مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

الفصل الثالث

في حكم الظنّ‌

بأن يتردد ذهنه بين أمرين ، وكان أحدهما راجحا عنده.

وحكمه البناء على الظنّ ، بمعنى جعل الواقع ما ظنّه من غير احتياط ، وتقدير الصلاة كأنّها وقعت على هذا الوجه ، سواء اقتضى الصحة أو الفساد.

فإن ظنّ الأقلّ بنى عليه ، وإن ظنّ الأكثر من غير زيادة في عدد الصلاة كالأربع ، تشهّد وسلّم ، وإن ظنّ الزيادة كالخمس فكأنّه زاد ركعة ، فتبطل إن لم يكن جلس في الرابعة أو مطلقا ، وهكذا.

بلا خلاف يوجد إذا تعلّق ذلك بعدد الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة.

لا لدفع العسر كما قيل (١) ، إذ لا عسر إلاّ مع الكثرة ، ومعها يرتفع حكم الشك.

بل للنبويين العاميّين :

أحدهما : « إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه » (٢).

والآخر : « إذا شكّ أحدكم في الصلاة فليتحرّ الصواب » (٣).

ولموثّقة البقباق ، وصحيحتي الحلبي ، وابن أبي العلاء ، المتقدّمة جميعا في المسألة السادسة من الفصل الأوّل (٤).

__________________

(١) في الذكرى : ٢٢٢.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ ـ ٩٠ ، سنن النسائي ٣ : ٢٨.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ ـ ٩٠ ، سنن النسائي ٣ : ٢٨ ، سنن أبي داود ١ : ٢٦٨ ـ ١٠٢٠.

(٤) راجع ص ١٤٣.

١٨١

وقد يستدلّ أيضا بمفهوم صحيحة صفوان المتقدّمة في الرابعة منه (١).

ولا يخفى أنّها مختصة بما كان متعلّق الشك جميع الركعات لا الأخيرتين. وإثبات الحكم فيهما بعدم الفصل إنّما يفيد لو تمَّ الحكم في الأصل ، وسيأتي عدم تماميّته فيه. فالدليل ما مرّ. ولكنّه لا يشمل جميع صور الشكّ بين الأخيرتين ، وإنّما يتعدّى إلى الجميع بالإجماع المركّب.

وعلى هذا ، فيشكل الحكم فيما إذا كان أحد طرفي الشك ما زاد على الأربع ، إلاّ إذا ثبت عدم القول بالفصل فيه أيضا كما هو الظاهر. وأمر الاحتياط واضح.

وعلى الأشهر ـ كما صرّح به جمع (٢) ـ إذا تعلّق بأعداد الركعات مطلقا ، بل قيل : إنّه إجماع (٣).

للشهرة.

ونقل الإجماع.

وعموم النبويين.

ومفهوم الصحيحة الأخيرة.

واستقراء اعتبار الظن في غير الأوليين ، فيعتبر فيهما أيضا.

ومفهوم مثل قوله : « إذا شككت في الفجر فأعد » (٤).

ويردّ الأوّلان : بعدم الحجّية ، سيّما مع ظنّ مخالفة جمع من الأجلة (٥).

والثالث : بالضعف سندا ، وعدم فائدة الانجبار في الأخبار العاميّة ، والقصور بل الإجمال دلالة ، لعدم صراحتهما في المطلوب ، لاحتمال أن يكون المراد‌

__________________

(١) راجع ص : ١٣٤.

(٢) انظر : الذخيرة : ٣٦٨ ، والحدائق ٩ : ٢٠٦ ، والرياض ١ : ٢١٧ ، وفي الجميع : على المشهور.

(٣) كما في مجمع الفائدة ٣ : ١٢٨.

(٤) انظر : الوسائل ٨ : ١٩٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢.

(٥) كما سيأتي في ص : ١٨٤.

١٨٢

سيّما في الثاني منهما التروّي لنيل الصواب.

والرابع ـ بعد تسليم دلالته بالمفهوم على المطلوب ـ : بمعارضته مع ما هو أكثر عددا ، وأصرح دلالة ، وأوفق بما نهي عن متابعة الظنّ وغير العلم من الكتاب والسنّة ، من الروايات الدالّة على البطلان في صورة عدم اليقين وعدم الدراية في عدد الأوليين أو الثنائية أو الثلاثية ، ووجوب التحفّظ فيها ، كما مرّ ، بل جميع الروايات الدالّة على الإعادة بالشكّ فيها ، لأنّه لغة ما قابل اليقين ، بالعموم من وجه.

ومع صحيحة زرارة : « كان الّذي فرض الله على العباد من الصلاة عشر ركعات ، وفيهنّ القراءة وليس فيهنّ وهم » إلى أن قال : « فمن شكّ في الأوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم » (١).

المؤيّدة بالأخرى : « عشر ركعات ـ إلى أن قال ـ : لا يجوز الوهم فيهنّ ، ومن وهم في شي‌ء منهنّ استقبل الصلاة » (٢).

بالعموم والخصوص المطلق ، فإنّ قوله في الأولى : « عمل بالوهم » أي إذا وقع وهمه على شي‌ء ، وإلاّ لما كان للعمل بالوهم معنى ، فيكون معنى صدره : من شكّ في الأوليين وقع وهمه على شي‌ء لم يعمل به ، بضميمة كون التفصيل قاطعا للشركة ، وموردها خاصّ بالأوليين.

فإن قيل : المراد من قوله : « كم صلّى » في صحيحة صفوان إمّا الشاكّ في الجميع بخصوصه ، أو من لم يدر قدر ما صلّى مطلقا. والأوّل لا يشمل الشك في غير الأخيرتين ، وعلى الثاني أيضا يختصّ بغيرهما ، للإجماع على عدم وجوب الإعادة بالشك فيهما ، فلو وجبت الإعادة مع وقوع الوهم على غيرهما يصير التقييد لغوا‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٢٨ ـ ٦٠٥ ، مستطرفات السرائر : ٧٤ ـ ١٨ ، الوسائل ٨ : ١٨٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٣ الصلاة ب ٤ ح ٧ ، الوسائل ٤ : ٤٩ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ١٢.

١٨٣

بالمرّة.

قلنا : هذا إنّما يفيد على حجيّة مفهوم الوصف ، لأنّ مرجع الكلام إنّما هو إليها.

إلاّ أنه يمكن أن يقال : إنّ أخصّية صحيحة زرارة مطلقا إنّما هي بعد إرادة الظن من الوهم في قوله « عمل بالوهم » وهو ليس بأولى من أن يراد بالعمل بالوهم العمل بمقتضى الشك من البناء على الأكثر. مضافا إلى أنّ مقتضاها العمل بالظن في المغرب أيضا ، وهو مخالف لما يضمّ مع إعادة الأوليين من الإجماع المركب. وإلى احتمال أن يكون قوله : « فمن شك » من كلام الفقيه.

والخامس : بعدم حجيّة هذا الاستقراء.

والسادس : بأنه مبني على كون المراد بالشك ما يتساوى طرفاه ، وهو خلاف ما ذكره اللغويون وما تساعده الأخبار ، فمنطوقه على خلاف المطلوب أدلّ. مع أنّه على فرض الشمول يعارض ما مرّ.

وعلى هذا فالقول بعدم مساواة غير الأخيرتين لهما في ذلك الحكم ، بل بطلان الصلاة في غيرهما قوي جدّا ، كما عن الحلّي (١) ، بل قيل (٢) : هو ظاهر الكليني والفقيه والمقنعة والنهاية والمبسوط والخلاف والمنتهى والنافع (٣) ، وهو ظاهر الانتصار أو محتمله (٤) ، واختاره بعض مشايخنا المتأخّرين (٥). وظاهر الأردبيلي والذخيرة والكفاية التردّد (٦).

__________________

(١) في السرائر ١ : ٢٤٥.

(٢) انظر : الرياض ١ : ٢١٧.

(٣) الكليني في الكافي ٣ : ٣٥٩ ، الفقيه ١ : ٢٢٥ ، المقنعة : ١٤٥ ، النهاية : ٩٠ ، المبسوط ١ : ١٢١ ، الخلاف ١ : ٤٤٧ ، المنتهى ١ : ٤١٠ ، النافع : ٤٤.

(٤) الانتصار : ٤٨.

(٥) قوّى صاحب الحدائق ٩ : ٢٠٨ ، القول بالبطلان ، وقال البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ) وصاحب الرياض ١ : ٢١٧ : بالاحتياط بالإتمام والإعادة ، فراجع.

(٦) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٢٨ ، الذخيرة : ٣٦٨ ، الكفاية : ٢٥.

١٨٤

وهذا القدر كاف في عدم ثبوت الإجماع في المسألة. ولا يضرّ شي‌ء من الاضطراب في بعض كلمات هؤلاء الموجب لاحتمال موافقة المشهور ، لأنّ عدم ثبوت الموافقة لهم كاف لجواز مخالفتهم بالدليل.

لا يقال : رواية ابن عمّار : « إذا ذهب وهمك إلى التمام ، ابدأ في كلّ صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع » (١).

تشمل بعمومها الثنائية والثلاثيّة أيضا ، فتكونان صحيحتين مع الوهم.

قلنا : وهم التمام لا يكون إلاّ مع الفراغ ، ولا اعتبار بشكّ ولا ظنّ حينئذ أصلا. مع أنّها أيضا أعمّ مطلقا ممّا مرّ.

ومما ذكر ظهر الحكم في الأفعال أيضا ، وأنّ الحقّ أنّ الظنّ فيها كالشك ، وفاقا لظاهر كلّ من لم يذكر حكم الظن إلاّ في الأعداد ، ومنهم المحقّق في النافع (٢).

ولا يرد أنّ أخبار حكم الشك في الأفعال متضمّنة للفظ الشك ، وصدقه على الظنّ غير معلوم.

لأنّا نجيب بأعميّته لغة عن الظن. والحقيقة الشرعية غير ثابتة وإن لم تثبت الأعميّة في عرف الشارع أيضا كما هو الظاهر من الأخبار. مع أنّ الحكم في بعضها متعلّق بعدم الدراية الشامل للظنّ قطعا. واختصاصه ببعض الصور ـ بعد عدم القول بالفرق ـ غير ضائر.

وخلافا للمشهور ، لبعض ما مرّ مع ضعفه ، وللقياس على الأعداد بالطريق الأولى. والأولوية ممنوعة جدّا.

وعن علي بن بابويه قول آخر وهو : البطلان في الشك في الأوليين أوّلا ، والبناء على ظنّه فيهما ثانيا ، مع صلاة الاحتياط عند البناء على الثانية (٣) ، للرضوي‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٣ ـ ٧٣٠ ، الوسائل ٨ : ٢١١ أبواب الخلل ب ٧ ح ٢.

(٢) النافع : ٤٤.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٣٢.

١٨٥

المصرّح بذلك (١).

وهو ضعيف لا يصلح لمعارضة ما مرّ. ومع ذلك موافق ـ على ما حكي ـ لقول أبي حنيفة (٢). مضافا إلى شذوذه المخرج للخبر الصحيح عن الحجّية أيضا.

كما أنّ قوله الآخر ، وهو : البناء على الثلاث مع صلاة الاحتياط وسجدة السهو إذا شكّ بينها وبين الاثنتين فظنّ الثلاث (٣) ، أيضا كذلك. ومع ذلك خال عن المستند. وتوهّم دلالة موثقة أبي بصير (٤) عليه فاسد. بل هي دالّة على حكم آخر شاذّ أيضا لم يعمل به أحد ، كبعض أخبار أخر دالّة على صلاة الاحتياط ، أو سجدة السهو في بعض صور البناء على المظنون ، أو كلّها (٥). فكلّ ذلك بالشذوذ مطروح ، وحملها على الاستحباب ممكن ، بل منها ما لا يفيد أزيد منه أيضا.

فرع :

هل يجب التروّي عند حصول الشك ليحصل اليأس عن الترجيح ، أو يترجّح أحد الطرفين فيبني عليه ، أم لا؟

قيل : لا (٦) ، للأصل ، والإطلاقات ، وعدم تقدير حدّ التروي.

وقيل : نعم (٧) ، لجريان العادة بالتّروي في استحصال المطالب ، بل لعدم صدق الشاك ولا أدري ونحوهما إلاّ بعد التروّي. وبه يدفع الأصل. والإطلاق ينصرف إلى الكامل ، وهو المستقرّ لا بمجرد الخطور والبدار. ويقدّر حدّه بما يبني عليه أهل العرف أمرهم في حكمهم بأنّا شاكّون في كذا وكذا ، وهو حدّ معروف‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٧ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٠١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) انظر : بدائع الصنائع ١ : ١٦٥.

(٣) حكاه في المختلف : ١٣٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٨٥ ـ ٧٣٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٨ أبواب الخلل ب ١٠ ح ٧.

(٥) انظر : الوسائل ٨ : ٢١١ و ٢١٨ أبواب الخلل ب ٧ ح ٢ وب ١٠ ح ٨ و ٩.

(٦) انظر الذخيرة : ٣٦٨.

(٧) روض الجنان : ٣٤٠.

١٨٦

يبنى عليه في المحاورات كثيرا.

وهو الأقوى ، لما أشير إليه من عدم معلومية صدق الموضوع بمجرد الخطور ما لم يتروّ شيئا ما.

ويؤيده استلزام عدمه الهرج في الصلاة ، والإشارة إليه في بعض الأخبار ، كالأخبار المتضمّنة لقوله : « وقع رأيك على الثلاث » وقوله : « وإن ذهب وهمك » « وإن وقع شكه » وأمثال ذلك. فتأمّل.

ثمَّ المتروّي لا يرتكب شيئا من أفعال الصلاة حال التروّي حتّى يبنى أمره على طرف ، لعدم معلومية وظيفته. إلاّ إذا كانت الوظيفة مشتركة. ولو أتى بغير المشترك بقصد الصلاة تفسد الصلاة إن كان ممّا يفسدها.

١٨٧

الفصل الرابع

في بقيّة أحكام الشك والظن

وفيه مسائل :

المسألة الاولى :

لا حكم للشك مع الكثرة‌ اتفاقا ، كما صرّح به بعض الأجلّة ، وبعض آخر ممّن لحقه (١).

لصحيحة زرارة وأبي بصير : الرجل يشكّ كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه ، قال : « يعيد » قلنا : فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ ، قال : « يمضي في شكه » ثمَّ قال : « لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد ، فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرنّ نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك » (٢) الحديث.

ولا يضرّ في الاستدلال بها قوله : « يعيد » أوّلا مع كون السؤال أيضا عمّن يشكّ كثيرا ، كما أنّ السؤال عنه أيضا ثانيا ، كما توهّمه المحقق الأردبيلي ، ولأجله حكم بتخيير كثير الشك بين المضيّ وعدم الالتفات ، وبين العمل بمقتضى الشك (٣) ، واحتمله في الذكرى والذخيرة أيضا (٤).

لأنّ المراد بالكثرة أولا كثرة أطراف الشك لا أفراده كما يشعر به قوله : « حتى‌

__________________

(١) انظر : شرح المفاتيح للبهبهاني (ره) ( مخطوط ).

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٨ الصلاة ب ٤٣ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ ـ ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ ـ ١٤٢٢ ، الوسائل ٨ : ٢٢٨ أبواب الخلل ب ١٦ ح ٢.

(٣) مجمع الفائدة ٣ : ١٤٢ و ١٤٧.

(٤) الذكرى : ٢٢٣ ، الذخيرة : ٣٧٠.

١٨٨

لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه » وبها ثانيا كثرة أفراده التي هي محلّ البحث بقرينة قوله : « كلّما أعاد شك » ولو سلّم عدم صراحة الأول في كثرة الأطراف ، فلا أقلّ من احتماله المسقط لمدافعته مع الثاني.

وكذا لا يضرّ في إفادة الوجوب الإتيان بالجملة الخبرية في قوله : « يمضي في شكّه ».

لصريح النهي في التعليل بقوله : « لا تعودوا » وصريح الأمر في قوله : « فليمض أحدكم في الوهم » المراد به الشك قطعا كما يدلّ عليه قوله : « لم يعد إليه الشك ».

وصحيحة محمّد : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ، فإنّه يوشك أن يدعك ، إنّما هو من الشيطان » (١).

وهي وإن كانت متضمّنة للسهو الذي شموله للشك محلّ كلام ، إلاّ أنّ التعليل فيها يفيد التعميم ، كما يظهر من الصحيحة السابقة وغيرها.

وموثّقة الساباطي : في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة ، فيشكّ في الركوع ، فلا يدري أركع أم لا ، ويشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا ، قال : « لا يسجد ، ولا يركع » (٢).

ورواية عليّ بن أبي حمزة ، المتقدّمة في مسألة الشك في جميع الركعات (٣) ، فإنّها وإن لم يصرّح فيها بكثرة الشك ، إلاّ أنّ تعليله بقوله : « يوشك .. » كالصريح في إرادتها.

وهل الحكم مختصّ بالشك؟ كما عن المعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ الصلاة ب ٤٣ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٤ ـ ٩٨٩ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ ـ ١٤٢٤ ، الوسائل ٨ : ٢٢٧ أبواب الخلل ب ١٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ ـ ١٣٧٢ ، الوسائل ٨ : ٢٢٩ أبواب الخلل ب ١٦ ح ٥.

(٣) راجع ص ١٣٥.

١٨٩

الإحكام ، وفي المدارك (١) ، بل قيل : إنّه مذهب الأكثر (٢).

أو يجري في السهو أيضا؟ كما عن الشيخ وابن زهرة والحلّي وفي روض الجنان والروضة والذخيرة (٣) ، إمّا مطلقا أو في غير الركن ، وقال بعض مشايخنا الأخباريين : الظاهر أنّه المشهور (٤) ، ونسبه في الذخيرة إلى كثير من الأصحاب (٥) ، بل يستفاد من الذكرى أن عليه ظاهر الأصحاب ، حيث حكم بشمول ظاهر كلامهم لسقوط سجدة السهو واختاره (٦).

وهو الحقّ مطلقا ، لصحيحة محمّد المتقدّمة ، ومرسلة الفقيه : « إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض في صلاتك ولا تعد » (٧).

وصحيحة ابن سنان : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » (٨).

وكذا يدلّ عليه العموم المستفاد من التعليل في الصحيحة الاولى.

وبذلك يخصّص عموم ما دلّ على لزوم الإتيان بمتعلّق السهو وموجبه.

وتوهّم عدم صلاحيتها للتخصيص ، لأنّ المراد بالسهو فيها الشك ، للاتفاق على إرادته منه ، فلو أريد المعنى الحقيقي يلزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، وعموم المجاز يتوقّف على قرينة دالّة عليه ، وهي مفقودة ، والاتفاق على إرادة الشك أعمّ من إرادته ، لاحتمال كونه قرينة على إرادة الشك بالخصوص (٩).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٩٣ ، المنتهى ١ : ٤١١ ، التذكرة ١ : ١٣٦ ، نهاية الأحكام ١ : ٥٣٣ ، المدارك ٤ : ٢٧١.

(٢) الحدائق ٩ : ٢٨٨ وفيه : نقل بعض مشايخنا أنه مذهب الأكثر.

(٣) الشيخ في النهاية : ٩٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٦ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٤٨ ، روض الجنان : ٣٤٣ ، الروضة ١ : ٣٣٩ ، الذخيرة : ٣٧٠.

(٤) الحدائق ٩ : ٢٨٨.

(٥) الذخيرة : ٣٧٠.

(٦) الذكرى : ٢٢٣.

(٧) الفقيه ١ : ٢٢٤ ـ ٩٨٨ ، الوسائل ٨ : ٢٢٩ أبواب الخلل ب ١٦ ح ٦.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٤٣ ـ ١٤٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢٢٨ أبواب الخلل ب ١٦ ح ٣.

(٩) انظر : الرياض ١ : ٢١٩.

١٩٠

مردود : بمنع الاتفاق المذكور.

واستدلال بعضهم بها أيضا في المقام قد يكون لجمعه بين حكم السهو والشك معا فيحتجّ برواياتهما. وقد يكون لاستفادة حكم الشك أيضا بالتعليل المذكور كما تقدّم منا ، أو بضميمة الإجماع المركب ، إذ كلّ من يقول بسقوط حكم السهو يقول به في الشك أيضا.

ولو كان صريح بعضهم أيضا الاستدلال بها لحكم الشك بخصوص إرادته من السهو لا يثبت منه اتفاق ولا حجة.

ونسبته في الصحيحة الاولى إلى الشيطان لا ترجّح إرادة الشك منه حيث إنّه المنسوب إليه في كثير من الأخبار ، والسهو من لوازم طبيعة الإنسان ، لأنّ السهو أيضا منه ، قال الله سبحانه ( وَإِمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ ) (١). وقال ( وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ ) (٢).

وبالجملة لم يثبت اتفاق ، ولم يعلم من جهة أخرى إرادة الشك من السهو في هذه الروايات أصلا لا من حيث الخصوص ، ولا من حيث العموم. وبمجرّد احتمالها وقول بعض أو طائفة ، لا ترفع اليد عن الحقيقة اللغوية والعرفية المعلومتين.

مع أنّه على فرض ثبوت الاتفاق يمكن ترجيح إرادة الأعمّ بكونه أقرب المجازين. ولكنّه محل نظر.

ودعوى أنّ كثرة استعمال السهو في الشك بلغت حدّا لا يمكن حمله على أحدهما بدون القرينة كما في البحار (٣).

مدفوعة بالمنع ، كيف؟! وغاية ما روي استعماله فيه خمس أو عشر أو ما يقربهما ، ولا تثبت بذلك الكثرة الموجبة لرفع اليد عن الحقيقة.

__________________

(١) الأنعام : ٦٨.

(٢) الكهف : ٦٣.

(٣) البحار ٨٥ : ٢٨١.

١٩١

هذا ، مع أنّ الحجية ليست منحصرة بما يتضمن لفظ السهو ، بل عموم التعليل أيضا ـ كما عرفت ـ يدلّ على المطلوب.

والقول بأنّ حمله على السهو يوجب تخصيصات كثيرة تخرجه عن الظهور ، للإجماع على وجوب الإتيان بما بقي محلّه من المتروك ، والبطلان إذا كان المتروك ركنا ، وقضاء ما يقضى بعد الصلاة من الأجزاء المنسية ، فتنحصر فائدة نفي السهو في سقوط سجدتي السهو ، وارتكاب مثل هذا التخصيص بعيد جدّا ، وأبعد بكثير من حمل السهو على خصوص الشك. مع أنّ مدلول الروايات المضيّ في الصلاة ، وهو لا ينافي وجوب سجود السهو ، إذ هو خارج عن الصلاة ، فلا تحصل للروايات على حملها على المعنى الحقيقي فائدة ، كما قاله في البحار (١).

غير جيد ، إذ ليس هناك تخصيص ، إذ المذكور في الأخبار « امض في صلاتك » فلو ثبتت الإجماعات المذكورة لا بدّ أن يجعل ذلك تجوّزا عن إرادة عدم الإتيان بسجود السهو ، فكان عليه أن يقول : إنّ ذلك المجاز ليس بأولى من إرادة الشك من السهو. إلاّ أنّ مبنى كلامه مردود بعدم ثبوت الإجماعات المذكورة ، ولا دليل آخر على هذه الأمور ، بل صرّح بعض مشايخنا بالمضيّ في الجميع (٢) ، فتكون الروايات بجميع ألفاظها باقية على حقائقها.

ولا يحتاج في تصحيح الاستدلال بالأخبار إلى ما قيل من أنّ وجوب تدارك المسهوّ عنه في الصلاة أو بعدها لا يوجب تخصيص معنى السهو ، إذ ليس هو السبب في وجوب الحكم بتداركه ، وإنّما هو عموم أدلّته ، وسببيّة السهو ليست إلاّ بالنسبة إلى سجود السهو ، فلا يجب مع الكثرة وليس فيه تخصيص. وبالجملة المراد من السهو المنفي موجبه ، وهو ليس إلاّ سجود السهو ، وإلاّ فالمسهوّ عنه ما وجب أداء وتداركا إلاّ لعموم أدلّة لزوم فعله ، وكذا فساد الصلاة بالسهو عن‌

__________________

(١) البحار ٨٥ : ٢٧٧.

(٢) الحدائق ٩ : ٢٩٥.

١٩٢

الركن لم ينشأ من نفس السهو ، بل من حيث الترك ، حتى لو حصل من غير جهته لفسدت أيضا (١).

مضافا إلى ما فيه أنّه ليس في رواياتنا نفي سهو حتى يصحّ ذلك ، بل المذكور فيها : « امض في صلاتك ». نعم ورد ذلك في بعض كلمات الأصحاب.

مع أنّ قوله : سببيّة السهو ليست إلاّ بالنسبة إلى سجود السهو ، غير صحيح ، لأنّ التدارك أيضا مسبّب للسهو بأنه لولاه لما حصل التدارك ، وعموم أدلّته لا يفيد إلاّ وجوب الأجزاء أداء ، ولذا يقتصر في التدارك على ما عليه دليل بخصوصه. وإن أراد بالأدلّة أدلّة التدارك فسجود السهو أيضا كذلك ، فإنّه لا يسجد سهوا إلاّ فيما عليه دليل خاص.

وبالجملة سببيّة السهو للزوم التدارك وسجدة السهو مشتركة وإن احتاج بيان سببيّته إلى التوقيف ، بل وكذلك في السهو عن الركن لو قلنا بالبطلان والفساد من غير جهته لا ينفي الفساد من جهته أيضا.

احتجّ المخالف في السهو بعموم أدلّة أحكام السهو ، مع تضعيف مخصّصاتها ببعض ما ذكر بجوابه.

فروع :

أ : كثير الظن مثل كثير الشك ، فلا يلتفت إلى ظنّه لو كان مقتضاه مخالفا لحكم كثير الشك ، لصدق الموضوع ، فإنّ الشكّ هو خلاف اليقين ، كما يظهر من الأخبار بل اللغة. ولجريان العلّة ، فإنّ الظنّ أيضا لا يكون إلاّ مع سهو ونسيان لا محالة ، والنسيان من الشيطان ، بل لا يكون إلاّ مع غفلة ، والغفلة هو معنى السهو ، فتشمله الأخبار المتضمّنة للسهو أيضا.

ويؤيّده أيضا قوله : « حتى يستيقن يقينا » في آخر موثقة الساباطي (٢) ، كما‌

__________________

(١) انظر : الرياض ١ : ٢٢٠.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ ـ ١٣٧٢ ، الوسائل ٨ : ٢٢٩ أبواب الخلل ب

١٩٣

يدلّ على عدم اعتبار ظنّ كثير الشك ، إذ دلّت على أنّه لا يلتفت كثير الشك إلاّ إذا استيقن يقينا فلا يعبأ بظنّه.

ب : المرجع في معرفة الكثرة العرف ، وفاقا للفاضل والشهيدين (١) ، وأكثر المتأخّرين (٢) ، بل مطلقا كما قيل (٣) ، لأنه المحكّم فيما لم يرد به بيان من الشرع ولا تعيين من اللغة.

وأمّا صحيحة ابن أبي حمزة : « وإذا كان الرجل يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن يكثر عليه السهو » (٤).

فليست فيها مخالفة للعرف ، إذ كلّ من لا يسلم كلّ ثلاث صلوات متتالية منه من سهو فهو كثير السهو عرفا قطعا. وصدقه على غير ذلك ـ كمن يسهو في ثلاث واحدة أو ثلاثين متكررا ـ غير ضائر ، إذ ليست في الصحيحة دلالة على الحصر.

ولا يتوهّم أنّ مفهومها يدلّ عليه ، لعدم اعتبار المفهوم فيه ، إذ مقتضى منطوقه أنّ ما ذكر فيه بعض أفراد من يكثر عليه السهو ، فيكون له بعض أفراد أخر أيضا هو ممّن لم يكن كذلك ، فلو اعتبر فيه المفهوم لزم التناقض. مع أنّا نعلم قطعا عدم انحصار كثير السهو في ذلك ، فعلى اعتبار المفهوم لا بدّ من ارتكاب تجوّز في قوله : « ممّن يكثر عليه السهو » بإرادة من يكون له حكم كثير السهو ، أو إرادة نوع خاصّ من كثير السهو ، وهو الّذي أراده الشارع ، وليس ذلك بأولى من التجوّز بعدم اعتبار المفهوم ، فلا يعلم معارض للمنطوق.

وأمّا ردّ الحديث بالإجمال وتعدّد الاحتمال فليس بجيد ، لكونه ظاهرا فيما‌

__________________

١٦ ح ٥.

(١) الفاضل في التذكرة ١ : ١٣٦ ، الشهيد الأول في الذكرى : ٢٢٢ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٣٩.

(٢) كالفيض في المفاتيح ١ : ١٨٠ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٦.

(٣) في الرياض ١ : ٢٢١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٤ ـ ٩٩٠ ، الوسائل ٨ : ٢٢٩ أبواب الخلل ب ١٦ ح ٧.

١٩٤

ذكرنا من المعنى.

والمراد بعدم خلوّ كلّ ثلاث كونه كذلك أيضا عرفا ، أي يقال في العرف : إنّه يسهو في كلّ ثلاث ، لا كلّ ثلاث من أيام تكليفه أو حياته ، أو من شهر أو سنة أو غير ذلك ممّا يتصور ، فلا إجمال فيه من هذه الجهة أيضا ، فهو ممّا يبيّن أحد المصاديق العرفية.

وله مصداقات أخر أيضا ، والظاهر صدقه على من يسهو في كلّ من صلوات خمس من يوم ، أو أكثرها من يومين أو أكثر ، وعلى من يسهو خمسا أو أكثر في صلاة واحدة. بل لا يبعد صدقه بالسهو ثلاثا في صلاة واحدة أو في ثلاث صلوات متتالية فرائض أو نوافل ، فيعمل في الرابعة بعمل كثير السهو دون الثالثة ، إذ الظاهر عدم صدق الكثرة إلاّ بالسهو الرابع. ولو حصلت تلك الثلاث غير متتالية لم يعتدّ بها. نعم لو تكرّر أياما بحيث تصدق الكثرة عرفا تعيّن اعتبارها.

ولعلّ إلى ذلك نظر من حدّه بثلاث مرّات متتالية كابن حمزة (١) ، أو في شي‌ء واحد ثلاث مرات ، أو في أكثر الخمس كالحلّي (٢).

والتحديد بالاثنين لقوله : « لا إعادة في إعادة » (٣) غير صحيح ، لعدم الدلالة.

والشك كالسهو في ذلك كلّه.

وما لم يعلم تحقّق الكثرة يعمل بمقتضى السهو أو الشك.

ج : لو كثر شكّه أو سهوه في فعل بعينه يعمل بعمل ذي الكثرة‌ في غيره أيضا ، لصدق الكثرة ، وإطلاق الأدلّة ، وجريان العلّة.

نعم يشترط أن يكون الفعلان جزأي عبادة واحدة ، كالوضوء أو الصلاة. أمّا مع تغاير نوع العبادة فلا ، فكثير الشك في الصلاة لا يرفع اليد عن حكم‌

__________________

(١) الوسيلة : ١٠٢.

(٢) السرائر ١ : ٢٤٨.

(٣) انظر : الوسائل ٨ : ٢٤٣ أبواب الخلل ب ٢٥ ح ١.

١٩٥

الشك في الوضوء ، وبالعكس ، لعدم دليل على هذا التعميم ، فإنّ الأخبار منحصرة في الصلاة.

نعم يستفاد التعميم من التعليل ، ودلالة عمومه على مثل ذلك غير معلومة ، ولو سلّمت فمفهوم الشرط في مرسلة الفقيه المتقدمة (١) يخصّص ، ويثبت الحكم في غير موردها بالإجماع المركّب.

ويشترط أيضا في صدق الكثرة تعدّد الشك أو السهو ، ولا يكفي تعدّد المسهوّ منه والمشكوك فيه خاصة. فلو سها عن أفعال متعدّدة متّصلة بسهو واحد ، كأن يترك السجدتين وواجباتهما والتشهد من ركعة لم يكن كثير السهو.

وأمّا رواية ابن أبي حمزة فالظاهر منها ـ كما مرّ ـ كثير الشك بقرينة قوله : « يوشك أن يدعه » (٢).

مع أنّها معارضة مع صدر صحيحة زرارة المتقدّمة في صدر المسألة (٣) ، فلا تصير حجة علينا.

ولا يشترط كون متعلّق الشكوك ما يترتّب على الشك فيه حكم ، كنقض أو تدارك أو سجود سهو ، لعدم توقّف صدق كثير الشك عليه. فلو شكّ كثيرا بعد تجاوز المحل ، أو في النافلة ، أو مع رجحان أحد الطرفين ، في الأخيرتين أو مطلقا ـ على اختلاف القولين ـ ثمَّ شكّ شكّا له حكم ، سقط حكمه.

وقيل بالاشتراط ، للاقتصار في موضع خالف حكم الأصل ـ الدالّ على لزوم حكم الشك ـ على المتيقّن من النصّ ، وليس إلاّ شكّ كثير له حكم (٤).

وفيه : منع انحصار المتيقّن إن أراد بالنصّ أعمّ ممّا هو ظاهر بحسب‌

__________________

(١) في ص ١٩٠.

(٢) راجع ص ١٣٥.

(٣) راجع ص ١٨٨.

(٤) الرياض ١ : ٢٢٠.

١٩٦

الإطلاق أو العموم ، ومنع لزوم الاقتصار عليه إن أريد الأخصّ منه.

د : يجب في صدق كثرة الشك والسهو تحقّق الكثير‌ ، فلا تكفي دلالة الحال على وقوعهما كثيرا من غير تحقّق ، كتشاغل قلب وكثرة همّ ، للأصل والاستصحاب ، كما أنّه لو كثر شكّه لمثل تلك الحالة ، ثمَّ ارتفعت بحيث يعلم انتفاء الكثرة بعد ذلك ، لا يرتفع حكم كثير الشك ما لم يصلّ صلوات خالية عن الشك أيضا ، لما سبق.

هـ : متى حكم بثبوت الكثرة لشخص يستمرّ له حكم كثير الشك والسهو إلى أن يزول الصدق في العرف‌ ، فيتعلّق به حكم السهو أو الشك الطارئ.

ويتحقّق زواله بزوال السهو والشك غالبا ، وعدم حصوله إمّا مطلقا أو إلاّ نادرا في مدّة يعتدّ بها ، بحيث يحكم في العرف أنّه غير كثير السهو أو الشك.

وقيل : زواله أن تخلو من السهو فرائض يتحقّق بها وصف الكثرة إن حدّدناها بها أو مطلقا ، كما في الذكرى وروض الجنان والروضة (١). وجزم في الموجز بزواله بتوالي ثلاث بغير شك ، وفي المهذّب اكتفى بواحدة (٢).

ويشترط في انتفاء كثرة الشك أن يكون عدم شكّه لحالة نفسانية ، فلو تكلّف كثير الشك في صلوات كثيرة بأن يعدّ الركعات بخاتم ، أو يأمر شخصا خارجيا بأن يحفظ صلواته ، ولذلك لم يشكّ ، وكان بحيث لو خلّي ونفسه شك ، لم يفد ذلك ، للشك في انتفاء الصدق ، فيستصحب.

و : لو شكّ أو سها في الصلاة بما له تدارك بعد الصلاة ، ثمَّ شكّ ثانيا فيها ثمَّ ثالثا ، ثمَّ رابعا حتى صار كثير الشك ، يسقط حكم الرابع‌ دون ما تقدّم عليه ، لاستقراره في ذمّته قبل صيرورته كثير الشك ، فيستصحب.

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٣ ، روض الجنان : ٣٤٣ ، الروضة ١ : ٣٤٠.

(٢) المهذب البارع ١ : ٤٥٦.

١٩٧

ز : المراد بانتفاء الحكم عن كثير الشك ، كما به صرّح جمع (١) ، بل ـ كما قيل (٢) ـ من غير خلاف بينهم يعرف : أنّه لا يلتفت إليه‌ ويبني على وقوع المشكوك فيه وإن كان في محلّه ما لم يستلزم الزيادة ، وإن اشتمل على ما يبطلها في غير تلك الحال.

وإن استلزم الزيادة يبني على الصحيح. فيبني على الأكثر في الركعات طرّا حتى الأوليين والثنائية والثلاثية ، وليست عليه صلاة احتياط.

لأنّه المتبادر من المضيّ في الصلاة أو في الشك ، الواردين في النصوص ، والموافق للتعليل المذكور فيها ، إذ لو بنى على الأقلّ كان معوّدا للخبيث ، والمصرّح به في موثقة الساباطي المتقدّمة في خصوص الركوع والسجود (٣) ، ورواية علي بن أبي حمزة في الشاك بين جميع الركعات (٤) ، مع عدم قول بالفصل.

وتوقّف بعضهم ـ كالأردبيلي والهندي ـ في سقوط صلاة الاحتياط ، لعدم دلالة الأحاديث عليه (٥).

وفيه : أنّ التعليل المذكور فيها ينفيها ، لأنّ الإتيان بها يوجب تعويد الخبيث ، لأنه عين الالتفات إلى الشك ، بل هو يبني حقيقة على البناء على عدم الفعل. مع أنّ الظاهر أنّه إجماعي.

ومع الزيادة يبني على العدد المصحّح ، لئلاّ يلزم نقض الصلاة الممنوع منه في تلك الأخبار.

ولو تعدّد العدد المصحّح حينئذ كالشك بين الثلاث والأربع والخمس ، فالظاهر البناء على الأقلّ ، للأصل.

__________________

(١) كالشهيد الأول في الذكرى : ٢٢٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٣٩ ، والسبزواري في كفاية الأحكام : ٢٥.

(٢) في الرياض ١ : ٢٢٠.

(٣) راجع ص ١٨٩.

(٤) المتقدمة في ص ١٣٥.

(٥) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٤٥ ، والهندي في كشف اللثام ١ : ٢٧٤.

١٩٨

وأمّا كثير السهو ـ فعلى المختار من اعتبار الكثرة فيه أيضا ـ فالمراد بانتفاء حكم السهو فيه ـ على ما صرّح به جماعة (١) ـ انتفاء وجوب سجود السهو عنه ، دون تدارك ما يتدارك بعد الصلاة أو في أثنائها مع بقاء محلّه ، أو بطلان الصلاة مع الانتقال عن المحلّ إن كان ركنا.

قيل : للإجماع على عدم سقوط هذه الأحكام ، وللعمومات الدالّة على ثبوتها (٢).

ومنهم من احتمل انتفاء التدارك بعد الصلاة (٣). وفي الذكرى : جواز اغتفار زيادة الركن منه أيضا (٤).

وقال بعض مشايخنا بالعموم ، فقال بانتفاء جميع أحكام السهو عنه أيضا ، كما في الشك (٥).

وهو الظاهر من الأخبار ، والمستفاد من قوله « لا تعد » في المرسلة (٦).

والإجماع المدّعى ممنوع ، وإن كان في البحار مذكورا (٧) ، كيف؟! مع أنّ الواقع في كلام كثير من الأصحاب أنّه لا حكم للسهو مع الكثرة وإرادتهم ما ذكرناه منه محتملة بل ظاهرة.

والعمومات مخصّصة بأخبار كثير السهو ، كما تخصّص عمومات أحكام الشك بأخبار كثير الشك.

نعم ، لو جاز تأمّل لكان في سقوط سجدة السهو ، لعدم صراحة الأخبار في نفيها. إلاّ أنّ الإجماع المركّب والتعليل ينفيانها. والاحتياط الإتيان بها ، بل بصلاة‌

__________________

(١) كالشهيد في الذكرى : ٢٢٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٣٧٠ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٢٠.

(٢) كما في الرياض ١ : ٢١٩ ، وقال في حاشيته : إنّ الإجماع منقول عن البحار ٨٥ : ٢٨٠.

(٣) الروض : ٣٤٣.

(٤) الذكرى : ٢٢٣.

(٥) انظر : الحدائق ٩ : ٢٩١.

(٦) المتقدمة في ص ١٩٠.

(٧) البحار ٨٥ : ٢٨٠ ، لكن عبارته غير صريحة في ادّعاء الإجماع ، فراجع.

١٩٩

الاحتياط أيضا.

ح : مقتضى الأمر بالإمضاء والنهي عن تعويد الخبيث في الأخبار : أنّ الحكم المذكور لكثير الشك والسهو حتم لا رخصة‌ ، كما هو الظاهر من الفتاوى أيضا ، وعلى هذا فلو خالفه وأتى بالمشكوك فيه أو المسهوّ عنه ارتكب المحرم مطلقا ، وبطلت الصلاة إن كان ممّا تبطل بزيادته فيها مطلقا ، أو مع حرمته.

ط : الحكم المذكور شامل لجميع أجزاء الصلاة وأفعالها‌ ، واجباتها ومستحباتها ، للإطلاق.

ي : لو شكّ كثير الشك في أصل فعل الصلاة لا يلتفت إليه‌ ، ويبني على الفعل ، كما صرّح به بعض مشايخنا المحققين (١) ، وتدلّ عليه العلّة المتقدّمة.

المسألة الثانية :

المصلّي جالسا فحكم شكّه حكم شك القائم‌ ، للإطلاقات بل العمومات.

إلاّ أنّه قال بعض مشايخنا المحققين (٢) : لا يختار الركعتين جالسا موضع الركعة ، لأنّ الركعتين نصف صلاته لا ربعها ، فإن اختارهما تزيد صلاته على الأربع ، بل يأتي بركعة جالسا موضع الركعتين جالسا. ولا يختار الركعتين قائما ، لعدم ثبوت كونهما بدلا عن الركعتين جالسا. ففي الشك بين الثلاث والأربع يأتي بركعة جالسا ، وفي الثنتين والأربع بركعتين جالسا ، وفي الثنتين والثلاث والأربع بركعتين جالسا وركعة كذلك.

كلّ ذلك لأنّ من لم يقدر على القيام فغير داخل فيما يتضمّن الأمر بصلاة الاحتياط قائما تخييرا أو تعيينا ، فيستخرج حكمه من مثل قوله : « متى شككت‌

__________________

(١) البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

(٢) البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

٢٠٠