مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

لموثّقة عمّار : « أجمع لك السهو كلّه في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، وإذ سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت » (١).

والأخرى : « إلا أعلّمك شيئا إذا فعلته ، ثمَّ ذكرت أنك أتممت أو نقصت ، لم يكن عليك شي‌ء؟ » قلت : بلى ، قال : « إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلّمت ، فقم ، فصلّ ما ظننت أنّك نقصت » (٢) الحديث.

وثالثة : « كلّما دخل عليك الشك في صلاتك ، فاعمل على الأكثر » قال : « فإذا انصرفت ، فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » (٣).

مضافا في الاولى ، والثانية إلى صحيح زرارة المتقدّم ، فإنّ ظاهر قوله « مضى في الثالثة » أن يحكم بأنّ ما فعله الثالثة « ثمَّ يصلّي الأخرى » أي : الرابعة. واستعمال الإمضاء فيما مضى أكثر من استعماله فيما بقي ، كما يأتي في أحاديث الشك في الأجزاء قبل تجاوز المحل.

وهذه الصحيحة وإن اختصّت في الصورة الأولى بما إذا دخل في أفعال الثالثة أو مقدّماتها أيضا ، ولا تشمل ما إذا كان جالسا للتشهد ، إلاّ أنّه يتمّ المطلوب بالإجماع المركب.

وفي الأولى خاصّة إلى ما حكي عن العماني من تواتر الأخبار بها (٤). وهو وإن كان مرسلا ، إلاّ أنّه بالعمل منجبر. إلاّ أنّه يخدشه ما يأتي من احتمال إرادته العمومات.

والمروي في قرب الإسناد الآتي (٥) ، المنجبر أيضا.

وفي الثانية خاصة إلى صحيحة محمّد : عن رجل صلّى ركعتين ، فلا يدري‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ٩٩٢ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٩ ـ ١٤٤٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٩٣ ـ ٧٦٢ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٤.

(٤) حكاه عنه في الذكرى : ٢٢٦.

(٥) في ص ١٤٦.

١٤١

ركعتان هي أو أربع ، قال : « يسلم ، ثمَّ يقوم ، فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب ، ويتشهّد ، وينصرف ، وليس عليه شي‌ء » (١).

وصحيحة ابن أبي يعفور : عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعا ، قال : « يتشهّد ويسلّم ، ثمَّ يقوم ، فيصلّي ركعتين وأربع سجدات ، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ، ثمَّ يتشهّد ويسلّم » إلى أن قال : « وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو » (٢).

وفي الثالثة كذلك إلى مرسلة ابن أبي عمير : في رجل صلّى ولم يدر ثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا ، قال : « يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثمَّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم ، فإن كانت أربع ركعات ، كانت الركعتان نافلة ، وإلاّ تمّت الأربع » (٣).

والمراد بالأربع ركعات الزائدة صلاة الاحتياط. لا أن يكون الأوليان تتمة الصلاة ، ويكون البناء على الأقلّ ، إذ على ذلك لم يكن الأمر بركعتين جالسا صحيحا إجماعا. مع أنّ في قوله : « يقوم » إشارة إلى ذلك ، إذ لو لا إرادة الاحتياط لم تكن إليه حاجة ، بل كان مخلا ، إذ يمكن أن يكون الشك حال القيام. وكذا في قوله : « من قيام » إشارة إليه ، إذ لا حاجة إليه في تتمة الصلاة.

وصحيحة البجلي : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا ، فقال : « يصلّي ركعة من قيام ثمَّ يسلّم ، ثمَّ يصلّي ركعتين وهو جالس » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٥ ـ ٧٣٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٢ ـ ١٤١٤ ، الوسائل ٨ : ٢٢١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٢ الصلاة ب ٤٠ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٢ ـ ١٣١٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٣ الصلاة ب ٤٠ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ١٨٧ ـ ٧٤٢ ، الوسائل ٨ : ٢٢٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ٨ : ٢٢٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ١ وفي الفقيه ونسخة من الوسائل : « ركعتين من قيام » وستأتي الإشارة من المصنف ـ ره ـ الى هذا الاختلاف في ص ١٥٤.

١٤٢

ولا يضرّ عدم صراحتهما في الوجوب ، للإجماع ، ولأنّهما بيان للموثّقات الآمرة.

وفي الثانية والرابعة إلى صحيحة الحلبي : « إذا لم تدر ثنتين صلّيت أم أربعا ، ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فتشهّد وسلّم ، ثمَّ صلّ ركعتين وأربع سجدات ، تقرأ فيهما بأمّ القرآن ، ثمَّ تشهّد وتسلّم » إلى أن قال : « وإن كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا ، ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء ، فسلّم ، ثمَّ صلّ ركعتين وأنت جالس ، تقرأ فيهما بأمّ الكتاب » (١) الحديث.

وفي الرابعة خاصّة إلى موثّقة البقباق : « إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا ، ووقع رأيك على الثلاث ، فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع ، فسلّم وانصرف ، وإن اعتدل وهمك ، فانصرف ، وصلّ ركعتين وأنت جالس » (٢).

وصحيحة ابن أبي العلاء : « إن استوى وهمه في الثلاث والأربع ، سلّم وصلّى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس ، يقصر في التشهد » (٣).

خلافا في الأولى للمحكي عن السيد ، فيبني على الأقلّ.

لصحيحة زرارة المتقدّمة بحمل قوله : « مضى في الثالثة » على أن يجعل الركعة التي دخل فيها ثالثة ، وهي الأقلّ ، حيث إنّه لعلمه بتمام الثانية يشكّ في أنّ ما دخل فيها الثالثة أو الرابعة ، فتكون الركعة مترددة بين الثالثة والرابعة.

وللأخبار الدالّة على البناء على الأقلّ مطلقا ، كصحيحة زرارة : من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال : « يركع ركعتين وأربع سجدات وهو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٣ الصلاة ب ٤٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٩ ـ ١٠١٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٣ الصلاة ب ٤٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ١٨٤ ـ ٧٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢١١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٧ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥١ الصلاة ب ٤٠ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٥ ـ ٧٣٦ ، الوسائل ٨ : ٢١٨ أبواب الخلل ب ١٠ ح ٦.

١٤٣

قائم بفاتحة الكتاب ، ويتشهّد ، ولا شي‌ء عليه ، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إليها أخرى ، ولا شي‌ء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشك » (١) الحديث.

فإنّ قوله في آخر الحديث : « ولا ينقض اليقين » عامّ لهذه الصورة أيضا ، وهو دليل على أنّ المراد بالركعتين والركعة المضافة هي تتمة الصلاة دون صلاة الاحتياط.

ورواية ابن اليسع : عن رجل لا يدري ثلاثا صلّى أم ثنتين ، قال : « يبني على النقصان ، ويبني على الجزم ، ويتشهّد بعد انصرافه تشهّدا خفيفا كذلك في أوّل الصلاة وآخرها » (٢).

ورواية ابن عمّار : « إذا شككت فابن على اليقين » قلت : هذا أصل؟ قال : « نعم » (٣).

وروايتي البجلي وعلي : في السهو في الصلاة ، فقال : « تبني على اليقين ، وتأخذ بالجزم ، وتحتاط بالصلوات كلّها » (٤).

والجواب عن الأوّل : أنّها في البناء على الأكثر أظهر وعليه أدلّ ، بالتقرير الذي مرّ ، بحمل الثالثة على ما مرّ ، والركعة الأخرى على الركعة التي فيها دخل. ولو لا الأظهرية ، فلا أقلّ من تساوي الاحتمالين الموجب لسقوط الاستدلال.

وقد تحمل الثالثة على هذه الركعة ويحمل المضي فيها على إتمام الصلاة بها ، وتحمل الركعة الأخرى على ركعة الاحتياط ، فتكون الرواية دالّة على البناء على الأكثر.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥١ الصلاة ب ٤٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٧٣ ـ ١٤١٦ ، وأورد صدره في الوسائل ٨ : ٢٢٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٣ ، وذيله في ص : ٢١٦ ب ١٠ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب الخلل ب ٨ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣١ ـ ١٠٢٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٧ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٥.

١٤٤

وفيه بعد ظاهر.

وعن البواقي : بمعارضتها مع ما مرّ ، وترجيحه بوجوه عديدة كالأشهرية رواية وفتوى ، والأصرحية دلالة ، والأبعدية عن طريقة العامّة التي هي من المرجّحات المنصوصة ، فإنّهم يبنون على الأقلّ ، كما يظهر من الانتصار والمعتبر وروض الجنان والبحار والوسائل (١) ، بل من كتب أنفسهم كصحيح مسلم وشرح السنة وغيرهما (٢).

مضافا إلى أنّ الظاهر أنّ المراد بالركعتين والركعة في صحيحة زرارة صلاة الاحتياط بقرينة قوله : « وهو قائم » فإنّه لو كان المراد تتمة الصلاة لم يحتج إلى هذا القيد ، وكذا قوله : « بفاتحة الكتاب ».

وأمّا التعليل بقوله : « ولا ينقض اليقين » فلا يدلّ على ما راموه ، لجواز أن يكون المراد اليقين بالصحة ، ويكون المعنى : ولا ينقض اليقين بصحة الصلاة بواسطة الشك. أو المراد اليقين بعدم فعل الطرف الزائد ، ويكون التعليل لإضافة صلاة الاحتياط ، فإنّه لو كان ينقض اليقين بالشكّ في الزائد ، لكان يبني عليه من غير تدارك. وأمّا مع التدارك فهو عين عدم الالتفات إلى الشك.

ومنه يظهر جواب آخر عن البواقي وهو : أنّ المراد بالبناء على اليقين يمكن أن يكون البناء على الصحة ، فلا ينافي ما مرّ. وأن يكون البناء على الأكثر وصلاة الاحتياط ، فإنّه لو كان بانيا على الشكّ لبني على الأكثر من غير احتياط ، وأمّا مع الاحتياط فليس بناء عليه ، بل بناء على اليقين قطعا ، كما صرّح به في الأخبار تعليلا لصلاة الاحتياط من أنّه لو كانت الصلاة ناقصة لأتمّت (٣) ، فليس ذلك إلاّ عدم الالتفات بالشك والأخذ باليقين.

__________________

(١) الانتصار : ٤٩ ، المعتبر ٢ : ٣٩١ ، ولم نعثر عليه في روض الجنان ، البحار ٨٥ : ١٨٣ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب الخلل ب ٨ ذيل الحديث ٦.

(٢) انظر : صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ ، وسنن البيهقي ٢ : ٣٣٩ ، وسنن الترمذي ١ : ٢٤٧ ، وعمدة القارئ ٧ : ٣١٣ ، وبدائع الصنائع ١ : ١٦٥.

(٣) انظر : الوسائل ٨ : ٢١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨.

١٤٥

فالأخذ بالنقصان واليقين كما يمكن أن يكون بالبناء على الأقلّ ، يمكن أن يكون بالبناء على الأكثر وصلاة الاحتياط ، فإنّه أيضا بناء على النقصان والجزم واليقين ، وإلاّ لم يحتط بالصلاة.

بل الظاهر من الأخبار إرادة هذا المعنى ، كما يدلّ عليه قوله في آخر رواية البجلي وعلي : « وتحتاط بالصلوات كلّها ».

والمروي في قرب الإسناد : رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة ، قال : « يبني على اليقين ، فإذا فرغ تشهّد ، وقام قائما يصلّي ركعة بفاتحة الكتاب » (١).

والمراد بالبناء على اليقين هنا الأكثر قطعا ، لمكان أمره بصلاة الاحتياط. ولا يمكن حملها على بقية الصلاة ، والحمل على الأقلّ ، لأنّ الباقي حينئذ ركعتان ، وليس فيهما فاتحة الكتاب ، ولم يكن معنى لقوله : « فإذا فرغ تشهد ».

وصحيحة زرارة المتقدّمة (٢) بالتقريب الذي ذكرناه (٣).

بل لنا أن نقول : ينحصر البناء على اليقين بالبناء على الأكثر ، لأنّ المراد اليقين بعدم وقوع خلل في الصلاة ، فلو بنى على الأقلّ احتملت الزيادة المبطلة إجماعا بلا تدارك ، بخلاف ما لو بنى على الأكثر مع صلاة الاحتياط.

وإلى ذلك أشار السيد في الانتصار ، قال في توجيه المذهب المشهور بعد دعوى الإجماع عليه : ولأنّ الاحتياط أيضا فيه ، لأنه إذا بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلّى على الحقيقة الأزيد ، فيكون ما أتى به زيادة في صلاته ـ ثمَّ قال ـ : فإذا قيل : إذا بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنّما فعل الأقلّ ، فلا ينفع ما فعله من الجبران ، لأنّه منفصل من الصلاة ، وبعد التسليم. قلنا : ما ذهبنا إليه أحوط على كلّ حال ، لأنّ الإشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري مجرى الإشفاق من تقديم السلام في غير موضعه (٤).

__________________

(١) قرب الإسناد : ٣٠ ـ ٩٩ ، الوسائل ٨ : ٢١٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٢.

(٢) في ص ١٣٩.

(٣) في ص ١٤١.

(٤) الانتصار : ٤٩.

١٤٦

وقريب منه كلام المعتبر والمنتهى (١) ، وكلامهما كالصريح في أنّ البناء على اليقين إنّما يحصل بالبناء على الأكثر ، لا الأقلّ.

ومن هنا يظهر فساد نسبة القول بالبناء على الأقلّ إلى السيد في الناصريّات ، لأنّ ما أوجب هذه النسبة إليه قوله فيها ـ في ذيل قول جدّه الناصر : ومن شكّ في الأوليين استأنف ، ومن شكّ في الأخيرتين بنى على اليقين ـ : هذا مذهبنا ، وهو الصحيح عندنا ، وباقي الفقهاء مخالفون في ذلك (٢). انتهى.

وفي قوله هذا أيضا دلالة على ما ذكرنا ، لأنّ مذهب المخالفين البناء على الأقلّ وسجدة السهو ، وكتبهم بذلك مشحونة ، ودلائلهم عليه مشهورة.

قال البغوي في شرح السنة بعد ذكر رواية مصرّحة بالبناء على الأقلّ مطلقا في الشك في الركعات عن صحيح مسلم : هذا الحديث يشتمل على أحكام ، أحدها : أنّه إذا شك في صلاته فلم يدر الركعة يأخذ بالأقلّ. والثاني : أنّ محل سجدتي السهو قبل التسليم. أمّا الأوّل فأكثر العلماء على أنّه يبني على الأقلّ ، إلى آخره (٣).

هذا مع احتمال البناء على اليقين والنقص معنى آخر ، ذكره الحلّي في توجيه كلام السيد ، زعما منه كون البناء في كلامه البناء على الأقلّ ، وهو : البناء عليه بعد التسليم والخروج عن الصلاة ، قال : فقبل سلامه يبني على الأكثر ، لأجل التسليم ، وبعده يبني على الأقلّ ، كأنّه ما صلّى إلاّ ما تيقنه ، وما شك فيه يأتي به ، ليقطع على براءة ذمته (٤).

وبالجملة فهذه الأخبار موافقة لما مرّ ، ولو قطع النظر عنها فمعارضتها له غير معلومة ، ولو سلّم التعارض فالمكافأة مفقودة.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٩١ ، المنتهى ١ : ٤١٥.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠١.

(٣) حكاه المجلسي (ره) في البحار ٨٥ : ١٨٣.

(٤) السرائر ١ : ٢٥٥.

١٤٧

وعن الصدوق (١) في الفقيه ووالده في الرسالة ، فقالا بالتخيير في هذه الصورة (٢). واستوجهه في الذخيرة (٣).

جمعا بين الفريقين من الأخبار.

وللرضوي المصرّح بالخيار مع اعتدال الوهم في هذه الصورة (٤).

ويردّ الأوّل : بعدم التعارض أوّلا ، كما مرّ ، وعدم التكافؤ ثانيا.

وقد يردّ أيضا : بأنّه جمع بلا شاهد.

ويخدشه أنّ قول الإمام بالتخيير عند التعارض وعدم الترجيح أقوى الشواهد.

هذا مع أنّ في نسبته إلى الصدوق نظرا ظاهرا ، كيف؟! وهو قد صرّح في الأمالي بأنّ البناء على الأكثر من دين الإمامية (٥).

وقال أيضا في الفقيه : ومن شكّ في الثانية والثالثة والرابعة بنى على الأكثر ، وإذا سلّم أتمّ ما ظنّ أنّه قد نقص (٦).

وهذا صريح في موافقة المشهور.

وكأنّ منشأ الاشتباه في النسبة إليه هنا وفيما تقدّم من الشكّ في الأوليين والثنائيّة والثلاثيّة كلام له في الفقيه ، بعد تصريحه أوّلا بوجوب الإعادة في الصور الثلاث المذكورة ، والبناء على الأكثر في ما مرّ ، ثمَّ ذكره صورا كثيرة من الشك وبيان حكمها ، ثمَّ ذكره أخبارا أخر ، حيث قال : وليست هذه الأخبار مختلفة ، وصاحب هذا السهو بالخيار بأيّ خبر منها أخذ (٧).

فأرجع كثير من المتأخّرين الإشارة إلى جميع ما تقدّم من المسائل المتفرّقة ،

__________________

(١) أي : وخلافا للمحكي عن الصدوق .. ، في الصورة الأولى ، وهو الشك بين الثانية والثالثة.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣١.

(٣) الذخيرة : ٣٧٦.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٨ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٢.

(٥) الأمالي : ٥١٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢٥.

(٧) الفقيه ١ : ٢٣١.

١٤٨

مع أنّه غير معلوم ، فهذه النسبة أيضا كالأوّل مقدوحة.

وعن المقنع ، فحكم بوجوب الإعادة في هذه الصورة (١) ، لموثّقة عبيد المتقدّمة (٢).

وفيه ـ مضافا إلى منع دلالتها على الوجوب ، وشذوذها المخرج لها عن الحجية لو دلت عليه ـ : أنّها أعمّ مطلقا من المروي في قرب الإسناد المجبور ضعفه بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع في الحقيقة ، إذ لم ينقل القول بالبطلان إلاّ منه ، وفي كونه قولا منه أيضا نظر ، فإنّه ذكره بعنوان الرواية ، ومثله على الفتوى غير دالّ.

وللمحكي عن الصدوق في الثانية ، فحكي عنه التخيير أيضا (٣) ، واحتمله في المدارك قويا (٤).

جمعا بين ما مرّ ، وبين صحيحة زرارة المتقدّمة (٥) دليلا لقول السيد.

وموثّقة أبي بصير : « إذا لم تدر أربعا صلّيت أم ركعتين ، فقم واركع ركعتين ثمَّ سلّم ، واسجد سجدتين وأنت جالس ، ثمَّ سلّم بعدهما » (٦).

ويردّ الأول : بما مرّ من ظهورها في البناء على الأكثر ، كما مرّ.

والثانية : باحتمالها له أيضا ، فيكون المراد بالركعتين صلاة الاحتياط. وأمّا الأمر بالسجدتين فلعلّه لاستحبابهما ، كما قيل (٧) ، أو محمول على من تكلّم ناسيا ، كما صرّح به في صحيحة ابن أبي يعفور المبيّنة لحكم صورة الشك بين الاثنتين والأربع ، فقال بعد الأمر بالبناء على الأكثر وصلاة الاحتياط : « وإن تكلّم فليسجد‌

__________________

(١) المقنع : ٣١.

(٢) في ص ١٣٨.

(٣) حكاه عنه في الرياض ١ : ٢١٨.

(٤) المدارك ٤ : ٢٦٠.

(٥) راجع ص ١٤٣.

(٦) التهذيب ٢ : ١٨٥ ـ ٧٣٨ ، الوسائل ٨ : ٢٢١ أبواب الخلل ب ١١ ح ٨.

(٧) الرياض ١ : ٢١٩.

١٤٩

سجدتي السهو » (١).

ولو سلّم فيعارض ما مرّ ممّا هو أكثر منهما ، وأوفق بالعمل ، ومع ذلك توافقان العامّة كما مرّ. مع أنّ في نسبته إلى الصدوق ما مرّ.

ولا تبعد نسبة البناء على الأقلّ هنا إلى السيد أيضا عند من ينسب إليه الخلاف في الأولى ، لأنّ كلامه يشملهما ، بل الصورتين الأخيرتين أيضا.

وعن المقنع ، فحكم بالإعادة (٢) ، واحتملها الفاضل في نهاية الإحكام ، والشهيد في الذكرى أيضا (٣) ، وظاهرهما استحبابها ، حيث عبّرا عن البناء على الأكثر بالرخصة ، وهو ظاهر المدارك أيضا (٤).

لصحيحة محمّد : عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعا ، قال : « يعيد الصلاة » (٥).

والجواب عنها : بشمولها لغير الرباعية أيضا ، واختصاص ما مرّ من معارضاتها بالرباعية بقرينة الأمر بصلاة الاحتياط ، فيجب تخصيصها به.

وفي الثالثة للمحكي عن الصدوق أيضا (٦) ، وإن كان فيه ما مرّ ، والإسكافي (٧) ، واستوجهه في الذخيرة (٨) ، فخيّرا بين ما مرّ وبين البناء على الأقلّ ، لصحيحة زرارة المتقدّمة بجوابها (٩).

وفي الرابعة للمنقول عن الإسكافي ، فجوّز البناء على الأقلّ ما لم يخرج‌

__________________

(١) راجع ص ١٤٢.

(٢) المقنع : ٣١.

(٣) نقل عن النهاية والذكرى في البحار ٨٥ : ١٨٢ ، ولكن لم نجده فيهما.

(٤) المدارك ٤ : ٢٦٠.

(٥) التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٤١ ، الاستبصار ١ : ٣٧٣ ـ ١٤١٧ ، الوسائل ٨ : ٢٢١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٧.

(٦) حكاه عنه في المدارك ٤ : ٢٥٨.

(٧) حكاه عنه في المدارك ٤ : ٢٥٨.

(٨) الذخيرة : ٣٧٧.

(٩) راجع ص ١٣٩.

١٥٠

الوقت (١) ، لبعض ما مرّ. وجوابه ظاهر.

المسألة السابعة :

تجب في الصور الأربع المذكورة بعد البناء على الأكثر صلاة الاحتياط ، إجماعا من كلّ من يقول بالبناء عليه.

ففي الأولى (٢) يحتاط بركعتين من جلوس ، أو بركعة من قيام ، مخيّرا بينهما على الأشهر ، كما صرّح به جماعة (٣) ، بل عن الانتصار والخلاف الإجماع عليه (٤) ، له ، ولما عن العماني من تواتر الأخبار به (٥) ، وعن الحلّي من ورود الخبر بكلّ من الأمرين (٦) ، وهما بمنزلة مرسلتين منجبرتين بما مرّ ، ولورود النصّ بهما في الصورة الرابعة ، وعدم القول بالفرق بينهما ، كما يظهر من الذكرى وروض الجنان (٧).

خلافا للمحكي عن العماني والجعفي فقالا بالأوّل (٨) ، ولم يذكرا التخيير ، لظاهر الصحاح الآمرة به في الرابعة ، بضميمة عدم الفرق بينها وبين هذه الصور.

وردّ بورود الخيار فيها أيضا ، كما يأتي.

وعن عليّ بن بابويه وعن المفيد والقاضي وظاهر الديلمي : تحتم القيام (٩) ، واختاره في الحدائق ، وإليه يميل كلام الذخيرة (١٠).

__________________

(١) حكاه عنه في الذكرى : ٢٢٦.

(٢) وهو الشكّ بين الثانية والثالثة.

(٣) منهم : الشهيد في الذكرى : ٢٢٦ ، وصاحب الرياض ١ : ٢١٨.

(٤) الانتصار : ٤٩ ، الخلاف ١ : ٤٤٥.

(٥) حكاه عنه في الذكرى : ٢٢٦.

(٦) السرائر ١ : ٢٥٤.

(٧) الذكرى : ٢٢٦ ، الروض : ٣٥١.

(٨) حكاه عن العماني في المختلف : ١٣٣ ، وعن الجعفي في الذكرى : ٢٢٧.

(٩) حكاه عن ابن بابويه في المختلف : ١٣٣ ، وعن المفيد والقاضي في الرياض ١ : ٢١٨ ، الديلمي في المراسم : ٨٩.

(١٠) الحدائق ٩ : ٢٢٦ ، الذخيرة : ٣٧٧.

١٥١

لقوله عليه‌السلام في المستفيضة المتقدّمة : « فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » (١) فإنّ ظاهرها بل صريحها الموافقة لما نقص.

والمروي في قرب الإسناد المتقدّم (٢).

وردّ : بضعف الأخير. وعدم صراحة الأول ، لأنّ إتمام ما نقص كما يمكن بالموافق يمكن ببدله أيضا ، بل ثبوت الخيار في الرابعة ـ مع شمول هذه الأخبار لها أيضا ـ يعيّن أنّ المراد بإتمامه أعمّ من الإتيان بموافقة ، أو ما يقوم مقامه.

أقول : هذا كان حسنا لو لا الأمر بالقيام في إحدى الموثّقات ، ولكن قال في بعضها : « فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت » (٣) ومع ذلك لا يرد هذا.

فدلالة الموثقة على مطلوبهم صريحة.

ولا يعارضها ما سبق من الإجماع المنقول ، لعدم حجّيته.

ولا دعوى العماني ولا الحلّي ، إذ لا يعلم بعد ما ادّعياه حتّى يظهر دلالته أو عدمها ، والاكتفاء بفهمهما غير جائز.

نعم لو ثبت الإجماع المركّب الذي تقدّم ، تعارض به الموثقة ، بل يقدّم عليها ، إلاّ أنّ ثبوته مشكل.

وقد يستدلّ على المشهور بصحيحة ابن أبي العلاء المتقدّمة (٤) ، حيث إنّه يصدق حينئذ أنّه يستوي وهمه في الثلاث والأربع ، فتجوز له الركعتان جالسا بها ، كما تجوز الركعة قائما بما مرّ. بل بخبر جميل الآتي (٥) ، المصرّح بالخيار.

ولو شكّ في الصدق بعد الفراغ عن السجدتين قبل القيام ، فلا شكّ في الصدق بعده ، ويتمّ المطلوب بالإجماع المركب.

__________________

(١) انظر : الوسائل ٨ : ٢١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨.

(٢) في ص ١٤٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٩ ـ ١٤٤٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب الخلل ب ٨ ح ٣.

(٤) في ص ١٤٣.

(٥) في ص ١٥٧.

١٥٢

ويرد عليهما : أنّ معنى اعتدل وهمه في الثلاث والأربع إمّا في فعل الثلاث والأربع ومضيّهما ، أو في التلبس بهما.

والظاهر من الخبر : الأوّل ، بقرينة السؤال ورجوع الضمائر في الجواب إلى المسؤول عنه. بل هو مراد قطعا ـ للسؤال ـ وإرادة المعنى الأخير غير معلومة.

وأمّا الصحيحة فهي مجملة من هذه الجهة فلا تصلح للتخصيص.

إلاّ أن يقال : العامّ المخصّص بالمجمل ليس بحجة ، فتخرج الموثّقة أيضا عن الحجية ، فلا يجب القيام أيضا ، ويكون المكلّف مخيّرا. إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ الركعة من قيام مجزية قطعا ، فتجب لأصل الاشتغال. فإن منعت قطعية إجزائها ، ثبت بواسطة رواية قرب الإسناد (١) ، المنجبر ضعفها باشتهار إجزائها.

لا يقال : ليس المورد محلّ جريان أصل الاشتغال ، بل يجري أصل البراءة عن القيام ، لثبوت القدر المشترك بينهما بالإجماع.

لمنع ثبوت القدر المشترك من جهة القول بالتخيير ، فإنّه ثبت الزائد عن مهيّة الصلاة ، من التخيير أو أحد الفردين ، فيجب العمل بأصل الاشتغال ، حتّى تعلم البراءة ، وهي لا تعلم إلاّ بالقيام ، فوجوبه الأظهر ، سيّما مع أنّ الموثّقة تثبت المطلوب في صورة الجلوس قبل القيام بلا معارض ، فيضمّ معه الإجماع المركب.

ولعلّه لبعض ما ذكر ، وللأوفقيّة للفائت جعل الفاضلان ـ طاب ثراهما ـ الركعة من قيام هنا وفي الرابعة (٢) أولى من الركعتين جالسا (٣).

وفي الثانية (٤) بركعتين من قيام حتما إجماعا ، كما عن الانتصار والخلاف (٥) ، لما مرّ من الموثّقات ، وخصوص الصحاح المتقدّمة الواردة في المورد.

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٤٦.

(٢) أي : الصورة الرابعة ، وهو الشكّ بين الثالثة والرابعة.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ٣٩٣ ، الفاضل في التذكرة ١ : ١٤٠.

(٤) وهو الشكّ بين الثانية والرابعة.

(٥) لم نجده في الانتصار ، الخلاف ١ : ٤٤٥.

١٥٣

وفي الثالثة (١) بركعتين من قيام ، وركعتين من جلوس ، على الأظهر الأشهر ، كما صرّح به جماعة ممن تأخّر (٢) ، لمرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة (٣).

وعن الصدوقين والإسكافي : الاحتياط بركعة من قيام وركعتين من جلوس (٤) ، واستقربه في الروضة (٥).

لصحيحة البجلي عن أبي إبراهيم عليه‌السلام : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا ، فقال : « يصلّي ركعة من قيام ، ثمَّ يصلّي ركعتين وهو جالس » (٦).

والرضوي : « وإن شككت فلم تدر اثنتين صلّيت أم ثلاثا أم أربعا ، فصلّ ركعة من قيام وركعتين من جلوس » (٧).

وقوّاه في الذكرى من حيث الاعتبار أيضا ، لأنّهما تنضمّان حيث تكون الصلاة اثنتين ، ويجزئ بإحداهما حيث تكون ثلاثا (٨).

ويردّ الصحيحة ، مع ما في سندها من عدم معهودية رواية الكاظم عليه‌السلام عن الصادق عليه‌السلام بهذا النحو ، ومن الاقتصار في بعض النسخ على أبي إبراهيم ، وما في مضمونها من المخالفة للشهرة العظيمة ، أنّها غير صالحة للاستناد ، للاختلاف في متنها ، ففي بعض النسخ ـ كما في المنتقى (٩) وغيره ـ وفي أكثر النسخ ـ كما صرّح به بعض الأجلّة (١٠) ـ : « يصلّي ركعتين من قيام » بدل‌

__________________

(١) وهو الشكّ بين الثانية والثالثة والرابعة.

(٢) منهم : السبزواري في كفاية الأحكام : ٢٦ ، وصاحب الرياض ١ : ٢١٩.

(٣) في ص ١٤٢.

(٤) حكاه عنهم في المختلف : ١٣٣.

(٥) قال في الروضة ١ : ٣٣٠ : .. وهو قريب من حيث الاعتبار .. إلاّ أنّ الأخبار تدفعه.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ٨ : ٢٢٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ١.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٨ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤١١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٢ ح ١.

(٨) الذكرى : ٢٢٦.

(٩) منتقى الجمان ٢ : ٣١١.

(١٠) الرياض ١ : ٢١٩.

١٥٤

« ركعة ».

والرضوي : بالضعف.

والاعتبار : بعدم الاعتبار ، مع أنّه ينازع في قوّته ، من حيث إنّه يستلزم تلفيق البدل الواحد من الفعل قائما وقاعدا على تقدير كون الواحد ركعتين ، ويستلزم زيادة بعض الأفعال كالنية والتكبير في البدل ، وتغيير صورته على التقدير المذكور.

ثمَّ في تبديل الركعتين جالسا بركعة قائما حتما ، كما عن العزّية والديلمي (١).

أو تخييرا ، كما عن الفاضل والشهيدين (٢) ، واختاره بعض مشايخنا الأخباريين (٣).

أو عدم جوازه ، كما عن الأكثر ، ونسبه في الذكرى إلى الأصحاب (٤).

أقوال ، أحوطها الأخير ، بل هو أقواها.

للرضوي المنجبر بالشهرة في المقام ، بل لأصل الاشتغال أيضا ، حيث إنّ جواز الجلوس يقيني بما مرّ.

للأوّل : ظواهر الأوامر العامّة المصرّحة بإتمام ما ظننت قائما.

وللثاني : فحوى مرسلة ابن أبي عمير ، لأنّها إنّما تصلّى لتكون بدلا عن المحتمل فواته ، والركعة قائما أقرب إليه.

ويضعّف الأوّل : بتحقّق القيام المأمور به هنا ، لمكان الركعتين قائما ، ولم يثبت وجوب القيام في كلّ ما يفعل. مع أنّ المرسلة أخصّ منها ، فتخصّصها.

والثاني : بمنع الأولوية ، لأنّها إنما هي على فرض معلوميّة العلّة ، وهي ممنوعة.

وهل يجب تقديم الركعتين من قيام؟ كما عن المفيد في المقنعة والسيّد في أحد‌

__________________

(١) حكاه عن العزية في المختلف : ١٣٤ ، الديلمي في المراسم : ٨٩.

(٢) الفاضل في التذكرة ١ : ١٤٠ ، الشهيد في الذكرى : ٢٢٦ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٣٠.

(٣) انظر : الحدائق ٩ : ٢٤٣.

(٤) الذكرى : ٢٢٦.

١٥٥

قوليه ، والحلّي والروضة والبيان والألفيّة (١) ، وجمع من متأخري المتأخرين (٢) ، وحكي عن الروضة نسبته إلى المشهور (٣) ، وهو غير ظاهر ، لإمكان رجوعه إلى الأربع ركعات لا إلى الترتيب ، كما تؤكّده نسبته التخيير في الذكرى والمسالك إلى الأكثر (٤).

أو الركعتين من جلوس؟ كما يحكى عن بعضهم.

أو يتخيّر في تقديم أيّهما شاء؟ كما هو المشهور.

للأوّل : مكان لفظة « ثمَّ » الدالّة على الترتيب في النصّ.

وفي إثبات الوجوب به هنا نظر.

ودليل الثاني غير معلوم.

وللثالث : الأصل. وهو الأظهر.

وفي الرابعة (٥) بركعتين من جلوس ، أو ركعة من قيام ، مخيّرا بينهما على الأقوى الأشهر.

للأمر بالأوّل في صحيحتي الحلبي وابن أبي العلاء ، وموثقة البقباق المتقدّمة جميعا (٦).

وبالثانية في عموم الموثّقات السابقة (٧) ، وخصوص قوله : « قام فأضاف إليها ركعة أخرى » في صحيحة زرارة المتقدّمة (٨) بالتقريب المذكور.

__________________

(١) المقنعة : ١٤٧ ، حكاه عن السيّد في المختلف : ١٣٤ ، الحلي في السرائر. ٢٥٤ ، الروضة ١ : ٣٣٠ ، البيان : ٢٥٤ ، وقال في الألفية : ٧٣ : والاحتياط بركعتين جالسا وبركعتين قائما.

(٢) كصاحب المدارك ٤ : ٢٦١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٣٧٨ ، وصاحب الرياض ١ : ٢١٩.

(٣) الروضة ١ : ٣٣٠.

(٤) الذكرى : ٢٢٦ ، المسالك ١ : ٤٠٢.

(٥) أي : الصورة الرابعة ، وهو الشكّ بين الثالثة والرابعة.

(٦) في ص ١٤٣.

(٧) راجع ص ١٤١.

(٨) في ص ١٤٣.

١٥٦

فيجمع بينهما بالتخيير ، بشهادة خبر جميل المنجبر ضعفه ـ لو كان ـ بالشهرة العظيمة والإجماع المنقول ، وفيها : « وإذا اعتدل وهمه في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » (١).

بل هو بنفسه قرينة على إرادة الوجوب التخييري.

المسألة الثامنة :

لو شكّ بين الأربع والخمس ، فإن كان بعد الفراغ من السجدتين يبني على الأقلّ‌

وفاقا ، ويسجد سجدتي السهو على الأظهر الأشهر ، وعن العماني نسبته إلى آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

للمستفيضة من الصحاح وغيرها ، كصحيحة ابن سنان : « إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثمَّ سلّم بعدها » (٣).

وأبي بصير ، وهي أيضا قريبة منها (٤).

والحلبي : « إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا ، أم نقصت أم زدت ، فتشهّد وسلّم ، واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا » (٥).

وصحيحة زرارة : « إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلم يدر زاد أم نقص‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٣ الصلاة ب ٤٠ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ١٨٤ ـ ٧٣٤ ، الوسائل ٨ : ٢١٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ١٤٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٥ الصلاة ب ٤١ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٥ ـ ٧٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٥ الصلاة ب ٤١ ح ٦ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل ب ١٤ ح ٣.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠١٩ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ ـ ٧٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ ـ ١٤٤١ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

١٥٧

فليسجد سجدتين وهو جالس » (١).

والفضيل : « من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو ، وإنّما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها » (٢).

ويدلّ عليه أيضا جميع الأخبار المتقدّمة الدالّة على البناء على اليقين والنقصان والجزم ، إذ لا معنى للبناء عليها وصحّة الصلاة بعد احتمال الزيادة إلاّ ذلك. ولا تعارضها أخبار البناء على الأكثر ، لاختصاصها بعدم احتمال الزيادة من جهة اشتمالها على الأمر بإتمام ما نقص.

خلافا للمحكي عن المفيد والخلاف والديلمي والحلبي ، فلم يذكروا سجدتي السهو (٣). بل عن ظاهر الأوّلين : نفيهما. ولم أجد مستنده.

وعن المقنع ، فحكم مع البناء على الأقلّ بصلاة الاحتياط ركعتين جالسا ، بدلا عن سجدة السهو (٤).

وتدلّ عليه رواية الشحّام : « إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستّا فليعد ، وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبّر وهو جالس ، ثمَّ ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ، ثمَّ يتشهّد » (٥).

والرضوي : « وإن لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا ، أو زدت أو نقصت ، فتشهّد وسلّم وصلّ ركعتين وأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك » قال : وفي حديث آخر : « يسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة » (٦).

ويجاب عنهما بالشذوذ الموجب لرفع اليد عنهما.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٤ الصلاة ب ٤١ ح ١ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٠ ـ ١٠١٨ ، الوسائل ٨ : ٢٢٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٦.

(٣) المفيد في المقنعة : ١٤٨ ، الخلاف ١ : ٤٥١ ، الديلمي في المراسم : ٩٠ ، الحلبي في الكافي : ١٤٨.

(٤) المقنع : ٣١.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٦١ ، الوسائل ٨ : ٢٢٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٥.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٢٠ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٤١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ١.

١٥٨

مضافا إلى ما في الثاني من الضعف الشديد ، وفي الأوّل من قصور الدلالة باعتبار أعميّته من المسألة وأخبارها.

وإن كان قبله ، فإن كان قبل الركوع أيضا ، فيجلس حتى ينقلب شكّه إلى ما بين الثلاث والأربع ، فيبني على الأربع ويسلّم ويحتاط ، كما في الشكّ بين الثلاث والأربع ، بلا خلاف ، كما صرّح به جماعة (١) ، لأنّه ما لم يركع شاكّ في أنّ ما صلّى ثلاث حتى يكون ما قام إليه الرابعة ، أم أربع حتى يكون ما قام إليه الخامسة ، فيشمله جميع الأخبار الواردة في حكم من لم يدر أنّه صلّى ثلاثا أم أربعا.

بل يكون الشكّ حقيقة في أوّل الأمر بين الثلاث والأربع ، إذ الشكّ إنّما هو فيما فعل لا ما لم يفعل ، وأمّا ما شرع فيه فلا تصدق عليه الركعة بعد.

وإن كان بعد دخول الركوع وقبل إتمام السجدتين بأقسامه فالمشهور أيضا ـ كما قيل (٢) ـ أنّه أيضا كما بعد السجدتين ، فيبني على الأربع ويسجد سجدتي السهو ، وهو الحقّ.

أمّا البناء على الأربع فلأصالة عدم الزائد الخالية عن المعارض بالمرّة ، إذ ليس إلاّ أخبار البناء على الأكثر ، وهي ـ لاشتمالها على الأمر بإتمام ما نقص ـ لا تشمل هذه الصورة قطعا. وأصالة عدم البطلان المترتّب عليها ذلك ، الخالية عن المعارض ، إذ ليس إلاّ ما يأتي بجوابه. ولأخبار البناء على اليقين والنقصان ، فإنّها بأيّ معنى فسّرت تدلّ على ما ذكرنا من الحكم في المسألة.

وأمّا وجوب سجدتي السهو فلصحيحتي زرارة والفضيل المتقدّمتين.

خلافا للمحكي عن الفاضل (٣) ، وتبعه بعض من لحقه (٤) ، فقال ببطلان الصلاة به ، لما ذكره نفسه ، وهو : التردّد بين محذورين : الإكمال المعرض للزيادة ،

__________________

(١) منهم صاحب الحدائق ٩ : ٢٤٧ ، وحكاه أيضا عن الشيخ عبد الله البحراني.

(٢) في الحدائق ٩ : ٢٤٨.

(٣) في التحرير ١ : ٥٠ ، والقواعد ١ : ٤٣ ، والتذكرة ١ : ١٤٠.

(٤) نسبه في مفتاح الكرامة ٣ : ٣٦٣ إلى الموجز الحاوي لابن فهد الحلّي ، وكشف الالتباس للصيمري.

١٥٩

والهدم المعرض للنقيصة ، بل للزيادة أيضا ، حيث إنّ بدخول الركوع يزيد الركن.

وما ذكره في الروضة (١) ، وهو : خروجه عن النصوص ، فإنّه لم يكمل الركعة حتى يصدق عليه أنّه شكّ.

ويرد على الأوّل : أنّه إن أراد من المحذورين تيقّن الزيادة والنقيصة فهو ممنوع ، كيف؟! وليس في الإكمال إلاّ احتمال الزيادة. وإن أراد احتمالها فكونه مبطلا ممنوع ، ولا دليل عليه ، بل في الموثّقة : « إذا استيقن أنّه زاد فعليه الإعادة » (٢) ومفهومها أنّه لا يعاد مع عدم التيقّن.

وبتقرير آخر : إن كان نظره إلى أنّه يشترط في صحّة الصلاة أن يفعل على وجه لا يحتمل البطلان فهو ظاهر البطلان ، إذ لا يتحقّق في شي‌ء من صور الشك. وإن أراد أنّه يشترط فيه أن يفعل على وجه يحتمل الصحّة فالإكمال هنا كذلك.

وعلى الثاني : أنّه إن أراد خروجه عن نصوص الشكّ بين الأربع والخمس ، كما هو ظاهر كلامه ، فهو كذلك ، ولكن لا يفيد ، إذ لا يقتضي ذلك البطلان بوجه. وإن أراد خروجه من مطلقها عامّها وخاصّها فهو ممنوع ، كما عرفت ، مع أنّ اقتضاءه البطلان أيضا ممنوع.

وممّا يمكن أن يستدلّ له أيضا أخبار الشكّ بين الثلاث والأربع ، فإنّ المسألة من أفراده ، فإنّه يشكّ في أنّ الركعة التي صلاّها وأتمّها قبل ما هو فيه ، هل الثالثة أم الرابعة ، ومقتضى أخباره البناء على الرابعة ، وإذا بنى عليها يكون ما فعله بعدها زائدا ، فتلزم زيادة الركوع قطعا ، فتبطل.

ويردّ : بأنّ مقتضى تلك الأخبار البناء على الرابعة ، وأنّ الصلاة صحيحة بقرينة الأمر بالاحتياط وإتمام الصلاة ، فلا تشمل صورة البطلان. مع أنّه لو سلّم‌

__________________

(١) الروضة ١ : ٣٣٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٤ الصلاة ب ٤١ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ ـ ٧٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ ـ ١٤٢٨ ، الوسائل ٨ : ٢٣١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

١٦٠