مستند الشّيعة - ج ٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-83-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٤٨

ومنها : أن يكون قيام المأمومين عند قول المؤذّن : قد قامت الصلاة ؛ لتصريح روايتي الحنّاط (١) ومعاوية بن شريح (٢) بذلك من غير معارض ، مضافا إلى حكاية الإجماع عن الخلاف في أواسط كتاب الصلاة (٣).

وعن المبسوط والخلاف (٤) استحباب قيامهم عند فراغ المؤذّن عن الأذان ، وعن بعض آخر عند قول المقيم : حيّ على الصلاة (٥) ، لوجوه اعتبارية غير صالحة للاستناد.

وأمّا مكروهاتها ، فهي أيضا أمور :

منها : أن يقف المأموم وحده في صفّ‌ ، إلاّ أن تمتلئ الصفوف فلا يجد موضعا يدخل فيه فإنّه يقف في صفّ وحده من غير كراهة ، بالإجماع كما في المنتهى والمدارك (٦) ؛ له ، ولرواية السكوني : « لا تكوننّ في العثكل » قلت : وما العثكل؟ قال : « أن تصلّي خلف الصفوف وحدك ، فإن لم يمكن الدخول في الصفّ قام حذاء الإمام أجزأه ، فإن هو عاند الصفّ فسدت عليه صلاته » (٧).

وهي دلّت على الحكمين. ونحوها في الدعائم إلى قوله : « وحدك » (٨).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٢ ـ ١١٣٧ ، التهذيب ٢ : ٢٨٥ ـ ١١٤٣ ، الوسائل ٨ : ٣٧٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٢ ـ ١٤٦ ، الوسائل ٨ : ٣٨٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٢ ح ٢.

(٣) الخلاف ١ : ٣١٧.

(٤) المبسوط ١ : ١٥٧ ، والخلاف ١ : ٥٦٤.

(٥) نقله عنه في المختلف : ١٦٠.

(٦) المنتهى ١ : ٣٧٧ ، المدارك ٤ : ٣٤٥.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٨٢ ـ ٨٣٨ ، الوسائل ٨ : ٤٠٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٨ ح ١ ، وفي التهذيب : العيكل. وقال العلاّمة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ في البحار ٨٥ : ١١٧ : لم أر العيكل بهذا المعنى في كتب اللغة .. وفي بعض النسخ بالثاء المثلثة ، وهو أيضا كذلك ليس له معنى مناسب ، ولا يبعد أن يكون « الفسكل » بالفاء والسين المهملة ، وهو بالضم والكسر : الفرس الذي يجي‌ء في الحلبة آخر الخيل. انتهى. انظر النهاية ٣ : ٤٤٦ والصحاح ٥ : ١٧٩٠.

(٨) الدعائم ١ : ١٥٥ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٩٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ١.

١٢١

مضافا في الثاني إلى المروي في الدعائم : عن رجل دخل مع القوم في جماعة فقام وحده ليس معه في الصفّ غيره والصفّ الذي بين يديه متضايق ، قال : « إذا كان كذلك صلّى وحده فهو معهم » وقال : « قم في الصفّ ما استطعت وإذا ضاق المكان فتقدّم أو تأخّر فلا بأس » (١).

وقد يستدلّ له أيضا بصحيحة الأعرج (٢) وموثقته (٣) ، ولا يخفى أنّهما لا تدلاّن إلاّ على الجواز الغير المنافي للكراهة.

خلافا في الأوّل للمحكي عن الإسكافي ، فحرّم القيام وحده مع وجود موضع في الصفّ (٤) ؛ لظاهر رواية السكوني.

إلاّ أنّ اتّفاق الأصحاب على عدم وجوبه ضعّفها بالشذوذ المخرج لها عن صلاحيّة إثبات الوجوب ، سيّما مع معارضتها لعموم صحيحة الكناني : عن الرجل يقوم في الصفّ وحده ، فقال : « لا بأس إنّما يبدو واحد بعد واحد » (٥).

ثمَّ إذا لم يجد موضعا وقام وحده قام حذاء الإمام ، كما في الرواية وموثّقة الأعرج. والمراد به أن يكون موقفه بعد الصفوف محاذيا لموقف الإمام.

ومنها : التنفّل بعد قول المؤذّن : قد قامت الصلاة ؛ لصحيحة عمر بن يزيد : عن الرواية التي يروون أنّه لا ينبغي أن يتطوّع في وقت فريضة ، ما حدّ هذا الوقت؟ قال : « إذا أخذ المقيم في الإقامة » فقال له : إنّ الناس مختلفون في الإقامة ، قال : « المقيم الذي تصلّي معه » (٦).

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٥٦ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٩٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ١ و ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٥١ ـ ١٧٩ ، الوسائل ٨ : ٤٠٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٥ الصلاة ب ٦٢ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٧٢ ـ ٧٨٦ ، الوسائل ٨ : ٤٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ح ٣.

(٤) نقل عنه الشهيد في الذكرى : ٢٧٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٨٠ ـ ٨٢٨ ، علل الشرائع ٣٦١ ـ ١ ( بتفاوت يسير ). الوسائل ٨ : ٤٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ح ٢.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٢ ـ ١١٣٦ ، التهذيب ٣ : ٢٨٣ ـ ٨٤١. الوسائل ٤ : ٢٢٨ أبواب المواقيت ب ٣٥

١٢٢

كذا ذكروه. ولا يخفى أنّ مقتضى الرواية الكراهة حين الشروع في الإقامة لا قوله : « قد قامت الصلاة » وكذا ظاهرها كراهة التنفّل في ذلك الوقت مطلقا وظاهر كثير من الأصحاب كراهة الابتداء به ، واتّباع الرواية الصحيحة أولى ، فيكره مطلق التنفّل عند الشروع في الإقامة بمعنى المرجوحية الإضافية وأقليّة الثواب ، فلا تنافيها حرمة قطع النافلة أو كراهتها.

وقد حرّم التنفّل في الوقت المذكور الشيخ في النهاية وابن حمزة على ما حكي عنهما (١). ولا مستند لهما ، إذ الصحيحة لا تفيد أزيد من الكراهة.

ومنها : أن يخصّ الإمام نفسه بالدعاء‌ ؛ لمرسلة الفقيه (٢).

قيل : الظاهر تخصيص الحكم بالدعاء الذي يخترعه الإمام من نفسه ، أمّا لو قرأ بعض الأدعية المأثورة عن الأئمة فيأتي بالكيفية الواردة. وفيه تأمّل.

ومنها : التكلّم بعد قول المؤذّن : قد قامت الصلاة‌ ، فإنّه وإن كره في غير الجماعة أيضا إلاّ أنّه فيها آكد ؛ لصحيحة ابن أبي عمير : عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال : « نعم ، فإذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان » (٣).

وزرارة : « إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلاّ في تقديم إمام » (٤).

وظاهرهما وإن كان التحريم إلاّ أنّه حمل على الكراهة ؛ للإجماع على عدم الحرمة ، وللجمع بينهما وبين صحيحة حمّاد : عن الرجل أيتكلّم بعد ما يقيم‌

__________________

ح ٩.

(١) النهاية : ١١٩ ، الوسيلة : ١٠٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٠ ـ ١١٨٦ ، الوسائل ٧ : ١٠٦ أبواب الدعاء ب ٤٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١٦ ، الوسائل ٥ : ٣٩٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٢ ـ ١١٣٨ ، الوسائل ٥ : ٣٩٣ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١.

١٢٣

الصلاة؟ قال : « نعم » (١).

ومنها : أن يأتمّ المسافر للحاضر أو الحاضر للمسافر‌ ، على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك (٢). بل عن المعتبر والمنتهى بل جملة من كتب الفاضل (٣) ، وصريح بعض المتأخّرين : الإجماع عليه.

أمّا الجواز فللأصل ، وظاهر الإجماع والعمومات.

وأمّا المستفيضة المبيّنة لكيفيّة صلاة المسافر المقتدي بالحاضر ، كصحيحة الحلبي : في المسافر يصلّي خلف المقيم ، قال : « يصلّي ركعتين ويمضي حيث شاء » (٤). ونحوها صحيحة حمّاد (٥).

وموثّقة عمر بن يزيد : عن المسافر يصلّى مع الإمام فيدرك من الصلاة ركعتين أيجزي ذلك عنه؟ قال : « نعم » (٦).

ورواية محمّد بن علي : عن الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين ، قال : « فليصلّ صلاته ثمَّ يسلّم وليجعل الأخريين سبحة » (٧).

وصحيحة محمّد : « إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم ، فإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوليين الظهر والأخريين العصر » (٨) إلى‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ١٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٤ ، الوسائل ٥ : ٣٩٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٩.

(٢) المدارك ٤ : ٣٦٤.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٤١ ، المنتهى ١ : ٣٧٣ ، التذكرة ١ : ١٧٩ ، نهاية الإحكام ٢ : ١٥١.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٩ الصلاة ب ٨٦ ح ١ ، الوسائل ٨ : ٣٢٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٢.

(٥) التهذيب ٣ : ١٦٥ ـ ٣٥٧ و ٢٢٧ ـ ٥٧٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢٥ ـ ١٦٤١ ، الوسائل ٨ : ٣٢٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٤٣٩ الصلاة ب ٨٦ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٦٥ ـ ٣٥٩ ، الوسائل ٨ : ٣٣١ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٧.

(٧) التهذيب ٣ : ١٦٥ ـ ٣٥٦ و ٢٢٧ ـ ٥٧٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٥ ـ ١٦٤٠ ، الوسائل ٨ : ٣٣٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٥.

(٨) الفقيه ١ : ٢٨٧ ـ ١٣٠٨ ، الوسائل ٨ : ٣٢٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ١.

١٢٤

غير ذلك.

فغير جيّد ؛ لأنّ هذه الروايات منساقة لبيان حكم آخر غير الجواز ، وهو كيفيّة اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس لو اتّفق ، ردّا على جماعة من العامّة القائلين بأنّه إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه التمام (١) ، فليست صريحة الدلالة على الجواز. نعم تصلح للتأييد في تجويز إمامة الحاضر للمسافر بل في تجويز عكسه أيضا بضميمة عدم القول بالفرق.

إلاّ أنّه يمكن أن يقال بمنع ظهور الروايات في السؤال عن كيفية الاقتداء خاصّة ، بل الظاهر : السؤال عن مطلق ما يلزم المسافر المصلّي خلف الحاضر الشامل للإجزاء والكيفية ، ومقتضى ترك الاستفصال عموم الحكم الذي ذكره المستلزم للجواز والصحة ، فيتمّ الاستدلال بالروايات أيضا.

وأمّا الكراهة فللشهرة الكافية في مقام التسامح ، وصحيحة أبي بصير : « لا يصلّي المسافر مع المقيم ، فإن صلّى فلينصرف في الركعتين » (٢).

وموثّقة البقباق : « لا يؤمّ الحضري المسافر ولا المسافر الحضري ، فإذا ابتلى بشي‌ء من ذلك فأمّ قوما حاضرين فإذا أتمّ الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم ، فإذا صلّى المسافر خلف قوم حضور » (٣) إلى آخر ما في صحيحة محمّد.

والرضوي : « اعلم أنّ المقصّر لا يجوز له أن يصلّي خلف المتمّم ، ولا يصلّي المتمّم خلف المقصّر ، فإن ابتليت بقوم لم تجد بدّا من أن تصلّي معهم فصلّ ركعتين وسلّم وامض لحاجتك » (٤).

__________________

(١) المغني ٢ : ١٣٠.

(٢) التهذيب ٣ : ١٦٥ ـ ٣٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٢ ، الوسائل ٨ : ٣٢٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ١٦٤ ـ ٣٥٥ و ٢٢٦ ـ ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٣ ، الوسائل ٨ : ٣٣٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٦.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٣ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٦٦ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ١.

١٢٥

خلافا في الأوّل للمحكي عن عليّ بن بابويه ، فلم يجوّز إمامة المتمّم للمقصّر ولا عكسه (١) ، ونسب إلى المقنعة موافقته له فيهما أيضا (٢). وعن ولده فلم يجوّز الأصل في المقنع (٣) ؛ للروايات الثلاث الأخيرة التي هي أخصّ من العمومات السالفة ، بل من الروايات المذكورة ، لاختصاص المنع فيها بحال عدم الضرورة كما يدلّ عليه ذيل الموثّقة والرضوي.

ويردّ : بعدم حجّيتها ؛ لشذوذها ، ومعارضتها مع ظواهر الروايات المتقدّمة عليها. مضافا إلى تضمّن الاولى للجملة الخبرية الغير الصريحة في الإيجاب ، واحتمال الثانية لها أيضا المانع عن الاستدلال بها للوجوب ، وضعف الثالثة بنفسها.

ولظاهر المختلف والنافع وجماعة (٤) ، وصريح الديلمي (٥) في الثاني ، فخصّوا الكراهة باقتداء الحاضر بالمسافر ؛ للأصل ، وبعض الوجوه الاعتبارية ، المندفعين بالإجماعات المنقولة والشهرة المحقّقة والأخبار الثلاثة المصرّحة. ولضعف روايات المنع ، المردود بعدم ضيره في مقام الكراهة ، مع أنّ منها الصحيحة والموثقة اللتين هما بنفسهما حجّة سيّما مع اعتضادهما بالشهرة.

فرع : ظاهر عبارات كثير من الأصحاب كراهة الائتمام المذكور مطلقا‌ مقصورة كانت الفريضة أم لا ؛ لإطلاقات الروايات المتقدّمة.

وعن السيّد والحلّي والمعتبر وجملة من كتب الفاضل والبيان (٦) ، بل هو‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١٥٥.

(٢) لم نجده في المقنعة ، بل نقل في الحدائق ١١ : ١٥٤ عن المفيد كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر وعكسه.

(٣) لم نجده في المقنع ، ولكن نقله عنه في المختلف ١ : ١٥٥.

(٤) المختلف : ١٥٥ ، والمختصر النافع : ٤٨ ، وانظر المبسوط ١ : ١٥٤ ، والوسيلة : ١٠٥ ، والمهذب ١ : ٨٠.

(٥) المراسم : ٨٦.

(٦) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ١ ) : ٣٩ ، السرائر ١ : ٢٨١ ، المعتبر ٢ : ٤٤٢ ، نهاية الاحكام ٢ : ١٥١ ، التحرير ١ : ٥٣ ، والمنتهى ١ : ٣٧٣ ، البيان : ٢٣٢.

١٢٦

المشهور ـ كما قيل (١) ـ اختصاص الكراهة بالفريضة المقصورة.

وهو الأقوى ؛ للأصل ، وعدم ظهور الروايات في الإطلاق لاختصاص حكم أذيالها في المقصورة ، فلا بدّ إمّا من ارتكاب التخصيص في الصدر أو في موضوع الذيل وهو المستتر في قوله : « فإنّ صلّى » في الاولى ، وفي : « فإن ابتلى » في الثانية ، وفي : « إن ابتليت » في الثالثة. وليس الثاني أولى من الأوّل فلا يعلم الإطلاق.

ومنه يظهر أنّه تدخل في غير المقصورة : الرباعية الّتي يتمّها في أحد المواطن الأربعة كما صرّح به في التذكرة (٢).

ومنها : أن يكون الإمام متيمّما إذا كان المأمومون متوضّئين أو غاسلين‌ ، على المشهور المنصور ؛ لرواية عبّاد : « لا يصلّي المتيمّم بقوم متوضّئين » (٣).

والسكوني : « لا يؤمّ صاحب التيمم المتوضّئين » (٤).

وقصورهما عن إفادة الحرمة أوجب القول بالكراهة. مضافا إلى صحيحة جميل (٥) ، وموثّقة ابن بكير (٦) ، وحسنته (٧) ، ورواية أبي أسامة (٨) ، المجوّزة لها أو‌

__________________

(١) البحار ٨٥ : ٥٦.

(٢) التذكرة ١ : ١٧٩.

(٣) التهذيب ٣ : ١٦٦ ـ ٣٦١ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ ـ ١٦٣٤ ، الوسائل ٨ : ٣٢٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٦.

(٤) التهذيب ٣ : ١٦٦ ـ ٣٦٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ ـ ١١٣٥ ، الوسائل ٨ : ٣٢٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٥.

(٥) التهذيب ٣ : ١٦٧ ـ ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٥ ـ ١٦٣٨ ، الوسائل ٨ : ٣٢٧ أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ١.

(٦) التهذيب ٣ : ١٦٧ ـ ٣٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ ـ ١٦٣٧ ، الوسائل ٨ : ٣٢٧ أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٢.

(٧) التهذيب ٣ : ١٦٧ ـ ٣٦٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢٥ ـ ١٦٣٩ ، الوسائل ٨ : ٣٢٧ أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٣.

(٨) التهذيب ٣ : ١٦٧ ـ ٣٦٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ ـ ١٦٣٦ ، الوسائل ٨ : ٣٢٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٤.

١٢٧

النافية للبأس عنها.

خلافا للمحكي عن ظاهر السيّد فحرمها (١). وهو شاذّ مردود بما مرّ.

ولبعض متأخّري المتأخّرين فنفى الكراهة (٢) ؛ لضعف الروايتين الأوليين سندا ، ونفي الكراهة في معارضاتها مع رجحانها عليهما بالأكثريّة والأصحّية والمخالفة للعامة.

ويردّ الأوّل : بأنّ المقام يتحمّل المسامحة.

والثاني : بمنع نفي المعارضات الكراهة بل غايته إثبات الجواز ، ونفي البأس ليس إلاّ نفي العذاب.

ومنها : أن يكون الإمام مملوكا‌ ؛ لرواية السكوني : « لا يؤمّ العبد إلاّ أهله » (٣) القاصرة عن إفادة الحرمة المعارضة مع ما صرّح بالجواز كصحيحتي زرارة (٤) ، ومحمّد (٥) ، وموثقة سماعة (٦) ، والمروي في قرب الإسناد (٧).

فالقول بها مطلقا كما عن ابن حمزة (٨) ، أو إلاّ لأهله كما عن المقنع (٩) ، أو إلاّ لمواليه كما عن المبسوط والنهاية (١٠) ، ضعيف.

__________________

(١) الجمل والعلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٣٩.

(٢) الحدائق ١١ : ٢٢٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ١٠٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ١٦٣١ ، الوسائل ٨ : ٣٢٦ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٥ الصلاة ب ٥٦ ح ٤ ، الوسائل ٨ : ٣٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ٩٩ ، ١٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ١٦٢٨ ، ١٦٢٩ ، الوسائل ٨ : ٣٢٦ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩ ـ ١٠١ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ١٦٣٠ ، الوسائل ٨ : ٣٢٦ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ٣.

(٧) قرب الإسناد : ١٥٦ ـ ٥٧٥ ، الوسائل ٨ : ٣٢٦ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ٥.

(٨) نقل عنه في الحدائق ١١ : ٢٢٧.

(٩) المقنع : ٣٥.

(١٠) المبسوط ١ : ١٥٥. النهاية : ١١٢.

١٢٨

نعم مفهوم بعض الصحاح المذكورة ثبوت البأس إذا كان في المأمومين من هو أفقه منه ، ولكن لا قائل بالحرمة حينئذ ، فيحمل على الكراهة.

ومقتضى الرواية المذكورة اختصاص الكراهة بالإمامة لغير أهله ، فالتخصيص بها أولى.

١٢٩

الفصل الرابع :

في سائر أحكام صلاة الجماعة وفيه مسائل :

المسألة الأولى : لو علم المأموم كفر الإمام أو فسقه أو حدثه أو كونه على غير القبلة أو إخلاله بالنيّة بعد الصلاة لم يعدها مطلقا‌ ، على الأقوى الأشهر ، بل وفاقا لغير من شذّ وندر ، بل بالإجماع في الأوّل كما عن الخلاف (١).

وتدلّ على الجميع : أصالة براءة الذمّة عن الإعادة ، لحصول الامتثال المقتضي للإجزاء.

وعلى الأوّل صريحا والثاني فحوى بل إجماعا مركّبا : مرسلة ابن أبي عمير : في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل ، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي ، قال : « لا يعيدون » (٢).

والمروي في الفقيه عن كتاب القندي ونوادر ابن أبي عمير : في رجل صلّى بقوم من حين خرجوا من خراسان حتّى قدموا مكة فإذا هو يهودي أو نصراني ، قال : « ليس عليهم إعادة » (٣).

وعلى الثالث : صحيحة محمّد : عن رجل أمّ قوما وهو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلّوا ، قال : « يعيد هو ولا يعيدون » (٤).

والأخرى : عن الرجل يؤمّ القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٥١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٨ الصلاة ب ٥٩ ح ٤. التهذيب ٣ : ٤٠ ـ ١٤١ ، الوسائل ٨ : ٣٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٧ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٣ ـ ١٢٠٠ ، الوسائل ٨ : ٣٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٧ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٨ الصلاة ب ٥٩ ح ١ ، الوسائل ٨ : ٣٧٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٣.

١٣٠

صلاته ، فقال : « يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنّه كان على غير طهر » (١).

ورواية ابن أبي يعفور : عن رجل أمّ قوما وهو على غير وضوء ، قال : « ليس عليهم إعادة ، وعليه هو أن يعيد » (٢).

وصحيحة زرارة : سألته عن قوم صلّى بهم إمامهم وهو غير طاهر ، أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال : « لا إعادة عليهم ، تمّت صلاتهم ، وعليه هو الإعادة ، وليس عليه أن يعلمهم ، هذا عنه موضوع » (٣).

والحلبي : « من صلّى بقوم وهو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة ، وليس عليهم أن يعيدوا ، وليس عليه أن يعلمهم ولو كان ذلك عليه لهلك » قال ، قلت : كيف يصنع بمن خرج إلى خراسان؟ وكيف يصنع بمن لا يعرف؟ قال : « هذا عنه موضوع » (٤).

وموثقة ابن بكير : عن رجل أمّنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن لا نعلم ، قال : « لا بأس » (٥).

وعلى الرابع : صحيحة الحلبي : في الأعمى يؤمّ القوم وهو على غير القبلة ، قال : « يصيد ولا يعيدون فإنّهم قد تحرّوا » (٦).

وصحيحة الحلبي : عن رجل يصلّي بالقوم ثمَّ يعلم أنّه صلّى بهم إلى غير‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٩ ـ ١٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ ـ ١٦٦٨ ، الوسائل ٨ : ٣٧٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٩ ـ ١٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ ـ ١٦٦٩ ، الوسائل ٨ : ٣٧٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٩ ـ ١٣٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ ـ ١٦٧٠ ، الوسائل ٨ : ٣٧٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٢ ـ ١١٩٧ ، الوسائل ٨ : ٣٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٩ ـ ١٣٦ الاستبصار ١ : ٤٣٢ ـ ١٦٦٧ ، الوسائل ٨ : ٣٧٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٨ الصلاة ب ٥٩ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ ـ ٧٧١ ، الوسائل ٨ : ٣٣٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٢١ ح ٦.

١٣١

القبلة ، فقال : « ليس عليهم إعادة شي‌ء » (١) وغير ذلك.

وعلى الخامس : صحيحة زرارة : رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة ، فأحدث إمامهم ، فأخذ بيد ذلك الرجل فقدّمه فصلّى بهم ، أتجزيهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها صلاة؟ فقال : « لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم ـ إلى أن قال ـ : قد تجزي عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها » (٢).

خلافا للمحكي عن السيّد في المصباح في الأوّلين دون الثانيين (٣) ، بل صرّح فيه بعدم الإعادة في الثالث ، فنسبة الخلاف فيه أيضا إليه سهو.

وعن الإسكافي في الأوّلين مطلقا وفي الثالث إن علم في الوقت (٤).

لفوات الشرط الذي هو أهليّة الإمام ، وللنهي عن الصلاة خلف الكافر والفاسق.

وهما ممنوعان ؛ لأنّ الشرط هو الأهليّة بحسب علم المأمومين أو ظنّهم لاستحالة التكليف بالواقع ، ولأنّ النهي إنّما هو عن الصلاة خلف من يعلم كفره أو فسقه.

ولخبر العرزمي : « صلّى عليّ عليه‌السلام بالناس على غير طهر وكانت الظهر ، ثمَّ دخل فخرج مناديه : أنّ أمير المؤمنين صلّى على غير طهر فأعيدوا » (٥).

والمروي في نوادر الراوندي : « من صلّى بالناس وهو جنب أعاد هو وأعاد الناس » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٠ ـ ١٤٢ ، الوسائل ٨ : ٣٧٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٨ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٢ الصلاة ب ٦١ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٦٢ ـ ١١٩٥ ، الوسائل ٨ : ٣٧٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٩ ح ١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٥٦.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٥٦.

(٥) التهذيب ٣ : ٤٠ ـ ١٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٣ ـ ١٦٧١ ، الوسائل ٨ : ٣٧٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٩.

(٦) بحار الأنوار ٨٥ : ٦٧ ـ ١٩ ، ولم نجده في النوادر المطبوع.

١٣٢

وخبر آخر مروي في الدعائم (١).

ويردّ الأوّل : بكونه باطلا ، لمنع عصمته عليه‌السلام عمّا نسب إليه. والثانيان : بالضعف الخالي عن الجابر ، مع موافقة الكلّ لمذهب أصحاب الرأي (٢) ، فيجب حملها على التقية.

وللمحكي في الفقيه عن جماعة من مشايخه في الأوّل ، فحكموا بالإعادة فيما لم يجهر بهم من الصلاة وعدمها فيما جهر بهم (٣). وظاهره الميل إليه بل فتواه به ، لخبر يدلّ عليه كما يظهر من الفقيه. ولكنّا لم نعثر عليه.

وللمحكي عن الشيخ في الرابع ، فحكم بوجوب إعادة المأمومين مع الاستدبار مطلقا ، وفي الوقت خاصّة مع الكون إلى يمين القبلة أو شمالها (٤).

وعن الحلّي فيه ، فحكم بوجوب الإعادة مطلقا في الوقت خاصّة ، ونسبه إلى الشيخ أيضا (٥).

وعن الإسكافي فأوجب الإعادة عليهم في الوقت مطلقا ، وفي خارجه إن لم يتحرّوا وتحرّى الإمام ، وعليه خاصّة إن لم يتحرّ وتحرّوا (٦).

والظاهر أنّ مراد الجميع ما إذا تبع المأموم الإمام في الصلاة إلى غير القبلة كما يدلّ عليه تفصيل الإسكافي أيضا ، وعلى هذا فيخرج عن مفروض المسألة ويدخل في مسألة من صلّى إلى غير القبلة وقد سبق حكمه.

ولا ينافيه الصحيحان ، إذ لا دلالة فيهما على كون صلاة المأمومين إلى غير القبلة أيضا ، فتبقى أدلّة الإعادة عليهم ـ مطلقا أو في بعض الصور ـ خالية عن المعارض.

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٥٢ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٨٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ٢.

(٢) المغني ٢ : ٥٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٣ : ذيل الحديث ١٢٠٠.

(٤) المبسوط ١ : ١٥٨.

(٥) السرائر ١ : ٢٨٩.

(٦) نقله عنه في المختلف : ١٥٧.

١٣٣

نعم لو كان المراد مفروض المسألة ، وهو ما إذا صلّى المأمومون إلى القبلة دون الإمام كما إذا صلّوا في مكان مظلم أو مع حائل كما إذا كان المأمومون نسوة ، فالصحيحان يردان عليهم جميعا.

فروع :

أ : لو تبيّن الخلل في أثناء الصلاة ففي جواز الانفراد ، أو لزوم الاستئناف قولان.

أقواهما الأوّل ؛ للأصل المتقدّم (١) ، ولرواية زرارة : عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبرهم أنّه ليس على وضوء ، قال : « يتمّ القوم صلاتهم فإنّه ليس على الإمام ضمان » (٢).

ب : صريح صحيحتي زرارة والحلبي عدم وجوب الإعلام بالحال على الإمام بعد الصلاة.

ولو تذكّر الحدث في الأثناء أو عرض له حدث أو خلل يجب عليه الإعلام إجماعا ظاهرا ؛ له ، ولبعض الروايات ، كمرسلة الفقيه : « ما كان من إمام تقدّم في الصلاة وهو جنب ناسيا أو أحدث حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه ، فليجعل ثوبه على أنفه ولينصرف وليأخذ بيد رجل فليصلّ مكانه » (٣) الحديث.

ولا ينافيه التعبير بقوله : « لا ينبغي » في صحيحة زرارة الأخيرة ، لصدقه على المحرّم أيضا.

ج : حكم سائر الخلل المبطل للصلاة حكم ما مرّ‌ لو علمه المأموم في صلاة الإمام عمدا منه أو سهوا ؛ لفحوى ما مرّ ، والإجماع المركب.

المسألة الثانية : قد عرفت إدراك المأموم الركعة بإدراك الإمام راكعا‌ وفوتها بعدم إدراكه كذلك.

__________________

(١) وهي أصالة البراءة عن وجوب الإعادة. راجع ص ١٣٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٨ الصلاة ب ٥٩ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٦٤ ـ ١٢٠٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ ـ ٧٧٢ الاستبصار ١ : ٤٤٠ ـ ١٦٩٥ ، الوسائل ٨ : ٣٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦١ ـ ١١٩٢.

١٣٤

وعلى هذا لو دخل المأموم موضعا تقام فيه الجماعة وقد ركع الإمام وخاف بالالتحاق بالصفّ رفع الإمام رأسه عن الركوع فإنّه يكبّر في مكانه ويركع ويمشي في ركوعه حتّى يلتحق بالصفّ ، ولو سجد الإمام قبل التحاقه جاز له السجود في موضعه ثمَّ الالتحاق بالصفّ إذا قام ، بلا خلاف فيه يعرف كما قيل (١) ، بل عن الخلاف والمنتهى (٢) الإجماع عليه.

لصحيحة محمّد : عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة ، فقال : « يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتّى يبلّغهم » (٣).

والبصري : « إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبّر واركع ، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك ، فإذا قام فالحق بالصفّ ، وإن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصفّ » (٤).

وقد يستدلّ له بصحيحة معاوية : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يوما وقد دخل المسجد لصلاة العصر ، فلمّا كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده وسجد سجدتين ، ثمَّ قام فمضى حتّى لحق بالصفّ (٥).

وفي دلالتها نظر ؛ لاحتمال أن تكون صلاته بنيّة الانفراد ، بل هي كذلك.

فلو دلّت فإنّما تدلّ على جواز المشي إلى القبلة في الصلاة في الجملة ، وهي مسألة أخرى غير ما نحن فيه ؛ إذ الكلام هنا في جواز الاقتداء بالإمام قبل الوصول إلى الحدّ المجوّز شرعا ؛ فإنّ هنا مسألتين : إحداهما : تقدّم المصلّي من‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٤٠.

(٢) الخلاف ١ : ٥٥٥ ، المنتهى ١ : ٣٨٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٧ ـ ١١٦٦ ، التهذيب ٣ : ٤٤ ـ ١٥٤ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨١ ، الوسائل ٨ : ٣٨٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٥ الصلاة ب ٦٢ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٥٤ ـ ١١٤٨ ، التهذيب ٣ : ٤٤ ـ ١٥٥ الاستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨٢ ، الوسائل ٨ : ٣٨٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٤ الصلاة ب ٦٢ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٧٢ ـ ٧٨٥ ، ٢٨١ ـ ٨٢٩ الوسائل ٨ : ٣٨٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٢.

١٣٥

مكانه إمّا لسدّ خلل الصفوف أو ضيق المكان أو إتمام الصفّ أو غيره ، والأخرى : ما لو كان بين الداخل وبين أهل الصلاة أزيد ممّا يشترط في الاقتداء من المسافة.

والكلام هنا في الثانية ، والصحيحة لا تدلّ عليها ، لعدم كون الإمام عليه‌السلام مقتديا.

ومنه : يظهر عدم صحة الاستدلال بصحيحة محمّد : الرجل يتأخّر وهو في الصلاة؟ قال : « لا » قلت : فيتقدّم؟ قال : « نعم ماشيا إلى القبلة » (١).

وكذا يظهر ما في كلام المنتهى في هذه المسألة حيث قال : ولو فعل ذلك من غير ضرورة وخوف فوت فالظاهر الجواز خلافا لبعض العامة ، لأنّ للمأموم أن يصلّي في الصفّ منفردا أو أن يتقدّم بين يديه ، وحينئذ يثبت المطلوب (٢). انتهى.

فإنّ ما استدلّ به هو المسألة الاولى ، وهي لا تثبت الثانية.

فالمناط هو الصحيحان. ومقتضى إطلاقهما جواز الاقتداء مع خوف الفوات ولو كان بينه وبين أهل الصلاة مسافة كثيرة.

ولا معارض له أيضا ؛ إذ ـ كما عرفت ـ دليل مانعيّة التباعد منحصر في الإجماع (٣) المنتفي في المقام ، بل المشهور هنا خلافه ، وإنّما اشترط انتفاء ما لا يجوز من التباعد الفاضل المقداد وبعض آخر (٤). ولا وجه له.

مع أنّه لو كان البعد بما لا يجوز له التباعد اختيارا مانعا شرعيا هنا لما كان الحكم هنا اتفاقيا ، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور دون من لا يجوّز التباعد بما لا يتخطّى مع أنّه لم ينقل الخلاف عنه هنا.

فروع :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٥ الصلاة ب ٦٢ ح ٢ ( بتفاوت يسير ) ، التهذيب ٣ : ٢٧٢ ـ ٧٨٧ ، الوسائل ٨ : ٣٨٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٥.

(٢) المنتهى ١ : ٣٨٢.

(٣) راجع ص ٦٦.

(٤) التنقيح ١ : ٢٧٧ ، الروض : ٣٧٦.

١٣٦

أ : قيّد شيخنا الشهيد الثاني المشي حالة الصلاة بغير حالة الذكر الواجب‌ (١). ولعلّ منشأه المحافظة على الطمأنينة في موضعها.

ولا يخفى أنّ ظاهر النصوص الإطلاق ، وكأنّه يخصّه بأدلّة وجوب الطمأنينة.

وفيه : أنّ انتهاضها على وجوبها مطلقا حتّى في المورد غير معلوم ، مع أنّ تقييد هذا الإطلاق بأدلّتها ليس أولى من العكس. فالظاهر جوازه في جميع الحالات.

ب : مقتضى صحيحة محمّد الأولى المشي للالتحاق حال الركوع.

ومقتضى صحيحة البصري تأخير الالتحاق إلى حال قيام الإمام بعد السجود.

وفي رواية إسحاق : أدخل المسجد وقد ركع الإمام فأركع بركوعه وأنا وحدي وأسجد ، فإذا رفعت رأسي فأيّ شي‌ء أصنع؟ فقال : « قم فاذهب إليهم ، فإن كانوا قياما فقم معهم ، وان كانوا جلوسا فاجلس معهم » (٢).

ومقتضاها تأخير الالتحاق إلى حال رفع اللاحق رأسه من السجود فيقوم فيلتحق ، وإن لم يقم القوم فيجلس معهم إن كانوا جلوسا.

ومقتضى الجمع التخيير بين الأنحاء الثلاثة.

ولو مشى راكعا ولم يلحق حتّى تمَّ الركوع فالظاهر جواز المشي بعد رفع الرأس عنه قبل السجود ما لم يخف فوت السجود مع الإمام ، لعدم المانع.

ولو قام للالتحاق بعد السجود حين جلوس القوم ولم يتمّ حتّى خاف فوت المتابعة في الجلوس جلس أينما بلغ ثمَّ التحق بعد القيام. ولا يبعد جواز الالتحاق ثمَّ الجلوس بنفسه للتشهّد ثمَّ القيام وإن قام الإمام قبل جلوسه.

__________________

(١) الروض : ٣٧٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٧ ـ ١١٦٤ ، التهذيب ٣ : ٢٨١ ـ ٨٣٠ ، الوسائل ٨ : ٣٨٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٦.

١٣٧

ج : المغتفر في هذا المقام لإدراكه الركعة هو التباعد. وأمّا سائر الشرائط كعدم الحائل وعدم علو الإمام فلا دليل على اغتفاره ، فلا يجوز الايتمام مع الحائل أو العلو ثمَّ المشي إلى مكان ارتفع فيه المانع بعد الركوع ؛ لعموم أدلّة مانعيّتهما ، وعدم ما يصلح للتخصيص ، فإنّ المتبادر من الأخبار ليس إلاّ اغتفار التباعد بل الظاهر من دخول المسجد الوارد في الأخبار عدم مانع آخر ، لتساوي سطح المسجد الواحد ، وعدم الحائل فيه غالبا في المساجد المتداولة في هذه الأعصار.

د : قد أشرنا هنا إلى مسألة أخرى هو : جواز المشي في الصلاة‌ إلى القبلة أو الخلف لالتحاق صفّ أو إتمامه أو ضيق مكان أو غير ذلك. وهو كذلك ، للأصل ، وعدم المانع ، حتّى لو عدّ فعلا كثيرا ، لعدم ثبوت مبطليّة ذلك بإجماع إلاّ إذا انمحت به صورة الصلاة.

وتدلّ عليه صحيحة محمّد الأخيرة أيضا ، وصحيحة علي : عن القيام خلف الإمام ما حدّه؟ قال : « إقامة ما استطعت فإذا قعدت فضاق المكان فتقدّم وتأخّر فلا بأس » (١).

وموثّقة سماعة : « لا يضرّك أن تتأخّر وراءك إذا وجدت ضيقا في الصف فتتأخّر إلى الصفّ الّذي خلفك ، وإن كنت في صفّ فأردت أن تتقدّم قدّامك فلا بأس أن تمشي إليه » (٢) وغير ذلك.

ومقتضى غير الاولى جواز التأخّر أيضا ، فما في الأولى يتحمّل الكراهة.

والاولى أن لا يكون ذلك حالة الذكر الواجب.

هـ : لو كان الداخل قد دخل المسجد من قدّام الإمام جاز له التكبير والمشي قهقرى‌ إن أمكن ما لم تنمح به صورة الصلاة ، للإطلاق.

و : يستحبّ أن يجرّ الماشي في هاتين المسألتين رجليه على الأرض‌ ولا يتخطّى ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٨٥ ـ ٧٩٩ ، الوسائل ٨ : ٤٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٨٠ ـ ٨٢٥ ، الوسائل ٨ : ٤٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٠ ح ٣.

١٣٨

لمرسلة الفقيه : وروي : « أنّه يمشي في الصلاة يجرّ رجليه » (١).

المسألة الثالثة : لو كان أحد في نافلة فأحرم الإمام للصلاة قال جماعة (٢) : إنّه يقطع النافلة‌ إن خاف الفوات ، ويدخل الفريضة مع الإمام.

ولو كان في فريضة عدل بنيته إلى النافلة ، فيتمّها ركعتين ويقتدي.

أمّا الأوّل فاستدلّ له تارة بأنّ فيه تحصيلا لما هو أهمّ في نظر الشرع ، فإنّ الجماعة في نظره أهمّ من النافلة.

واخرى بفحوى الأخبار الآتية الآمرة بالعدول من الفريضة إلى النافلة ، إذ هو في معنى إبطال الفريضة ، فإذا جاز ذلك لدرك فضيلة الجماعة جاز إبطال النافلة لدركها بطريق أولى.

وثالثة بصحيحة عمر بن يزيد (٣) المتضمّنة للسؤال عن الرواية التي يروون أنّه لا ينبغي أن يتطوّع في وقت فريضة ، ما حدّ هذا الوقت؟ قال : « إذا أخذ المقيم في الإقامة ».

فإنّها دلّت على أنّه إذا أخذ المقيم في الإقامة فلا ينبغي التطوّع ، وهو أعمّ من أن يبتدئ به بعد أخذ المقيم في الإقامة أو يحصل الأخذ بعد دخوله في النافلة.

والكلّ منظور فيه : أمّا الأوّل فلمنع الأهميّة بعد الدخول ، حيث إنّ قطع النافلة حرام ـ على ما مرّ ـ فالإتمام واجب ، والواجب أهمّ من المستحب.

وأمّا الثاني فلمنع كونه إبطالا للعمل ـ كما صرّح به في المختلف (٤) والرضوي الآتي في الحكم الثاني ـ بل هو تبديل ، ولا نسلّم أولويّة قطع النافلة منه.

وأمّا الثالث فلمنع كونه تطوّعا بعد الدخول ، بل الإتمام واجب.

والصواب أن يستدلّ له بالرضوي : « وإن كنت في صلاة نافلة وأقيمت‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٤ ـ ١١٤٨ ، الوسائل ٨ : ٣٨٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٤.

(٢) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٤٤٥ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٣٨٣ ، وصاحب الحدائق ١١ : ٢٥٧.

(٣) المتقدمة في ص ١٢٢.

(٤) المختلف : ١٥٩.

١٣٩

الصلاة فاقطعها وصلّ الفريضة مع الإمام » (١).

وضعفه غير ضائر ، لانجباره بما صرّح به بعض الأجلّة من قوله في بيان المسألة : من غير خلاف يظهر. بل بما ذكره أيضا من قوله : فالمستند لعلّه الإجماع ، بل بما ذكره بعض مشايخنا من نسبته إلى الأكثر. بل بما قاله من أنّ استحباب القطع لعلّه متّفق عليه بين الجماعة (٢).

وأمّا الثاني فللإجماع كما عن التذكرة وغيرها (٣) ، والمعتبرة من النصوص ، كصحيحة سليمان بن خالد : عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن وأقام الصلاة ، قال : « فليصلّ ركعتين ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الإمام ، ولتكن الركعتان تطوّعا » (٤).

وموثقة سماعة : عن رجل كان يصلّي ، فخرج الإمام وقد صلّى الرجل ركعة من صلاة الفريضة ، فقال : « إن كان إماما عدلا فليصلّ اخرى وينصرف ويجعلهما تطوّعا وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو » (٥) الحديث.

والرضوي : « وإن كنت في فريضتك وأقيمت الصلاة فلا تقطعها واجعلها نافلة وسلّم في الركعتين ثمَّ صلّ مع الإمام » (٦).

وعن المبسوط جواز قطع الفريضة من غير حاجة إلى العدول كالنافلة أيضا (٧) ، وقوّاه الشهيد الأوّل في الذكرى والبيان ، والثاني في الروضة (٨) ، إمّا مع‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٥ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ١.

(٢) الرياض ١ : ٢٤١.

(٣) التذكرة ١ : ١٨٤ ، الذخيرة : ٤٠١ وفيه : وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٩ ، الصلاة ب ٦ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٧٤ ـ ٧٩٢ ، الوسائل ٨ : ٤٠٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٠ الصلاة ب ٦٠ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٥١ ـ ١٧٧ ، الوسائل ٨ : ٤٠٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ٢.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٥ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ١.

(٧) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٨) الذكرى : ٢٧٧ ، البيان : ١٣٠ ، الروضة ١ : ٣٨٣.

١٤٠