مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

فابن على الأكثر ، فإذا سلمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت ».

أقول : حاصله أنّ أخبار صلاة الاحتياط قائما لا يمكن شمولها للمورد ، فيرجع فيه إلى عموم : « ما ظننت أنّك نقصت ».

وفيه : أنّه لو سلّم ذلك ، فلا شكّ أنّ الأخبار المتضمنة للصلاة جالسا فقط شاملة له ، فما وجه تنصيف صلاة الجالس؟.

فإن قلت : انصراف هذه الأخبار إلى المورد غير معلوم ، لكونه الفرد النادر.

قلنا ـ مع أنّ أكثرها عمومات ـ : يرد مثله في جميع أخبار حكم الشك.

والتحقيق أنّه كما يحتمل رفع اليد عن أخبار تفصيل صلاة الاحتياط لما ذكر ، والرجوع إلى عمومات إتمام « ما ظننت أنّك قد نقصت » كذلك يحتمل العمل بأخبار صلاة الاحتياط ، والرجوع فيما حكم فيه بالقيام إلى حكم العاجز عن القيام ، فيحكم بشمولها للعاجز أيضا وإن تضمّنت الأمر بالقيام ، لبيان حكم من حكمه القيام ، ولا يقدر عليه.

وهنا احتمالان آخران : من جهة أنّ من أخبار تفصيل صلاة الاحتياط ما لا يتضمّن إلاّ الصلاة جالسا ، فيحكم بعموم هذه للقادر وغيره ، ويرجع فيما تضمّنت القيام إمّا إلى أخبار حكم العاجز ، وإمّا إلى عمومات إتمام ما ظنّ أنّه نقص. والأوجه هذا الوجه ، لعدم مخصّص للأخبار المتضمّنة لصلاة الاحتياط جالسا ، واختصاص ما تضمّن القيام منها بالقادر ، فيرجع إلى العمومات ، لعدم عموم في أخبار حكم العاجز بحيث يشمل المورد أيضا البتة ، فتدبّر.

المسألة الثالثة :

لو شكّ في شي‌ء من أجزاء الصلاة بعد الفراغ منها ـ المتحقّق بالتسليمة الاولى من التسليمتين الأخيرتين ـ لم يلتفت إليه ومضى ، سواء كان شكّا في الأعداد أو الأفعال ، لما مرّ من أخبار عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الدخول في غيره ، ولصحيحتي محمّد ، إحداهما : في الرجل يشك بعد ما انصرف من صلاته ،

٢٠١

فقال : « لا يعيد ولا شي‌ء عليه » (١).

والأخرى : « كلّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد » (٢).

المسألة الرابعة :

لو شكّ في أصل الصلاة هل أتى بها أم لا‌ ، فإن كان في وقتها وجب الإتيان بها ، وإن كان قد خرج وقتها لم يلتفت إلى شكّه ، صرّح به في الذكرى (٣) ، بل هو المشهور في الحكمين ، كما في البحار (٤).

ويدلّ على الأوّل : قيام السبب وأصالة عدم الفعل.

وعلى الثاني : ما مرّ من عمومات عدم الالتفات إلى الشك بعد مضيّه أي : مضيّ وقته ، أو بعد الخروج عن موضعه.

مضافا فيهما إلى صحيحة زرارة والفضيل : « ومتى ما استيقنت أو شككت في وقتها أنّك لم تصلّها ، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها ، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل ، فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن ، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت » (٥).

وأمّا ما رواه في السرائر عن كتاب حريز : « فإن شكّ في الظهر فيما بينه وبين أن يصلّي العصر قضاها ، وإن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلاّ أن يستيقن ، لأنّ العصر حال فيما بينه وبين الظهر ، فلا يدع الحائل لما كان من‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٨ ـ ١٤٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٦٩ ـ ١٤٠٤ ، الوسائل ٨ : ٢٤٦ أبواب الخلل ب ٢٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٦٠ ، الوسائل ٨ : ٢٤٦ أبواب الخلل ب ٢٧ ح ٢.

(٣) الذكرى : ١٣٠.

(٤) البحار ٨٥ : ١٩٠.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٤ الصلاة ب ١٢ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٢٧٦ ـ ١٠٩٨ ، الوسائل ٤ : ٢٨٢ أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

٢٠٢

الشكّ إلاّ بيقين » (١).

فمقتضاه وإن كان عدم الفعل مع الشك في الوقت أيضا إذا دخل في صلاة أخرى ، وهو أيضا مقتضى أخبار المضيّ بعد دخول الغير ، إلاّ أنّه ـ كما في البحار (٢) ـ خلاف فتوى الأصحاب. ومع ذلك يعارض الصحيحة بالعموم من وجه ، والأصل مع عدم الفعل.

المسألة الخامسة :

من شكّ في ركعة أنّها رابعة الظهر أو أوّل العصر أتّمها ظهرا‌ ، ثمَّ صلّى بعده العصر ، للأصل والاستصحاب.

وكذا من شكّ في ركعة أنّها رابعة الظهر أو العصر ، أو أولى الظهر أو العصر ، وكذا في جميع الفرائض ، لما ذكر ، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين.

وكذا الحال في النوافل. وكذا لو دخل في فريضة وشكّ في ركعة أنّها هل هي من الفريضة ، أو أتمّها وشرع في النافلة ، أو بالعكس فيبني على الاولى التي دخل أوّلا فيها ، ويأتي بعده باللاحقة.

المسألة السادسة :

لو تحقّقت نيّة الصلاة وشكّ هل نوى الندب مثلا أو الفرض ، أو الظهر أو العصر ، أو الأداء أو القضاء ، فالظاهر البطلان‌ ، كما صرّح به جماعة (٣).

هذا إذا تعدّدت الصلوات التي أمر بها ، ولو اتّحدت الصلاة وما كان مقصوده ، وشكّ فيما أخطره بالبال فلا يضرّ.

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ٧٥ ـ ٢٠ ، الوسائل ٤ : ٢٨٣ أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ٢.

(٢) البحار ٨٥ : ١٩٠.

(٣) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٧ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٠١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٣٦٢.

٢٠٣

المسألة السابعة :

لو ظنّ بعد الصلاة نقصا في الصلاة ، فحكمه عند من يلحق الظنّ بالعلم مطلقا واضح. وأمّا على المختار من اختصاص اعتبار الظنّ بمواقع خاصّة ، والرجوع في البواقي إلى حكم الشك فيشكل الأمر ، إذ الرجوع فيها إليه لتعلّق هذه الأحكام بعدم الدراية ، الصادق على الظانّ أيضا كلا أو بعضا بضميمة الإجماع المركّب ، وفي المورد لم يتعلّق حكم بعدم الدراية ، إلاّ أن يتمسّك بشمول لفظ الشكّ للظنّ لغة كما مرّ ، إلاّ أنّ ترتّب الحكم عليه فقط لا يخلو عن إشكال ، ومقتضى أصل الاشتغال بالصلاة الإعادة لو تعلّق الظّن بالمبطل. نعم ، إن كان الموهوم النقص أو البطلان فالظاهر الصحّة والمضي ، لأنّه كذلك مع الشك فمع الوهم أولى.

والحاصل : أنّ المظنون إن كان ما يوجب البطلان مع العلم يعيد ، إلاّ إذا صار كثير الظّن.

وإن كان ما لا يلتفت إليه مع العلم ، فكذلك هنا ، للأولوية.

وإن كان ما يوجب التدارك مع العلم ، فالظاهر الصحّة للأولوية ، وعدم التدارك للأصل ، فإنه كانت صلاته صحيحة ولو لم يتدارك.

المسألة الثامنة :

قد صرّح الأصحاب بأنّه : لا سهو في سهو.

والأصل فيه صحيحة البختري : « ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، ولا على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة » (١).

ومرسلة يونس : « ولا سهو في سهو » (٢).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ الصلاة ب ٤٣ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٨ ، الوسائل ٨ : ٢٤٠ و ٢٤٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ و ٢٥ ح ٣ و ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٨ الصلاة ب ٤٣ ح ٥ ، الوسائل ٨ : ٢٤٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٥ ح ٢.

٢٠٤

ولكن في كلّ من العبارتين إجمالا من حيث المراد من السهو في الموضعين ، والمراد من السهو الثاني بخصوصه باعتبار احتمال الحذف وعدمه في السهو ، والمراد من نفي السهو.

أمّا الأوّل : فباعتبار احتمال إرادة الشك منه ، أو النسيان ، أو الأعم ، ولأجله تحصل احتمالات تسعة : نفي الشك في الشك ، وفي السهو بالمعنى الأخص ، وفي الأعم ، ونفي السهو كذلك ، ونفي الأعمّ كذلك.

وأمّا الثاني : فباعتبار احتمال إرادة نفس السهو بأحد معانيه الثلاثة عنه ، أو إرادة مسبّبه وموجبه ، كالتدارك ، أو صلاة الاحتياط ، أو سجدة السهو ، فهذه ثمانية عشر احتمالات.

وأمّا الثالث : فباعتبار عدم إمكان إرادة الحقيقة من النفي ، ومجازه هنا متعدّد من عدم الالتفات ، أو عدم الموجبيّة ، بالكسر ، أو غير ذلك.

فالاستدلال بالحديثين في شي‌ء من الموارد غير ممكن. والحمل على الجميع باطل ، لاستلزامه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، بل استلزام التقدير وعدمه.

ولو فرض ترجيح بعض المعاني : كحمل السهو على معناه الحقيقي ، لأصالة الحقيقة.

أو على الشك ، لحمل جمع من الفقهاء عليه ، مع ظهوره في الجملة من السياق.

أو حمل السهو الثاني على المسبّب والموجب ، لكون نفي السهو في السهو نفسه مقتضى الأصل ، فلا يحتاج إلى النصّ ، والمحتاج إليه إنّما هو حكم الشك في موجبه ، لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه ، ولا يتمّ إلاّ مع عدم الشك ، مضافا إلى إطلاق ما دلّ على لزوم تدارك المشكوك مع بقاء المحلّ ، والتأسيس أولى من التأكيد ، والظاهر إرادة إثبات حكم مخالف للأصل ، مضافا إلى تصريح بعضهم (١) بأنّه مراد الفقهاء.

__________________

(١) منهم العلاّمة في المنتهى ١ : ٤١١.

٢٠٥

فلا شكّ (١) في عدم خروج الكلام عن الإجمال بعد أيضا ، مع أنّ إثبات الترجيح ببعض ما ذكر غير تامّ.

فاللازم رفع اليدين عن الحديثين والكلام في كلّ من الاحتمالات الثمانية عشر بخصوصه.

ثمَّ بعد ملاحظة أنّ ببيان حكم كلّ من السهو والشك يظهر حكم احتمالات المعنى الأعم ، يبقى اللازم بيان حكم ثمانية احتمالات ، وهي التي ذكرها طائفة من متأخّري المتأخّرين (٢).

فنقول :

الاحتمال الأوّل :

أن يشكّ في نفس الشك ، بأن شكّ في أنّه هل شكّ أم لا.

فقيل : لا يلتفت إليه (٣) ، لأصالة عدمه.

وقيل : إن كان زمان الشكّين واحدا فهو شاكّ في أصل الفعل ، فيحكم بمقتضاه. وإن كان في زمانين فإن كان في هذا الزمان أيضا شاكّا فيما شكّ في شكّه فكالأوّل ، وإلاّ فيحكم بمقتضى علمه وجزمه ، ولا يتيقّن بالشكّ السابق ، والأصل عدمه (٤).

ولا يخفى أنّ الظاهر من الشك في الشك هو ما كان في زمانين دون الأوّل. والبناء فيه على اليقين منه بإطلاقه غير جيّد. وأصالة عدم الشكّ غير تامّة ، لأصالة عدم اليقين أيضا ، لأنّ كلا منهما حادث ، لأنّ الموجود سابقا هو اليقين بفعل آخر غير ما شكّ في الشك فيه.

__________________

(١) جواب لقوله : ولو فرض ترجيح بعض المعاني.

(٢) منهم المجلسي في البحار ٨٥ : ٢٥٧ ، وصاحبا الحدائق ٩ : ٢٥٩ ، والرياض ١ : ٢٢٠.

(٣) انظر : الروضة ١ : ٣٤٠ ، ونسبه في البحار ٨٥ : ٢٥٧ إلى الأصحاب.

(٤) البحار ٨٥ : ٢٥٧.

٢٠٦

والتحقيق : أنّ الشكّ السابق المشكوك فيه إمّا في الأفعال ، أو الأعداد.

والأوّل إمّا تجاوز محلّه لو كان شكّ ، أولا.

فعلى الأوّل ، كأن شكّ بعد القيام في أنّه هل شكّ قبله في السجود ولم يعد ، أم لا ، أو يشك في العود أيضا. ويتعارض فيه أصل عدم الشك فيه مع أصالة عدم اليقين بفعله أيضا ، فلا حكم لذلك الأصل. ولكن يمضي لأصول أخر ، لأنّ شكّه إن كان في الشكّ مع اليقين بعدم العود عمدا وتبطل صلاته [ إن كان شك ] (١) ، فالأصل الصحّة. وإن كان في الشك مع اليقين بعدم العود سهوا ، إن كان شكّ ، فالأصل عدم وجوب عود عليه وصحّة صلاته. وإن كان مع الشك في العود أيضا ، فلمضيّ محلّ العود المشكوك فيه ، وأصالة عدم وجوب عود آخر وصحّة صلاته.

وعلى الثاني ، كأن شكّ في آخر التشهّد في أنّه هل شكّ في ابتدائه في إحدى السجدتين ـ على القول بعدم تجاوز المحلّ بدخول التشهّد ـ فإن كان حينئذ باقيا على الشكّ أيضا يعود. وإن تيقّن الفعل يسقط حكم الشكّ الأوّل قطعا.

وإن كان في الأعداد ، كأن يشكّ في الرابعة في أنّه هل شكّ سابقا وبنى على عدد هذه رابعته فتجب صلاة الاحتياط ، أو هذه رابعة واقعيّة فلا تجب ، والأصل حينئذ عدم وجوب صلاة الاحتياط. ولا تعارضه أصالة الاشتغال بالصلاة ، لوجوب إتمام الصلاة بهذه الرابعة على التقديرين ، والأصل براءة الذمّة عن الزائد.

ولو شكّ في أنّه هل شكّ سابقا ، وعلى الشك هل بنى على ما يقتضيه أم لا ، فلا يلتفت إليه ، لمضيّ المحل.

وهنا شقوق أخر :

أحدها : أن يشكّ في أنّ ما فيه شكّ أو ظنّ. والظاهر البناء على الشك ،

__________________

(١) أضفناه لاستقامة المتن.

٢٠٧

إذ ما دام في هذا الشك فهو لا يتيقّن بترجيح أحد الطرفين فهو شاكّ. أو في أن ما سبق هل كان شكّا أو ظنّا. والظاهر عدم الالتفات إليه إن بنى أوّلا على أحدهما وأتى بمقتضاه.

وثانيها : أن يشكّ في المشكوك فيه ، كأن يشكّ في أنّ ما شكّ فيه هل هو السجدة أو التشهّد. فإن علم أنّه بنى على أحدهما وأتى بمقتضاه فقد مضى. وإن لم يعلم ذلك ، فإن بقي محلّهما فيأتي بهما ، لأنّه حينئذ شاك فيهما ، وإن تجاوز فلا يلتفت إليه.

وثالثها : أن يشكّ بعد الفراغ وإرادة التدارك في المشكوك فيه ، كأن يشكّ في أنّ الشك هل كان بين الاثنتين والأربع ، أو الثلاث والأربع حتّى يأتي بصلاة الاحتياط بمقتضى ما شكّ. والظاهر وجوب الإتيان بوظيفتهما معا ، مع التداخل إن أمكن وبدونه إن لم يمكن ، لأصل الاشتغال.

الاحتمال الثاني :

أن يشكّ في موجب الشك‌ ـ بالفتح ـ كأن يشكّ في صلاة الاحتياط أو سجدة السهو.

فإن كان الشك في أصل فعله ، كأن يشكّ أنّه هل أتى بسجدة السهو ، أو صلّى الاحتياط أم لا. والظاهر وجوب فعله ، لأصالة عدم فعله.

وإن كان في عدد أحدهما ، أو فعل من أفعاله ، فالمصرّح به في كلام كثير منهم عدم الالتفات إليه ، والبناء على الفعل (١) ، بل قيل : ظاهر الأصحاب الاتّفاق عليه (٢) ، واستدلّوا بالروايتين السابقتين.

وعن الأردبيلي الميل إلى البناء على الأقلّ وعدم الفعل ، لأصالة عدم‌

__________________

(١) انظر : المنتهى ١ : ٤١١ ، والتنقيح ١ : ٣٦٢ ، والحدائق ٩ : ٢٦٩ ، والرياض ١ : ٢٢٠.

(٢) الحدائق ٩ : ٢٦٢.

٢٠٨

الفعل (١).

وهو قويّ جدّا ، لما عرفت من إجمال الروايتين ، وعدم ثبوت الاتّفاق المدّعى علينا. إلاّ إذا كان قد خرج من موضع المشكوك فيه ، فلا يلتفت إلى الشك ، لما مرّ.

ومن هذا الاحتمال ما لو علم أنّه شكّ في السجدة قبل تجاوز المحلّ ، أو بين الاثنتين والثلاث مثلا ، وكان موجب الأوّل العود ، وموجب الثاني البناء على الثلاث ، وشكّ في أنّه هل أتى بالسجدة أم لا ، أو هل بنى على الثلاث أم لا ، مع علمه بأنّ ما فيه حينئذ الركعة الأخيرة مثلا. والظاهر عدم الالتفات ، للدخول في الغير. إلاّ أن يكون في موضعه ، فيأتي بالموجب المشكوك فيه ، فيسجد في الأوّل ، ويبني على الثالث في الثاني.

الاحتمال الثالث :

الشك في السهو نفسه‌ ، بأنّ يشكّ في أنّه سها أم لا. فإن كان بعد الصلاة لا يلتفت إليه. وإن كان في أثنائها فهو حقيقة شكّ في الفعل الذي شكّ في السهو فيه ، فيأتي به مع عدم الدخول في الغير ، ويمضي مع الدخول فيه.

الاحتمال الرابع :

أن يشك في موجب السهو ـ بالفتح‌ ـ كأن يشكّ في السجدة أو التشهّد المنسيين ، اللذين يقتضيهما بعد الصلاة ، أو في سجدة السهو.

فإن كان الشك في الإتيان بها يأتي بلا خلاف ، كما قيل (٢).

وإن كان في بعض أجزائها فعلا أو عددا ، فقيل : يبني على الفعل (٣) ، بل‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ١٣٦.

(٢) الحدائق ٩ : ٢٦٤.

(٣) كما في الحدائق ٩ : ٢٦٤.

٢٠٩

هو ظاهر الأكثر ، للخبرين المذكورين. وبعد ما عرفت من إجمالهما تعلم وجوب الإتيان به ، إلاّ فيما دخل في غيره.

ومن هذا الاحتمال ما لو شكّ في أثناء الصلاة أنّه هل تدارك ما سها فيه وتذكّر قبل تجاوز المحلّ ، ويجب عليه الإتيان به لو كان ذلك في المحلّ ، والمضيّ لو تجاوز عنه أي المحلّ المعتبر في الشكّ ، وهو الدخول في الغير. فلو شكّ في حال القراءة أنّه هل أتى بالسجدة التي سها فيها وتذكّر بعد القيام أم لا ، فيمضي.

الاحتمال الخامس :

السهو في نفس الشك ، كأن شكّ في شي‌ء قبل الدخول في غيره ، ثمَّ نسي الشك ومضى ، فقيل : إنّه لا يلتفت إليه إن تذكّر بعد تجاوز المحلّ ، ويأتي به إن كان المحل باقيا (١).

أقول : إن أراد بتجاوز المحلّ ما يعتبر في السهو ، وهو الدخول في ركن آخر ، فهو صحيح. وإن أراد ما يعتبر في الشك ففيه نظر ، لأنّ بعد الشك قبل الدخول في الغير وجب عليه المنسي. فإذا سها عنه يأتي به ما لم يدخل في ركن آخر ، للعمومات الواردة في النسيان.

والتنظر في شمولها للمورد ، لأنّها وردت في أجزاء الصلاة الأصليّة وهذا ليس منها.

غير وارد ، لأنّ ذلك أيضا من أجزاء الصلاة الأصليّة ، لأصالة عدم فعله.

الاحتمال السادس :

السهو في موجب الشك ، كأن يسهو في شي‌ء من أفعال صلاة الاحتياط ، أو سجدتي السهو.

ولا ينبغي الشكّ في عدم وجوب سجدة سهو للسهو في سجدة السهو.

__________________

(١) انظر : الحدائق ٩ : ٢٦٩.

٢١٠

وأمّا لصلاة الاحتياط ، فقيل : لا تجب أيضا ، بل هو الأشهر ، للأصل ، وعدم معلوميّة شمول الأدلّة لمثل ذلك السهو أيضا ، بل الظاهر منها السهو في أصل الفرائض (١).

وفيه تأمّل ، لإطلاق الأدلّة. فوجوبها أظهر. والإجماع على العدم غير معلوم ، بل ظاهر بعض مشايخنا عدمه ، حيث نسب عدمه إلى الأشهر الأظهر (٢).

وأمّا نفس الفعل المسهوّ عنه ، فيأتي به قطعا إن تذكّر قبل التجاوز عن محلّه ، بمعنى عدم الدخول في غيره ، للأمر بهذه الأفعال ، فيجب الإتيان بها. وكذا إن دخل في غيره ما لم يفرغ عن العمل في سجدة السهو ، فيرجع ويأتي بالمسهوّ عنه ، ثمَّ بما بعده. وإن فرغ عنها فيعيدها من رأسها ، مع احتمال إعادة المسهوّ عنه مع ما بعده خاصّة حينئذ أيضا.

وأمّا في صلاة الاحتياط ، فالظاهر أنّها كالأصل ، فيفعل كما يفعل في الأصل ، لإطلاق أدلّته ، وعدم تيقّن الاختصاص بالأصل ، وكذا في قضاء الأجزاء المنسيّة.

ومن السهو في موجب الشك السهو فيما يفعله بعد الشك فيه قبل تجاوز محلّه ، كالسجدتين قبل استتمام القيام إذا ترك واحدا منهما ، أو الطمأنينة ، أو الذكر فيهما سهوا. والظاهر أنّ حكمه حكم السهو فيما سها عنه في الأصل ، لأنّه منه أيضا.

الاحتمال السابع :

أن يسهو في نفس السهو‌ بأن ينسى تدارك ما نسيه وتذكّر في المحلّ ونسي نسيانه ، فإن تذكّر ثانيا قبل تجاوز المحلّ أتى به ، وإلاّ مضى وقضاه إن كان له قضاء ، وتبطل الصلاة إن كان ذلك مبطلا.

__________________

(١) انظر : البحار ٨٥ : ٢٦٥.

(٢) انظر : الحدائق ٩ : ٢٦٥.

٢١١

ومن ذلك يظهر أنّه لا يترتّب على السهو هنا حكم جديد ، بل ليس حكمه إلاّ حكم السهو في نفس الفعل.

الاحتمال الثامن :

أن يسهو في موجب السهو‌ كأن يسهو عن قضاء الأجزاء المنسيّة ، أو سجدة السهو ، ويأتي بما نسيه إذا تذكّر.

ومنه أيضا السهو في التدارك في الأثناء قبل تجاوز المحل ، كما ذكر في السابق.

ومنه السهو عن أجزاء الفعل المتروك الذي يجب تداركه ، وحكمه حكم نفس الفعل.

ومنه السهو عن أجزاء الفعل الذي يقضيه بعد الصلاة ، كالسجدة ، أو التشهّد ، أو عن أجزاء سجدة السهو.

فقيل فيه : بعدم الالتفات (١) ، وقيل : هو كالسهو في أجزاء الصلاة (٢).

وهما ضعيفان. وقوله : « لا سهو في سهو » الذي هو مستند الأوّل مجمل ، كما عرفت. فالتحقيق الإتيان بالمسهوّ قبل الفراغ عمّا هو جزؤه ، وإعادته بعده.

المسألة التاسعة :

مقتضى قوله في الصحيحة المتقدّمة : « لا إعادة في إعادة » (٣) أنّه لو أعاد الصلاة لما يوجبها كالشك في الأوليين ، ونحوهما ، ثمَّ شكّ فيها أو سها بما يوجب الإعادة لا يعيدها ، فهو كذلك.

والاحتمالات الأخر التي ذكروها لمعنى العبارة خلاف الظاهر. والإجماع‌

__________________

(١) كما في الدروس ١ : ٢٠٠ ، والمسالك ١ : ٤٢.

(٢) كما في البحار ٨٥ : ٢٦٧.

(٣) راجع ص : ٢٠٤.

٢١٢

على خلافه ، أو الشهرة الموجبة للشذوذ غير ثابت. وأمر الاحتياط واضح.

المسألة العاشرة :

يرجع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر لو شكّ وحفظ عليه الآخر‌ ، بلا خلاف بين الأصحاب ، كما صرّح به جماعة (١). وقال جمع : إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (٢) ، بل قال بعض الأجلّة باتّفاق الأصحاب.

للصحيحة المتقدّمة (٣) ، وصحيحة علي : رجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى ، هل عليه سهو؟ قال : « لا » (٤).

ومرسلة يونس : عن الإمام يصلّي بأربعة أنفس ، أو خمسة أنفس ، فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثا ، ويسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعا ، ويقول هؤلاء : قوموا ، ويقول هؤلاء : اقعدوا ، والإمام مائل مع أحدهما ، أو معتدل الوهم ، فما يجب عليه؟ قال : « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق (٥) منهم ، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام ، ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب والفجر سهو ، ولا في الركعتين الأوليين من كلّ صلاة ، ولا في نافلة ، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم » (٦).

والمراد بالسهو هنا الشك ، كما يستفاد من قرائن المقام وسياق الكلام.

__________________

(١) كالفيض في المفاتيح ١ : ١٧٩ ، وصاحبي الحدائق ٩ : ٢٦٨ ، والرياض ١ : ٢٢١.

(٢) كما في المدارك ٤ : ٢٦٩ ، والذخيرة : ٣٦٩.

(٣) في ص : ٢٠٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٥٠ ـ ١٤٥٣ ، الوسائل ٨ : ٢٣٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ١.

(٥) هذا موافق لنسخة الوافي ج ٨ : ١٠٠٠ باب من لا يعتدّ بسهوه ، وكذلك موافق للفقيه ، وأما في النسخة المطبوعة من الكافي والتهذيب. « بإيقان ».

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٨ الصلاة ب ٤٣ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ـ ١٨٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٨ ، ورواها في الفقيه ١ : ٢٣١ ـ ١٠٢٨ عن نوادر إبراهيم بن هاشم.

٢١٣

وبما تتضمّنه الأخيرة من اشتراط حفظ المرجوع إليه في رجوع الآخر ونفي الشك عنه ، يقيّد إطلاق البواقي ، مع أنّه بدون الحفظ لا معنى للرجوع.

ومقتضى عموم الأخبار رجوع الشاك منهما إلى المتيقّن مطلقا ، سواء كان الشك في الركعات ، أو الأفعال ، وسواء كان موجبا للاحتياط ، أو التدارك في المحلّ ، أو سجدة السهو ، أو الإبطال. وبالأوّل والأخير تصرّح الصحيحة الثانية. وسواء كان في الرباعيّة أو غيرها.

وبها تخصّص الأخبار الآمرة بالإعادة في بعضها ، وبالتدارك في آخر ، وبالبناء على أحد الطرفين في ثالث.

ولا يضرّ كون أخبار المسألة أعمّ من وجه من كلّ من هذه الفرق الثلاث ، لأنّها وإن كانت كذلك إلاّ أنّ معارضتها لا تختصّ بفرقة منها حتى يجوز تخصيص كلّ منهما ، بل هي معارضة مع الجميع ، فالجميع في طرف وأخبار المسألة في طرف آخر ، وأخصّ مطلقا من الجميع.

ولو لوحظت معارضته مع كلّ وجاز تخصيصها به لزم إمّا الترجيح بلا مرجّح إن خصّت بفرقة دون أخرى ، أو طرح أخبار المسألة بالمرّة.

ولا تجب حينئذ صلاة احتياط ، ولا سجدة سهو ، للأصل واختصاص أدلّة وجوبهما بصورة البناء على أحد الطرفين.

فروع :

أ : لا ريب في حكم المذكور مع شكّ أحدهما ويقين الآخر‌ ، فيرجع الشاك إلى المتيقّن.

وهل يرجع الشاكّ إلى الظانّ ، أو الظانّ إلى المتيقّن ، أم لا؟.

الظاهر في الأول : لا ، وفي الثاني : نعم.

أمّا الأوّل فللأصل ، واختصاص الرجوع ـ كما عرفت ـ بحفظ المأموم الظاهر في اليقين ، وعدم سهو الإمام ، والسهو شامل للظن أيضا قطعا ، لا سيّما‌

٢١٤

مع ملاحظة ما في نسخ التهذيب والكافي من المرسلة من لفظ « الإيقان » مكان « الاتفاق » كما في الفقيه.

وأما الثاني فلإطلاق الصحيحة الثانية بضميمة الإجماع المركب ، ولأن السهو شامل للظن أيضا ، كما يستفاد من صحيحة محمّد ، حيث قسّم فيها السهو على قسمين وقال : « ومن سها » ثمَّ فصّل حكمه بأنّه إن اعتدل شكه كذا ، وإن ذهب وهمه إلى الأربع كذا (١) ، وغيرها من الأخبار ، ومن كلام بعض أهل اللغة.

ولرواية محمّد بن سهل : « الإمام يتحمّل أوهام من خلفه إلاّ تكبيرة الإحرام » (٢).

ويدخل في الأوهام الظنّ ، لإطلاقه عليه في الأخبار بل في كلام اللغويين (٣) ، ومعنى تحمّله أوهامهم : أنّهم يتركون أوهامهم ويرجعون إلى يقين الإمام. وإذا ثبت الحكم فيه ثبت في العكس أيضا بالإجماع المركب.

وقد يستدلّ أيضا بأنّ اليقين أقوى من الظنّ فيجب الرجوع إليه (٤).

وفيه : أنّه أقوى منه إذا لوحظا في واحد. وأمّا مع تعدّد المحلّ فلا نسلّمه ، بل ربما كان ظنّ شخص له أقوى من يقين غيره.

خلافا في الموضعين لبعضهم ، فقيل برجوع الشاكّ إلى الظانّ ، لأنّ الظن في باب الشك في الصلاة بمنزلة اليقين (٥).

وفيه : منع المنزلة بالنسبة إلى غير الظانّ.

وقيل بعدم رجوع الظانّ إلى المتيقّن ، للأصل ، وعموم ما دلّ على تعبّد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ الصلاة ب ٤٠ ح ٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٤ ـ ١٢٠٥ ، التهذيب ٣ : ٢٧٧ ـ ٨١٢ ، الوسائل ٨ : ٢٤٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٢ ، وفي الجميع : الافتتاح ، بدل : الإحرام.

(٣) انظر : المصباح المنير : ٦٧٤ ، ولسان العرب ١٢ : ٦٤٤.

(٤) كما في الروض : ٣٤٢.

(٥) كما في الروضة ١ : ٣٤١ ، والمفاتيح ١ : ١٧٩ ، والذخيرة : ٣٦٩ ، والحدائق ٩ : ٢٧٠.

٢١٥

المصلّي بظنّه مطلقا ، أو في الأعداد كذلك ، أو في الأخيرتين ، على اختلاف الأقوال.

والتخصيص يحتاج إلى دليل وليس. وشمول الوهم في الخبر والسهو في الأخبار للظنّ غير معلوم (١).

والأصل يردّ بما مرّ. والعموم يخصّص به. ومنع شمول الوهم والسهو للظنّ ضعيف ، كما يستفاد من تتبّع الأخبار واللغة. ولو سلّم فشمول عدم الدراية ـ الواردة في الصحيحة الثانية (٢) ـ له ، لا يقبل المنع. وضمّ الإجماع المركّب إليها يعمّم المطلوب.

هذا إذا لم يحصل من يقين الآخر للظانّ يقين ، وإلاّ فيرجع إليه البتة ، بل لم يحصل له ظنّ أقوى من ظنّه ، وإلاّ فالظاهر عدم الخلاف في رجوعه إلى يقينه أيضا ، وطرح ظنّه فيما يرجع فيه إلى الظنّ لحصول الظنّ لنفسه ، فيرجع إليه لأجل ذلك وإن لم يرجع لكونه يقين الآخر.

بل وكذا في الموضع الأوّل فيرجع الشاكّ إلى الظانّ إذا حصل ظنّ له من ظنّه ، لما مرّ بعينه. ولكن الثمرة في هذا الموضع قليلة ، إذ درك كون الآخر ظانّا في أثناء الصلاة متعذّر جدّا.

ب : مقتضى إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب عدم الفرق في رجوع الإمام‌ الشاكّ أو الظانّ إلى المأموم المتيقّن بين كون المأموم ذكرا أو أنثى ، عادلا أو فاسقا ، واحدا أو متعدّدا ، مع اتفاقهم يحصل اليقين أو الظنّ بقولهم أو لم يحصل ، بل وكذا لو كان صبيّا مميزا ، لإطلاق قوله : « من خلفه ».

وأمّا غير المأموم فلا تعويل عليه وإن كان عدلا ، للأصل. نعم لو أفاد قوله الظنّ رجع إليه لذلك فيما يعتبر فيه الظنّ ، لا لكونه مخبرا.

ج : لو شكّ الإمام والمأموم معا‌ ، فإمّا يتّحد محلّه كما إذا شكّا بين الثلاث‌

__________________

(١) انظر : الذخيرة : ٣٦٩ ، والحدائق ٩ : ٢٧٠ ، والرياض ١ : ٢٢١.

(٢) وهي صحيحة علي المتقدّمة في ص ٢١٣.

٢١٦

والأربع ، فيلزمهما حكمه.

أو يختلف ، فإن كان لأحدهما متيقّن وجب الرجوع إليه لما مرّ ، كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع ، فيبنيان على الثلاث ، لأنّ المأموم متيقّن فيه والإمام شاكّ ، كما أنّ الإمام متيقّن بانتفاء الأربع والمأموم شاكّ ( ولا فرق في ذلك بين كون شكّ أحدهما موجبا للبطلان وعدمه ) (١).

ولو كان الباقي بعد أخذ المتيقّن أيضا شكّا في محلّ واحد يؤخذ بالمتيقّن ويلزمهما حكم الشك ، كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والأربع ، والآخر بين الثلاث والأربع.

وإن لم يكن لأحدهما متيقّن كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث ، والآخر بين الأربع والخمس ، تعيّن الانفراد ولزم كلا منهما العمل بمقتضى شكّه.

وكذا الحكم لو تعدّد المأمومون واختلفوا هم وإمامهم ، فيرجع الجميع إلى المتيقّن إن وجد ، وإلى الانفراد إن لم يوجد.

د : لو كان كلّ من المأموم والإمام موقنا أو ظانّا بخلاف ما تيقّنه الآخر أو ظنّه ، ينفرد المأموم ويعمل كلّ منهما بمقتضى يقينه أو ظنّه.

هـ : لو اختلف المأمومون بأن كان بعضهم متيقّنا وبعضهم شاكّا‌ ، فإن كان الإمام موافقا للموقنين رجع الشاكون اليه ، والوجه ظاهر.

وإن كان شاكّا قيل : يرجع إلى الموقنين لما مرّ ، والشاكّون إليه (٢).

ولا شكّ فيه إن حصل الظنّ للشاكّين. وإلاّ ففيه نظر ، لأصالة عدم الرجوع إلى الغير ، وعمومات أحكام الشك ، واختصاص المرسل الدالّ على الرجوع بصورة اتّفاق المأمومين ولو في بعض النسخ ، لوجوب الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على المتيقّن ، وليس إلاّ صورة الاتّفاق. سيّما أنّ قوله : « ولو‌

__________________

(١) ما بين القوسين لا توجد في « ق ».

(٢) كما في الروضة ١ : ٣٤١ ، والبحار ٨٥ : ٢٤٥ ، والحدائق ٩ : ٢٧٦ ، والذخيرة : ٣٧٠.

٢١٧

اختلف » في آخر المرسلة ظاهر في صحّة هذه النسخة.

مع أنّ الظاهر من النسخة الأخرى أيضا ذلك ، لقوله « منهم » بضمير الجمع الراجع إلى المأمومين.

ولا يفيد إطلاق غير المرسلة من الأخبار النافية للسهو عن الإمام والمأموم ، لظهورها في صورة الاتّفاق.

فرجوع كلّ من الإمام والمأمومين الشاكّين إلى حكمه أقوى ، كما هو المشهور على ما صرّح به بعضهم (١).

فإن اتّحد مقتضاه كأن تيقّن بعضهم بالأربع وشكّ الإمام والباقون بين الثلاث والأربع ، يبني الشاكّون أيضا على الأربع ويتمّون الصلاة كلّهم جماعة.

وإن اختلف انفرد المخالفون مع الإمام.

ولا ينافيه قوله في آخر المرسلة : « فإذا اختلف على الإمام .. » حيث إنه يدلّ على أنّ في صورة اختلاف المأمومين تجب الإعادة.

إذ الظاهر من قوله « اختلف على الإمام من خلفه » أن تيقّن كل على أمر ، وأمّا مع شكّ بعضهم ويقين الآخر ففي صدق اختلافهم عليه نظر. مع أنّه على فرض الصدق يتمّ الحكم بالمنافاة لو كان قوله : « في الاحتياط الإعادة » بدون إقحام الواو بين الاحتياط وبين الإعادة. وأمّا معه كما في بعض النسخ فلا ، بل يكون المعنى : أنّ على الإمام وعلى كلّ من المأمومين أن يعمل كلّ منهم على ما يقتضيه شكّه أو يقينه في الاحتياط والإعادة والأخذ بجزمه ، والظاهر منه حينئذ وجوب عمل كلّ بمقتضى شكه.

وهذه النسخة هي الموافقة للقواعد ، إذ لا وجه لإعادة الموقنين إذا لم يحصل لهم شكّ.

ولو منع الظهور في هذا المعنى فلا أقلّ من الإجمال المسقط للاستدلال‌

__________________

(١) البحار ٨٥ : ٢٤٦.

٢١٨

الموجب للرجوع إلى الأصل والعمومات.

ولو كان الإمام شاكّا ، والمأمومون متيقّنون مختلفون في محلّ اليقين ، فعلى الأظهر الأشهر ينفردون كلا إلاّ من كان يقينه موافقا لمقتضى عمل الإمام بشكّه إن كان ، لما مرّ ، والوجه فيه يظهر مما مرّ ، ولا يعارضه آخر المرسلة ، لما عرفت من اختلاف النسخ.

ثمَّ إنّه قد ذكر بعضهم في المقام صورا عديدة لا ينبغي للمحقّق التعرض لها ، لعدم ترتب فائدة عليها من جهة ما ذكرنا من تعذّر اطّلاع الإمام أو المأموم بحال الآخر في أكثر تلك الصور.

و : إذا شكّ الإمام يجب عليه الاستعلام ممّن خلفه‌ ولو بالبناء على أحد الطرفين لأجل الاستعلام ، لوجوب بنائه على يقينهم وتوقفه على الاستعلام.

واختصاص الوجوب بصورة وجود اليقين لهم ، وهو غير معلوم لاحتمال شكّهم أيضا.

مردود بأصالة عدم شكّهم ، مع أنّ في صورة شكّهم أيضا له واجب يتوقّف امتثاله على الاستعلام.

فإذا استعلم فإن نبّهه من خلفه بكونه خطأ يرجع إلى ما نبّهوه عليه ، وإلاّ فيمضي ، لما مرّ من أصالة عدم شكّهم ، ولمفهوم قوله : « فإذا اختلف على الإمام » في المرسلة المتقدمة. وليس عليه سجدة سهو أو احتياط إن كان المبني عليه ما يقتضيه لو كان منفردا ، لأنّ حفظ المأمومين بمنزلة اليقين إجماعا ، وللمفهوم المذكور.

ز : يظهر ممّا مرّ من الأصل والمفهوم والإطلاقات المتقدّمة‌ أنّه تجب على كلّ منهما حين الشك متابعة الآخر ما لم يعلم شكّه أو خطاءه ، ولا يلتفت إلى احتمال شكه أو خطائه ، وعليه الإجماع أيضا ويوافقه الظاهر.

٢١٩

المسألة الحادية عشرة :

لو اشترك الإمام والمأموم في السهو‌ فلا خلاف ظاهرا ـ كما قيل (١) ـ في وجوب عمل كلّ منهما بما يقتضيه حكم ذلك السهو ، اتّفقا في خصوصيّته أو اختلفا.

فالأول كما إذا تركا سجدة فذكراها بعد الركوع ، فيمضيان في الصلاة ، ويقضيان السجود بعدها ، ويسجدان للسهو على وجوبها هنا. ولو ذكرها قبل الركوع يأتيان بها ويستأنفان الركعة.

والثاني كما إذا ذكر الإمام السجدة المنسيّة بعد ركوعه ، والمأموم قبله ، فيأتي المأموم بها ثمَّ يلحق الإمام ، والإمام يقضيها بعد تمام صلاته.

ولو نسيا السجدتين معا ، وذكرهما الإمام بعد الركوع ، والمأموم قبله ، بطلت صلاة الإمام ، والمأموم يأتي بهما وينفرد.

كلّ ذلك لعمومات أحكام السهو وإطلاقاتها. ولا يعارضها ما ورد من « أنّه لا سهو على من خلف الإمام » (٢) ومن « أنّ الإمام ضامن » (٣) إذ لكلّ من الفقرتين احتمالات عديدة ـ سيأتي ذكرها ـ موجبة لإجماله ، ومعه يسقط جواز الاستدلال به. ومع ذلك معارض بما هو أرجح منه كما يأتي.

ولو اختصّ المأموم بالسهو فالظاهر عدم الخلاف في وجوب التدارك لو تذكّر في المحلّ ، ولا في البطلان لو تذكّر بعده وكان المسهوّ عنه ركنا أو زاد ركنا سهوا.

وتدلّ عليه عمومات تلك الأحكام ، وموثّقة عمار : عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة ، قال : « يعيد الصلاة » (٤).

ولا يعارضها ما مرّ ، لما يأتي.

وإنّما الخلاف في سجود السهو وفي قضاء المسهوّ عنه لو كان ممّا يقضى.

__________________

(١) في الحدائق ٩ : ٢٨٠.

(٢) انظر : الوسائل ٨ : ٢٣٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤.

(٣) انظر : الوسائل ٥ : ٣٧٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ـ ١٤٦٦ ، الوسائل ٨ : ٢٤١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٧.

٢٢٠