مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

وإطلاقها يشمل الجاهل بالمسألة ، وبكونه قهقهة ، والمختار ، وغيره ، كمن سبقه الضحك بحيث لا يمكنه دفعه ، فيبطل مع الاضطرار أيضا ، كما صرّح به في الذكرى وشرح القواعد والبيان (١) ، بل قيل : يظهر من التذكرة أنّه مجمع عليه (٢).

وعن جمل العلم والعمل احتمال عدم البطلان (٣) ، وظاهر الروضة التردّد (٤) ، ولا وجه لهما.

وظاهر الإطلاق وإن شمل السهو أيضا إلاّ أنّه خرج بالإجماع المحقّق والمحكيّ في الذكرى وشرح القواعد ونهاية الإحكام وشرح الجعفرية والتذكرة وغيرها (٥).

ثمَّ المراد بالقهقهة هل هو الضحك المتضمّن لصدور قه قه؟ كما عن الديوان والصحاح والأساس (٦).

أو المشتمل على المدّ والترجيع؟ كما عن العين (٧) وابن المظفّر ، وهو يشمل بظاهره ترجيع النفس أو الصوت في الصدر أو الحلق.

أو المشتمل على الصوت مطلقا؟ كما عن القاموس (٨) والمفصّل والمصادر للزوزنيّ والبيهقيّ ، وقريب منها ما عن المجمل والمقاييس من أنّها الإعراب في الضحك (٩) ـ إن قرئ بالمهملة ـ وهو يشمل بظاهره ظهور الصوت في الحلق أو‌

__________________

(١) الذكرى : ٢١٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٤٩ ، البيان : ١٨٣ ، وتعمّد القهقهة لا التبسم.

(٢) الحدائق ٩ : ٣٩.

(٣) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٣٤.

(٤) الروضة ١ : ٢٣٤.

(٥) الذكرى : ٢١٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٤٩ ، نهاية الإحكام ١ : ٥١٩ ، التذكرة ١ : ١٣١ ، وانظر المدارك ٣ : ٤٦٥.

(٦) الصحاح ٦ : ٢٢٤٦ ، أساس البلاغة : ٣٨٠.

(٧) العين ٣ : ٣٤١.

(٨) القاموس ٤ : ٢٩٣.

(٩) المجمل لابن فارس ٤ : ١١١ ، المقاييس ٥ : ٥.

٤١

الخيشوم وإن كان في صدق الصوت على الثاني نظر.

أو المبالغة في الضحك والشدّة فيه؟ كما عن شمس العلوم والقاموس أيضا ، بل المجمل والمقاييس ، إن قرئ الإغراب بالمعجمة.

أو الترجيع مع الشدّة كما عن روض الجنان (١)؟

كلّ محتمل ، إلاّ أنّ العرف يوافق أحد الأوّلين. والأصل يقتضي الأوّل ، فعليه العمل. وترك الثاني أيضا أحوط سيّما إذا اشتمل على الصوت والشدّة أيضا. بل لا بعد في اتّحاد ذلك مع الأول ، إذ لا يبعد أن يكون المراد بقه‌قه ما فيه التكرار والشدّة ، لا ما تضمّن خصوص لفظي القاف والهاء ، فيكون ذلك اسما لهذا النوع من الضحك ، كطق طق لضرب شي‌ء له صوت.

ومقابلة القهقهة للتبسّم ـ الذي هو ما لا صوت له ـ لا تدلّ على أنّه يراد بها ما له صوت مطلقا ، إذ لا يفيد الانحصار فيهما ، لجواز الواسطة.

ولو سلّم فلا دليل على دخول ما له صوت من غير ترجيع وشدّة في الأوّل مجازا ، لجواز أن يدخل في الثاني كذلك.

والتبسّم لا يبطل إجماعا نصّا وفتوى.

السادس :

الفعل الكثير الخارج من الصلاة‌ ، ذكره أكثر الأصحاب ، بل استفاضت على البطلان به عمدا حكاية الإجماع والوفاق ، حكاه الأردبيلي والكركي نافيا عنه الخلاف بين علماء الإسلام (٢) ، والمنتهى ناسبا له إلى أهل العلم كافّة (٣) ، والتذكرة ونهاية الإحكام (٤) ، وشرح الجعفريّة ، وعن المعتبر (٥) ، وغيرها. وهو المستند لهم في‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣٣٢.

(٢) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٦٩ ، الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٥٠.

(٣) المنتهى ١ : ٣١٠.

(٤) التذكرة ١ : ١٣١ ، نهاية الأحكام ١ : ٥٢١.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٥٥.

٤٢

الحكم.

وقد يراد أيضا الخروج به عن كونه مصليّا ، كما في المنتهى (١) ، وشرح الإرشاد للأردبيليّ ، قال : كان دليله الإجماع والعقل الدالّ على أنّ في الصلاة إذا اشتغل بفعل ، يخرجه العرف عن كونه مصليّا (٢).

كما قد يضاف المرويّان في قرب الإسناد :

أحدهما : في التكتّف في الصلاة : « إنّه عمل في الصلاة ، وليس فيها عمل » (٣).

وثانيهما : عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته وهو في صلاته ، وما عليه إن فعل ذلك متعمّدا؟ قال : « إن كان ناسيا فلا بأس ، وإن كان متعمّدا فلا يصلح له » (٤).

وبعض الأخبار الناهي عن قتل الحيّة بعد أن يكون بينه وبينها أكثر من خطوة (٥) ، أو عن الإيماء في الصلاة (٦) ، ونحو ذلك.

ثمَّ إنّهم بعد ذلك اختلفوا في حدّ الكثير المبطل :

فمنهم من أرجعه إلى العرف والعادة ، ذكره في السرائر ونهاية الإحكام والدروس وشرح القواعد والتذكرة (٧) ، ونسبه فيه إلى علمائنا ، قال : والذي عوّل عليه علماؤنا البناء على العادة ، فما يسمّى في العادة كثيرا فهو كثير ، وإلاّ فلا.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣١٠.

(٢) مجمع الفائدة ٣ : ٦٩.

(٣) قرب الإسناد : ٢٠٨ ـ ٨٠٩ ، الوسائل ٧ : ٢٦٦ أبواب قواطع الصلاة ب ١٥ ح ٤.

(٤) قرب الإسناد : ١٩٠ ـ ٨١٣ ، الوسائل ٧ : ٢٩ أبواب قواطع الصلاة ب ٣٤ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤١ ـ ١٠٧٢ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ـ ١٣٦٤ ، الوسائل ٧ : ٢٧٣ أبواب قواطع الصلاة ب ١٩ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٥ الصلاة ب ١٨ ح ٢٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ١٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١١ ، الوسائل ٥ : ٣٩٦ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٢.

(٧) السرائر ١ : ٢٣٨ ، نهاية الأحكام ١ : ٥٢١ ، الدروس ١ : ١٨٥ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٥٠ ، التذكرة ١ : ١٣١.

٤٣

واستدلّ له تارة : بأنّ المرجع فيما لم يبيّن الشارع معناه العرف. واخرى : بأنّ عادة الشارع ردّ الناس فيما لم ينصّ عليه إلى عرفهم.

ومنهم من جعله ما يخرج المصلّي عن كونه مصليّا ، وهو المراد من محو صورة الصلاة ، وهو صريح الروضة (١) ، وظاهر كلّ من استدلّ لإبطاله بإيجابه الخروج عن وصف الصلاة ، كالمنتهى (٢) ، وغيره.

ولا بدّ فيه أيضا من الرجوع إلى العرف ، قال الأردبيلي : والظاهر أنّ المحتاج إلى الحوالة إلى العرف ما يخرج عن كونه مصلّيا ، لأنّه المبطل عقلا (٣).

ومنهم من قال بأنّ مستند الحكم لما كان هو الإجماع فتجب إناطة الحكم بمورد الاتّفاق ، فكلّ فعل ثبت الاتّفاق على كونه فعلا كثيرا فهو مبطل ، ومتى ثبت انّه ليس بكثير هو ليس بمبطل. ومتى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا ، لأنّ اشتراط الصحّة بتركه يحتاج إلى دليل. ويحتمل البطلان ، لتوقّف البراءة اليقينيّة عليه (٤).

ومن العامّة من حدّ القليل بما لا يسع زمانه فعل ركعة ، والكثير ما اتّسعه (٥).

وبعضهم بما لا يحتاج إلى فعل اليدين ، وما يحتاج إليه (٦).

أقول : لا شكّ للمتتبّع في انعقاد الإجماع على إبطال الفعل الكثير للصلاة في الجملة.

ولا في انعقاده على أنّ للصلاة جزءا صوريّا زائدا على أجزائها الماديّة ، إذ لا‌

__________________

(١) الروضة ١ : ٢٣٣.

(٢) المنتهى ١ : ٣١٠.

(٣) مجمع الفائدة ٣ : ٦٩.

(٤) انظر : الذخيرة : ٣٥٥.

(٥) حكاه العلامة في التذكرة ١ : ١٣٢ عن بعض الشافعية ، ولم نعثر عليه في كتب العامة التي بأيدينا.

(٦) انظر : بدائع الصنائع ١ : ٢٤١.

٤٤

شكّ في اشتراط الترتيب بل نوع توال وتركيب لأجزائها ، بل الزائد على ذلك أيضا ، ضرورة خروج الشخص عن كونه مصليّا عند جميع العلماء بأفعال صادرة من بعض الجوارح ، ولو لم يخلّ بالترتيب أو التوالي ، كالمشتغل بالرياضة أو الحياكة أو الضرب الطويل ونحوها.

ولا في أنّ ما يخرج المصلّي عن كونه مصليّا يبطل الصلاة ، لإيجابه انتفاء جزئها الصوريّ. وإلى هذا يشير قول من جعله مبطلا عقلا.

والمراد بالإخراج عن كونه مصليّا ـ كما أشرنا إليه ـ محو صورة الصلاة عنه بحيث لم يصدق عليه أنّه صلّى ، لا مجرّد صدق عدم اشتغاله بالصلاة حين ارتكابه ذلك الفعل ولو عاد إليها بعد تركه الفعل ، فإنّ الساكت لحظة في الأثناء ليس حينئذ مصليّا ، ولكن لو عاد وأتّم الصلاة يقال : إنّه صلّى.

والحاصل : أنّه لو أتى بأفعال الصلاة مع شغله بهذا الفعل لم يصدق عليه المصلّي والمشتغل بالصلاة أيضا ، أو لم يصدق عليه أنّه صلّى لو أتى معه بجميع أجزاء الصلاة أيضا.

ثمَّ إنّه ليس أمر آخر وراءهما نافع في المقام.

وأمّا الأخبار : فبين غير دالّ ، كالخبر الأوّل ، حيث إنّه لا يتعيّن معنى قوله : ليس عمل في الصلاة ، أنّه ليس مأمورا به فيها ، أو مستحبا ، أو مباحا ، أو جائزا.

ومع ذلك فما يتضمّن ذلك خبر ضعيف لم يثبت انجباره بتمام ما يفيده.

وبين معارض بما هو أقوى منه سندا وعملا.

وبين مخصوص بفعل خاصّ لا ينفع للمقام.

فاللازم متابعة الأمرين ، وبعد ما عرفت من الإجماع عليهما لا يبقى إشكال في إيجابهما الإبطال ، إنّما الإشكال في تعيينهما.

أمّا الأوّل فقد عرفت تحديده تارة بالعرف ، واخرى بالخروج به عن الصلاة ، وثالثة بما اجمع على أنّه كثير.

وردّ الأوّل تارة : بأنّه إنّما يكون فيما إذا ثبت من الشارع لفظ ، وكان مستنده‌

٤٥

النصّ ، وأمّا إذا كان مستنده الإجماع فلا وجه للرجوع إلى العرف قطعا (١).

أقول : يمكن أن يكون الثابت بالإجماع هو مصداق هذا اللفظ ، فيجب تعيين معناه بالعرف. ولكن البيان في إثبات ذلك ، فإنّ كلام أكثر القدماء خال عن ذكر الفعل الكثير. نعم ذكر جماعة منهم خصوص بعض الأفعال ، والثابت بالإجماع ليس إلاّ هذا المدلول في الجملة.

واخرى : بأنّ العادة المحكوم بالرجوع إليها إن كان المراد بها ما يرادف العرف العامّ ففساده واضح ، إذ لا اطّلاع لغير المتشرعة على ذلك. وإن كان المراد بها عرف المتشرّعة فهو فرع ثبوته ، وهو في حيّز المنع لو أريد بهم العلماء خاصّة ، لاختلافهم في الكثير المبطل ، ومعه لا تتحصّل الحقيقة ، وكذا لو أريد بهم العوام مع أنّهم ليسوا المرجع في شي‌ء (٢).

أقول : يمكن أن يقال : إنّ المراد العرف العامّ. ولا فساد فيه ، إذ لا شكّ أنّ للفعل الكثير في العرف العامّ معنى ، ولا حاجة في تعيين معناه إلى علمهم بالإبطال أيضا.

فإن قيل : الكثير له معنى بنفسه ، ومعنى بالنسبة إلى غيره ، كما أنّه يقال : في القدر حنطة كثيرة ، إذا كان فيه نصف منّ ، ولا يقال : في البيت حنطة كثيرة ، إلاّ إذا كان فيه ألف منّ مثلا ، ولا يقال في البلد إلاّ إذا كان أضعاف ذلك بكثير ، وكذا المال الكثير بالنسبة إلى الأشخاص ، ونحو ذلك.

ولا شكّ أنّ الأوّل ليس منضبطا في حدّ خاصّ وأنّ أهل العرف لا يفهمون من الحنطة الكثيرة قدرا معيّنا ، والثاني ـ وهو الكثير بحسب كلّ شي‌ء ـ فيلاحظ هنا بالنسبة إلى الصلاة ، ولا شكّ أنّ الفعل الكثير بحسب الصلاة لا يعيّن إلاّ بعد العلم بالصلاة وشرائطها ، ولا اطّلاع للعرف العامّ في ذلك ، وإنّما يعلمها المتشرعة.

__________________

(١) الرياض ١ : ١٧٩.

(٢) الرياض ١ : ١٧٩.

٤٦

قلنا : لا يشترط في تعيين العرف العامّ الكثير بحسب الصلاة اعتقادهم بوجوبها ، وعلمهم بشرائطها ، بل يكفي أن يعرض أجزاء الصلاة عليهم ، ونسبة الفعل إليها ، فما يحكمون بكثرته بحسبها يكون كثيرا.

ومن هذا ظهرت صحّة الحوالة في تحديدها إلى العرف والعادة. ولكن قد عرفت أنّها إنما تتمّ لو ثبت الإجماع على هذا المصداق وهو غير معلوم ، لخلوّ كلام أكثر القدماء عن هذا العنوان. مع أنّه لو فرض وجوده في جميع الكلمات لا يفيد الإجماع على العنوان ، لجواز أن يكون التعبير بالعنوان باعتبار معتقدهم ، وكان المبطل عند كلّ طائفة نوعا من الفعل اعتقده كثيرا فعبّر به.

ومن هذا يظهر بطلان ما قيل ـ بعد ردّ الحوالة على العادة بالوجهين ـ من لزوم الاقتصار على مورد الإجماع على كونه كثيرا : فإنّه لو ثبت الإجماع على البطلان بما يصدق عليه الكثير ، فما الضرر في الحوالة على العرف؟ وإن لم يثبت فما الفائدة في الإجماع على كون فعل كثيرا؟ وإذ عرفت عدم الثبوت فلا يفيد شي‌ء منهما.

نعم لما ثبت الإجماع على البطلان ببعض الأفعال الكثيرة ، فالصواب الإناطة بالإجماع على البطلان ، فكلّ فعل ثبت الإجماع على البطلان به يحكم بالبطلان ، ويحكم فيما عداه بمقتضى الأصل.

ومن هذا يظهر حال التحديد الثالث أيضا ، ولكن لا يبعد اتّحاد مقتضى الإجماعين ، فإنّ كلّ ما كان كثيرا إجماعا يبطل إجماعا وبالعكس ، فتأمّل.

وأمّا التحديد الثاني ـ وهو جعل الكثير ما يخرج به عن كونه مصليّا ـ فصحته موقوفة على ثبوت التلازم بين الوصفين ، وهو ممنوع جدّا.

مضافا إلى ما في هذا الوصف أيضا من الإجمال الموجب للاقتصار على موضع الإجماع ، وذلك لأنّك قد عرفت أنّ المراد ليس ما يخرج به عن الصلاة حين الاشتغال به ، إذ لا ملازمة بين هذا الخروج وبين بطلان الصلاة ، كما في الغسل الترتيبيّ ، فإنّه يخرج الغاسل عن كونه غاسلا ببعض الأفعال المتخللة بين أجزائه ، مع أنّه يصحّ الغسل.

بل المراد ما يخرج به عن كونه مصليّا مطلقا ، حتّى لو أتى بتمام الإجزاء أيضا‌

٤٧

يقال : إنّه ما صلّى ، والحاصل أن يكون الآتي بأفعال الصلاة مع هذا الفعل بحيث لم يصدق عليه أنّه مصلّ ، فإنّه إذا كان كذلك تبطل به الصلاة ، لانتفاء جزئها الصوريّ ، كما مرّ.

ولكن لعدم انضباط ذلك عرفا ، بل لا سبيل للعرف إلى فهم ذلك أصلا ، فإنّه يتوقّف على فهم الصورة الموضوعة لها ، فالمرجع في فهم ذلك أيضا إلى الإجماع ، فكلّ ما يبطل الصورة بالإجماع يكون مبطلا ، ولا يبعد اتّحاد ذلك أيضا مع مورد الإجماعين المتقدمين.

ومن ذلك ظهر أنّه لا حاجة إلى بعض الأبحاث في المسألة ، مثل أنّه هل يشترط في الكثرة التوالي أم لا؟ وأنّه هل يكون غيره بالعدد أم لا؟ ونحو ذلك.

وظهر أيضا عدم بطلان الصلاة بالفعل الكثير إذا صدر ناسيا أو ساهيا ، لعدم كونه مورد الإجماع. بل ظاهر بعضهم ـ كالتذكرة والذكرى وغيرهما (١) ـ الإجماع على عدم كونه مبطلا. نعم لو انمحت به الصورة قطعا وخرج به عن كونه مصليّا إجماعا ، اتّجه البطلان ولو كان سهوا ، لانتفاء الجزء الصوريّ ، وأصالة بطلان المأمور به بانتفاء جزئه ولو سهوا.

فائدة :

لا يخفى أنّ ها هنا أفعالا نطقت الروايات بجوازها في الصلاة ، فيحكم به فيها ما لم يثبت الإجماع على خلافه ، وإن كان كثيرا ، بل ولو ماحيا للصورة ، إذ يكون ذلك خروجا عن تحت القاعدة بالدليل.

فيجوز غسل الرعاف وغسل الثوب منه ومن النجاسة الطارئة في الأثناء ، لأخبارهما كما مرّ في موضعه.

وعدّ الصلاة بالخاتم أو حصى يأخذها بيده ، وتسوية الحصى في موضع السجود ، ومسح التراب عن الجبهة ، ونفخ موضع السجود ما لم يظهر منه حرفين ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٣١ ، الذكرى : ٢١٥ ، وانظر : جامع المقاصد ٢ : ٣٥٠.

٤٨

وضرب الحائط أو الفخذ باليد لإعلام الغير ، وصفق اليدين لذلك ، والإيماء ورمي من يمرّ بالحصى لإشعاره ، ومناولة العصا للغير ، وحمل الصبيّ مطلقا ، وإرضاعه في التشهّد ، واحتكاك الجسد ، والتقدّم بخطوة بل خطوتين ، وقتل الأسودين والبرغوث والبقّة والقمّلة ، ودفنها ، وقطع الثواليل ، ومسح الدماميل ، وأخذ الذكر ، ونزع المتحرّك من الأسنان ، وحكّ خرء الطير ، ورفع القلنسوة ووضعها ، ورفع اليد من الركوع أو السجود لاحتكاك الجسد ، وإدارة السبحة.

كلّ ذلك للمعتبرة من الروايات (١).

السابع :

الأكل والشرب عمدا‌ ، عند جماعة من الأصحاب ، منهم : الخلاف والمبسوط والتذكرة ونهاية الإحكام والسرائر والقواعد والإرشاد (٢) ، وغيرها ، بل الشيخ ادّعى عليه الإجماع (٣) ، ونسبه في كفاية الأحكام إلى المشهور (٤) ، ونسب إلى نهاية الشيخ أيضا (٥) ، ولم أعثر عليه إلاّ تصريحه بجواز ما ورد في الوتر (٦) ، كما يأتي ، وظهوره في المنع عن غيره ممنوع ، لاشتماله على أمور أخر أيضا.

ومنعه المحقّق في المعتبر (٧) ، واختاره الأردبيليّ (٨) ، ووالدي ـ رحمه‌الله ـ في المعتمد ناسبا له إلى أكثر الثالثة ، وصاحب الحدائق (٩) ، وغيرهم (١٠) ، فلم يبطلوا‌

__________________

(١) انظر : الوسائل ٧ : أبواب قواطع الصلاة ب ١٩ إلى ٢٧.

(٢) الخلاف ١ : ٤١٣ ، المبسوط ١ : ١١٨ ، التذكرة ١ : ١٣١ ، نهاية الاحكام ١ : ٥٢٢ ، السرائر ١ : ٢١٥ ، القواعد ١ : ٣٦ ، الإرشاد ١ : ٢٦٨.

(٣) كما في الخلاف ١ : ٤١٣.

(٤) كفاية الأحكام : ٢٤.

(٥) كما في التنقيح الرائع ١ : ٢١٦ ، والمهذب البارع ١ : ٣٩٣ ، والرياض ١ : ١٨٠.

(٦) النهاية : ١٢١.

(٧) المعتبر ٢ : ٢٥٩.

(٨) مجمع الفائدة ٣ : ٧٧.

(٩) الحدائق ٩ : ٥٥.

(١٠) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٣.

٤٩

به من حيث هو.

وهو مذهب من قيّد الإبطال بهما بحصول الفعل الكثير ، كالذكرى والمنتهى (١) ، أو الإعراض عن الصلاة ، كما نقله الكركيّ عن بعض كتب الشهيد (٢).

وهو الحقّ ، للأصل الخالي عن المعارض ، سوى :

ما مرّ من الإجماع المنقول ، الممنوع انصرافه إلى القليل ، ثمَّ حجيّته ، سيّما مع مخالفة الفحول.

وما قيل من استلزامه الفعل الكثير لاحتياجه إلى الأخذ والوضع والازدراد والابتلاع (٣) ، الممنوع احتياجه إليها مطلقا ، ثمَّ كونها فعلا كثيرا بإطلاقها جدّا.

وتؤيّده النصوص المجوّزة لكثير من الأفعال ، المتقدّمة في بحث الفعل الكثير ، والإجماع المدّعى في المنتهى على عدم البطلان بابتلاع نحو ما بين الأسنان ، وبوضع سكّرة في فيه ، فتذوب وتسوغ مع الريق (٤).

إلى أن يبلغ حدّا تنمحي به صورة الصلاة قطعا ، أو يكون في الكثرة حدّا يبطل الصلاة إجماعا.

ثمَّ إنّه قد استثني الشرب في الوتر لمريد الصوم ، إذا لم يستدع منافيا غيره ، بلا خلاف بين الأصحاب كما قيل (٥) ، بل بالإجماع.

لرواية الأعرج المنجبرة بالعمل : إنّي أبيت وأريد الصوم ، فأكون في الوتر ، فأعطش ، فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب ، وأكره أن أصبح وأنا عطشان ، وأمامي قلّة ، وبيني وبينها خطوتان أو ثلاثة ، قال : « تسعى إليها وتشرب منها حاجتك ،

__________________

(١) الذكرى : ٢١٥ ، المنتهى ١ : ٣١٢.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٣٥٢.

(٣) كما في التذكرة ١ : ١٣٢ ، والذكرى : ٢١٥.

(٤) المنتهى ١ : ٣١٢.

(٥) الحدائق ٩ : ٥٥.

٥٠

وتعود في الدعاء » (١).

والاستثناء إنّما هو على مذهب الشيخ ، أو كون ما ذكر فعلا كثيرا عند من يبطل بمطلق الكثير ، وأمّا على ما ذكرنا فلا حاجة إليه.

وعلى قول الشيخ هل يتعدّى إلى مطلق النافلة ، وإلى الوتر لغير مريد الصوم ، وخائف العطش؟.

قيل : لا ، لاختصاص النصّ (٢). حتّى قيل بالاقتصار على دعاء الوتر ، لذلك (٣).

ويضعّف بأنّ هذا إنّما يصحّ لو كان له دليل مطلق على الإبطال ، حتّى يلزمه الاقتصار على مورد النصّ. وليس كذلك ، بل دليله الإجماع ، فلعلّه غير ثابت في غير الفريضة ، بل صرّح بذلك في المبسوط ، قال : لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة ، لأنّ الأصل الإباحة ، وإنما منعناه في الفريضة بالإجماع (٤).

الثامن :

البكاء ، على الحقّ المشهور‌ ، بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا (٥) ، مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، وفي شرح الإرشاد إلى قول الأصحاب ، وقال : وكأنّه إجماع (٦).

لرواية أبي حنيفة : عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال : « إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان ذكر ميّتا له فصلاته‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٩ ـ ١٣٥٤ ، الوسائل ٧ : ٢٧٩ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٢) كما في المعتبر ٢ : ٢٦٠.

(٣) كما في روض الجنان : ٣٣٤ ، والذخيرة : ٣٥٧ ، وكشف اللثام ١ : ٢٤٠.

(٤) المبسوط ١ : ١١٨.

(٥) التذكرة ١ : ١٣١.

(٦) مجمع الفائدة ٣ : ٧٣.

٥١

فاسدة » (١).

وضعفها سندا ـ لو كان ـ ينجبر بالشهرة.

والرواية وإن كانت مخصوصة بالبكاء للميّت ، إلاّ انّ الأكثر عمّموه لكلّ أمر دنيويّ ، حتّى أنّه يظهر منهم الشمول لطلب الأمور الدنيويّة من الله سبحانه ، قيل : لعدم القائل بالفرق ، مضافا إلى قرينة المقابلة الظاهرة في أنّ ذكر خصوص البكاء على الميّت إنّما هو لمجرّد التمثيل ، وإلاّ لجعل مقابله مطلق البكاء على غيره ، لا البكاء على خصوص ذكر الجنّة والنار (٢) ، وإلى مفهوم صدر الخبر.

ويخدشه : عدم كفاية عدم القول بالفرق ، بل اللازم الإجماع على عدم الفرق ، وهو غير معلوم ، سيّما بالنسبة إلى طلب الأمور المباحة الدنيويّة من الله سبحانه الذي هو مأمور به ومندوب إليه ، بل صرّح بعض مشايخنا بعدم البطلان به (٣) ، وهو الظاهر من النهايتين (٤).

ودلالة المقابلة على التمثيل لا تدلّ على شمول الممثّل لمثل ما ذكر أيضا ، بل لعلّه داخل في التمثيل بالجنّة والنار.

ومفهوم الصدر معارض بمفهوم الذيل ، مع أنّه ليس إلاّ عدم كون غير المنطوق أفضل الأعمال ، وهذا القدر غير كاف.

فالحقّ اختصاص الإبطال بالبكاء لفوات الأمور الدنيويّة ، لا طلبها من الله جلّ شأنه.

وهل يختصّ الإبطال بالبكاء المشتمل على الصوت والنحيب ، أو يعمّ جميع أنواعه؟.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٧ ـ ١٢٩٥ ، الاستبصار ١ : ٤٠٨ ـ ١٥٥٨ ، الوسائل ٧ : ٢٤٧ أبواب قواطع الصلاة ب ٥ ح ٤.

(٢) انظر : الرياض ١ : ١٧٩.

(٣) الحدائق ٩ : ٥٢.

(٤) النهاية : ٧٤ ، نهاية الإحكام ١ : ٥١٦.

٥٢

الحقّ هو الأوّل ، كما في كلمات جماعة منها : الروضة (١) ، وشرح الجعفريّة ، اقتصارا على المتيقّن.

وقيل بالثاني ، لإطلاق النصّ (٢).

ويضعّف : باشتماله على لفظ البكاء ، ولا يدرى أممدود فيه فيختصّ ، أم مقصور فيعمّ ، كما نصّ عليه جمع من أهل اللغة منهم صاحب القاموس (٣).

وأصالة عدم الزيادة في لفظ البكاء ولا في معناه فيكون مقصورا ، باردة جدّا بل فاسدة.

والقول بأنّ لفظ البكاء المحتمل للأمرين إنّما هو في كلام الراوي ، وأمّا لفظ الإمام الذي هو المعتبر فإنّما هو « بكى » بصيغة الفعل المطلق الشامل للأمرين ، كما في شرح الإرشاد وغيره (٤).

باطل ، إذ بعد الإجمال في المصدر يسري إلى فعله أيضا ، لعدم تعيّن مبدئه.

وجعل الفرق لغويّا لا عرفيّا إنّما يفيد لو قدّم العرف على اللغة مطلقا ، وهو باطل جدّا ، وإنّما كان كذلك لو ثبت عرف زمان الشارع أيضا.

وإطلاق النصّ يقتضي عدم الفرق في البكاء المبطل بين كونه عمدا أو سهوا أو علما أو جهلا بالمسألة ، كما في الوسيلة والروضة (٥) ، وشرح الجعفريّة ، وعن المبسوط والمهذّب (٦) ، والإصباح.

خلافا للتحرير والذكرى (٧) ، والمحكيّ عن الحلبيّين (٨) ، لتبادر صورة‌

__________________

(١) الروضة ١ : ٢٣٣.

(٢) كما في الرياض ١ : ١٧٩.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ٣٠٦ ، وانظر : الصحاح ٦ : ٢٢٨٤ ، ومجمع البحرين ١ : ٥٩.

(٤) مجمع الفائدة ٣ : ٧٣ ، وانظر : الرياض ١ : ١٧٩.

(٥) الوسيلة : ٩٧ ولكن اختصّ فيها بالعمد ، الروضة ١ : ٢٣٣.

(٦) المبسوط ١ : ١١٨ ، المهذب ١ : ٩٨.

(٧) التحرير ١ : ٤٣ ، الذكرى : ٢١٦.

(٨) أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٢٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨.

٥٣

العمد ، وهو ممنوع. ورفع القلم ، وهو غير دالّ. وحصر وجوب الإعادة في الخمسة. ودليله أعمّ مطلقا ممّا ذكر ، فيجب التخصيص به.

والظاهر مساواة النافلة للفريضة ، لإطلاق الصلاة في الرواية ، وكلام الجماعة. فالتقييد باطل. ووقوع المساهلة فيها مخصوص بمواقعها.

ثمَّ إنّ المجمع عليه بين الطائفة وصريح الرواية : عدم البطلان بالبكاء للآخرة ، وعليه دلّت روايتا بزرج (١) ، وسعيد (٢).

وهل يعمّ عدم البطلان حينئذ ما إذا اشتمل على التنطّق بحرفين أيضا كما في التذكرة ونهاية الإحكام (٣) ، وغيرهما ، أو يختصّ بما إذا لم يشتمل عليه ، كجمع آخر (٤)؟.

الحقّ هو الأوّل ، لا لعموم المجوّزات ، لأنّ عمومها في البكاء ، والحرفان خارجان عن حقيقته لغة وعرفا ، والحروف عوارض للصوت.

بل لأنّ البطلان بالحرفين إنّما هو للإجماع ، أو صدق الكلام ، وكلاهما ممنوعان في المقام.

التاسع :

السكوت الطويل‌ ، ذكره جماعة من الأصحاب (٥) ، مستدلّين عليه بفوات الموالاة بين أجزاء الصلاة.

ويضعف : بعدم ثبوت اشتراط الولاء فيها بإطلاقه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٨ ـ ٩٤٠ ، الوسائل ٧ : ٢٤٧ أبواب قواطع الصلاة ب ٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠١ الصلاة ب ١٧ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨٧ ـ ١١٤٨ ، الاستبصار ١ : ٤٠٧ ـ ١٥٥٧ ، الوسائل ٧ : ٢٤٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٥ ح ٥.

(٣) التذكرة ١ : ١٣١ ، نهاية الاحكام ١ : ٥١٩.

(٤) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٣ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٧٤.

(٥) منهم الشهيد الأول في الذكرى : ٢١٧ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٤٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٣٨.

٥٤

وقيّده في القواعد بصورة الإخراج عن كونه مصليّا (١) ، ومثّل بمن مضى عليه ساعتان وساعات ومعظم اليوم. وهو جيّد جدّا.

العاشر :

نقص جزء من الأجزاء‌ الواجبة للصلاة ، أو شرطها ، عمدا.

الحادي عشر :

زيادة جزء كذلك‌ ، بالتفصيل الآتي في بحث الخلل.

__________________

(١) القواعد ١ : ٣٥.

٥٥

الفصل الثاني

فيما يكره فعله في الصلاة

وهو أيضا أمور :

منها : الالتفات بالبصر أو الوجه يمينا وشمالا‌ ، عند معظم الأصحاب كما قيل (١) ، وهو عليه الدليل.

مضافا في الأوّل إلى استحباب النظر إلى المسجد المستلزم لكراهة تركه.

وفي الثاني إلى ما روي عنه عليه‌السلام : « أما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل الله تعالى وجهه وجه حمار؟! » (٢).

والمراد بتحويل وجهه وجه الحمار أنّه يصرفه عن سجدته سبحانه وعبادته ، أو المراد أنّه في معرض هذا التحويل. وإطلاقه يشمل التحويل عن القبلة مطلقا. والحمل على تحويل وجه القلب صرف عن الظاهر ، مع إمكان إرادة الوجهين ، فيكون أحدهما من البطون.

وفيهما إلى رواية عبد الحميد المتقدّمة في مسألة الالتفات (٣) ، وإلى المرويّ في جامع البزنطيّ « ولا تلتفت فيها ، ولا يجز طرفك موضع سجودك » (٤).

وأمّا الاستدلال بقوله عليه‌السلام : « لا صلاة لملتفت » (٥).

فليس بجيّد ، إذ حمله على نفي الكمال ليس بأولى من تخصيصه بالالتفات إلى الخلف ، أو بكلّ البدن.

__________________

(١) الحدائق ٩ : ٥٦.

(٢) أسرار الصلاة ( رسائل الشهيد الثاني ) : ١٠٧ ، البحار ٨١ : ٢٥٩ ـ ٥٨.

(٣) راجع ص : ٢١.

(٤) نقله عنه في البحار ٨١ : ٢٢٢ ـ ٦ ، ومستدرك الوسائل ٤ : ٨٦ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٥.

(٥) عمدة القارئ ٣ : ٣١١ عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٥٦

ومنها : عقص الرجل شعره‌ ، وفاقا للأكثر ، منهم المفيد والحلّي والديلمي والحلبي (١) ، وكافّة المتأخّرين ، له ، ولرواية مصادف (٢) ، القاصرة عن إفادة البطلان ، لمقام الجملة الخبريّة.

والمروي في الدعائم : « نهاني رسول الله عن أربع » وعدّ منها : « وأن أصلّي وأنا عاقص رأسي من خلفي » (٣) القاصر عنها ، لقصور السند.

فالقول به ، كما عن التهذيب والمبسوط والخلاف (٤) ـ مدّعيا في الأخير عليه الإجماع ـ والذكرى (٥) ، واختاره بعض الأخباريّين من المتأخّرين (٦) ، ضعيف.

والإجماع المنقول ليس بحجّة ، والاحتياط المستدلّ به لا يفيد الحرمة.

هذا مع أنّ كلام اللغويين في معناها مختلف (٧) ، والحكم بكراهة واحد ممّا ذكروه تحكّم ، وبكراهة الكلّ غير صحيح ، فالمسألة عن الفائدة خالية.

ومنها : التثاؤب ، من الثوباء بضم المثلّثة وفتح الواو والمدّ ، وهو : ما يقال له بالفارسيّة : خميازة.

والتمطّي ، وهو : مدّ اليدين.

والعبث بلحيته أو بشي‌ء من أعضائه.

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ١٥٢ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٧١ ، الديلمي في المراسم : ٦٤ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٢٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٩ الصلاة ب ٦٧ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٣٢ ـ ٩١٤ ، الوسائل ٤ : ٤٢٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٦ ح ١.

(٣) الدعائم ١ : ١٧٤ ، مستدرك الوسائل ٣ : ٢٢١ أبواب لباس المصلي ب ٢٧ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٣٢ ، المبسوط ١ : ١١٩ ، الخلاف ١ : ٥١٠.

(٥) الذكرى : ٢١٧.

(٦) كالحر العاملي في الوسائل ٤ : ٤٢٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٦.

(٧) قال في المغرب ٢ : ٥٢ : العقص : جمع الشعر على الرأس ، وقيل : ليّه وإدخال أطرافه في أصوله.

وفي الصحاح ٣ : ١٠٤٦ : عقص الشعر : ضفره وليّه على الرأس. وفي القاموس ٢ : ٣٢٠ : عقص شعره : ضفره وفتله. وفي كشف اللثام ١ : ٢٤٠ عن ابن دريد : عقصت شعرها : شدّته في قفاها ولم تجمعه جمعا شديدا.

٥٧

ونفخ موضع السجود.

والتنخّم والبصاق ، خصوصا إلى القبلة أو اليمين.

وفرقعة الأصابع أي نقضها ، والضرب بها لتصوت.

كلّ ذلك لروايات الأطياب (١) ، وفتاوى الأصحاب ، ومنافاتها للخشوع والإقبال.

ومنها : التأوّه بحرف واحد‌ ، ذكره في الشرائع والنافع (٢) ، وغيرهما (٣) ، بل نفي عنه وعن سوابقه الخلاف (٤). وهو الأصل لنا في الكراهة ، وإلاّ فلم نعثر على دليل عليه.

والقيد للاحتراز عن ظهور الحرفين ، فإنّه مبطل عندهم ، وأمّا عندنا فهو أيضا يكون مكروها ، للأولويّة.

ومنها : مدافعة البول ، أو الغائط ، أو الريح‌ ، ذكره الأصحاب ، بل قيل : لا خلاف فيه (٥) ، وفي المنتهى : أنّه قول من يحفظ عنه العلم (٦) ، وهو الحجة فيه.

مضافا في الجميع إلى منافاتها للخشوع والإقبال المطلوبين في الصلاة.

وفي الأوّلين إلى الأخبار ، ففي صحيحة هشام : « لا صلاة لحاقن ولا حاقنة (٧) ، كما في بعض النسخ ، أو « ولا حاقب » كما في بعض آخر.

__________________

(١) انظر : الوسائل ٧ : أبواب قواطع الصلاة ب ١١ و ١٢ و ١٤.

(٢) الشرائع ١ : ٩٢ ، النافع : ٣٤.

(٣) كالمعتبر ٢ : ٢٦٢ ، والدروس ١ : ١٨٤.

(٤) انظر : الرياض ١ : ١٨١.

(٥) كما في الرياض ١ : ١٨١.

(٦) المنتهى ١ : ٣١٢.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٣٣ ـ ١٣٧٢ ، المحاسن : ٨٣ ـ ١٥ ، الوسائل ٧ : ٢٥١ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٢.

٥٨

والحاقن : حابس البول ، والحاقب : حابس الغائط.

وفي رواية الحضرميّ : « لا تصلّ وأنت تجد شيئا من الأخبثين » (١).

والمرويّ في الخصال : « ثمانية لا يقبل لهم صلاة » إلى أن قال : « والزبّين قالوا : يا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وما الزّبّين؟ قال : الذي يدافع البول والغائط » (٢).

وفي معاني الأخبار : « لا صلاة لحاقن ولا لحاقب » (٣).

وفي المحاسن : « لا يصلّي أحدكم بأحد العصرين ، يعني البول والغائط » (٤).

وأكثرها وإن كان ظاهرا في الحرمة والبطلان ، إلاّ أنّ الإجماع المحقّق والمصرّح به في المنتهى وغيره أوجب صرفه عن الظاهر.

وقيل (٥) : أيضا لصحيحة عبد الرحمن : عن الرجل يصيب الغمز في بطنه ، وهو يستطيع أن يصبر عليه ، أيصلّي على تلك الحال أو لا يصلّي؟ قال : « إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصلّ وليصبر » (٦).

وفيه نظر ، لأنّ الأمر بالصلاة والصبر ظاهر في أنّه عرض في الأثناء ، فهو دليل على ما صرّحوا به من أنّ الحكم المذكور مخصوص بما إذا عرض له ذلك قبل دخوله في الصلاة ، وإلاّ فلو كان في الأثناء فلا كراهة إجماعا.

وبه ، وبما مرّ يخصص إطلاق الأخبار أيضا ، مضافا إلى معارضته مع ما دلّ على حرمة قطع الصلاة.

وتلحق بالمقام مسائل :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٦ ـ ١٣٣٣ ، الوسائل ٧ : ٢٥٢ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٢) الخصال : ٤٠٧ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٢٥٢ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٦.

(٣) معاني الأخبار : ٢٣٧ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٢٥٢ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٥.

(٤) المحاسن : ٨٢ ـ ١٤ ، الوسائل ٧ : ٢٥٣ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٨.

(٥) الحدائق ٩ : ٦٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٤ الصلاة ب ٥٠ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٤٠ ـ ١٠٦١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ـ ١٣٢٦ ، الوسائل ٧ : ٢٥١ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ١.

٥٩

المسألة الأولى :

قد وقع التصريح في كلمات جملة من الأصحاب ، كالوسيلة والشرائع والنافع والمنتهى والتذكرة والتحرير والإرشاد ونهاية الإحكام والروضة والذكرى والقواعد وشرحه (١) ، وغيرها (٢) ، بحرمة قطع الصلاة ، إمّا مطلقا كأكثر من ذكر ، أو مقيدا بالفريضة كالثلاثة الأخيرة.

ونفي عنه الريب في الأخير ، والخلاف المعروف في الحدائق (٣) ، ومطلقا في كلام جماعة (٤). وفي شرح الإرشاد : كأنّه إجماعيّ في الفريضة (٥).

بل صرّح به جملة في جملة من المنافيات المتقدّمة ، كالشهيد في الذكرى في الكلام والحدث والقهقهة (٦).

وكان بعض متأخّري المتأخّرين ـ على ما حكي عنه ـ يفتي بجواز قطع الصلاة اختيارا ، ويجوّزه في الشكوك المنصوصة والإعادة (٧).

والحقّ هو الأوّل.

لا لما قيل من أنّ الإتمام واجب وهو ينافي القطع (٨) ، لكونه مصادرة.

ولا لقوله سبحانه ( لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٩).

__________________

(١) الوسيلة : ٩٧ ، الشرائع ١ : ٩٢ ، النافع : ٣٤ ، المنتهى ١ : ٣١١ ، التذكرة ١ : ١٣٢ ، التحرير ١ : ٤٣ ، الإرشاد ١ : ٢٦٨ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٢٢ ، الروضة ١ : ٢٩٢ ، الذكرى : ٢١٥ ، القواعد ١ : ٣٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٥٨.

(٢) كما في روض الجنان : ٣٣٨ ، والذخيرة : ٣٦٣ ، وكشف اللثام ١ : ٢٤١ ، والرياض ١ : ١٨٠.

(٣) الحدائق ٩ : ١٠١.

(٤) انظر : كشف اللثام ١ : ٢٤١ ، والرياض ١ : ١٨٠.

(٥) مجمع الفائدة ٣ : ١٠٩.

(٦) الذكرى : ٢١٥.

(٧) انظر : الحدائق ٩ : ١٠١.

(٨) كما في الذكرى : ٢١٥ ، وكشف اللثام ١ : ٢٤١.

(٩) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٣٣.

٦٠