مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

ذلك؟ قال : « لأنك لست تخاف فوتها » (١).

يعني : أنّها ليست موقّتة ولا فوريّة حتى يجب التعجيل فيها وفعلها في الأوقات المكروهة.

ولا يضرّ الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة في صدر هذه الصحيحة ، لعدم ملازمة بين انتفاء الترتيب والمواسعة.

والقدح فيها بعدم مرجوحيّة قضاء الفرائض في الأوقات المكروهة عند الإمامية بالإجماع ، ومع ذلك تعارضها أخبار كثيرة كما مرّت في بحث الأوقات ، فيتعين حملها على التقية.

مردود بأنّ مقتضى الإجماع عدم المرجوحيّة ، وهو لا ينافي جواز التأخير ، فيمكن أن يكون قوله « لا تصلّهما » مجازا في الإباحة ، كما قالوا في النهي الواقع عقيب الوجوب ، بل هو هنا أيضا كذلك ، لتقديم الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة ، ويؤكّده التعليل لأنّه إنّما يلائم علّة لجواز التأخير ، فيكون مطلوبه عليه‌السلام بيان جواز التأخير عن شعاع الشمس ، حتى لا يتوهّم الراوي حرمته فيوجب ذلك وقوعه في موقع نفيه.

مع أنّه لو سلمنا عدم دلالة قوله « فلا تصلّهما » على المطلوب لمخالفته الإجماع أو وجود المعارض له ، فلا شك في دلالة التعليل عليه ، ولا معارض له من إجماع أو خبر.

وتدلّ على المطلوب أيضا موثقة الساباطي وفيها : عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها وهو مسافر؟ قال : « نعم يقضيها بالليل على الأرض ، وأما على الظهر فلا » (٢).

دلّت على رجحان فعل ما يجب على المسافر من قضاء الحضر بالليل ، وإن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩١ الصلاة ب ١٢ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٩٠ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٣ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ٨ : ٢٦٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٢.

٢٨١

أمكن في النهار بعد النزول ( عن الظهر ، بل وإن أمكن النزول ) (١) في أثناء الطريق ، ولو كان القضاء فوريا لما كان ذلك جائزا فضلا عن الرجحان.

فإن قيل : رجحان التأخير إلى الليل مناف للإجماع على رجحان التعجيل.

قلنا : لا نسلّم ذلك الإجماع بالإطلاق ، لجواز أن يكون الراجح للمسافر التأخير إلى الليل ، ليستريح غبّ نزوله عن مشقة الركوب ويهيّئ ما يحتاج إليه ، مع أنّه يمكن أن يكون قوله « يقضيها » للإرشاد دون الرجحان.

ومن هنا يظهر جواز الاستدلال للمطلوب برواية الساباطي أيضا : عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر ، كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال : « لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز له ولا يثبت له ، ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل » (٢).

فإنّ المراد أنّ الرجل المسؤول عنه ـ الذي هو في السفر ـ لا يقضي بالنهار ، أي حال الركوب ، حيث إنّه الغالب للمسافر في النهار ، بل في حال النزول أيضا ، لكونه كسلا متعبا حينئذ ، بل يؤخّرها إلى الليل ، ويكون التأكيد محمولا على غاية الكراهة للمسافر ، وعلى هذا ليس خلاف إجماع في الرواية كما قيل (٣). وكون رجحان التعجيل في القضاء حتى من المسافر في النهار إجماعيا ممنوع جدا.

ويدلّ على المطلوب أيضا تقديم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضاء ركعتي النافلة على قضاء الفريضة كما ورد في أخبار رقوده ، المتقدم صدرها.

ورواية أبي بصير : عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس ، قال : « يصلي ركعتين ثمَّ يصلي الغداة » (٤).

__________________

(١) ما بين القوسين لا توجد في « ق ».

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٢ ـ ١٠٨١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٩ ـ ١٠٥٧ ، الوسائل ٨ : ٢٥٨ أبواب قضاء الصلاة ب ٢ ح ٦.

(٣) الحدائق ٦ : ٣٦٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ـ ١٠٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ٤ : ٢٨٤ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٢.

٢٨٢

دلّت على جواز تقديم النافلة ـ قضاء كما في الأول أو مطلقا كما في الثاني ـ على قضاء الفريضة ، وهو مناف للفورية قطعا.

والخدش في الأخيرة بأنّها تدلّ على استحباب تقديم ركعتين على القضاء وإن لم تفت عنه ركعتا النافلة ، وهو ممّا لم يقل به أحد.

مردود بأنّه من أين يثبت الإجماع على عدم استحباب ذلك ، وعدم ذكره لا يدلّ على العدم.

وعلى هذا فيمكن أن يستدلّ للمطلوب بموثّقة الساباطي : « إذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها ، ثمَّ اقض ما شئت » (١).

وقد يستدل أيضا بما دلّ على استحباب الأذان والإقامة لقضاء الفرائض (٢).

وفيه نظر ، لأنّهما من مقدمات الصلاة ، غاية الأمر كونهما من المقدمات المستحبة ، والاشتغال بمقدمات الشي‌ء لا ينافي فوريته ، لأنها تعدّ معه فعلا واحدا.

احتجّ أهل المضايقة بوجوه :

الأوّل : الأمر بالقضاء‌

وهو للفور.

الثاني : قوله سبحانه( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (٣).

فإنّها واردة في الفائتة ، كما ورد في صحيحة زرارة في رقود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) ، وفي رواية أخرى له : « إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٣ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ٤ : ٢٨٤ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٥.

(٢) انظر : الوسائل ٨ : ٢٥٤ و ٢٧٠ أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٣ و ٤ وب ٨.

(٣) طه : ١٤.

(٤) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٥ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

٢٨٣

فإن كنت تعلم أنك إذا كنت صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك ، فإنّ الله تعالى يقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (١).

فيكون المعنى : أقم الصلاة وقت ذكر صلاتي ، على أن يكون اللام للظرفية ويقدّر المضاف ، أو : وقت ذكري إيّاك لما نسيت من الصلاة ، فيكون الذكر مضافا إلى الفاعل ، فيكون القضاء وقت التذكر واجبا فورا.

الثالث : الأخبار الدالّة على وجوب فعل القضاء حين التذكر‌ وأنه وقته ، كصحيحة زرارة : عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة أن يصلّيها أو نام عنها ، فقال : « يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتمّ ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت » (٢).

وموثقة البصري : عن رجل نسي صلاة حتى دخل في وقت صلاة أخرى ، فقال : « إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها ، وإن ذكرها وهو في صلاته بدأ بالتي نسي ، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمَّ صلّى المغرب » (٣) الحديث.

وصحيحة زرارة : « أربع يصليهنّ الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك متى ذكرتها أدّيتها » (٤) الحديث.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٣ الصلوات ب ١٢ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٦٨ ـ ١٠٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ـ ١٠٥١ ، الوسائل ٤ : ٢٨٧ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٢ الصلاة ب ١٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٦ ـ ١٠٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٦ ، الوسائل ٤ : ٢٨٤ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٣ الصلاة ب ١٢ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ ـ ١٠٧١ ، الوسائل ٤ : ٢٩١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٨ الصلاة ب ١٠ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٥ ، الخصال : ٢٤٧ ـ ١٠٧ ، الوسائل ٤ : ٢٤٠ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١.

٢٨٤

وصحيحة ابن عمار : « خمس صلوات لم تترك على كل حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم ، وصلاة الكسوف ، وإذا نسيت فصلّ إذا ذكرت ، وصلاة الجنازة » (١).

وصحيحة يعقوب : عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس ، أيصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تبسط الشمس؟ قال : « يصلي حين يستيقظ » قلت : يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال : « يبدأ بالفريضة » (٢).

ورواية الرازي : عن رجل فاته شي‌ء من الصلاة فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها ، قال : « فليصلّ حين ذكرها ولو بعد العصر » (٣).

وصحيحة زرارة والفضيل : « فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت » (٤).

وقوله عليه‌السلام : « من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها » (٥).

ويزيد فيه دلالة أنه متضمن للفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة.

وقد زيد في بعض الروايات : « فذلك وقتها » (٦) وفي بعضها : « أنّ من فاتته صلاة فوقتها حين يذكرها » (٧).

وحديث زرارة : « إذا نسي الرجل صلاة أو صلاّها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فليقض الذي وجب عليه ، لا يزيد على ذلك ولا ينقص ، ومن نسي أربعا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٧ الصلاة ب ١٠ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ـ ٦٨٣ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ـ ١٠٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٧ ، الوسائل ٤ : ٢٨٤ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧١ ـ ٦٨٠ ، الوسائل ٤ : ٢٤٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٦.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٤ الصلاة ب ١٢ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٢٧٦ ـ ١٠٩٨ ، الوسائل ٤ : ٢٨٢ أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

(٥) عوالي اللئالي ١ : ٢٠١ ـ ١٧ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٣٠ أبواب قضاء الصلاة ب ١ ح ١١.

(٦) سنن ابن ماجه ١ : ٢٢٨ ـ ٦٩٨ ، المعتبر ٢ : ٤٠٦ ، بتفاوت.

(٧) سنن الدار قطني ١ : ٤٢٣ ـ ١ ، بتفاوت يسير.

٢٨٥

فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما ، وإن نسي ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما » (١).

وصحيحته وفيها : « وإن كنت قد صلّيت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها » (٢).

والجواب عن الأوّل : بمنع كون الأمر للفور.

وعن الثاني : بأنّ للآية محتملات كثيرة‌ كأن يكون الذكر بمعنى وقت الصلاة ، أو بمعنى الآذان ، أو قصد القربة ، أو يكون اللام للتعليل أي لتذكّري فيها ، أو لذكري لها وأمري بها ، أو لأذكرك كما قال جلّ شأنه ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (٣) أو لذكري خاصّة غير مشوب برياء ، أو ليكون ذاكرا لي.

وليس في الحديثين دلالة على إرادة المعنى الأوّل ، إذ يمكن أن يكون التعليل لمطلق الأمر بالقضاء والحثّ عليه ، وبعض المحتملات يلائم التعليل بذلك. أو يكون مبنى التعليل على أمر لا نعلمه ، فإنّ تطبيق الآية على معنى يلائم تعليل التضيق به يحتاج إلى ارتكاب تخصيصات وتقديرات وتأويلات ليس بأقرب من ارتكاب خلاف ظاهر في التعليل.

مع أنّ الصلاة تشمل النوافل أيضا وتعجيل قضائها مستحب ، وليس حمل الأمر على الاستحباب بأبعد من تخصيص الصلاة.

ومع أنّ هذا التعليل ورد في صحيحة زرارة أيضا مع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعجّل بالقضاء ، بل تحوّل من مكانه وتنفّل وتكلّم ثمَّ قضى (٤).

وعلى فرض تسليم جميع ما ذكر لا يدلّ على أزيد من أنّ وقت الذكر وقت القضاء ، وأمّا الفورية والتضيق فلا.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٢ ـ ١٢٨٣ ، التهذيب ٣ : ٢٢٥ ـ ٥٦٨ ، الوسائل ٨ : ٢٦٩ أبواب قضاء الصلاة ب ٦ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩١ الصلاة ب ١٢ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٩٠ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٣) البقرة : ١٥٢.

(٤) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٥ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

٢٨٦

وعن الثالث : بأنّ أكثر أخباره بين متضمّن للجملة الخبرية الغير الدالّة على الوجوب صريحا ، أو للفظ الصلاة الشاملة للنوافل‌ ، فلا يكون تخصيصها بالواجبة أولى من حمل الأمر فيها على مطلق الرجحان أو الجواز الذي هو أيضا من مجازات الأمر ، أو للأمرين معا ، مع أنّ منها ما هو عامي لا يصلح للحجية.

وما خلا عن أحد هذه الوجوه ـ وليس هو إلاّ رواية زرارة وصحيحته الأخيرتين ـ ففي دلالته على الفورية نظر. بل يدلّ على وجوب القضاء حين يذكرها أو أيّ ساعة ذكرها سواء كان أول حال الذكر أو بعدها ، فإنّه يصدق على الكلّ أنّه حين يذكرها وساعة كذلك.

مضافا إلى أنّ الاولى منهما منساقة لبيان كيفية القضاء من القصر والإتمام ، فالمعنى أنّه يجب القضاء على نحو نسيها حين التذكر.

وإلى أنّ الأمر في الأخيرة بل في الجميع وارد مورد توهّم الحظر أو الكراهة ، حيث نهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة ، وكان ذلك شائعا معروفا ، وهذه الأوامر لدفع هذا التوهم كما يشعر به قوله « في أيّ ساعة » وقوله « ولو بعد العصر » بل ذكر بعض هذه الأوقات ، وفي مثل ذلك الأمر ألف كلام.

ولو قطع النظر عن جميع ذلك فتعارض تلك الأخبار ما مرّ من أخبار المواسعة ، وأخبارا كثيرة أخر واردة في موارد غير عديدة من مجوّزات النوافل وقضائها في أيّ وقت ، ومرغّبات الصلاة في أول الوقت ومجوّزاتها تخييرا ، ومجوّزات سائر الأفعال ، فيرجع إلى الأصل أو التخيير. مع أنّ أخبار المواسعة تصلح قرينة لحمل هذه على الندب أو الجواز ، فيجب الحمل عليه.

وترجيح أخبار التضيّق بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ممنوع.

لمنع التوافق للأوّل كما عرفت ، بل أخبار المواسعة أوفق لمثل قوله ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) (١) كما يأتي.

ومنع التخالف للثاني. مع أنّ المرجّح هو المخالف لروايات العامّة ، وبعض‌

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

٢٨٧

ما مرّ من أخبار المضايقة عامي ، فرواياتها لأخبارهم موافقة. بل الظاهر أن ذلك معنى قوله « خذ بما خالف العامة ».

بل القول بالمضايقة والترتيب مذهب أكثر العامة أيضا (١) ، كما صرّح به بعض مشايخنا المحققين ، قال بعد ترجيحه المضايقة والترتيب : ويخدشه كون ذلك مذهب أكثر العامة ، فلعلّهم ذكروا ذلك في أخبارهم الصحاح الكثيرة اتقاء للشيعة (٢).

هذا كلّه مع أنّ في دلالة أكثر أخبار المضايقة عليها تأملا من وجوه أخر أيضا.

المسألة الثانية :

لا خلاف نصّا ولا فتوى في وجوب تقديم الحاضرة على الفائتة‌ مع ضيق وقت الحاضرة ، والأخبار مع ذلك به مستفيضة.

وأمّا مع سعته ، ففي عدم وجوب تقديم الفائتة الواجبة مطلقا ، أو وجوبه كذلك ، أو التفصيل فالأول مع تعدّد الفائتة والثاني مع وحدتها ، أو الأول إن صلّى القضاء في غير يوم الفوات والثاني إن صلاّها في يوم فواتها ، أقوال.

الأول ـ وهو الحقّ ـ مذهب عبيد الله بن علي الحلبي في أصله الذي عرض على الصادق عليه‌السلام وأثنى عليه.

وأبي الفضل محمّد بن أحمد بن سليم ، قال في كتابه الفاخر : والصلوات الفائتة يقضين ما لم يدخل وقت صلاة ، فإذا دخل بدأ بالتي دخل وقتها وقضى بالفائتة متى أحبّ.

بل يظهر منه أنّه إجماعي حيث قال في خطبته لهذا الكتاب : إنّه ما روى فيه إلاّ ما اجمع عليه وصحّ من قول الأئمة عليهم‌السلام.

وأبي عبد الله الحسين بن أبي عبد الله الواسطي ، قال في كتابه النقض : إن‌

__________________

(١) انظر : المغني والشرح الكبير ١ : ٦٧٦ ، وبداية المجتهد ١ : ١٨٣.

(٢) البهبهاني في شرح المفاتيح ( مخطوط ).

٢٨٨

سأل سائل وقال : أخبرونا عمّن ذكر صلاة وهو في أخرى ما الذي يجب عليه؟ قال : يتم التي هو فيها ويقضي ما فاته ، ثمَّ ذكر خلاف المخالفين.

ذكر هذه الثلاثة السيد ابن طاوس في بعض رسائله (١).

والقدح في الأخيرين بأنّ ظاهرهما وجوب تقديم الحاضرة ، وهو خلاف الإجماع والأخبار.

فاسد ، لعدم دلالة الأول على الوجوب أصلا ، فإنّ الجملة الخبرية لم تثبت دلالتها على الوجوب سيّما في كلمات القدماء أبدا. وأما الثاني فمقتضاه عدم جواز العدول عن الحاضرة ووجوب إتمامها ، وهذا غير وجوب تقديم الحاضرة مطلقا ( وإجماعية خلافه بل اشتهاره بل قول أحد ممن يقول بالمواسعة به في غير الفريضتين المشتركتين في الوقت ممنوع جدا ، بل وكذا إجماعية عدم وجوب تقديم الحاضرة مطلقا ) (٢).

ونسب ابن إدريس في رسالة عملها في هذه المسألة هذا القول إلى طائفة من العلماء الخراسانيين.

وهو أيضا مختار الصدوقين ، والحسين بن سعيد ، والراوندي ، ونصير الدين عبد الله بن حمزة الطوسي ، وسديد الدين محمود الحمصي ، ويحيى بن سعيد جدّ المحقق ، ونجيب الدين يحيى ابن عمّه ، والسيد ضياء الدين بن الفاخر ، والشيخ أبي علي بن طاهر الصوري ، جميعا من قدماء أصحابنا ، نقل عنهم الشهيد (٣).

وهو محتمل الكلام العماني (٤). ونسبة القول بوجوب تقديم الفائتة إليه غير جيّد.

وفي الذخيرة : وكأنّ القول بالمواسعة كان مشهورا بين القدماء (٥).

__________________

(١) نقلها في البحار ٨٥ : ٣٢٧.

(٢) ما بين القوسين لا توجد في « س ».

(٣) الظاهر أنه نقل عنهم في غاية المراد ، انظر : مفتاح الكرامة ٣ : ٣٨٦.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٤٤.

(٥) الذخيرة : ٢١٠.

٢٨٩

وهو مختار الفاضل في أكثر كتبه (١) ، ووالده وولده (٢) ، وأكثر من عاصره من المشايخ ، نقله في المختلف (٣) ، والشهيدين في اللمعة والروضة (٤) ، بل أكثر المتأخرين ومتأخريهم (٥) ، ودعوى شهرتهم عليه مستفيضة ، واختاره ابن طاوس والأردبيلي وصاحب الذخيرة (٦).

والثاني لكلّ من قال في المسألة السابقة بالفورية والمضايقة ، وهو مذهب الشيخ والإسكافي وابن زهرة والحلّي (٧) ، وادعي عليه شهرة القدماء مستفيضة (٨) ، بل عن الخلاف والغنية والسرائر ورسالتي المفيد والحلي : الإجماع عليه (٩) ، واختاره بعض مشايخنا مع قوله في المسألة الأولى بالمواسعة (١٠).

والثالث للمعتبر والشرائع والنافع والمدارك (١١) ، وقواه الشهيد في بعض كتبه (١٢).

والرابع للمختلف (١٣).

__________________

(١) كالمنتهى ١ : ٤٢١ ، والتذكرة ١ : ٨١ ، ونهاية الاحكام ١ : ٣٢٢ ، والتحرير ١ : ٥٠.

(٢) ولده في الإيضاح ١ : ١٤٦ ، ونقل عن والده في المختلف : ١٤٤.

(٣) المختلف : ١٤٤.

(٤) اللمعة والروضة ١ : ٣٤٥.

(٥) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٤٩٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٨٥ ، والمجلسي في البحار ٨٥ : ٣٢٣.

(٦) ابن طاوس في رسالته التي أورد بعضها في البحار ٨٥ : ٣٢٧ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٩ ، الذخيرة : ٢١٠.

(٧) الشيخ في النهاية : ١٢٥ ، والخلاف ١ : ٣٨٢ ، والمبسوط ١ : ١٢٦ حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٤٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٠٣ و ٢٧٢.

(٨) انظر : الرياض ١ : ٢٢٦.

(٩) الخلاف ١ : ٣٨٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢ ، السرائر ١ : ٢٠٣.

(١٠) الرياض ١ : ٢٢٦.

(١١) المعتبر ٢ : ٤٠٥ ، الشرائع ١ : ١٢١ ، النافع : ٤٦ ، المدارك ٤ : ٢٩٥.

(١٢) نقله في مفتاح الكرامة ٣ : ٣٩٠ عن غاية المراد.

(١٣) المختلف : ١٤٤.

٢٩٠

لنا وجوه :

الأوّل : الأصل.

الثاني : إطلاق قوله سبحانه ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (١).

دلّت على جواز صلاة الظهر عند الدلوك مطلقا ، فعلى من يقول بعدم الجواز لمن عليه الفائتة الإثبات.

والقول بأنّه لو تمَّ لدلّ على وجوب تقديم الحاضرة أو رجحانه ، والأكثر لا يقولون به.

مردود بأنّ الأمر في الآية مجاز إمّا في الوجوب التخييري أو الجواز ، وارد لبيان التوقيف ، وإلاّ فلا معنى للوجوب أو الرجحان العيني إلى غسق الليل.

الثالث : إطلاق الأخبار المبيّنة لأوقات الصلاة ، والمجوّزات أو الأوامر للصلاة فيها ، كقوله : « إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر » (٢).

وصحيحة سعد : « إذا دخل الوقت عليك فصلهما فإنّك لا تدري ما يكون » (٣).

وعمومات الأخبار الدالّة على فضيلة أول الوقت أو أفضليته.

والإيراد عليه بنحو ما مرّ من أنّ مقتضاها ـ بعد ملاحظة الإجماع والأدلّة الخارجية الدالّة على عدم الوجوب في أوّل الوقت ـ رجحان فعل الحاضرة ولو على من كانت عليه فائتة ، وهم لا يقولون به ، والحمل على الجواز ليس بأولى من التخصيص بمن ليست عليه فائتة.

مردود بأنّه إنّما يجري في بعضها دون الجميع مما لا يتضمن أمرا أو نحوه. مع أنّه إنّما يتمّ لو سلّم الإجماع على عدم رجحان تقديم الحاضرة ، وهو بعد غير‌

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) انظر : الوسائل ٤ : ١٢٥ أبواب المواقيت ب ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٢ ـ ١٠٨٢ ، الوسائل ٤ : ١١٩ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٣.

٢٩١

معلوم.

وقد يردّ الإيراد أيضا بأنّ غايته ترك أفضلية تقديم الحاضرة بسبب المعارض فيبقى الجواز.

وفيه نظر يظهر وجهه مما مرّ من عدم أولوية التجوز عن التخصيص.

الرابع : العمومات المجوّزة لفعل النوافل أداء أو قضاء على من عليه قضاء فريضة.

منها : ما مرّ في المسألة السابقة.

ومنها : الأخبار المصرّحة بأنّ الصلاة الفائتة ـ الشاملة لقضاء النوافل ـ تقضى في كلّ وقت وفي كلّ ساعة وحين ذكرها (١) ، الشامل للمورد أيضا.

ومنها : المصرّحة بأن خصوص النوافل تقضى في كلّ وقت ، كصحيحة حسان بن مهران (٢) ، ومكاتبة محمد بن يحيى (٣) ، ورواية سليمان بن هارون (٤).

فإنه لو جاز فعل النوافل وقضاؤها قبل قضاء الفريضة جاز فعل الفريضة الحاضرة بالطريق الأولى والإجماع المركب.

ومنع جواز النافلة لمن عليه فريضة ، باطل ، كما مرّ في بحث الأوقات.

نعم يمكن منع الأولوية والإجماع المركب بالنسبة إلى قضاء النوافل ، كما صرّح به بعضهم (٥) ، وتدل عليه صحيحة زرارة المتضمنة لإخباره بما سمع لحكم ابن عيينة وأصحابه ، فإنها تدلّ على أنّ الترتّب إنّما هو بين الحاضرة والفائتة ، دون النافلة الفائتة والفريضة الكذائية (٦).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٣ و ٢٥٦ أبواب قضاء الصلوات ب ١ و ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٢ ـ ١٠٨٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٤ ، الوسائل ٤ : ٢٤٢ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٩.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٤ الصلاة ب ٩٠ ح ١٧ ، التهذيب ٢ : ٢٧٢ ـ ١٠٨٣ ، الوسائل ٤ : ٢٤٠ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٧٣ ـ ٦٩٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦١ ، الوسائل ٤ : ٢٤٣ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١١.

(٥) انظر : شرح المفاتيح للبهبهاني ( مخطوط ).

(٦) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٥ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

٢٩٢

الخامس : صحيحتا ابن سنان وأبي بصير : « إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة ـ إلى أن قال ـ : « وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس » (١) الحديث.

ولا تضرّ دلالتهما على كراهة قضاء الفرائض عند طلوع الشمس ، ولا على امتداد وقت العشاءين إلى الفجر.

لأنّ مخالفة جزء من الحديث للقاعدة لا تخرج باقيه عن الحجية.

مع أنّ الثاني ـ أي امتداد وقتهما إلى الفجر في الجملة ـ هو الأظهر ، كما في موضعه قد مرّ.

بل قد يرجّح الأول ـ وهو ترك القضاء في الأوقات المكروهة ـ لمصلحة ، فيمكن أن يكون المقام منه ، فيرجح الترك اتقاء عن العامة. وليس مرادنا أنّ ما ذكر في ذلك الخبر تقية حتى لا يكون الحكم واقعيا ، بل المراد أنّه مع تشدّد العامة وجعله من علائم الرفض يكون القضاء في هذه الأوقات مرجوحا واقعا ، فلا مخالفة في الصحيحين للقاعدة أصلا.

والقدح فيهما بدلالتهما على وجوب تقديم الحاضرة.

مردود بأنّه لو سلّم عدم وجوبه فيكون الدليل عليه قرينة لإرادة الرجحان المطلق ، ولو كان دليل على انتفائه أيضا يكون ذلك دليلا على إرادة الجواز من الأمر أو الوجوب التخييري.

السادس : صحيحة الحلبي ورواية محمد :

الأولى : رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال : « متى شاء ، إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (٢).

والثانية : عن الرجل تفوته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال : « متى شاء ، إن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ـ ١٠٧٦ و ١٠٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ـ ١٠٥٣ و ١٠٥٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٨ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٣ و ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٢ الصلاة ب ٩٠ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ ـ ٦٣٩ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٧.

٢٩٣

شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (١).

والإيراد عليه بأنّ الظاهر من « صلاة النهار » نافلته فاسد ، لعدم تحقق شي‌ء يوجب الظهور أصلا. وقياسه على صلاة الليل المختصة بصلاة مخصوصة كما ترى.

والخدش بأنّ الحوالة على المشيّة توجب التسوية مع أنّ تقديم الفائتة راجح ، يأتي جوابه.

السابع : مرسلة جميل : تفوت الرجل الاولى والعصر والمغرب ويذكر عند العشاء ، قال : « يبدأ بالوقت الذي هو فيه ، فإنّه لا يأمن [ الموت ] (٢) فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل ، ثمَّ يقضي ما فاته الأول فالأول » (٣).

والقدح فيها بدلالتها على رجحان تقديم الحاضرة وهو خلاف الإجماع.

مردود بما مرّ ويأتي من منع الإجماع على خلافه. ولو سلّم فيكون هو قرينة على إرادة مطلق الجواز.

وبأنّ (٤) وقت العشاء مشترك فلا معنى لتقديم العشاء ، يأتي جوابه.

الثامن : موثقة الساباطي : عن الرجل يفوته المغرب حتى تحضر العتمة ، فقال : « إن حضرت العتمة وذكر أنّ عليه صلاة المغرب فإن أحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأ ، وإن أحبّ بدأ بالعتمة ثمَّ صلّى المغرب بعدها » (٥).

وأورد عليها بأنّ المراد بوقت العتمة إن كان وقتها المختص فالحكم بالتخيير غير معقول ، لوجوب تقديم العتمة. وإن كان الوقت المشترك فمع عدم وجه لاختصاصه بالحكم لا يعقل التخيير أيضا ، لوجوب تقديم المغرب. والحمل على‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٢ الصلاة ب ٩٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ ـ ٦٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٦.

(٢) في النسخ : الفوات ، وما أثبتناه موافق للمصدر.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٠٧ ، الوسائل ٤ : ٢٨٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٦.

(٤) عطف على قوله : بدلالتها ، أي : والقدح فيها بأنّ ..

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧١ ـ ١٠٧٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ـ ١٠٥٥ ، الوسائل ٤ : ٢٨٨ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٥.

٢٩٤

المغرب السابقة خلاف الظاهر. فالرواية شاذّة مطروحة.

والجواب عنه : أمّا على ما هو الحقّ المختار من اختصاص وقت المختار للمغرب بزوال الحمرة المغربية فواضح ظاهر ، بل هي أيضا من أدلة ذلك المذهب.

وأمّا على اشتراك الوقت فبأنه لا شكّ أنّ اللفظ صالح للمغرب السابقة ، ولا قرينة في الكلام على مغرب هذه الليلة أصلا ، فلم لا يحمل على السابق بقرينة عدم معقولية غيرها مع أنّهم يحملون الألفاظ على مجازات أبعد من ذلك بقرائن أخفى من هذه؟! وليس هذا مجازا بعيدا ، بل هو من باب استعمال المطلق في فرد ، مع أنّ اللاحقة أيضا ليست إلاّ فردا آخر من المطلق.

والإيراد بأنّ الحوالة على مشتهى المكلف خلاف الإجماع ، لأنّ تقديم الفائتة راجح إجماعا.

ففيه : أنّه لو سلّم ذلك الإجماع لم يضرّ تلك الحوالة ، لوقوعها في المستحبات كثيرا ، ولم يذكر في الخبر إلاّ جواز الأمرين مع إرادته ، وذلك لا يناقض استحباب أحد الطرفين أصلا. ألا ترى أنّه ورد في الوتر « أنها ليست بمكتوبة فإن شئت صلّيتها » (١)؟ وورد في الصلاة « فمن أراد استقلّ ومن أراد استكثر » (٢).

التاسع : المروي في قرب الإسناد للحميري : عن رجل نسي الفجر حتى حضر الظهر ، قال : « يبدأ بالظهر ثمَّ يصلّي الفجر » (٣).

العاشر : المروي في كتاب الحسين بن سعيد بإسناده عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى ـ إلى أن قال ـ : « وإن كانت صلاة العصر فليصلّ العشاء ثمَّ يصلّ العصر » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٦٧ أبواب أعداد الفرائض ب ١٦ ح ١ ، ورواها الشيخ في التهذيب ٢ : ١١ ـ ٢٢.

(٢) مستدرك الوسائل ٣ : ٤٣ أبواب أعداد الفرائض ب ١٠ ح ٩ عن النفلية للشهيد (ره).

(٣) قرب الإسناد : ١٩٨ ـ ٧٥٤ ، الوسائل ٨ : ٢٥٥ أبواب قضاء الصلاة ب ١ ح ٩.

(٤) مستدرك الوسائل ٦ : ٤٢٨ أبواب قضاء الصلاة ب ١ ح ٦ عن كتاب الصلاة للحسين بن سعيد (ره).

٢٩٥

والإيراد ببعض ما مر عليهما يظهر دفعه مما مرّ.

احتجّ القائلون بالقول الثاني :

أولا : بالإجماع المنقول كما تقدّم.

وثانيا : بأصل الاشتغال وطريقة الاحتياط المطلوبة في العبادات.

وثالثا : بجميع ما مرّ دليلا للمضايقة.

ورابعا : بالمرويّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلا : أنّه قال : « لا صلاة لمن عليه صلاة » (١).

وخامسا : بالأخبار ، وهي كثيرة :

منها : صحيحة زرارة الطويلة وفيها : « وإن كنت ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصلّ العصر ثمَّ صلّ المغرب ، وإن كنت قد صليت المغرب فقم فصلّ العصر ، وإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر ، ثمَّ قم فأتمّها بركعتين ثمَّ سلم ثمَّ صلّ المغرب ، وإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلّ المغرب ، وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلّم ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة ، وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصلّ العشاء الآخرة ، وإن كنت ذكرتها وأنت في ركعة أولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ الغداة وأذّن وأقم ، وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ثمَّ ابدأ بالمغرب ثمَّ العشاء ، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمَّ بالغداة ثمَّ صلّ العشاء ، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب والعشاء » (٢) الحديث.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٣ : ١٦٠ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٢ عن الرسالة السهوية للشيخ المفيد (ره).

(٢) الكافي ٣ : ٢٩١ الصلاة ب ١٢ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٩٠ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

٢٩٦

ومنها : رواية الحلبي : عن رجل نسي الأولى ـ إلى أن قال ـ : « وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ، ولا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا ، ولكن يصلّي العصر فيما قد بقي من وقتها ، ثمَّ ليصلّي الأولى بعد ذلك على أثرها » (١).

وجه الدلالة : الأمر بالأولى بعد الفراغ من العصر على أثرها.

ومنها : ما مرّ في المسألة السابقة من رواية زرارة المتضمنة لقوله « فابدأ بالتي فاتتك » وصحيحته المشتملة على قوله « فليقض ما لم يتخوف » إلى آخرها ، وموثقة البصري (٢).

وصحيحة صفوان : عن الرجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر ، فقال : « كان أبو جعفر عليه‌السلام أو كان أبي يقول : إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلّى المغرب ثمَّ صلاّها » (٣).

ورواية أبي بصير : عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر قال : « يبدأ بالظهر ، وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلاّ أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها ، ثمَّ تقضي التي نسيت » (٤).

ومعمّر بن يحيى : رجل صلّى إلى غير القبلة ثمَّ تبين له وقد دخل وقت صلاة أخرى ، قال : « يعيدها قبل أن يصلّى هذه التي قد دخل وقتها » (٥).

وصحيحة الحلبي : عن رجل أمّ قوما في العصر ، فذكر وهو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الأولى ، قال : « فيجعلها الأولى التي فاتته ، ويستأنف بعد صلاة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٩ ـ ١٠٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ـ ١٠٥٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٩ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٨.

(٢) راجع ص : ٢٨٤.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٣ الصلاة ب ١٢ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ ـ ١٠٧٣ ، الوسائل ٤ : ٢٨٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٢ الصلاة ب ١٢ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ـ ٦٨٤ ، الوسائل ٤ : ٢٩٠ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٤٦ ـ ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ـ ١٠٩٩ ، الوسائل ٤ : ٣١٣ أبواب القبلة ب ٩ ح ٥. والراوي في جميعها : عمرو بن يحيى.

٢٩٧

العصر » (١).

والمروي في قرب الإسناد : عن رجل نسي العشاء ثمَّ ذكر بعد طلوع الفجر ، كيف يصنع؟ قال : « يصلي العشاء ثمَّ الفجر » وسألته عن رجل نسي الفجر حتى حضرت الظهر ، قال : « يبدأ بالفجر ثمَّ يصلّي الظهر ، كذلك كل صلاة بعدها صلاة » (٢).

والجواب‌ أمّا عن الأوّل : فبعدم حجيّة الإجماع المنقول جدا ، سيّما مع مخالفة فحول القدماء ، ومعارضته بظاهر دعوى الإجماع المتقدم عن كتاب الفاخر (٣) ، واستفاضة دعوى الشهرة المتأخرة (٤).

وأمّا عن الثاني : فبما مرّ مرارا من أنّ في مثل المقام يجري أصل البراءة دون أصل الاشتغال ، وأمّا الاحتياط فلو سلّم جريانه هنا فليس إلاّ مستحبا.

وأمّا عن الثالث : فبما مرّ في المسألة السابقة. مضافا إلى عدم استلزام الفورية للترتّب المطلوب ، لحصول التعارض بين أدلّة فوريته وبين أدلّة تجويز الحواضر في جميع أوقاتها وترغيب أول أوقاتها بالعموم من وجه ، والترجيح لأدلّة الحواضر بالأكثرية ومخالفة العامة وموافقة الكتاب.

وأمّا عن الرابع : فبضعفه الخالي عن الجابر. واشتهار القول بالترتّب ـ لو سلّم ـ لا يوجب اشتهار بطلان الحاضرة ، كيف؟! ومن القائلين بالترتّب جمع لا يقولون ببطلان الحاضرة لو فعلها (٥).

مع أنّ نسبته إلى الحاضرة والفائتة على السواء ، إذ يصدق على من دخل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٤ الصلاة ب ١٢ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ ـ ١٠٧٢ ، الوسائل ٤ : ٢٩٢ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٣.

(٢) قرب الإسناد ١٩٧ ـ ٧٥٣ و ٧٥٤ ، الوسائل ٨ : ٢٥٥ أبواب قضاء الصلاة ب ١ ح ٨ و ٩.

(٣) راجع ص : ٢٨٨.

(٤) راجع ص ٢٩٠.

(٥) قال الشهيد في الذكرى : ١٣٤ : ولم يصرّح في النهاية والخلاف ببطلان الحاضرة لو أوقعها لا مع الضيق ، وكذلك المفيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد ، نعم صرّح به المرتضى وابن البرّاج وأبو الصلاح والشيخ في المبسوط وابن إدريس.

٢٩٨

عليه وقت الفريضة أنه عليه صلاة الحاضرة ، فلا تتم منه صلاة الفائتة.

هذا كلّه مع أنّه معارض برواية علي بن جعفر ، وفيها : « لا صلاة في وقت صلاة » (١).

وأمّا عن الأخبار : فبأنّ غير الأربعة الأولى منها خالية عن الدالّ على الوجوب بالمرة ، بل لا يتضمن إلاّ جملا إخبارية هي عن الدلالة على الوجوب قاصرة ، بل لكلّ من الوجوب والرجحان بل مطلق الجواز محتملة.

ودعوى إفادتها الوجوب ناشئة من عدم حقّ التأمّل في المسألة ، فإنّها مستعملة في معان مجازية ، فلو سلّمت إفادتها الوجوب في هذا العصر فهي إفادة حادثة ، والأصل في كلّ حادث التأخر.

مضافا إلى ما في موثقة البصري من عدم دلالتها ـ مع الإغماض عن جميع ما ذكر ـ إلاّ على وجوب تقديم الفائتة الواحدة ، فإنّ قوله : « أتمّها بركعة ثمَّ صلّى المغرب » يدلّ على أنّ الفائتة صلاة واحدة ، فكيف يستدل بها للقول بالترتّب المطلق؟!.

ومنه يظهر قدح آخر في صحيحتي صفوان والحلبي ورواية قرب الإسناد. مع ما في صحيحة الحلبي أيضا من خروجها عن المتنازع فيه البتة ، لعدم الخلاف في وجوب تقديم الظهر على العصر ، فإنّه من باب ترتّب الحواضر.

ومنه يظهر قدح آخر في رواية أبي بصير ، لأنّه أيضا من ذلك الباب.

ولا يتوهّم إطلاق قوله : « وكذلك الصلوات ».

إذ مقتضى تشبيهها بما تقدّم عليه أنّ المشتركين في الوقت إذا نسي أوّلهما تقدّم على اللاحقة ، فيكون اللام في « الصلوات » للعهد بقرينة التشبيه. ولا أقلّ عن تساوي الاحتمالين المسقط للاستدلال.

ولو أبيت إلاّ عن الإطلاق فيكون شاملا للنوافل المنسية أيضا ، ولا شكّ في عدم وجوب تقديمها بل عدم رجحانه ، فيعارض التخصيص مع التجوّز بإرادة‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٢٠ ـ ٩٩٦ ، الوسائل ٣ : ١٢٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣١ ح ٣.

٢٩٩

الندب أو الإباحة ، والحقّ عدم أولوية أحدهما عن الآخر ، سيّما عن تجوّز استعمال الدالّ على الوجوب ـ لو كان ـ في الاستحباب الذي هو في الشيوع بمكان يتوقف في تقديم الوجوب عليه فيما هو حقيقة في الوجوب.

ومن ذلك يظهر قدح آخر في رواية معمر ، فإنّ الصلاة فيها أيضا مطلقة ، مضافا إلى مخالفتها لما عليه الفتوى من عدم إعادة الصلاة خارج الوقت مع تبيّن الخطأ في القبلة.

ومن ذلك ظهر عدم دلالة غير الأربعة الاولى.

والأخيرتان منها أيضا مقدوحتان بما مرّ من إطلاق الصلاة فيهما الشاملة للنافلة والفريضة ، الغير الواجب تقديم الاولى قطعا ، الموجب لتعارض التخصيص والتجوّز.

فلم يبق إلاّ الأوليين.

والأخيرة منهما أيضا مختصّة بالفائتة الواحدة ، فالاستدلال بها على الإطلاق غلط. مضافا إلى أنّ في دلالة قوله « على أثرها » على التعجيل والتقديم على المغرب نظرا.

مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك أيضا فلا شكّ أنّها مختصة بالفائتة المقضية في يومها ، التي أفتى الفاضل باختصاص التقديم بها ، فكيف يستدلّ بها على الإطلاق؟!.

ومن ذلك يظهر قدح آخر في كثير مما مرّ ، بل في الصحيحة الأولى أيضا إن كان المراد بيوم الفائتة ما يشمل الليلة أيضا أو احتمل ذلك حتى يوجب الوهن للإجماع المركّب.

مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك غايته تكون هناك صحيحة واحدة دالّة معارضة مع أخبار كثيرة ، فكيف تقدم عليها؟!.

مع أنّه لو سلّمت دلالة الجميع فتحصل المقابلة بين الفريقين من الأخبار ، ومن البديهيات أن تجويز الترك قرينة واضحة على عدم إرادة الحقيقة من الأمر ، ويجب صرفه عن الحقيقة.

٣٠٠