مستند الشّيعة - ج ٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-83-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٤٨

المتابعة ، وإنّما هو بالإجماع البسيط أو المركّب ، وتحقّقه في المقام غير معلوم ، وانتفاء صدق الاقتداء بمجرّده ممنوع.

وإن لم نسلّم هذه المقدّمة ، أي وجوب المتابعة حتّى في هذا الفعل الّذي حصل التقدّم فيه ـ كما هو كذلك أيضا ـ فمقتضى المقدّمة الأخرى حرمة العود ؛ لاستلزامه الزيادة. ومقتضى حرمة قطع الصلاة إذا كانت مندوحة عنه كما في المقام ـ لجواز البقاء على الفعل ـ عدم جوازه ، فلم يبق إلاّ البقاء على الفعل حتّى يلحق الإمام ، فيكون هو الواجب.

ولمّا كان الحقّ عدم ثبوت وجوب المتابعة حتّى في المورد ، سيّما مع ما ذكرنا من الإجماع على عدم بطلان الصلاة مطلقا ، فيكون الواجب هو الاستمرار مطلقا سواء كان التقدّم في الركوع أو السجود أو في الرفع ، وسواء كان عمدا أو سهوا.

ويكون هذا هو الأصل لا يترك إلاّ بدليل.

إلاّ أنّه قد وردت أيضا في المسألة روايات ستّ :

الأولى : موثّقة ابن فضّال : في الرجل كان خلف إمام يأتمّ به ، فركع قبل أن يركع الإمام وهو يظنّ أنّ الإمام قد ركع ، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمَّ أعاد الركوع مع الإمام ، أيفسد ذلك صلاته أم تجوز له الركعة؟ فكتب : « يتمّ صلاته ولا يفسد ما صنع صلاته » (١).

الثانية : صحيحة ابن يقطين : عن الرجل يركع مع إمام يقتدي به ثمَّ يرفع رأسه قبل الإمام ، فقال : « يعيد ركوعه معه » (٢).

الثالثة : رواية محمّد بن سهل الأشعري أو صحيحته ، وهي أيضا نحوها (٣).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٧ ـ ٨١١ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٧ ـ ٨١٠ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٧٢ ، التهذيب ٣ : ٤٧ ـ ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٤٣٨ ـ ١٦٨٨ ، الوسائل ٨ : ٣٩٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٢.

١٠١

الرابعة : صحيحة ربعي والفضيل : عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به ، فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود ، قال : « فليسجد » (١).

والخامسة : رواية محمّد بن عليّ بن فضّال : أسجد مع الإمام وأرفع رأسي قبله ، أعيد؟ قال : « أعد واسجد » (٢).

والسادسة : موثّقة غياث : عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام ، أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه؟ قال : « لا » (٣).

دلّت الاولى منها على جواز العود وعدم بطلان الصلاة بهذه الزيادة. والثانية والثالثة على رجحانه. والرابعة والخامسة على وجوبه.

ولعدم المنافاة بين الجواز والرجحان وبين الوجوب يحمل الجميع على الوجوب.

والسادسة على عدم وجوب العود بل جواز البقاء والاستمرار. وأمّا رجحانه أو وجوبه ـ كما توهّم (٤) ـ فلا ، لعدم صراحة : « لا يعود » في الوجوب ، بل ولا في الرجحان في المقام ، لجواز كون تجوّزه الجواز ، حيث إنّ المقام مقام توهّم الوجوب.

ثمَّ إنّ من يرى أنّ المتبادر من الخمسة الأولى صورة النسيان لأنّه الغالب في التقدّم ، إذ قلّ من يتقدّم عمدا ، ولأنّه مقتضى حمل فعل المسلم على الصحّة ، ولأنّه مورد الأولى لأنّ ظنّ تقدّم الإمام أيضا سهو ، ولذا استدلّ بها في المنتهى (٥) للعود إلى الركوع في صورة النسيان خاصّة ، فهي أيضا شاهدة للاختصاص. ومع ذلك يرى الأخيرة غير قابلة لإثبات حكم إمّا لعدم حجّية الموثّق بنفسها أو لضعفها عن مقاومة البواقي لأكثريّتها عددا وأصحّيتها سندا وأصرحيّتها دلالة وأشهريّتها‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٨ ـ ١٦٥ ، الوسائل ٨ : ٣٩٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٨٠ ـ ٨٢٤ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٤ الصلاة ب ٦١ ح ١٤ بتفاوت يسير ، التهذيب ٣ : ٤٧ ـ ١٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤٣٨ ـ ١٦٨٩ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٦.

(٤) في الرياض ١ : ٢٣٣.

(٥) المنتهى ١ : ٣٧٩.

١٠٢

رواية.

يحكم بوجوب العود في صورة النسيان للروايات ، وبوجوب البقاء حتّى يلحق الإمام في العمد ، للأصل المتقدّم ، كالمشهور.

وهذا هو مستندهم. لا ما قيل لهم من الجمع بين الروايات ؛ لأنّه جمع بلا شاهد. ولا أنّ العود في العمد زيادة في الركن بلا عذر ، ولا كذلك النسيان لأنّه عذر ؛ لأنّ زيادة الركن عندهم مبطلة مطلقا ، مع أنّ عدم جواز الزيادة في العمد لا يثبت وجوب الاستمرار ، لأنّه إن كان مخالفة للإمام غير مجوّزة فلا يجوز حينئذ أيضا فيجب الحكم ببطلان الصلاة ، وإلاّ فيجب الحكم بجوازه في السهو أيضا.

ومن يرى مع ما ذكر ـ من ضعف الأخيرة عن مقاومة البواقي ـ إطلاق البواقي أو عمومها لصورتي العمد والسهو ، يحكم بوجوب العود مطلقا ، كما عن المقنعة (١).

ومن يرى حجّية الموثّق وصلاحيّته ـ مع ما ذكر من اختصاص الأخبار بصورة النسيان ـ للقرينة على نفي إرادة الوجوب من سائر الأخبار ، سيّما مع عدم دلالة الثلاثة الأولى على الزائد على الجواز أو الرجحان فلا تعارض بينها وبينه ، ومع عدم صراحة الباقيتين أيضا فيه لورودهما مورد توهم المنع ...

يحكم في صورة العمد بمقتضى الأصل من وجوب الاستمرار ، وفي السهو باستحباب العود وجواز الاستمرار ، كما عن التذكرة والنهاية (٢).

ومن يرى حجّية الموثّقة وكونها قرينة وإطلاق الروايات ، يحكم باستحباب العود مطلقا ، كالوافي والمفاتيح وشرحه (٣).

__________________

(١) لا يوجد في باب جماعة المقنعة ، ولكن نقل عنها في المدارك ٤ : ٣٢٧ عبارة تدلّ على وجوب العود ، والصحيح أنها من كلام الشيخ (ره) في التهذيب ٣ : ٤٧ كما نبّه عليه صاحب مفتاح الكرامة ٣ : ٤٦١.

(٢) التذكرة ١ : ١٨٥ ، نهاية الإحكام ٢ : ١٣٦.

(٣) الوافي ٨ : ١٢٥٥ ، المفاتيح ١ : ١٦٢.

١٠٣

ومن المتأخّرين من يجعل الموثّق معارضا مع البواقي لا قرينة ، ولأجله يحكم بالتخيير في بعض الصور (١) ، كما هو الحكم عند التعارض وعدم المرجّح.

هذا على ما ذكرنا من ثبوت الإجماع على عدم البطلان مطلقا أو عدم ثبوت وجوب المتابعة حتّى في المقام.

ومن المتأخّرين من لم يثبت عنده الإجماع لتوهّم الخلاف من المبسوط (٢) ، وظنّ ثبوت عموم وجوب المتابعة.

فمنهم من عمل بالأخبار في صورة النسيان ظنّا اختصاصها به وحكم بالبطلان أو احتمله في العمد (٣).

ومنهم من ترك الأخبار للتعارض واستشكل في المسألة ، مع احتماله البطلان مطلقا وأمره بالاحتياط (٤).

ومنهم من ترك الأخبار لما ذكر ولكن سلّم عدم ثبوت وجوب المتابعة في حقّ الناسي ، فحكم بالاستمرار له وبالبطلان للعامد. وهو الظاهر من بعض عبارات المحقّق الأردبيلي (٥).

هذا كلّه على عدم الفصل بين الهويّ والرفع ، ولا بين الركوع والسجود هويّا أو رفعا.

ومن المتأخّرين من فصّل بين الأوّلين أو احتمل الفصل بينهما ، فحكم في الثاني بالعود وجوبا أو استحبابا أو مخيّرا ـ على ما أدّاه إليه نظره من التعارض ـ مطلقا أو في صورة النسيان ، على ما رأى من إطلاق الأخبار أو اختصاصها.

وحكم في الأوّل بالتفصيل بين العمد والنسيان بحمل الرواية الأولى على صورة النسيان ، مع الحكم بالبطلان في العمد لظنّه وجوب المتابعة مطلقا إلاّ ما‌

__________________

(١) الذخيرة : ٣٩٨ ، الكفاية : ٣١.

(٢) راجع ص ١٠٠.

(٣) كما هو ظاهر الذكرى : ٢٧٥.

(٤) انظر الذخيرة : ٣٩٨.

(٥) انظر مجمع الفائدة ٣ : ٣٠٧.

١٠٤

أخرجه الدليل ، أو بالاستمرار فيه لعدم ثبوت إطلاق وجوبها. وقد يترك الرواية الأولى لعدم صحتها ويعمل في جميع صور العمد بالبطلان أو الاستمرار (١).

ومنهم من احتمل الفصل بين الأخيرين أيضا ، فاحتمل اختصاص مقتضى الرواية الأولى بالهويّ إلى الركوع ومقتضى الأخيرة بالرفع منه.

ولذلك حصلت عندهم في المسألة احتمالات غير عديدة وإشكالات ، كما يظهر طرف منها من الرجوع إلى المنتهى والمدارك والذخيرة وشرح الإرشاد للأردبيلي (٢) وبعض كتب الشهيدين (٣) وغيرها (٤). وللناس فيما يعشقون مذاهب.

والتحقيق في المسألة ـ بعد أن يعلم أوّلا أنّ الحقّ أصالة وجوب الاستمرار لما ذكرنا أوّلا ، وأنّه لا فرق بين الركوع والسجود هويّا ولا رفعا لعدم الفرق بينهما قطعا فيتعدّى حكم أحدهما في المقام إلى الآخر بالتنقيح المناط القطعي ، مضافا إلى عدم القول بالفصل بينهما جزما ، وتشكيك مثل صاحب الذخيرة لا يقدح في ثبوت الإجماع المركّب أصلا ، ولكن لم يثبت الإجماع المركب بين الهوي والرفع كما يظهر من المنتهى وغيره ، وأنّ الموثق من الأخبار حجّة كالصحيح يصلح قرينة أو معارضا للبواقي ، وأنّ تخصيص الأخبار بالنسيان تخصيص بلا بيان بل المتّجه اتّباع إطلاقها :

أنّ المتقدّم في الرفع سواء كان عمدا أو سهوا يتخيّر بين العود للأخبار الأربعة المتوسّطة ، وبين الاستمرار للخبر الأخير بجعله قرينة لعدم إرادة الوجوب منها مع استحبابه سيّما في صورة النسيان لاشتهار الرجحان.

وكذا المتقدّم في الهوي مع ظنّ تقدّم الإمام ، لثبوت جواز الاستمرار بالأصل المذكور ، والعود بالرواية الأولى فإنّ مفادها ليس إلاّ جواز العود. ويجب‌

__________________

(١) انظر الحدائق ١١ : ١٤٢.

(٢) المنتهى ١ : ٣٧٩ ، المدارك ٤ : ٣٢٨ ، الذخيرة : ٣٩٨ ، مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٣٠٧ ، ٣٠٨.

(٣) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٧٥ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٧٤.

(٤) كالحدائق ١١ : ١٤٢.

١٠٥

الاستمرار في سائر صور الهوي ، للأصل المذكور ، سواء كان من العمد أو النسيان.

ويوافقنا فيما ذكرناه ـ من العود في الرفع والاستمرار في الهويّ ـ الفاضل في المنتهى (١) ، إلاّ أنّه قوّى ثانيا العود في الهويّ نسيانا للرواية الأخيرة ، وخصّصناه بصورة المظنّة ، لأنّها يمكن أن تعدّ عمدا وأن تجعل من السهو ، فإنّها عمد من وجه وسهو من آخر فتتردّد بينهما. فالحكم بإلحاق جميع أفراد إحدى الصورتين بخصوصها به مشكل ، وإلحاق الظانّ مطلقا بالناسي ـ كما في الدروس والبيان والروضة (٢) ـ غير واضح الدليل جدّا.

وأمّا المتقدّم في القيام فكما في الرفع يكون مخيّرا بين الأمرين مطلقا ، وظهر وجهه ممّا ذكرنا أوّلا.

ب : لو خالف المتقدّم المذكور وظيفته‌

فعاد مع وجوب الاستمرار عليه ـ وهو على ما اخترناه لا يتحقّق إلاّ في أكثر صور التقدّم في الهويّ الّذي يجب عليه فيها الاستمرار ، لأنّه مخيّر في البواقي ـ فالوجه بطلان صلاته ؛ لزيادته في الصلاة الركن من دون مجوّز. وكذا فيما يجب عليه الاستمرار غير ما ذكرنا على القول به ؛ لما ذكر. أو كان العود واجبا عليه واستمرّ كما في السهو على المشهور ؛ لعدم الاعتداد بما فعله أوّلا فيفوت جزء من الصلاة. ودعوى أنّ التدارك لقضاء حقّ المتابعة لا لكونه جزءا من الصلاة ممنوعة ، غايته احتمال الأمرين فلا يعلم امتثال هذا الجزء.

ج : لو تقدّم عن الإمام بتمام فعل أو فعلين ركن أو غيره‌ ، كأن يركع قبل الإمام ويتمّ ركوعه ويرفع رأسه ويهوي للسجود قبل دخول الإمام في الركوع ، أو يقوم قبله ويدخل في الركوع قبل قيام الإمام ، فحكم في المنتهى بصحّة صلاته وايتمامه وجعل حكمه حكم المتقدّم في بعض الفعل ، وحكى عن الشافعي بطلان‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٧٩.

(٢) الدروس ١ : ٢٢١ ، البيان ٢٣٨ ، الروضة ١ : ٣٨٥.

١٠٦

الصلاة بالتقدّم بركنين (١).

والحقّ وجوب البقاء عليه فيما هو فيه حتّى يلحقه الإمام ؛ للأصل المذكور. إلاّ إذا تقدّم بقدر يوجب البقاء عليه محو صورة الصلاة فيبطل ايتمامه. وهل تبطل صلاته حينئذ أم لا؟ فيه تفصيل يذكر.

د : لو تأخّر المأموم سهوا أو عمدا عن الإمام بقدر فعل أو أكثر‌ ، ركن أو غيره ، كأن يجلس للتشهّد الأوّل حتّى يدخل الإمام في الركوع أو رفع رأسه أيضا ، أو يبقى قائما حتّى يرفع الإمام رأسه من الركوع ، أو راكعا حتّى يسجد ، أو ساجدا حتّى يتشهّد ، صحّت صلاته واقتداؤه ، كما صرّح به الشهيد في الذكرى (٢) والمحقّق الثاني في الجعفرية. وظاهر الأوّل اتّفاقنا عليه. وعن التذكرة (٣) التوقّف وإن يظهر منه الميل إلى الصحّة أيضا ، واستبعد بعض المتأخّرين في توقّفه.

لنا : ثبوت الصحّة للصلاة والاقتداء ، والأصل بقاؤهما حتّى جاء المزيل ، وهو غير معلوم ؛ إذ ليس إلاّ تحقّق القدوة ، ومثل ذلك التأخّر لا ينافيها ؛ أو وجوب عدم التأخّر عنه بركن أو أكثر ـ كما قيل (٤) ـ وهو ممنوع جدّا ، ولو سلّم فيختصّ بصورة العمد وعدم العذر ، ولو سلّم فإيجاب تركه لبطلان الصلاة أو القدوة ممنوع ، غايته أنّه ترك واجبا وكونه جزءا للصلاة أو القدوة أو شرطا لأحدهما ممنوع غايته ؛ أو ارتكب محرّما هو التأخّر ، وإبطاله لأحدهما غير ثابت ، لكونه خارجا ، ولا يستلزم وقوع فعل من الصلاة منهيّا عنه ، لأنّ النهي إنّما تعلّق بالتأخّر والفعل الموجب له ، وأمّا ما بعده ممّا يفعله للالتحاق بالإمام فلا ، فلو بقي قائما حتى يرفع الإمام رأسه يكون هذا البقاء أو القيام الزائد منهيا عنه وهو لم يكن مأمورا به ، وأمّا الركوع فهو ليس تأخرا بل هو التحاق.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٧٩.

(٢) الذكرى : ٢٧٦.

(٣) التذكرة ١ : ١٨٥.

(٤) الحدائق ١١ : ١٤٦.

١٠٧

مضافا في صورة السهو إلى صحيحة عبد الرحمن : عن رجل يصلّي مع الإمام يقتدي به ، فركع الإمام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتّى رفع الإمام رأسه وانحطّ للسجود ، أيركع ثمَّ يلحق الإمام والقوم في سجودهم أو كيف يصنع؟ قال : « يركع ثمَّ ينحطّ ويتمّ صلاته معهم ، ولا شي‌ء عليه » (١).

وفي صورة الاضطرار إلى صحيحته الأخرى : في رجل صلّى جماعة يوم الجمعة فلمّا ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو أسطوانة لم يقدر على أن يركع ولا أن يسجد حتّى رفع القوم رؤوسهم ، أيركع ثمَّ يسجد ثمَّ يقوم في الصفّ؟ قال : « لا بأس » (٢).

ثمَّ إنّه هل يجوز التأخّر كذلك عمدا كما هو ظاهر من ذكر ، أو لا كما صرّح به بعض مشايخنا الأخباريين ونقله عن المدارك أيضا؟ (٣).

الحقّ هو الأوّل ؛ للأصل السالم عن المعارض.

احتجّ المخالف بصحيحة معاوية بن وهب (٤) المصرّحة بجواز ترك المسبوق القراءة لعدم إمهال الإمام إيّاه حتى يتمّها ، وصحيحة زرارة (٥) المصرّحة بجواز ترك المسبوق السورة لدرك الإمام.

ويجاب أوّلا : باحتمال عدم وجوب إتمام القراءة والسورة هنا لدرك فضيلة موافقة الإمام واختصاص الوجوب بغير هذه الصورة ، مع أنّ في وجوب السورة حينئذ مطلقا كلاما يأتي.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٥ ـ ١٨٨ ، الوسائل ٨ : ٤١٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧٠ ـ ١٢٣٤ ، التهذيب ٣ : ١٦١ ـ ٣٤٧ ، الوسائل ٧ : ٣٣٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ١.

(٣) اختاره في الحدائق ١١ : ١٤٦ ، لكنّه لم ينقله عن المدارك وإنا لم نجد القول فيه.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٧ ـ ١٦٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧٤ ـ ٧٩٧ ، الاستبصار ١ : ٤٣٨ ـ ١٦٨٧ ، الوسائل ٨ : ٣٨٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٥.

(٥) الفقيه ١ : ٣٥٦ ـ ١١٦٢ ، التهذيب ٣ : ٤٥ ـ ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ ـ ١٦٨٣ ، الوسائل ٨ : ٣٨٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

١٠٨

وثانيا : بعدم تصريح الروايتين بما لا يدركه المأموم مع الإمام لو أتمّ المأموم القراءة أو السورة ، فلعلّ المراد أنّ الإمام يخرج من الصلاة لو قرأ الحمد أو السورة وهو غير المسألة.

نعم ، يتّجه تقييد جواز التأخّر بما لم يكن كثيرا كأفعال كثيرة ، لاحتمال إخلال ذلك عرفا بصدق الاقتداء. ولذا قيّد فخر المحقّقين في شرح الإرشاد جواز التأخّر حتّى فرغ الإمام عن فعل يصدق معه المتابعة.

وكذا يجب تقييد جواز التأخّر عن الركوع بما إذا أدرك جزءا من الصلاة مع الإمام قبله ، وإلاّ فلو أدرك الإمام وهو راكع فلا يدرك الركعة إلاّ بالركوع معه ، كما مرّ في بحث صلاة الجمعة.

١٠٩

المقام الثاني في آداب صلاة الجماعة ،

أي مستحبّاتها ومكروهاتها‌

أمّا المستحبّات فأمور :

منها : أن يقف المأموم عن يمين الإمام محاذيا له أو متأخرا عنه قليلا إن كان رجلا واحدا‌ وخلفه إن كان اثنين فصاعدا ، إجماعا محقّقا ومحكيّا مستفيضا في أصل رجحانه (١) ، فهو الدليل فيه.

مضافا إلى المستفيضة من النصوص ، كصحاح زرارة (٢) ، ومحمّد (٣) وإبراهيم بن ميمون (٤) ، وروايات أبي البختري (٥) ، والحسين بن سعيد (٦) ، والمدائني (٧) ، والمرويات في العلل (٨) ، وفقه الرضا (٩) ، وقرب الإسناد (١٠) ، والمجالس للصدوق (١١).

__________________

(١) كما في الخلاف ١ : ٥٥٤ ، والتذكرة ١ : ١٧١ ، والرياض ١ : ٢٣٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧١ الصلاة ب ٥٤ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ـ ٨٢ الوسائل ٨ : ٢٨٦ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٢ ـ ١١٣٩ ، الوسائل ٨ : ٢٩٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٧ الصلاة ب ٥٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٧ ، ١١٦٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٨ ـ ٧٦٧ ، الوسائل ٨ : ٣٣٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٦.

(٥) التهذيب ٣ : ٥٦ ـ ١٩٣ ، قرب الإسناد : ١٥٦ ـ ٥٧٥ ، الوسائل ٨ : ٣٤١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٨٧ الصلاة ب ٦٢ ح ١٠ ، الوسائل ٨ : ٣٤٤ أبواب صلاة الجماعة ٢٤ ح ١.

(٧) الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٧٤ ، التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٩٠ ، الوسائل ٨ : ٣٤٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٤ ح ٢.

(٨) علل الشرائع : ٣٢٥ ـ ١ ، الوسائل ٨ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١٠.

(٩) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٢٤ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٧٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٢١ ح ٣.

(١٠) قرب الإسناد : ١١٤ ـ ٣٩٥ ، الوسائل ٨ : ٣٤٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١٢.

(١١) لم نجد الرواية في أمالي الصدوق.

١١٠

وفي روايتي المدائني وابن سعيد : أنّه إذا وقف في اليسار والإمام علم به في الصلاة يحوّله إلى يمينه.

وعلى الأظهر الأشهر بل الإجماع المحقّق ـ لعدم انقداحه بمخالفة من شذّ وندر ـ والمحكي عن ظاهر الخلاف (١) وفي صريح المنتهى (٢) ، في عدم وجوبه.

للإجماع المذكور ، والأصل ، والإطلاقات السالمة عن المعارض رأسا ، إذ ليس إلاّ ما مرّ من الأخبار ، وهي بأسرها خالية عن الدالّ على الوجوب لورودها بنحو الجمل الخبرية الّتي لا تفيد عند المتأمّل أزيد من الرجحان ، إلاّ واحدة منها (٣) آمرة للصبي بالقيام إلى الجنب. وهي غير ناهضة ؛ لعدم تعلّق الوجوب بالصبي قطعا.

بل في روايتي المدائني وابن سعيد دلالة على انتفاء الشرطية قطعا ، وإلاّ لبطلت صلاة الواقف على اليسار أوّلا ولم يفد التحويل في الأثناء. وبه يسهل الأمر على من لا يجري الأصل في الأجزاء والشروط أيضا ، إذ ينتفي الاشتراط بهذه الرواية المنجبرة ، والوجوب التعبدي بالأصل.

مع أنّ في صحيحة الكناني : عن الرجل يقوم في الصفّ وحده ، فقال : « لا بأس إنّما يبدو واحد بعد واحد » (٤) دلالة على نفي الوجوب أيضا. وحملها على ما بعد [ من ] (٥) الصفوف خاصّة ـ كما في الحدائق (٦) لا وجه له ، لإطلاقها.

ثمَّ على فرض دلالة الأخبار المذكورة على الوجوب لا تصلح لإثباته ؛ لشذوذه ، ومخالفته الشهرة القديمة وعمل أرباب أصولها.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٥٤.

(٢) المنتهى ١ : ٣٧٦.

(٣) وهي صحيحة إبراهيم بن ميمون المذكورة آنفا.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨٠ ـ ٨٢٨ ، علل الشرائع : ٣٦١ ـ ١ ، الوسائل ٨ : ٤٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ح ٢.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(٦) الحدائق ١١ : ٩٠.

١١١

خلافا للمحكي عن الإسكافي فقال بالوجوب (١) ، وقوّاه شيخنا صاحب الحدائق ؛ لما مرّ بجوابه.

ولو كان المأموم امرأة وجب تأخّرها إن قلنا بتحريم المحاذاة. وإلاّ ـ كما هو المختار ـ استحبّ ذلك وإن كانت واحدة ؛ لروايتي أبي العباس (٢) وابن بكير (٣) وغيرهما من الروايات الغير الدالّة شي‌ء منها على الوجوب لمكان الخبرية ، سوى واحدة آمرة بإقامة الغلمان ولو كانوا عبيدا بين أيديهنّ (٤). وعدم وجوب ذلك ظاهر ؛ إذ لا صلاة على الصبي. والوجوب الشرطي أو التخييري ليس بأولى من الاستحباب ، فالاستدلال بها على الوجوب غير سديد.

ومنها يظهر ضعف الاستدلال بما في صحيحة علي من قيام امرأة بحيال إمام تصلّي عصرها مؤتمّة ـ إلى أن قال ـ : « وتعيد المرأة صلاتها » (٥). فإنّها ليست صريحة في وجوب الإعادة.

وأضعف منها الاستدلال بصحيحة الفضيل : « المرأة تصلّي خلف زوجها الفريضة والتطوّع وتأتمّ به في الصلاة » (٦).

فإنّها لا وجه لدلالتها إلاّ بمفهوم اللقب الذي هو من أضعف المفاهيم.

فالقول بالوجوب ـ كما عن جملة من كتب الفاضلين (٧) ـ ضعيف. مع أنّ في إرادتهما الوجوب نظرا ، ولو كانت فلعلّها لقولهما بحرمة المحاذاة. وفتواهما‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١٦٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٦ الصلاة ب ٥٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦٧ ـ ٧٥٧ الوسائل ٨ : ٣٣٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٥ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٩ ـ ١١٧٩ ، الوسائل ٨ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٧٣ ، الوسائل ٥ : ١٣٠ أبواب مكان المصلّي ب ٩ ح ١.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٧٩ ـ ١٥٧٩ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ١.

(٧) المعتبر ٢ : ٤٢٦ ، المختصر النافع : ٤٧ ، نهاية الأحكام ٢ : ١١٨ ، المنتهى ١ : ٣٧٦.

١١٢

بالكراهة في مواضع أخر لا تنافيه ، لإمكان تغيّر الرأي. فلا يكون وجوب التأخّر في الجماعة خاصة قولا. وعلى هذا فيتمّ المطلوب بالإجماع المركّب ، لعدم القول بالفرق بين الجماعة والانفراد ، إلاّ أنّ مع احتمال تفرقة الفاضلين يشكل التمسّك بالإجماع المركّب.

ثمَّ إن كانت المرأة واحدة يستحبّ لها مع التأخّر أن تقف على يمين الإمام ؛ لصحيحة هشام : « الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه يكون سجودها مع ركبتيه » (١).

ورواية الفضيل : أصلّي المكتوبة بأمّ علي؟ قال : « نعم ، تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك » (٢).

وإن كان المأموم رجلا واحدا مع النساء وقف الرجل عن يمين الإمام والنساء خلفه ، كما نصّ به في رواية القاسم بن الوليد (٣).

هذا كلّه إذا كان الإمام رجلا. ولو كانت امرأة تؤمّ النساء وقفن معها صفّا واحدا أو أزيد من غير أن تبرز بينهنّ مطلقا ، بلا خلاف بين القائلين بجواز إمامتها ، بل عن المعتبر والمنتهى (٤) اتّفاقهم عليه. وهو الحجّة فيه ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (٥) الدالّة على الرجحان الغير الناهضة لإثبات الوجوب.

ومنها : وقوف الإمام وسط الصفّ ، كما صرّح به الفاضل والشهيدان (٦) ؛ لما رواه الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « وسّطوا الإمام وسدّوا الخلل » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٩ ـ ١١٧٨ ، الوسائل ٥ : ٢٢٥ أبواب مكان المصلّي ب ٥ ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٧ ـ ٧٥٨ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٨ ـ ٧٦٣ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٣.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٢٧ ، المنتهى ١ : ٣٧٧.

(٥) الوسائل ٨ : ٣٣٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠.

(٦) الفاضل في التحرير ١ : ٥٢ ، والشهيدان في الذكرى : ٢٧٣ ، والروض : ٣٧١.

(٧) سنن أبي داود ١ : ١٨٢ ـ ٦٨١.

١١٣

ومثله كاف في مقام المسامحة.

ولا ينافيه المروي في الكافي : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يصلّي بقوم وهو إلى زاوية من بيته يقرب الحائط ، وكلّهم عن يمينه ، وليس على يساره أحد (١).

لأنّه واقعة في حادثة ، فلعلّه لمانع من التوسيط كما في الذكرى (٢).

ومنها : أن يكون في الصفّ الأوّل أهل الفضل‌

أعني من له مزيّة وكمال من علم أو عقل أو عمل ؛ لحكاية الاتّفاق عليه (٣) ، ولرواية جابر : « ليكن الّذين يلون الإمام أولى الأحلام منكم والنّهى ، فإن نسي الإمام أو تعايا قوّموه ، وأفضل الصفوف أوّلها ، وأفضل أوّلها ، ما دنا من الإمام » (٤).

والنبوي العامي : « ليليني أولوا الأحلام ثمَّ الّذين يلونهم ثمَّ الّذين يلونهم ثمَّ الصبيان ثمَّ النساء » (٥).

ثمَّ إنّ هذا الحكم إنّما هو لكلّ أهل الفضل من المأمومين ومن دونهم ، فيستحبّ للأوّلين المبادرة إلى الصفّ الأوّل وللآخرين تمكينهم منه. إلاّ أنّه لمّا دلّ ذيل الرواية الأولى على أفضليّة أوّل الصفوف مطلقا ، وكذا ما رواه الصدوق من أنّ : « الصلاة في الصفّ الأوّل كالجهاد في سبيل الله » (٦) يتعارض المستحبّان في حقّ غير اولي الفضل ، إذ المستفاد من صدر الرواية وما بمعناها استحباب تمكينهم لأهل الفضل في الصف الأوّل ، ومن ذيلها وما بمعناها استحباب الاندراج في الصفّ الأوّل لكلّ أحد ، إذ لا شكّ أنّ ما ذكر من فضيلة الصفّ الأوّل لا يختصّ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٦ الصلاة ب ٦٢ ح ٨ ، الوسائل ٨ : ٣٤٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٦.

(٢) الذكرى : ٢٧٣.

(٣) كما في الذخيرة : ٣٩٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٢ الصلاة ب ٥٤ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٥ ـ ٧٥١ ، الوسائل ٨ : ٣٠٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٧ ح ٢.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٣٢٣ ـ ١٢٣ ـ ٤٣٢ ( بتفاوت ).

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٢ ـ ١١٤٠ ، الوسائل ٨ : ٣٠٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٨ ح ٥.

١١٤

بأولى الفضل. فالظاهر أنّ هاهنا مستحبّين لا يمكن جمعهما لما دون أهل الفضل في جميع الأوقات ، وإذ لم يثبت ترجيح لأحدهما فلهم اختيار أيّ منهما أرادوا.

وفي الذكرى : وليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأوّل ؛ لما روي من أنّ : « الرحمة تنتقل من الإمام إليهم ، ثمَّ إلى يسار الصفّ ، ثمَّ إلى الثاني » (١).

ولا يخفى أنّه لا دلالة له على تخصيص الميامن بالأفضل. ورجحان الأفضل للأفضل معارض بأنّ الأفضل له الفضيلة ، فيرجّح ازدياد فضل لمن ليس له ذلك.

نعم يدلّ على أفضلية ميامن الصفّ الأوّل. وهو كذلك. وتدل عليها أيضا رواية سهل : « فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة الفرد » (٢).

ويظهر من ذلك ومن قوله في ذيل الرواية : « إنّ أفضل أوّلها ما دنا من الإمام » أنّ أفضل الميامن ما قرب من الإمام.

ويظهر منهما أيضا تعارض الفضيلتين في أواخر الميامن وأوائل المياسر ، فللاولى فضل الميمنة وللثانية فضل القرب من الإمام.

ثمَّ إنّ ما ذكر من أفضلية الصفّ الأوّل إنّما هو في غير صلاة الجنازة ، وأمّا فيها فأفضل الصفوف آخرها كما نسب إلى الأصحاب جملة (٣) ، ودلّت عليه المعتبرة المستفيضة (٤) ، وبها تقيّد الإطلاقات المتقدّمة.

ومنها : إقامة الصفوف واعتدالها وسدّ الفرج الواقعة فيها‌ ؛ لاستفاضة النصوص العاميّة والخاصيّة.

فمن الاولى : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسوّي صفوفنا كأنّما يسوّي القداح (٥).

__________________

(١) الذكرى : ٢٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٣ الصلاة ب ٥٤ ح ٨ ، الوسائل ٨ : ٣٠٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٨ ح ٢.

(٣) الرياض ١ : ٢٣٥ ، وفيه : وربما عزي إلى الأصحاب جملة ، ولا بأس به.

(٤) الوسائل ٣ : ١٢١ أبواب صلاة الجنائز ب ٢٩.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٣٢٤ ـ ١٢٨ ، سنن أبي داود ١ : ١٧٨ ـ ٦٦٣ ، سنن النسائي ٢ : ٨٩.

١١٥

وقال : « أقيموا صفوفكم » (١).

وقال : « سوّوا صفوفكم فإنّ تسوية الصفوف من تمام الصلاة » (٢).

وكان يمسح مناكبهم في الصلاة ويقول : « استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم » (٣).

ومن الثانية : صحيحة محمّد : « أقيموا صفوفكم ، فإنّي أراكم من خلفي كما أراكم من قدّامي ومن بين يديّ » (٤).

والمروي في التهذيب : « سوّوا بين صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم لئلاّ يكون فيكم خلل » (٥).

وفي بصائر الصفّار : « لتقيمنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم » (٦).

وفيه أيضا : « أقيموا صفوفكم إذا رأيتم خللا » (٧).

وفيه أيضا : « سوّوا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم » (٨). إلى غير ذلك.

ومنها : تقارب الصفوف بعضها من بعض‌ بأن لا يزيد ما بينها على مقدار مسقط جسد الإنسان ؛ لرواية الدعائم المتقدّمة في مسألة تباعد المأموم والإمام (٩).

ومنها : أن يمجّد الله المأموم بالتسبيح ونحوه إذا فرغ من قراءته قبل الإمام‌ فيما تجوز فيه القراءة من خلف الإمام الغير المرضي أو المرضي ، أو يمسك آية‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٧٨ ـ ٦٦٢.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٣٢٤ ـ ١٢٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٧٩ ـ ٦٦٨.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٢٣ ـ ١٢٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٢ ـ ١١٣٩ ، الوسائل ٨ : ٤٢٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٠ ح ٥.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٨٣ ـ ٨٣٩ ، الوسائل ٨ : ٤٢٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٠ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٦) بصائر الدرجات : ٤١٩ ـ ٢ و ٣ ، الوسائل ٨ : ٤٢٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٠ ح ٨.

(٧) بصائر الدرجات : ٤٢٠ ـ ٥ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٧ ح ٩.

(٨) لم نجده في البصائر ، ولكنه موجود في دعائم الإسلام ١ : ١٥٥. وفيه : « صلوا » بدل « سوّوا » ، راجع مستدرك الوسائل ٦ : ٥٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ٨.

(٩) راجع ص ٦٦.

١١٦

ويمجّد الله ويثني عليه حتّى إذا فرغ الإمام قرأها وركع معه.

وتدلّ على الأوّل رواية عمر بن أبي شعبة : أكون مع الإمام وأفرغ قبل قراءته ، قال : « فأتمّ السورة ومجّد الله وأثن عليه حتّى يفرغ » (١).

وعلى الثاني : موثّقة زرارة : عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ ، قال : « فأمسك آية ومجّد الله وأثن عليه فاقرأ الآية واركع » (٢).

والأمر فيهما وإن دلّ على الوجوب إلاّ أنّه حمل على الاستحباب للإجماع على عدم الوجوب.

ومنها : أن يصلّي الإمام بصلاة أضعف من خلفه‌ ، إجماعا نصّا وفتوى كما قيل (٣) ؛ له وللأخبار المستفيضة.

منها : رواية ابن عمّار : « ينبغي للإمام أن تكون صلاته على أضعف من خلفه » (٤).

والمروي في النهج في عهده للأشتر : « وإذا قمت في صلاتك فلا تكن منفّرا ولا مضيّعا ، فإنّ في الناس من به العلّة وله الحاجة » (٥).

والرضوي : « وإذا صلّيت فخفّف بهم الصلاة » (٦).

ولو أحسّ بشغل لبعض المأمومين استحبّ التخفيف أزيد من ذلك ، كما يستفاد من صحيحة ابن سنان (٧) الواردة في صلاة النبي وسماعه صراخ الصبي ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٨ ـ ١٣٤ ، الوسائل ٨ : ٣٧٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٣ الصلاة ب ٥٥ ح ١ ( بتفاوت يسير ) ، التهذيب ٣ : ٣٨ ـ ١٣٥ ، المحاسن : ٣٢٦ ـ ٧٣ ، الوسائل ٨ : ٣٧٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ١.

(٣) الحدائق ١١ : ١٧٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٥ ـ ١١٥٢ ( بتفاوت يسير ) ، التهذيب ٣ : ٢٧٤ ـ ٧٩٥ ، الوسائل ٨ : ٤٢٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٩ ح ٣.

(٥) نهج البلاغة ٣ : ١١٤ ( شرح محمد عبده ).

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٣ ، و ١٤٤ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٠٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ٢.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٧٤ ـ ٧٩٦. الوسائل ٨ : ٤١٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٩ ح ١.

١١٧

سيّما بزيادة ما في حديث آخر في عدّة الداعي حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خشيت أن يشتغل به خاطر أبيه » (١).

ولا شك في بقاء الاستحباب ما لم يعلم حبّ التطويل من جميع المأمومين. وأمّا إذا علمه فاستثناه بعض الأصحاب (٢) نظرا إلى أنّ الظاهر من الأخبار مراعاة حالهم لأغراضهم وحوائجهم وأمراضهم. ولا بأس به ، إلاّ أنّ ظاهر بعض الأخبار الإطلاق.

ومنها : أن لا يقوم الإمام من مقامه بعد التسليم حتّى يتمّ من خلفه صلاته‌ من المسبوقين أو الحاضرين لو كان الإمام مسافرا ، كما في صحيحة إسماعيل : « لا ينبغي للإمام أن يقوم إذا صلّى حتّى يقضي من خلفه كلّ ما فاته من الصلاة » (٣).

[ وصحيحة الحلبي ] (٤) : « لا ينبغي للإمام أن ينتقل إذا سلّم حتّى يتمّ من خلفه الصلاة » (٥) الحديث.

والبختري : « ينبغي للإمام أن يجلس حتّى يتمّ من خلفه صلاتهم » (٦).

وموثّقة سماعة : ينبغي للإمام أن يلبث قبل أن يكلّم أحدا حتّى يرى أنّ من خلفه قد أتمّوا صلاتهم » (٧).

ومقتضى الأخيرة استحباب عدم التكلّم أيضا.

وصحيحة أبي بصير : « أيّما رجل أمّ قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم ولا يخرج من ذلك الموضع حتّى يتمّ الّذين خلفه الّذين سبقوا صلاتهم ، ذلك على كلّ‌

__________________

(١) عدة الداعي : ٧٩ ، المستدرك ٦ : ٥٠٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ٤.

(٢) كالشهيد في البيان : ٢٤٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٦٩ ، الوسائل ٦ : ٤٣٤ أبواب التعقيب ب ٢ ح ٤.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح المتن.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤١ الصلاة ب ١ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٠٣ ـ ٣٨٦ ، الوسائل ٦ : ٤٣٣ أبواب التعقيب ب ٢ ح ٢.

(٦) الفقيه ١ : ٢٦٠ ـ ١١٨٩ ، الوسائل ٦ : ٤٣٣ أبواب التعقيب ب ٢ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ١٠٤ ـ ٣٩٠ ، الوسائل ٦ : ٤٣٤ أبواب التعقيب ب ٢ ح ٦.

١١٨

إمام واجب إذا علم أنّ فيهم مسبوقا ، فإن علم أنّه ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء » (١).

ومقتضى ذلك وإن كان الوجوب ، إلاّ أنّه حمل على الاستحباب ؛ للإجماع على عدم وجوب الجلوس في مورد الرواية الذي هو المسبوق وإن قيل في الإمام المسافر كما يأتي ، ولموثّقة الساباطي : عن الرجل يصلّي بقوم فيدخل قوم في صلاته بعد ما قد صلّى ركعة أو أكثر من ذلك ، فإذا فرغ من صلاته وسلّم أيجوز له وهو إمام أن يقوم من موضعه قبل أن يفرغ من دخل في صلاته؟ قال : « نعم » (٢).

خلافا للمحكي عن السيّد والإسكافي (٣) ، فأوجبا انتظار الإمام المسافر لتمام صلاة الحاضرين. ولم ينقل لهما مستند سوى الصحيحة ، وهي ـ كما عرفت ـ مخصوصة بالمسبوق ومعارضة مع الموثّق.

ومنها : أن يسمع الإمام من خلفه مطلق القراءة والأذكار الّتي يجوز الإجهار فيها‌ ما لم يبلغ العلوّ المفرط ، وعدم إسماع من خلفه له شيئا ؛ لصحيحة أبي بصير : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئا ممّا يقول » (٤).

ويتأكّد الاستحباب في التشهد ؛ لصحيحة البختري : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهّد ولا يسمعونه هم شيئا » (٥).

وفي صحيحة أبي بصير : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام فلمّا كان في آخر تشهّده رفع صوته حتى أسمعنا ، فلمّا انصرف قلت : كذا ينبغي للإمام أن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤١ الصلاة ب ١ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٠٣ ـ ٣٨٧. الوسائل ٦ : ٤٣٤ أبواب التعقيب ب ٢ ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٣ ـ ٧٩٠ ، الوسائل ٦ : ٤٣٥ أبواب التعقيب ب ٢ ح ٧.

(٣) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٣٩ ، وحكاه عن الإسكافي في الروض : ٣٧٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٧٠ ، الوسائل ٨ : ٣٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٧ الصلاة ب ٣٠ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٦٠ ـ ١١٨٩ ، التهذيب ٣ : ١٠٢ ـ ٣٨٤ ( بتفاوت يسير ) ، الوسائل ٨ : ٣٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ١.

١١٩

يسمع تشهّده من خلفه؟ قال : « نعم » (١).

وإنّما قيّدنا بما يجوز فيه الإجهار ، لخروج ما لا يجوز فيه الجهر ـ وهو القراءة في أوليي الظهرين ـ بما دلّ على إخفات الإمام فيها من الأخبار المتقدّمة في المسائل المتقدّمة في قراءة المأموم ، الدالّة على أنّ الإمام أيضا يخافت في القراءة ، سيّما صحيحة [ ابن ] يقطين المتضمّنة لقوله : عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام وصحيحة سليمان بن خالد المذكورة بعدها (٢).

وبما لم يبلغ العلوّ المفرط ، لأنّه قد يخرج المصلّي عن كونه مصلّيا ، ولعدم معهوديّة مثله عن أحد من السلف والخلف حتى الحجج عليهم‌السلام.

وأمّا في الركعتين الأخيرتين فلعدم ثبوت وجوب الإخفات فيهما ، فلا بأس بالقول باستحباب جهر الإمام فيهما ؛ لعموم صحيحة أبي بصير. ولأجل ذلك أفتى بعضهم باستحبابه أيضا ، حيث إنّه لا يرى وجوب الإخفات فيهما مطلقا ، لا أنّه يوجبه فيهما في غير الإمام ولا يوجبه في الإمام.

ومنها : إنّه إذا أحسّ الإمام بدخول أحد في ركوعه يطيل ركوعه بقدري ما كان يركع‌ انتظارا للداخلين ثمَّ يرفع وإن أحسّ بداخل ؛ لروايتي الجعفي (٣) ، ومروك (٤).

ومنها : أن يقول المأموم عند فراغ الإمام من قراءته الفاتحة : الحمد لله ربّ العالمين‌ ؛ لصحيحة جميل (٥) ، وغيرها المروي في المجمع (٦) وغيره.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠٢ ـ ٣٨٢ ، الوسائل ٦ : ٤٠١ أبواب التشهد ب ٦ ح ٣.

(٢) راجع ص ٨٦.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٨ ـ ١٦٧ ، الوسائل ٨ : ٣٩٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٠ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٠ الصلاة ب ٢٦ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٥٥ ـ ١١٥١ ، الوسائل ٨ : ٣٩٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٠ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٣ الصلاة ب ٢١ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٧٤ ـ ٢٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ ـ ١١٨٥ ، الوسائل ٦ : ٣٦٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ح ١.

(٦) مجمع البيان ١ : ٣١ ، الوسائل ٦ : ٣٦٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ح ٦.

١٢٠