مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

بعض الروايات.

المسألة الثانية :

في بيان كيفية سجدة السهو وأحكامها :

اعلم أولا أنّ موضع سجدتي السهو بعد التسليم ، وفاقا للمحكي عن الصدوقين والعماني والشيخين والسيد والحلبي والديلمي (١) ، بل هو المشهور ، بل عن الناصريات والخلاف والأمالي : أنّ عليه إجماعنا (٢) ، وإليه ذهب عامّة متأخري أصحابنا ، للمستفيضة من الصحاح وغيرها ، كصحاح ابن سنان (٣) ، وأبي بصير (٤) ، وابن خالد (٥) ، وابن الحجاج (٦) ، ورواية القداح (٧) ، وغير ذلك ، بضميمة عدم الفصل لبعضها.

خلافا للمحكي في المعتبر عن قوم من أصحابنا (٨) ، فموضعهما للنقيصة قبل‌

__________________

(١) الصدوق في الأمالي : ٥١٣ ، حكاه عن والد الصدوق والعماني في المختلف : ١٤٢ ، الشيخ المفيد في المقنعة : ١٤٨ ، الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٤٤٨ ، والمبسوط ١ : ١٢٥ ، والنهاية : ٩٣ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٣٧ ، والناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠١ ، الحلبي في الكافي : ١٤٨ ، الديلمي في المراسم : ٩٠.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠١ ، الخلاف ١ : ٤٤٩ ، أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٥ الصلاة ب ٤١ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٥ الصلاة ب ٤١ ح ٦ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٨ ـ ٦١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ ـ ١٣٧٤ ، الوسائل ٦ : ٤٠٢ أبواب التشهد ب ٧ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٦ الصلاة ب ٤٢ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ ـ ١٤٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ١.

(٧) الفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ٩٩٤ ، التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٣٨ ، الوسائل ٨ : ٢٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٣.

(٨) المعتبر ٢ : ٣٩٩.

٢٤١

التسليم وللزيادة بعده ، وتدلّ عليه صحيحتا الأشعري (١) ، والجمّال (٢).

وفي الشرائع عن قائل (٣) ، فقبل التسليم مطلقا ، وتدلّ عليه رواية أبي الجارود (٤).

ويجاب عنهما تارة بالشذوذ ، إذ لم ينقل الأوّل إلاّ عن الإسكافي (٥) ، مع أنه أنكره في الذكرى (٦) ، ولم ينسب الثاني إلى قائل ، بل في المدارك عدم الظفر بقائله (٧).

وثانيا بمرجوحيتهما بالنسبة إلى ما مرّ ، لموافقتهما للعامّة كما تظهر من الفقيه والتهذيبين والذكرى (٨).

نعم في المعتبر والمنتهى نسب إلى أبي حنيفة الموافقة لأصحابنا (٩) ، وبه يضعّف الجواب بموافقة العامّة ، كما يضعّف الجواب بالشذوذ بمنعه ، سيّما مع النسبة في المعتبر إلى قوم منّا.

إلاّ أنّ أكثر أخبار المشهور يدلّ على الوجوب ، ودلالة أخبار القولين الأخيرين عليه غير معلومة ، فغاية ما تدلّ عليه الجواز ، إلاّ أن تتمّم الدلالة بالإجماع المركب ، فالقول بالتفصيل غير بعيد.

ثمَّ اعلم أنّه يجب بعدهما التشهّد والتسليم ، على المشهور ، بل عن المعتبر‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٣٩ ، الوسائل ٨ : ٢٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ٩٩٥ ، الوسائل ٨ : ٢٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٦.

(٣) الشرائع ١ : ١١٩.

(٤) التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٤٠ ، الوسائل ٨ : ٢٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٥.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ١٤٢.

(٦) الذكرى : ٢٢٩.

(٧) المدارك ٤ : ٢٨٢.

(٨) الفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ٩٩٥ ، التهذيب ٢ : ١٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ ، الذكرى : ٢٢٩.

(٩) المعتبر ٢ : ٣٩٩ ، المنتهى ١ : ٤١٨.

٢٤٢

والمنتهى الإجماع عليه (١) ، للأخبار المستفيضة الواردة في الموارد الجزئية الآمرة فيهما بالتشهّد والتسليم. إلاّ أنه ليس شي‌ء منها صريحا في وجوب التشهّد ، لورودها بالجمل الخبرية الغير الصريحة في الوجوب جدا.

وأمّا صحيحة ابن أبي يعفور : « إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنّه قد تركها ـ إلى أن قال ـ : وإن كان شاكّا فليسلّم ثمَّ ليسجدها وليتشهّد تشهّدا خفيفا ولا يسمّيها نقرة » (٢).

فهي وإن تضمّنت الأمر إلاّ أنّ المراد بالتشهّد فيها السجدة ، وهي ليست بواجبة في المورد قطعا ، فلا يكون الأمر للوجوب أيضا ، وكذا ما تضمّن الأمر بالتشهّد الفائت فيها إذا نسي التشهّد ، فإنّه يمكن أن يكون وجوبه حينئذ لقضاء التشهّد.

نعم ، في صحيحة ابن سنان : « إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ سلّم بعدهما » (٣).

دلّت على وجوب التسليم وبه يثبت وجوب التشهد أيضا للإجماع المركب.

إلاّ أنّه تعارضها موثقة الساباطي : عن سجدتي السهو ، هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال : « لا ، إنّهما سجدتان فقط ، فإن كان الذي سها هو الإمام كبّر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنه قد سها ، وليس عليه أن يسبّح فيهما ، ولا فيهما تشهّد بعد السجدتين » (٤).

وهي تدلّ على عدم وجوب التشهّد الموجب لعدم وجوب السلام أيضا‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٠١ ، المنتهى ١ : ٤١٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٦ ـ ٦٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ ـ ١٣٦٦ ، الوسائل ٦ : ٣٧٠ أبواب السجود ب ١٦ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٥ الصلاة ب ٤١ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٦ ـ ٩٩٦ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ ـ ٧٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٨١ ـ ١٤٤٢ ، الوسائل ٨ : ٢٣٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ٣.

٢٤٣

بالإجماع المركّب ، فيكون قرينة على عدم كون الأمر بالسلام للوجوب أيضا.

مضافا إلى النصوص الواردة بالأمر بالسجدتين من غير إيجاب لشي‌ء بعدهما مع ورودها في مقام الحاجة ظاهرا. وغايته التعارض الموجب للرجوع إلى وجوه التراجيح ، والترجيح مع الموثّقة ، لمخالفتها لما عليه أكثر العامّة ومنهم أصحاب أبي حنيفة كما صرّح به في المنتهى (١).

مع أنّه لولاه أيضا لوجب الرجوع إلى الأصل أو التخيير النافيين للوجوب أيضا ، فهو الحق ، كما اختاره في المختلف (٢) ، وتبعه في الوافي والذخيرة (٣) ، وإليه يميل كلام المدارك (٤) ، وغيره أيضا (٥).

ويستحبان فيهما قطعا ، لما مرّ.

وكذا لا يجب فيهما تكبيرة ولا تسبيح ، وفاقا في الأوّل للأكثر ، وفي الثاني للمعتبر والنافع والمنتهى والمدارك والذخيرة (٦) ، وجمع آخر من متأخري أصحابنا (٧) ، للأصل ، والموثّقة المتقدمة ، فإنّها تصرّح بأنّهما سجدتان فقط ، وهو ظاهر في نفي الغير سيّما مع السؤال عن التكبير والتسبيح.

وبذلك يظهر دفع ما قيل في عدم دلالة الموثقة بأنّها تنفي التسبيح وهو مسلّم ، إذ ذكرهما ليس تسبيحا (٨).

وخلافا في الأول للمنقول عن المبسوط (٩) ، ولم ينقل له دليل.

وفي الثاني للأكثر ، للأخبار المتضمّنة لذكرهما ، كصحيحة الحلبي : « تقول‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤١٨.

(٢) المختلف : ١٤٣.

(٣) الوافي ٨ : ٩٩٦ ، الذخيرة : ٣٨٢.

(٤) المدارك ٤ : ٢٨٣.

(٥) كالحدائق ٩ : ٣٣٣ ، وكفاية الأحكام : ٢٧.

(٦) المعتبر ٢ : ٤٠١ ، النافع : ٤٥ ، المنتهى ١ : ٤١٨ ، المدارك ٤ : ٢٨٣ ، الذخيرة : ٣٨٢.

(٧) كابن فهد في المهذّب البارع ١ : ٤٥٠ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٦٢.

(٨) الحدائق ٩ : ٣٣٦.

(٩) المبسوط ١ : ١٢٥.

٢٤٤

في سجدتي السهو : بسم الله وبالله اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد » قال : وسمعته مرّة أخرى يقول فيهما : « بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته » (١).

والأخرى مثلها أيضا إلاّ أنّ فيها : « وصلّى الله على محمّد وآل محمّد » (٢).

وفي بعض النسخ « والسلام عليك » بزيادة الواو.

وقريبة منها في الرضوي (٣).

وتردّ بعدم دلالتها على الوجوب ، فيكون مستحبا كالتكبير أيضا ، لفتوى الجماعة الكافية في مقام الاستحباب. لا للموثقة ، لاختصاصها بالإمام وأنه للإعلام لا لخصوص السجدة.

ثمَّ الظاهر أداء المستحب من الذكر بكلّ واحد من النسخ المذكورة ، وأما القول باستحباب مطلق الذكر فيهما فلا مستند له.

وأمّا التشهد المستحب فيهما فالظاهر حصوله بمطلق الشهادتين ، لإطلاق التشهد. لا للتقييد بالخفيف في الأخبار ، لأنّه كما يمكن أن يكون المراد به مقابل التشهد الواجب في الصلاة ، يمكن أن يكون المراد مقابل التشهد الطويل المستحب فيها وإن كان الظاهر الأول.

ويضمّ الصلاة على النبي وآله معه أيضا ، للإجماع.

وأمّا التسليم فهو أيضا وإن كان مطلقا إلاّ أنّ الشائع في الأخبار عند الإطلاق إحدى الصيغتين الأخيرتين ، فالظاهر تعيّن إحداهما وعدم حصول الانصراف بالأولى كما عن الحلبي (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٦ الصلاة ب ٤٢ ح ٥ ، الوسائل ٨ : ٢٣٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٦ ـ ٩٩٧ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ ـ ٧٧٣ ، الوسائل ٨ : ٢٣٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٢٠ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤١٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٨ ح ١.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤٨.

٢٤٥

والحقّ عدم وجوب الطهارة والاستقبال فيهما أيضا ، وفاقا لبعض الأجلّة ، وظاهر التحرير والمختلف (١) ، وتردّد في القواعد فيهما (٢) ، للأصل.

وقيل بوجوبهما (٣) ، لما دلّ على وجوبهما قبل التكلّم ، ولكونهما مكمّلتان للصلاة التي يشترط الأمران فيها.

وضعفهما ظاهر.

ولا السجود على الأعضاء السبعة ، لما ذكر.

نعم ، الظاهر وجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه ، لما مرّ في سجود التلاوة.

وكذا يجب رفع الرأس عن الأول تحقيقا للتثنية.

وأمّا الطمأنينة في السجود ، أو الجلوس بينهما ، أو الطمأنينة فيه ، فلا دليل عليها ، والأصل ينفيها.

فروع :

أ : لو ترك سجدة السهو عمدا لم تبطل صلاته‌ ، ووجب الإتيان بها وإن طالت المدة ، على الحق المشهور ، لأصالة عدم اشتراط صحة الصلاة بها.

وعن الخلاف الاشتراط (٤) ، لأصل الاشتغال.

ويردّ بحصول البراءة ممّا علم الاشتغال به.

ب : هل وجوبها فوري ، أم لا؟.

صرّح بعضهم بالأول (٥) ، لدلالة الأخبار على أنّ محلّها بعد التسليم قبل‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٥٠ ، المختلف : ١٤٣.

(٢) القواعد ١ : ٤٤.

(٣) كما في نهاية الإحكام ١ : ٥٤٨ ، والألفية : ٧٢.

(٤) الخلاف ١ : ٤٦٢.

(٥) كما في الحدائق ٩ : ٣٣٩.

٢٤٦

التكلم.

وفيه : أنّه غير دالّ على الفورية.

والأصل يقتضي الثاني ، وهو الأظهر ، له ، ولموثقة عمار : عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتى يصلّي الفجر ، كيف يصنع؟ قال : « لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها » (١).

وممّا ذكر يظهر عدم وجوب كونها في الوقت أيضا.

ج : لو تعدّد الموجب للسجود فالحقّ التداخل وكفاية سجدتين للجميع‌ ، وفاقا للمبسوط (٢) ، وجمع من أفاضل متأخّري المتأخّرين (٣) ، للأصل ، وصدق الامتثال ، ولقولهم عليهم‌السلام المروي بأسانيد عديدة : « إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها حقّ واحد » (٤).

ولأصالة تداخل الأسباب كما بيّناها في موضعه.

خلافا للفاضل (٥) ، وجمع من المتأخّرين (٦) ، فقالوا بعدم التداخل مطلقا.

لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « لكلّ سهو سجدتان » (٧).

ولأصالة عدم التداخل.

ويردّ الأول : بعدم ثبوت الخبر ، بل هو عامي غير حجة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ـ ١٤٦٦ ، الوسائل ٨ : ٢٥٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

(٢) المبسوط ١ : ١٢٣.

(٣) منهم السبزواري في الذخيرة : ٣٨٢ ، والمجلسي في البحار ٨٥ : ٢٢٧ ، وصاحب الحدائق ٩ : ٣٤١.

(٤) الكافي ٣ : ٤١ الطهارة ب ٢٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٧ ـ ٢٧٩ ، الوسائل ٢ : ٢٦١ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١ ، وفي الجميع : « أجزأك عنها غسل واحد ».

(٥) في التحرير ١ : ٥٠ ، والتذكرة ١ : ١٤٢ ، ونهاية الإحكام ١ : ٥٤٩.

(٦) كالشهيد في الذكرى : ٢٢٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٩٨ ، ونسب في مفتاح الكرامة ٣ : ٣٧٦ إلى العلاّمة والموجز الحاوي وكشف الالتباس والجعفرية والعزية وإرشاد الجعفرية وشرح الألفية للكركي والجواهر.

(٧) سنن أبي داود ١ : ٢٧٢ ـ ١٠٣٨.

٢٤٧

والثاني : بالمنع.

وقد أطال بعضهم زمام الكلام في هذا المقام بذكر ما يذكر في الأصول من أدلّة أصالة عدم التداخل ، وقد ذكرناها هناك.

وللحلّي ، فقال بالتفصيل بالتداخل مع تجانس الأسباب المتعددة ، وبعدمه مع التغاير في الجنس (١) ، إذ مع التجانس كتكرار التكلم ليس إلاّ أمر واحد هو مثلا قوله : « من تكلّم ساهيا يجب عليه سجدتا السهو » فيمتثل بفعل واحد ، ومع التغاير كالتكلّم ونسيان التشهد تتعدد الأوامر ، إذ ورد لكلّ منهما أمر على حدة ، فيحتاج امتثال كلّ منهما إلى فعل آخر.

ويردّ : بمنع المقدمة الأخيرة ، لحصول امتثال الأوامر العديدة بفعل واحد أيضا.

د : ظاهر جمع من الأصحاب تحريم تخلّل منافيات الصلاة بينها وبين سجدة السهو ، وربما كان التفاتهم إلى ورود الأمر بها قبل الكلام الذي هو من المنافيات ، وتخصيصه بالذكر من حيث إنّه الغالب وقوعه بعد الفراغ ، وذكره من باب التمثيل.

وفيه : منع كون ذلك من هذا القبيل ، ومقتضى الأصل التخصيص بخصوص ما ورد ، مع أنّ الأخبار المتضمنة لكونها قبل الكلام لا صراحة لها على الوجوب أصلا.

فالحقّ عدم تحريم تخلّل الكلام الذي هو مورد الأخبار أيضا ، كما ذكره الشهيد في الألفية (٢) ، فكيف بغيره من المنافيات؟!.

المسألة الثالثة :

فيما يتعلق بصلاة الاحتياط من الأحكام ، وهي أمور :

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٥٨.

(٢) الألفية : ٧٢.

٢٤٨

منها : أنّه يجب أن تكون بعد التسليم ، بلا خلاف يوجد ، كما قيل (١) ، للأخبار المستفيضة المصرّحة ، كالموثقات الأربع المتقدمة لعمّار والبقباق (٢) ، والصحاح الخمس السابقة لمحمّد وابن أبي يعفور والحلبي والبجلي وابن أبي العلاء (٣) ، وغير ذلك ، المؤيّدة كلّها بتضمّن جملة منها أنه إن كان ما صلّى تماما كانت هذه نافلة ، ولا يستقيم ذلك إلاّ بعد انفرادها عن الفريضة ، وبما ذكر يقيّد ما تضمّن الأمر بها مطلقا.

ومنها : أنّه يجب فيها النية ، وتكبيرة الإحرام ، والتشهّد ، والتسليم ، وسائر ما يجب في الصلاة غير القيام في الجملة ، لا لما قيل من أنّه لازم انصرافها إلى النافلة المصرّح به في الروايات (٤) ، لمنع الاستلزام ، بل لظاهر الإجماع.

مضافا في النية ، إلى ما يدلّ على اعتبارها في سائر الأفعال. وفي التكبيرة بل في سائر الواجبات ، إلى مطلقات الأمر بها في مطلق الصلاة الذي هذا أيضا فرد منه ، كما يظهر من الأخبار الآمرة بها في موارد كلّ منها بخصوصه ، سيّما التكبيرة. وعدم صراحة بعضها في الوجوب غير ضائر ، للإجماع المركّب.

وفي التكبيرة ، إلى رواية الشحّام الواردة فيمن صلّى الست والخمس المتقدّمة (٥). ولا يضرّ عدم وجوب صلاة الاحتياط هنا ، لأنّ انتفاء حكم بدليل عن شي‌ء لا ينفي غيره أيضا ، مع أنّه لا قائل بالفصل ، فكلّ من يثبت التكبير يوجبه.

وفيها وفي التسليم ، إلى الروايات المصرّحة بأنّ تحريمها التكبير وتحليلها‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٢١٩.

(٢) راجع ص ١٤١ و ١٤٣.

(٣) راجع ص ١٤٢ و ١٤٣.

(٤) الرياض ١ : ٢١٩.

(٥) في ص ١٥٨.

٢٤٩

التسليم ، حيث إنّه حلّل عن الصلاة الأولى بالتسليم الذي هو محلّل بالأخبار ، فلا بدّ لهذه الصلاة من محرّم.

وفيه ، إلى صحيحة زرارة (١) ، ومرسلة ابن أبي عمير (٢).

وفيه وفي التشهّد ، إلى صحيحة محمد (٣).

وفيهما وفي السجدة ، إلى صحيحتي ابن أبي يعفور (٤) ، والحلبي (٥).

وعن الراوندي أنّه قال : من أصحابنا من قال : إنّه لو شكّ بين الاثنتين والأربع أو غيرهما من تلك الأربعة فإذا سلّم قام ليضيف ما شكّ فيه إلى ما يتحقق ، قام بلا تكبيرة الإحرام ولا تجديد نيّة ، ويكفي بذلك علمه وإرادته ، ويقول : لا تصح نيّة متردّدة بين الفريضة والنافلة على الاستئناف ، وإنّ صلاة واحدة تكفيها نيّة واحدة ، وليس في كلامهم ما يدلّ على خلافه ، وقيل : ينبغي أن يؤدّي ركعات الاحتياط قربة إلى الله ، ويكبّر ويصلّي. انتهى (٦).

وظاهر الراوندي نفسه التردد ، وهو ظاهر بعض مشايخنا الأخباريين ، بل ظاهره الميل إلى العدم ، وقال : إطلاق الأخبار في الاحتياط يعضده ، والذي وقفت عليه من عبارات جملة من المتقدمين وجلّ المتأخرين خال عن ذكر التكبير أيضا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٠ الصلاة ب ٣٨ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٢ ـ ٧٥٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٥ ـ ١٤٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢١٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٣ الصلاة ب ٤٠ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ١٨٧ ـ ٧٤٢ ، الوسائل ٨ : ٢٢٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٨٥ ـ ٧٣٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٢ ـ ١٤١٤ ، الوسائل ٨ : ٢٢١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٢ الصلاة ب ٤٠ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٣٩ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٣ الصلاة ب ٤٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٩ ـ ١٠١٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١.

(٦) حكاه في الحدائق ٩ : ٣٠٢ عن بعض متأخري أصحابنا عن القطب الراوندي في شرح النهاية الطوسية.

٢٥٠

انتهى (١).

أقول : ما ذكره البعض من كفاية العلم والإرادة فإن أراد العلم والإرادة المتحققين للصلاة الأصلية حتى يكون مراده كفاية الاستدامة الحكمية ، فقد عرفت في المباحث السالفة أنّ تحققها فرع عدم نية المنافي ، وهي هنا بالتسليم قد تحققت ، فلا يفيد العلم والإرادة السابقان. وإن أراد العلم والإرادة المتجدّدين حين صلاة الاحتياط فهو عين النية ولا يريد منها.

إلاّ أن يكون غرضه عدم الاحتياج إلى ضمّ القربة. وبطلانه ظاهر ، لأنّه إن أراد كفاية قصد القربة المتقدم فليقل به في العلم والإرادة أيضا. وإن أراد عدم الحاجة إلى قصد القربة مطلقا ففساده ظاهر.

وليست النّية المتجدّدة متردّدة بين الفرض والنافلة ، بل ينوي الفريضة البتة ، نعم ورد في الأخبار أنّ مع تمامية الصلاة يحسب تلك نافلة ، لا أنّ المصلي ينويها.

وليست هذه الصلاة مع الأصل صلاة واحدة ، لتخلّل التسليم بينهما.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا من اعتضاد إطلاق الأخبار لذلك وكذا خلوّ أكثر العبارات ففيه : أنّ ذلك موكول إلى الظهور ، فإنّ الأمر بالصلاة يكفي عن الأمر بجميع ذلك ، لظهور جزئيتها لها ، ولذا لم يتعرّض في أوامر الصلوات الكثيرة الواجبة أو المستحبة لشي‌ء منها.

ومنها : أنّه تجب فيها قراءة الفاتحة ، على الأظهر الأشهر ، كما صرّح به جماعة من المتأخرين (٢) ، لأنّها صلاة منفردة ، كما يظهر من الأخبار ، ولا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب. وانصراف الأخبار إلى الأفراد الشائعة إنّما هو في الإطلاق دون العمومات ، مع أنّ صلاة الاحتياط ليست بأندر من كثير مما يستدلّون بذلك فيه.

ولأصالة الاشتغال ، فإنّ وجوب أحد الأمرين من الفاتحة والتسبيح ثابت‌

__________________

(١) الحدائق ٩ : ٣٠٢.

(٢) انظر : كفاية الأحكام : ٢٦ ، والبحار ٨٥ : ٢١١ ، والحدائق ٩ : ٣٠٧ ، والرياض ١ : ٢١٩.

٢٥١

قطعا ، فلا تحصل البراءة اليقينية إلاّ بالإتيان بما يوجب البراءة يقينا وهو الفاتحة.

ويؤيّده تضمّن المستفيضة الواردة في المسألة للفاتحة أو أمّ القرآن أو أمّ الكتاب وإن كان بالجملة الخبرية التي هي في الوجوب غير صريحة.

خلافا للمنقول عن المفيد والحلّي ، فخيّرا بينها وبين التسبيح (١).

لأصالة عدم التعيين.

وإطلاق كثير من الروايات.

ونصّ بعضها بأنّه « يتمّ ما ظنّ أنّه نقص » والصلاة بالتسبيح أيضا مثل ما نقص.

ولأنّها بدل من الناقص ، والبدل لا يزيد حكمه عن المبدل.

ويردّ الأول : باندفاعه بما مرّ.

والثاني : بتقييده به وبالإجماع ، حيث إنّه يجب في هذه الصلاة غير ما أطلق في هذه الروايات من الركعتين شي‌ء آخر من الفاتحة أو التسبيح.

والثالث : بأنّ الصلاة المتضمّنة لكلّ من الفاتحة والتسبيح وإن كانت مثل ما نقص إلاّ أنّه لا ينافي ثبوت الزيادة بدليل آخر كما علمت زيادة التكبير والتشهّد والتسليم ، مع أنّه لا عموم للفظة ما الموصولة ، والزائد عمّا يقتضيه واجب قطعا فيعمل فيه بأصل الاشتغال.

والرابع : بمنع عدم إمكان الزيادة.

ومنها : أنّه هل يجب الاحتراز عن منافيات الصلاة بينها وبين صلاة الأصل ، أم لا؟ وعلى الأول هل تبطل الصلاة بعدم الاحتراز ، أم لا؟.

أمّا الأول فيظهر من الذكرى أنّ ظاهر الفتاوى والأخبار وجوب الاحتراز (٢) ، ونسبه بعض مشايخنا إلى الأكثر (٣).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ١٤٦ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٥٤.

(٢) الذكرى : ٢٢٧.

(٣) الرياض ١ : ٢١٩.

٢٥٢

ويظهر من بعض المتأخرين الميل إلى عدم الوجوب (١) ، بل هو ظاهر أكثر من يقول بعدم الإبطال. وهو الأظهر ، لحصول التحليل بالتسليم ، وللأصل الخالي عن المعارض سوى ما قيل (٢) من أنّه مبطل للصلاة كما يأتي ، وإبطال العمل حرام ، فتركه واجب.

ومن الأمر بسجدة السهو لو تكلّم في صحيحة ابن أبي يعفور ، قال فيها ـ بعد الأمر بصلاة الاحتياط ـ : « وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو » (٣) ولا يمكن أن يكون المراد التكلّم في أصل الصلاة ، إذ لا مدخل له في جواب السؤال ، ولا في صلاة الاحتياط ، لأنها من السهو الذي لا حكم له ، فالمراد التكلم بين الصلاتين.

وللأمر بها بعد التسليم بالفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة في عدة روايات ، كموثقات عمار المتقدمة (٤) ، ورواية أبي بصير (٥) ، وغيرها.

ولقوله في صحيحة زرارة : « وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع [ وقد أحرز الثلاث ] قام فأضاف إليها أخرى » (٦) فإنّ جعل القيام جزاء يقتضي تعقيب فعله بالشرط.

وللاستصحاب.

ويردّ الأوّل : بمنع إبطاله الصلاة كما يأتي.

والثاني : بمنع ترتّب سجدة السهو على التكلّم في صلاة الاحتياط ،

__________________

(١) كما في الذخيرة : ٣٧٨.

(٢) انظر : الرياض ١ : ٢١٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٢ الصلاة ب ٤٠ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٢ ـ ١٤١٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٤) في ص ١٤١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٨٥ ـ ٧٣٨ ، الوسائل ٨ : ٢٢١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥١ الصلاة ب ٤٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٧٣ ـ ١٤١٦ ، الوسائل ٨ : ٢١٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٣ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

٢٥٣

فيحتمل أن يكون هو المراد ، أو يكون المراد التكلّم في الصلاة ولم يكن جوابا عن السؤال بل بيانا لحكم من الأحكام ، سلّمنا ولكن ترتب سجدة السهو عليه غير صريح في تحريمه.

والثالث : بمنع دلالة الفاء الجزائية على التعقيب بلا مهلة ـ كما صرّح به بعضهم (١) ـ أولا ، ومنع منافاة كلّ مناف للصلاة للتعقيب ثانيا.

وقد يجاب عنه أيضا بوجوب إخراج الفاء عن معنى التعقيب بلا مهلة هنا قطعا بدلالة ذكر « ثمَّ » في بعض الأخبار ، وعدم ذكر شي‌ء منهما في بعض آخر.

ووهنه ظاهر ، إذ لا يجب التراخي هنا إجماعا ، فلا تبقى لفظة « ثمَّ » على معناها بالإجماع ، وذلك لا يوجب الخروج عن حقيقة لفظ آخر أيضا ، فهو باق على حقيقته مقيّد لما لم يتعرض ، لعدم ذكر شي‌ء منهما.

والرابع : بمنع اقتضاء الجزاء تعقيب فعل الجزاء له ، بل يقتضي تعقيب الترتّب وهو حاصل.

والخامس : باندفاع الاستصحاب ببعض ما مرّ ، مع أنّه معارض باستصحاب الحلّية قبل الصلاة.

وأمّا الثاني فعن القواعد والمختلف والذكرى (٢) ، وجمع آخر (٣) : البطلان ، وهو ظاهر المفيد (٤) ، لبعض ما مرّ بجوابه ، مضافا إلى أنّ تسليم وجوب المبادرة والاحتراز لا يستلزم البطلان بانتفائهما.

ولأنّ الاحتياط معرض لأن يكون تماما للصلاة ، فكما تبطل الصلاة بتخلّل المنافي بين أجزائها المحقّقة فكذا ما هو بمنزلتها.

ويردّ : بأنّ فعل شي‌ء استدراكا للفائت في الصلاة لا يقتضي جزئيتها لها ،

__________________

(١) الذخيرة : ٣٧٨.

(٢) القواعد ١ : ٤٣ ، المختلف : ١٣٩ ، الذكرى : ٢٢٧.

(٣) منهم صاحب الرياض ١ : ٢١٩ ، ونسبه في مفتاح الكرامة ٣ : ٣٦٧ إلى الدرّة والمصابيح وغيرهما.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٣٩.

٢٥٤

سيّما مع انفصالها عنها بالنية والتكبير ونحوهما.

وذهب الحلّي ، والفاضل في التحرير والإرشاد ، وولده في شرح القواعد إلى عدم البطلان (١).

وهو الأقوى ، للأصل ، وإطلاق ما ورد من أنّ تحليل الصلاة التسليم ، وهو شامل للمورد أيضا ، فتكون المنافيات حلالا ، فلا تبطل بها الصلاة. وإطلاق الأخبار الدالّة على صحّة الصلاة بتخلّل الحدث قبل التسليم.

ومنها : أنّه هل يجب أن يكون في وقت صلاة الأصل؟.

لا يحضرني الآن من تعرّض له ، إلاّ أنّ القول بجزئيتها لها يستلزمه ، ولكن الجزئية ممنوعة.

ومنها : أنّه هل يجب الفور بها؟.

الأصل يقتضي عدمه.

فائدة :

حكم الأجزاء المنسية المقضية بعد الصلاة حكم صلاة الاحتياط‌ في عدم وجوب الفورية والاحتراز عن تخلل المنافي ، وعدم بطلان الصلاة لو تخلل ، للأصل السالم عن المعارض بالمرة.

وقال جماعة منهم الفاضل في التذكرة والنهاية بالبطلان (٢) ، بل قيل بأنّ الحكم بالبطلان هنا أولى منه في صلاة الاحتياط ، لمحوضة الجزئية اليقينية هنا (٣).

وفيه : منع المحوضة بل الجزئية ، وإنما هي أفعال اخرى يؤتى بها بأوامر أخرى ، وقد حلّل بالتسليم ما كان حراما ، فلا وجه لتحريمه بلا دليل.

__________________

(١) الحلي في السرائر ١ : ٢٥٦ ، التحرير ١ : ٥٠ ، الإرشاد ١ : ٢٧٠ ، الإيضاح ١ : ١٤٢.

(٢) التذكرة ١ : ١٤٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٤٥.

(٣) الرياض ١ : ٢١٩.

٢٥٥

وبه يظهر الجواب عن التمسك باستصحاب الحرمة والإبطال ، مضافا إلى ما مرّ من معارض الاستصحاب.

وعن شرح القواعد لفخر المحققين (١) ، وابن فهد في المحرّر (٢) : أنّه لو أحدث قبل الأجزاء المنسية عامدا بطلت صلاته ، ولو كان سهوا ، أو بعد الوقت ، أو بعد أن مضى بعد التسليم زمان يخرج عن كونه مصليا ، لم تبطل. بل ظاهر الأول الإجماع على عدم البطلان في هذه الصور ، إذ مع ذلك يخرج عن الجزئية فلا تبطل ، بخلاف ما قبله ، فإنّها جزء حينئذ.

وفيه منع ظاهر.

وقد يستدل للجزئية بالأصل والظاهر ، لأنّ الأصل والظاهر عدم إجزاء عبادة عن أخرى ، وأيضا الأصل بقاؤها على الجزئية ، والظاهر اتحاد المتوافقين في الهيئة.

وضعف الجميع في غاية الظهور.

وممّا ذكرنا ظهر عدم دليل على اشتراط الطهارة في الأجزاء المنسية أيضا ، كما هو مقتضى الأصل.

المسألة الرابعة :

لو تذكّر الشاك بعد الفراغ من الصلاة الأمر المشكوك فيه‌ ، فإمّا يتذكّر بعد صلاة الاحتياط أو في أثنائها أو قبلها ، وعلى التقادير إمّا يتذكّر عدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط وكون ما بني عليه من الأكثر مطابقا للواقع ، أو الحاجة إليه.

فإن تذكّر بعدها عدم الحاجة إليها ، كأن يتذكّر الشاك بين الثلاث والأربع بعد صلاة الاحتياط أنّ ما صلاّها كان أربعا فلا خلاف ولا إشكال في صحة الصلاة.

__________________

(١) الإيضاح ١ : ١٤٣.

(٢) حكاه عن المحرّر في غاية المرام على نقل صاحب مفتاح الكرامة ٣ : ٣٧٠.

٢٥٦

وإن تذكّر في الأثناء أو قبلها فظاهرهم الاتفاق على تماميّة الصلاة ، وجواز قطع الاحتياط في الأول من جهة عدم توقّف صحة الصلاة عليه وإن اختلف فيه من جهة جواز قطع النافلة وعدمه ، والاستغناء عنها في الثاني.

ويدلّ عليه قوله في صحيحة ابن أبي يعفور : « وإن كان صلّى أربعا كانت هاتان نافلة » (١).

فإنّه بعد تذكّر عدم الحاجة إلى الاحتياط يعلم كونها نافلة ، فيكون مستغنى عنها لأجل الصلاة ، وبذلك يدفع استصحاب وجوب الاحتياط.

وإن تذكّر الحاجة إليها أي نقصان الصلاة عمّا بنى عليه : فإن كان بعد الفراغ عن الاحتياط لم يلتفت إلى ما تذكّر وصحّت صلاته ، على الأظهر الأشهر كما قيل (٢) ، بل بالاتفاق كما صرّح به بعض الأجلّة.

للاستصحاب ، واقتضاء الأمر للإجزاء ، وتصريح الأخبار بأنّ الصلاة لو كانت ناقصة كان الاحتياط متمّما ، بل صرّح في موثّقة الساباطي بقوله : « وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » (٣).

وبه يدفع ما لعلّه يتوهّم من دلالة ما دلّ على بطلان الصلاة بالنقص ، على البطلان أو إتمام الصلاة مع عدم تخلّل المنافي هنا ، مع أنّ في شمول أدلّتها للمورد نظرا ظاهرا ، كما لا يخفى على المتتبّع فيها.

وعن بعض الأصحاب البطلان في صورة مخالفة الاحتياط للناقص (٤) ، كما إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، ثمَّ ظهر له بعد الاحتياط كون ما صلّى ثلاثا ، للزوم الاختلال بنظم الصلاة ، حيث إنّ ما يبدأ به من الاحتياط ركعتان‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ الصلاة ب ٤٠ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٢ ـ ١٤١٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٢) نسبه صاحب الحدائق ( ٩ : ٣٠٨ ) إلى المشهور.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٩ ـ ١٤٤٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٤) الظاهر هو أبو العبّاس ابن فهد في كتابه الموجز الحاوي ، كما حكاه عنه صاحب مفتاح الكرامة ٣ : ٣٥٨.

٢٥٧

من قيام ، وهو مخالف الناقص ، والمطابق له متأخّر.

وفيه : أنّ ذلك إنّما يتمّ على جزئية صلاة الاحتياط ، وهي ممنوعة ، مع أنّه لو اشترط المطابقة بين الاحتياط وما يعوّض عنه لم يسلم احتياط تذكّر فاعله الحاجة إليه ، لتحقق زيادة النية والتكبيرة ونحوهما.

وإن كان في أثنائه فلا يخلو إمّا أن يكون الاحتياط مطابقا للناقص أو غير مطابق.

فعلى الأول فيه قولان :

بطلان الصلاة واستئنافها ، نظرا إلى أنّ المعلوم ثبوته من الأخبار ورودها بالنسبة إلى الشك المستمرّ إلى الفراغ من الاحتياط ، والشرط المذكور فيها بأنّه إن كانت صلاته تامّة فكذا وإن كانت ناقصة فكذا ، إنّما هو بالنظر إلى الواقع لا بالنظر إلى ظهور ذلك للمكلّف.

وصحّتها وجوب إتمام الاحتياط ، لعموم الأدلة. واختصاصها بالشك المستمر ممنوع غايته بعد تسليم الاختصاص بالمستمرّ إلى الفراغ عن صلاة الأصل.

وهو الحقّ ، لما ذكر ، وللاستصحاب.

وعلى الثاني قيل (١) : فيه احتمالات : إتمام الاحتياط كما كان يتمّه قبل التذكر ، والاقتصار على القدر المطابق إن لم يتجاوزه ، وبطلان الصلاة.

أجودها الأول ، لما مرّ.

وإن كان بين الصلاتين فقيل (٢) : إمّا أن يكون فعل منافيا يبطل الصلاة عمدا وسهوا ، أو لا. فعلى الثاني يتمّ صلاة الأصل ويسجد سجدة السهو لما زاده من التشهد والتسليم. وعلى الأول يبني على المسألة المتقدمة المبيّنة لحكم من سلّم في غير موضعه من كون المنافي مبطلا أم لا.

__________________

(١) الحدائق ٩ : ٣٠٩.

(٢) الحدائق ٩ : ٣٠٩.

٢٥٨

أقول : لو قلنا بوجوب إتمام الاحتياط وعدم الالتفات إلى التذكّر لعموم أدلته ، لم يكن ذلك ببعيد.

وعدم انصرافها إلى مثل تلك الصورة لندرتها ، معارض بورود ذلك بعينه في أدلّة إتمام الصلاة قبل فعل المنافي لو سلّم في غير موضعه ، وبطلانها بعده.

والمسألة محلّ تردّد ، والأولى العمل بالأمرين معا.

هذا كلّه إذا لم يحتمل الزيادة. وأمّا إذا احتملها كما إذا شكّ بين الخمس وغيرها وبنى على الأقلّ ، فإن تذكّر المطابقة فلا إشكال. وإن تذكّر الزيادة فإن كان الشك بين غير الخمس والأربع فالظاهر عدم الإشكال في بطلان الصلاة ، لأخبار البطلان بتيقن الزيادة ، وكان البناء على الأقل للأصل الغير المقاوم للخبر.

وإن كان بينهما فيحصل الإشكال من جهة ما ذكر ومن جهة خصوص الأمر المقتضي للإجزاء هنا ، والاحتياط ثانيا فيه طريق الاحتياط.

* * *

٢٥٩
٢٦٠