مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

ضابطة كليّة ، بل تجب متابعة الأمر في كلّ موضع. إلاّ أنّه ثبت وجوبه في الخلل العمدي الحاصل في أجزاء الصلاة الواجبة نقصا ، أو زيادة ، أو نقص أوصافها الواجبة ، كما يأتي بعد ذلك.

وإن أردت تحقيق المقام في هذه الأقسام ، مع نقض وإبرام بما لا يتصوّر مزيد عليه ، فارجع إلى كتابنا المسمّى بعوائد الأيّام ، فقد استوفينا الكلام في أقسام الخاطئ والجاهل ، وذكرنا تحقيقات لا توجد في غيره (١).

ثمَّ لا يخفى أنّ البطلان بهذا المعنى أي : وجوب الإعادة في الوقت إنّما هو مقتضى الأصل ، وقد يدلّ دليل خارجي على عدم الوجوب ، كما في نسيان الفاتحة أو السورة ، وبالجملة غير الأركان من أجزاء الصلاة.

كما قد يوجد دليل على وجوب القضاء خارج الوقت أيضا ، كما في السهو عن الأركان ، أو الطهارة ونحوها. بل الظاهر الإجماع على أنّ ما يوجب الإعادة في الوقت من نقص أجزاء الصلاة سهوا يوجب القضاء خارجه.

وأمّا أصالة بطلان الصلاة بزيادة الأجزاء بأحد الوجوه الثلاثة ، فلرواية أبي بصير : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (٢).

وصحيحة زرارة وبكير : « إذا استيقن أنّه زاد في صلاته [ المكتوبة ] لم يعتدّ بها ، واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا » (٣).

وقوله : « زاد في صلاته » يحتمل معنيين :

أحدهما : أنّ من زاد صلاته بمعنى أن يصلي صلاة زائدة عمّا يجب عليه ، كما يقال : زاد زيد في داره ، إذا اشترى دارا أخرى أيضا.

__________________

(١) عوائد الأيام : ٨٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٥ الصلاة ب ٤١ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ ـ ٧٦٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ ـ ١٤٢٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٤ الصلاة ب ٤١ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ ـ ٧٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ ـ ١٤٢٨ ، الوسائل ٨ : ٢٣١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١ ، وما بين المعقوفين ليس في النسخ ، أضفناه من المصادر.

٨١

وثانيهما : أنّ من زاد فيها شيئا.

والأوّل يحتاج إلى كون لفظة « في » زائدة وإرادة الركعة ومثلها عن الصلاة ، إذ لا تبطل الصلاة بزيادة صلاة أخرى قطعا ، وكلاهما خلاف الأصل ، فالمعنى : زاد فيها غيرها.

ولا يتوهّم أنّه يقتضي تقدير المفعول لقوله : « زاد » وهو غير معيّن ، لاحتمال الركن أو الركعة أو غيرهما ، فيسقط الاستدلال.

إذ المبطل هو مهيّة الزيادة من غير احتياج إلى التقدير ، نحو : من أكل اليوم ، أو قتل فعليه كذا ، وزيد أكول ، فإنّ الشرط والمخبر عنه هو مطلق الأكل ، والقتل ، وكثرة الأكل.

فالمبطل هو الزيادة ، ويكون المفعول نسيا منسيّا ، كقولهم : فلان يمنع ويعطي ، فالمبطل الزيادة في الصلاة لا المزيد.

وقد يستدلّ للمطلوب في الجملة بما في بعض الصحاح : « لا يعيد الصلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة » (١).

ومقابلة الركعة فيها بالسجدة قرينة على أنّ المراد منها الركوع.

وفيه : أنّه يحتمل الزيادة والنقصان ، فلا يتمّ الاستدلال بها ، كما لا يضرّ حكمها بعدم الإعادة بالسجدة لذلك أيضا.

والتأمل في الخبرين الأوّلين باعتبار استلزامهما خروج الأكثر باطل ، وإن كان عمومهما لغويّا أيضا ، لمنع خروج الأكثر ، لشمولهما للعمد والجهل والسهو ، ولم يخرج من الأولين شي‌ء ممّا يصدق عليه الزيادة على ما ذكرنا ، ولا من الثاني أكثر الأفعال وإن خرج أكثر الجزئيّات ، ولكن المقصود كلّيات الأفعال.

ويشترط أن يكون المزيد من أجزائها ، لأنّه معنى ذلك المركّب ، فإنّه لا يقال لمن أمر ببناء معيّن على نحو معيّن كوضع خمس لبنات وتطيينه إلى ذراعين : إنّه زاد في البناء ، إلاّ إذا زاد في اللبنة ، أو الجصّ ونحوهما. ولا يقال : إنّه زاد فيه ، لو قرأ‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٩ ، الوسائل ٦ : ٣١٩ أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.

٨٢

حين البناء شعرا ، أو فعل فعلا آخر ، فيلزم أن يكون المزيد ممّا يعدّ من أجزاء الصلاة لو زاد. هذا.

ثمَّ إنّ ما يزاد فيه شي‌ء إمّا يعرف ما منه وما ليس منه عرفا ، فالمناط ما كان منه عرفا ، كالبناء ، فلو أدخل فيه خشبا يكون قد زاد فيه.

وإمّا ما يتوقّف معرفة ما منه وليس منه على التوقيف الشرعي ، فلا بدّ في معرفة كون الزائد من الصلاة أو ليس منها من الرجوع إلى الشرع ، وهي إنّما تتحقّق بالتطبيق على الأجزاء المعلومة أنّها من الصلاة قطعا ، فزيادة مثلها تكون زيادة في الصلاة ، وما ليس منها لا يكون زيادة فيها ، فلو حرّك يده في الصلاة مثلا لم يكن زيادة في الصلاة.

وقد يتوهّم أنّه يكون زيادة إذا اعتقد جزئيتها.

وهو سهو ، لأنّ الاعتقاد لا يكون إلاّ عن دليل ، فما لم يدلّ دليل له على الجزئية لا يمكن له الاعتقاد ، وإذا دلّ دليل عليها لا يكون زيادة بل يكون جزءا من الصلاة في حقّه مع ذلك الاعتقاد.

نعم يشترط في صدق الزيادة في الصلاة أن يكون الزائد ممّا يعدّ جزءا من الصلاة عرفا ، فلو كان فعل يتحقّق في الصلاة وفي غيرها ، فلا بدّ إمّا قصد كونه من الصلاة ، أو انضمام خصوصيّة أخرى تختص بالصلاة ، كالانحناء ، فإنّه يتحقّق تارة في ركوع الصلاة واخرى في غيره ، فلا يكون زيادة إلاّ بقصد جعله من ركوع الصلاة ، أو ضمّ الخصوصيات الواردة في الصلاة كالانحناء بالحدّ الخاصّ مع الطمأنينة والذكر ، فإنّ مثل ذلك من الصلاة. وبالجملة لا بدّ من ضمّ شي‌ء يصرفه ويطبقه على أجزاء الصلاة.

ولا يخفى أيضا أنّ الزيادة في الأجزاء إنّما تتحقّق إذا زاد شيئا منها على القدر المعيّن شرعا عدده ، كالركعة والركوع والسجود ، أو محلّه من حيث هو صلاة ، فيزيد إذا أتى به في غير محلّه أيضا من حيث هو للصلاة ، وإن لم يعيّن عدده أيضا ، كالقراءة بعد الركوع ، والتشهد في الركعة الأولى ، إذا قرأ قبله أيضا ، وتشهد‌

٨٣

بعدها ، أمّا لو اقتصر على غير المحلّ فلا يعدّ زيادة عرفا ، بل هو إخلال بالترتيب.

فلا زيادة ما لم يتعيّن عدده شرعا وإن تعيّن قدره الواجب عقلا ، مثلا لو أمر بكتابة عشر صفحات في كلّ صفحة عشرة أسطر ، وشرط عدم الزيادة في الكتابة ، فيزيد لو زاد السطر عن العشرة ، أو الصفحة عنها ، بخلاف ما لو كتب في السطر عشر كلمات ، وإن تأدّي الواجب بخمس كلمات مثلا أيضا لصدق السطر ، إذ هو ممّا لم يعيّنه الآمر.

وعلى هذا فكلّما عيّن الشارع في الصلاة كميّة يكون الزائد على ما عيّن زيادة ، بخلاف ما لم يعيّنه الشارع وإن عيّن الأصل. فلا تصدق الزيادة بتكرار الآيات ، ولا السورة ، ولا القراءة مطلقا لو لا النهي عن قران السورتين ، لأنّ المأمور به مطلق الفاتحة والسورة.

وكذا تتحقّق الزيادة بزيادة ما لم يعيّن الشارع عدده ، ولكن عيّن محلّه ، إذا أتى به في غير محلّه وفي محلّه. ولو أتى في غير المحلّ خاصّة لم يكون زيادة ، بل إخلالا. ولو أتى أوّلا في غير المحلّ ، فإن قصد الإتيان في المحلّ أيضا فهو زيادة ، وإلاّ فإخلال.

ولو أتى به سهوا لا تتحقق الزيادة إلاّ بعد أن يفعله في المحلّ أيضا ، فهو سبب تحقّق الزيادة ، وإن كان الزائد ما وقع في غير المحلّ.

وهل الزيادة في أجزاء الفاتحة أو السورة ـ بأن يقرأ جزءا منها سهوا في غير المحلّ ، ثمَّ قرأه بعد ذلك ـ زيادة في الصلاة؟.

فيه نظر ، فإنّ الظاهر أنّ المصداق هو زيادة الأجزاء المقرّرة للصلاة المرتّبة ، لا جزء الجزء.

لا يقال : قد ورد في الأخبار : « إنّه لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » (١) فهو يعارض خبري أبي بصير وزرارة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ٧ : ٢٣٤ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٤.

٨٤

المتقدّمتين (١).

لأنّا نقول : التعارض بالعموم المطلق ، فإنّه أعمّ مطلقا منهما ، فيجب التخصيص. وذلك حيث إنّه لا شكّ أنّ الإعادة من خمسة تحتاج إلى تقدير من نقص أو زيادة ، إذ لا معنى للإعادة من الخمسة نفسها ، ولا شك أن المقدّر للوقت والقبلة بل الطهور النقص والخلل دون الزيادة ، فهو مقدّر قطعا ولا يعلم تقدير شي‌ء آخر ، فالمعنى : لا تعاد الصلاة من غير نقصان الخمسة ، ومن البيّن أنّه أعمّ مطلقا من الزيادة.

لا يقال : قد ورد في رواية سفيان بن السمط : « تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان » (٢).

دلّت على ثبوت سجدتي السهو في جميع زيادات الصلاة سهوا أو نقصاناتها. ولا سجدة سهو إلاّ مع الصحّة ، للإجماع على عدم سجدة السهو في الزيادة أو النقيصة المبطلة. فتدلّ على صحة الصلاة بكلّ زيادة ونقصان سهوا ، إذ لا سجدة سهو في العمد. فهي أخصّ مطلقا من جميع ما مرّ ، فيخصّ بها ، ومقتضاها صحّة الصلاة بالزيادة أو النقيصة سهوا.

قلنا : قد اعترفت بالإجماع على اختصاص سجدة السهو بالزيادة أو النقيصة الغير المبطلة ، وهو كذلك أيضا ، فيكون معنى الحديث : كلّ زيادة غير مبطلة ، أو نقص كذلك ، وعلمنا أيضا من الزيادات والنقائص السهويّة ما يبطل الصلاة قطعا.

إذا عرفت ذلك فنقول :

__________________

(١) في ص ٨١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٥ ـ ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ ـ ١٣٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٥١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

٨٥

المبحث الأوّل

في العمد

وفيه مسألتان :

المسألة الأولى :

كلّ من نقص من واجب صلاته شيئا عمدا بطلت صلاته‌ ، جزءا كان أو وصفا أو شرطا ، بالإجماع ، له ، وللأصل المتقدّم الخالي عن مكاوحة شي‌ء ممّا يعارضه.

المسألة الثانية :

كلّ من زاد في صلاته‌

تكبيرة الإحرام ، أو ركوعا ، أو سجودا ولو واحدا ، أو ركعة ، عمدا ، بطلت صلاته.

وكذا لو قرأ في غير موضعه ، أو تشهّد كذلك ، بقصد قراءة الصلاة وتشهّدها ، أو جلس أو قام كذلك ، كلّ ذلك للأصل المتقدّم.

ويستفاد بعضها من عموم بعض الأخبار الآتية في مطاوي المباحث الآتية أيضا.

ولا تبطل بتكرير آيات الفاتحة ، أو السورة ، أو فقرات التشهّد ، أو القنوت ، ونحو ذلك ، للأصل ، وعدم صدق الزيادة في الصلاة ، كما مرّ بيانه.

ويدلّ على بعضه بعض الروايات الدالّ على تكرار الإمام بعض آيات الفاتحة (١).

ولا بأس بالانحناء بقصد تناول شي‌ء من الأرض ، ولو بلغ حدّ الراكع ، لعدم كونه زيادة في الصلاة كما سبق ، وورد في الأخبار أيضا (٢).

__________________

(١) كما في الوسائل ٦ : ١٥١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٦٨.

(٢) الوسائل ٥ : ٥٠٣ أبواب القيام ب ١٢.

٨٦

المبحث الثاني :

في الجهل‌

كلّ من ترك شرطا من شروط الصلاة المتقدّمة ، أو جزءا واجبا منها ، أو صفة واجبة ، جهلا بالحكم أو بموضوعه ، أثم وبطلت صلاته ، إن كان الجهل مستندا إلى تقصيره بأن يحتمل عنده الخلاف وقصّر في التحصيل ، لكونه عامدا حقيقة غير آت بالمأمور به تاركا له ، فتجب عليه الإعادة في الوقت ، والقضاء في خارجه.

وكذا إن زاد في الصلاة جهلا ، لعمومات مبطلات الزيادة المتقدّمة.

وإن لم يكن مستندا إلى تقصيره ، ولم يحتمل عنده الخلاف ، فحكم الخلل الواقع بسببه المتعلّق بالشروط والمنافيات ما مرّ كلّ في موضعه ، فما كان مبطلا للصلاة يوجب إعادتها وقضاءها ، وما لم يكون كذلك لا يوجبهما.

وأمّا ما له تعلّق بأجزاء الصلاة أو أوصافها الواجبة ، فلا شكّ في عدم ترتّب الإثم ، والوجه ظاهر.

ولكنّه في بطلان الصلاة بمعنى وجوب الإعادة والقضاء بالنقص والزيادة فحكمه حكم العمد.

أمّا في وجوب الإعادة بالنقص ، فبالإجماع والأصل المتقدّم ، والأخبار الآتية.

وأمّا في وجوبها وجوب القضاء بالزيادة ، فبالإجماع البسيط والمركّب ، حيث إنّ كلّ من يقول بوجوبها بالنقص ، يقول به بالزيادة ، وبإطلاق الخبرين المتقدّمين (١).

__________________

(١) في ص ٨١.

٨٧

وأمّا في وجوب القضاء بالنقص ، فبالإجماع ، وإطلاق الأخبار ، كموثّقة البقباق ، وابن أبي يعفور : في الرجل يصلّي فلم يفتتح بالتكبير ، هل يجزئه تكبيرة الركوع؟ قال : « لا ، بل يعيد صلاته ، إذا حفظ أنّه لم يكبّر » (١).

وصحيحة محمّد وفيها : « إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد » (٢).

وصحيحة أبي بصير : « إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة ، وقد سجد سجدتين ، وترك الركوع ، استأنف الصلاة » (٣).

وما يأتي من قولهم عليه‌السلام : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود ».

وهذه الأخبار وإن كانت واردة في بعض الأفعال ، ولكنّه يتمّ المطلوب بالإجماع المركّب.

بل هنا إجماع مركّب آخر أيضا ، وهو : أنّ كلّ من يقول بوجوب الإعادة في الوقت بخلل حاصل بالجهل يقول بوجوب القضاء في خارجه به أيضا.

بل لنا أن نقول بأنّ ما يفعله جهلا عمد ، لأنّه في الفعل متعمّد ، وإن كان جاهلا بحكمه ، والجهل بالحكم لا يخرج الفعل عن التعمّد ، فيدلّ على المطلوب جميع الأخبار المتضمّنة للفظ التعمّد ، أو الدالّة بمفهوم عدم النسيان على الإعادة والقضاء.

ويستثنى من الجهل الموجب للبطلان الجهل بالجهر والإخفات ، فإنّ الجاهل فيهما معذور إجماعا ، كما مرّ في بحثهما. وكذا الجهل بحكم السفر كما يأتي في بحثه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٧ الصلاة ب ٣٤ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٤٣ ـ ٥٦٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ ـ ١٣٣٣ ، الوسائل ٦ : ١٦ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٣ ـ ٥٥٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ ـ ١٣٢٧ ، الوسائل ٦ : ١٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٨ ـ ٥٨٠ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ ـ ١٣٤٣ ، الوسائل ٦ : ٣١٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٣.

٨٨

والجهل بالموضوع الموجب للبطلان إنّما هو إذا لم يكن العلم جزءا للموضوع ، وإلاّ فلا يوجب الجهل البطلان ، لعدم ترك الواجب حينئذ ، كما في غصبية الثوب والمكان ، ونجاسة الثوب أو البدن ، فإنّ الشرط الواجب في الصلاة ليس عدم غصبيّة الثوب ، ولا عدم نجاسته واقعا ، بل هو عدم العلم بالغصبية وعدم العلم بالنجاسة. بل الطاهر الشرعي حقيقة هو ما لم يعلم نجاسته ، إذ كلّ شي‌ء طاهر حتى تعلم أنّه قذر. فلا تجب الإعادة على جاهل الغصبية ، أو النجاسة ، إلاّ أنّه قد دلّت الأخبار في الثاني على الإعادة في الوقت ، فهو بأمر جديد ، كما تقدّما مع سائر ما يتعلّق بهذه المسائل في أبحاثهما.

٨٩

المبحث الثالث

في السهو

وهو إمّا بالنقص ، أو الزيادة ، فهاهنا فصلان :

الفصل الأوّل

في الخلل الواقع بالنقص سهوا

وهو على قسمين‌ ، لأنّه إمّا يوجب البطلان ، أو لا يوجبه.

القسم الأوّل :

فيما يوجب البطلان والإعادة ، وفيه ثلاث مسائل :

المسألة الأولى :

كلّ من ترك النيّة ولم يتذكّر حتى كبّر للإحرام‌ ، أو التكبير ولم يتذكّر حتى دخل القراءة ، أو الركوع ولم يتذكّر حتى دخل السجدة ، أو السجدتين ولم يتذكّر حتى دخل الركوع ، تبطل صلاته ، وتجب عليه إعادة الصلاة ، بلا خلاف في غير الركوع والسجدتين ، ووفاقا للمشهور ومنهم : المفيد والسيّد والعماني والديلمي والحلّي والحلبي والقاضي (١) ، بل جمهور المتأخرين ، فيهما أيضا.

أمّا في غير النّية فلاستلزام التدارك الزيادة في الصلاة ، وعدمه النقص فيها ، وهما مبطلان.

وتخصيص المبطل بزيادة الركن ـ فلا يجري الدليل في صورة تذكّر ترك الركوع بعد الدخول في السجدة الاولى ـ ليس بجيّد ، لما عرفت.

مضافا في الركوع مطلقا إلى خبر أبي بصير المنجبر ضعفه ـ لو كان ـ بالشهرة‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ١٣٧ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٣٥ ، حكاه عن العماني في المختلف : ١٢٩ ، الديلمي في المراسم : ٨٩ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٤٢ ، الحلبي في الكافي : ١١٩ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٥٣.

٩٠

العظيمة : عن رجل نسي أن يركع ، قال : « عليه الإعادة » (١).

وفيه إذا دخل السجدتين ، إلى صحيحته : « إذا أيقن الرجل أنّه ترك الركعة من الصلاة ، وقد سجد سجدتين ، وترك الركوع ، استأنف الصلاة » (٢).

وعدم دلالة الأخيرة على الوجوب مجبور بظاهر الإجماع على انتفاء الاستحباب ، وإن احتمله بعض المتأخّرين (٣).

وفي السجدتين ، إلى رواية معلّى : في الرجل ينسى السجدة من صلاته ـ إلى أن قال ـ : « وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة » (٤).

وأمّا في النيّة ـ الغير الثابت بطلان الصلاة بزيادتها ، لاحتمال شرطيتها ـ فلإيجاب تركها وقوع التكبير بلا نيّة ، وهي شرط فيه أيضا.

وفرض نيّة التكبير دون الصلاة غير مفيد ، إذ لو نوى تكبيرة الإحرام للصلاة فقد نوى الصلاة ، وإن نوى مطلق التكبير ، فلم ينو تكبيرة الإحرام.

وقد يستدلّ للحكم في الركوع بصحيحة رفاعة (٥) وموثّقة ابن عمّار (٦).

ويضعّفان باحتمال إرادة فعل الركوع من قوله فيهما : « يستقبل ».

خلافا في الركوع للمحكي في المبسوط وغيره عن بعض الأصحاب (٧) ، وفي‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٩ ـ ٥٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ـ ١٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣١٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٨ ـ ٥٨٠ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ ـ ١٣٤٣ ، الوسائل ٦ : ٣١٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٣.

(٣) انظر : المدارك ٤ : ٢١٨.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٤ ـ ٦٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ ـ ١٣٦٣ ، الوسائل ٦ : ٣٦٦ أبواب السجود ب ١٤ ح ٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٨ الصلاة ب ٣٦ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ ـ ٥٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ ـ ١٣٤٥ ، الوسائل ٦ : ٣١٢ أبواب الركوع ب ١٠ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ١٤٩ ـ ٥٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ـ ١٣٤٧ ، الوسائل ٦ : ٣١٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٢.

(٧) المبسوط ١ : ١١٩.

٩١

المنتهى وغيره عن الشيخ (١) ، فيلفّق أي يسقط الزائد ، ويتدارك الفائت ، ويأتي بما بعده مطلقا ، لصحاح محمّد (٢) ، والعيص (٣) ، وابن سنان (٤) ، والمروي في مستطرفات السرائر (٥).

ويردّ : بالشذوذ ، ومخالفة الشهرة القديمة ، المخرجين لها عن الحجّية ، وبالمعارضة مع ما مرّ من خبر أبي بصير ، ولو لا ترجيحه بموافقة الشهرة يرجع إلى القاعدة المذكورة.

ولا يتوهّم أعميّته مطلقا منها باعتبار شموله لما بعد الفراغ أيضا ، فيخصص به.

لبيان صحيحة محمّد حكم بعد الفراغ أيضا بما يخالفه.

بل بالمعارضة مع صحيحته أيضا (٦) ، حيث إنّها دلّت على رجحان الاستئناف لا أقلّ ، وهو يخالف الوجوب (٧).

والحمل على الاستحباب ـ كما قيل ـ لو صحّ لم يكن مفيدا لذلك المخالف.

مضافا في صحيحة العيص إلى قصور الدلالة ، لعدم ارتباطها بالمسألة أصلا ، لورودها في التذكّر بعد الفراغ.

والمحكي عن المبسوط والتهذيب والاستبصار ، فيلفّق في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة خاصّة (٨) ، جمعا بين الصحيحين المذكورين ، وبين ما مرّ ، بناء على ما ادّعاه هو والمفيد من أنّ كلّ سهو يلحق بالأوليين في الأعداد والأفعال فهو موجب‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٠٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٦ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ ـ ٥٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ـ ١٣٤٨ ، الوسائل ٦ : ٣١٤ أبواب الركوع ب ١١ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٩ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ٦ : ٣١٥ أبواب الركوع ب ١١ ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٨ ـ ١٠٠٧ ، التهذيب ٢ : ٣٥٠ ـ ١٤٥٠ ، الوسائل ٦ : ٣١٦ أبواب الركوع ب ١٢ ح ٣.

(٥) مستطرفات السرائر : ٨١ ـ ١٧ ، الوسائل ٦ : ٣١٨ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٧.

(٦) أي : بل يردّ دليل المخالف بالمعارضة مع صحيحة أبي بصير أيضا.

(٧) أي : وجوب التلفيق.

(٨) المبسوط ١ : ١٠٩ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦.

٩٢

للإعادة (١).

ويضعّف : بأنّ الجمع فرع الحجيّة والدلالة ، وكلتاهما ـ كما مرّ ـ ممنوعتان ، مع أنّه فرع الشاهد عليه ، وهو وإن كان على فرض ثبوت ما ادّعاه مع المفيد ، ولكنّه غير ثابت ، بل ـ كما عرفت ـ بعض الأصحاب ، فيه ، باعتراف الشيخ ، مخالف.

وعن نهاية الشيخ والإسكافي ووالد الصدوق أقوال أخر شاذّة جدّا غير واضحة المستند (٢) ، سوى الرضوي الضعيف الغير المنجبر في بعضها (٣).

ومن المتأخّرين (٤) ، من يظهر منه الميل إلى الفرق بين التذكّر بعد الدخول في السجدة الواحدة ، وبينه بعد الدخول في السجدتين :

فالتلفيق في الأوّل ، لعدم إيجاب زيادة السجدة الواحدة إبطالا ، وضعف خبر أبي بصير الدالّ على البطلان مطلقا.

وجوابه قد ظهر.

والتخيير بينه وبين الإعادة مع أفضليّتها ، في الثاني ، جمعا بين الأخبار.

وهو كان حسنا على فرض التكافؤ ، وقد عرفت عدمه.

وخلافا في السجدتين لمن حكم بالتلفيق فيهما أيضا مطلقا ، كما نسب إلى بعضهم.

وللمحكي عن الجمل والاقتصاد ، فحكم به في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة (٥).

ومستندهما غير واضح ، سوى ما قد يتوهّم من اتحاد طريق المسألتين. وهو ممنوع. مع أنّ الحكم في الأصل ـ كما عرفت ـ غير ثابت.

__________________

(١) انظر : المقنعة : ١٤٥ ، والمختلف : ١٣١ نقلا عن الشيخ عن بعض علمائنا.

(٢) النهاية : ٨٨ ، حكاه عن الإسكافي ووالد الصدوق في المختلف : ١٢٩.

(٣) فقه الرضا « ع » : ١١٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٢٩ أبواب الركوع ب ٩ ح ٢.

(٤) انظر : المدارك ٤ : ٢١٨.

(٥) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٨ ، الاقتصاد : ٢٦٦.

٩٣

فرع :

لا فرق في بطلان الصلاة بنسيان الركوع حتى دخل السجود بين ما إذا وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، أو ما لا يصحّ‌ ، على الحقّ المشهور كما قيل (١) ، لإطلاق الأخبار.

خلافا لبعض مشايخنا ، لعدم كون ذلك سجودا شرعيا (٢).

وفيه نظر ، لأنّه سجود شرعي ، وإن وجب الزائد عليه أيضا.

المسألة الثانية :

لو تيقّن ترك سجدتين ، ولم يدر أنّهما من ركعة أو ركعتين ، بطلت الصلاة‌ على الأقوى ، لما مرّ من أصالة بطلان الصلاة بالنقص ، ولإطلاق رواية معلّى : في الرجل ينسى السجدة من صلاته ـ إلى أن قال ـ : « وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة » (٣).

خرج نسيان السجدة الواحدة ، أو السجدتين من ركعتين تعيينا ـ بما يأتي من أدلّتها ـ عن تحت الأصل والإطلاق ، وبقي الباقي.

المسألة الثالثة :

لو نقص من صلاته ركعة فما زاد‌ ، فإن تذكّر بعد التسليم ، وقبل فعل المنافي مطلقا ، يتمّ الصلاة بدون إعادة ، بلا خلاف كما قيل (٤) ، للأصل الثابت بما سيأتي من عدم بطلان الصلاة بزيادة التشهّد والتسليم سهوا ، والمتواترة معنى من‌

__________________

(١) انظر : البحار ٨٥ : ١٣٨.

(٢) راجع الحدائق ٩ : ١٥٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٤ ـ ٦٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ ـ ١٣٦٣ ، الوسائل ٦ : ٣٦٦ أبواب السجود ب ١٤ ح ٥.

(٤) الحدائق ٩ : ١٢٥.

٩٤

الأخبار ، كصحيحتي الأعرج (١) ، وجميل (٢) ، وموثّقتي سماعة (٣) ، وأبي بصير (٤) ، الواردة كلّها في خصوص سهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والصحاح الأربع لمحمد (٥) ، والرازي (٦) ، وابني المغيرة (٧) ، وزرارة (٨) ، وحسنة ابن أبي العلاء (٩) ، والموثّقات الثلاث للساباطي (١٠) ، وابن زرارة (١١) ، وغيرها.

وكذلك إن تذكّر بعد فعل المنافي غير الحدث والتحويل عن القبلة ، وإن طال الزمان وكثر الكلام بحيث خرج عن كونه مصلّيا ، على الأقوى ، بل الأشهر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٧ الصلاة ب ٤٢ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ ـ ١٤٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٥ ـ ١٤٣٤ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٥ الصلاة ب ٤٢ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٤٦ ـ ١٤٣٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦٩ ـ ١٤٠٥ ، الوسائل ٨ : ٢٠١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١١.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٦ ـ ١٤٣٥ ، المقنع : ٣١ ، الوسائل ٨ : ٢٠١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٠.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٩ ـ ١٤٣٦ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٩.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠١١ ، التهذيب ٢ : ١٨١ ـ ٧٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧١ ـ ١٤١١ ، الوسائل ٨ : ١٩٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٣.

(٧) التهذيب ٢ : ١٨٠ ـ ٧٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٠ ـ ١٤١٠ ، الوسائل ٨ : ١٩٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٢.

(٨) الفقيه ١ : ٢٢٩ ـ ١٠١٣ ، التهذيب ٢ : ٣٤٦ ـ ١٤٣٧ ، الاستبصار ١ : ٣٦٧ ـ ١٣٩٩ ، وفيه عن ابن زرارة ، مستطرفات السرائر : ٩٩ ـ ٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢١٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٤.

(٩) الكافي ٣ : ٣٨٣ الصلاة ب ٦٢ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ١٨٣ ـ ٧٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٦٧ ـ ١٤٠٠ ، الوسائل ٨ : ٢٠٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ١.

(١٠) موثقة الساباطي الأولى : التهذيب ٢ : ٣٥٣ ـ ١٤٦٦ ، الوسائل ٨ : ٢٠٣ أبواب الخلل ب ٣ ح ١٤. موثقته الثانية : الفقيه ١ : ٢٢٩ ـ ١٠١٢ ، التهذيب ٢ : ١٩٢ ـ ٧٥٨ ، الاستبصار ١ : ٣٧٩ ـ ١٤٣٧ ، الوسائل ٨ : ٢٠٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٢٠.

(١١) التهذيب ٢ : ١٨٢ ـ ٧٢٩ ، الوسائل ٨ : ٢٠٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٨.

٩٥

أيضا ، بل عن التذكرة نسبته إلى ظاهر علمائنا (١) ، للأصل المذكور ، وإطلاق أكثر الأخبار المذكورة وغير المذكورة ، أو عمومه الناشئ من ترك الاستفصال ، وصريح طائفة كثيرة منها في خصوص التكلّم ، الثابت منها حكم الباقي ممّا لا يبطل الصلاة سهوا بالإجماع المركّب ، وبه يدفع إطلاق ما يشمل المورد ظاهرا كروايتي القهقهة والبكاء (٢) ، وترجّح إطلاقات المسألة عليه ، مع معاضدتها بالأصل ، مضافا إلى عدم جريان دليل بعضه ـ كالأكل والشرب والفعل الكثير ـ في المقام أيضا.

خلافا في التكلّم للشيخ في بعض أقواله ، كما مرّ في بحث المنافيات (٣). وفي الفعل الكثير لبعضهم ، لإيجابه سهوا بطلان الصلاة ، وعمومات إبطاله.

والأوّل ممنوع ، بل ادّعي الإجماع على عدم إبطاله فيما نحن فيه. والثاني غير موجود ، كما عرفت في بحثه (٤).

وفيما إذا طال الزمان ، أو كثر الكلام بحيث يخرج عن كونه مصلّيا ، لبعض آخر ، لكونه فعلا كثيرا ، وقد عرفت حاله.

وأمّا ما في موثّقتي سماعة وأبي بصير ، وصحيحة جميل ، وحسنة ابن أبي العلاء ، المتقدّمة ، من إعادة الصلاة إن تذكّر بعد ما ذهب أو برح من مكانه أو انصرف.

فمع عدم دلالة غير الأخير على الوجوب ، واحتمال الأخير بل ظهوره في إرادة الانصراف عن القبلة ، وأعميّتها من صدور الفعل الكثير أو طول الزمان.

معارضة بأكثر ممّا ذكر وأصرح ، كصحيحة عبيد وموثّقته المصرّحتين بالصحة إن ذهب وجاء ، وصحيحته المصرّحة بها إن خرج في حوائجه (٥) ، وموثّقة الساباطي‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٣٤.

(٢) الوسائل ٧ : أبواب قواطع الصلاة ب ٥ و ٧.

(٣) راجع ص : ٣٧.

(٤) راجع ص : ٤٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٤٧ ـ ١٤٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٦٨ ـ ١٤٠٢ ، الوسائل ٨ : ٢١٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٣.

٩٦

المصرّحة بها إن قام وتكلّم ومضى في حوائجه ، بل ولو بلغ إلى الصين ، وحسنة ابن أبي العلاء المصرّحة بها إن تذكّر بعد أن يذكر الله حتى طلعت الشمس.

ولو تذكّر تحويل وجهه بكلّيته عن القبلة ، أو صدور الحدث تجب إعادة الصلاة.

أمّا الأوّل ، فلخصوص صحيحة محمّد في المورد ، وفيها : « فإذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا » (١).

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالّة على القطع به ، المتقدّمة في بحث الالتفات (٢) ، وبه يخصص ما مرّ من المطلقات.

وأمّا ما ينافيها بظاهره ، كصحيحة زرارة المصرّحة بالصحّة لو صلّى بالكوفة وتذكّر في بلدة اخرى (٣) ، وموثّقة عمّار المصرّحة بها ولو بلغ إلى الصين (٤).

فلا تكافئ ما مرّ ، لشذوذها جدّا ، إذ لم ينقل القول بمضمونها إلاّ عن المقنع (٥) ، مع أنّه ذكر بعض الأجلّة عدم وجدانه فيما عنده من نسخ المقنع (٦) ، ومع ذلك للتقيّة محتملة كما قيل (٧).

وأمّا الثاني ، فلعمومات بطلان الصلاة بالحدث ، الخالية عن معارضة غير ما عرفت حاله (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٤ ـ ٧٣٢ ، الاستبصار ١ : ٣٦٨ ـ ١٤٠١ ، الوسائل ٨ : ٢٠٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٢.

(٢) راجع ص : ٢٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٧ ـ ١٤٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٦٨ ـ ١٤٠٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٩.

(٤) التهذيب ٢ : ١٩٢ ـ ٧٥٨ ، الاستبصار ١ : ٣٧٩ ـ ١٤٣٧ ، الفقيه ١ : ٢٢٩ ـ ١٠١٢ ، الوسائل ٨ : ٢٠٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٢٠.

(٥) نقله عنه في المختلف : ١٣٦. ولكن فيما عندنا من نسخة المقنع ص ٣١ : وإن صلّيت ركعتين ثمَّ قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة ولا تبن على ركعتين.

(٦) كشف اللثام ١ : ٢٧٤.

(٧) في الرياض ١ : ٢١٣.

(٨) راجع ص : ١٢.

٩٧

مع أنّه بعد ثبوت الحكم في الأوّل يثبت فيه أيضا بالإجماع المركّب.

فالقول بالصحّة في الأوّل ، كما حكي عن المقنع ، وبعض المتأخرين (١) ، أو بالتخيير فيه بين البناء والإعادة ، كبعض آخر منهم (٢) ، ضعيف جدّا.

فروع :

أ : لو فعل المنافي عمدا بعد التذكّر وقبل الشروع في الإتمام ، فمقتضى إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة ، بل عمومه المستفاد من ترك الاستفصال الصحّة.

ولكن ظاهر الأصحاب البطلان ، لأدلّة الإبطال به عمدا ، ولكن يعارضه ما مرّ بالعموم من وجه ، فيرجع إلى الأصل لو لا الإجماع على البطلان ، ولكن الظاهر تحقّقه.

ب : لا فرق بين أن يتذكّر والوقت باق أو خرج ، للمطلقات ، وخصوص حسنة ابن أبي العلاء.

ج : لو فعل المنافي بعد التشهّد قبل التسليم لم تبطل صلاته ، لكون التسليم خارجا.

القسم الثاني :

في النقص سهوا‌ الذي لا يوجب بطلان الصلاة ، وهو على أنواع ، لأنّه إمّا يجب تداركه في الصلاة ، أو لا يجب تداركه أصلا ، أو يجب تداركه وقضاؤه بعد الفراغ بلا سجدة سهو ، أو معها ، فهاهنا مواضع :

الموضع الأوّل :

فيما يجب تداركه في أثناء الصلاة.

__________________

(١) كالفيض في المفاتيح ١ : ١٧٥.

(٢) انظر : المدارك ٤ : ٢٢٨ ، والذخيرة : ٣٦٠.

٩٨

فكلّ من نسي القراءة كلاّ أو بعضا ، وتذكّر قبل الدخول في الركوع ، أو الركوع قبل السجود ، أو إحدى السجدتين أو كلتيهما أو التشهّد قبل الركوع ، لم تبطل الصلاة ووجب عليه العود والإتيان بالمنسي ، ثمَّ الإتيان بما بعده ، بلا خلاف ، بل بالإجماع في غير السجدتين ، وعلى الأظهر الأشهر فيهما أيضا.

لا لما قيل من إمكان الإتيان بالمنسي على وجه لا يؤثر خللا ، ولا إخلالا بمهيّة الصلاة ، أو لفحوى ما دلّ على هذا الحكم في صورة الشك ، كما في الذخيرة (١) ، وغيره (٢).

لردّ الأوّل : بمنع عدم الخلل في جميع الصور ، لإيجاب بعضها الزيادة في الصلاة ، وهي خلل.

والثاني : بمنع الفحوى ، لأنّها إنّما هي إذا علمت علّة الحكم في صورة الشك ، وهي غير معلومة ، فلعلّه لخصوصية الشك فيه مدخليّة.

بل في الأوّل وهو نسيان القراءة كلا أو بعضا : للدليل الأوّل ، مضافا إلى الإجماع المحقّق والمحكي في الجميع (٣) ، ورواية أبي بصير : عن رجل نسي أمّ القرآن ، قال : « إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن » (٤).

وموثّقة سماعة : عن الرجل يقوم في الصلاة ، فينسى فاتحة الكتاب ـ إلى أن قال ـ : « ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع » (٥) في نسيان خصوص الفاتحة.

وصحيحتي ابني حكيم وسنان الآتيتين ، وبهما يثبت الحكم في أجزاء الفاتحة والسورة أيضا ، كما صرّح به جماعة‌

__________________

(١) الذخيرة : ٣٧١.

(٢) كالرياض ١ : ٢١٣.

(٣) انظر : الرياض ١ : ٢١٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٧ الصلاة ب ٣٥ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٤٠ ، الوسائل ٦ : ٨٩ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ح ٢.

٩٩

ولكنّه تعارضهما رواية ابن وهب (١) ، المتقدّمة في بحث القراءة في السهو عن بعض أجزاء سورة ، الدالّة على عدم الالتفات بالسهو في الأجزاء ووجوب المضي ، وهي أخصّ مطلقا. ومقتضاه عدم الالتفات لو لا الإجماع على خلافه ، وشذوذ الرواية لأجله ، وأمر الاحتياط واضح.

ثمَّ إنّه لو كان السهو في الفاتحة بعد دخول السورة ، يقرأ السورة بعدها أيضا ، لأدلّة وجوب قراءتها بعد الفاتحة.

ولا تجب إعادة السورة الأولى ، على المشهور ، للأصل الخالي عن المعارض.

وأمّا ما في الرضوي : « وإن نسيت الحمد حتى قرأت السورة ، ثمَّ ذكرت قبل أن تركع ، فاقرأ الحمد وأعد السورة ، وإن ركعت فامض » (٢).

فالمراد مطلق السورة ، والإتيان بلفظ الإعادة لسبق المطلق أيضا.

ومنه يظهر أنّ قول بعض الأصحاب بإعادة السورة (٣) ، ليس ظاهرا في إعادة السورة المخصوصة.

إلاّ أن يعارض الأصل في صورة التذكّر عند تمام السورة ، باستلزام اختلاف السورة القران المحرّم ، على المختار من اختصاص القران بالسورتين المتغايرتين ، وتعميمه بالنسبة إلى المتّصلتين والمنفصلتين ، كما مرّ في بحثه.

وفي الثاني وهو نسيان الركوع : للإجماع ، وصحيحة ابن حكيم : عن رجل ينسى من صلاته ركعة ، أو سجدة ، أو الشي‌ء منها ، ثمَّ تذكّر بعد ذلك ، فقال : « يقضي ذلك بعينه » قلت : يعيد الصلاة؟ قال : « لا » (٤).

وصحيحة ابن سنان : « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا ، أو سجودا ، أو‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥١ ـ ١٤٥٨ ، الوسائل ٦ : ٩٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٢ ح ١.

(٢) فقه الرضا « ع » : ١١٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٩٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٣) انظر : الذكرى : ٢٢٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٠ ـ ٥٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥٠ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٦.

١٠٠