مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

المقصد الرابع

في سائر ما يتعلق بالصلاة من أحكام القضاء ،

والجماعة ، والسفر‌

وفيه ثلاثة أبواب‌ :

٢٦١
٢٦٢

الباب الأول

في القضاء‌

وهو إمّا يكون قضاء للقاضي نفسه أو لغيره ، فهاهنا فصلان‌ :

٢٦٣
٢٦٤

الفصل الأول

فيما يقضي كلّ أحد عن نفسه

والكلام فيه إمّا فيما يجب قضاؤه أو في أحكام ما يجب قضاؤه ، فهاهنا بحثان :

البحث الأول

فيما يجب قضاؤه ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى :

من ترك الصلاة من المكلّفين‌ المسلمين مستحلا تركها أو مستخفا بها ، خرج عن الإسلام وكفر ، وجرت عليه أحكام الارتداد ، بلا خلاف يوجد ، وفي المنتهى وغيره : الإجماع عليه (١) ، لإنكاره ما علم ثبوته من الدين ضرورة ، ولصحيحة ابن سنان : « من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال أخرجه من الإسلام » (٢).

وأمّا كون ترك الصلاة كبيرة فتدل عليه الأخبار ، منها رواية عبيد : عن الكبائر ، فقال : « هنّ في كتاب علي عليه‌السلام سبع : الكفر بالله « إلى أن قال : قلت : فما عددت ترك الصلاة في الكبائر! فقال : « أيّ شي‌ء أوّل ما قلت لك؟

قال : قلت : الكفر ، قال : « فإنّ تارك الصلاة كافر » (٣).

ولرواية مسعدة وفيها بعد السؤال عن وجه تسمية تارك الصلاة كافرا قال : « وتارك الصلاة لا يتركها إلاّ استخفافا بها ـ إلى أن قال ـ : وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر » (٤).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٢٤ ، وانظر : التذكرة ١ : ٨٦ ، والذكرى : ١٣١ ، والتحرير ١ : ٥١.

(٢) الكافي ٢ : ٢٨٥ ـ ٢٣ ، الوسائل ١ : ٣٣ أبواب مقدمة العبادات ب ٢ ح ١٠.

(٣) الكافي ٢ : ٢٧٨ ـ ٨ ، الوسائل ١٥ : ٣٢١ أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب ٤٦ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٣٢ ـ ٦١٦ ، الوسائل ٤ : ٤١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١١ ح ٢.

٢٦٥

والمروي في ثواب الأعمال ومحاسن البرقي : « ما بين المسلم وبين أن يكفر إلاّ أن يترك الصلاة الفريضة متعمدا أو يتهاون بها ولا يصليها » (١).

ولا يتوهّم تعارض مفهومي الصحيحة ورواية مسعدة في المستحلّ والمستخفّ بالعموم من وجه فلا يثبت الحكم في مادة التعارض ، لأنّ كلّ مستحلّ مستخفّ ، فالتعارض بالعموم المطلق فلا يضرّ.

وبمفهوم الصحيحة ورواية مسعدة يقيّد إطلاق كفر تارك الصلاة في كثير من الروايات بالمستحل والمستخفّ ، أو تحمل الإطلاقات على المبالغة ، أو على ضرب من الكفر غير ما يوجب الارتداد ، أو على ترتّب بعض أحكام الكفر عليه من وجوب القتل بعد تكرره ، كما هو ظاهر أكثر تلك الروايات من اعتبار التكرر.

ثمَّ مقتضى الإطلاقات الارتداد بتركها مستحلا أو مستخفّا وإن احتملت الشبهة في حقه ، إلاّ أنّ الأصحاب قيّدوه بعدم احتمالها كما هو مقتضى الدليل الأول ، وهو الموافق للاحتياط في الدماء.

قيل : وفي حكم ترك الصلاة ترك جزء أو شرط معلوم ثبوته من الدين ضرورة ، كالركوع والطهارة ، دون ما ليس كذلك.

وهو كذلك إذا لم تحتمل الشبهة في حقّه ودلّ على إنكاره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولو تركها لا عن استحلال أو استخفاف عزّر ، فإن عاد يعاد إلى التعزير ، فإن عاد ثالثة يقتل على قول ، وقيل : يقتل في الرابعة (٢).

والخلاف هنا مبني على الخلاف في أصحاب الكبائر هل يقتلون في الثالثة أو الرابعة ، ولتحقيق المسألة محلّ آخر يأتي إن شاء الله.

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٢٧٤ ـ ١ ، المحاسن ١ : ٨٠ ـ ٨ ، الوسائل ٤ : ٤٢ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١١ ح ٦.

(٢) كما في المبسوط ١ : ١٢٩ ، والذكرى : ١٣١ ، وروض الجنان : ٣٥٥.

٢٦٦

المسألة الثانية :

الأصل في كلّ من أخلّ بالصلاة الواجبة‌ الموقّتة عمدا كان الإخلال بها أو سهوا أو جهلا أو لعذر أو ضرورة ، وبالجملة بأيّ نحو كان ، أنّه يجب عليه القضاء.

لصحيحة زرارة والفضيل : « ومتى ما استيقنت أو شككت في وقتها أنك لم تصلّها ، أو في وقت فوتها أنك لم تصلها ، صليتها ، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل ، فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن ، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أي حال كنت » (١).

وروايته : « إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى ، فإن كنت تعلم أنك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك ، فإنّ الله تعالى يقول : أقم الصلاة لذكري ، وإن كنت تعلم أنك إذا صلّيت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها فصلّها ، ثمَّ أقم الأخرى » (٢).

والنبوي المشهور : « من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها » (٣).

وغير ذلك من الأخبار المتواترة الواردة في خصوص النائم والناسي والساهي والمغمى عليه والمصلّي بغير طهور.

وتوهّم عدم شمول ما تضمّن لنحو قوله « فاتته » لمن لم يكلّف بالأداء ـ كما هو مذكور في عبارات كثير من العلماء كالمنتهى وروض الجنان والذكرى (٤) ، وغيرها ـ لأنّ موضعها من صدق عليه الفوت ، وليس إلاّ من طولب بالأداء ، وإلاّ لم يصدق الفوت ، كما لا يصدق على الصغير والمجنون ونحوهما ، غير صحيح.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٤ الصلاة ب ١٢ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٢٧٦ ـ ١٠٩٨ ، الوسائل ٤ : ٢٨٣ أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٣ الصلاة ب ١٢ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٦٨ ـ ١٠٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ـ ١٠٥١ ، الوسائل ٤ : ٢٨٧ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٢.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٤٧١ ـ ٣٠٩.

(٤) المنتهى ١ : ٤٢٠ ، روض الجنان : ٣٥٥ ، الذكرى : ١٣٤.

٢٦٧

لا لما قيل من عدم صحة السلب ، فلا يقال للنائم الفائت عنه صلواته : ما فاتته الصلاة (١) ، لجواز استناد ذلك إلى اشتراط قابليّة المحلّ في صدق الفوت وعدمه ، ولذا لا يقال للصغير : فاتته الصلاة ولا ما فاتته.

بل لمنع توقف صدق الفوت على وجوب الأداء ، كيف؟! وقد استعمل في الإغماء المستوعب والنسيان والنوم إلى خارج الوقت بحيث لا يحصى كثرة في الأخبار ، والأصل في الاستعمال الحقيقة ، إذ لا يعلم له معنى سواه غير شامل لذلك ، بل مقتضى المعنى اللغوي أيضا شموله له.

نعم ، يشترط في صدقه أن يكون الموضع من كان من شأنه الطلب منه الأداء ولو فعله كان مأمورا به صحيحا ، ولذا لا يستعمل ذلك في الصغير والمجنون ونحوهما.

مع أنّه لو سلّم ذلك فلا ينحصر دليل ذلك بما تضمن لفظ الفوت ، بل فيها ما يشمل الكل قطعا كصحيحة زرارة والفضيل.

هذا فيما إذا ترك أصل الصلاة أو عمدتها التي يصدق معه ترك الصلاة عرفا.

وأما وجوب القضاء بمجرد الإخلال بجزء أو شرط واجب فقد ثبت بالموارد الجزئية الآمرة بالقضاء ، أو الإعادة المستلزمة لوجوب القضاء إن ترك الإعادة الواجبة بتلك الأخبار ، هذا.

ثمَّ إنّ ما ذكرناه هو الأصل ، وقد خرج منه موارد إجماعا ، ووقع الخلاف في بعض موارد أخر.

منها : ما فات عن الحائض والنفساء حالتي الحيض والنفاس ، فلا يجب قضاؤها إجماعا ، كما مرّ في بحث الطهارة.

ومنها : ما فات لفقد الطهور ، فقد وقع الخلاف فيه ، وقد مرّ تحقيقه في بحث التيمم.

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٢٥.

٢٦٨

ومنها : ما فات عن الكافر الأصلي ، وغير البالغ ، والمجنون المطبق ، أو الدوري المستوعب للوقت ، فلا يجب عليهم قضاؤه ، بالإجماع المحقق والمحكي مستفيضا (١).

وهو الدليل عليه ، دون الأصل كما قيل (٢) ، لما عرفت ، ولا حديثي جبّ الإسلام ورفع القلم ، لإجمال الأول ، واستلزام الثاني رفع القلم حال الصغر والجنون دون ما بعدهما ، نعم كان يصحّ ذلك لو كنّا نقول بترتب القضاء على الأداء ، وليس كذلك ، بل هو بأمر جديد شامل لهما بعد رفع الحجر ، وعلى هذا فلا يسقط عنه قضاء ما فات بجنون مسبّب من فعله ، لعدم الإجماع فيه.

ومنها : ما فات عن غير المؤمن من فرق المسلمين باعتبار الإخلال بشرط واجب عندنا إذا كان صحيحا عنده ، وأما إذا لم يكن صحيحا عنده أو فات من أصله فيجب قضاؤه بعد الاستبصار.

أما الثاني فلعموم الأدلة الدالة على وجوب قضاء الفوائت.

وأما الأول فللمستفيضة من الصحاح وغيرها المصرّحة به ، كصحيحة الفضلاء (٣) ، وصحيحة ابن أذينة (٤) ، وصحيحة العجلي (٥) ، وغيرها ، بل ورد في رواية عمّار المروية في كتاب الكشي ، وفي الذكرى عن كتاب الرحمة : سقوط قضاء ما فات عنهم حال الضلالة أيضا (٦) ، إلاّ أنها لضعفها غير صالحة لتخصيص العمومات.

__________________

(١) كما في التذكرة ١ : ٨١ ، وروض الجنان : ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ، والمدارك ٤ : ٢٨٩ ، والحدائق ١١ : ٢ ، والرياض ١ : ٢٢٤.

(٢) استدلّ به لسقوط القضاء عن المجنون في كشف اللثام ١ : ١٧٠.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٥ الزكاة ب ٢٨ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٣ ، العلل : ٣٧٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢١٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤٦ الزكاة ب ٢٨ ح ٥ ، الوسائل ٩ : ٢١٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٩ ـ ٢٣ ، الوسائل ٩ : ٢١٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ١.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٦٥٢ ـ ٦٦٧ ، الذكرى : ١٣٦ ، الوسائل ١ : ١٢٧ أبواب مقدمة العبادات ب ٣١ ح ٤.

٢٦٩

ومنها : المغمى عليه ، فإنّه يقضي ما فاته حال الإغماء أن أفيق في وقته بقدر الطهارة وركعة من الصلاة ، إجماعا ، ولا يقضي ما استوعب الإغماء وقته ، على الأظهر الأشهر بين من تقدّم وتأخّر ، بل ـ كما قيل (١) ـ بلا خلاف فيه إلاّ عن نادر ، بل بالإجماع كما عن الغنية (٢) ، وعن المنتهى والدروس الإشعار بدعوى الإجماع أيضا (٣).

أما الأول فللأصل المتقدم ، وخصوص المستفيضة ، كصحيحة أبي بصير : عن المريض يغمى عليه ثمَّ يفيق ، كيف يقضي صلاته؟ قال : « يقضي الصلاة التي أدرك وقتها » (٤).

والأخرى : عن المريض يغمى عليه نهارا ثمَّ يفيق قبل غروب الشمس ، قال : « يصلي الظهر والعصر ، ومن الليل إذا أفاق قبل الصبح يقضي صلاة الليل » (٥).

والحلبي : عن المريض هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال : « لا ، إلاّ الصلاة التي أفاق فيها » (٦).

والرضوي : « ليس على المريض أن يقضي الصلاة إذا أغمي عليه إلاّ الصلاة التي أفيق في وقتها » (٧). وغير ذلك.

وأما الثاني فقيل : للأصل ، وعدم دليل على وجوب القضاء هنا ، إذ ليس‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٢٤.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢.

(٣) المنتهى ١ : ٤٢٠ ، الدروس ١ : ١٤٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٢ الصلاة ب ٧٠ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٠٤ ـ ٩٣٢ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ ـ ١٧٧٩ ، الوسائل ٨ : ٢٦٢ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ١٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٠٥ ـ ٩٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤٦٠ ـ ١٧٨٧ ، الوسائل ٨ : ٢٦٣ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ٢١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٤٠ ، التهذيب ٣ : ٣٠٤ ـ ٩٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ ـ ١٧٨٠ ، الوسائل ٨ : ٢٥٨ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ١.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٢٥ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٣٣ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ١.

٢٧٠

إلاّ عمومات قضاء الفائتة المتضمنة لقوله « من فاتته » وهي غير معلومة الشمول لمفروض المسألة كما مرّ (١).

وفيهما نظر ظهر وجهه.

بل للمستفيضة من الأخبار كصحيحة الحلبي المتقدمة ، والخزاز : عن رجل أغمي عليه أياما لم يصلّ ، ثمَّ أفاق أيصلّي ما فاته؟ قال : « لا شي‌ء عليه » (٢).

وحفص : في المغمى عليه قال : « ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر » (٣).

ومحمّد : في الرجل يغمى عليه الأيام ، قال : « لا يعيد شيئا من صلاته » (٤).

ورواية معمر : عن المريض يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ فقال : « لا » (٥).

وابن سنان : « كلّ ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شي‌ء » (٦).

وصحيحة ابن مهزيار : عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب : « لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة » (٧).

والمروي في الخصال : الرجل يغمى عليه اليوم واليومين والأربعة وأكثر من ذلك كم يقضى من صلاته؟ فقال : « ألا أخبرك بما يجمع كلّ هذا وأشباهه؟ كلّ ما غلب الله عز وجل عليه من أمر فالله أعذر لعبده » (٨). إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن المقنع ، فيقضي كلّ ما فاته (٩) ، للعمومات وخصوص‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٢٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٢ الصلاة ب ٧٠ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٣٠٢ ـ ٩٢٤ ، الاستبصار ١ : ٤٥٧ ـ ١٧٧١ ، الوسائل ٨ : ٢٦١ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ١٤.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٣ الصلاة ب ٧٠ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٣٠٢ ـ ٩٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢٦١ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ١٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٣ ـ ٧١٣ ، الوسائل ٨ : ٢٦٣ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ٢٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤١٢ الصلاة ب ٧٠ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٣ ـ ٩٢٦ ، الاستبصار ١ : ٤٥٧ ـ ١٧٧٣ ، الوسائل ٨ : ٢٦١ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ١٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٤٥ ـ ٧٢٦ ، الوسائل ٨ : ٢٦٣ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ٢٤.

(٧) التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٥ ، الوسائل ٨ : ٢٦٢ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ١٨.

(٨) الخصال : ٦٤٤ ـ ٢٤ ، الوسائل ٨ : ٢٦٠ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ٨.

(٩) المقنع : ٣٧.

٢٧١

الروايات كصحيحة ابن سنان : « كلّ شي‌ء تركته من صلاتك لمرض أغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت » (١).

ومحمد : عن الرجل يغمى عليه ثمَّ يفيق ، قال : « يقضي ما فاته » (٢).

وابن حازم : في المغمى عليه قال : « يقضي كلّ ما فاته » (٣).

ورفاعة : عن المغمى عليه شهرا ما يقضيه من الصلاة؟ قال : « يقضيها كلّها ، إنّ أمر الصلاة شديد » (٤).

وحفص : « يقضي المغمى عليه ما فاته » (٥).

والجواب عنها :

أولا : بتضعيف دلالة غير الاولى على الوجوب ، والاولى وإن دلّت عليه إلاّ أنها تشمل ما أدرك وقتها أيضا ، فهي أعمّ مطلقا من بعض ما مرّ فيجب تخصيصها به.

وثانيا : بأنّه على فرض دلالتها ومساواتها محمولة على الاستحباب بقرينة الأخبار السابقة ، وتشعر به رواية أبي كهمس : عن المغمى عليه أيقضي ما ترك من الصلاة؟ فقال : « أمّا أنا وولدي وأهلي فنفعل ذلك » (٦).

وقريبة منها رواية ابن حازم (٧).

وثالثا : بأنّها على فرض كونها للوجوب لا تصلح لمعارضة ما مرّ ، لشذوذها ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٤٤ ـ ٧٢١ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ ـ ١٧٨٢ ، الوسائل ٨ : ٢٦٤ أبواب قضاء الصلاة ب ٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٤ ـ ٩٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ ـ ١٧٨٣ ، الوسائل ٨ : ٢٦٥ أبواب قضاء الصلاة ب ٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠٥ ـ ٩٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ ـ ١٧٨٤ ، الوسائل ٨ : ٢٦٥ أبواب قضاء الصلاة ب ٤ ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٤ ـ ٧١٩ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ ـ ١٧٨٥ ، الوسائل ٨ : ٢٦٥ أبواب قضاء الصلاة ب ٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٤٣ ـ ٧١٦ ، الوسائل ٨ : ٢٦٦ أبواب قضاء الصلاة ب ٤ ح ٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٤٥ ـ ٧٢٤ ، الوسائل ٨ : ٢٦٦ أبواب قضاء الصلاة ب ٤ ح ١٢.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٤٥ ـ ٧٢٥ ، الوسائل ٨ : ٢٦٦ أبواب قضاء الصلاة ب ٤ ح ١٣.

٢٧٢

ومخالفتها الشهرة القديمة المخرجة لها عن الحجية.

ورابعا : بأنّ مع المعارضة يرجّح ما مرّ بأحدثيّة بعضها ، وأبعديّتها عن فتاوى العامة ، وأشهريّتها ، وأصرحيّتها.

وللمحكي عن بعض آخر من أصحابنا ، فيقضي آخر أيام إفاقته إن أفاق نهارا وآخر ليلة إن أفاق ليلا (١) ، لمرسلة المقنع : ( وروي أنّه « ليس على المغمى عليه أن يقضي إلاّ صلاة اليوم الذي أفاق فيه والليلة التي أفاق فيها » (٢).

ورواية العلاء وفيها : « إن أفاق قبل غروب الشمس فعليه قضاء يومه هذا ، فإن أغمي عليه أياما ذوات عدد فليس عليه أن يقضي إلاّ آخر أيامه إن أفاق قبل غروب الشمس ، وإلاّ فليس عليه قضاء » (٣).

وصحيحة الحجّال وفيها : « يقضي صلاة اليوم الذي يفيق فيه » (٤).

والجواب عنها ـ مع ندرتها ، وشذوذها ، وضعف الاولى ، وقصور البواقي عن إفادة الوجوب ، وعدم ظهور حكم الليلة من غير الأولى الضعيفة ، بل دلالة الثانية على عدم القضاء مطلقا إن أفاق بعد الغروب ـ : أنّ الظاهر منها إرادة الصلاة التي أدرك وقتها.

ومما ذكر يظهر الجواب عن بعض أخبار أخر منافية على الظاهر للمختار من قضاء ثلاثة أيام أو يوم مطلقا (٥) ، إذ لا قائل بشي‌ء منها ، ولا صراحة على الوجوب‌

__________________

(١) في الذكرى : ١٣٥ : قال ابن الجنيد : والمغمى عليه أيّاما من علّة سماويّة غير مدخل على نفسه ما لم يبح عليه إدخاله عليها ، إذا أفاق في آخر نهاره إفاقة يستطيع معها الصلاة قضى صلاته ذلك اليوم ، وكذلك إن أفاق في آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة ، إلى آخره.

(٢) المقنع : ٣٧ ، الوسائل ٨ : ٢٦٠ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠٣ ـ ٩٣١ ، الاستبصار ١ : ٤٥٨ ـ ١٧٧٨ ، الوسائل ٨ : ٢٦٢ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ١٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠٥ ـ ٩٣٩ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ ـ ١٧٧٦ ، الوسائل ٨ : ٢٦٣ أبواب قضاء الصلاة ب ٣ ح ٢٢.

(٥) انظر : الوسائل ٨ : ٢٦٤ أبواب قضاء الصلاة ب ٤.

٢٧٣

فيها ، فيحمل على الاستحباب وتحمل الاختلافات على تفاوت مراتب الفضيلة ، فأعلاها الجميع ، ثمَّ الشهر خاصة كما حكاه في السرائر رواية (١) ، ثمَّ ثلاثة أيام ، ثمَّ يوم.

وهل سقوط القضاء في هذه الصورة يعمّ ما إذا كان المكلّف نفسه سبب الإغماء أيضا ، أم يختص بما إذا لم يكن السبب فعله؟.

ظاهر النافع والبيان والدروس والذخيرة ، بل ـ كما قيل ـ الصدوق في الفقيه : الأول (٢) ، لإطلاق الأدلة.

وعن السيّد والإسكافي والحلّي والديلمي : الثاني (٣) ، وصرّح به في الذكرى ، وأسنده إلى فتوى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع (٤) ، لعمومات قضاء الفوائت ، الخالية حينئذ عن مكاوحة تخصيص مسقطات القضاء عن المغمى عليه ، لانصرافها إلى الأفراد الشائعة وهي غير المورد ، بل يدلّ التعليل في جملة من الأخبار بأنّ « ما غلب الله أولى بالعذر » عليه أيضا ، فتخصّص به العمومات ، بل المتبادر من الأخبار من لفظ « أغمي عليه » أو « المغمى عليه » ما لا يكون بفعل نفسه.

ولا يخفى أنّ الشيوع المدّعى بحيث يوجب الانصراف غير معلوم ، واختصاص العلة فيما تضمّن التعليل بما إذا كان الإغماء عن فعله سبحانه يوجب اختصاص اقتضائها به ، لا نفي الاقتضاء عن غيرها إذا كان مندرجا تحت العمومات ، وكون المتبادر منه كون إغمائه عن غيره لا عن نفسه غير مسلّم ، بل يشمل الجميع ، ولا أقل من احتمال الجميع ، فتكون العمومات مخصوصة‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٧٦.

(٢) النافع : ٤٦ ، البيان : ٢٥٦ ، الدروس ١ : ١٤٥ ، الذخيرة : ٣٨٣ ، الفقيه ١ : ٢٣٧ ـ ١٠٤٢ ذ. ح.

(٣) السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٣٨ ، الذكرى : ١٣٥ حكاه عن الإسكافي الحلي في السرائر ١ : ٢٧٦ ، الديلمي في المراسم : ٩١ و ٩٢.

(٤) الذكرى : ١٣٥.

٢٧٤

بالمجمل ، فلا تكون حجة في موضع الإجمال ( فالقول بالسقوط فيما كان بفعله أيضا أقوى ) (١).

وعلى هذا فيسقط في جميع أفراد المغمى عليه ، ولا حاجة إلى التطويل بذكر بعض الفروع التي تختلف أحكامها بواسطة التفصيل بين ما إذا كان الإغماء لا بعمله أو بعمله ، كما إذا لم يعلم أداء عمله إلى الإغماء ، أو علمه ، أو أكره عليه ونحو ذلك.

وظاهر بعضهم أنّ السكران من المغمى عليه (٢) ، وفي صدقه على جميع أفراده نظر ، فكلّ ما يعلم صدقه عليه يحكم في حقه بالسقوط مع استيعاب الوقت ، وما لم يعلم ـ كالذي يدرك الخوف والألم والجوع والعطش ـ فيبقى تحت عمومات وجوب القضاء.

بل تظهر من بعضهم مغايرته له مطلقا حيث صرّح بعدم نصّ في السكران ، وأنّ دليل سقوط القضاء عنه التعليل الوارد بعدم القضاء مع الإغماء (٣).

والظاهر أنّه كذلك ، وعلى هذا فيجب الاقتصار في السقوط في حقّه على مورد التعليل.

لو قيل : يتعارض عمومه مع عمومات القضاء.

قلنا : فيرجع إلى أصالة عدم وجوب القضاء ، فيجب القضاء على من كان سكره بفعله ولو أغمي عليه واستوعب.

المسألة الثالثة :

النائم عن صلاة يقضيها وجوبا‌ ، ولو استوعب النوم الوقت أو كان على‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ق ».

(٢) كما في الذكرى : ١٣٥ ، وروض الجنان : ٣٥٥.

(٣) الرياض ١ : ٢٢٤.

٢٧٥

خلاف العادة ، لعمومات قضاء الفوائت ، ومرسلتي ابني مغيرة ومسكان :

الأولى : في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلاّ بعد انتصاف الليل ، قال : « يصلّيها ويصبح صائما » (١).

والثانية : « من نام قبل أن يصلّي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل ، فليقض صلاته وليستغفر الله » (٢).

وصحيحة زرارة : عن رجل صلى بغير طهور ، أو نسي صلوات لم يصلّها ، أو نام عنها ، فقال : « يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها » إلى أن قال : « إذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى » (٣).

وموثقة البصري : « إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين تذكّرها » (٤).

وصحيحة ابن سنان : « إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما » إلى أن قال : « وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس » (٥).

خلافا للذكرى ، فألحق النوم على غير العادة بالإغماء في عدم وجوب القضاء ، قال : وقد نبّه عليه في المبسوط (٦) ، للأصل ، وعدم دليل على وجوب القضاء هنا ، لاختصاص النصوص الواردة به في النوم العادي منه ، لأنه المتبادر منه إلى الذهن عند الإطلاق.

وفيه : أنه لو سلّم التبادر المذكور وعدم دلالة نصوص النوم ، فلا شكّ في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٥ الصلاة ب ١٢ ح ١١ ، الوسائل ٤ : ٢١٦ أبواب المواقيت ب ٢٩ ح ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٦ ـ ١٠٩٧ ، الوسائل ٤ : ٢١٥ أبواب المواقيت ب ٢٩ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٢ الصلاة ب ١٢ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ١٥٩ ـ ٣٤١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٦ ، الوسائل ٨ : ٢٥٦ أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٣ الصلاة ب ١٢ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ ـ ١٠٧١ ، الوسائل ٤ : ٢٩١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ـ ١٠٧٦ ، الوسائل ٤ : ٢٨٨ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٤.

(٦) الذكرى : ١٣٥ ، وهو في المبسوط ١ : ١٢٦.

٢٧٦

اندراجه تحت عمومات الفوائت ، سيّما صحيحة زرارة والفضيل المتقدمة (١) ، فبها يخرج عن الأصل.

نعم تعارض العمومات بعموم التعليل الوارد في أخبار الإغماء ، ومقتضاه الرجوع إلى أصالة عدم الوجوب ، إلاّ أنّ في التبادر المذكور نظرا ، وأخبار القضاء بالنوم أخصّ مطلقا من عموم التعليل ، فيخصّص بها.

__________________

(١) في ص : ٢٦٧.

٢٧٧

البحث الثاني

في بيان أحكام القضاء ، وفيه مسائل‌

المسألة الأولى :

هل يجب قضاء الفائتة من الفرائض فورا أو يجوز التأخير؟.

المحكي عن السيّد والحلّي والحلبي : الفورية (١) ، حتى حكي عنهم المنع عن الأكل والشرب والنوم إلاّ ما لا بدّ منه والتكسب ، وهو ظاهر المفيد والديلمي أيضا (٢).

ويظهر من طائفة من المتأخّرين أنّه مذهب كلّ من يقول بوجوب تقديم القضاء على الفريضة الحاضرة ، ولذا لم يذكروا إلاّ مسألة واحدة واستدلّوا بما يدلّ على كلّ منهما للآخر ، وأنكره بعض مشايخنا المحققين وجعلهما مسألتين ، وقال : من حكم بوجوب تقديم الفائتة فإنّما هو من حيث هو هو مع قطع النظر عن الفورية ، ثمَّ قال : سلّمنا عدم ظهور الاتحاد (٣) ولكن ظهور كون وجوب تقديم الفائتة من جهة خصوص الضيق من أين؟ وكذا لو ادّعي الإجماع المركب بأنّ كلّ من قال بالوجوب قال بالفور البتة ، بحيث يكشف عن قول المعصوم؟.

ونعم ما قال.

ويشعر به كلام الفاضل في التذكرة حيث قال : إنّ أكثر علمائنا على وجوب‌

__________________

(١) السيد في حمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٣٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٧٢ ـ ٢٧٤ ، الحلبي في الكافي : ١٤٩.

(٢) انظر : نهاية الإحكام : ١٢٥ ، تحرير الأحكام ١ : ٥٠ ، إرشاد الأذهان ١ : ٢٧١ ، قواعد الأحكام ١ : ٤٤ ، المختصر النافع : ٤٦ ، المقتصر : ٨٩.

(٣) شرح المفاتيح للبهبهاني ( مخطوط ) ، قال فيه ـ بعد أن ادّعى ظهور جملة من كلمات الأصحاب في عدم اتحاد المسألتين ـ : سلّمنا عدم الظهور لكن ظهور كون وجوب .. ، فلعلّ الصحيح في المتن : سلّمنا عدم ظهور عدم الاتحاد.

٢٧٨

الترتيب ، ثمَّ قال : وجماعة من علمائنا ضيّقوا الأمر في ذلك وشدّدوا على المكلف غاية التشديد (١).

فإنّ نسبة الترتيب إلى الأكثر والتضييق إلى جماعة مشعرة باختلاف المسألتين.

وكيف يعلم اتحاد المسألتين وكون القول بالترتيب مترتبا على القول بالفورية والتضيق مع أنّ كثيرا من علمائنا عنونوا المسألة بوجوب تقديم الفائتة وعدمه ، ولم يتعرّضوا للفورية وما يترتب عليها ، كما في نهاية الشيخ والتحرير والإرشاد والقواعد والنافع وغيرها (٢)؟!.

بل يشعر التفصيل بين الفائتة الواحدة والمتعددة وفائتة اليوم وغيرها أنّ الكلام في مسألة الترتيب غير الكلام في التضيق والفورية.

نعم لما كانت طائفة من القائلين بالترتيب كانوا يقولون بالفور أيضا ، بل كان الترتيب عندهم لأجل الفورية واستدلّوا بكون الأمر للفور ، فلأجله توهّم بعضهم اتحاد المسألتين.

وبالجملة الظاهر ـ كما قلنا ـ اختلاف المسألتين ، وعلى هذا فلا يمكن دعوى الشهرة على الفورية أيضا ، بل الظاهر أنّها على المواسعة ، إذ لم يتعرض لفورية القضاء إلاّ من ذكر ، أو مع نادر غيرهم ، وظاهر بعض القدماء كون المواسعة إجماعية (٣) ، ونسبها في الذخيرة ظاهرا إلى شهرة القدماء (٤) ، كما يأتي في المسألة السابعة.

وكيف كان ، فالحقّ عدم الفورية وجواز التأخير ، للأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة رأسا ، ولزوم العسر والحرج المنفيين ، بل التكليف بما لا يطاق عادة في بعض الأحيان لولاه ، وعمل المسلمين من السلف والخلف ، إذ قلّ من لم تتعلق ذمته بفائتة ولو لإخلال شرط أو ترك تقليد سيّما في أوائل بلوغه ، ومع ذلك ينامون‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٨٢.

(٢) انظر : ص : ٢٧٨ ، هامش رقم : ٢.

(٣) انظر : ص ٢٨٨.

(٤) الذخيرة : ٢١٠.

٢٧٩

ويجلسون ويكتسبون ويصلّون في أوائل الأوقات ، مع أنّ المشهور عندهم أنّ الأمر بالشي‌ء نهي عن ضده ، وما يأتي من المستفيضة المجوّزة لتأخير الفائتة عن الحاضرة ، مع أنّ كل من يقول بجواز تأخيرها عنها يقول بعدم الفورية.

وصحيحة ابن سنان : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقد فغلبته عيناه ولم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس ، ثمَّ استيقظ فعاد ناديه ساعة وركع ركعتين ثمَّ صلّى الصبح » (١).

قوله « فعاد ناديه ساعة » أي : عاد إلى مكانه الذي فيه أصحابه فمكث ساعة ، ولو كان فوريا لما أخّر ذلك القدر ، وكذا لم يحوّل من مكانه قبل القضاء ، مع أنّ في مضمرة سماعة تنحيّه عنه قبله (٢) ، وفي صحيحة زرارة مع ذلك مخاطبته لبلال واستماع جوابه وأمر الأصحاب بالتنحّي عن مكان الغفلة (٣).

والقدح في هذه الأخبار ، بإيجابها القدح في النبي باعتبار رقوده عن فرض ، سيّما مع أنّه لا ينام قلبه ، وسيّما مع تضمّن بعضها لقوله عليه‌السلام : « إنّما نمتم بوادي الشيطان » الدالّ على أنّ منشأ نومهم تسلّط الشيطان مع أنّ سلطانه على الّذين يتولونه لا على المؤمنين الذين معه.

مخدوش جدّا ، لمنع كون رقوده قدحا فيه بل رحمة للأمة كما ورد في بعض هذه الأخبار (٤). وإنامته سبحانه له لمصلحة لا توجب قدحا فيه أصلا ، ولا ينافي تيقظ قلبه. وكونه وادي الشيطان لا يدلّ على تسلّطه على الجميع ، غايته إنامته لبعض منهم ، وهذا ليس بمنفي ، إذ لم يكن الجميع من أهل العصمة بل لعلّ أهل النفاق كانوا فيهم أيضا.

وتدلّ على المطلوب أيضا صحيحة زرارة الطويلة ، وفي آخرها : « أيّهما ـ أيّ : أيّ العشاءين ـ ذكرت فلا تصلّيهما إلاّ بعد شعاع الشمس » قال ، قلت : لم‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ـ ١٠٥٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٩ ، الوسائل ٤ : ٢٨٣ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٤ الصلاة ب ١٢ ح ٨ ، الوسائل ٨ : ٢٦٧ أبواب قضاء الصلوات ب ٥ ح ١.

(٣) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٥ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

(٤) انظر : الكافي ٣ : ٢٩٤ الصلاة ب ١٢ ح ٩.

٢٨٠