مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

قضاء صلوات » بالنسبة إليها.

ومن ذلك يعلم الاغتفار والصحة لو أتمّ اللاحقة جهلا بالحكم جهلا ساذجا.

بل يمكن أن يستدلّ على الصحة والاغتفار مطلقا بإطلاق قوله « وإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب .. » بضميمة عدم الفصل لتمام المطلوب. ولكنّها مخصوصة بصورة العلم ، والمسألة حينئذ مشكلة.

( فرع :

لو علم الترتيب في البعض وجهل في بعض آخر فله صور :

منها : أن يعلم ما فات أولا ودخل الجهل فيما بعده ، كأن يعلم فوات الظهر من يوم معين أو مع عصره أيضا وعلم فوات صلوات كثيرة أخرى بعدها وجهل الترتيب فيها.

فتجب حينئذ البدأة بالظهر المذكورة أولا ، ثمَّ بالعصر المذكورة إن كانت ، ثمَّ بسائر الفوائت ولا ترتيب فيها. أمّا الأول فلصحيحة زرارة ، وأمّا الثاني فلما دلّ على وجوب تقديم المغرب على العشاء بقول مطلق ، وأما الثالث فللأصل وعدم الدليل كما عرفت.

ومنها : أن تفوت منه صلوات مجهولة الترتيب ، ثمَّ فاتت منه صلاة واحدة.

ولا ترتيب حينئذ أصلا ، لعدم تعيين الأولى حتى تستدلّ لها بالصحيحة ، وعدم دليل آخر.

ومنها : السابقة إلاّ أن تتعدّد الفوائت اللاحقة.

ولا ترتيب بينها وبين السابقة ، للأصل. وتجب مراعاة الترتيب بينها بأنفسها مع العلم به ، لما مرّ من أخبار تقديم المغرب.

ومنها : أن تفوت صلاة معيّنة أولا أو صلوات كذلك ، ثمَّ فاتت صلوات وجهل ترتيبها ، ثمَّ فاتت صلاة معيّنة أو صلوات كذلك.

وتجب البدأة بالفائتة الأولى أولا للصحيحة ، ثمَّ ما بعدها مرتبا إن علم‌

٣٢١

الترتيب لما مرّ ، ثمَّ البواقي ولا ترتيب بينها حتى بين المتوسطة والأخيرة. نعم لو تعدّدت الأخيرة وعلم الترتيب بينها تجب مراعاته لما مرّ ) (١).

فائدة :

إذا جهل الترتيب وقلنا بوجوب تحصيله يكرّر الصلاة حتى يعلم حصوله.

وضابطه أنّ الفائتة إن كانت اثنتين يصلّي ثلاثا بتوسيط إحداهما بين الأخرى ومثلها ، كأن يصلّي عصرا بين ظهرين أو بالعكس. فإن زادت ثالثة يفعل مثل المرتبة السابقة قبلها وبعدها ، أي توسيط الثالثة بين وظيفة السابق ومثلها.

فإن زادت رابعة توسّطها بين وظيفة الثالثة وهكذا.

وبطريق آخر : يبتدئ بما شاء ويصلّي حتى يتم عدد الفائتة ويكرر هذا العمل بعدد الفائتة إلا واحدة ثمَّ يختم بالصلاة التي ابتدأ بها.

فإذا كانت الفائتة ظهرا وعصرا يكون عدد الفائتة اثنتين ، فيصلّي ظهرا وعصرا وظهرا. وإن ضمّت معها المغرب يصلّي ظهرا وعصرا ومغربا وظهرا وعصرا ومغربا وظهرا. وإن ضمّت معها عشاء يصلّي الأربعة المبتدأة بالظهر ثلاثا ويضمّ إليها ظهرا.

وله البدأة بغير الظهر ، فإن كانت الفائتة صلوات يوم يصلّي أربعة أيام بترتيب واحد ويزيد عليها صلاة واحدة هي ما ابتدأ به وهكذا.

وبطريق ثالث : يبدأ بما شاء ويصلّي حتى يتمّ عدد الفائتة بأي ترتيب شاء ، ثمَّ يبدأ بما بعد ما ابتدأ به أولا ويصلي بالترتيب المتقدم حتى يختم بما ابتدأ به أولا ، ثمَّ يبدأ بما بعد ما ابتدأ به ثانيا ويصلّي بالترتيب حتى يختم بما ابتدأ به ثانيا ، وهكذا يكرّر بعدد الصلوات الفائتة. وتلك الضابطة ضابطة أخذ الزمام المصطلح للأعداديين.

وبطريق رابع : يصلّي الصلوات الفائتة بأيّ ترتيب أراد إلى أن يتمّ ويكرّر‌

__________________

(١) هذا الفرع بتمامه غير موجود في « س ».

٣٢٢

ذلك بعدد الفائتة ، فمن فاتت منه صلوات يوم وجهل الترتيب يصلّي خمسة أيّام بترتيب واحد ، ومن فاتته صلوات عشرة أيام يصلّي خمسين يوما وهكذا.

والأخيران متساويان في الحاصل ، ويزيدان على الثاني بعدد الفائتة إلاّ واحدة ، وينقصان عن الأول بكثير إذا تجاوز عدد الفائتة عن الأربع ، ويزيدان عليه بواحدة في الأربع وباثنتين في الثلاث.

ولا يخفى أنّ الاحتياج إلى التكرار في جميع الصلوات على النحو المذكور إنّما هو إذا كان الترتيب في الجميع مجهولا ، وأما مع العلم به في بعضه فلا يكرّر إلاّ في المجهول ترتيبه ، وعلى هذا فلو فاتته صلوات عام مثلا متصلة وجهل مبدأها ، يعمل بوظيفة الجاهل في صلاة يوم ويكرّرها حتى يحصل الترتيب في صلاته ، ثمَّ يتمّ الباقي إلى العام.

وهناك طريق خامس يسهل به الأمر ويرتفع العسر والحرج كثيرا وهو : أن يقضي جميع صلوات مدة يجوز أن تكون الفائتة منها.

وبعبارة أخرى : يعيّن أول وقت يحتمل فوت صلاة فيه وآخر وقت كذلك ويقضي جميع ما بينهما.

وبعبارة ثالثة : يقضي عن أول صلاة يمكن أن تكون الفائتة ويختم بآخر صلاة كذلك.

فإذا علم فوات صلاة يوم متّصلة ولم يعلم الترتيب ، فيقضي صلاة يومين متصلة. وإذا علم فوات مائة صلاة من شهر معيّن ولم يعلم الترتيب ، يقضي الشهر كلّه ، فيبدأ من أول صلاة يمكن أن تكون الفائتة ويختم بآخرها. وإذا علم فوات ألف صلاة من عام يقضي جميع صلوات العام.

وهذا أخصر الطرق غالبا لمن يراعي الترتيب مع الجهل سيّما إذا تكثّرت الفوائت. نعم لو كانت قليلة وزمانها كثيرا كعشر صلوات مجهولة الترتيب من عام فالأسهل العمل بإحدى الضوابط المتقدمة.

ولو كانت الفائتة في مدة نوعين من الصلاة أو ثلاثة أو أربعة اقتصر على قضاء هذه الأنواع لا غيرها ، فمن يعلم فوات مائة ظهر وعصر ومغرب من سنة‌

٣٢٣

ولم يعلم الترتيب ، يبتدئ من أول زمان احتمال الفوت ويقضي الثلاثة من كل يوم الى آخر الستة.

٣٢٤

الفصل الثاني

في قضاء الصلاة عن الأموات والصلاة لهم

وفيه مسائل :

المسألة الأولى :

تجوز الصلاة للميّت بأن يصلّي صلاة ويجعلها له‌ وإن لم يكن عليه قضاء ولم يكن المصلّي ولده.

وتدلّ عليه المستفيضة من الأخبار التي ذكر كثيرا منها السيّد الجليل رضي الدين علي بن طاوس في كتابه المسمّى بـ « غياث سلطان الورى لسكّان الثرى » وقد نقلها في الذكرى والذخيرة والحدائق عنه ، فمن أراد الاطّلاع عليها فليرجع إليها (١).

فيجوز لكلّ أحد أن يصلّي صلاة ويجعلها لميّت بأن ينوي الصلاة عنه ، أو يصلّي الصلاة لنفسه ويجعل ثوابها له.

ويدلّ على الأول عموم رواية الفقيه : « من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميّت أضعف الله أجره ونفع الله به الميّت » (٢).

ونحوها رواية عمر بن يزيد (٣) ، والمرويّ في كتاب حمّاد بن عثمان (٤).

وخصوص رواية عمر بن يزيد : كان أبو عبد الله عليه‌السلام يصلّي عن‌

__________________

(١) انظر : الذكرى : ٧٤ ، والذخيرة : ٣٨٥ ، والحدائق ١١ : ٣٢ ، ونقلها عنه أيضا في الوسائل ٨ : ٢٧٦ ـ ٢٨٢ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ، والبحار ٨٥ : ٣٠٩.

(٢) الفقيه ١ : ١١٧ ـ ٥٥٥ ، الوسائل ٢ : ٤٤٤ أبواب الاحتضار ب ٢٨ ح ٤.

(٣) الذكرى : ٧٥ ، الوسائل ٨ : ٢٨٢ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٢٥ ، عن غياث سلطان الورى.

(٤) الذكرى : ٧٥ ، الوسائل ٨ : ٢٨١ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٢٤ ، عن غياث سلطان الورى.

٣٢٥

ولده في كلّ ليلة ركعتين ، وعن والده في كلّ يوم ركعتين ـ إلى أن قال ـ : وكان يقرأ فيهما القدر والكوثر » (١).

ورواية محمّد بن مروان : « ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين يصلّي عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحجّ عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما ، وله مثل ذلك ، فيزيده الله ببرّه وصلته خيرا كثيرا » (٢).

وظاهر أنّ ذلك غير القضاء ، لعدم جوازه عن الحي.

ورواية الفقيه : أيصلّى عن الميت؟ فقال : « نعم حتّى إنّه ليكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق ، ثمَّ يؤتى فيقال له : خفّف الله عنك ذلك الضيق لصلاة فلان أخيك عنك » (٣).

ونحوها رواية محمّد بن عمر بن يزيد المروية في التهذيب (٤).

والمروي في مسائل علي : عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال : « نعم فيصلّي ما أحبّ ويجعل تلك للميّت ، فهو للميّت إذا جعل ذلك له » (٥).

ونحوه روايته الأخرى (٦).

ورواية علي بن أبي حمزة : عن الرجل يحجّ ويعتمر ويصلّي ويصوم ويتصدق عن والديه وذوي قرابته ، « قال لا بأس به ، يؤجر فيما يصنع ، وله أجر آخر بصلته قرابته » (٧).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٧ ـ ١٥٣٣ ، الذكرى : ٧٥ ، الوسائل ٢ : ٤٤٥ أبواب الاحتضار ب ٢٨ ح ٧.

(٢) الكافي ٢ : ١٥٩ الايمان والكفر ب ٦٩ ح ٧ ، الوسائل ٨ : ٢٧٦ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ١١٧ ـ ٥٥٤ ، الوسائل ٢ : ٤٤٣ أبواب الاحتضار ب ٢٨ ح ١.

(٤) لم نجدها في التهذيب ، ولكن رواها في الذكرى : ٧٣ ، والوسائل ٨ : ٢٧٧ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٤ عن غياث سلطان الورى.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٧٧ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٢ ، مسائل علي بن جعفر : ١٩٩ ـ ٤٢٩.

(٦) الوسائل ٨ : ٢٧٧ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٣ ، البحار ١٠ : ٢٩١.

(٧) الوسائل ٨ : ٢٧٨ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٨. عن غياث سلطان الورى.

٣٢٦

والمروي في كتاب الحسين الكوكبي : أحجّ وأصلّي وأتصدّق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال : « نعم تصدّق عنه وصلّ عنه » (١). إلى غير ذلك.

ولا شكّ في جواز ذلك في النوافل التي يجوز للمكلّف الإتيان بها لنفسه في كلّ وقت شاء وأراد.

وهل ينسحب إلى الفرائض بأن يصلّي صلاة ظهر عنه مع علمه بفراغ ذمة الميت عنها؟.

ظاهر الذخيرة والبحار التوقّف (٢) ، وصرّح في الحدائق بالعدم (٣). وهو الأصحّ ، لأنّ الإتيان بمثل هذه الصلاة للميّت إمّا يكون بقصد القضاء عنه ، أو لا بقصده بل يصلّي صلاة ظهر ـ مثلا ـ له. وأيّ منهما كان تتوقّف شرعيّته على التوقيف ، ولم تثبت شرعية قضاء فعل فعله المكلّف أو لم يتعلّق بذمته عموما. نعم ثبتت في بعض الفوائت الغير الواجبة على المكلّف بالعمومات المخصوصة بمواضع مخصوصة ، كما مرّ في قضاء النائم ونحوه. وكذا لم تثبت صلاة ظهر مشروعة ـ مثلا ـ إلاّ أداء واحد في وقته للمكلف ، أو القضاء لمن كان عليه قضاؤها.

مضافا في الأول إلى موثقة أبي بصير : عن امرأة مرضت في شهر رمضان ، فماتت في شوال ، فأوصتني أن أقضي عنها ، قال : « هل برئت من مرضها؟ » قلت : لا ماتت عليه ، قال : « لا يقضى عنها ، فإن الله تعالى لم يجعله عليها » قلت : فإنّي أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك ، قال : « كيف تقضي شيئا لم يجعله الله تعالى عليها؟! » (٤).

والسؤال وإن كان مخصوصا بالصوم إلاّ أنّ التعليل يثبت العموم.

وأمّا الأخبار المتقدّمة المجوّزة فغير واضحة الدلالة على العموم.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٨ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٩ عن غياث سلطان الورى.

(٢) الذخيرة : ٣٨٧ ، البحار ٨٥ : ٣٢٠.

(٣) الحدائق ١١ : ٤٢.

(٤) الكافي ٤ : ١٣٧ الصيام ب ٩ ح ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٤٨ ـ ٧٣٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٩ ـ ٣٥٨ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٢ أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٢.

٣٢٧

وأمّا قضية صفوان بن يحيى وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان ، وتعاقدهم على أنّ من مات منهم يصلّي من بقي صلاته ويصوم عنه ويحجّ عنه ما دام حيا ، فمات صاحباه وبقي صفوان فكان يفي لهما بذلك ، فيصلّي كلّ يوم وليلة خمسين ومائة ركعة (١).

فغير ثابتة. ولو ثبتت فليست لنا بحجّة. ولو كانت حجة فعلى العموم غير دالّة ، فلعلّه كان عليهم قضاء يقينا أو احتمالا.

وتدل على الثاني رواية ابن جندب : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة والبرّ والخير أثلاثا ، ثلثا له وثلثين لأبويه ، أو يفردهما من أعماله بشي‌ء ممّا يتطوّع وإن كان أحدهما حيّا والآخر ميتا ، فكتب إليّ : « أمّا الميّت فحسن جائز ، وأما الحيّ فلا إلاّ البرّ والصلة » (٢).

فإن الظاهر أنّ المراد جعل ثوابها لهما ، لأنّه الصالح للتشريك ثلثا وثلثين والتفريد ، ولأنه لا تجوز صلاة نفسه الواجبة عنهما ، بأن ينوي إنّي أصلّي الظهر عنهما ، إذ لا تصحّ صلاته لنفسه حينئذ.

المسألة الثانية :

إذا علم فوات الصلاة عن ميّت فلا شكّ في جواز القضاء عنه.

ويدلّ عليه ما مرّ من إطلاق روايات الصلاة عن الميّت ، وروايات قضاء الولي ، ورواية الساباطي : عن الرجل يكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم ، هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال : « لا يقضيه إلاّ رجل مسلم عارف » (٣).

وعموم صحيحة محمّد : « يقضى عن الميّت الحجّ والصوم والعتق وفعاله الحسن » (٤).

__________________

(١) راجع رجال النجاشي : ١٩٧ ، وفهرست الشيخ : ٨٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٨٠ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ١٦ عن غياث سلطان الورى.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٧٧ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٥ عن غياث سلطان الورى.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٨١ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٢٣ عن غياث سلطان الورى.

٣٢٨

ونحوها صحيحة ابن أبي يعفور (١) ، وأخبار كثيرة أخرى.

وتدلّ عليه قضيّة الخثعميّة المشهورة في كتب الفريقين : « سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ شيخا زمنا لا يستطيع أن يحجّ ، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك؟ قالت : نعم ، قال : فدين الله أحقّ بالقضاء » (٢).

ولا شكّ أنّ الصلاة أيضا دين الله ، كما استفاضت به الأخبار ، منها المروي في الفقيه : « إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها بشي‌ء ، صلّها واسترح منها ، فإنّها دين » (٣) ونحوها رواية حماد (٤) ، إلى غير ذلك.

وهل يجوز ذلك باحتمال أنّ عليه قضاء أو توهّمه أو تخيّله؟

قال في الذخيرة : فيه نظر وشك ، لعدم الدليل ، وتوقف العبادات على التوقيف (٥). انتهى.

أقول : قد مرّ جواز ذلك بل استحبابه للمكلّف نفسه في صلاته لأدلّة الاحتياط. ولكن في شمولها للمقام نظر ظاهر ، إذ لا احتياط على الغير في حقّ الغير ، ولا يجب على الولي إلاّ ما علم فواته قطعا.

إلاّ أنّ الظاهر كفاية مثل قولهم عليهم‌السلام : « لكلّ امرئ ما نوى » و « إنّما الأعمال بالنيات » (٦) وقضية تعاقد المشايخ الثلاثة المذكورة ـ مع التسامح في أدلّة السنن ، وغلبة الظنّ بأنّ ذلك لم يكن لقضاء صلاة متروكة يقينا ـ في إثبات‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٨١ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ١٩ عن غياث سلطان الورى.

(٢) الذكرى : ٧٥ عن غياث سلطان الورى ، ونقل مضمونها في الدعائم ١ : ٣٣٦ ، وفي مستدرك الوسائل ٨ : ٢٦ أبواب وجوب الحج ب ١٨ ح ٣ عن الدعائم وعن تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ، وانظر : سنن النسائي ٥ : ١١٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣٢٨.

(٣) الفقيه ٢ : ١٩٥ ـ ٨٨٤ ، الوسائل ١١ : ٤٤٠ أبواب آداب السفر ب ٥٢ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٨٢ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٢٦ ، عن غياث سلطان الورى.

(٥) الذخيرة : ٣٨٧.

(٦) الوسائل ١ : ٤٦ أبواب مقدمة العبادات ب ٥.

٣٢٩

الجواز والاستحباب وحصول التوقيف ، فإنّ عدم التوقيف إنّما يمنع من الفعل بقصد التوقيف ، فإذا فعله بقصد الدخول في تلك العمومات فأيّ مانع منه؟ ولم لا يثاب عليه؟

المسألة الثالثة :

لا شكّ في عدم وجوب قضاء ما علم فواته من الميّت‌ من الصلوات على غير الولي ، للأصل الخالي عن المعارض مطلقا.

وأمّا الولي ففيه أقوال :

الأول : أنّه يجب عليه قضاء جميع ما فات عن الميّت ، ونسب إلى ظاهر الشيخين والعماني والقاضي وابن حمزة والفاضل في أكثر كتبه (١).

الثاني : أنّه يجب عليه قضاء ما فات عنه من صلاة أو صوم لعذر ، كالمرض والسفر والحيض ، لا ما تركه الميّت عمدا مع قدرته عليه ، وهو المنقول عن المحقّق في بعض مصنفاته (٢) ، والسيّد عميد الدين (٣) ، ونفى عنه البأس في الذكرى (٤).

الثالث : أنه يجب عليه قضاء الصلوات الفائتة عنه في حال مرض موته فحسب ، ذهب إليه الحلّي ويحيى بن سعيد والشهيد في اللمعة (٥) ، ومال إليه في الروضة (٦).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٨٤ ، الطوسي في النهاية : ٦٣٣ ، الذكرى : ١٢٨ نقلا عن العماني ، والقاضي في المهذب ٢ : ١٣٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٥٠ ، والفاضل في التحرير ٢ : ١٦٤ والقواعد ٢ : ١٧١ ، والتبصرة : ١٧٣ ، والتذكرة ١ : ٢٧١.

(٢) نقله في الذكرى : ١٣٨ عن البغدادية للمحقق ، ولا يخفى أن ظاهره (ره) في الشرائع ٤ : ٢٥ والنافع : ٢٦٨ وجوب قضاء جميع ما فات ، فراجع.

(٣) نقله عنه في الذكرى : ١٣٨.

(٤) الذكرى : ١٣٨.

(٥) الحلي في السرائر ١ : ٤٠٩ ، يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٨٩ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٣٥٢ ، وقال : وقيل ما فاته مطلقا وهو أحوط.

(٦) الروضة ١ : ٣٥٢.

٣٣٠

الرابع : أنه يجب عليه قضاء ما فات عنه في المرض مطلقا ، مخيّرا بينه وبين التصدّق لكلّ ركعتين بمدّ ، فإن لم يقدر فلكلّ أربع مدّ ، فإن لم يقدر فمدّ لصلاة النهار ومدّ لصلاة الليل مع أفضلية القضاء ، حكي عن الإسكافي والسيّد (١).

الخامس : أنه يجب عليه قضاء جميع ما فات عنه لمرض أو غيره ، مخيّرا بينه وبين الصدقة على النحو المذكور ، نسب إلى ابن زهرة (٢).

ومرجع الأخيرين إلى عدم وجوب القضاء عليه بخصوصه.

ومنهم من نسب إلى هؤلاء الأجلّة الثلاثة مع التخيير التخصيص بمرض الموت أيضا (٣).

السادس : عدم وجوب القضاء عنه مطلقا ، يظهر من السيّد ابن طاوس في رسالته المذكورة وجود القائل به (٤).

وظاهر الذخيرة التوقف في أصل وجوب القضاء مطلقا (٥).

دليل الأول : رواية الساباطي المتقدّمة في المسألة الثانية (٦) ، حيث إنّها دلّت على الوجوب على المسلم العارف ، خرج غير الولي بالإجماع ، فبقي الولي.

وصحيحة البختري : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : « يقضيه أولى الناس به » قلت : إن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال : « لا ، إلاّ الرجال » (٧).

ومرسلة ابن أبي عمير : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال :

__________________

(١) حكاه عنهما في المختلف : ١٤٨.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) ٥٦٣.

(٣) نسب التخصيص بمرض الموت إلى الإسكافي والمرتضى ، في المختلف : ١٤٨ ، ولم نجد من نسبه الى ابن زهرة.

(٤) انظر : الذكرى : ٧٥.

(٥) الذخيرة : ٣٨٧.

(٦) راجع ص ٣٢٨.

(٧) الكافي ٤ : ١٢٣ الصيام ب ٤٤ ح ١ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

٣٣١

« يقضيه أولى الناس به » (١).

ورواية ابن سنان : « الصلاة التي حصل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به » (٢).

وعموم الأخبار الكثيرة ، المتقدم بعضها المتضمن لقوله : « يقضى عن الميّت فعاله الحسن » (٣).

ويرد على الجميع خلوّه عن الدالّ على الوجوب رأسا ، وأيّ دلالة في قوله : « يقضى » على الوجوب؟ مع أنّ استعمال الإخبار في المستحبات أكثر من أن يحصى. ودعوى تبادر الوجوب ممنوعة جدا. ولو سلّم فما فائدته لزمان الشارع؟

وقياسه على الأمر فاسد ، إذ يضمّ مع تبادره أصالة عدم النقل ، وهو هنا متحقّق قطعا لو سلّم التبادر ، فتجري فيه أصالة تأخّر الحادث.

هذا مع أنّ الظاهر من الأول ليس إلاّ الجواز ، ولو سلّم ظهور الوجوب فتخصيص المسلم العارف بالولي ليس بأولى من حمل « يقضيه » على الجواز.

وكذا العمومات الأخيرة ، إذ لا يجب قضاء جميع فعاله الحسن قطعا ، والتخصيص بالصلاة ـ مع كونه قبيحا لكونه فردا نادرا ـ ليس بأولى من حمل « يقضى » على الاستحباب.

نعم وردت الأخبار ـ الظاهرة في الوجوب ـ في خصوص الصوم (٤). وقياس الصلاة عليه فاسد ، والإجماع المركب غير ثابت ، بل عدمه ثابت ، لتحقق الفصل بينهما في هذه المسألة في كثير من الموارد.

دليل الثاني ـ على ما في الذكرى ـ : إطلاق الأخبار المتقدّمة بحمله على الغالب ، وهو كون ترك الصلاة للعذر ، قال : أمّا تعمّد ترك الصلاة فإنّه نادر ،

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٨ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٦ عن غياث سلطان الورى.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٨١ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ١٨ عن غياث سلطان الورى.

(٣) راجع ص ٣٢٨.

(٤) الوسائل ١٠ : ٣٢٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣.

٣٣٢

قال : نعم قد يتفق فعلها لا على الوجه المبرئ للذمّة ، والظاهر أنّه يلحق بالتعمّد للتفريط (١). انتهى.

ويردّ : بمنع دلالة الإطلاقات على الوجوب أولا ، كما مرّ. ومنع الغلبة المدّعاة الموجبة لانصراف المطلق إليها ـ سيّما مع إلحاق ما ذكره بالتعمّد ـ ثانيا.

دليل الثالث : أمّا على عدم وجوب قضاء ما فات في غير مرض الموت فالأصل الخالي عن المعارض. وأمّا على وجوب قضاء ما فات في مرض موته فالإجماع ، نقله الحلّي (٢).

ويردّ : بعدم حجية الإجماع المنقول ، وعدم ثبوت المحقّق ، كيف؟! ولا يوجبه السيّد والإسكافي وابن زهرة عينا وإن أوجبوا تخييرا.

ودليل الرابع والخامس غير معلوم ، كما صرّح به جماعة (٣).

ودليل السادس : الأصل ، وهو حسن.

إلاّ أنّ الظاهر ثبوت الإجماع على وجوب شي‌ء على الولي عينا أو تخييرا ، ولا أقلّ من الفائتة في مرض الموت ، فإنّ من

يقول بعدم الوجوب أصلا غير معلوم ، وإن كان فهو نادر ، خلافه في الإجماع غير قادح.

ثمَّ إنّ هذا الشي‌ء الواجب قطعا هو قضاء الفائتة في مرض الموت قطعا ، إذ كلّ من يقول بوجوب شي‌ء يقول بوجوبه لا أقلّ ، فهو بأحد الوجوبين ـ العيني بخصوصه أو في ضمن الزائد ، أو التخييري ـ موصوف البتة ، ووجوب الزائد غير معلوم البتة ، ثمَّ بضميمة أصل الاشتغال يثبت وجوبه عينا ، فإنّ كلّ من يقول بالتخيير بين الصلاة والصدقة يقول بحصول البراءة بالصلاة.

ومن ذلك يظهر أنّ الأقوى هو القول الثالث ، وهو اختصاص الوجوب على الولي بقضاء ما فات في مرض الموت ، والأحوط قضاؤه ما فات في المرض مطلقا.

__________________

(١) الذكرى : ١٣٨.

(٢) في السرائر ١ : ٣٩٩ و ٤٠٨.

(٣) كصاحب الحدائق ١١ : ٥٧.

٣٣٣

فروع :

أ : يستحب للولي قضاء جميع ما فات عن الميت ، للأخبار المتقدمة ، والتحرز عن الخلاف.

ب : المشهور أنّ الولي الذي يجب عليه القضاء الرجال من الورثة‌ دون النساء ، والأولاد من الرجال منهم دون غيرهم ، والأكبر من الأولاد دون غيره.

فيختصّ القاضي بالابن الأكبر سواء وجد غيره أم لا.

وعن المفيد والصدوقين والإسكافي وابن زهرة والقاضي : إطلاق الولي من غير تخصيص (١).

وظاهر الذكرى التخصيص بالذكور دون غيره (٢).

ومن مشايخنا الأخباريين من خصّه بالرجل والأكبر دون الولد (٣).

واستدلّوا على هذه التخصيصات بوجوب الاقتصار على المتيقّن ، فإنّ الأصل يقتضي عدم القضاء إلاّ ما وقع الاتفاق عليه وهو الابن الأكبر ، وعدم صدق الولي على غيره.

مضافا في التخصيص بالرجال إلى صحيحة البختري المتقدمة (٤) ، فإنّ مقتضى قوله « يقضيه » فيها إمّا الجواز أو الاستحباب أو الوجوب ، وأيّ منها كان ينتفي بنفيه الوجوب عن الإناث.

وفي التخصيص بالأكبر إلى صحيحة الصفار : رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليّان ، هل يجوز لهما أن يقضيا [ عنه ] جميعا ، خمسة أيام‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٨٢٣ ، الصدوق في المقنع : ٦٣ ، وفي المختلف : ٢٤٢ نقلا عن والده وفي ص ١٤٨ حكاه عن الإسكافي ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ ، القاضي في شرح الجمل : ١١٢.

(٢) الذكرى : ١٣٩.

(٣) المحدث البحراني في الحدائق ١١ : ٥٥.

(٤) في ص ٣٣١.

٣٣٤

أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقّع عليه‌السلام : « يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيام ولاء إن شاء الله تعالى » (١).

واحتجّ من أطلق الولي بإطلاقاته ، مضافا إلى رواية الصدوق : « إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله » (٢).

ومن خصّ بالذكور بصحيحة الحفص في التخصيص ، والإطلاق بالنسبة إلى غيره لعدم المخصص.

ومن خصّ معه بالأكبر بصحيحة الصفار في التخصيص والإطلاق في غيره.

أقول : أمّا دليل الاقتصار على المتيقّن ففيه : أنه يصحّ فيما إذا انحصر الوارث بغير الابن ، فيصحّ أن يقال : الأصل عدم الوجوب عليه ، وأمّا إذا اجتمع الابن وغيره كالأب فالأصل كما يقتضي عدم الوجوب على غير الابن يقتضي عدم الوجوب عليه عينا أيضا.

وأمّا دليل عدم الصدق ففاسد جدا ، لمنعه. كيف؟! مع أنّه تعلّقت أحكام من الميّت بالولي وأولى الناس به أيضا ، وعمموه فيها كما مرّ.

وأمّا دليل التخصيص بالأكبر ففيه : أنه مخصوص بقضاء الصوم. وإثبات عدم الفصل مشكل جدّا. مضافا إلى معارضته مع رواية الصدوق المتقدّمة ، وقصوره عن إفادة الوجوب ، لاحتمال إرادة الرجحان ، بل هي المتضمّنة ، للتقييد بقوله « ولاء » وهو غير واجب.

وأما دليل الإطلاق بالنسبة إلى الولي أو غير الأكبر أو الرجل فإنما يتمّ لو كان دليل الوجوب هو الإطلاقات ، وقد عرفت قصورها عن إثباته حتى رواية الصدوق‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٤ الصيام ب ٤٤ ح ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٨ ـ ٤٤١ ، التهذيب ٤ : ٢٤٧ ـ ٧٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١٠٨ ـ ٣٥٥. الوسائل ١٠ : ٣٣٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٣. وما بين المعقوفين من المصادر.

(٢) الفقيه ٢ : ٩٨ ـ ٤٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٢٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١.

٣٣٥

المتضمنة للأمر ، لعدم الوجوب على من شاء.

والتحقيق : أنّه لا ينبغي الريب في الاختصاص بالذكور ، لصحيحة البختري بالتقريب المتقدم.

ولا في عدم الوجوب على غير الابن في صورة عدم وجود ابن ، للأصل المتقدم ، حيث إنّه ـ كما عرفت ـ ينحصر الدليل على الوجوب بالإجماع المنتفي في المقام.

ولا في عدم الوجوب على غير الابن والأب مع وجود الابن ، لانتفاء الولاية ، فلا قول بالوجوب عليه البتة.

فبقي الإشكال في صورة اجتماع الابن والأب ، وصورة تعدّد الأبناء ، فإنّه وإن وجب إمّا على الابن الأكبر معيّنا أو على أحدهم مخيّرا ، لعدم قول بغير ذلك ، إلاّ أنّه تجري أصالة عدم الوجوب المعيّن في حقّ الابن الأكبر والمخيّر في حقّ البواقي ، فلا يمكن الحكم بالوجوب المعيّن على الابن الأكبر ، كما في واجدي المني في الثوب المشترك. والأحوط للولد الأكبر قضاء ما فات في مرض الموت حينئذ.

ج : لو كان الولد الأكبر أو غيره من الأولياء ـ على القول بالتعميم ـ غير مكلّف‌

فهل يتعلّق الوجوب به أم لا؟

قال في الذكرى : الأقرب اشتراط كمال الولي حال الوفاة ، لرفع القلم عن الصبي والمجنون (١).

وفيه : أنّه لو تمَّ لزم عدم وجوبه على الغافل عند الموت والنائم ، والجاهل بالموت ، لمشاركتهما مع غير الكامل في عدم التكليف حال الوفاة. ولو جاز التعلّق بعد رفع المانع لجاز في غير البالغ أيضا ، فيلحقه الأمر عند البلوغ.

وقيل : الأقوى عدم الاشتراط ، لثبوت الحبوة لغير البالغ ، المستلزم لثبوت القضاء ، ولعموم النصّ (٢).

__________________

(١) الذكرى : ١٣٩.

(٢) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( المخطوط ).

٣٣٦

ويردّ الأول : بمنع التلازم. والثاني : بمنع وجود النصّ المقتضي للوجوب.

والحقّ عدم الوجوب ، لما عرفت من انحصار الدليل في الإجماع المنتفي في موضع النزاع.

د : لا يشترط خلوّ ذمّة الولي من صلاة واجبة ، فتلزمان معا. ولا ترتيب بينهما ، ولا بين فوائت الميّت لو علم الولي الترتيب أو لم يعلمه.

كلّ ذلك للأصل ، وعدم الدليل ، وظهور أدلّة الترتيب في فوائت نفسه.

ووجوب الترتيب على الميّت لو كان يقضيه بنفسه لا يستلزم وجوبه على الولي أيضا ، سيّما مع اختصاص الوجوب بالفائتة في مرض الموت التي لم يتعلّق وجوب قضائها بذمة الميت أصلا.

ودعوى تبادر وجوب القضاء على الولي بالنحو الذي كان واجبا على الميّت غريبة جدا ، إذ لا تبادر في ذلك أصلا.

هـ : لو مات هذا الولي قبل قضائه فوائت الميّت لا يتحمّلها وليه‌ ، للأصل ، والاقتصار على المجمع عليه.

ولو كان المستند الروايات لقوي القول بالتحمل ، لإطلاقها. وانصرافه إلى الشائع إنما يسلّم إذا بلغ الشيوع حدا يوجب التبادر ، وهو في المقام ممنوع.

و : المقضي عنه هو الرجل ، اقتصارا على موضع الوفاق ، وفاقا للحلّي والفخري (١) ، وأكثر المتأخرين (٢).

وكلام المحقّق مؤذن بالقضاء عن المرأة (٣) ، قال في الذكرى : لا بأس به (٤) ،

__________________

(١) الحلي في السرائر ١ : ٣٩٩ ، فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٢٤٠.

(٢) كالشهيد الأول في الذكرى : ١٣٩ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٨٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٨ ، وصاحب الرياض ١ : ٣٢٢.

(٣) المختصر النافع : ٧٠.

(٤) الذكرى : ١٣٩.

٣٣٧

واختاره بعض مشايخنا المحققين (١) ، بل هو مختار الشيخ في النهاية (٢) ، وعن القاضي والتذكرة والمختلف والدروس (٣).

أخذا بظاهر الروايات ، حيث إنّ معظمها يتضمّن لفظ الميّت ، وهو في الاستعمال مشترك ، ولأنّ المرأة مثل الرجل في التكليفات الشرعيّة ، ولأنّ عناية الله سبحانه بالنسبة إليهما على السواء.

والأول كان حسنا لو كانت الرواية دالّة على الوجوب ، والثاني ضعيف ، لأنّ المسلّم المماثلة في تكاليف أنفسهم ، والثالث من الاستحسانات المردودة في مذهبنا.

واستدلّ الفاضل أيضا ببعض الأخبار الظاهرة في جواز قضاء الصوم عن المرأة (٤).

وضعفه ظاهر ، فإنّ الكلام في الوجوب ثمَّ على الولي.

ز : لو أوصى الميّت إلى غير الولي بقضائها عنه بأجرة أو غيرها ، فالأقرب عدم الوجوب على الولي‌

ولو قبل إتيان الغير به ، لما مرّ من الاقتصار في الوجوب عليه على موضع الإجماع.

هذا إذا لم تفت من الميّت بعد الوصية صلاة. ولو تقدّمت الوصيّة فوت بعض الصلوات يجب على الولي ما فات بعده في مرض الموت ، لأنّ الوصية تعلّقت بقضاء ما تقدّمت على الوصية.

هذا إذا أوصى بقضاء ما علم فواته. ولو أوصى بقضاء صلوات احتياطا ثمَّ فاتت عنه صلوات فلا يبعد الاكتفاء بالوصية. فتأمل.

ح : هل يجوز للولي استئجار ما يجب عليه من القضاء ، أم لا؟

__________________

(١) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٢) النهاية : ١٥٨.

(٣) القاضي في المهذب ١ : ١٩٦ ، التذكرة ١ : ٢٧٦ ، المختلف : ٢٤٣ ، الدروس ١ : ٢٨٩.

(٤) المختلف : ٢٤٣ ، والتذكرة ١ : ٢٧٦.

٣٣٨

الأقرب الثاني ، وفاقا للحلّي والمنتهى والذكرى والحدائق (١) ، لأصالة عدم السقوط عنه بفعل الغير ، واستصحاب الوجوب ، وعدم ثبوت جواز الاستنابة في الصلاة عن الحي ، والولي حيّ والتكليف عليه. والفرق بينه وبين وصيّة الميّت ظاهر ، إذ في صورة الوصيّة لم يثبت الوجوب على الولي بخلاف المورد ، فإنّ الوجوب ثبت عليه ، والسقوط يحتاج إلى دليل.

خلافا للمحكي عن التذكرة وصوم الدروس وابن فهد (٢) ، فجوّزوا الاستيجار.

لأنّ قوله « يقضي » الوارد في أكثر تلك الأخبار ليس صريحا في المباشرة.

ولدلالة الأخبار على كون الصلاة دينا ، والدين يصحّ أن يقضيه كلّ أحد.

ولقوله في رواية عمار السابقة : « لا يقضيه إلاّ رجل مسلم عارف » (٣) دلّ على جواز قضاء كلّ أحد.

ولقبول القضاء عن الميّت النيابة والاستيجار.

ويردّ الأول : بأنّ قوله « يقضي » حقيقة في قضائه بنفسه ، لأنّه معناه ، فكيف ليس صريحا؟! بل هو المتبادر منه ، والاستيجار ليس معنى لقوله « يقضي ».

والثاني : بأنّا لا نسلّم أنّ كلّ دين مما يصحّ أن يقضيه كلّ أحد ، ولذا لا تصحّ الصلاة عن الحي. والتعليل في قضية الخثعمية (٤) ـ لو ثبت ـ فإنّما ينفع في موضع الانجبار ، لضعفها.

سلّمنا ، ولكن الكلام ليس في سقوط الصلاة عن الميت ، بل عن الولي ، ولا استبعاد في سقوطها عنه بفعل الغير وبقائها على ذمّة الولي أيضا ، لتعلّق الوجوب به أولا ، ولذا نقول بالوجوب عليه لو تبرّع أحد بالصلاة للميت أيضا.

__________________

(١) الحلي في السرائر : ٣٩٩ ، المنتهى ٢ : ٦٠٤ ، الذكرى : ١٣٩ ، الحدائق ١١ : ٦٢.

(٢) التذكرة ١ : ٢٧٦ ، الدروس ١ : ٢٨٩ ، المهذب البارع ٢ : ٧٦.

(٣) راجع ص : ٣٢٨.

(٤) المتقدمة في ص : ٣٢٩.

٣٣٩

فإن قلت : لا صلاة على الميّت حينئذ حتى يجب قضاؤها على الولي.

قلنا : كانت عليه الصلاة حين الوفاة ، وصار هو سببا لتعلّق الوجوب بالولي ، فيستصحب وجوبه عليه ، وإن سقط عن الميت بفعل غيره تبرعا. ولذا لو استأجر الوصي أحدا لقضاء ما لا يجب على الولي من فوائت الميت لا يرتفع الوجوب عن الأجير بتبرّع غيره.

مع أنّ في صحة هذه الصلاة إجارة وسقوطها عن الميت نظرا ، فإنّ وجوبها عينا على الولي ينافي السقوط بفعل الغير. ولو كان كذلك لما وجب قضاء على ولي عينا أبدا بل يكون واجبا عليه وعلى سائر الناس تخييرا ، ويكون واجبا كفائيا ، وهم لا يقولون به ، ولا يقولون بعقاب غير الولي مع الترك ، وهو معنى الوجوب العيني ، وإذا وجب عليه عينا فلا معنى لوجوبه على غيره أيضا بمعنى أنه لو فعله لسقط أيضا.

والثالث : بأنّه لا كلام في جواز قضاء كلّ أحد عن الميّت ، بل الكلام في جواز استيجار الولي فيما وجب عليه ، وجواز قضاء ما وجب على الولي.

والرابع : بمنع قبول مطلق القضاء للاستنابة والاستيجار ، والسند واضح مما مرّ.

المسألة الرابعة :

ألحقّ المشهور بين أصحابنا الإمامية جواز الاستيجار للصلاة ، بل في الحدائق : أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب فيما أعلم (١).

إذ تجوز لكل أحد الصلاة عن الميت ، وكلّ ما يجوز لأحد فعله لغيره يجوز استيجاره له.

أمّا الأول فللعمومات الكثيرة المتقدمة (٢) ، والإجماع كما صرّح به غير‌

__________________

(١) الحدائق ١١ : ٤٤.

(٢) في ص ٣٢٥.

٣٤٠