مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

ومحمّد : عن رجل يلتفت في الصلاة؟ قال : « لا » (١).

وحسنة الحلبي : « إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا » (٢).

والمروي في الخصال : « الالتفات الفاحش يقطع الصلاة » (٣).

ومرسلة الفقيه : « ولا تلتفت عن يمينك ولا عن يسارك ، فإن التفتّ حتى ترى من خلفك وجب عليك إعادة الصلاة » (٤).

والمستفيضة الآتية المصرّحة بالبطلان بتقلّب الوجه وصرفه وتحويله ، اللازمة للالتفات بالجميع.

وأمّا رواية عبد الحميد : عن الالتفات ، أيقطع الصلاة؟ قال : « لا ، وما أحبّ أن يفعل » (٥).

فهي عامّة مطلقة بالنسبة إلى ما مرّ من جهة الالتفات والصلاة حيث تشمل النافلة أيضا ، فتخصّص بما مرّ ، سيّما مع أنّ الأخبار المبطلة معاضدة بأشهريّتها رواية ، وبالموافقة لقوله سبحانه ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٦).

وأمّا مفهوم خبري قرب الإسناد والمستطرفات ، وصحيحة علي الآتية (٧) فلا يفيد الجواز في غير الخلف ، لأنّ مفهومها ما ذكر فيها بقوله : « وإن كانت نافلة » وبقوله : « إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه » ومثل ذلك لا يعتبر فيه مفهوم آخر ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٦ الصلاة ب ٥٠ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ١٩٩ ـ ٧٨١ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ ـ ١٥٤٤ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٥ الصلاة ب ٥٠ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ ـ ١٥٤٧ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٢.

(٣) الخصال ٢ : ٦٢٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٧.

(٤) الفقيه ١ : ١٩٧ ـ ٩١٧ ، الوسائل ٥ : ٥٠٩ أبواب القيام ب ١٥ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٠ ـ ٧٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ ـ ١٥٤٦ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٥.

(٦) البقرة : ١٤٤.

(٧) في ص : ٢٣.

٢١

لانتفاء التبادر المثبت للمفهوم ، مع أنّ الصحيحة مختصّة بالالتفات بالوجه كما يأتي.

وأمّا مفهوم الحسنة والمرسلة ، فلا ينافي ما مرّ ، لأنّ الالتفات إلى أحد الجانبين فاحش جدا وموجب لرؤية الخلف قطعا.

وإن لم يبلغ حدّ أحد الجانبين (١) فمع الاشتغال بشي‌ء من أجزاء الصلاة قطع صلاته إجماعا ، له ، ولأدلّة اشتراط الاستقبال في أجزائها.

بل لولاه للغى شرط الاستقبال في الصلاة ، إذ لا فرق في الأجزاء بين قليلها وكثيرها إجماعا.

وإن لم يشتغل به فالظاهر عدم البطلان ، لتعارض مفهوم المرسلة مع بعض المبطلات بالخصوص المطلق ، فيخصّصه ، ومع بعض آخر بالعموم من وجه ، وحيث لا مرجّح يرجع إلى الأصل وهو مع الصحّة.

نعم لو التفت إلى قريب من أحد جانبيه بحيث يعدّ فاحشا عرفا ، ويكون موجبا لرؤية الخلف ـ حيث إنّ الخلف لا يختصّ بنقطة مقابل القبلة ويمكن رؤية الخلف قبل البلوغ حدّ أحد الجانبين أيضا ـ يمكن القول أيضا بكونه مبطلا.

ولا يلزم منه الإبطال في غير هذه الصورة بالإجماع المركّب ، لأنّه غير ثابت.

نعم لو ثبت لكان مفيدا. ولا يعارضه حينئذ ضمّ الإجماع المركّب مع ما دون ذلك والحكم بالصحّة ، لأنّ هذا الحكم يكون حينئذ بالأصل ، فلا يعارض ما ثبت من جهة الدليل.

وعلى الثاني (٢) ، فإن كان إلى الخلف ـ وهو أمر جائز على ما ذكرنا من تعميم الخلف ، سيّما مع أنّ الالتفات بالوجه إلى خصوص شي‌ء يحصل بميله إليه وإن لم ينقلب كلّه إليه ـ فيبطل أيضا ، وفاقا لظاهر النهاية والجمل والخلاف والسرائر‌

__________________

(١) أي : إذا كان الالتفات بجميع البدن ولم يبلغ أحد الجانبين.

(٢) وهو : إذا كان الالتفات بالوجه خاصّة.

٢٢

والوسيلة والغنية والشرائع والنافع والتذكرة والمنتهى والتحرير والإرشاد ونهاية الإحكام والقواعد والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني (١) ، وغير ذلك ، بل هو مذهب الأكثر حيث ذكروا البطلان بالالتفات إلى ما وراءه ، وهو يصدق على الالتفات بالوجه وإن لم يكن صريحا ، ولذا قال المحقق الثاني : لا تصريح للأصحاب فيه (٢).

لخصوص صحيحة علي : عن الرجل يكون في صلاته فيظنّ أنّ ثوبه قد انخرق أو أصابه شي‌ء ، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يفتّشه؟ قال : « إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبه فلا بأس ، وإن كان في مؤخّره فلا يلتفت ، فإنه لا يصلح » (٣).

ولغير الصحيحة الثانية من الأخبار المتقدّمة.

وصحيحة زرارة : « ثمَّ استقبل القبلة بوجهك ، ولا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك » (٤).

وقريبة منها حسنته (٥) ، ومرسلة الفقيه (٦).

وحسنة الحلبي : « وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته » (٧).

__________________

(١) النهاية : ٩٤ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٤ ، الخلاف : لم نجد فيه مبحث الالتفات ، السرائر ١ : ٢٤٣ ، الوسيلة : ٩٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، الشرائع ١ : ٩١ ، النافع : ٣٤ ، التذكرة ١ : ١٣٢ ، المنتهى ١ : ٣٠٧ ، التحرير ١ : ٤٣ ، الإرشاد ١ : ٢٦٨ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٢٢ ، القواعد ١ : ٣٦ ، الذكرى : ٢١٧ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٤٧.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٣٤٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٣ ـ ١٣٧٤ ، قرب الإسناد ١٩١ ـ ٧١٦ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٠ الصلاة ب ١٦ ح ٦ ، الفقيه ١ : ١٨٠ ـ ٨٥٦ ، التهذيب ٢ : ٢٨٦ ـ ١١٤٦ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة ب ٩ ح ٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٠ ـ ٨٥٥ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة ب ٩ ح ٢.

(٦) الفقيه ١ : ١٩٧ ـ ٩١٧ ، الوسائل ٥ : ٥٠٩ أبواب القيام ب ١٥ ح ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣٦٥ الصلاة ب ٥٠ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣٢٢ ، الاستبصار ١ :

٢٣

ورواية أبي بصير : « إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد » (١).

ومحمّد ، وفيها : « فإذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا » (٢).

والمرويّات في قرب الإسناد ، والمسائل ، والمستطرفات : « إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته ، فيعيد ما صلّى ولا يعتدّ به ، وإن كانت نافلة فلم يقطع ذلك صلاته » (٣). وغير ذلك.

خلافا لثاني الشهيدين في شرح الألفيّة ناسبا له إلى ظاهر الأصحاب ، وللمحكي عن ظاهر المعتبر (٤) ، فلا يبطل ، لصحيحة الفضيل ، ورواية القماط ، المتقدّمتين في النقض بالحدث (٥) ، ومفهوم صحيحة زرارة الاولى (٦) ، ورواية عبد الحميد (٧).

ويجاب عن جميع ذلك : بعدم حجيّة الأوّلتين ، لورودهما في حقّ المحدث ، وصلاته باطلة كما مرّ.

وتعارض باقييها مع كثير ممّا ذكر وإن كان بالعموم من وجه ، إلاّ أنّ صحيحة عليّ أخصّ مطلقا منهما ، إذ المراد بالالتفات فيها الالتفات بالوجه قطعا ـ إذ لو كان بكلّ البدن لما أمكن التفتيش ، لانتقال الثوب بانتقاله أيضا ـ فهو المراد قطعا بل خاصّة ، فيخصّصان بها.

__________________

٤٠٥ ـ ١٥٤٧ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٢.

(١) الفقيه ١ : ٢٣٩ ـ ١٠٥٧ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٨٤ ـ ٧٣٢ ، الاستبصار ١ : ٣٦٨ ـ ١٤٠١ ، الوسائل ٨ : ٢٠٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٢.

(٣) قرب الإسناد : ٢١٠ ـ ٨٢٠ ، مستطرفات السرائر : ٥٣ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٨.

(٤) المعتبر ٢ : ١٦٠.

(٥) راجع ص : ١٢.

(٦) المتقدمة في ص : ٢٠.

(٧) المتقدمة في ص : ٢١.

٢٤

وإن كان إلى غيره (١) لا يبطل مطلقا ، سواء بلغ أحد الجانبين أو لا ، وفاقا لصريح أكثر من ذكر ، بل ظاهر الجميع ، لصحيحة عليّ ، ومفهومي الحسنة وصحيحة زرارة (١).

خلافا للمحكي عن فخر المحقّقين ، فقال بالبطلان بالالتفات بالوجه مطلقا (٢) ، وقوّاه الأردبيلي في شرح الإرشاد (٣) ، ومال إليه في المدارك (٤) ، واستجوده في الحدائق (٥) ، وحكي عن جمع آخر من المتأخّرين أيضا (٦) ، للعمومات المتقدّمة.

ويردّ : بوجوب تخصيصها بما ذكر ، لكون الأكثر أخصّ مطلقا منها حيث إنّ غير الفاحش يختصّ بهذه الصورة على الظاهر ، والصحيحة أيضا مخصوصة بالالتفات بالوجه خاصّة ، كما مرّ.

هذا كلّه في العمد.

وأمّا السهو فهو أيضا كالعمد على الأقوى في جميع الصور ، إلاّ إذا لم يبلغ الالتفات بالبدن كلّه إلى أحد الجانبين ، فلا يبطل حينئذ وإن اشتغل بالصلاة حين الالتفات ، والتفت بالوجه إلى الخلف (٧).

أمّا الأوّل فلإطلاق أكثر الأدلّة المذكورة بالنسبة إلى العمد والسهو ، فيتّحد مقتضاها في الحالين.

وليس دليل آخر مخالف في الحكم يختصّ بصورة السهو سوى ما قد يتوهّم‌

__________________

(١) أي : إذا كان الالتفات بالوجه ، وكان إلى غير الخلف.

(٢) قال في الذكرى : ٢١٧ : كان بعض مشايخنا المعاصرين يرى أنّ الالتفات بالوجه يقطع الصلاة.

وقال في الحدائق ٩ : ٣٤ : والظاهر أنّه فخر المحققين ابن العلامة كما نقله غير واحد من الأصحاب.

(١) المتقدمتين في ص : ٢٠ و ٢١.

(٢) مجمع الفائدة ٣ : ٦٢.

(٣) المدارك ٣ : ٤٦١.

(٤) الحدائق ٩ : ٣٥.

(٦) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٢١٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٤١.

(٧) أي : .. وإلاّ إذا التفت بالوجه إلى الخلف ، فلا يبطل إذا كان سهوا.

٢٥

من بعض الأخبار الواردة في الصلاة على غير القبلة ، الفارقة بين الوقت وخارجه في الإعادة (١) ، المتقدمة في بحث القبلة.

وهو خطأ ، لأنّها إمّا صريحة في خطإ القبلة أو ظاهرة فيه ، ولا دخل لها بالسهو.

مع أنّها أيضا لا تنافي شيئا ممّا ذكر ، لأنّ موردها الانحراف بكلّ البدن ، لأنّه معنى الصلاة على غير القبلة ، وقد حكم فيها بالإعادة. وأمّا نفي القضاء في بعضها فلا يضرّ ، لأنّه بأمر جديد.

وأمّا رواية ابن الوليد : عن رجل تبيّن له وهو في الصلاة أنّه على غير القبلة ، قال : « يستقبلها إذا أثبت ذلك » (٢) فلإجمالها ـ حيث يحتمل إرجاع الضمير في « يستقبلها » إلى كلّ من الصلاة والقبلة ـ لا يصلح منشأ لحكم.

وأمّا الثاني فلموثقة الساباطي : في رجل صلّى على غير القبلة ، فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته ، قال : « إن كان متوجّها فيما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم ، وإن كان متوجّها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ، ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة ، ثمَّ يفتتح الصلاة » (٣).

فإنّها مختصّة بالساهي والخاطئ بقرينة قوله : « فيعلم .. » وهي إمّا أخصّ مطلقا من عمومات القطع بالالتفات إن قلنا بشمولها أيضا للخاطئ كما تشمل الساهي والعامد ، فتخصّص بها ، أو من وجه ، فيرجع إلى أصل الصحّة.

وأمّا الثالث فلأنّك قد عرفت أنّ الإبطال فيه مستند إلى صحيحة عليّ ، وهي مخصوصة بالعمد.

وأمّا إن كان مكرها ، فإن كان بالاختيار ـ كأن يأمره قاهر بالالتفات ـ فهو‌

__________________

(١) انظر : الوسائل ٤ : ٣١٥ أبواب القبلة ب ١١.

(٢) التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ـ ١٠٩٦ ، الوسائل ٤ : ٣١٤ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٥ الصلاة ب ٨ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٩٨ ـ ١١٠٠ ، الوسائل ٤ : ٣١٥ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٤.

٢٦

كالسهو أيضا ، لاتّحاد الدليل.

وإن كان اضطرارا ـ كأن يقلّبه متغلّب عن القبلة ـ فإن كان بالوجه مطلقا ، والبدن إلى غير أحد الجانبين وما وراءه ، لم يبطل قطعا ، للأصل السالم عن المعارض ، لعدم شمول غير صحيحة زرارة : « الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه » (١) ورواية الخصال (٢) من المبطلات لهذه الصورة قطعا.

وهما وإن شملتاها إلاّ أنّهما معارضتان في غير ما كان بالكلّ ، فيرجع فيه إلى الأصل. وكذا فيما كان بالكلّ من غير تفاحش.

مع أنّ عدم الإبطال حينئذ عمدا يوجب عدمه هنا بطريق أولى.

وإن كان بالكلّ إلى أحد الجانبين أو ما وراءه فمقتضى إطلاق الصحيحة والرواية الإبطال ، وبهما تخصّص رواية عبد الحميد (٣).

إلاّ أنّ هذا إذا لم نقل بظهور لفظ الالتفات فيما كان بعمل الملتفت واختياره ، وإلاّ فلا تبطل بالالتفات الاضطراري من حيث هو مطلقا ، إلاّ أن يترتّب عليه أمر آخر من فعل كثير ، أو خروج عن صورة الصلاة ، أو نحوهما.

ثمَّ إنّ كثيرا من الأخبار المتقدّمة وإن كان اختصّ بواسطة التقييد أو الأمر بالإعادة بالفرائض ، إلاّ أنّ بعضها يشمل النوافل أيضا.

ولكن ورد في جملة من النصوص الفرق بينهما بتخصيص الحكم بالأولى ، كما في المرويّات في قرب الإسناد والمسائل والمستطرفات (٤). وفيما خصّ البطلان بالمكتوبة أيضا إيماء إليه.

فالقول بعدم البطلان فيها ما لم يمح صورة الصلاة ولم يشتغل حين الالتفات بالكلّ بأجزاء الصلاة أجود.

__________________

(١) تقدمت في ص : ٢٠.

(٢) المتقدمة في ص : ٢١.

(٣) المتقدمة في ص : ٢١.

(٤) المتقدمة في ص : ٢٤.

٢٧

الرابع :

التكلّم عمدا‌ بغير أجزاء الصلاة الواجبة أو المستحبّة إلاّ ما يجي‌ء استثناؤه ، إجماعا محقّقا ، ومحكيّا في كلام جماعة ، منهم : الخلاف والتذكرة والمنتهى والذكرى وغيرها (١) ، له ، وللنصوص المتقدّم بعضها.

ومنها : صحيحة محمّد وفيها : « فإن تكلّم فليعد الصلاة » (٢).

ومرسلة الفقيه : « من تكلّم في صلاته ناسيا كبّر تكبيرات ، ومن تكلّم في صلاته متعمّدا فعليه إعادة الصلاة ، ومن أنّ في صلاته فقد تكلّم » (٣).

ومقتضى إطلاقها بطلان الصلاة بما يصدق عليه التكلّم مطلقا ، ومنه ما تركّب من حرفين فتبطل به أيضا ، كما صرّح به في الخلاف والسرائر والشرائع والنافع والقواعد والمنتهى والتذكرة وشرح القواعد والذكرى (٤) ، وغيرها ، بل في الثلاثة الأخيرة الإجماع عليه.

وهل يشترط التركّب منهما ، فلو نطق بحرفين من غير تركيب كأن يقول : ب ت لم يبطل ، أو لا يشترط؟.

الظاهر الأوّل سيّما مع قليل فصل ، لعدم ثبوت الصدق ولا الإجماع.

والظاهر عدم اشتراط الإفهام والوضع للمعنى فيهما ، فلو تكلّم بالمهمل بطلت ، كما صرّح به في نهاية الإحكام (٥) ، لصدق التكلّم عرفا.

ولا تبطل بالحرف الواحد الغير الموضوع ، على ما قطع به الأصحاب كما في‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٠٣ ، التذكرة ١ : ١٢٩ ، المنتهى ١ : ٣٠٨ ، الذكرى : ٢١٦ ، وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٥ الصلاة ب ٥٠ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣٢٣ ، الوسائل ٧ : ٢٨٢ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٧.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٢ ـ ١٠٢٩ ، الوسائل ٧ : ٢٨١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٢.

(٤) الخلاف ١ : ٤٠٧ ، السرائر ١ : ٢٢٥ ، الشرائع ١ : ٩١ ، النافع : ٣٤ ، القواعد ١ : ٣٥ ، المنتهى ١ : ٣٠٨ ، التذكرة ١ : ١٢٩ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٤١ ، الذكرى : ٢١٦.

(٥) نهاية الاحكام ١ : ٥١٥.

٢٨

المدارك (١) ، بل بلا خلاف كما في التذكرة (٢) ، بل إجماعا كما في المنتهى والذكرى (٣) ، للأصل ، وعدم صدق التكلّم ، ولا أقلّ من الشك فيه.

وأمّا الموضوع منه فيبطل ، وفاقا لصريح جماعة ، منهم : المنتهى والمدارك والذكرى وشرح القواعد (٤) ، لصدق التكلّم عرفا ، كما صرّح به نجم الأئمّة (٥) ، وحكي عن شمس العلوم (٦) ، ونسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب (٧). فإنّه لو قال أحد : ق ، بعد سؤال غيره عنه : هل أقيه أم لا؟ يقال : تكلّم.

واستشكل فيه في نهاية الأحكام والتذكرة (٨) ، وتردّد في القواعد (٩).

وهو للشك في الصدق.

ومفهوم قولهم : النطق بحرفين فصاعدا.

ويدفع الأوّل : بما مرّ.

والثاني : بأنّه في أعم من المفهم وغيره ، مع أنّ كلامهم وارد في الغالب الشائع.

والمراد بالموضوع الموضوع لمعنى ولو كان لفظا ، فتبطل بالتكلّم بلفظة ف وب وت ونحوها ، لكونها موضوعة للباء والفاء والتاء.

ولا يشترط في الوضع كونه وضعا لغويّا أو عرفيّا عامّا ، بل يكفي الوضع مطلقا ولو عند المتكلّم وشخص آخر ، أو في لغة غير معروفة ، لصدق التكلّم في الجميع.

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤٦٣.

(٢) التذكرة ١ : ١٣٠.

(٣) المنتهى ١ : ٣٠٩ ، الذكرى : ٢١٦.

(٤) المنتهى ١ : ٣٠٩ ، المدارك ٣ : ٤٦٣ ، الذكرى : ٢١٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٤١.

(٥) شرح الكافية : ٢.

(٦) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٢٣٨.

(٧) الحدائق ٩ : ١٨.

(٨) نهاية الأحكام ١ : ٥١٥ ، التذكرة ١ : ١٣٠.

(٩) القواعد ١ : ٣٥.

٢٩

نعم يشترط قصد المتكلّم منه الحرف الموضوع ، بل معناه الموضوع له ، لعدم معلومية الصدق بدونه.

ولا تبطل بالحرف الواحد الممدود ولو بقدر خمسة أحرف ، ولا بالمشبع ما لم يحصل من الإشباع حرف آخر ظاهر ، للشك في الصدق.

وتبطل بحرف بعده حرف مدّ ، لصدق الحرفين.

فروع :

أ : يستثنى من الكلام المبطل كلّ ما كان ذكر الله سبحانه أو دعاء وطلبا منه ، للمستفيضة من النصوص ، منها مرسلة حمّاد : « كلّ ما كلّمت الله به في صلاة الفريضة فلا بأس وليس بكلام » (١).

ومرسلة الفقيه : « كلّ ما ناجيت به ربّك في الصلاة فليس بكلام » (٢).

وصحيحة ابن مهزيار : عن الرجل ، يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شي‌ء يناجي ربّه؟ قال : « نعم » (٣).

ورواية عبد الله بن هلال ، وفيها : فأدعو في الفريضة وأسمّي حاجتي؟

فقال : « نعم قد فعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وفعله عليّ عليه‌السلام بعده » (٤).

وصحيحة الحلبي : « كلّ ما ذكرت الله والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو من الصلاة » (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٢ الصلاة ب ١٧ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٢٥ ـ ١٣٣٠ ، الوسائل ٧ : ٢٦٤ أبواب قواطع الصلاة ب ١٣ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٨ ـ ٩٣٩ ، الوسائل ٦ : ٢٨٩ أبواب القنوت ب ١٩ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٢٦ ـ ١٣٣٧ ، الوسائل ٧ : ٢٦٣ أبواب قواطع الصلاة ب ١٣ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٤ الصلاة ب ٢٥ ح ١١ ، مستطرفات السرائر : ٩٨ ـ ٢٠ ، الوسائل ٦ : ٣٧١ أبواب السجود ب ١٧ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٧ الصلاة ب ٣٠ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ـ ١٢٩٣ ، الوسائل ٧ : ٢٦٣ أبواب قواطع الصلاة ب ١٣ ح ٢.

٣٠

وصحيحة إسماعيل بن الفضل : عن القنوت وما يقال فيه ، فقال : « ما قضى الله على لسانك ، ولا أعلم فيه شيئا موقّتا » (١).

وصحيحة الحلبي (٢) ، المتقدّمة في القنوت أيضا.

والأخبار المصرّحة بجواز التسبيح لإرادة الحاجة ، كموثّقة الساباطي (٣) ، وصحيحتي عليّ (٤) والحلبي (٥) ، إلى غير ذلك.

وتؤكده عمومات الأمر بالذكر والدعاء والتمجيد في كلّ حال ، أو في السجود (٦).

ومقتضى إطلاق الجميع جواز ذلك في كلّ حال من حالات الصلاة ، سواء كان قائما أو قاعدا ، راكعا أو ساجدا ، قائما أو متشهّدا ، ما لم يخلّ بشي‌ء من الصلاة ، كالدعاء الطويل في خلال القراءة.

والظاهر ـ كما صرّح به بعضهم ـ أنّه إجماعي أيضا إذا كان ذلك بالعربيّة (٧).

ومقتضى الأصل وعموم كثير من الأخبار المذكورة جوازه بغير العربيّة أيضا ، كما حكى القول به بعض من تأخّر (٨).

بل هو مختار الشيخ في النهاية (٩) ، وإن قيّده بمن لم يحسن العربيّة ، ولكن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٠ الصلاة ب ٣١ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣١٤ ـ ١٢٨١ ، الوسائل ٦ : ٢٧٧ أبواب القنوت ب ٩ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٧ ـ ٩٣٣ ، الوسائل ٦ : ٢٧٨ أبواب القنوت ب ٩ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٢ ـ ١٠٧٧ ، الوسائل ٧ : ٢٥٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٣١ ـ ١٣٦٣ ، قرب الإسناد : ٢٠٠ ـ ٧٦٧ ، الوسائل ٧ : ٢٥٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٥ الصلاة ب ٥٠ ح ٧ ، الفقيه ١ : ٢٤٢ ـ ١٠٧٥ ، الوسائل ٧ : ٢٥٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٢.

(٦) كما في الوسائل ٦ : ٣٧٠ أبواب السجود ب ١٧.

(٧) كما في الانتصار : ٤٧.

(٨) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٣.

(٩) النهاية : ٧٤.

٣١

لعدم إيجاب العجز عن العربيّة في غير الواجبات لتجويز ما لا يجوز ، يفهم تجويزه مطلقا.

والفاضل في المنتهى والتذكرة والتحرير والقواعد والمختلف ، والتنقيح وكنز العرفان والدروس والبيان والكفاية وشرح الإرشاد للأردبيلي (١).

وهو المحكي عن الشيخ المتقدّم محمّد بن الحسن الصفّار وابن بابويه (٢) ، والمحقق (٣) ، وغيرهم.

ونسبه في شرح القواعد إلى الشهرة بين الأصحاب ، بل قال : إنّه لا يعلم قائل بالمنع سوى سعد (٤).

وكلام أكثر هؤلاء وإن كان في القنوت ، إلاّ أنّ الظاهر عدم الفرق ، بل غيره أولى منه بالجواز ، حيث إنّه أمر موقّف.

خلافا للمحكي عن سعد بن عبد الله فمنعه (٥) ، ونقله والدي ـ طاب ثراه ـ عن جماعة واختاره ، كطائفة من مشايخنا المعاصرين (٦).

للاقتصار في الكلام المنهي عنه ، على الظاهر حصول الرخصة فيه (٧).

وانصراف الأخبار المجوّزة إلى الكلام المتعارف عندهم.

وتوقيفيّة العبادة.

وقوله : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (٨).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣١٠ ، التذكرة ١ : ١٢٥ ، التحرير ١ : ٤٢ ، القواعد ١ : ٣٥ ، المختلف ١ : ٩٨ ، التنقيح ١ : ٢١٥ ، كنز العرفان ١ : ١٤٥ ، الدروس ١ : ١٧١ ، البيان : ١٨٠ ، الكفاية : ٢٠ مجمع الفائدة ٢ : ٣٠٢.

(٢) انظر : الفقيه ١ : ٢٠٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٤١.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٣٢٢.

(٥) حكاه عنه في الفقيه ١ : ٢٠٨.

(٦) كالسيد بحر العلوم في الدرة النجفية : ١٤٩ ، وصاحب الحدائق ٨ : ٣٧١.

(٧) أي : على ما هو ظاهر حصول الرخصة فيه ، وهي العربية.

(٨) سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ ـ ٢ ، عوالي اللئالي ١ : ١٩٧ ـ ٨.

٣٢

والكلّ ضعيف جدّا :

أمّا الأوّل ، فلحصول الرخصة بما مرّ. ولو شكّ فيه من جهة انصراف المرخّصات إلى الكلام المتداول عندهم ـ مع كونه ممنوعا غايته سيّما مع شيوع سائر اللغات بين أهل الإسلام في زمن الصادقين ومن بعدهما ـ لجرى مثله في الناهيات أيضا ، فيبقى غير العربي تحت أصل الجواز.

ثمَّ منه يظهر ضعف الثاني أيضا. مع أنّ الانصراف إلى الشائع إنّما هو في المطلقات ، وأكثر ما ذكر عمومات ، وإرجاع عمومها إلى المعاني دون الألفاظ ـ كما قيل ـ تخصيص بلا دليل.

وأمّا الثالث ، فلتحقق التوقيف بما مرّ. مع أنّ المحتاج إلى التوقيف من العبادات هو أجزاؤها وشرائطها ، وهي معلومة في الصلاة ، لا ما يخرج منها.

ومنه يظهر ضعف الرابع أيضا ، فإنّ مورد النزاع ليس من الصلاة.

هذا كلّه إنّما هو في غير الأذكار الواجبة.

وأمّا الواجبة منها فلا تجوز بغير العربية ، وإن قلنا بكفاية مطلق الذكر في الركوع والسجود ، بالإجماع بل الضرورة الدينيّة.

وهل يشترط في جواز الأذكار ونحوها قصد القربة بها ، وقصد كونها ذكر الله سبحانه ، أم لا؟.

الظاهر الثاني ، لعدم توقّف صدق الذكر عليه ، وللتصريح به في صحيحة علي : عن الرجل يكون في صلاته ، وإلى جنبه رجل راقد ، فيريد أن يوقظه ، فيسبّح ويرفع صوته ، لا يريد إلاّ أن يستيقظ الرجل ، أيقطع ذلك صلاته؟ وما عليه؟ قال : « لا يقطع ذلك صلاته ، ولا شي‌ء عليه » (١).

ب : ذكر جماعة من الأصحاب اشتراط جواز الدعاء بعدم كونه سؤال شي‌ء محرّم ، فلو طلب محرّما بطلت صلاته (٢). قيل : بلا خلاف أجده (٣) ، وعن‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٠٠ ـ ٧٦٦ ، الوسائل ٧ : ٢٥٧ أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٩.

(٢) كما في جامع المقاصد ٢ : ٣٢٢ ، والمدارك ٣ : ٤٧٦ ، وكشف اللثام ١ : ٢٣٩.

(٣) الرياض ١ : ١٨٢.

٣٣

التذكرة : الإجماع عليه (١).

واستدل له بعموم النهي عن التكلّم (٢) ، فيقتصر في التعدي عنه على المتيقّن ، وهو ما جاز طلبه ، لاختصاص أكثر مجوّزات الدعاء به ، باعتبار تجويز تكلّمه ، أو الأمر به ، أو نفي البأس عنه ، وشي‌ء منها لا يتحقّق في المحرّم.

أقول : إن ثبت الإجماع فهو. وإلاّ فإن ثبت حرمة طلب المحرّم من الله سبحانه فكذلك أيضا ، لما ذكر. وإلاّ ـ كما هو الظاهر ، إذ لا دليل أجده يوجب حرمة سؤال المحرّم من الله سبحانه ـ فللنظر فيه مجال ، لصدق التكلّم مع الله ، أو المناجاة معه ، إلاّ أن يدّعى تبادر غير سؤال المحرّم منه ، ولكنّه للمنع قابل ، وأمر الاحتياط واضح.

نعم لو كان نفس السؤال محرّما فلا شكّ في الإبطال به ، لما ذكر.

ثمَّ إنّه هل يتقيّد الحكم بالبطلان فيما يبطل بصورة العلم بحرمة المدعوّ به أو الدعاء ، أم لا؟.

الظاهر التفصيل بالتقصير وعدمه ، فإن كان مقصّرا في تحصيل العلم تبطل ، وإلاّ فلا.

ج : لو قرأ دعاء غلطا فلو أخرجه عن كونه دعاء بطلت الصلاة ، بأن يغيّر المعنى إلى ما لا معنى له ، أو له معنى غير الدعاء ، سواء كان الغلط في الكلمة ، أو الحرف ، أو الإعراب. وإلاّ فلا تبطل. وكذا الكلام في الغلط في الأذكار المستحبّة في الصلاة.

د : الظاهر الإجماع على استثناء القرآن أيضا ، فتجوز قراءته في جميع حالات الصلاة ما لم يتحقّق بها القرآن بين السورتين.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٣١.

(٢) كما في كشف اللثام ١ : ٢٣٩.

٣٤

وتدلّ عليه أيضا عمومات الأمر بقراءة القرآن فيها (١) ، تعارض ما نهى عن التكلّم ، ويرجع في موضع التعارض إلى الأصل.

ويدلّ على جواز ما كان منه ذكر الله أو دعاء ما مرّ من الأخبار ، وحيث كان الدليل في غير ما كان كذلك الإجماع والعمومات ، فيقتصر فيه على ما يدلاّن عليه. فلو قرأ آية لمحض الإفهام ، كما إذا قال مستفهما ما بيد شخص اسمه موسى : ( وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى ) لم يجز ، لعدم الإجماع ، ولا قصد التقرّب حتى يشمله الأمر.

وبما ذكر يظهر اشتراط كون القراءة ممّا لم يمنع منه الشرع ، كآية السجدة في الفريضة ، أو القران بين السورتين فيها.

هـ : لا فرق في الكلام بين ما كان لمصلحة الصلاة وبين غيره ، بالإجماع ، كما عن الخلاف والمنتهى والتذكرة (٢) ، لإطلاق الأدلّة.

و : في حكم العمد الجهل بالإبطال ، أو بكون هذا الكلام مبطلا ، لعموم الأدلّة ، وظاهر المنتهى الإجماع عليه ، حيث نسب الخلاف إلى الشافعي (٣).

وكذا الإكراه على الأقوى ، وفاقا لنهاية الاحكام والتذكرة والتحرير (٤) ، والجعفريّة ، لعموم النصوص والفتاوى.

وخلافا للقواعد ، وظاهر الذكرى والمدارك وشرح الجعفريّة ، فتردّدوا (٥).

للأصل.

وحصر وجوب الإعادة في الخمسة.

__________________

(١) كما في الوسائل ٦ : ١٨٦ أبواب قراءة القران ب ١١.

(٢) الخلاف ١ : ٤٠٢ ، المنتهى ١ : ٣٠٨ ، التذكرة ١ : ١٢٩.

(٣) المنتهى ١ : ٣٠٨.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٥١٦ ، التذكرة ١ : ١٣٠ ، التحرير ١ : ٤٣.

(٥) القواعد ١ : ٣٥ ، الذكرى : ٢١٦ ، المدارك ٣ : ٤٦٤.

٣٥

ورفع ما استكرهوا عليه.

وتبادر الاختيار من الإطلاق.

ويردّ الأوّل : بالإطلاقات.

والثاني : بأعميّة ما عدا موضع الحصر عن التكلّم مطلقا ، فيخصّ بأدلّة إبطاله.

والثالث : بعدم الدلالة ، إذ غاية ما يسلّم رفع المؤاخذة.

والرابع : بالمنع.

والفرق بين ضيق الوقت واتساعه ، والبطلان في الثاني ، لما مرّ ، والصحة في الأوّل ، لأنّه مع الضيق مضطرّ إلى فعله مؤدّ لما عليه.

مردود : بأنّه مع السعة أيضا كذلك ، ولا دليل على أنّ الضيق شرط في الاضطرار ، ولا على إعادة المضطر إذا بقي الوقت.

ز : وإن كان التكلّم سهوا عن كونه في الصلاة ، أو غفلة بأن يسبق على لسانه من غير قصد ، أو ظنّا لخروجه عنها ، لم تبطل الصلاة ، إجماعا في الأوّلين ، وعلى الأصحّ الأشهر في الثالث.

وفي الناصريّات والتذكرة والمنتهى وغيرها : الإجماع على الأوّل (١).

فهو الحجّة فيه ، مضافا إلى النصوص المستفيضة كصحيحة الفضيل ، ومرسلة الفقيه المتقدّمتين (٢).

وصحيحة البجلي : عن الرجل يتكلّم ناسيا في الصلاة ، يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « يتمّ صلاته ، ثمَّ يسجد سجدتين » (٣) الحديث.

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٩ ، التذكرة ١ : ١٣٠ ، المنتهى ١ : ٣٠٩ ، وانظر : الذكرى : ٢١٦.

(٢) في ص : ١٢ و ٢٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٦ الصلاة ب ٤٢ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ ـ ١٤٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٤ ح ١.

٣٦

وزرارة : في الرجل يسهو في الركعتين ، ويتكلّم ، قال : « يتمّ ما بقي من صلاته تكلّم أو لم يتكلّم ، ولا شي‌ء عليه » (١).

وبما ذكر يقيّد إطلاق بعض الأخبار إن شمل الساهي أيضا (٢).

ومنه تظهر الحجّة في الثاني ، لصدق السهو. مضافا إلى ظهور رواية عقبة : في رجل دعاه رجل وهو يصلّي ، فسها ، فأجابه لحاجته ، قال : « يمضي على صلاته ، ويكبّر تكبيرا كثيرا » (٣) فيه بخصوصه.

وأمّا حجّة الثالث : فصحيحة محمّد : في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة ، فسلّم ، وهو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة ، وتكلّم ، ثمَّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين ، فقال : « يتمّ ما بقي من صلاته ، ولا شي‌ء عليه » (٤).

والمستفيضة الواردة في سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإتمامه مع تكلّمه ، واستفهامه عن ذي الشمالين أو غيره ، كصحيحة الأعرج (٥) ، وموثّقة سماعة (٦) ، وغيرهما.

خلافا للمحكي عن الشيخ في بعض أقواله (٧) ، وعن الحلبي (٨) ، وبعض‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ ـ ١٤٣٤ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٥.

(٢) انظر : الوسائل ٧ : ٢٨١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٥١ ـ ١٤٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ ـ ١٤٣٥ ، الوسائل ٨ : ٢٠٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٩ ـ ١٤٣٦ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٩.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٧ الصلاة ب ٤٢ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ ـ ١٤٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٦.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٥ الصلاة ب ٤٢ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٤٦ ـ ١٤٣٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦٩ ـ ١٤٠٥ ، الوسائل ٨ : ٢٠١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١١.

(٧) انظر : النهاية : ٩٠.

(٨) حكاه عنه في المختلف : ١٠١.

٣٧

آخر (١).

ولم أعثر لهم على دليل معتبر ، ولعلّه لبعض الإطلاقات (٢) ، الواجب تقييده بما مرّ لو سلّم شموله لمثله. وإن لم يشمله ـ كما قيل (٣) ـ حيث إنّ الظاهر من التكلّم عمدا في الصلاة أن يعلم أنّه فيها ، ومن ظنّ خروجه منها لم يتعمّد الكلام في الصلاة ، ارتفع الإشكال رأسا ، ولا يحتاج إلى تقييد.

ومنه يظهر أنّه لو تكلّم بعد السلام مع احتماله عدم الإتمام ، كأن يسأل عن التمام ونحوه ، لم تبطل الصلاة أيضا ، وإن لم أعثر على مصرّح بالصحّة هنا. ولكن يحتمل شمول ظنّ الإتمام في كلماتهم له أيضا ، لعدم صدق التكلم عمدا في الصلاة.

وتدلّ عليه أخبار سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صريحا. ولا يوجب اشتمالها على سهوه ضعفا ، لأنّ المسلّم امتناع سهوه لا إسهائه.

وأمّا لو تكلّم عمدا بعد العلم بعدم تمامية الصلاة فتبطل صلاته قطعا ، لصدق التعمّد بالتكلّم في الصلاة ، وكأنّه إجماعي أيضا.

وأمّا صحيحة الرازي : كنت مع أصحاب لي في سفر ، وأنا إمامهم ، وصلّيت بهم المغرب ، فسلّمت في الركعتين الأوليين ، فقال أصحابي : إنّما صلّيت بنا ركعتين ، فكلّمتهم ، وكلّموني ، فقالوا : أمّا نحن فنعيد ، فقلت : لكنّي لا أعيد وأتمّ بركعة ، فأتممت بركعة ، ثمَّ سرنا ، فأتيت أبا عبد الله عليه‌السلام فذكرت له الذي كان من أمرنا ، فقال : « أنت كنت أصوب منهم فعلا » (٤).

ـ حيث صوّب عليه‌السلام فعله ، مع قوله : لكنّي لا أعيد وأتمّ بركعة ـ فمحمول على قوله ذلك في نفسه لا بلسانه ، أو بفعله أي : فعلت ذلك ،

__________________

(١) كابن حمزة في الوسيلة ١٠٢.

(٢) كما في الوسائل ٧ : ٢٨٢ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٧ و ٨.

(٣) الحدائق ٩ : ٢٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠١١ ، التهذيب ٢ : ١٨١ ـ ٧٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧١ ـ ١٤١١ ، الوسائل ٨ : ١٩٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٣.

٣٨

أو على سبق اللسان من غير قصد.

وأمّا كون القوم مصيبين أيضا ـ كما يدلّ عليه التفضيل ـ فلأنّهم كلّموا بالأجنبي كما صرّح به قوله : « فقال أصحابي » فكان حكمهم الإعادة.

وأمّا أصوبيّة الرازي فلأنّه لم يتكلم وأتمّ ، وهذا أصوب ممّن تكلّم وأعاد.

فإن قلت : بناء على وجوب الإتمام ـ كما هو المذهب ـ يكون التكلّم حراما لا صوابا ، ولذا جرّد الصيغة بعضهم عن معنى الأفضليّة (١) ، ورخّص آخر في الإعادة (٢).

قلت : لعلّ تكلمهم كان جهلا من غير تقصير ، فلا يكون حراما وتجب عليهم الإعادة ، ويكون هذا حكمهم ، ولكنّ الأصوب ما فعله الرازي.

ويمكن أن يكون تصويبهم في مجرّد الإعادة بعد التكلّم يعني : أنّهم أصابوا في الإعادة لتكلّمهم ، وهو في [ الإتمام ] (٣) ولكنّه أصوب ، لأنّ ما فعل هو الواجب عليه ابتداء ، وما فعلوا وجب عليهم بفعل محرّم ، فتأمّل.

ح : لا تبطل الصلاة بالتنحنح ، والتنخّم ، والتأوّه ، والأنين ، ونفخ موضع ، بالإجماع ، له ، وللأصل والأخبار.

وأمّا ما في رواية طلحة وغيرها « من أنّ في صلاته فقد تكلّم » (٤).

فلا يدلّ على البطلان ، لعدم كونه كلاما حقيقة. ويمكن أن يكون مجازه المراد أنّ : من أنّ عرّض نفسه معرض التكلّم ، فيقرب أن يصدر منه كلام.

وهل تبطل لو خرج من أحد هذه الأمور حرفان ، أم لا؟

صرّح جماعة بالأوّل ، لصدق التكلّم (٥).

__________________

(١) انظر : الحدائق ٩ : ٢٥.

(٢) انظر : الوافي ٨ : ٩٥٩.

(٣) في النسخ : الإعادة.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٣٠ ـ ١٣٥٦ ، الوسائل ٧ : ٢٨١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٤.

(٥) انظر : التذكرة ١ : ١٣١ ، والذكرى : ٢١٦.

٣٩

وفيه نظر ، لمنع الصدق في مثل هذين الحرفين. فالحقّ عدم البطلان.

وخصّه في المعتبر بما إذا كان التأوّه من خوف الله (١).

واعترض بأنّه إن كان الجواز من حيث عدم صدق الكلام عليه فلا اختصاص له بما كان من خوفه سبحانه ، وإن كان من حيث الخوف مع صدق الكلام ، فلا دليل على التخصيص (٢).

وفيه : أنّه لصدق الكلام ، ومع الخوف يكون ممّا ناجى به ربّه فيكون مستثنى ، فتأمّل.

الخامس :

القهقهة ، وهي مبطلة للصلاة مع العمد ، إجماعا محقّقا ومحكيّا في كلام جماعة ، منهم المعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة والذكرى (٣) ، له ، وللمعتبرة من النصوص ، كصحيحة زرارة : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة » (٤).

وموثّقة سماعة : عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال : « أمّا التبسّم فلا يقطع ، وأمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة » (٥).

وبمعناها مرسلة الفقيه (٦) ، ورواية الخصال (٧).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٥٤.

(٢) انظر : الحدائق ٩ : ١٩٠.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٥٤ ، المنتهى ١ : ٣١٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٥١٩ ، التذكرة ١ : ١٣١ ، الذكرى : ٢١٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٤ الصلاة ب ٥٠ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ـ ١٣٢٤ ، الوسائل ٧ : ٢٥٠ أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٤ الصلاة ب ٥٠ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ـ ١٣٢٥ ، الوسائل ٧ : ٢٥٠ أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ح ٢.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٠ ـ ١٠٦٢ ، الوسائل ٧ : ٢٥١ أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ح ٤.

(٧) الخصال : ٦٢٩ ، الوسائل ٥ : ٤٧١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٦.

٤٠