ولم يجوّزه المأموم يتوضّأ المأموم باجتهاد نفسه. ولو أوجب المأموم رفع اليدين بتكبيرة الإحرام دون الإمام يرفعهما المأموم وإن لم يرفعهما الإمام. ولو أوجب المأموم القنوت دون الإمام يقنت ولو لم يقنت الإمام ، ويلحقه في الركوع ، وهكذا.

وكذا الكلام في الاجتهاد في الموضوعات ، فلو توضّأ بماء مغصوب عند المأموم دون نفسه صحّ الاقتداء ، ولو تخالفا في القبلة يتوجّه كلّ منهما إلى قبلته.

١٧٤

الباب الثالث

في صلاة المسافر‌

اعلم أنّه يجب التقصير في الرباعية خاصّة بإسقاط أخيرتيها في السفر المستجمع لشرائط التقصير الآتية ، بإجماع أصحابنا الإمامية ، وعليه تواترت أخبارهم.

وكذا لا خلاف في سقوط نوافلها إلاّ الوتيرة ، فإنّ فيها خلافا قد سبق مع بيان الحق فيه في بحث النوافل.

وكذا يسقط وجوب الجمعة عليه كما تقدّم في بحث صلاة الجمعة.

ولا قصر في غير الرباعية ، ولا سقوط لغير نوافلها من النوافل ، إجماعا.

ثمَّ الكلام في ذلك المقام تارة في شرائط القصر ، واخرى في أحكامه ، فهاهنا فصلان‌ :

١٧٥
١٧٦

الفصل الأول

في شروط القصر‌

وهي أمور :

الأول : المسافة المخصوصة‌ ، بإجماع العلماء من الخاصّة والعامّة سوى داود (١) فاكتفى بمجرّد صدق المسافر والضرب في الأرض. وعلى اعتبارها إجماع علمائنا كافّة ، وحكاية الإجماع عليه متواترة (٢) ، فهو فيه الحجة. مضافا إلى الأخبار المتكثرة ، بل في المعنى متواترة ، وإن اختلفوا في تعيين المسافة ، كما يبيّن بتحقيق المقال فيه في مسائل :

الأولى : اتّفق جميع أصحابنا على عدم اعتبار الأزيد من ثمانية فراسخ ، فيجب التقصير إذا بلغت المسافة إليها ، إجماعا ، له ، وللمستفيضة كمعتبرة الفضل : « وإنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ ، لا أقلّ من ذلك ولا أكثر ، لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال ، فوجب التقصير في مسيرة يوم » (٣) الحديث.

وموثقة سماعة : في كم يقصر الصلاة؟ قال : « في مسيرة يوم ، وذلك بريدان ، وهما ثمانية فراسخ » (٤).

__________________

(١) المجموع ٤ : ٤٢٥.

(٢) انظر الانتصار : ٥١ ، والخلاف ١ : ٥٦٧ ، والسرائر ١ : ٣٣٤ ، والمعتبر ٢ : ٤٦٥ ، والتذكرة ١ : ١٨٨ ، والمدارك ٤ : ٤٢٨ ، والذخيرة : ٤٠٥ ، والرياض ١ : ٢٤٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٩٠ ـ ١٣٢٠ ، العلل : ٢٦٦ ، ب ١٨٢. عيون الأخبار ٢ : ١١١ ، الوسائل ٨ : ٤٥١ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٧ ـ ٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٢ ـ ٧٦٨ ، الوسائل ٨ : ٤٥٣ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٨.

١٧٧

والساباطي : عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ ، فيأتي قرية فينزل فيها ، ثمَّ يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو ستّة ، لا يجوز ذلك ، ثمَّ ينزل في ذلك الموضع ، قال : « لا يكون مسافرا حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ ، فليتم الصلاة » (١).

والمعنى : أنّ الرجل لا يكون مسافرا حتّى يقصد أن يسير من منزله ثمانية فراسخ ، فهذا الشخص يتمّ الصلاة لعدم كونه قاصدا لها ، نعم يقصر في الرجوع لتحقّق القصد.

أو المعنى : هذا الشخص لا يكون مسافرا حتى يسير ثمانية فراسخ ، فإذا سار الثمانية ولو بدون القصد يكون مسافرا ، فقبل ذلك يتمّ الصلاة.

والمعنى الأوّل يوجب جعل سير ثمانية فراسخ بمعنى قصده ، والثاني يوجب تخصيص الأمر بالإتمام بما قبل وصول هذا الرجل الثمانية.

والأول أظهر ، لشيوع إرادة قصد السير من السير في أخبار السفر.

ورواية البجلي ، وفيها : كم أدنى ما يقصر فيه الصلاة؟ قال : « جرت السنّة ببياض يوم » فقلت له : إنّ بياض يوم يختلف ـ إلى أن قال ـ : ثمَّ أومأ بيده أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ (٢).

وتدلّ الأخيرة من غير معارض على كون ثمانية فراسخ أربعة وعشرين ميلا ، كما هو اتفاقي بين الفقهاء ، على ما صرّح به غير واحد (٣) ، بل بين العلماء كافة كما في المدارك (٤) ، بل عليه كلّ اللغويين كما في المصباح المنير (٥).

وتدلّ عليه أيضا مرسلة الفقيه : « لمّا نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٥ ـ ٦٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٢٦ ـ ٨٠٥ ، الوسائل ٨ : ٤٦٩ أبواب صلاة المسافر ب ٤ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٢ ـ ٦٤٩ ، الوسائل ٨ : ٤٥٥ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٥.

(٣) انظر المعتبر ٢ : ٤٦٧ ، والتذكرة ١ : ١٨٨ ، وكفاية الاحكام : ٣٢ ، والحدائق ١١ : ٣٠١.

(٤) المدارك ٤ : ٤٢٩.

(٥) المصباح المنير : ٥٨٨.

١٧٨

النبي : في كم ذلك؟ فقال : في بريد ، قال : وكم البريد؟ قال : ما بين ظلّ عير إلى في‌ء وعير (١) ، فذرعته بنو أمية ثمَّ جزّؤوه على اثني عشر ميلا ، فكان كلّ ميل ألفا وخمس مائة ذراع ، وهو أربعة فراسخ » (٢).

ورواية المروزي ، وفيها : « فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا وذلك أربعة فراسخ » (٣) الحديث.

وعلى هذا فيدلّ على المطلوب ما تضمنت الأميال من الأخبار أيضا ، كموثقة العيص : في التقصير « حدّه أربعة وعشرون ميلا » (٤).

وحسنة الكاهلي : في التقصير في الصلاة ، قال : « بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا » (٥).

وصحيحة زرارة ومحمّد ، وفيها : « وقد سافر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ذي خشب ، وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان ، أربعة وعشرون ميلا ، فقصر وأفطر ، فصارت سنّة ، وقد سمّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صام حين أفطر : العصاة » (٦). الحديث.

ويستفاد من الأخيرتين والمرسلة المتقدّمة كون أربعة وعشرين ميلا ـ التي هي ثمانية فراسخ ـ بريدين أيضا ، بل في المرسلة تصريح باتّحاد البريدين وثمانية فراسخ ، كما دلّت عليه موثقة سماعة المتقدمة ، وصحيحة زرارة : « التقصير في‌

__________________

(١) عير ووعير جبلان بالمدينة انظر : مجمع البحرين ٣ : ٤١٨ وروضة المتقين ٢ : ٦٣٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٦ ـ ١٣٠٣ ، الوسائل ٨ : ٤٦١ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٦ ـ ٦٦٤ ، الاستبصار ١ : ٢٢٧ ـ ٨٠٨ ، الوسائل ٨ : ٤٥٧ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٢١ ـ ٦٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ ـ ٧٨٨ ، الوسائل ٨ : ٤٥٤ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٧٩ ـ ١٢٦٩ ، التهذيب ٣ : ٢٠٧ ـ ٤٩٣ ، ٤ : ٢٢٣ ـ ٦٥٢ الاستبصار ١ : ٢٢٣ ـ ٧٨٧ ، الوسائل ٨ : ٤٥٢ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٦ ، الوسائل ٨ : ٤٥٢ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٤.

١٧٩

البريد ، والبريد أربعة فراسخ » (١). والأخرى : عن التقصير فقال : « بريد ذاهب وبريد جائي ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتى ذبابا قصّر ، وذباب على بريد ، وإنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ » (٢).

وأمّا ما في رواية المروزي : « التقصير في الصلاة بريدان ، أو بريد ذاهبا وجائيا ، والبريد ستّة أميال ، وهو فرسخان » (٣). الحديث.

فمع ما فيها من الحكم المخالف للإجماع من التقصير في فرسخين ، واحتمال كون تفسير البريد وما بعده من الراوي كما في الوافي (٤) ، لا يعارض ما مرّ لشذوذها ، كما صرّح به غير واحد (٥) ، مع أنّها مرجوحة عما مرّ بوجوه.

وعلى هذا فيدلّ على المطلوب ما دلّ على التقصير في البريدين أيضا ، كصحيحة خزاز : عن التقصير ، قال : « في بريدين أو بياض يوم » (٦).

ونحوها صحيحة أبي بصير (٧).

ومرسلة ابن بكير : في الرجل يخرج من منزله يريد منزلا آخر له أو ضيعة له اخرى ، قال : « إن كان بينه وبين منزله أو ضيعته التي يؤمّ بريدان قصّر ، وإن كان دون ذلك أتمّ » (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٢ أبواب السفر ب ٢ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢٣ ـ ٦٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ ـ ٧٩٠ ، الوسائل ٨ : ٤٥٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٧ ـ ١٣٠٤ ، الوسائل ٨ : ٤٦١ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٤ و ١٥.

(٣) راجع الرقم (٣) من الصفحة السابقة.

(٤) الوافي ٧ : ١٣٦.

(٥) منهم الفيض في الوافي ٧ : ١٣٦ ، والحر العاملي في الوسائل ٨ : ٤٥٧ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ذيل الحديث ٤.

(٦) التهذيب ٣ : ٢١٠ ـ ٥٠٦ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ ـ ٨٠٢ ، الوسائل ٨ : ٤٥٣ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٢٢ ـ ٦٥١ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ ـ ٧٨٩ ، الوسائل ٨ : ٤٥٤ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١١.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٢١ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ٨ : ٤٩٢ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٣.

١٨٠