مستند الشّيعة - ج ٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-83-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٤٨

خوف فوات الجماعة كبعضهم ، أو مطلقا كآخر ، لوجه اعتباري لا يقاوم أدلّة حرمة إبطال الصلاة ، بل الرضوي الأخير المنجبر بالعمل.

فروع :

أ : جواز قطع النافلة هل هو مقيّد بخوف فوات الجماعة‌ ، كما عن الأكثر؟ أو لا ، كما عن ظاهر الشيخ والحلّي والقاضي (١)؟

وعلى الأوّل ، فهل المعتبر خوف فوات الركعة أو الصلاة جملة؟

مقتضى قاعدة حرمة قطع النافلة إلاّ فيما ثبت الجواز الأوّل في الأوّل والثاني في الثاني ، إذ ليس على الجواز دليل تامّ سوى الرضوي المحتاج إلى الانجبار الغير المعلوم في غير حال خوف فوت الصلاة وإن كان بنفسه موافقا للإطلاق.

ب : لا شكّ في أنّ الأمر بالقطع في الأوّل وفي النقل في الثاني ليس على الوجوب‌ ، للإجماع.

وهل هو للجواز كما هو ظاهر تعبير بعضهم (٢) ، أو الاستحباب؟

كلّ محتمل ، لأنّ الأمر في الروايات ليس باقيا على حقيقته وكلّ منهما مجازه ، وشيوع التجوّز بالاستحباب يعارض كونه في مقام توهّم الحظر. فتأمّل.

ج : العدول من الفريضة هنا هل يباح مطلقا‌ ، أو مع خوف فوات الركعة ، أو فوت صلاة الجماعة كليّة؟

مقتضى إطلاق الأخبار الأوّل ولكنّ الاحتياط في الثاني.

وهل يتوقّف جواز العدول على دخول الإمام في الصلاة أو بالشروع في الإقامة أو بإتمامها؟

الأحوط الأوّل ، والأقرب الثالث ، لإطلاق الأخبار سيّما الموثقة.

د : لو دخل في ركوع الثالثة من الفريضة فأقيمت الجماعة لم يجز العدول ، لخروجه عن موضع النصوص ، وأصالة عدم جواز العدول.

__________________

(١) النهاية : ١١٨ ، السرائر ١ : ٢٨٩ ، المهذب ١ : ٨٣.

(٢) النهاية : ١١٨.

١٤١

ولو أقيمت بعد قيامه للثالثة ففي جواز النقل هنا أيضا بأن يهدمها ، أو قطع الفريضة من أصلها ، أولا ذاك ولا هذا بل يبقى مستمرّا ، أوجه.

استقرب الفاضل في التذكرة والنهاية (١) وبعض من تأخّر منه (٢) الأخير ، اقتصارا فيما خالف أصل حرمة قطع الصلاة وعدم جواز العدول على المتيقّن من مورد النص والفتوى.

ويمكن أن يقال بشمول الصحيحة لمثل هذه الصورة أيضا ، فيكون جواز العدول حينئذ أيضا أوجه.

هـ : لو عدل إلى النافلة فهل يجوز قطعها‌ لإدراك الجماعة إمّا مطلقا أو مع خوف فوات الركعة أو الصلاة.

الأقرب : لا ، لعدم ثبوت الانجبار للرضوي ـ الذي هو مستند القطع المحرّم ـ في النافلة المعدول إليها أيضا ، مع أنّ ظاهر الرضوي النافلة الابتدائية حيث قال : « وإن كنت في نافلة وأقيمت الصلاة ».

و : لو علم فوات الجماعة أو الركعة مع العدول إلى النافلة‌ أيضا ، كأن يفتتح بطي‌ء القراءة فريضة الظهر قضاء في الصبح ، فافتتح الإمام [ الذلق ] (٣) اللسان فريضة الفجر ، فهل يقطع الصلاة مطلقا ، أو بعد العدول إلى النافلة ، أو يستمرّ على صلاته؟

الظاهر : الأخير ، ووجهه ظاهر ممّا مرّ.

ز : لو كانت الفريضة الّتي يصلّيها ثنائية فهل يجوز العدول عنها إلى النافلة‌ إذا شرع الإمام في الصلاة؟

الظاهر : لا ، لخروجه عن مورد الأخبار. ولا يقطعها أيضا ، للأصل المتقدّم. بل يستمرّ على صلاته.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٨٤ ، نهاية الاحكام ٢ : ١٥٩.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٣٣١.

(٣) في « ه‍ » و « ح » : اللزق ، وفي « ق » و « س » : اللوق. والظاهر أنّهما مصحّفان عمّا أثبتناه.

١٤٢

المسألة الرابعة : إذا فات المأموم شي‌ء من الركعات مع الإمام صلّى ما يدركه‌ وجعله أوّل صلاته وأتمّ ما بقي منها ، بإجماعنا كما عن المعتبر والمنتهى والتذكرة وروض الجنان وغيرها (١).

خلافا للمحكي في المعتبر عن أبي حنيفة وأتباعه فقالوا : إنّ ما يدركه المأموم يجعله آخر صلاته إذا كان مسبوقا. فعندهم يلزم فيما أدركه ما يلزم في الأخيرتين من القراءة أو التسبيح أو السكوت ، وما انفرد به يثبت فيه ما ثبت في الأوليين.

وقد استفاضت رواياتنا في الردّ عليهم.

وعلى هذا فإن أدرك الثانية يجعلها أوّل صلاته لا يقرأ فيها لقراءة الإمام ويقرأ في ثالثة الإمام التي هي له ثانية.

وإن أدرك الثالثة يقرأ فيها وفي رابعة الإمام التي هي لها ثانية.

وإن أدرك الرابعة قرأ فيها وفي ثانية التي انفرد بها.

ويدلّ على الأوّل الرضوي : « إذا فاتك مع الإمام الركعة الأولى التي فيها القراءة فأنصت للإمام في الثانية التي أدركت ، ثمَّ اقرأ أنت في الثالثة للإمام وهي لك ثنتان » (٢).

والدعائمي : في صلاة العشاء الآخرة وقد سبقه بركعة وأدرك القراءة في الثانية فقام [ الإمام ] في الثالثة : « قرأ المسبوق في نفسه كما كان يقرأ في الثانية واعتدّ بها لنفسه أنّها الثانية » (٣).

وعلى الأوّل والثالث رواية البصري : « إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته وهي ثنتان لك ، فإن لم تدرك معه إلاّ‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٤٦ ، المنتهى ١ : ٣٨٣ ، التذكرة ١ : ١٨١ ، روض الجنان : ٣٧٦ الرياض ١ : ٢٤١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٢٢ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٨ ح ٥.

(٣) الدعائم ١ : ١٩١ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٨٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٨ ح ١ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

١٤٣

ركعة واحدة قرأت فيها وفي التي تليها » (١). الحديث.

وعلى الثاني : صحيحة البجلي : عن الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال : « اقرأ فيهما فإنّهما لك الأوليان ، ولا تجعل أوّل صلاتك آخرها » (٢).

وموثقة عمّار بن موسى : عن الرجل يدرك الإمام وهو يصلّي أربع ركعات وقد صلّى الإمام ركعتين ، قال : « يفتتح الصلاة فيدخل معه ويقرأ معه في الركعتين » (٣).

والدعائمي : « إذا أدركت الإمام وقد صلّى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أوّل صلاتك ، فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب إن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ ، واجعلها أوّل صلاتك » (٤).

وعلى الأوّل والثاني : الرضوي : « فإن سبقك بركعة أو ركعتين فقرأ في الركعتين الأوليين من صلاتك الحمد وسورة ، فإذا لم تلحق السورة أجزأك الحمد » (٥).

وعلى الثاني والثالث : صحيحة زرارة : « إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض ، خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه ، جعل ما أدرك أوّل صلاته ، إن أدرك من الظهر أو العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأمّ الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته أمّ الكتاب » إلى أن قال : « وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام فإذا سلّم الإمام‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨١ ، الصلاة ب ٦١ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٧١ ـ ٧٨٠ الوسائل ٨ : ٣٨٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨١ الصلاة ب ٦١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٤٦ ـ ١٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٧ ـ ١٦٨٤ ، الوسائل ٨ : ٣٨٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٧ ـ ٦٧٥ ، الوسائل ٧ : ٣٥٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٩ ح ٢.

(٤) الدعائم ١ : ١٩٢ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٩٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٨ ح ٤.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٤.

١٤٤

قام فقرأ بأمّ الكتاب وسورة ، ثمَّ قعد فتشهّد ، ثمَّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة » (١).

ويظهر من هذه الصحيحة ، بل من صحيحة البجلي والدعائمي المتقدّمتين ورواية أحمد بن النضر : « أيّ شي‌ء يقول هؤلاء في الرجل الّذي تفوته مع الإمام ركعتان؟ » قلت : يقولون : يقرأ فيهما بالحمد وسورة ، فقال : « هذا يقلب صلاته ، يجعل أوّلها آخرها » قلت : فكيف يصنع؟ قال : « يقرأ فاتحة الكتاب في كلّ ركعة » (٢).

أنّ مرادهم عليهم‌السلام من جعل ما أدرك مع الإمام أوّل الصلاة القراءة فيه ، ومعنى : « لا تجعل أوّل صلاتك آخرها » أنّه لا تترك فيه القراءة. بل الظاهر أنّه لا معنى له غير ذلك ، إذ بالقراءة تفترق الأوليين عن الأخيرتين فلا يحصل التقليب إلاّ بتقليب القراءة.

وعلى هذا فتدلّ على المطلوب في الجميع : صحيحة الحلبي : « إذا فاتك شي‌ء مع الإمام فاجعل أوّل صلاتك ما استقبلت منها ولا تجعل أوّل صلاتك آخرها » (٣).

ورواية طلحة : « يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أوّل صلاته » (٤).

ثمَّ إنّ هذه القراءة للمسبوق هل هي على الوجوب؟ كما اختاره جماعة من مشايخنا (٥) ، وحكي أيضا عن أعيان القدماء كالشيخ في التهذيبين والنهاية والسيّد‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٦٢ ، التهذيب ٣ : ٤٥ ـ ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨٣ ، الوسائل ٨ : ٣٨٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٣ الصلاة ب ٦١ ح ١٠ ، الفقيه ١ : ٢٦٣ ـ ١٢٠٢ ( مرسلا ) ، التهذيب ٣ : ٤٦ ـ ١٦٠ الاستبصار ١ : ٤٣٧ ـ ١٦٨٦ ، الوسائل ٨ : ٣٨٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٧.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٣ ـ ١١٩٨ ، الوسائل ٨ : ٣٨٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٦ ـ ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٤٣٧ ـ ١٦٨٥ ، الوسائل ٨ : ٣٨٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٦.

(٥) منهم صاحب الحدائق ١١ : ٢٤٧ ، والبهبهاني في شرح المفاتيح ( مخطوط ) ، وصاحب الرياض ١ : ٢٤٢.

١٤٥

والحلبي بل الصدوقين والكليني (١). وإن قال شيخنا في الحدائق : ولم أقف على من صرّح بوجوب القراءة من المتقدّمين إلاّ على كلام السيّد والحلبي (٢). وقال صاحب المدارك : وكلام أكثر الأصحاب خال عن التعرّض لذلك (٣). وقال في المنتهى : ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب (٤) ، وهو مشعر بندرة القول به بل عدم كونه قولا لواحد من مشاهيرهم حيث نسبه إلى النقل.

أو على الاستحباب؟ كما ذهب إليه الحلّي ، والفاضل في جملة من كتبه كالمنتهى والتذكرة والمختلف ، والمحقّق الأردبيلي وصاحب المدارك (٥).

الحقّ هو الأوّل ، للأمر بالقراءة ـ الّذي هو حقيقة في الوجوب ـ في صحيحة البجلي ، وبجعل ما أدرك مع الإمام أوّل الصلاة ـ ومعناه كما عرفت : القراءة ـ في صحيحة الحلبي.

وهما كافيان في إثبات المطلوب ، فلا يضر كون غيرهما إمّا ضعيفا أو خاليا عن الدالّ على الوجوب مع أنّه أيضا يؤيّد الوجوب جدّا.

واختصاص الصحيحة الأولى بحكم الثاني ـ وهو ما إذا أدرك الركعتين خاصّة ـ غير ضائر ، لعدم القول بالفصل قطعا. مع أنّ التعليل المذكور بقوله : « فإنّهما لك الأوليان » يجري في الجميع ، فيثبت به الحكم فيه ، كما بالصحيحة الأخرى أيضا وعموم ما دلّ على وجوب القراءة.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٦ ، الاستبصار ١ : ٤٣٧ ، النهاية : ١١٥ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٤١ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤٥ ، الصدوق في الفقيه ١ : ٢٦٣ ، ولم نعثر على قول والده كما نسبه في الرياض ١ : ٢٤٢ إلى الصدوق فقط ، الكليني في الكافي ٣ : ٣٨١.

(٢) الحدائق ١١ : ٢٤٢.

(٣) المدارك ٤ : ٣٨٣.

(٤) المنتهى ١ : ٣٨٤.

(٥) الحلي في السرائر ١ : ٢٨٦ ، المنتهى ١ : ٣٨٤ ، التذكرة ١ : ١٨٢ ، المختلف : ١٥٩ ، المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٣٢٧ ، المدارك ٤ : ٣٨٣.

١٤٦

وقد يستدلّ أيضا بقوله : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (١).

وفيه نظر ، إذ لا يتعيّن أن يكون ذلك في الأوليين. مع أنّ فاتحة الإمام ولو في اولييه كافية في صدق الكلام.

احتجّ من قال بالاستحباب : بالأصل ، وعموم ما دلّ على سقوط القراءة خلف الإمام المرضي ، المخصّص به عموم موجبات القراءة والمعارض به الأوامر المذكورة ، فيدور الأمر بين تخصيص عمومات السقوط أو جمل تلك الأوامر على الندب ولا أولويّة ، فيبقى الأصل خاليا عن المعارض.

مع أنّ قرينة الندبية لها موجودة ، وهي انضمامها بما هو للندب قطعا كالتجافي وغيره ، وبالأمر بالقراءة في النفس التي هي غير القراءة الحقيقة المختلفة في وجوبها ، بل هي غير واجبة إجماعا.

ويردّ الأصل بما مرّ.

والعموم ـ لو سلّم ـ بوجود المخصّص ، وهو ما ذكر ، فإنّه أخصّ مطلقا من هذه العمومات فيجب التخصيص به. وهو في مثل تلك الصورة أولى من التجوّز بحمل الأمر على الندب إجماعا ، كما بيّن في الأصول. ولولاه لانسدّ باب التخصيص بالخاصّ المطلق ، إذ ما من خاص إلاّ ويحتمل ارتكاب تجوّز البتة.

وأمّا القرينتان المذكورتان فغير صالحتين لما راموه : أمّا الاولى فلأنّ خروج بعض الأوامر مخرج الاستحباب بقرينة لا يقتضي انسحابه فيما لا قرينة له ، وإنّما هو مسلّم إذا كان الأمر الواحد واردا على أمور متعدّدة بعضها كان غير واجب قطعا ، وهاهنا ليس كذلك بل الأمر متعدّد. مع أنّه معارض بتضمّن بعض الأخبار لما هو للوجوب قطعا.

هذا كلّه ، مع أنّ في صحيحة البجلي التي هي العمدة وقع الأمر بالقراءة فيها في سؤال منفصل على حدة غير السؤال المشتمل على الأمر بالتجافي ، وظاهر أنّ اشتمال الرواية على أسئلة متعددة عن أحكام متباينة شائع ذائع. مع أنّ في‌

__________________

(١) العوالي ١ : ١٦٩ ـ ٢ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٥٨ أبواب القراءة ب ١ ح ٥.

١٤٧

استحباب التجافي خلافا أيضا.

وأمّا الثانية فلأنّ معنى القراءة في النفس لا يتعيّن أن يكون هو القراءة القلبيّة ، إذ يمكن أن يكون المراد منها الإخفاء بها كما شاع التعبير به عنها في الأخبار ، ومنها : ما ورد في الصلاة خلف المخالف مع الاتّفاق على وجوب القراءة الحقيقية فيها.

مع أنّ القراءة في النفس بالمعنى الّذي فهموه ليست قراءة حقيقة ، وليس حملها على هذا المعنى وإخراج القراءة عن حقيقتها بأولى من حملها على الإخفاء.

ولو سلّم فيكون مقتضاها وجوب القراءة النفسية أو استحبابها ، وهذا ممّا لم يقل به أحد ، وكيف يصير ذلك قرينة على استحباب القراءة اللفظية؟! ولو سلّم استحباب ذلك أو وجوبه فأيّ منافاة بينه وبين وجوب القراءة اللفظية حتّى يصير قرينة على استحبابها في سائر الأخبار؟!

ثمَّ الواجب هل هو قراءة الحمد خاصّة ـ كما يقتضيه استدلال بعضهم بحديث : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » ـ أو مع السورة؟

الظاهر : الثاني وإن كانت القراءة في صحيحة البجلي مطلقة ، لأنّ التعليل المذكور فيها يدل على أنّ المراد منها الحمد والسورة ، وكذلك الأمر بجعل الركعتين أوّل الصلاة.

إلاّ أن يقال بعدم ثبوت وجوب السورة في مطلق الأوليين حتّى في مثل المسألة ، لما عرفت في بحث السورة من انحصار دليل وجوبها برواية مختصّة بصلاة المنفرد الموجبة لانضمام الإمام أيضا بالإجماع المركّب الغير المعلوم تحقّقه في المقام.

وعلى هذا فعدم الوجوب أظهر بل تكون مستحبة.

ولا ينافيه مفهوم قوله : « أجزأته أمّ الكتاب » في الصحيحة ، لجواز كون المراد الإجزاء من الأمر الندبي.

فروع :

أ : لو ضاق الوقت عن قراءة الحمد والسورة‌ بأن لو قرأهما لم يدرك الإمام في‌

١٤٨

الركوع اكتفى بالحمد خاصّة ، كما صرّح به في صحيحة زرارة. ولكن ذلك على الجواز أو الاستحباب دون الوجوب ، لما عرفت سابقا من عدم ثبوت وجوب المتابعة بعدم التأخّر (١).

ومقتضى الأصل والصحيحة أنّه لو علم عدم إدراك تمام السورة أجزأته الفاتحة ، ولو أدرك بعض السورة فليس عليه قراءته.

إلاّ أنّ موثّقة الساباطي : عن الرجل يدرك الإمام وهو يصلّي أربع ركعات وقد صلّى الإمام ركعتين ، قال : « يفتتح الصلاة ويدخل معه ويقرأ خلفه في الركعتين ، يقرأ في الأولى الحمد وما أدرك من سورة الجمعة ويركع مع الإمام ، وفي الثانية الحمد وما أدرك من سورة المنافقين ويركع مع الإمام » (٢).

تدلّ على استحباب قراءة البعض أيضا. وهو كذلك ، لذلك.

ولا تنافيه الصحيحة ، لأنّ الإجزاء لا يفيد أزيد من الرخصة. نعم لو أريد الوجوب لحصلت المنافاة ، ولكن لا دليل عليه ، ولا تثبته الموثّقة أيضا ، لمكان الجملة الخبرية ، مضافا إلى أنّ متعلّقها قراءة بعض سورة الجمعة والمنافقين ، وهو غير واجب البتّة.

ولو ضاق عن قراءة الحمد أيضا فهل يقرأ وإن فاته إدراك الركوع فيقرأ ويلحقه في السجود ، أو يترك الفاتحة ويدرك الركوع؟

الحقّ : الأوّل ، لوجوب القراءة بما مرّ ، وعدم دليل على السقوط أصلا سوى ما يأتي ضعفه.

وقيل بالثاني (٣) ، لوجوب المتابعة وانفساخ القدوة بالإخلال بها في ركن.

ولصحيحة ابن وهب : عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهي أوّل صلاة‌

__________________

(١) راجع ص ١٠٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤٧ ـ ٦٧٥ ، الوسائل ٧ : ٣٥٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٩ ح ٢.

(٣) الرياض ١ : ٢٤٢.

١٤٩

الرجل فلا يمهله حتّى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال : « نعم » (١) فإنّ المراد بعدم الإمهال عدم درك الركوع.

ومفهوم الشرط في الدعائمي الثاني (٢).

ويردّ الأوّل : بعدم ثبوت وجوب هذه المتابعة ، كما مرّ في مسألتها.

والثاني : بعدم دلالته على وجوب ترك الحمد والالتحاق أوّلا ، وعدم تعيّن ما لا يدركه المأموم بإتمام الحمد ثانيا ، فلعلّه الركوع أو هو مع السجدتين أو هما مع بقية الصلاة ، فلا يثبت شيئا نافعا ، وعدم دلالتها على المطلوب إلاّ بالتقرير على الاعتقاد ثالثا ، وفي حجّيتها كلام سيّما مع كون أكثر صلوات أصحابهم عليهم‌السلام مع المخالفين وقد صرّحت الأخبار بأنّهم يجعلون أوّل صلاتهم آخرها فلا يقرؤون فيها ، فكان في تقريرهم على ذلك الاعتقاد حقنا لدمائهم وحفظا لتقيّتهم ، بل في الجواب إشعار بذلك حيث قرّره فيه على القضاء في الآخر الّذي من مذهب العامة وليس في مذهبنا.

والثالث : بعدم حجية رواية الدعائم ، سيّما مع عدم ثبوت جابر لها أصلا.

ب : لا خفاء في أنّه لو كانت الصلاة إخفاتية يخفت المأموم القراءة‌ في ذلك المورد. ولو كانت جهريّة ففي وجوب الإخفات كما عن صريح السيّد (٣) ، أو استحبابه كما هو ظاهر بعضهم (٤) قولان.

أظهرهما : الثاني.

أمّا عدم وجوب الجهر فللأصل الخالي عن المعارض ، لاختصاص أدّلة وجوب الجهر بغير ذلك المورد كما مرّ في بحثه ، وعدم ثبوت الإجماع المركّب بل‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٧ ـ ١٦٢ ، ٢٧٤ ـ ٧٩٧ ، الاستبصار ١ : ٤٣٨ ـ ١٦٨٧ ، الوسائل ٨ : ٣٨٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٥.

(٢) تقدّم في ص ١٤٤.

(٣) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٤١.

(٤) الرياض ١ : ٢٤٢.

١٥٠

وجود القول بعدم وجوبه ، بل الظاهر : الإجماع على عدم الوجوب ، لعدم نقل قول بوجوبه هناك أصلا.

وأمّا عدم وجوب الإخفات فللأصل أيضا مع عدم دليل على الوجوب.

وأمّا استحبابه فلصحيحة زرارة المتقدّمة المشتملة على الجملة الخبرية (١) ، ومراعاة ما يستحبّ اتفاقا من عدم إسماع المأموم الإمام شيئا.

ج : صرّح في الحدائق وبعض آخر من مشايخنا بأنّ وجوب القراءة على المسبوق إذا أدرك الأخيرتين‌ إنّما هو إذا أدرك الإمام قبل دخوله في الركوع كما ذكره الأوّل (٢) ، أو قبل تكبيره للركوع كما قاله الثاني (٣). وأمّا إذا أدركه بعد ذلك فتتمّ له الركعة ولا قراءة عليه ويكتفي بالقراءة في الركعة اللاحقة لها. وهو كذلك.

والوجه فيه : أنّ وجوب القراءة إنّما هو إذا أدرك الركعة ، وإدراك الركعة إذا كان الإمام في الركوع موقوف على اللحوق معه في الركوع ، كما صرّحت به الأخبار الصحاح المستفيضة ، المتقدّمة في مسألة إدراك الركعة من صلاة الجمعة ، والقراءة حينئذ غير ممكنة ، فالأمر بالقراءة مقيّد بغير هذه الحالة.

فقوله في صحيحة البجلي التي هي الأصل في وجوب القراءة : عن الّذي يدرك الركعتين الأخيرتين كيف يصنع بالقراءة؟ قال : « اقرأ فيهما » (٤) لا يمكن أن يكون المراد به الّذي يدركهما ولو مع كون الإمام في الركوع ، إذ لا يتحقّق الإدراك حينئذ إلاّ بإدراك الركوع ولا تتيسّر القراءة حينئذ غالبا سيّما بملاحظة الأخبار التي وردت في مقدار تطويل الإمام الركوع للمسبوقين (٥).

فالمراد منه : الّذي يدركهما وتتيسر له القراءة فيهما قبل ركوع الإمام أو بعد إتمامه أيضا. فلو أدركت يسيرا قبل الركوع يأتمّ ويقرأ وإن لحق بعد إتمام الإمام‌

__________________

(١) راجع ص ١٤٤.

(٢) الحدائق ١١ : ٢٤٨.

(٣) الرياض ١ : ٢٤٢.

(٤) تقدمت في ص ١٤٤.

(٥) الوسائل ٨ : ٣٩٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٠.

١٥١

الركوع ، إذ وجوب إدراكه في الركوع إنّما هو إذا افتتح المأموم الصلاة حال ركوع الإمام. ولو أدركه في الركوع يأتمّ ويركع. وكذا الحال في سائر أخبار القراءة.

وبتقرير آخر : لو أدرك المأموم الإمام في ركوع إحدى الركعتين الأخيرتين أو في تكبيره فلا يخلو إمّا يمكنه شرعا إدراك الركعة ، أو لا. والثاني باطل بالإجماع والأخبار المستفيضة ، فبقي الأوّل. وعليه فإمّا يدركها مع وجوب القراءة عليه بأن لا يلحق في الركوع ، أو مع عدم وجوبها. والأوّل باطل ، لصريح الأخبار سيّما ما دلّ على أنّه تجزيه تكبيرة واحدة للتحريمة وتكبيرة الركوع كرواية ابن شريح (١). فتعيّن الثاني وهو المطلوب. ولا يمكن القول بعدم إدراك الركعة إذا أدرك الإمام في الركوع أو تكبيره ، لمخالفته الإجماع بل المستفيضة من الصحاح.

فإن قلت : مدلول أخبار إدراك الركعة بإدراك الركوع أنّ كلّ من افتتح الصلاة حال ركوع الإمام وركع معه أدرك الركعة مع أنّه لا تتيسر له القراءة ، سواء كان الإمام في الركعتين الأوليين أو الأخريين ، ولازمها بل صريحها عدم وجوب القراءة. ومدلول أخبار القراءة أنّ كلّ مدرك للركعتين الأخيرتين تجب عليه القراءة سواء أدركه في الركوع أو غيره ، ولكن في الأوّل لا يمكنه القراءة فيلزمه عدم كونه مدركا للركعة إذا كان ذلك في الركعتين الأخيرتين ، فيتعارضان ، فما وجه الترجيح؟

قلنا : لا شكّ أنّ وجوب القراءة مقيّد بالإمكان قطعا فلا يشمل ما إذا أدرك الإمام في الركوع إذ لا إمكان حينئذ فلا تعارض. مع أنّه على التعارض تترجّح أخبار إدراك الركعة بالإجماع على إدراكها لو أدرك الإمام في الركوع أو تكبيره وركع معه.

د : لو لحق المسبوق في الركعة الثانية يستحبّ له أن يقنت مع الإمام إذا قنت‌ ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب (٢) ، ونصّ عليه موثقة عبد الرحمن بن أبي‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٥ ـ ١٢١٤ ، التهذيب ٣ : ٤٥ ـ ١٥٧ ، الوسائل ٨ : ٣٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٦.

(٢) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٣٢٨ ، وصاحب الذخيرة : ٤٠١ ، وصاحب

١٥٢

عبد الله (١).

هـ : يجب على المسبوق الجلوس إذا جلس الإمام للتشهد ، لوجوب المتابعة في الأفعال التي منها الجلوس والقيام. وتجويز القيام بعد رفع الرأس من السجدة قبل التشهد على القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال ـ كما في الذخيرة (٢) ـ لا وجه له ، لأنّه من باب المتابعة في الأفعال. نعم ، لا يبعد التأمّل في الوجوب من جهة عدم انتهاض أدلّة وجوب المتابعة لإثبات ذلك أيضا.

ويستحبّ أن يكون حين الجلوس متجافيا مقعيا ، وفاقا للأكثر ، لقوله في صحيحة البجلي الواردة في المسبوق بركعة : كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال : « يتجافى ولا يتمكّن من القعود » (٣).

وفي صحيحة الحلبي : « ومن أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه تجافى وأقعى إقعاء ولم يجلس متمكّنا » (٤).

وعن الصدوق وجوبه للروايتين (٥). وهما قاصرتان عن إفادته ، لخلوّهما عن الأمر.

و : وتستحبّ له المتابعة في التشهد‌ وإن لم يكن موضعه للمأموم ، لموثقة ابني المختار والحصين : عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الإمام وأدرك الثنتين فهي الاولى له والثانية للقوم يتشهّد فيها؟ قال : « نعم » قلت : والثانية أيضا؟ قال : « نعم » قلت : كلّهنّ؟ قال : « نعم ، فإنّما هو بركة » (٦).

__________________

الحدائق ١١ : ٢٤٩ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٤٢.

(١) التهذيب ٢ : ٣١٥ ـ ١٢٨٧ ، الوسائل ٦ : ٢٨٧ أبواب القنوت ب ١٧ ح ١.

(٢) الذخيرة ١ : ٤٠١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨١ الصلاة ب ٦١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٤٦ ـ ١٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٧ ـ ١٦٨٤ ، الوسائل ٨ : ٣٨٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٣ بعد حديث ١١٩٨ ، الوسائل ٨ : ٤١٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٧ ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٥٦ ـ ١٩٦ ، ٣ : ٢٨١ ـ ٨٣٢ ، المحاسن : ٣٢٦ ـ ٧٢ ، الوسائل ٨ : ٤١٦ أبواب

١٥٣

ورواية إسحاق بن يزيد : يسبقني الإمام بركعة فتكون لي واحدة وله ثنتان ، أفأتشهّد كلّما قعدت؟ قال : « نعم فإنّما التشهد بركة » (١).

خلافا للمحكي عن جماعة ، فمنعوا عن قول التشهد وأثبت بعضهم بدله التسبيح (٢).

ولا وجه له بعد دلالة الروايتين عليه سوى ضعفهما الغير الضائر عندنا.

ز : يجوز له الجلوس حال تسليم الإمام‌ ، بل الظاهر استحبابه ، لقوله في صحيحة زرارة الواردة في المسبوق (٣) : « فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأمّ الكتاب ».

ولا يجب البتة ، لخروج السلام عن الصلاة بل يجوز له القيام قبله.

ولو جلس لم يسلّم هو ، لما ورد من أنّه به تنقطع الصلاة (٤).

ح : إذا جاء محلّ تشهّد المأموم فليلبث قليلا‌ إذا قام الإمام بقدر التشهد المجزي ، ثمَّ يلحقه إجماعا ، له ولصحيحة البجلي (٥).

المسألة الخامسة : قد عرفت في بحث صلاة الجمعة إدراك المأموم الركعة بإدراكه الإمام قبل رفع رأسه من الركوع.

ولو أدركه بعد ذلك فلا خلاف في عدم إدراكه الركعة ، والأخبار المتقدّمة في البحث المذكور تدلّ عليه ، إلاّ أنّه تستحبّ له المتابعة.

والتفصيل : أنّه إمّا يكون قبل السجدة ، أو بعدها.

__________________

صلاة الجماعة ب ٦٦ ح ١.

(١) الكافي ٣ : ٣٨١ الصلاة ب ٦١ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٧٠ ـ ٧٧٩ ، الوسائل ٨ : ٤١٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٦ ح ٢.

(٢) منهم الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤٥ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) ٥٦٠ ، وابن حمزة على ما نقله عنه في الذكرى : ٢٧٨.

(٣) المتقدّمة في ص ١٤٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٣ ـ ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ـ ١٣٠٧ ، الوسائل ٦ : ٤٢١ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

(٥) المتقدّمة في ص ١٤٤.

١٥٤

فعلى الأوّل يستحبّ له التكبير والدخول مع الإمام في السجدتين بغير ركوع إن لم يركع ، وإن ركع بظنّ الإدراك فلم يدرك هوى إلى السجود ، بلا خلاف فيه على الظاهر كما صرّح به جمع (١).

أمّا التكبير فلفتوى الجماعة التي هي كافية في مقام المسامحة.

وقيل : لا يكبّر كما نقله بعض الأجلّة ، لأنّه لا اعتداد بهذا السجود. وهو لنفي استحبابه غير صالح.

وأمّا السجود معه فلها ، ولرواية المعلّى : « إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتدّ بها » (٢).

ورواية ربعي والفضيل : « ومن أدرك الإمام وقد رفع من الركوع فليسجد معه ولا يعتدّ بذلك السجود » (٣).

وضعفهما ـ لو كان ـ غير ضائر ، لوجوه عديدة.

وقد يستدلّ أيضا بفحوى صحيحة محمّد : متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال : « إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاة فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام » (٤).

فإنّه إذا أدرك الفضل مع درك الإمام في السجدة الأخيرة ففي ما قبلها بالطريق الأولى.

وفيه : أنّه يمكن أن يكون المعنى أنّه إذا بادر أحد إلى صلاة الجماعة ولم يبلغها فله فضل الجماعة إن أدرك الإمام في السجدة الأخيرة ولو لم يدخل معه ، وفحواه إدراك الفضيلة بدركه قبل ذلك أيضا لا أنّه يستحبّ الدخول معه. مع أنّه‌

__________________

(١) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٣٣٤ ، وصاحبا الحدائق ١١ : ٢٥١ ، والرياض ١ : ٢٤٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٨ ـ ١٦٦ ، الوسائل ٨ : ٣٩٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٨ ـ ١٦٥ ، وفيه : « وقد رفع رأسه .. » ، الوسائل ٨ : ٣٩٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ذ ج ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٧ ـ ١٩٧ ، الوسائل ٨ : ٣٩٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ١.

١٥٥

على فرض إرادة الدخول فالأولويّة ممنوعة ، إذ يمكن تجوّز التكبير والنيّة في السجدة الأخيرة من غير استئناف الصلاة دون ما قبلها كما جوّزه بعضهم (١) لعدم زيادة الركن حينئذ.

خلافا للمحكي عن المختلف (٢) ، فتوقّف في استحباب الدخول معه ، لصحيحتي محمّد :

الأولى : « إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل في تلك الركعة » (٣).

والأخرى : « إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل في تلك الركعة » (٤).

وأجيب عنهما بالحمل على الكراهة (٥) ، ولعلّ المراد منها المرجوحيّة الإضافية ، وإلاّ فهي للاستحباب منافية.

والأولى أن يجاب بأنّ المنهي عنه فيهما الدخول في تلك الركعة ، وعدم جوازه مسلّم ، وهو غير مجرّد المتابعة ، وتفصح عنه صحيحة ثالثة لمحمّد : « لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام » (٦).

ثمَّ بعد فراغ الإمام من هذه الركعة يستأنف الصلاة بنيّة وتكبيرة مستأنفة ، مقتديا بالإمام إن شاء إن لم يكن ركعته الأخيرة ، ومنفردا إن كانت الأخيرة. فلا يكون ما فعل جزءا من الصلاة وفاقا للأكثر.

لعدم ثبوت التعبّد للصلاة بمثل ذلك ، مع وجود المانع وهو حصول الزيادة عمدا في الصلاة وهي لها مبطلة.

__________________

(١) الذخيرة : ٤٠١.

(٢) المختلف : ١٥٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨١ الصلاة ب ٦١ ح ٢ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٤ ـ ١٦٧٦ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ٢.

(٥) المدارك ٤ : ٣٨٥.

(٦) التهذيب ٣ : ٤٣ ـ ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ ـ ١٦٧٧ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ٣.

١٥٦

خلافا للمحكي عن الشيخ والحلّي (١) ـ وإن ذكر في الذكرى أنّ كلام الشيخ ليس بصريح في عدم الاستئناف (٢) ـ فينوي في الأوّل للصلاة ولا يستأنف الصلاة قيل : لاغتفار الزيادة في المتابعة (٣).

وهو كان حسنا لو كان هناك دليل على كون ما فعل من الصلاة ، ولم يوجد شي‌ء سوى الخبرين ، وهما لا يدلاّن إلاّ على مطلوبيّة السجود مع الإمام ، وهي لا تلازم كونه من الصلاة حتّى يستلزم اغتفار الزيادة.

قيل : السكوت عن الأمر بالاستيناف دليل على عدم لزومه ، لورود النصّ مورد الحاجة (٤).

قلنا : ممنوع ، وأيّ حاجة في الأمر بالاستئناف إذا أمر بشي‌ء مستحبّ قبل الصلاة؟

مع احتمال عدم السكوت بعد الإتيان بقوله : « ولا تعتدّ بها » في الرواية الأولى ، لاحتمال رجوع الضمير فيها إلى الصلاة ، بل استدلّ به على الاستئناف.

ولكنّه ضعيف ، لاحتمال رجوعه إلى الركعة أيضا ، فلا ينافي عدم الاستئناف. مع أنّ هذا الاحتمال أولى ، لكون المرجع ـ عليه ـ مذكورا قبل الضمير صريحا ، بخلاف الأوّل لعدم سبق ذكر له قبله إلاّ ضمنا.

قيل : قوله : أدركته وأدرك في الروايتين يدلاّن على أنّه يدخل في الصلاة فينوي ويكبّر تكبيرة الإحرام ، لأن الإدراك كناية عنه ، وبعد الدخول فيها يحتاج الخروج إلى الدليل ، بل لو احتاج إلى استئناف لوجب بيانه حينئذ (٥).

قلنا : لا نسلّم أنّ ذلك معنى الإدراك ، ألا ترى قوله في آخر رواية ابن‌

__________________

(١) الشيخ في المبسوط ١ : ١٥٩ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٨٥.

(٢) الذكرى : ٢٧٥.

(٣) الرياض ١ : ٢٤٢.

(٤) الرياض ١ : ٢٤٣.

(٥) الحدائق ١١ : ٢٥٣.

١٥٧

شريح : « ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة » (١) وفي موثقة الساباطي : الرجل أدرك الإمام حين سلّم ، قال : « عليه أن يؤذّن ويقيم ويفتتح الصلاة » (٢).

فإنّه لا أذان ولا إقامة ولا افتتاح بعد الدرك بالمعنى الّذي ذكره.

وعلى الثاني ـ وهو أن يدركه بعد دخول السجود ـ فإمّا يدركه قبل رفع الرأس من السجدة الأخيرة ، أو بعده.

فعلى الأوّل فالمشهور ـ كما قيل (٣) ـ أنّ حكمه حكم السابق ، لعموم الروايتين ، وخصوص رواية ابن شريح وفيها : « ومن أدرك الإمام وهو ساجد سجد معه ولم يعتدّ بها ».

والمروي في الوسائل عن مجالس الشيخ : « إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعتدّوها شيئا » (٤).

ولعدم تعقّل الفرق بين ما إذا أدركه قبل السجود وبعده.

وعن شيخنا الشهيد الثاني التخيير حينئذ بين ما ذكر وبين التوقّف في مكانه (٥) ، ومال إليه بعض مشايخنا الأخباريين (٦). ولا بأس به.

للجمع بين ما ذكر وبين رواية البصري : « وإذا وجدت الإمام ساجدا فاثبت مكانك حتّى يرفع رأسه ، وإن كان قاعدا قعدت وإن كان قائما قمت » (٧).

ولا دلالة للخبر على وجوب الإثبات ، لعدم صراحة قوله : « فاثبت » في‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٥ ـ ١٢١٤ ، الوسائل ٨ : ٣٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٨٢ ـ ٨٣٦ ، الوسائل ٥ : ٤٣١ أبواب الأذان ب ٢٥ ح ٥.

(٣) الذخيرة : ٤٠١.

(٤) مجالس الطوسي : ٣٩٨ ، الوسائل ٨ : ٣٩٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٧.

(٥) روض الجنان : ٣٧٨.

(٦) الحدائق ١١ : ٢٥٤.

(٧) الكافي ٣ : ٣٨١ الصلاة ب ٦١ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٧١ ـ ٧٨٠ ، الوسائل ٨ : ٣٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٥.

١٥٨

الأمر ، لجواز كونه ماضيا كما يلائمه قوله : قعدت وقمت ، ولو سلّم فيجب الحمل على الاستحباب ، لعدم وجوب أصل الاقتداء والمتابعة.

وترجيح الأوّل بالشهرة بل الإجماع وصحّة المستند ضعيف ، لمنع الإجماع بل الشهرة ـ لعدم تعرّض الأكثر لخصوص السجدة ، ولو سلّمت فلا تصلح للترجيح ـ وتكافؤ السندين كما عرفت.

وعلى الثاني ـ وهو أن يدركه بعد السجدة الأخيرة ـ فالمشهور كما قيل (١) : أنّه يكبّر ويجلس معه جلسة الاستراحة أو جلسة التشهد الأوّل أو الأخير.

وتدلّ عليه المقطوعة : « إذا أتيت الإمام وهو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثمَّ اجلس ، فإذا قمت فكبّر » (٢).

ورواية البصري المتقدّمة.

وموثّقة الساباطي : في الرجل يدرك الإمام وهو قاعد للتشهد ليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه قال : « لا يتقدّم الإمام ولا يتأخّر الرجل ، ولكن يقعد الّذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته » (٣).

ولكن لا دلالة للأخيرين على التكبير إلاّ أن يستنبط من قوله في الأخيرة : « يدخل معه » وقوله : « فأتمّ الصلاة » إلاّ أنّ في صلاحيّته للاستناد نظرا.

ورواية ابن شريح ، وفيها : « ومن أدرك وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة » (٤).

ولكن في دلالتها على التكبير والجلوس نظر. واستنباطهما من إدراك الإمام فيه ما مرّ ، ومن إدراك الجماعة غير [ جائز ] (٥) إذ لا مانع من درك فضيلة الجماعة‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٤٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٠ ـ ١١٨٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٦ الصلاة ب ٦٢ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٧٢ ـ ٧٨٨ ، الوسائل ٨ : ٣٩٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٣.

(٤) راجع ص ١٥٨.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : جماعة ، ولم نفهم المراد منها.

١٥٩

بالمسارعة إليها واتّفاق عدم الوصول إلاّ بعد السجدة وإن لم يتابع الإمام.

ومنه يظهر عدم دلالة صحيحة محمّد المتقدّمة (١).

ومع ذلك تعارض هذه الأخبار على فرض الدلالة موثّقة الساباطي : عن رجل أدرك الإمام وهو جالس بعد الركعتين ، قال : « يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتّى يقوم » (٢).

فالقول بالتخيير هناك أيضا أظهر ، بل كان تعيّن الأخير أقرب لو لا دعوى الشهرة على الأوّل. وأمّا ترجيح الأوّل بها بل بالإجماع ضعيف ، لمنع صلاحيّة الشهرة ما لم يبلغ خلافها حدّ الشذوذ للترجيح ، وعدم ثبوت الإجماع.

وعدم معلوميّة القائل بالتخيير هنا غير ضائر ، إذ المتبوع هو الدليل دون القائل ما لم يثبت الإجماع على عدم القول بمقتضى الدليل.

ثمَّ لو كبّر وجلس هل يستأنف النيّة والتكبير للصلاة بعد القيام أو لا؟

الظاهر : الأوّل ، لعدم الدليل على استمرار الصلاة ، ووجود المانع وهو الزيادة. وجعل قوله : « أتمّ الصلاة » في بعض ما مرّ دليلا وإن كان ممكنا إلاّ أنّه يعارضه قوله : « فكبّر » في بعض آخر. وكون الأخير مقطوعا غير ضائر سيّما مع عدم صراحة الأوّل ، لإمكان إرادة الشروع في الصلاة وإتمامها من الأوّل.

ودعوى اغتفار المانع غير مسموعة ، لعدم الدليل. واغتفار زيادة الجلوس في المسبوق لا يدل على اغتفاره هنا أيضا.

ولو لم يجلس فهل يجوز له التكبير بنيّة الاقتداء والاستمرار عليه قائما حتّى يقوم الإمام فيلحقه أو يتمّ صلاته إن كانت الركعة الأخيرة فيتمّها ، أم لا؟

الظاهر : الأوّل ، لدلالة بعض الأخبار المتقدّمة وغيره عليه ، وعدم مانع منه.

المسألة السادسة : يجوز للمأموم بعد الفراغ عن السجدة الأخيرة أن يسلّم‌

__________________

(١) في ص ١٥٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٤ ـ ٧٩٣ ، الوسائل ٨ : ٣٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٤.

١٦٠