مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

لدلّت الأخبار على صحّة هذه الصلاة ، وهي غير مطلوبة. على أنّ المذكور في تلك الأخبار ليس البناء على الرابعة ، بل يأمر بالتشهّد والتسليم ، ومقتضاه البناء على الأربع في المسألة أيضا ، فتأمّل.

ثمَّ إنّه لا فرق في هذه الصورة بين رفع الرأس من الركوع وما قبله. وتجويز الهويّ لو لم يرفع ، وهدم الركعة وصرف الشكّ إلى ما بين الثلاث والأربع ضعيف ، لحصول الركوع الموجب للزيادة.

المسألة التاسعة :

ما مرّ من صور الخمس للشكّ فيما زاد عن الأوليين من الرباعيّة كان ممّا يفرض له في النصوص‌

بالخصوص ، وها هنا صور أخر غير منصوصة بخصوصها.

منها : الشك بين ركعتين أو ثلاث ركعات والخمس ، وهو أربع صور : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والخمس بعد إكمال السجدتين ، أو الاثنتين والأربع والخمس كذلك ، أو الاثنتين والثلاث والأربع والخمس كذلك ، أو الثلاث والأربع والخمس.

وفي جميع هذه الصور أقوال ثلاثة ـ بعد الاتّفاق في الأخيرة على هدم الركعة ، والرجوع إلى حكم الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع لو كان قبل الركوع ـ :

أحدها : البناء على الأقلّ وسجدتي السهو. اختاره في الذخيرة (١).

وهو الحقّ ، لما مرّ في الشكّ بين الأربع والخمس.

وثانيها : البناء على الثلاث في الاولى ، والأربع في البواقي ، وصلاة الاحتياط بما تقتضيه الصورة بعد إلقاء الخمس منها. اختاره في الحدائق (٢).

__________________

(١) الذخيرة : ٣٨٠.

(٢) الحدائق ٩ : ٢٥٢ ، ولكنّه استظهر في الصورة الأولى البطلان ، فراجع.

١٦١

لإطلاق الأخبار المتقدّمة لهذه الصور إذا لم يكن معها خمس ، فإنّها مطلقة غير مقيّدة لحال الانفراد أو الاجتماع ، فإنّ ما تضمّن أنّ من شكّ بين الثلاث والأربع مثلا حكمه كذا ، مطلق شامل لما إذا اجتمع معهما الخمس أيضا ، أم لا.

ويضعّف : بأنّ الظاهر منها ما إذا تعلّق الشكّ بما تضمّنته الرواية فحسب.

وثالثها : البطلان ، حكي عن بعض الأصحاب ، لمثل ما مرّ دليلا للفاضل في الشكّ بين الأربع والخمس. وقد عرفت ضعفه.

ومنها : الشكّ بين غير الأربع من ركعة أخرى واحدة وبين الخمس ، وهو صورتان : الشكّ بين الاثنتين والخمس بعد إكمال السجدتين ، وبين الثلاث والخمس بعد دخول الركوع ، إذ قبله يهدم الركعة حتى ينقلب الشكّ إلى ما بين الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين.

وقد اختلفوا فيها على قولين : البناء على الأقلّ وسجدة السهو. رجّحه في الذخيرة (١). وهو الأقوى ، لما مرّ.

والبطلان ، لمثل بعض ما مرّ بجوابه.

ولا تتوهّم دلالة صحيحة صفوان المتقدّمة (٢) على وجوب الإعادة في غير المنصوص من هذه الصور ، لأنّ من لم يدر أنّه صلّى أربعا أو خمسا مثلا يصدق عليه أنّه لا يدري كم صلّى.

لمنع الصدق ، لأنّه يدري أنّه صلّى أربعا ، ولا يدري الزائد.

المسألة العاشرة :

لو شكّ بين الأربع وما زاد على الخمس ففيه أوجه :

البطلان. احتمله في المختلف استنادا إلى أنّ زيادة الركن مبطلة ، ومع‌

__________________

(١) الذخيرة : ٣٨٠.

(٢) في ص ١٣٤.

١٦٢

احتمالها لا يتيقّن البراءة (١).

ويردّ : بأنّ الزيادة المبطلة هي المتيقّنة ، واليقين الشرعي بعد إجراء أصل عدم الزيادة حاصل.

والتسوية بينه وبين الخمس. نقل الفاضل عن العماني ، واختاره هو (٢) ، ومال إليه الشهيدان في الرسالة الصلاتيّة (٣) وشرحها ، فيصحّ حيث يصحّ ، ويبطل حيث يبطل ، لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة (٤) ، على القول بالبطلان في بعض صوره.

والبناء على الأقلّ مطلقا. نقله في الذخيرة عن بعض الأصحاب ، وقال : إنّه وجيه (٥).

وهو كذلك ، لما مرّ من أصالة عدم الزيادة ، وأخبار البناء على اليقين ، وتجب حينئذ سجدتا السهو ، لما مرّ.

والظاهر اتّحاد ذلك مع الوجه السابق ، إذ الحكم فيه أيضا ذلك. نعم من يبطله في سابقة يلزمه البطلان أيضا هنا ، لاتّحاد الدليل.

وسواء في ذلك ما لو كان الشكّ قبل الركوع أو بعده. ولا يهدم الركعة ، لعدم دليل عليه ، وعدم ترتّب فائدة على هدمها.

وكذا الحكم في جميع صور الشكّ بين الست وغيرها من الاثنتين بعد إكمال الركعة ، والثلاث والأربع ، وما لم يتعلّق الشكّ بإحدى الأوليين ، بل وكذا إذا تجاوز المشكوك فيه عن الست أيضا.

ولو كان الشكّ بين الخمس والست يهدم الركعة إن كان قبل الركوع ليرجع‌

__________________

(١) المختلف : ١٣٥.

(٢) كما في المختلف : ١٣٥.

(٣) الألفية : ٧٥.

(٤) في ص ١٥٧.

(٥) الذخيرة : ٣٨٠.

١٦٣

إلى الشكّ بين الأربع والخمس. وحكمه كمن زاد ركعة بعد الأخيرة إن كان بعد الركوع.

١٦٤

الفصل الثاني

في الشك في أفعال الصلاة‌

وبيانه : أنّ من شكّ في فعل من أفعالها ولم ينتقل من موضعه إلى غيره أتى به ، وأتمّ الصلاة. قيل : لا أعرف فيه خلافا (١).

لأصالة عدم فعله ، وإمكان الإتيان به من غير خلل ولا إخلال ، وبقاء الخطاب بفعله ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها الواردة في الشكّ في الركوع وهو قائم ، أو في السجود ولم يستو جالسا ، أو قائما ، وهي وإن كانت مختصّة بالركوع والسجود إلاّ أنّه لا قائل بالفرق على ما صرّح به بعضهم (٢).

ويؤيّده عموم مفهوم جملة من الأخبار المصرّحة بعدم التدارك للشي‌ء بعد الخروج عن موضعه والانتقال عنه.

وأمّا موثّقة الفضيل : أستتمّ قائما فلا أدري ركعت أم لا ، قال : « بلى قد ركعت فامض صلاتك ، فإنّما ذلك من الشيطان » (٣).

فلا ينافي ما مرّ ، لاحتمال إرادة الشكّ في الركوع بعد استتمام القيام الذي بعد الانحناء للركوع ، أو بعد السجدتين. بل أحدهما هو الظاهر من استتمامه ، إذ لا معنى لاستتمام القيام قبل الركوع ولا الانحناء. فيحمل على ما ذكر ، أو على إرادة ترك الطمأنينة ، أو الذكر في الركوع ، فأطلق عليه الركوع على التجوّز.

ويمكن الحمل على القيام من الانحناء قبل الوصول إلى حدّ الراكع المورث للظّن بالركوع.

__________________

(١) كما في الحدائق ٩ : ١٦٨.

(٢) انظر : الذخيرة : ٣٧٤ ، والرياض ١ : ٢١٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥١ ـ ٥٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥٤ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٣.

١٦٥

أو على كثير الشكّ ، كما يشعر به قوله : « أستتمّ » بصيغة الاستقبال الدالّة على التجدّد الاستمراري وقوله : « إنّما ذلك من الشيطان ».

ولو كان الشكّ في شي‌ء من الأفعال بعد الانتقال من موضعه ودخوله في غيره مضى في صلاته ولم يتدارك ، وصحّت ، إجماعا إذا لم يكن من الركعتين الأوليين ، وعلى الأشهر الأقوى إذا كان منهما.

للمستفيضة من الصحاح وغيرها ، كصحيحة زرارة : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : « يمضي » قلت : رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : « يمضي » قلت : رجل شكّ في التكبير وقد قرأ ، قال : « يمضي » قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ، قال : « يمضي » قلت : شكّ في الركوع وقد سجد ، قال : « يمضي على صلاته » ثمَّ قال : « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء » (١).

وموثّقة محمّد : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » (٢).

وصحيحة ابن جابر : « إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (٣).

ونحوها خبر أبي بصير (٤).

وصحيحة حمّاد : أشكّ وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا ، قال : « امض » (٥) إلى غير ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ أبواب الخلل ب ٢٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ أبواب الخلل ب ٢٣ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٩ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٨ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥١ ـ ٥٩٣ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٥ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ أبواب الركوع ب ١٣ ح ١.

١٦٦

وبهذه الأخبار يقيّد بعض المطلقات الآمرة بالركوع والسجود بعد الشكّ فيهما بالإطلاق (١).

خلافا في الحكمين في الركعتين الأوليين للمحكي عن المقنعة والنهاية والتهذيب (٢).

فقال الأول : كلّ سهو يلحق الإنسان في الركعتين الأوليين من فرائضه حتى تلبّس عليه ما صلّى منهما ، أو ما قدّم وأخّر من أفعالهما فعليه لذلك إعادة الصلاة. إلاّ أنّه قال قبله : فإن شكّ في الركوع وهو قائم ركوع ، وإن كان قد دخل في حالة اخرى من السجود وغيره مضى في صلاته وليس عليه شي‌ء ، فأطلق ولم يخصّه بما عدا الأوليين.

وقال الثاني : ومن شكّ في الركوع والسجود في الركعتين الأوليين أعاد الصلاة.

ومثله في الثالث.

وحكي عن الشيخ قول بوجوب الإعادة بكلّ شكّ متعلّق بكيفيّة الأوليين ، كأعدادهما. وعن الشيخ عن بعض القدماء نقله أيضا (٣).

كلّ ذلك للمستفيضة ، كصحيحة زرارة : « من شكّ في الأوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم » (٤).

ورواية موسى بن بكر : « إذا شككت في الأوليين فأعد » (٥).

__________________

(١) كما في الوسائل ٦ : ٣١٥ أبواب الركوع ب ١٢.

(٢) المقنعة : ١٤٥ ، النهاية : ٨٨ ، التهذيب ٢ : ١٥٠.

(٣) قال الشيخ (ره) في النهاية : ٩٢ : من شكّ في الركوع أو السجود في الركعتين الأوليين أعاد الصلاة. وما في المتن حكاه عنه المحقق (ره) في المعتبر ٢ : ٣٨٨ ، وما نقله الشيخ (ره) عن بعض القدماء حكاه الشهيد (ره) في الذكرى : ٢٢٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٢٨ ـ ٦٠٥ ، مستطرفات السرائر : ٧٤ ـ ١٨ ، الوسائل ٨ : ١٨٧ أبواب الخلل ب ١ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٧٦ ـ ٧٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٠ ، الوسائل ٨ : ١٩٢ أبواب الخلل ب ١ ح ١٩.

١٦٧

وصحيحة البقباق : « إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك » (١).

وصحيحة أخرى [ لزرارة ] المصرّحة بأنّه عشر ركعات لا يجوز الوهم فيهنّ ، ومن وهم في شي‌ء منهنّ استقبل الصلاة ، وعدّ الركعات الأوليين من الصلوات الأربع وركعتي الفجر (٢).

ورواية العامري وفيها : « فمن شكّ في أصل الفرض في الركعتين الأوليين استقبل صلاته » (٣).

ويجاب عن غير الثلاثة الأخيرة : بأنّ الشك في الركعة حقيقة في الشكّ في نفسها ، وصدقه على الشكّ في الأجزاء والكيفيّات والشرائط غير معلوم ، فيرجع إلى الشكّ في العدد ، ولا كلام فيه.

بل هو الجائز في صحيحة البقباق أيضا ، لجواز أن يكون المراد حفظ نفس الركعة.

بل هو المحتمل في ما قبل الأخيرة أيضا ، إذ من الجائز أن يكون المراد من قوله : « في شي‌ء منهنّ » أي واحدة من الركعات.

ولو سلّم الشمول فتعارض هذه الأخبار مع عموم ما مرّ من الصحاح المستفيضة المتقدّمة المصرّحة بصحّة الصلاة والتدارك مع بقاء المحلّ ، والمضيّ مع خروجه ، بالعموم من وجه.

فإن رجّحنا المتقدّمة بالشهرة العظيمة ، وإلاّ فيرجع إلى أصالة الصحّة وعدم وجوب الإعادة ، المستلزمتين للتدارك في المحلّ ، لأصالة عدم الفعل ، والمضي بعده للإجماع المركّب.

مع أنّ في المتقدّمة ما صرّح بالحكم في التكبير والقراءة ، وهما مختصّان‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨٧ الصلاة ب ١٠٥ ح ٢ ، الوسائل ٨ : ١٨٩ أبواب الخلل ب ١ ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧٧ ـ ٧٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٦٤ ـ ١٣٨٤ ، الوسائل ٨ : ١٩٠ أبواب الخلل ب ١ ح ١٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٣ الصلاة ب ٣ ح ٧ ، الوسائل ٤ : ٤٩ أبواب أعداد الفرائض ب ١٣ ح ١٢.

١٦٨

بالأوليين.

وتوافقه أيضا رواية محمّد بن منصور : عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية ، أو شكّ فيها ، فقال : « إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلاّ مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة ، وتضع وجهك مرّة واحدة ، وليس عليك سهو » (١).

وهذه أخصّ مطلقا من أخبار المخالف ينضمّ إليها الإجماع المركّب في سائر الأفعال ، فيجب التخصيص بها ، سيّما مع تأيّدها بما يدلّ على صحّة الصلاة بالسهو عن السجدة الواحدة ولو من الأوليين ، وعلى أنّ نسيان السجدتين في الأوليين والأخريين على السواء ، مع عدم قول بالفرق بين الشكّ والسهو.

ولا تعارضها صحيحة البزنطي المتقدّمة (٢) فيمن ترك السجدة في الركعة الأولى ، حيث ذكر فيها « استقبلت الصلاة » لما عرفت من إجمالها ، مع عدم صراحتها في الوجوب.

ثمَّ إنّ الفاضل ـ طاب ثراه ـ في التذكرة استصوب الفرق بين الركن وغيره (٣) ، فالإعادة في الأوّل و [ عدم ] (٤) الإعادة في الثاني ، لوجه اعتباري فيه ضعف جدّا.

فروع :

أ : إطلاق الأخبار ـ كما عرفت ـ يقتضي عدم الفرق بين الشك في الركن وغيره.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٥ ـ ٦٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ ـ ١٣٦٥ ، الوسائل ٦ : ٣٦٦ أبواب السجود ب ١٤ ح ٦.

(٢) في ص ١١٦.

(٣) التذكرة ١ : ١٣٦.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

١٦٩

ب : وكذلك يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الغير الذي دخل فيه من الأفعال المستحبّة للصلاة أو الواجبة‌. وتوهّم كونه مخصوصا بالواجبات فاسد.

وكذا بين الأفعال المطلوبة حقيقة ، أو تبعا.

وتحقيق المقام : أنّك قد عرفت وجوب الإتيان بالمشكوك فيه قبل دخوله في غيره ، ووجوب المضيّ بعده.

وقد وقع الخلاف في ذلك الفعل الذي يتجاوز المحلّ بالدخول فيه ، هل هو ما كان من الأفعال الحقيقيّة للصلاة ، المطلوبة بالذات ، المقرّرة بالترتيب الخاصّ في كتب الفقهاء من النيّة ، والتكبير ، والقراءة ، ونحو ذلك من الأمور المعدودة فيها ، أو الأعمّ منها ومن مقدّمات تلك الأفعال أيضا ، كالهويّ للسجود ، والانحناء للركوع ، والنهوض للقيام ونحو ذلك.

فاختار الشهيدان (١) ، وغيرهما (٢) الأوّل ، لأنّه المتبادر من الغير الذي حكم في الأخبار بالمضيّ بعد الدخول فيه ، ولعموم صحيحة ابن جابر ، وخبر أبي بصير المتقدّمتين (٣) ، سيّما مع تذييله بعد ذلك بقوله : « كلّ شي‌ء شكّ فيه بعد ما جاوزه .. » فإنّ الظاهر منه أنّ هذا هو التجاوز.

وخصوص موثّقة البصري : رجل رفع رأسه من السجود ، فشكّ قبل أن يستوي جالسا ، فلم يدر سجد أم لم يسجد ، قال : « يسجد » قلت : فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما ، فلم يدر سجد أم لم يسجد ، قال « يسجد » (٤).

ولعطف قوله : « دخلت في غيره » في صحيحة زرارة (٥) ، بلفظة « ثمَّ » الدالّة‌

__________________

(١) الشهيد الأول في البيان : ٢٥٣ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٢٣ ، والروض : ٣٤٩ ، والمسالك ١ : ٤١.

(٢) كصاحبي الحدائق ٩ : ١٧٩ ، والرياض ١ : ٢١٦.

(٣) في ص ١٦٦.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ ـ ١٣٧١ ، الوسائل ٦ : ٣٦٩ أبواب السجود ب ١٥ ح ٦.

(٥) المتقدمة في ص ١٦٦.

١٧٠

على المهلة المشعرة بوجود الواسطة بين الخروج والدخول ، وإلاّ فالخروج من الشي‌ء يستلزم الدخول في غيره.

وذهب بعض المتأخرين إلى الثاني (١) ، لأنّه المفهوم لغة وعرفا من الدخول في غيره ، ولموثّقة اخرى للبصري : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر ركع أم لم يركع ، قال : « قد ركع » (٢).

وردّ ذلك (٣) تارة بظهورها فيما إذا كان الشك حال السجود لا قبله ، وإلاّ كان يقول : « للسجود » بدل « إلى السجود » ، ولو سلّم فيعمّه أيضا ، فيجب تخصيصها بما مرّ ، وموردهما وإن كان مختلفا إلاّ أنّهما من باب واحد لاشتراكهما في كونهما من مقدّمات أفعال الصلاة. واخرى بحملها على كثير السهو.

ولم يتعرّض في المدارك لبيان ذلك الفعل بضابط كلّي ، إلاّ أنّه قال في الشكّ في السجود قبل الاستواء بالعود ، وفي الركوع بعد الهويّ بالمضي ، عملا بالروايتين (٤).

وأصرّ في الذخيرة على تعميم ذلك الفعل بالنسبة إلى المقدّمات ، وغيرها ، وجعل غيره خلاف المفهوم لغة وعرفا (٥) ، إلاّ أنّه عمل بكلّ من الروايات في موقعه من باب التخصيص والاستثناء فيما يخالف الضابطة.

أقول : إنّ الحكم في الأخبار متعلّق بالخروج عن فعل والتجاوز والدخول في غيره. وظاهر أنّ المراد بالخروج عنه ليس بعد الدخول فيه ، لأنّ فعله مشكوك فيه ، بل المراد الخروج من موضعه ومحلّه ، والمراد من محلّه الموضع الذي قرّر له الشارع من بين الأفعال.

__________________

(١) كصاحب الذخيرة : ٣٧٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥١ ـ ٥٩٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٨ ، الوسائل ٦ : ٣١٨ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٦.

(٣) انظر : الرياض ١ : ٢١٦.

(٤) المدارك ٢ : ٢٤٩.

(٥) الذخيرة : ٣٧٦.

١٧١

وعلى هذا فلو فعل فعلا آخر غير أجزاء الصلاة ، ثمَّ شكّ في فعل قبله لم يكن خارجا عنه وإن كان داخلا في غيره. كما إذا هوى لأخذ شي‌ء وشكّ في القراءة. ولكن إذا دخل في فعل آخر بعد ذلك الفعل ممّا رتّبه الشارع أو طلبه وجوبا أو استحبابا يصدق الوصفان : الخروج والدخول.

واللازم في تحقّق ذلك صدق الغيريّة وكون محلّ الغير بعد الفعل المشكوك فيه ، لصدق الخروج حينئذ. سواء في ذلك كونه مطلوبا ذاتيا أصليّا ، أو تبعيّا مفهوما من الخطاب. فإنّا نعلم قطعا أنّ الشارع طلب تبعا الهوي إلى السجود والنهوض إلى القيام وأنّهما بعد الركوع والسجود ، ولا مدخليّة للمطلوبيّة الأصليّة في ذلك أصلا ، فلا وجه لتخصيص الغير بما خصّصوه به.

والتبادر الّذي ادّعاه الأوّلون ممنوع جدّا ، ولذا ادّعى بعضهم تبادر العموم.

ودلالة بعض الأخبار مفهوما أو منطوقا على الإتيان بالمشكوك فيه بعد دخول بعض المقدّمات ، لا تدلّ على خروج جميع المقدّمات من معنى الغيريّة.

وتعليل دخول السجود أو القيام في التذييل بكونه تجاوزا ودخولا في غيره لا يدلّ على أنّ غيره ليس كذلك.

ولو سلّمت إفادة لفظة « ثمَّ » للتراخي فليس هو المراد هنا قطعا ، لعدم تحقّقه بين النيّة والتكبير ، وبين التكبير والقراءة ، وكذا كثير ممّا يحكمون فيه بتجاوز المحلّ. مع أنّ صدق التراخي العرفي بمجرّد الانحناء إلى الركوع ، أو الهويّ إلى السجود ممنوع. ولو سلّم فالتجوّز فيها ليس بأبعد من تقييد الغير ، ولذا أتى في أخبار أخر بلفظة « الواو ». مع أنّ موثّقة محمّد (١) لا تتضمّن الدخول في الغير أيضا ، بل اكتفى فيها بمجرّد مضيّ المحلّ.

ومنه يظهر عدم وقع ما يتوهّم تأييدا لإرادة الأفعال المعهودة ، من عطف الدخول في الغير على الخروج من المشكوك فيه ، حيث إنّه يشعر بفصل بينهما فلا بدّ من عدم شمول الغير للمقدّمات. مع أنّ في إشعاره بالفصل منعا ظاهرا ، بل‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٦٦.

١٧٢

هو مشعر بالتغاير وهو متحقّق مفهوما وإن اجتمعا وجودا ، كما في : أخذت قلنسوتي وكشفت رأسي.

وقد ظهر من ذلك أنّ الحقّ في الضابط هو الثاني ، وهو الأصل في المسألة ، ولو حصل التخلّف عنه فإنّما هو بالدليل ، ويكون هو المخصّص ، وقياس غيره به وجعلهما من باب واحد خلاف التحقيق.

ج : وإذ عرفت الضابطة يعلم أنّه لو شكّ في أصل النيّة ، أو في شي‌ء من خصوصيّاتها ، أو في مقارنتها للتكبير بعد أن كبّر يمضي ، ولو شكّ في أصل التكبير ، أو شي‌ء من واجباته ، ومنها المقارنة للنيّة بعد أن شرع في القراءة يمضي ، إجماعا فيهما.

ولو شكّ في الفاتحة وهو في السورة يمضي على الأظهر ، وفاقا للمفيد في رسالته إلى ولده والحلّي والمعتبر والذخيرة والأردبيلي والمجلسي (١) ، لصدق التجاوز عن شي‌ء هو الفاتحة ، والدخول في الغير الذي هو السورة.

وقيل : تجب الإعادة ، وهو اختيار المدارك (٢) ، ونسب إلى المشهور (٣).

لعدم تحقّق التجاوز عن محلّ القراءة.

وأنّه يلوح من قوله : قلت : شكّ في القراءة وقد ركع (٤) أنّه لو لم يركع لم يمض.

ويضعّف الأوّل : بعدم لزوم التجاوز عن محلّ القراءة ، بل اللازم التجاوز عن محلّ المشكوك وقد تحقّق.

والثاني : بأنّه في السؤال عن محلّ الوصف فلا يلوح منه شي‌ء.

وجعل قول الإمام في قوّة أن يقال : إذا شكّ في القراءة وقد ركع فليمض ،

__________________

(١) حكاه عن المفيد في السرائر ١ : ٢٤٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٤٩ ، المعتبر ٢ : ٢٣١ ، الذخيرة : ٣٧٥ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٤٧ ، المجلسي في البحار ٨٥ : ١٥٨.

(٢) المدارك ٤ : ٢٤٩.

(٣) كما في الحدائق ٩ : ١٨١.

(٤) كما في صحيحة زرارة المتقدمة في ص ١٦٦.

١٧٣

فيدلّ على العود في المقام بمفهوم الشرط ، كما في الحدائق (١).

من غرائب الاستدلالات ، فإنّ المسلّم أنّه في قوّة أن يقال : فليمض هذا الشاك ، فمفهومه لقبي. وأغرب منه تمسّكه بتقرير الإمام السائل على ما ذكره.

وقد يستدلّ بأنّ المراد من الأخبار الدخول في أحد الأفعال المعهودة التي منها القراءة. وظهر ما فيه.

ومنه يظهر أنّه لو شكّ في آية من الفاتحة أو السورة بعد الدخول في آية أخرى ، بل في كلمة بعد الدخول في غيرها لا يعود ، بل يمضي ، كما صرّح به الأردبيلي وصاحب الذخيرة أيضا (٢) ، ونفى عنه البعد في البحار (٣).

ولا يبعد إجراء الحكم في الحرف من الكلمة الواحدة ، إذا شكّ في إخراجه من مخرجه ، إذا دخل في حرف آخر.

ولو شكّ في القراءة وهو في القنوت فالظاهر المضي ، كما اختاره في الذخيرة (٤) ، لما مرّ.

وقيل : يجب العود (٥) ، للأمر بالعود إلى السجود لو شكّ قبل استتمام القيام في موثّقة البصري (٦) ، فكذا هنا بالطريق الأولى.

والأولويّة ممنوعة ، إذ العلّة غير معلومة. مع أنّها معارضة بالأمر بالمضي إذا شكّ في الركوع بعد الهوي في موثّقته الأخرى.

ولأنّ القنوت ليس من أفعال الصلاة المعهودة فلا يدخل في الأخبار.

ويردّ : بأنّه إن أريد بالمعهودة : الواجبة فالأوّل مسلّم والثاني ممنوع. وإن أريد المطلق فكلاهما ممنوعان.

__________________

(١) الحدائق ٩ : ١٨٢.

(٢) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٧٢ ، الذخيرة : ٣٧٥.

(٣) البحار ٨٥ : ١٥٨.

(٤) الذخيرة : ٣٧٥.

(٥) كما في الروض : ٣٥٠.

(٦) المتقدمة في ص ١٧٠.

١٧٤

ولو شكّ فيها وهو كبّر للركوع ، أو انحنى له لا يعود ، لما مرّ.

ولو شكّ في الركوع وقد رفع رأسه منه بأن يعلم انحناءه بقصد الركوع ، وشكّ في وصوله حدّ الراكع بعد الرفع منه ، فالظاهر المضيّ أيضا ، كما ذكره بعض متأخّري المتأخّرين (١) ، لما مرّ ، ولموثّقة الفضيل المتقدّمة (٢).

خلافا لبعضهم ، فحكم بالعود (٣) ، لصحيحة عمران : الرجل يشكّ وهو قائم فلا يدري أركع أم لا ، قال : « فليركع » (٤).

ونحوها صحيحة أبي بصير (٥).

ويردّ : بكونها أعمّ مطلقا من الموثّقة ، لاختصاصها بالقيام الاستتمامي المسبوق بالانحناء ، وأعميّة هذه. ولو قيل باختصاص هذه أيضا بالقيام المتقدّم على السجود بقرينة الأمر بالركوع ، وعموم الموثّقة بالنسبة إليه لكان التعارض بالعموم من وجه ، فيرجع إلى عمومات المضي بعد تجاوز المحلّ.

وكذا لو شكّ في طمأنينته أو ذكره حينئذ.

وكذا لو شكّ في الركوع بعد الهوي للسجود قبل دخوله فيه ، وفاقا لجماعة (٦) ، لما مرّ ، ولموثّقة البصري. وتخصيصها بما إذا دخل السجود لا وجه له ، إذ الهوي إلى السجود أعمّ منه قطعا.

وخلافا لبعض آخر (٧) ، لعدم دخوله في الأفعال المعهودة ، ولمفهوم قوله في‌

__________________

(١) قال صاحب الحدائق ٩ : ١٩٢ : واحتمل بعض مشايخنا عدم العود.

(٢) في ص ١٦٥.

(٣) كما في الروض : ٣٤٧ ، والحدائق ٩ : ١٩١ ، والرياض ١ : ٢١٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٠ ـ ٥٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥١ ، الوسائل ٦ : ٣١٥ أبواب الركوع ب ١٢ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٨ الصلاة ب ٣٦ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٥٠ ـ ٥٩٠ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥٢ ، الوسائل ٦ : ٣١٦ أبواب الركوع ب ١٢ ح ٢.

(٦) كصاحب المدارك ٤ : ٢٤٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٣٧٥.

(٧) كالشهيد الثاني في الروض : ٣٥٠ ، وصاحب الحدائق ٩ : ١٨٥ ، وصاحب الرياض ١ : ٢١٥.

١٧٥

صحيحة ابن جابر : « إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض » (١).

وجواب الأوّل ظاهر ممّا مرّ.

وجواب الثاني : أنّ المفهوم هنا غير معتبر ، لأنّ الشرط إنّما هو لدفع توهّم كون المنطوق مانعا من المضي ، حيث إنّه معرض هذا التوهّم ، كما في : إن ضربك زيد فلا تضربه ، وإن سهوت في الصلاة فصلاتك صحيحة.

مع أنّه لو كان معتبرا لدلّ على انتفاء الحكم عند عدم الشك بعد ما قام (٢) ، وهو ليس كذلك قطعا ، لأنّ انتفاء الشك بعده لا يصلح لعليّة عدم الإمضاء.

وأمّا اجتماع الشك قبل القيام مع عدمه بعده وإن كان من صور المفهوم ، ولكن لو اعتبر المفهوم لدلّ على انتفاء الحكم حينئذ أيضا لانتفاء الشك بعد ما قام ، لا لما اجتمع معه ، مع أنّه ليس كذلك.

ولو شكّ في السجود والتشهّد بعد استكمال القيام فيمضي على الأظهر الأشهر ، لما قد مرّ.

خلافا لنهاية الشيخ ـ طاب ثراه ـ فيرجع إلى السجود ما لم يركع (٣).

ونسب في الذكرى إليه الرجوع إلى التشهّد أيضا ما لم يركع (٤) ، كما نسب الخلاف فيهما في المدارك (٥) إلى المبسوط أيضا.

وكلاهما خطأ ، لتصريحه في النهاية بعدم الرجوع في التشهّد بعد القيام (٦) ، وفي المبسوط بعدم رجوعه إلى شي‌ء منهما بعده (٧).

__________________

(١) راجع ص ١٦٦.

(٢) لا يخفى أنّ المناسب للفرع المفروض واستدلال المخالف بمفهوم فقرة « إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض » تبديل « قام » بـ « سجد » وكذلك فيما ذكره بعدا.

(٣) النهاية : ٩٢.

(٤) الذكرى : ٢٢٤.

(٥) المدارك ٤ : ٢٥٠.

(٦) النهاية : ٩٢.

(٧) المبسوط ١ : ١٢٢.

١٧٦

واحتجّ له بصحيحة الحلبي : عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم سجدتين ، قال : « يسجد اخرى » (١).

وبمضمونها صحيحة الشّحام (٢) ، ورواية أبي بصير (٣).

فإنّها بإطلاقها تشمل المورد أيضا.

ويجاب عنها : بوجوب تخصيصها بما قبل القيام لمنطوق صحيحة ابن جابر.

وللقاضي في أحد قوليه ، فيرجع إلى التشهد ما لم يركع دون السجود (٤).

وهو محجوج بالصحيحة المذكورة أيضا.

د : لو شكّ في السجود وهو في التشهّد ، أو بعده وقبل استكمال القيام ، يمضي‌ عند الشيخ في المبسوط (٥) ، وجملة من الأصحاب (٦) ، كما مرّ.

وعن ظاهر الذكرى الرجوع (٧).

استنادا إلى موثّقة البصري المتقدّمة من جهة إطلاق عدم استكمال القيام ، فيشمل ما لو تشهّد بعد السجود أيضا.

ولأصالة عدم فعله وبقاء محلّه.

ولمفهوم الشرط في قوله : « وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ».

ويضعّف الأول : بأنّها ظاهرة فيما إذا كان النهوض بعد السجود من غير تشهد في البين ، لأنّ النهوض يستعمل فيما إذا كان إلى القيام. فالنهوض من‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٩ الصلاة ب ٣٧ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ ـ ١٣٦٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦٨ أبواب السجود ب ١٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٩ الصلاة ب ٣٧ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٦٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ ـ ١٣٧٠ ، الوسائل ٦ : ٣٦٨ أبواب السجود ب ١٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٩ الصلاة ب ٣٧ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٦٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ ـ ١٣٦٩ ، الوسائل ٦ : ٣٦٨ أبواب السجود ب ١٥ ح ٣.

(٤) المهذب ١ : ١٥٦.

(٥) المبسوط ١ : ١٢٢.

(٦) كالشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٢٣ ، وصاحبي الحدائق ٩ : ١٨٣ ، والرياض ١ : ٢١٦.

(٧) الذكرى : ٢٢٤.

١٧٧

السجود أن يتحرّك للقيام منه. ويؤيّده التعبير برفع الرأس في الأول المتضمّن لقوله : « قبل أن يستوي جالسا » وعطف قوله : « فشك » بالفاء التي هي للتعقيب بلا مهلة.

والثاني : باندفاع الأصل بما مرّ.

والثالث : بما سبق في جواب الاستدلال بالمفهوم في الركوع.

نعم ، يمكن أن يستدلّ له بإطلاق صحيحتي الحلبي والشّحام ، ورواية أبي بصير المتقدّمة ، بل عمومها الحاصل من ترك الاستفصال.

وهي تعارض أخبار المضيّ بعد التجاوز عن المحل بالعموم من وجه ، ولا ترجيح. ولا يمكن العمل بأصل عدم الفعل ، والرجوع إلى السجود ، لأنّه يستلزم زيادة التشهد المبطلة. وإن مضينا يلزم النقص ، لأصالة عدم الفعل. ولا إجماع على أحد الطرفين ، إذ مضى قول الشيخ في النهاية بالرجوع إلى السجود ما لم يركع ، وكذا الفاضل في النهاية (١). ولا تبطل الصلاة أيضا بالإجماع. فالظاهر التخيير بين العود والمضيّ.

ولو شكّ في السجود بعد رفع الرأس منه وقبل الجلوس للتشهد إن كان موضعه ، وقبل استكمال القيام لو لم يكن موضعه ، يعود على الأظهر ، وفاقا للشهيدين والمدارك (٢) ، وجمع آخر (٣) ، لموثّقة البصري ، وإطلاق صحيحتي الحلبي ، والشحام ، ورواية أبي بصير. وبها تخصّص الأخبار السابقة.

وهذا وسابقة مستثنى من الضابطة.

وأمّا التشهد فلو شكّ فيه بعد الأخذ في القيام وقبل استكماله فالظاهر عدم الرجوع ، لما مرّ.

__________________

(١) نهاية الاحكام ١ : ٥٣٩.

(٢) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٢٤ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٢٣ ، المدارك ٤ : ٢٥٠.

(٣) يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٨٥ ، العلامة المجلسي في البحار ٨٥ : ١٦٠ ، صاحب الرياض ١ : ٢١٦.

١٧٨

هـ : لو تدارك ما شكّ في محله ، ثمَّ ذكر فعله‌ ، فإن كان ركنا أعاد الصلاة ، بلا خلاف أجده ظاهرا ، للزيادة المبطلة بالنصّ.

وإن كان واجبا غير ركن صحّت الصلاة مطلقا على الأشهر الأظهر ، لصحيحة منصور (١) ، وموثقة عبيد (٢).

وهما وإن كانتا واردتين في خصوص السجدة ، إلاّ أنّه يتمّ المطلوب بالإجماع المركب ، إذ لا قول بإعادتها من زيادة غير السجدة. نعم حكي القول بالإعادة بزيادة السجدة الواحدة هنا عن السيّد ، والعماني والحلبي (٣). والروايتان حجّة عليهم.

و : لو تلافى ما شكّ فيه بعد الانتقال ، فالظاهر المصرّح به في عبارات جملة من الأصحاب البطلان (٤).

لا لما قيل من حصول الإخلال بنظم الصلاة (٥) ، ولا لأنّ المأتي به ليس من أفعالها ، ولا لأصل الاشتغال ، لأنّ الكلّ محلّ نظر لا يخفى.

بل لحصول الزيادة ، فإنّ ما تداركه ليس من أفعال هذه الصلاة الواجبة أو المستحبّة. ولكن ذلك يختصّ بما يوجب الزيادة كالركوع والسجود لا مثل القراءة وأجزائها (٦).

ز : لو شكّ في الركوع وهو قائم ، فركع ثمَّ ذكر في أثناء الركوع أنّه قد ركع بطلت صلاته‌ على الأظهر الأشهر بين المتأخّرين ، لصدق الزيادة المبطلة ، وعدم توقّف صدق الركوع على رفع الرأس منه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٩ ، التهذيب ٢ : ١٥٦ ـ ٦١٠. الوسائل ٦ : ٣١٩ أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٦ ـ ٦١١ ، الوسائل ٦ : ٣١٩ أبواب الركوع ب ١٤ ح ٣.

(٣) حكاه عن السيد والعماني في المختلف : ١٣١ ، الحلبي في الكافي : ١١٩.

(٤) روض الجنان : ٣٥١ ، البحار ٨٥ : ١٦٣ ، الحدائق ٩ : ١٨٩.

(٥) كما في المدارك ٤ : ٢٥١.

(٦) قد مرّ توضيح ذلك في ص ٨٤.

١٧٩

فلا يفيد اشتراك الانحناء بين الركوع والهوي للسجود والتميز يتوقّف على الرفع ، لمنع هذا التوقّف ، للتميز بالقصد أيضا كما في سائر الأفعال. ولا يعارضه التحاق الهوي له ، لأنّه إنّما هو بعد صيرورته ركوعا بالقصد واستباق الركوع عليه ، وإلاّ لزم عدم زيادة ركوع أصلا.

هذا ، مع أنّ الصدق العرفي للزيادة واضح.

خلافا للمحكي عن الكليني والشيخ والسيّد والحلّي والحلبي (١) ، وجماعة من المتأخّرين ، منهم : الدروس والذكرى والمدارك وشرح الإرشاد للأردبيلي ، فقالوا : يرسل نفسه إلى السجود ، ولا شي‌ء عليه (٢).

واستدلّ لهم ببعض الوجوه الضعيفة. ويمكن أن يكون لنصّ وصل إليهم.

__________________

(١) الكليني في الكافي ٣ : ٣٦٠ ، الشيخ في النهاية : ٩٢ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٦ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٥١ ، الحلبي في الكافي : ١١٨.

(٢) الدروس ١ : ١٩٩ ، الذكرى : ٢٢٢ ، المدارك ٤ : ٢٢٣ ، مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ١٧١.

١٨٠